محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53
آية (1): "وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هذَا فِي الْجَلِيلِ، لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ."
في الإصحاح السابق رأينا المسيح خبز الحياة وهنا نراه ماء الحياة. فلا حياة بدون ماء، وهو صار حياتنا "لي الحياة وهو المسيح". والماء رمز للروح القدس (يو37:7-39) والسيد المسيح يرسل لنا الروح ليثبتنا فيه فيكون لنا حياة، فهو الروح المحيي.
لقد رُفِضَ الرب يسوع في الجليل وهذا رأيناه في الإصحاح السابق. ورُفِضَ أيضًا في اليهودية إلاّ أن رافضيه في اليهودية كانت مقاومتهم أعنف، بل بتهديد بالقتل (يو 13:7، 19، 25، 30، 32، 44؛ 37:8، 40، 50). وبين (ص6، ص7) حدثت أحداث يوردها باقي الإنجيليين في (مت12-18+21)+ (مر7-9)+(لو18:9-50). وهذا كله لخصه يوحنا في هذه الآية. وأحداث الجليل هذه استغرقت (6-7) شهور من الفصح للمظال.
هنا نرى أن المسيح أتى ليعطيهم حياة (ص4، 6) وهم يريدون قتله. وفي الإصحاح السابق رأينا الآب هو الذي يجذب والناس أحرار في أن تؤمن أو ترفض. لكن من يؤمن فقد حصل على الحياة. وهذا هو الوضع حتى الآن.
آية (2): "وَكَانَ عِيدُ الْيَهُودِ، عِيدُ الْمَظَالِّ، قَرِيبًا."
عيد اليهود
= يقول هذا لأن العيد لم يَعُد لله وما عادوا هم شعب الله بعد صلبهم ورفضهم للمسيح. فكيف يفرح معهم الله بأعيادهم. ولكن يوحنا هنا ذكر اسم العيد لأن الرب يسوع استخدم الطقوس (الماء والنور) التي يمارسونها في هذا العيد ليطبقها على نفسه في هذا الإصحاح والإصحاح التالي. وعيد المظال هو أكبر الأعياد اليهودية وأكثرها مسرة ويوافق شهر (سبتمبر/ أكتوبر) وهو أحد 3 أعياد يذهبون فيها ليعيدوا في أورشليم. وهو آخر الأعياد اليهودية في السنة اليهودية. وهو 8 أيام واليوم الثامن يسمى اليوم العظيم من العيد. وهم يسكنون فيه في مظال كذكرى لتغربهم في سيناء واليوم الثامن ذكرى دخولهم أرض الميعاد. وفيه فرح بالحصاد (حصاد العنب) لذلك يدعى عيد الحصاد فكان عيد فرح فالمال كثير والجو حلو مناسب. وكانوا يقيمون المظال في ساحات المنازل والشوارع وعلى أسطح المنازل ليذكروا غربتهم في سيناء+ دخولهم لأرض الموعد+ شكر لله على الحصاد. وكان هذا رمزًا لدخولنا السماء (بالذات اليوم الثامن بعد الأيام السبعة التي تشير للغربة على الأرض). وكان رئيس الكهنة يوميًا خلال أيام العيد (في رأي أنه خلال السبعة الأيام وفي رأي آخر خلال الأيام الثمانية كلها) يخرج بملابسه الرسمية ومعه قدر من ذهب يملأه من بركة سلوام ثم يتجه للمذبح ويصبه في فوهة فضية يخرج منها أنبوب فضي، ليصرف الماء إلى وادي قدرون. وكان هذا تذكارًا للصخرة التي أخرجت لهم ماء ويردد الشعب (أش2:12-3+6) وكانوا يقرأون في هذا العيد (زك8:1-9 + حز47 + أش12) والرب يسوع إتخذ هذا المشهد أساسًا لتعليمه الذي قال فيه "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب (يو37:7-38) وكأنه يرد على هتاف اللاويين بنشيد الصخرة بأنهم يتحدثون عنه هو (إش2:12-3+6). فعيد المظال كان مرتبط بالماء. والمسيح قال في العيد أنا مصدر الماء (الصخرة). وكان في العيد أيضًا يضاء منارات ذهبية (منارة كبرى لها 8 شعب تضاء واحدة كل يوم من أيام العيد + 4 منارات أخرى) والمنارات موضوعة في دار النساء في الهيكل. وكان ضوء هذه المنارات شديدًا جدًا حتى أنه يضيء أفنية بيوت أورشليم. وكان هذا النور تذكارًا لعمود النور الذي رافقهم في البرية. والرب يسوع إستخدم هذا المنظر في تعليمه "أنا هو نور العالم" (يو 12:8).وكانوا يقدمون ذبائح كثيرة في هذا العيد ولذلك أضاف المسيح لماذا تريدون أن تقتلوني فهو يعرف أنه الذبيحة الحقيقية الذي سيقتلونه (يو 19:7). وفي هذا العيد أتوا بامرأة أمسكت في زنا ونسوا أن آباءهم زنوا في البرية وبسبب زناهم ماتوا (يو 3:8).
الآيات (3-7): "فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «انْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، لِكَيْ يَرَى تَلاَمِيذُكَ أَيْضًا أَعْمَالَكَ الَّتِي تَعْمَلُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ شَيْئًا فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلاَنِيَةً. إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ هذِهِ الأَشْيَاءَ فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَمِ». لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ، وَأَمَّا وَقْتُكُمْ فَفِي كُلِّ حِينٍ حَاضِرٌ. لاَ يَقْدِرُ الْعَالَمُ أَنْ يُبْغِضَكُمْ، وَلكِنَّهُ يُبْغِضُنِي أَنَا، لأَنِّي أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَعْمَالَهُ شِرِّيرَةٌ."
هؤلاء الإخوة ربما هم من أولاد يوسف خطيب مريم من زواج سابق أو أولاد خالته أو أولاد أعمامه (مت55:13+ مر21:3+31) أو غيرهم من أقاربه. ولم يكن كل أقاربه مؤمنون به بل كان كثيرون منهم ربما بسبب غيرتهم من شهرته، كانوا يكرهونه بل يقولون أنه مختل. وهم لأنهم أكبر منه سنًا أتوا ليقدموا إليه نصيحة في صورة نقد.. أي لماذا أنت مختبئ في الجليل ها أنت خائف من اليهود بسبب تهديدهم لك في أورشليم. وكانت نصيحتهم أن يذهب لأورشليم وهناك أحد احتمالين:
أن يقتله اليهود وكان مقصدهم أن يتخلصوا منه. أو أن الرؤساء الدينيين يكتشفوا زيف مقاصده.
أن يملك فعلًا فيتعظمون معه ولذلك يدفعونه للشهرة في اليهودية (وحجاج أورشليم سيشهرونه في كل العالم بعد عودتهم لبلادهم) لكن هو طريقه الصليب. ولكن كلامهم كان يحمل معاني التعيير والشماتة.
أما رد المسيح فإنه كان: أن ساعة الصليب لم تأتي بعد. فساعة ظهوره العلني ستأتي سريعًا بالصليب. وما زال أمامه وقت يكمل فيه تعليمه، أما هم فهم يستطيعون الذهاب إلى أورشليم كل وقت بلا خوف فليذهبوا إن أرادوا، أمّا المسيح فلا يذهب هذه المرة إلاّ ليصلب. والوقت عند المسيح محدد بالدقائق ولكل شيء وقته حسب حكمته. إذًا هو ليس خائفًا من الصليب لكن لديه عمل يكمله قبل الصليب.
لا يقدر أن يبغضكم
= فأفكاركم كأفكار العالم. العالم عند المسيح يعني العالم بدون الله، ولأنه رأى الشر في قلوب إخوته وجدهم يشبهون العالم لذلك قال لن يبغضهم العالم فأعمالهم متوافقة مع العالم. لذلك سلَّم المسيح أمه ليوحنا ولم يسلمها لأحد هؤلاء الإخوة. ويذكر أن يعقوب ويهوذا ليس الإسخريوطي وهما إخوة الرب صارا من تلاميذه ولهما رسالتين باسميهما. وربما تعثرا في المسيح أولًا لرفضه المُلك لكنهم آمنوا به بعد ذلك ولكنه يبغضني لأني أشهد عليه= فالمسيح يتكلم بالحق والعالم لا يحتمل من يكلمه بالحق. وأهل العالم لا يحتملون التبكيت ويواجهونه بالهجوم (راجع رؤ10:11).أما وقتكم في كل حين حاضر
= فهم بسلوكهم المادي وبغضتهم له، هم جزء من العالم، يتصرفوا مثل العالم، يطلبون الشهرة فوقتهم حاضر في كل حين فهم جزء من العالم. وقته الذي حدده هو أن يذهب للصليب، ووقتهم أنه يذهب للشهرة، وهذا ما لم يرده. أي زمان تريدون الذهاب فيه إذهبوا= وقتكم = لتحتفلوا بطريقتكم. أما أنا فوقتي هو الصليب. وقتكم دائمًا حاضر في هذا العالم لتفرحوا، فالعالم لا يهددكم بخطر فأنتم من العالم. وقتي لم يحضر بعد= هو له خطة إلهية يسير بمقتضاها للصليب وذلك بالاتفاق مع الآب.
الآيات (8-10): "اِصْعَدُوا أَنْتُمْ إِلَى هذَا الْعِيدِ. أَنَا لَسْتُ أَصْعَدُ بَعْدُ إِلَى هذَا الْعِيدِ، لأَنَّ وَقْتِي لَمْ يُكْمَلْ بَعْدُ». قَالَ لَهُمْ هذَا وَمَكَثَ فِي الْجَلِيلِ. وَلَمَّا كَانَ إِخْوَتُهُ قَدْ صَعِدُوا، حِينَئِذٍ صَعِدَ هُوَ أَيْضًا إِلَى الْعِيدِ، لاَ ظَاهِرًا بَلْ كَأَنَّهُ فِي الْخَفَاءِ."
لم يرد المسيح أن يصعد معهم لأن هدفهم أن يظهر المسيح في مجده ويعلن عن ملكه. والمسيح يقول لإخوته إصعدوا أنتم لتحتفلوا بالعيد كما تريدوا أنا لا أصعد بعد= أي أنا لا أصعد الآن معكم فهو صعد بعدهم، لكن لا ليُعَيِّدْ مثلهم أو لِيُظْهِر نفسه كما يريدوا بل صعد في الخفاء فهو لا يستعرض قوته ولا يريد إثارة اليهود، فوقت الصليب لم يأتي بعد. ولاحظ دقة المسيح فهو لم يقل أنا لن أصعد بل أنا لا أصعد بعد= أي لن أصعد الآن. وهو لا يريد الإثارة وسط الرؤساء خصوصًا أن الصعود لأورشليم كان يصاحبه غناء وتهليل في مواكب، وهذه ليست طريقة المسيح في الفرح. وكان صعودهم إلى أورشليم مع الجليليين الذين يذكرون معجزة الخمس خبزات وهؤلاء كانوا سيصنعوا ثورة في دخوله لأورشليم وهذا ما لا يريده. وهو أراد أن يصعد ليكمل رسالته أولًا ثم يقدم نفسه ذبيحة، وهذا ما يفرح المسيح - خلاص البشر. والمسيح لم يصعد مباشرة إلى أورشليم بل جاء أولًا إلى تخوم اليهودية (مت1:19+ مر1:10) أي مرَّ على إقليم بيرية. وهذا يوضح قصد الرب أنه لن يصعد إلى أورشليم مباشرة. وبعد بيرية ذهب إلى تخوم اليهودية ثم ذهب لأورشليم. ولما أرادوا أن يمسكوه ذهب ثانية إلى عبر الأردن (يو39:10-40). ثم في نهاية رحلته حطّ الرحال في بيت عنيا لزيارة لعازر ومريم ومرثا (لو38:10-39) ومن قرية بيت عنيا دخل إلى أورشليم في منتصف العيد. السيد بانفصاله عن إخوته في صعودهم للعيد أراد أن يُظهر أن مفاهيمه غير مفاهيمهم وطرقه غير طرقهم. ونضيف كيف يفرح مع إخوته وقلوبهم إمتلأت شرا. وكان انفصاله في الزمن وخط سير الرحلة. وقتي لم يكمل بعد= أي وقت الصليب لم يأتي. فلا أريد إثارة الآن.
الآيات (11-14): "فَكَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَهُ فِي الْعِيدِ، وَيَقُولُونَ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» وَكَانَ فِي الْجُمُوعِ مُنَاجَاةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ نَحْوِهِ. بَعْضُهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّهُ صَالِحٌ». وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: «لاَ، بَلْ يُضِلُّ الشَّعْبَ». وَلكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ جِهَارًا لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ. وَلَمَّا كَانَ الْعِيدُ قَدِ انْتَصَفَ، صَعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْهَيْكَلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُ."
واضح أن المسيح كان غائبًا في الأيام الأولى للعيد. فكان اليهود= أي الكل أصدقاء وأعداء. وربما لم يفصح المسيح لإخوته أنه سيصعد حتى لا يعطي فرصة لأعدائه أن يدبروا مكائدهم ضده. أين ذاك= تأتي بمعنى الاحتقار، لكنهم يريدون رؤيته لمعجزاته. مناجاة= في أصلها تعني لغط دليل على تعارض أراء الناس وللآن فأراء الناس في المسيح متضاربة. من نحوه= أصلها بخصوصه. لم يكن أحد يتكلم عنه= بمديح أو إعجاب لسبب الخوف من اليهود= أي الرؤساء من فريسيين وكهنة وكتبة فكان من يساندون المسيح خائفين أن يظهروا ذلك أمام الرؤساء. ولما أنتصف العيد= أي بعد أربعة أيام.
البعض يقولون أنه صالح= أي طاهر ونقي لكن بدون إيمان أنه المسيا.
وكان يُعَلِّم= بسلطان شارِحًا ومفسرًا العهد القديم.
آية (15): "فَتَعَجَّبَ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «كَيْفَ هذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟»"
هذه أول نقطة تعثروا فيها في المسيح.. ما هو مصدر تعليمه. الكتب= الأسفار المقدسة. وهو لم يتعلم= لا تعني أن المسيح كان جاهلًا فهو كتب على الأرض (يو 6:8-8) وناقش الشيوخ في الهيكل وعمره 12 سنة (لو 3) ولكن المقصود أنه لم يتتلمذ على يد أحد الربيين. وقوة تعاليم المسيح التي سببت دهشة الجموع راجعة للمصدر الإلهي الذي فيه فهو واضع الناموس.
آية (16): "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي."
معروف عند اليهود أن أي ناموسي لا تقبل شهادته إلاّ إذا أعلن عن الشخص الذي تلقى عنه
المعلومة، ويجب أن يكون رابي أي معلم رسمي معترف به لذلك يقول يسوع هنا: تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني أي الآب. إذًا أيها اليهود إبحثوا عن الحق في تعليمي، فتعليمي يعلن أن الله مصدره، إذًا فالله هو الذي أرسلني. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولا تبحثوا عن مصدر لتعليمي من مصادركم (يو11:3+ 49:12+ 10:14). ومع أن المسيح والآب واحد إلاّ أن السيد المسيح قال إن التعليم هو للآب "الله كلمنا في ابنه" (عب1:1) فلو قال أنه هو مصدر التعليم لرفضوه، فهم قطعًا يجهلوا علاقة المسيح بالآب.
آية (17): "إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ اللهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي."
الرب يطرح أمام سامعيه الوسيلة للتحقق من المصدر الإلهي لتعليمه وهذه الوسيلة هي أن من يريد أن يصنع مشيئة الله سيجد نفسه في توافق مع كلام المسيح. وبالتالي نستنتج أن الإنسان الذي يؤمن بالمسيح وأنه أتى من الآب يكون هو الإنسان الذي شاء ويشاء أن يعمل ويعرف مشيئة الآب. الذي يتعلم عند الربيين عنده مجموعة من المعلومات، ولكن السيد هنا يتكلم عن المعرفة الاختبارية لمن ينفذ مشيئة الآب (مت7: 24-27). إن شاء أحد= مَنْ يريد أن يطيع الله، أو مَنْ يتخذ قرارًا في حياته أن يطيع وصايا الله ويلتزم بالناموس ليرضي الله. يأخذ نورًا من الله ليعرف نوع التعليم وأنه من الله، وليس من يبحث بالطرق العلمية. إذًا المعرفة متوقفة على خضوع القلب لله.
آية (18): "مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ."
من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه
= هذا مبدأ عام يطبقه المسيح على نفسه. ومثل هذا الإنسان الذي يتكلم من نفسه بدون دعوة إلهية، يكون طالِبًا مجد نفسه فيدعي ما ليس فيه. أما أنا فأطلب مجد الآب. المسيح هنا يثبت ارتباطه بالآب، بأنه لا يطلب شيئًا لنفسه بل مجد الله الآب ولأنه أخرج نفسه من طلب الثمن فتعليمه يكون إلهيًا تمامًا. وبالنسبة لأي خادم يبحث عن مجده الشخصي وثمنًا لخدمته يكون كمن يبتز مجد الله لحساب نفسه. وكلام المسيح هنا هكذا لأنه أخلى ذاته آخذًا صورة عبد (في7:2 + يو41:5) بل هو غسل أرجل تلاميذه. لذلك مجّده الآب (يو28:12).ليس فيه ظلم
= ليس فيه بطلان أو كذب.
آية (19): "أَلَيْسَ مُوسَى قَدْ أَعْطَاكُمُ النَّامُوسَ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَعْمَلُ النَّامُوسَ! لِمَاذَا تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي؟»"
ألَيْسَ مُوسَى قَدْ أَعْطَاكُمُ النَّامُوسَ = يبدأ المسيح من هنا الرد على اتهامهم بأنه كسر الناموس إذ قام بشفاء مريض بركة بيت حسدا (ص5) يوم سبت. ويقول لهم هنا، بل أنتم من تكسرون ناموس موسى.
وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَعْمَلُ النَّامُوسَ = لو كنتم تتبعون وصايا الناموس وتعملون به، لكنتم قد عرفتم أنني من الآب. فالمسيح هنا يهاجم اليهود ويتهمهم بأنهم هم الذين يخالفون الناموس وليس هو، وأنهم لم يتبعوا وصايا الناموس والتي هي مشيئة الآب. ولو اتبعوا الناموس لكانوا قد اكتشفوا مصدر تعليم المسيح الإلهي، وأن تعليمه مطابق لإرادة الآب حسب آية (17). ولأنهم لا يتبعون الناموس، لم يعرفوه ولذلك يريدون قتله. وهذا ضد الناموس فلماذا يقتلونه وهو برئ، وهم شهدوا في آية (15) أن تعليمه على مستوى فائق.
المسيح هنا يهاجم اليهود ويتهمهم بأنهم يخالفون الناموس فهم يريدون قتله، وهذا ضد الناموس فلماذا يقتلونه وهو بريء، وهم شهدوا في آية (15) أن تعليمه على مستوى فائق. والمسيح يهاجمهم لأنهم لم يكتشفوا مصدر تعليمه الإلهي وشهادته للآب وبالتالي فحسب آية (17) فهم لا يريدوا أن يصنعوا مشيئة الآب، فلو أرادوا لعرفوه وعرفوا مصدره الإلهي.
الآيات (20-24): "أَجَابَ الْجَمْعُ وَقَالوُا: «بِكَ شَيْطَانٌ. مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَقْتُلَكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «عَمَلًا وَاحِدًا عَمِلْتُ فَتَتَعَجَّبُونَ جَمِيعًا. لِهذَا أَعْطَاكُمْ مُوسَى الْخِتَانَ، لَيْسَ أَنَّهُ مِنْ مُوسَى، بَلْ مِنَ الآبَاءِ. فَفِي السَّبْتِ تَخْتِنُونَ الإِنْسَانَ. فَإِنْ كَانَ الإِنْسَانُ يَقْبَلُ الْخِتَانَ فِي السَّبْتِ، لِئَلاَّ يُنْقَضَ نَامُوسُ مُوسَى، أَفَتَسْخَطُونَ عَلَيَّ لأَنِّي شَفَيْتُ إِنْسَانًا كُلَّهُ فِي السَّبْتِ؟ لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلًا»."
أجاب الجمع
= أي ليس الرؤساء. وهؤلاء لا يعرفوا نوايا الرؤساء. هؤلاء إنعمت بصيرتهم فظنوا أن المسيح به شيطان. هم غالبًا لم يدروا أن الفريسيين يخططون لقتله، فقالوا به شيطان إذ قال أنهم يريدون قتله. وقولهم به شيطان يشير لأنه مجنون. ولكن كيف يقولون هذا، فهم رأوه قد شفى مريض بيت حسدا. وثاني نقطة تعثروا فيها في المسيح أنه يشفي في السبت = عملًا واحدًا عملت= شفاء المريض يوم السبت (إصحاح 5).ليس أنه من موسى
= لأنهم يقولون له أنت كاسر لناموس موسى، والسيد يقول بل ناموس (أو وصية) الختان هو أسبق من موسى فهو من أيام إبراهيم= الآباء= الله طلب الختان من إبراهيم ثم قننه موسى. فكيف لم يفهموا أنها بركة من بركات الله ويسيئوا ويعوجوا الفهم. والمسيح ضرب لهم مثلًا فالختان هو عمل وهم يكسرون السبت ليعملوا هذا العمل، يكسرون حرفية الناموس لأنهم يطبقون ناموسًا يرونه الأفضل وهو الختان الذي به يصيرون من شعب الله، فلماذا لا يكسر المسيح حرفية ناموس السبت لأجل ناموس أفضل وهو الإبراء التام. وهذا الناموس الأفضل هو ناموس الرحمة. لو كانوا يحكمون حكمًا عادلًا لفهموا أن المسيح قد أكرم السبت (راجع مقدمة الإصحاح الخامس). عَمَلًا وَاحِدًا عَمِلْتُ فَتَتَعَجَّبُونَ جَمِيعًا. لِهذَا أَعْطَاكُمْ مُوسَى الْخِتَانَ = كلام السيد هنا يعني أن الله أعطى إبراهيم ناموس الختان ليصبح المختون من شعب الله وابنًا له. وجاء موسى ليؤكد المعنى في الناموس. فهذه إرادة الله عودة البشر إليه وشفاءهم من أثار الخطية التي فصلتهم عنه فتألموا ومرضوا وماتوا، إرادة الله هي شفاء البشر شفاءً كاملًا نفسًا وجسدًا وروحًا "أنا هو الرب شافيك" (خر15: 26). وما عملته مع هذا المريض هو ما يريده الله لكل إنسان أي الشفاء من الطبيعة الساقطة المتألمة.
الآيات (25-27): "فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ أُورُشَلِيمَ: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ؟ وَهَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جِهَارًا وَلاَ يَقُولُونَ لَهُ شَيْئًا! أَلَعَلَّ الرُّؤَسَاءَ عَرَفُوا يَقِينًا أَنَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ حَقًّا؟ وَلكِنَّ هذَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَمَتَى جَاءَ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْ أَيْنَ هُوَ»."
من أهل أورشليم= أي ساكنين في أورشليم وليسوا حجاجًا. يطلبون أن يقتلوه= هؤلاء يعلمون مؤامرات الفريسيين ضده أما أهل الجليل فلا يعرفون (آية 20). الذي يتكلم هنا هو الشعب العادي وهؤلاء واضح أنهم سمعوا حديث المسيح السابق مع الفريسيين فانحازوا للمسيح ولكن بقيت لهم مشكلة أنهم توارثوا عن آبائهم أن المسيح إذا أتى لا يكون معروفًا من أين يأتي. ولكنهم هم يعرفون أباه وأخوته. هذه هي النقطة الثالثة التي أعثرتهم في المسيح، فهو من الجليل وهم يحتقرون الجليليون. وكتب اليهود تقول أنه حين يأتي لا يعرف أحد من أين أتى ونحن نعرف أباه وأمه (راجع ملا1:3). والمسيح عرف ما في قلوبهم ورد عليهم بالآتي.
غالبًا فكرة أن المسيح إذا أتى لا يكون معروفًا من أين أتى، من انقسام الربيين في تحديد مكان ميلاد المسيح. 1*فهناك من قال أن المسيح سيولد في بيت لحم وإستند على قول ميخا النبي "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ ٱلْأَزَلِ" (مى5: 2). والمسيح وُلِد فعلًا في بيت لحم. 2*وهناك من قالوا لا بل يولد في برج القطيع. وهؤلاء استندوا على نبوة أخرى لميخا النبي أيضًا "وَأَنْتَ يَا بُرْجَ ٱلْقَطِيعِ، أَكَمَةَ بِنْتِ صِهْيَوْنَ إِلَيْكِ يَأْتِي. وَيَجِيءُ ٱلْحُكْمُ ٱلْأَوَّلُ مُلْكُ بِنْتِ أُورُشَلِيمَ" (مى4: 8). وبرج القطيع هذه كانت حيث يوجد الرعاة المُتبدين (لو2: 8-14) الذين يرعون الخراف المختومة (يكشف عليها الكهنة ويختمونها دليلا على أنها بلا عيب رمزا للمسيح الكامل الذي هو بلا خطية يو6: 27). وهذه الخراف المختومة هي التي سيقدم منها الذبائح في الهيكل. والملائكة ظهروا لهؤلاء الرعاة الذين يرعون الخراف التي ترمز للمسيح، ليدلونهم عن المسيح حمل الله المرموز له بهذه الخراف التي يرعونها.
ولكن فكر الربيين كان حق فهل كان يتصور أحد أن المسيح الذي يظهر بغتة (ملا3: 1) يكون آتيًا من السماء بل هو يهوه بنفسه.
الآيات (28-31): "فَنَادَى يَسُوعُ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ قِائِلًا: «تَعْرِفُونَنِي وَتَعْرِفُونَ مِنْ أَيْنَ أَنَا، وَمِنْ نَفْسِي لَمْ آتِ، بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌ، الَّذِي أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. أَنَا أَعْرِفُهُ لأَنِّي مِنْهُ، وَهُوَ أَرْسَلَنِي». فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَدًا عَلَيْهِ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ. فَآمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ، وَقَالُوا: «أَلَعَلَّ الْمَسِيحَ مَتَى جَاءَ يَعْمَلُ آيَاتٍ أَكْثَرَ مِنْ هذِهِ الَّتِي عَمِلَهَا هذَا؟»."
فنادى= أي مناداة بصوت عالٍ. والمسيح قال أنتم تعرفون أبي وإخوتي حسب الظاهر ولكن حتى الظاهر أنتم لا تعرفونه كله، فأنتم لا تعرفون أنني ولدت من عذراء ويوسف ليس أبي، وأنا مولود في بيت لحم وليس الناصرة وكنت ناصريًا حسب النبوات، كل هذا هو الظاهر ولستم تعرفونه. وبالتالي أنتم بالتأكيد لن تعرفوا أصلي السماوي، وأن الآب هو الذي أرسلني وهو قال عن الله حق وأنه هو من الحق. لأني منه= ومن سمعوه فهموا أنه يتكلم عن الله وأنه هو من الله. والمسيح بهذا الكلام أثبت أن ما يتوارثونه كان حقيقيًا وأن أحدًا لن يعلم من أين أتى فهو أتى من الله من حيث لا يعرفون. ولذلك طلب الرؤساء أن يقتلوه [1] إذ قال أنه من الله [2] إذ قال عنهم أنهم لا يعرفون الله الذي أرسله. ولكن بعض الشعب كان لهم نورًا يميزون به الحق من الباطل وهؤلاء صدقوا كلامه بسبب الآيات التي صنعها. من نفسي لم آتِ= لم آت لأعمل لحساب نفسي بل أنا مرسل من الآب أعمل لحساب مجده وخلاص البشرية كلها. كإنسان لم يأتِ من نفسه وكإبن لله لم يأخذ بدايته من إنسان. ساعته لم تكن قد جاءت بعد = الله أفسد خططهم لقتله حتى يتمم مهمته في التعليم وإعداد الرسل الذين سيكملوا عمله لبناء كنيسته.
أنَا أَعْرِفُهُ لأَنِّي مِنْهُ، وَهُوَ أَرْسَلَنِي = أعرفه تعنى (أنا واحد معه – راجع تفسير مت11: 27). فالابن مولود من الآب ولادة نور من نور بلا إنفصال. وإرسال الابن يعنى أنه تجسد وتأنس وهذا بالمشورة الثالوثية أن الابن هو الذي يتمم الفداء (إش48: 16).
الآيات (32-36): "سَمِعَ الْفَرِّيسِيُّونَ الْجَمْعَ يَتَنَاجَوْنَ بِهذَا مِنْ نَحْوِهِ، فَأَرْسَلَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ خُدَّامًا لِيُمْسِكُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا يَسِيرًا بَعْدُ، ثُمَّ أَمْضِي إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي. سَتَطْلُبُونَنِي وَلاَ تَجِدُونَنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا». فَقَالَ الْيَهُودُ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «إِلَى أَيْنَ هذَا مُزْمِعٌ أَنْ يَذْهَبَ حَتَّى لاَ نَجِدَهُ نَحْنُ؟ أَلَعَلَّهُ مُزْمِعٌ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى شَتَاتِ الْيُونَانِيِّينَ وَيُعَلِّمَ الْيُونَانِيِّينَ؟ مَا هذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَ: سَتَطْلُبُونَنِي وَلاَ تَجِدُونَنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا؟»."
بلغ رؤساء الكهنة (وعملهم سياسي أكثر من ديني) أن بعض الشعب بدأ يؤمن به فأرسلوا له بعض الخدام= هم ضباط تابعين للكهنة، ضباط لهم سلطة إلقاء القبض. والرؤساء يشملون أيضًا السنهدريم وله سلطة المحاكمات وتصريف الأمور دون أن يصدر حكم بالموت وكان ذلك أثناء حكم الرومان. والسنهدريم كان يتكون من رؤساء الكهنة الحاليين والسابقين والصدوقيين وكانوا يسمونهم الكهنة أو الشيوخ ولهم مركز قضائي وليس ديني ويتكون أيضًا من الفريسيين والكتبة أو الناموسيون ولهم دراية واسعة بالناموس وعملهم الحفاظ على التقاليد.
أنا معكم زمانًا يسيرًا
= المسيح يقول هذا ليعلن أنه عالم بخططهم لقتله. فهو يعلم أنه سيصلب بعد ستة شهور وبعد هذا يصعد للسماء. فالفصح يأتي بعد المظال بستة شهور. ولكن هؤلاء الضباط فوجئوا بهيبته وكلامه المؤثر فشلَّت أيديهم. كان كلامه فيه روح وحياة أنعش نفوسهم المجدبة، فلم يمسكوا يسوع وفضلوا أن يفقدوا وظائفهم. أمضي إلى الذي أرسلني= أنتم مرسلون لإلقاء القبض عليَّ بعنف وأنا مرسل برسالة محبة.. هذا ما بكت ضمير الضباط. لا تقدرون أنتم أن تأتوا= فلا أحد يأتي للآب إلاّ بي وأنتم لا تؤمنون بي. أنا بعد الصلب أصعد وأجلس عن يمين الآب. وسأُعِّد مكانا لمن يؤمن بي ليكون معي. أما من يرفضني لن يقدر أن يأتي ليكون معي. ولكن السيد كرر هذه العبارة مع اختلاف كبير لتلاميذه، إذ قال لهم "وَكَمَا قُلْتُ لِلْيَهُودِ: حَيْثُ أَذْهَبُ أَنَا لَا تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا، أَقُولُ لَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْآنَ" (يو13: 33). وقال لبطرس "أَجَابَهُ يَسُوعُ: حَيْثُ أَذْهَبُ لَا تَقْدِرُ ٱلْآنَ أَنْ تَتْبَعَنِي، وَلَكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي أَخِيرًا" (يو13: 36). فمن يؤمن به ويتبعه سيكون له نصيب في نفس المكان الذي سيذهب هو إليه.
أمضي هنا تعني مجرد أنسحب.
أمّا حين قال أنا أمضي لأعد لكم مكانًا. فالفعل يمضي يشير لأنه ذاهب ليكمل عمل.
وحين قال إنه خيرٌ لكم أن أنطلق.. فالفعل أنطلق يشير لذهاب فُرقة (أي سيفترق عنهم).
ولا تجدونني= لأنه في مجد أبيه حيث لا يُرى بالعين بل بالإيمان. تطلبونني ولا تجدونني= إن أصر الإنسان على خطاياه يطلب الله ولا يجده. وأيضًا لو كانت كل طلباته مادية ولا يهتم بأن يعرف الله. يذهب لليونانيين= هذه سخرية من المسيح فاليهود يعتقدون أن المسيح سيأتي لهم أي لليهود فقط، وذهابه لليونانيين في نظرهم يعني أنه ليس هو المسيح أو هو مسيح للأمم وهذه سخرية منه. أو يعني هذا أنه سيذهب للشتات اليهودي في اليونان حيث لا يستطيعوا أن يمسكوه.
الآيات (37-39): "وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى قِائِلًا: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ."
اليوم الأخير من العيد= له تكريم خاص عند اليهود كيوم سبت. إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب= هذه رد على تطلبونني ولا تجدونني. فمن يطلبه بأمانة يجده. والمسيح هنا يشرح الطقس الذي يمارسونه وأنه هو المقصود بالصخرة التي تفيض ماء. وبسبب النور (المنارات) قال أنا هو النور (إصحاح8)، وبسبب الذبائح قال لماذا تطلبون أن تقتلوني فهو الذبيحة الحقيقية. من هنا فهم بولس أن المسيح هو الصخرة التي تفيض ماء (1كو10) والصخرة تابعتهم أي ظلوا يرتووا من صخرة كل رحلتهم في سيناء. والمسيح أخذ على عاتقه أن يشبعنا (فهو المن) ويروينا خلال رحلتنا في هذا العالم حتى نصل للسماء حيث الخبز السري والماء السري أي حيث الشبع الكامل والارتواء الكامل.
بل لا نشرب فقط بل نتحول في داخلنا لصخر يفيض منه الماء على الآخرين= تجري من بطنه أنهار= بطنه= أي داخل النفس والإرادة= الإنسان الداخلي حيث يقام ملكوت الله. أنهار= وفرة مواهب الروح وبركاته، بل يصير المؤمن بركة لغيره. إن عطش= فالذي لا يعطش لن يبحث عن الماء. المسيح يتكلم عن العطش الروحي، أما غير المهتم لن يبحث عن المسيح. العطش هنا هو إشارة للشعور بالاحتياج للمسيح. أما من لا يشعر بهذا الاحتياج فهو من قال عنه الرب أنه فاتر (رؤ 3: 16، 17). ومن يعطش يطلب أن يرتوي، ومن يشعر بالاحتياج للروح القدس يسأل فيعطيه الله ويملأه كما يقول الرب "فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلْآبُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يُعْطِي ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ" (لو11: 13). مَنْ آمن= يثق في المسيح ويحبه ويسلم له حياته ويقبله كملك بالمحبة ويؤمن بألوهيته ويجري إليه طالبا الامتلاء من الروح القدس. تجري= وذلك لأننا إذ نؤمن بالمسيح نتحد به. وهو مصدر الارتواء. فإذا فتحنا فمنا يتكلم الروح. والكنيسة بأسرارها تفيض بغنى الروح القدس على أولادها. ولكن المسيح يعطي هذا الماء لمن يشعر أنه محتاج، أي يشعر بالعطش لهذا الماء.. طوبى للجياع والعطاش إلى البر.. وهذا ما قاله داود "كما تشتاق الأيل إلى جداول المياه كذلك تشتاق نفسي إليك يا الله" (مز 42: 1 + أم4:18+ عا11:8+ رؤ17:22) والعكس فمن لا يشعر بالاحتياج يصير فاترًا يتقيأه المسيح (رؤ17:3). ونلاحظ التطور فمن يشعر بالعطش يأتي للمسيح وإذا أقبل سيعرفه ويؤمن به وإن آمن تفيض من بطنه أنهار ماء حي. (راجع أش7:35+ 3:44+ 1:55+ حز25:36+ زك16:14-19) ولكن هناك من يعطش فيذهب للآبار المشققة أي إلى العالم ولذاته. أمّا المسيح فهو وحده الذي يشبع النفس والروح. والنفس لا تشبع حقًا سوى من الله ولا يكفيها كل ما في العالم. ولن يحل مشكلة الإحساس بالفراغ والعزلة سوى الله ومحبة الله.. بل أننا في المسيح لن نشتهي شيئًا في الأرض (مز25:73) والروح يفيض من المؤمنين قداسة وفضائل ومواهب وأعمال صالحة.
يفيض
= فهناك امتلاء. وهناك فيض. الروح القدس يسكن فينا ولكن له درجات بحسب جهاد كل فرد في أن يمتلئ. والروح له ثمار (غل22:5-23). مثال: من ثمار الروح القدس السلام. فمن له درجة الملء إذا وُجِدَ في ظروف صعبة يكون مملوءًا سلامًا بالرغم من اضطراب كل من حوله. ومن له درجة الفيض فهو يفيض عليهم سلامًا، وطالما هو موجود فهم يشعرون بالسلام. من يفيض يروي الآخرين كما عمل الرسل. ومن ضمن الفيض التعليم. بل أن المسيح أعطى الرسل وخلفائهم أن يعطوا الروح القدس للآخرين وبهذا تستمر الكنيسة.قال هذا عن الروح= يوحنا يفسر كلام المسيح بأن الماء يشير للروح القدس (أش3:44+ يؤ28:2-29). ولكن حلول الروح القدس على المؤمنين كان متوقفًا على صعود المسيح (يو7:16) لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد= قد مُجِّدَ= المجد هو الصليب، أو بدأ بالصليب. فالصليب هو قمة رفض هذا العالم، الذي بدأه المسيح برفضه كل ما في العالم (في التجربة على الجبل) وانتهى برفضه للحياة ذاتها. أمّا من يُقبل على ملذات هذا العالم فهو بلا مجد، فالعالم باطل. ومحبة العالم عداوة لله (يع4:4). وراجع قول بولس الرسول "الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية" (عب15:2). فالمسيح في صليبه نراه لم يخف من الموت. وهذا قمة المجد. وهذا المجد يبدأ بالصليب. ورفض كل ملذات العالم ينتهي بالجلوس عن يمين الآب. فكلمة مجد تشمل الصليب والقيامة أي النصرة على الموت والعالم وتكميل الخلاص الذي انتهى بالمجد (يو31:13+ يو31:12+ يو28:12+ يو4:17-5+24). وكان لا بُد للمسيح أن يصعد للسماء ويُمَجَّد حتى يحل الروح القدس على البشر، كانت البشرية غير مهيأة بعد أن تتقبل الروح القدس إلاّ بعد أن دخل المسيح للأقداس العليا فوجد لنا فداءً أبديًا. وليتبرر الإنسان. لذلك فالتلاميذ الذين آمنوا بالمسيح لم يمتلئوا من الروح القدس إلا يوم الخمسين بعد صعود المسيح. لذلك قال المسيح "خيرٌ لكم أن أنطلق.." لأنه حين ينطلق للسماء ويتمجد يكمل الفداء. فقبل الفداء كان الإنسان في حالة عداوة مع الله، والله نزع الروح القدس من الإنسان بسبب الخطية. وكان لا بُد أن تتم المصالحة وهذا تم بالموت والقيامة والصعود "صالحنا لنفسه بيسوع المسيح". والمجد هو للجسد فاللاهوت دائمًا في مجد. وحين نكون مصالحين يرتاح فينا الروح القدس.
تأمل روحي: لا يملأ الروح القدس قلب الإنسان إن لم يكن يمجد المسيح بحياته.
كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ = هذه لها تطبيقين كما رأينا:-
1. الكنيسة تفيض على شعبها من خلال الأسرار المقدسة.
2. على المستوى الفردي يفيض فيها الممتلئ على مَن حوله من الثمار التي إمتلأ بها من الروح القدس.
الآيات (40-44): "فَكَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ لَمَّا سَمِعُوا هذَا الْكَلاَمَ قَالُوا: «هذَا بِالْحَقِيقَةِ هُوَ النَّبِيُّ». آخَرُونَ قَالُوا: «هذَا هُوَ الْمَسِيحُ!». وَآخَرُونَ قَالُوا: «أَلَعَلَّ الْمَسِيحَ مِنَ الْجَلِيلِ يَأْتِي؟ أَلَمْ يَقُلِ الْكِتَابُ إِنَّهُ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، وَمِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَ دَاوُدُ فِيهَا، يَأْتِي الْمَسِيحُ؟» فَحَدَثَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَمْعِ لِسَبَبِهِ. وَكَانَ قَوْمٌ مِنْهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلكِنْ لَمْ يُلْقِ أَحَدٌ عَلَيْهِ الأَيَادِيَ."
نرى أن البعض آمن لأن المسيح يصنع معجزات فظنوه سيخلصهم من الرومان، ففي ظنهم أن المسيا المنتظر سيكون له عمل سياسي أو عسكري. ولكنه أتى ليخلصهم من أثار الخطية، فهو خلاص شخصي فردي وليس سياسي. والبعض تَعَطَّلَ بسبب تعاليم الربيين. والمسيح لم يؤكد لهم أنه وُلِدَ في بيت لحم لأنه حتى لو تأكدوا من هذه فهم سيشككون في أنه من السماء. وهل ينسى اليهود ما فعله هيرودس من دموية في قتل أطفال بيت لحم. لاحظ أن البعض قالوا هو النبي، ولكنه كأي نبي جاء لهم من قبل. والبعض قالوا عنه أنه المسيح، فهم كانوا غير فاهمين أن النبي (تث 18) هو المسيح نفسه. بل حتى التلاميذ كانوا غير فاهمين بالضبط حتى يوم الخمسين، حينما بدأ الروح القدس يعلمهم كل شيء. ولكن التلاميذ لتواضعهم لم يكن لديهم ما يعوقهم عن أن يروا النور الذي في المسيح، فانجذبوا إليه وآمنوا به حتى وهم غير فاهمين. أما اليهود فكان حسدهم وكبرياءهم عائقا لرؤية نور المسيح.
الآيات (45-53): "فَجَاءَ الْخُدَّامُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ. فَقَالَ هؤُلاَءِ لَهُمْ: «لِمَاذَا لَمْ تَأْتُوا بِهِ؟» أَجَابَ الْخُدَّامُ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!». فَأَجَابَهُمُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا قَدْ ضَلَلْتُمْ؟ أَلَعَلَّ أَحَدًا مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَوْ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ آمَنَ بِهِ؟ وَلكِنَّ هذَا الشَّعْبَ الَّذِي لاَ يَفْهَمُ النَّامُوسَ هُوَ مَلْعُونٌ». قَالَ لَهُمْ نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ لَيْلًا، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: «أَلَعَلَّ نَامُوسَنَا يَدِينُ إِنْسَانًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَوَّلًا وَيَعْرِفْ مَاذَا فَعَلَ؟» أَجَابُوا وَقَالوُا لَهُ: «أَلَعَلَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ؟ فَتِّشْ وَانْظُرْ! إِنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ». فَمَضَى كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ."
غالبًا لم يقبض الخدام على المسيح لتأثرهم به ولجمهرة الجماهير حولهُ وإعجابهم به. وكان العذر الذي تقدموا به معبرًا عن شجاعتهم أمام السنهدريم فلم يتعللوا بالجماهير بل قالوا حقيقة ما في قلوبهم. وكان رد الفريسيين واهيًا على الجنود.. أن أحدًا من الرؤساء لم يؤمن به أو هم ظنوا أن أحدًا من الرؤساء آمن به سرًا وأوعز للخدام أن لا يقبضوا عليه، أي ظنوا أن هناك مؤامرة. وبدأ الفريسيين يلعنون الشعب الذي آمن بالمسيح. وكان هؤلاء الفريسيين بعلمهم الغزير يحتقرون الشعب إذ كانوا يعتبرونهم جهلاء لذلك قال المسيح "من جاء قبلي هم سراق ولصوص فكان كل ما يهمهم أموال الشعب. ولكن موقف الفريسيين هذا لم يَرُقْ لنيقوديموس ولكنه دافع بحرص عن المسيح خوفًا منهم، فهو مؤمن بالمسيح ولكن خفية. ولكن دفاع نيقوديموس أحرج الفريسيين إذ أظهر خطأهم أنهم أدانوه دون أن يسمعوا منه وهذا ضد الناموس فانقلبوا على نيقوديموس وأسندوا إليه جهالة أنه لا يعلم أنه لم يقم نبي من الجليل بل أرادوا توجيه ازدراء واحتقار لنيقوديموس فقالوا له ألعلك أنت أيضًا من الجليل فاليهود يحتقرون الجليليين لاختلاطهم بالوثنيين. فوصف أحدهم بأنه جليلي هو إهانة عند اليهود والمعنى أنت جليلي مثله لذلك تدافع عنه. ولقد أفسد نيقوديموس مؤامراتهم فذهب كل واحد إلى بيته. ونلاحظ أن الفريسيين تعمدوا إهانة نيقوديموس إذ لم يستطيعوا الرد عليه. وظل إيمان نيقوديموس ينمو حتى رأيناه مزدهرًا يوم الصليب. وحتى ما قاله الفريسيين هنا من أنه لم يقم نبي من الجليل هو خطأ فدبورة كانت من الجليل من سبط نفتالي وإيليا النبي كان من تشبه وهي في نفتالي (1مل1:17) وإليشع من آبل محولة في الجليل (1مل16:19). وناحوم من الجليل، وحنة النبية التي كانت موجودة أيام المسيح هي من سبط أشير (لو 2: 36) ويونان النبي كان من الجليل. والمسيح تنبأ عنه إشعياء أنه من الجليل (أش 1:9). هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس هو ملعون= فهم لعنوا الشعب الذين أعجبوا بالمسيح، ففي نظرهم أن من يقبل المسيح هو ضد الناموس. إذًا هو ملعون.
يو 2: المسيح هو الهيكل الحقيقي.
يو 3: المسيح هو الحية النحاسية.
يو 6: المسيح هو الخبز والمن الحقيقي.
يو 7: المسيح هو الصخرة الحقيقية التي تفيض ماء.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 8 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا 6 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/v9y442f