← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46
كلمة تقديس معناها انفصال عن الخطية إلى الله القدوس (لا26:20) وتعني أيضًا أن يتخصَّص وَيَتَكَرَّس الإنسان لله. والتقديس له جانبين الأول هو عمل الله والثاني هو دور البشر أن يمتنعوا عن الخطية. وعمل الله في التقديس ينسب للآب وينسب للابن وينسب للروح القدس. فبالنسبة للآب يقول يهوذا (يه 1) المقدَّسين في الله الآب. وبالنسبة للابن فهو قدس شعبه بدمه "الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (1كو2:1). والروح القدس يقَّدِّس بتبكيته وبمعونته في تقديس الروح للطاعة (1بط3:1) أما عمل البشر فهو الجهاد حتى الدم للامتناع عن كل خطية. فالروح يعين، ومَنْ يطيع ويجاهد يثبته الروح في الإبن، فيحمله الابن إلى حضن الآب فيصبح مقدسًا في الله الآب.
الآب يريدنا مقدسين ومخصصين له، والروح القدس يثبتنا في المسيح، فنكون في المسيح مقدسين، لأن المسيح قدَّس ذاته من أجلنا (يو19:17). والآب أيضا قدسه (يو36:10). فتقدس المسيح ليصير ذبيحة عنا، وكان هذا التقديس بفعل دم المسيح الذي يكفر عنا أي يغطينا.
وكان تقديس هرون وبنيه لوظائف الكهنوت يتم عن طريق 5 رموز:-
1- الغسل للتطهير (4).
2- الكساء بملابس كهنوتية (5-9).
3- المسحة لإعطائهم نعمة إلهية (7).
4- الذبيحة للكفارة والشكر (10-21).
5- ملء اليد (22-28) لإعطائهم سلطة ولتكريسهم.
وكان هذا يتم بعد أن اختارهم الرب (عب1:5) ويقدمون إلى باب الخيمة أي يقدمون للرب وإلى حضرته المقدسة في تكريس كامل.
وهنا يدعو الله هرون وبنيه للعمل الكهنوتي ويحدد لهم الثياب التي يلبسونها فيدركوا أن الله هو الذي دعاهم، وسترهم بنفسه وأن القوة سرها في الله وليس منهم. ثم نجد طقسًا طويلًا خاصًا بتقديسهم وتقديس ثيابهم الكهنوتية وتقديس المذبح الذي يخدمونه. وكأن الثلاثة يمثلون وحدة واحدة، فلا *تقديس للكهنة ما لم *يلبسوا السيد المسيح نفسه (الثياب المقدسة) ويحملوا سماته فيهم *ويخدموا المذبح المقدس (الصليب).
واختيار الكهنة وتقديسهم كان إشارة إلى اختيار الابن الوحيد القدوس. "فَٱلَّذِي قَدَّسَهُ ٱلْآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ" (يو10: 36). وهو قدَّس ذاته لهذا العمل الخلاصي أي أن هذا كان بإرادته أيضًا فإرادته وإرادة الآب هي واحدة "لأجلهم أقدِّس أنا ذاتي" (يو17: 19)، ليس بمعنى أن يحمل قداسة جديدة، إنما قد قدم وخصص وكرس حياته المقدسة، ليقدم نفسه ذبيحة ليقدسنا. وكما يرتدي الكهنة ملابسهم للعمل هكذا ارتدى الابن جسد بشريتنا ليقوم بعمله.
وكان الرب قد قال لموسى عن الشعب "وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة" (خر6:19). ومع هذا لم يترك الله الكهنوت لكل أفراد شعبه بل لمجموعة مختارة يتم تكريسها بالكامل لحساب الله ولخدمة مذبحه. ولو كان الكهنوت شيئا عامًا لكل إنسان لكان قد انتهى أمره، فالعمل الذي يقوم به أي إنسان سرعان ما سوف يهمله كل إنسان. وتفهم كلمة مملكة كهنة أن الله يريدهم أن يكونوا مملكة لهم ملك يملك عليهم، وكهنة يخدمون مذبحه نيابة عنهم (عن الشعب). وفي العهد الجديد نفس الكلام تمامًا فكثيرين يسيئون فهم قول بطرس الرسول "وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي" وبالتالي يتصوَّرون الكهنوت هو حق للجميع. ولكن يجب أن نفهم أن هناك كهنوت عام لكل المسيحيين وهذا يشمل تقديم ذبائح روحية وذبائح تسبيح بل أن يقدم المسيحي نفسه ذبيحة حية. وهناك كهنوت خاص فيه ينتخب الكهنة لخدمة المذبح وخدمة أسرار الكنيسة.
وطقس التكريس هنا طقس طويل حتى يشعر الكاهن بعظم المسئولية الملقاة على عاتقه ويشعر الشعب أن هذا العمل مكلف به هؤلاء الكهنة فقط، فلا يفكر الشعب في الاعتداء على هذه الوظيفة. وهذا الطقس يعطي شعورًا للجميع أن هؤلاء الكهنة مختارين من الله نفسه (عب4:5 ،5). وكلمة تكريس أو تقديس الكاهن في العبرية يناظرها تملأ يد (آية 9) وبالتالي يكون كبش الملء هو كبش التقديس والتكريس. وهناك احتمال بأن الكلمة أصلها وضع أجزاء من الذبيحة وترديدها في يد الكاهن. ولكن تعبير ملء اليد يعني ما هو أكثر من هذا:-
1. فالكهنة أيديهم مملوءة فلا داعي للاهتمام بالتفاهات الأرضية مشغولين فقط بخدمة الله ومذبحه المقدس.
2. الله يملأهم روحيًا ليشبعوا الآخرين. ولا يجب أن يأتي إليهم أحد ويجدهم فارغين. وهم لن يستطيعوا أن يملأوا قلوب الناس إن لم يملأ الله أياديهم فهم يأخذون من ملئه. فالله يملأ خدامه من الروح القدس ليعطيهم مواهب لكي يقوموا بخدمته (1بط4: 10). وحتى يملأ الروح القدس الكهنة كان لا بد من تقديم ذبيحة هي كبش الملء. وهذا يشير لأن الروح القدس يعمل في الكنيسة الآن بعد أن قدم المسيح نفسه ذبيحة ليملأنا ككنيسة وكأفراد من الروح القدس.
والذبائح نوعان:-
ذبيحة الْمُحْرَقَة:- ترمز للطاعة الكاملة لله، ترمز للمسيح الذي "أطاع حتى الموت، موت الصليب" (فى2: 8). "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ (إش53: 7). والطاعة الكاملة لله هذه تكون نتيجة للثقة في الله ومحبة الله. وهذا ما قد فشل فيه آدم. فجاء المسيح ليطيع طاعة كاملة، فنحسب نحن فيه طائعين بل كاملين (كو1: 28). وهذا سبب أن يقال عن المحرقات "تنسم الله رائحة الرضا" (تك8: 21) وأيضًا "وقود رائحة سرور للرب" (لا1: 9 ، 13 ، 17). فسرور الرب هنا راجع لفرحته برجوع أولاده إلى حضنه = "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".
ذبيحة الخطية:- هذه تتكلم عن نفس بريئة تموت عوضًا عن نفس خاطئة فتحمل خطيتها بدلًا منها. وهذا ما يسمى الفداء.
(وتفاصيل الذبائح في سفر اللاويين).
وضع اليد على رأس الذبيحة قبل ذبحها: هذا يشير لأن مقدم الذبيحة صار واحدًا مع الذبيحة. فمثلًا عند وضع اليد على رأس ذبيحة الخطية، كانت الخطية تنقل من واضع يده إلى الحيوان البريء وبذبح الحيوان، يكون الحيوان كحامل للخطية قد عوقب بدلا من الخاطئ. وهكذا في المحرقة يصبح المعنى أن مقدم الذبيحة يتعهد أمام الرب بالطاعة الكاملة له حتى الموت، وهذا ما قاله القديس بولس الرسول "إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ ٱلنَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْح" (رو8: 36). راجع تفسير الآية (لا 4: 4).
الآيات (1-3): "«وَهذَا مَا تَصْنَعُهُ لَهُمْ لِتَقْدِيسِهِمْ لِيَكْهَنُوا لِي: خُذْ ثَوْرًا وَاحِدًا ابْنَ بَقَرٍ، وَكَبْشَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَخُبْزَ فَطِيرٍ، وَأَقْرَاصَ فَطِيرٍ مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ. مِنْ دَقِيقِ حِنْطَةٍ تَصْنَعُهَا. وَتَجْعَلُهَا فِي سَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَتُقَدِّمُهَا فِي السَّلَّةِ مَعَ الثَّوْرِ وَالْكَبْشَيْنِ."
موسى هو الذي يقوم بطقس التكريس وهو يقوم بهذا بدعوة إلهية. فالله دعاه وكرَّسه ولكن لم يكرسه إنسان، كان موسى هنا كوكيل عن الله (1كو4: 1 + عب5: 4). ثم يقوم موسى بتكريس هرون وبنيه. وبعد هرون يقوم الكهنة بتكريس أحدهم. ولكن البداية من الله لموسى ثم من موسى لهرون وهكذا. وهذا ما حدث بالنسبة للكنيسة فقد نفخ المسيح في وجه تلاميذه وأرسلهم مملوئين وهم وضعوا الأيادي على آخرين وهكذا حتى اليوم. فنجد أن المسيح نفخ في 10 من تلاميذه نفخة الروح القدس (يو20: 22) ولم يكن توما موجودًا معهم، فلما ظهر المسيح للتلاميذ مرة أخرى لم نسمع أن المسيح نفخ هذه النفخة في توما. والسبب أن الروح القدس صار في الكنيسة ويمكن لأي من التلاميذ أن يقوم بهذا العمل مع توما.
ولأن موسى كان مختارًا من الرب للقيام بعمل الكهنوت كان له نصيب الكاهن (خر 26:29).
ثَوْرًا وَاحِدًا ابْنَ بَقَرٍ = تعني ثور من نفس جنس البقر، إشارة للمسيح ابن الإنسان الذي سيقدم ذبيحة عن جنس الإنسان. فذبيحة الفداء يجب أن تكون من نفس جنس الخاطئ.
الآيات (4-9): "«وَتُقَدِّمُ هَارُونَ وَبَنِيهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَتَغْسِلُهُمْ بِمَاءٍ. وَتَأْخُذُ الثِّيَابَ وَتُلْبِسُ هَارُونَ الْقَمِيصَ وَجُبَّةَ الرِّدَاءِ وَالرِّدَاءَ وَالصُّدْرَةَ، وَتَشُدُّهُ بِزُنَّارِ الرِّدَاءِ، وَتَضَعُ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ، وَتَجْعَلُ الإِكْلِيلَ الْمُقَدَّسَ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَتَأْخُذُ دُهْنَ الْمَسْحَةِ وَتَسْكُبُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَتَمْسَحُهُ. وَتُقَدِّمُ بَنِيهِ وَتُلْبِسُهُمْ أَقْمِصَةً. وَتُنَطِّقُهُمْ بِمَنَاطِقَ، هَارُونَ وَبَنِيهِ، وَتَشُدُّ لَهُمْ قَلاَنِسَ. فَيَكُونُ لَهُمْ كَهَنُوتٌ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً. وَتَمْلأُ يَدَ هَارُونَ وَأَيْدِيَ بَنِيهِ."
(آية4) إلى باب خيمة الاجتماع= خيمة الاجتماع هي المكان الذي يجتمع الله فيه مع شعبه. وهناك يجتمع الشعب، والله مسرور بوجوده في وسطهم. ولذلك فباب خيمة الاجتماع هو المكان المناسب لتكريس الوسيط بين الله وشعبه، أي رئيس الكهنة هرون. وتغسلهم= في طقس التكريس كان الكهنة يُغسلون كُلية من رأسهم لأرجلهم، كل الجسد (رمز المعمودية). أما بعد ذلك فطول فترة خدمتهم يغسلون أيديهم وأرجلهم فقط (رمزًا للتوبة) (خر19:30 + يو10:13) وغسل الكهنة ضروري ليعرفوا أن
من يحمل أواني الله يجب أن يكون طاهرًا. وعلى الكهنة أن يعرفوا دائمًا ويشعروا دائمًا أنهم محتاجين للغسيل كما يُصِّلي الكاهن في القداس ويقول "إعط يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وجهالات شعبك". والكاهن يحتاج للغسيل، أما المسيح فقد إعتمد وهو غير المحتاج ليكمل كل بر، بتأسيس سر المعمودية الذي به يتم لنا طريق التبرير.
الآيات (5، 6): ارتداء الملابس جزء من طقس تقديس الكهنة. وما أن يرتدي رئيس الكهنة ملابسه يصير ممثلًا للسيد المسيح. ملابس رئيس الكهنة تشير لتجسد ابن الله الذي له كل المجد فجسده كان متحدًا بلاهوته. ولذلك يسميها للمجد والبهاء. فكان الغسيل هو للتطهير من الخطايا. ولكن هذا لا يكفي بل عليهم وضع رداء للبر ويرتدوا لباس نعمة الروح "كَهَنَتُكَ يَلْبَسُونَ ٱلْبِرَّ" (مز9:132) ويقول القديس بولس الرسول "بَلِ ٱلْبَسُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ" (رو13: 14). الموضوع ليس وضع ملابس فقط بل كيفية سلوك الكاهن".
آية (7): طالما لبس رئيس الكهنة ملابسه وصار ممثلًا للمسيح يسكب الدهن على رأسه. كما حل الروح القدس على المسيح. وهذا تم قبل تقديم أي ذبيحة إشارة إلى حلول الروح القدس على السيد المسيح حلولًا أقنوميًا منذ الأزل، وإشارة لحلول الروح القدس عليه بعد خروجه من الماء قبل أن يُقدِّم نفسه ذبيحة. أما الكهنة العاديين فكان ينضح عليهم من دهن المسحة بعد تقديم الذبيحة ومسحهم بالدم أولًا. فبالنسبة لرئيس الكهنة يسبق الحلول الذبيحة، وبالنسبة للكهنة تسبق الذبيحة المسح بالدهن. فالمسيحي لا يمكن أن يحصل على الروح القدس إلا بإستحقاقات دم المسيح. ومن المؤكد فما يحصل عليه رئيس الكهنة أكثر من الكهنة فهو رمز للمسيح (مز7:45 + عب9:1) ولاحظ "عبارة أكثر من رفقائك" والكهنة العاديين لم يقال عنهم أن الدهن سُكِب على رؤوسهم بل ملابسهم. فالدهن يسكب على رأس رئيس الكهنة كما حل الروح القدس على المسيح بعد عماده، والمسيح رأس الكنيسة. وكان هذا الحلول لحساب الكنيسة حتى يسيل الدهن على لحيته أي شعبه (شعب المسيح) "مِثْلُ ٱلدُّهْنِ ٱلطَّيِّبِ عَلَى ٱلرَّأْسِ، ٱلنَّازِلِ عَلَى ٱللِّحْيَةِ، لِحْيَةِ هَارُونَ، ٱلنَّازِلِ إِلَى طَرَفِ ثِيَابِهِ" (مز2:133). المؤمنين بالمسيح رأس الكنيسة يلتصقوا به كما تلتصق اللحية بالرأس ويحيطوا به كما تحيط الثياب بالجسم.
هذا الطقس يشير لأن الروح القدس قد إنسكب على المسيح رأس الكنيسة أولًا يوم المعمودية. ثم قدَّم المسيح نفسه ذبيحة. وفي يوم الخمسين حلَّ الروح القدس على التلاميذ كما يحل على كل أفراد الكنيسة الآن الذين هم كهنة بمفهوم الكهنوت العام. لذلك فالزيت لا يسكب على رأس الكهنة بل على رأس رئيس الكهنة فقط، إشارة لأن الروح القدس إنسكب على المسيح رأس الكنيسة وذلك لحساب الكنيسة كلها.
فَيَكُونُ لَهُمْ كَهَنُوتٌ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً = هل إستمر كهنوت هارون كفريضة أبدية؟ أبدًا، بل قد إنتهى تمامًا بهدم الهيكل على يد تيطس الروماني سنة 70 م. حتى لو بنوا الهيكل وقدَّموا ذبيحة حيوانية فهي مرفوضة، فطالما أتى المرموز إليه يبطل الرمز. ليس هذا فقط فقد ذكر إشعياء النبي أن ذبائحهم ستكون مرفوضة "مَنْ يَذْبَحُ ثَوْرًا فَهُوَ قَاتِلُ إِنْسَانٍ. مَنْ يَذْبَحُ شَاةً فَهُوَ نَاحِرُ كَلْبٍ. مَنْ يُصْعِدُ تَقْدِمَةً يُصْعِدُ دَمَ خِنْزِيرٍ. مَنْ أَحْرَقَ لُبَانًا فَهُوَ مُبَارِكٌ وَثَنًا" (إش66: 3). أما الذي يستمر كفريضة أبدية هو الكهنوت المسيحي والذي كان كهنوت هارون رمزًا له. الكهنوت المسيحي الذي هو على طقس ملكي صادق، كهنوت الخبز والخمر الذي قيل عنه "أقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (مز110: 4). والكاهن الأبدي الذي له كهنوت أبدي هو المسيح الذي قدَّم نفسه ذبيحة أبدية، وهكذا رآه القديس يوحنا في الرؤيا "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). وهذه الذبيحة هي ما يقدمها الكهنة المسيحيين على المذبح المسيحي. وهذه فريضة أبدية تقدمها الكنيسة حتى المجيء الثاني للمسيح.
الآيات (10-14): "«وَتُقَدِّمُ الثَّوْرَ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الثَّوْرِ. فَتَذْبَحُ الثَّوْرَ أَمَامَ الرَّبِّ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَتَجْعَلُهُ عَلَى قُرُونِ الْمَذْبَحِ بِإِصْبِعِكَ، وَسَائِرَ الدَّمِ تَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ الْمَذْبَحِ. وَتَأْخُذُ كُلَّ الشَّحْمِ الَّذِي يُغَشِّي الْجَوْفَ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ. وَأَمَّا لَحْمُ الثَّوْرِ وَجِلْدُهُ وَفَرْثُهُ فَتَحْرِقُهَا بِنَارٍ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ. هُوَ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ."
تفاصيل الذبائح في سفر اللاويين ونجد فيما يلي مجرد بعض ملحوظات.
1. هذه الذبيحة تعبِّر عن المسيح وقد حمل خطايانا لهذا يضع هرون وبنيه أيديهم على رأس الثور (راجع تفسير الآية لا 4: 4). ولا نسمع أنها للرضى والمسَرَّة، فهي تشير إلى ثقل ومرارة ما حمله المسيح عنا ولهذا صرخ المسيح "نفسي حزينة حتى الموت".
2. يأخذ من دم الثور ويجعله على قرون المذبح بإصبعه. والمعنى أن الدم هو الذي يعطي القوة للمذبح. وأن هذا الدم له القوة على غفران أي خطية. المذبح يقدم عليه ذبائح تشفع فيمن يقدمها. ومعنى قوة المذبح تعني أن شفاعة المذبح قوية وأن الله يرضَى عن مقدم الذبيحة رمزًا لقوة دم المسيح. وسائر الدم يصبه إلى أسفل المذبح، بمعنى أن المذبح مؤسس على الدم. ولاحظ قول بولس الرسول "بدون سفك دم لا تحدث مغفرة" (عب9: 22). وصب الدم أسفل المذبح يشير أيضًا لأن الخطية الجدية والتي بسببها فسد الجنس البشري فصار يخطئ، هذه الخطية الجدية كانت السبب في ذبيحة الصليب الذي يرمز له المذبح.
3. حرق لحم الثور وجلده خارج المحلة يشير لتألم المسيح خارج المحلة. وخروج الكهنة ليحرقوا لحم الثور وجلده يشير لخروجهم مع المسيح ليعلنوا أنهم قابلين أن يحملوا عاره. وهذا ما نعمله في كنيستنا في أسبوع الآلام إذ نصلي خارج الهيكل.
4. هذه الذبيحة هي للتكفير عنهم (أي تغطيتهم). فالكهنة حتى يقدموا ذبائح للتكفير عن الشعب كان يلزمهم أن يقدموا ذبائح للتكفير عن أنفسهم (عب27:7 ، 28). وكان الكهنة يأكلون من لحم ذبائح الخطية التي يقدمها الشعب عن أنفسهم. والمعنى أنه كأن الكاهن يرمز للمسيح الذي يزيل خطايا مقدم الذبيحة.
5. ولكن الذبيحة المقدمة عن رئيس الكهنة تأكلها النار كلها إشارة للإله المنتظر أن يأتي من السماء ليحمل خطايا الجميع. ولو أخطأ رئيس الكهنة كان يقدم ثورًا كذبيحة خطية (لا4: 3)، وكان الثور يحرق كله، فلا يأكل من ذبيحة خطيته، فهل يشفع في نفسه. لكنه كان يدخل بدم الذبيحة إلى داخل خيمة الإجتماع طالبا الغفران من الله.
6. ولكننا نلاحظ في طقس تكريس هارون أن موسى قدَّم ذبيحة الخطية عن هارون وبنيه = وَتُقَدِّمُ الثَّوْرَ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أي أن موسى هو الذي يقدِّم الذبيحة عن هارون وبنيه. ولم يدخل موسى إلى الخيمة بدم الذبيحة، فموسى كان هنا كوكيل عن الله يشفع هو في هارون وبنيه الكهنة. ولكن لحم الذبيحة كله أحرق بنار خارج المحلة حسب طقس ذبيحة الخطية (لا4).
الآيات (15-18): "«وَتَأْخُذُ الْكَبْشَ الْوَاحِدَ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الْكَبْشِ. فَتَذْبَحُ الْكَبْشَ وَتَأْخُذُ دَمَهُ وَتَرُشُّهُ عَلَى الْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَتَقْطَعُ الْكَبْشَ إِلَى قِطَعِهِ، وَتَغْسِلُ جَوْفَهُ وَأَكَارِعَهُ وَتَجْعَلُهَا عَلَى قِطَعِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ، وَتُوقِدُ كُلَّ الْكَبْشِ عَلَى الْمَذْبَحِ. هُوَ مُحْرَقَةٌ لِلرَّبِّ. رَائِحَةُ سَرُورٍ، وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ."
هذه الذبيحة تقدم جانبًا آخر للصليب، فإن كانت الأولى تحمل ثقل خطايانا فهذه لا علاقة لها بالخطية بل هي تعلن طاعة المسيح للآب حتى الصليب، طاعة إرادية غير إضطرارية فإرادة الآب هي نفسها إرادة الإبن، وهي خلاصنا (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وحين يضع هرون وبنيه أياديهم على رأس الذبيحة يصيروا واحدًا معها. والمعنى أنه كما تفرح يا رب بذبيحة المحرقة وهي رائحة سرور لك، فلتفرح بنا أيضًا. وكأنهم أيضًا يحملون روح الطاعة الكاملة التي للمسيح فيهم، والتي يرمز لها طاعة هذه الذبيحة المقدمة. فكما يَشْتَّم الآب رائحة طاعة المسيح رائحة سرور، هكذا يَشْتَّم رائحة طاعة الكهنة وكهنوتهم رائحة سرور ورضا (راجع يو38:6 + في8:2). وذبيحة المحرقة تغسل قطعها وترتب على المذبح إعلانًا عن قداسة المسيح ونقاوته خارجيًا وداخليًا وهكذا ينبغي أن يكون الكهنة. ونلاحظ اختلاف الكلمة المستخدمة لحرق أنواع الذبائح فمع ذبيحة الخطية تستعمل كلمة يحرق وأيضًا مع البقرة الحمراء. أما كلمة يوقد التي تستعمل أيضًا مع البخور فتستعمل مع ذبائح المحرقة وأجزاء من ذبيحة السلامة وبعض أنواع من ذبائح الخطية (لا4: 31) فهي إشارة لسرور الرب بالطاعة الكاملة للمسيح. وقطعًا فالمسيح كان سيطيع فهذه إرادته، وهي كإرادة الآب تماما. لكن سرور الآب راجع لأنه رأى في طاعة الابن رجوعنا كلنا في المسيح طائعين الآب (1كو15: 28) + (كو1: 28 + أف1: 4). وسرور الآب هنا يناظر تماما قول الآب يوم معمودية المسيح "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"، فبمعمودية المسيح أسس سر المعمودية التي بها نعود أبناء للآب.
الآيات (19-35): "«وَتَأْخُذُ الْكَبْشَ الثَّانِي، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الْكَبْشِ. فَتَذْبَحُ الْكَبْشَ وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَجْعَلُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ هَارُونَ، وَعَلَى شَحْمِ آذَانِ بَنِيهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَرْجُلِهِمِ الْيُمْنَى. وَتَرُشُّ الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. وَتَأْخُذُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي عَلَى الْمَذْبَحِ وَمِنْ دُهْنِ الْمَسْحَةِ، وَتَنْضِحُ عَلَى هَارُونَ وَثِيَابِهِ، وَعَلَى بَنِيهِ وَثِيَابِ بَنِيهِ مَعَهُ، فَيَتَقَدَّسُ هُوَ وَثِيَابُهُ وَبَنُوهُ وَثِيَابُ بَنِيهِ مَعَهُ. ثُمَّ تَأْخُذُ مِنَ الْكَبْشِ: الشَّحْمَ وَالإِلْيَةَ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْجَوْفَ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، وَالسَّاقَ الْيُمْنَى. فَإِنَّهُ كَبْشُ مِلْءٍ. وَرَغِيفًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ، وَقُرْصًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ بِزَيْتٍ، وَرُقَاقَةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَّةِ الْفَطِيرِ الَّتِي أَمَامَ الرَّبِّ. وَتَضَعُ الْجَمِيعَ فِي يَدَيْ هَارُونَ وَفِي أَيْدِي بَنِيهِ، وَتُرَدِّدُهَا تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ. ثُمَّ تَأْخُذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ رَائِحَةَ سَرُورٍ أَمَامَ الرَّبِّ. وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ. «ثُمَّ تَأْخُذُ الْقَصَّ مِنْ كَبْشِ الْمِلْءِ الَّذِي لِهَارُونَ، وَتُرَدِّدُهُ تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَكُونُ لَكَ نَصِيبًا. وَتُقَدِّسُ قَصَّ التَّرْدِيدِ وَسَاقَ الرَّفِيعَةِ الَّذِي رُدِّدَ وَالَّذِي رُفِعَ مِنْ كَبْشِ الْمِلْءِ مِمَّا لِهَارُونَ وَلِبَنِيهِ، فَيَكُونَانِ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُمَا رَفِيعَةٌ. وَيَكُونَانِ رَفِيعَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَبَائِحِ سَلاَمَتِهِمْ، رَفِيعَتَهُمْ لِلرَّبِّ. «وَالثِّيَابُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي لِهَارُونَ تَكُونُ لِبَنِيهِ بَعْدَهُ، لِيُمْسَحُوا فِيهَا، وَلِتُمْلأَ فِيهَا أَيْدِيهِمْ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَلْبَسُهَا الْكَاهِنُ الَّذِي هُوَ عِوَضٌ عَنْهُ مِنْ بَنِيهِ، الَّذِي يَدْخُلُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ لِيَخْدِمَ فِي الْقُدْسِ. «وَأَمَّا كَبْشُ الْمِلْءِ فَتَأْخُذُهُ وَتَطْبُخُ لَحْمَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. فَيَأْكُلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ لَحْمَ الْكَبْشِ وَالْخُبْزَ الَّذِي فِي السَّلَّةِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. يَأْكُلُهَا الَّذِينَ كُفِّرَ بِهَا عَنْهُمْ لِمِلْءِ أَيْدِيهِمْ لِتَقْدِيسِهِمْ. وَأَمَّا الأَجْنَبِيُّ فَلاَ يَأْكُلُ لأَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ. وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ الْمِلْءِ أَوْ مِنَ الْخُبْزِ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُ الْبَاقِيَ بِالنَّارِ. لاَ يُؤْكَلُ لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ. وَتَصْنَعُ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ هكَذَا بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَمْلأُ أَيْدِيَهِمْ."
ذبيحة كبش الملء هي ذبيحة سلامة ولكن بشكل خاص أي هناك بعض الفروق عن ذبيحة السلامة العادية. وذبيحة السلامة هي شركة مع الله ومع الآخرين. هنا نجد صورة حية للتقديس، فبعد ما يضع هرون وبنيه أياديهم على رأس الكبش، أي يعلنون إتحادهم معه. يقدم الكبش ذبيحة.
هنا هم يعلنون تكريس كل طاقاتهم للرب. فنجد الله في (آية 22) يطلب كل الشحم، والشحم يعبِّر عن الطاقة التي في الجسد. وأيضًا الرجل اليمنى، وهذه تُعبِّر عن القوة واتجاهات الإنسان. يقول المرنم أن الرب "لاَ يَرْضَى بِسَاقَيِ الرَّجُلِ" (مز147: 10) وهذا يشير للرجل المعتز بقدراته في كبرياء. أما من يكرس قدراته لخدمة الله فهذا يفرح الله. ووضع الرجل اليمنى على المذبح يشير لتقديس أو تكريس كل الطاقات لحساب الله.
وفى آية21 نجد أن موسى يرش دم الذبيحة على أجسادهم وثيابهم لتطهيرهم وتقديسهم بالكلية، فتكون حياتهم وأعمالهم كلها للرب. الثياب الكهنوتية تشير للكهنوت ورش الدم عليها يعني أن يفهم الكاهن قداسة كهنوته وأنه صار مقدسًا للرب.
*ويأخذ موسى من الدم ويجعله على شحم أذانهم اليمنى وأباهم أيديهم اليمنى وأباهم أرجلهم اليمنى. وكأن أذانهم وأياديهم وأرجلهم قد تقدست وتكرست في طاعة كاملة لخدمة الله تمامًا. كل كلمة يسمعها الكاهن (بل أن الأذن تعبير عن كل الحواس الخمس) وكل حركة وكل عمل (أرجل وأيدي) إنما يكون لحساب موكله. لقد تقدس له بالكامل لذلك فإن هذه الذبيحة التي للتقديس هي "رائحة سرور أمام الرب" ويجب أن نعرف أن هذا لم يحدث بالكامل سوى في المسيح.
*لاحظ أن الأذن تتكرس بالدم رمزًا لتقديس الخمس حواس لله، وهذه مسئولية الكاهن أن لا يقبل بحواسه إلا كل ما يمجد الله، وبنفس المفهوم الأرجل أي إتجاهات الكاهن، وبنفس المفهوم اليد، أي كل أعماله. ولاحظ أن الحواس خمس وأصابع اليد خمس وأصابع الرجل خمس. ومن يفعل ويقدس حواسه وإتجاهاته وأعماله ويصير كله لله، يملأه الله من النعمة ويسانده في خدمته بقوة، فرقم خمسة يشير للنعمة المسئولة (راجع معاني الأرقام). وبهذا يصبح معنى ذبيحة الملء أن الله يملأ الكاهن من نعمته إذا قدَّس الكاهن حواسه وإتجاهاته وأعماله لحساب مجد الله. وهذه النعمة هي قوة يعطيها الروح القدس، وعمل الروح القدس فينا مبني على قوة دم المسيح، وهذا معنى مسح الأذن والأصابع بالدم. وَتَرُشُّ الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ = قوله من كل ناحية إشارة إلى أن قوة عمل الدم لا نهائية، وقوة عمل الدم هي عاملة مع الكهنوت عبر كل زمان ومكان. وفي هذا يقول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى4: 13) ويقول "وَلَكِنْ بِنِعْمَةِ ٱللهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ ٱلْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلَكِنْ لَا أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ ٱللهِ ٱلَّتِي مَعِي" (1كو15: 10).
في ذبيحة المحرَقة رأينا الدم كله لله، والذبيحة كلها لله. وذلك إعلانا لطاعتهم الكاملة لله. وفي هذه الذبيحة نجد مفهوم الشركة بين الله وبينهم:-
1. وهذا يعني أن الله هو الذي له مجد كهنوتهم. والمعنى أن كل ثمر خدمتهم هو لله. الكاهن أو الخادم يتعب كمكرس لله، ولكن كل مَنْ يأتي بهم، هم لله؛ إذ هم يمجدون الله، والله مسئول أن يعولهم. ولكن مَنْ يأتي بهم، هم لله، وليسوا له هو. ولنرى كيف عبَّر سليمان عن هذا في النشيد "كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ. دَفَعَ ٱلْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ، كُلُّ وَاحِدٍ يُؤَدِّي عَنْ ثَمَرِهِ أَلْفًا مِنَ ٱلْفِضَّة. كَرْمِي ٱلَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي. ٱلْأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ، وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ ٱلثَّمَرِ" (نش8: 11-12).
2. الكاهن أو الخادم لا يستطيع أن يقدم خدمة صحيحة لله بنفسه، إنما الخدمة الصحيحة بأنه يعمل في شركة مع الله ولنلاحظ الآيات التالية:- أ) "فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلَانِ مَعَ ٱللهِ" (1كو3: 9). ب) "أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى، لَكِنَّ ٱللهَ كَانَ يُنْمِي" (1كو3: 6). ج) "نعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ" (2كو13: 14). د) "أَنَا ٱلْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ ٱلْأَغْصَانُ. ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لِأَنَّكُمْ بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو 15: 5). هـ) "اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك" (نش8: 6). أي أنا أعمل ولكن بقوتك.
3. ففي آية (20) نجد الدم يرش على المذبح. قلنا أن الكهنة بوضع يدهم على رأس الذبيحة صاروا واحدًا معها. وبسفك دمها ورشه على المذبح كأنهم يقدمون لله حياتهم، وكل طاقاتهم لخدمته. وفي (21) نجد جزء من الدم يرش على الكهنة بل وعلى ثياب الكهنة مع الزيت. رش الدم على الكهنة يعني تطهيرهم كأشخاص، وعلى ثيابهم يعني قبول تكريسهم ككهنة. فملابسهم تشير لكهنوتهم. ومعنى هذا قبول الله لتكريسهم (الدم) وسيعطيهم تطهيرًا بالدم، وأيضًا تشير لأن ج) الله سيشترك معهم في خدمتهم، وسيعطيهم معونة ومواهب الروح ليعينهم (الزيت)، ولاحظ البركة الرسولية التي قالها بولس الرسول "نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ" (2كو14:13). فالله شريك لنا في كل عمل صالح، وبالأولى خدمته نجده شريكا لكهنته وخدامه. لذلك يقول بولس الرسول عن نفسه وعن أبولس "نحن عاملان مع الله. د) بل أيضا أن الله مسئول عن حياتهم المادية. ه) ومفهوم الشركة مع الله نجده في لحم الذبيحة فجزء من اللحم للمذبح وجزء للكهنة يأكلونه.
4. وبهذا يفهم الكهنة أنهم تقدسوا من رأسهم حتى أخمص قدميهم لحساب الرب. والدم والزيت معًا إشارة لدم المسيح الذي يقدس ولنعم الروح القدس التي سيحصلون عليها.
إذ تقدست أيدي الكهنة يضع فيها الأجزاء المقدسة من كبش الملء ويقومون بالترديد أي تقديمها للرب، وكأنها أول ذبيحة تمتد يدهم التي تقدست لتقديمها أمام الرب والترديد يكون برفع الذبيحة لأعلى أي إلى الله ثم يحركها للأمام ثم إلى الخلف. وتحريكها للأمام أي أن هذه الأجزاء هي مِلْكٌ لك يا رب ثم للخلف تعني وأعطيتها لنا. ونحن نقدمها لك يا رب. فتعطينا بدلا منها الإمتلاء من نعمتك.
وكان موسى كوكيل لله في طقس السيامة، ينقل لهم النعمة ويسلمها لهم بأن يرفع أياديهم ويرددها حتى يستطيعوا هم أن يرفعوا أيدي الشعب ويرددوها.
هذا الطقس يرمز لطقس الإفخارستيا
*ما يحدث هنا هو بالضبط ما يصنعه الكاهن القبطي عند إختيار الحمل، فهو يردد يديه تحت طبق الحمل وهو يقول "أعطي يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وجهالات شعبك" ثم يختار الحمل. نحن نقدم لله خبز وخمر ليأخذه من يدنا ويعيده جسدا ودما يُعطَى لغفران الخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه.
*وماذا يقدم مع الذبيحة رَغِيفًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ، وَقُرْصًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ بِزَيْتٍ، وَرُقَاقَةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَّةِ الْفَطِيرِ الَّتِي أَمَامَ الرَّبِّ = وجود الخبز في التقدمة يشير للمسيح خبز الحياة، وقرص الخبز بزيت يشير لجسد المسيح الذي إمتلأ بالروح القدس يوم المعمودية. ووجود فطير = رقاقة، وعدم وجود خمير، يشير للمسيح الذي بلا خطية. فالخمير ينتشر في العجين بسرعة وهكذا الشر.
*وفي آية (31) نجد الله يأمرهم بالأكل من كبش الملء. وفي (32) نجد الله يأمرهم أن يأكلوا عند باب خيمة الاجتماع وفي هذا إشارة للدخول في عهد بين الله وبين الكهنة، وعلى أساس هذا العهد يدخلون من الباب ليكهنوا لله، وهو أيضا إشارة لأن الله يتعهدهم كخدام له. هم يتعهدون بتكريس أنفسهم لله وهو يتعهد بهم فيملأهم من النعمة التي يعطيها لهم ويحتاجونها في خدمتهم، هذا غير أنه يتعهد بكل ما يحتاجونه من مطالب الحياة من احتياجاتهم.
*وكان على الكهنة أن يتغذوا بتلك الأشياء التي كفر بها عنهم لملء أيديهم لتقديسهم. هم يأكلوا من الذبيحة فيمتلئوا من النعمة التي يعطيها لهم الروح القدس، إذ إتحدوا بالذبيحة. وهذا تماما ما يحدث في سر الإفخارستيا. نأكل من ذبيحة الإفخارستيا فنحيا.
*وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ = تقديم الذبيحة فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ = المحرقة تشير للطاعة الكاملة، والمعنى أن التكريس مبني على الطاعة الكاملة. وبالنسبة لذبيحة المسيح فهو الوحيد الذي أطاع طاعة كاملة بل حتى الموت موت الصليب (فى2: 8).
*وذبيحة المحرقة تشير للصليب، وذبيحة السلامة تشير للإفخارستيا وقوله وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ فهذا يشير لأن الإفخارستيا هي إمتداد لذبيحة الصليب.
*وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ الْمِلْءِ أَوْ مِنَ الْخُبْزِ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُ الْبَاقِيَ بِالنَّارِ = هذا بالضبط ما قيل عن خروف الفصح (خر12: 10). فكلاهما يشيران لذبيحة واحدة. والمعنى أن لا يبقى شيء للصباح حتى لا يفسد ويتعفن.
وكان يُعَبَّر عن الكهنوت أو التعيين أو التكريس في الكهنوت بملء اليد (قض12:17 + 1مل33:13) وكان التقديس يعتبر ملئًا لليد لأن الشخص يتسلم به نعمة الكهنوت وسلطانه وحقوقه. واليد هنا تعبر عن الشخص نفسه، فاليد هي التي تقبل المنح والعطايا. لذلك نرفع أيدينا في الصلاة منتظرين النعم. فالملء هو ملء من نعمة الكهنوت وسلطانه وحقوقه. وكانت بعض الشعوب تستخدم هذا التعبير في تنصيب ملوكها حين يعطي الملك صولجانه (إشارة لسلطانه على مملكته). والكنيسة تعطي الإنجيل والحية للأسقف.
*أما كهنة اليهود فكانوا يأخذون من قطع لحم الذبيحة إشارة للكهنوت المسيحي الذي يشترك فيه الكاهن مع الشعب في ذبيحة الإفخارستيا. وحيث أن قطعة لحم ذبيحة الخطية التي يأكلها الكاهن هي قطعة من الذبيحة التي حملت خطايا الخاطئ الذي قدمها. فأكل الكاهن لها هو إشارة للمسيح الكاهن الأعظم الذي حمل خطايانا.
والفرق بين ذبيحة كبش الملء وذبيحة السلامة العادية أنه في طقس ذبيحة السلامة يعطي الكاهن الرجل اليمنى. ولكن هنا الكاهن يعطي نصيبه للرب في حفل تقديسه وتكريمه. وكلمة ملء تشير لإمتلاء أيدي هرون وبنيه، فقد كانت تملأ بالأجزاء الدسمة من الكبش وبأقراص الفطير التي يمتلكونها ويشعرون ويقدرون قيمتها ممتلئين بها. وهم سبق لهم في ذبيحة الخطية أن نقلت خطيتهم عنهم إلى الذبيحة وإذ أفرغت تلك الأيدي من الذنب تمتلئ الآن بتلك الأجزاء المختارة من الذبيحة.
وهي مبادلة عجيبة حقًا!! فقد وضع على المسيح إثم جميعنا وخطايانا حملها.
وبدلًا من ذلك ملأ قلوبنا من شخصه، وملأنا من روحه القدوس.
وعندما رددت هذه الأشياء أمام الرب وهي في أيدي هرون فكأنهم هم أنفسهم قُدِّموا لله كتقدمة ترديد التي في أيديهم. وبها صاروا مكرسين ككهنة. ثم تقدم للمذبح كمحرقة فكأن الكهنة يوحدون أنفسهم بالمحرقة أمام الله.
• وحينما يتوحد الكهنة بالمحرقة التي قدمت على المذبح يملأ الله أياديهم ليس فقط بالطعام إنما بمواهب الروح التي تعينهم في خدمتهم، وهذا هو الملء الحقيقي.
• وبالنسبة للآية (22) راجع سفر اللاويين. أما زيادة الكبد فهناك من يقول أنها هي الحجاب الحاجز الذي يتحرك مع كل نفس فكأن كل نفس مكرس لله أيضًا (وغالبًا هي المرارة). والمهم تقديم كل الشحم أي كل طاقة الذي كرس نفسه لله.
• وهكذا نرى الكفارة والتقديس والملء كلها متضمنة في الذبيحة التي صارت طعامهم ومصدر حياتهم وقوتهم (1كو18:10). إذًا هناك شركة وحب بينهم، وهذا الأكل تقديس وتثبيت لهم (يو54:6 ، 55).
*وفي (26) نجد أن نصيب موسى كنائب ليهوه هو القص أي الصدر. وهذا يرمز لمحبة الله لابنه المحبوب الذي ترمز إليه الذبائح. ولأن موسى قام بطقوس التكريس كوكيل لله.
*وكان نصيب هرون وبنيه في طقس ذبائح سلامة الشعب هو الصدر وساق الرفيعة (لا7: 34 + خر29: 28،27). ولكننا نجد هنا أنهم أصبحوا نصيبًا للرب فموسى يأخذ الصدر (الآية 26)، والمذبح يأخذ الساق (الآية 22). وكلمة الرفيعة نستخدمها حين نقول نرفع صلاة أو نرفع ذبيحة فهي مرفوعة لله.
*وكونها تذهب للرب الآن في طقس التكريس، يكون المعنى التكريس الكامل أي كل ما لنا يا رب هو لك، كل طاقتنا (الرجل)، وعواطفنا (الصدر)، الكل لك يا رب.
تقدس الثياب بالدم والمسحة (لا30:8) ليلبسها الكاهن سبعة أيام، لا يخرج فيها من باب خيمة الاجتماع (لا33:8) + (لا35:8). هذا يعني أن الكاهن الذي قدَّم حياته ذبيحة حب لله ولخدمته، وبعد أن لبس الملابس الكهنوتية المقدسة وتقدست حياته الداخلية وتصرفاته الظاهرة يليق به أن يبقى كل حياته (رقم7 رقم كامل) حافظًا لشعائر الرب ولا يرتبك بأي عمل زمني. هي فترة مقدسة فيُعزل فيها الكاهن عن حياة سابقة ليبدأ حياة جديدة.
(آية 33): الأجنبي هنا أي العلماني فهو غير مسموح له أن يأكل.
وباقي الطقس تجده في سفر اللاويين (طقس ذبيحة السلامة).
19 «وَتَأْخُذُ الْكَبْشَ الثَّانِي، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ الْكَبْشِ. 20 فَتَذْبَحُ الْكَبْشَ وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَجْعَلُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ هَارُونَ، وَعَلَى شَحْمِ آذَانِ بَنِيهِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَرْجُلِهِمِ الْيُمْنَى. وَتَرُشُّ الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. = هي ذبيحة سلامة، هي شركة بين الله ومقدمها. هو إعلان الكهنة التكريس لله. والدم على الأذن والرجل واليد = لو قدس الكاهن حواسه الخمس وإتجاهاته وأعماله فصار هدف الكل مجد الرب، فإن الروح القدس يملأ الكاهن نعمة وقوة للخدمة، وذلك راجع لعمل دم المسيح = وهذا يظهر في أن موسى ينضح أي يرش من دهن المسحة (عمل الروح القدس) ودم الذبيحة (قوة عمل دم المسيح) على ثياب الكهنة (آية21).
وَتَرُشُّ الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ = قوة عمل الدم لا نهائية.
21 وَتَأْخُذُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي عَلَى الْمَذْبَحِ وَمِنْ دُهْنِ الْمَسْحَةِ، وَتَنْضِحُ عَلَى هَارُونَ وَثِيَابِهِ، وَعَلَى بَنِيهِ وَثِيَابِ بَنِيهِ مَعَهُ، فَيَتَقَدَّسُ هُوَ وَثِيَابُهُ وَبَنُوهُ وَثِيَابُ بَنِيهِ مَعَهُ. = رش الدم يشير لتطهير الكاهن وتقديسه. ويشير لشركة العمل بين الله وخدامه، بولس وأبلوس عاملان مع الله (1كو3: 9). في ذبيحة المحرقة كان الدم كله للمذبح، أما هنا فجزء للمذبح وجزء ينضح على الثياب الكهنوتية، وهذه الثياب تشير لكهنوتهم، أي أن الكاهن شريك لله في العمل = مكرس لهذه الخدمة الكهنوتية. والبركة الكهنوتية "محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وشركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون معكم" (2كو13: 14). وبنفس المفهوم نجد أن الكاهن يأكل جزء من الذبيحة والمذبح يأخذ جزء (آية32).
22 ثُمَّ تَأْخُذُ مِنَ الْكَبْشِ: الشَّحْمَ وَالإِلْيَةَ وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الْجَوْفَ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا، وَالسَّاقَ الْيُمْنَى. فَإِنَّهُ كَبْشُ مِلْءٍ. = الشحم هو طاقة الجسم. من يكرس كل طاقته للرب يصبح مصدر فرح للرب. والساق اليمنى تعبر عن قوة الجسد، وهذه أيضا يكرسها الكاهن لله.
23 وَرَغِيفًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ، وَقُرْصًا وَاحِدًا مِنَ الْخُبْزِ بِزَيْتٍ، وَرُقَاقَةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَّةِ الْفَطِيرِ الَّتِي أَمَامَ الرَّبِّ. 24 وَتَضَعُ الْجَمِيعَ فِي يَدَيْ هَارُونَ وَفِي أَيْدِي بَنِيهِ، وَتُرَدِّدُهَا تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ. 25 ثُمَّ تَأْخُذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ رَائِحَةَ سَرُورٍ أَمَامَ الرَّبِّ. وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ. الترديد = تحريك الأيدى بمعنى أن هذه الأجزاء ملكٌ لك يا رب وقد أعطيتها لنا ونحن نقدمها لك. فتعطينا بدلا منها الإمتلاء = (في الكنيسة نحن نقدم لله خبزًا وخمر يعيده لنا جسده ودمه). ما يقدم هو رمز للمسيح: رغيف واحد خبز = المسيح خبز الحياة. قرص واحد من الخبز بزيت = جسد المسيح الذي إمتلأ بالروح. رقاقة واحدة من سلة الفطير = أي بلا خمير إشارة للمسيح الذي بلا خطية. وحينما يردد الكهنة هذه الأجزاء فكأنهم قدموا هم أنفسهم لله كتقدمة، وبها صاروا مكرسين لله. ثم تقدم للمذبح، فكأن الكهنة يوحدون أنفسهم بالمحرقة أمام الله. وحينما يفعلون يملأ الله أياديهم (روحيا وماديًا). كان نصيب الكهنة من ذبائح السلامة الصدر وساق الرفيعة (لا7: 28-35). ولكننا هنا نرى أنهما أصبحا للرب (موسى يأخذ الصدر كوكيل لله، إذ أنه هو الذي قام بطقس التكريس. والساق اليمنى توضع على المذبح).
25 ثُمَّ تَأْخُذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَتُوقِدُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْمُحْرَقَةِ رَائِحَةَ سَرُورٍ أَمَامَ الرَّبِّ. وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ. = الإفخارستيا (ذبيحة السلامة) هي إمتداد لذبيحة الصليب (المحرقة).
26 «ثُمَّ تَأْخُذُ الْقَصَّ مِنْ كَبْشِ الْمِلْءِ الَّذِي لِهَارُونَ، وَتُرَدِّدُهُ تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَكُونُ لَكَ نَصِيبًا. موسى هنا كوكيل لله يحصل على القص أي الصدر.
27 وَتُقَدِّسُ قَصَّ التَّرْدِيدِ وَسَاقَ الرَّفِيعَةِ الَّذِي رُدِّدَ وَالَّذِي رُفِعَ مِنْ كَبْشِ الْمِلْءِ مِمَّا لِهَارُونَ وَلِبَنِيهِ، 28 فَيَكُونَانِ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُمَا رَفِيعَةٌ. وَيَكُونَانِ رَفِيعَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَبَائِحِ سَلاَمَتِهِمْ، رَفِيعَتَهُمْ لِلرَّبِّ. في آية 22 الله يأمر بأن يضعوا ساق الرفيعة على المذبح، أي صارت نصيبًا للرب. ولكنه هنا يعود ويذكر أن الساق اليمنى هي نصيب الكاهن. فلماذا يذكر هذا هنا الآن؟ قص الترديد وساق الرفيعة من ذبائح السلامة لهرون وللكهنة في كل ذبائح السلامة (لا7: 28-35). ولكن في يوم السيامة يأخذ الرب القص (لموسى كوكيل عنه في سيامة هرون والكهنة أولاده) وساق الرفيعة (للمذبح) والمعنى أن كل ما لنا أعطيناه لك يا رب حتى نصيبنا. والله يفرح بهذا أن نكرس كل شيء له. وهذا هو التكريس الكامل. ولكن أنظر ماذا يعطيهم الله في المقابل؟ الملء روحيا وماديا.
29 «وَالثِّيَابُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي لِهَارُونَ لِبَنِيهِ بَعْدَهُ، لِيُمْسَحُوا فِيهَا، وَلِتُمْلأَ فِيهَا أَيْدِيهِمْ. 30 سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَلْبَسُهَا الْكَاهِنُ الَّذِي هُوَ عِوَضٌ عَنْهُ مِنْ بَنِيهِ، الَّذِي يَدْخُلُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ لِيَخْدِمَ فِي الْقُدْسِ. يعني أن الكاهن يقدم حياته كلها لله، حافظًا وصايا الله.
وَلِتُمْلأَ فِيهَا أَيْدِيهِمْ = هذا التعبير عند العبرانيين يعني أن يُكرس الإنسان ككاهن.
31 «وَأَمَّا كَبْشُ الْمِلْءِ فَتَأْخُذُهُ وَتَطْبُخُ لَحْمَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. 32 فَيَأْكُلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ لَحْمَ الْكَبْشِ وَالْخُبْزَ الَّذِي فِي السَّلَّةِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 33 يَأْكُلُهَا الَّذِينَ كُفِّرَ بِهَا عَنْهُمْ لِمِلْءِ أَيْدِيهِمْ لِتَقْدِيسِهِمْ. وَأَمَّا الأَجْنَبِيُّ فَلاَ يَأْكُلُ لأَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ. الأكل من كبش الملء = إشارة للدخول في عهد مع الله، هم يكرسون أنفسهم لله والله يملأهم. وما يقدم هو رموز تشير للمسيح (آية23). وحين يأكل الكهنة من هذا الخبز يمتلئوا من النعمة التي يعطيها الروح القدس إذ إتحدوا بالذبيحة. (وهذا ما يحدث في سر الإفخارستيا). الأجنبي = العلماني.
34 وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ الْمِلْءِ أَوْ مِنَ الْخُبْزِ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُ الْبَاقِيَ بِالنَّارِ. لاَ يُؤْكَلُ لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ. حتى لا تفسد وتتعفن.
35 وَتَصْنَعُ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ هكَذَا بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَمْلأُ أَيْدِيَهِمْ. "
الآيات (36، 37): "وَتُقَدِّمُ ثَوْرَ خَطِيَّةٍ كُلَّ يَوْمٍ لأَجْلِ الْكَفَّارَةِ. وَتُطَهِّرُ الْمَذْبَحَ بِتَكْفِيرِكَ عَلَيْهِ، وَتَمْسَحُهُ لِتَقْدِيسِهِ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تُكَفِّرُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَتُقَدِّسُهُ، فَيَكُونُ الْمَذْبَحُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّ الْمَذْبَحَ يَكُونُ مُقَدَّسًا."
مع أن الكهنة قُدِّم عنهم ذبيحة خطية وتقَّدسوا إلا أنهم ينبغي أن يشعروا دائمًا بأن "خطيتهم أمامهم في كل حين" وأنهم محتاجين للدم بصفة مستمرة ومحتاجين للتوبة بصفة مستمرة لذلك كان يقدم كل يوم ثور خطية عنهم. وهذه الذبائح هي لتقديس المذبح 7 أيام أي تكريسًا كاملًا وهكذا يتقبل الله من شعبه هذا المذبح الذي يقدسه ويجعله قدس أقداس وخلاله تقبل الذبيحة لتقديس شعبه والتكفير عنهم. وكثرة تكرار الذبائح تشير أنها غير كاملة وهم في انتظار لذاك الذي يأتي ليقدم نفسه ذبيحة مرة واحدة. والمذبح لم يخطئ فلماذا يقدم عنه ذبيحة خطية؟ هذا بسبب خطايا من يخدمون المذبح. فهو يتنجس بنجاسة وخطايا الكهنة. ومهما كان الإنسان الذي يتقدم للخدمة فهو غير مستحق.
الآيات (38-46): "«وَهذَا مَا تُقَدِّمُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ: خَرُوفَانِ حَوْلِيَّانِ كُلَّ يَوْمٍ دَائِمًا. الْخَرُوفُ الْوَاحِدُ تُقَدِّمُهُ صَبَاحًا، وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي الْعَشِيَّةِ. وَعُشْرٌ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِرُبْعِ الْهِينِ مِنْ زَيْتِ الرَّضِّ، وَسَكِيبٌ رُبْعُ الْهِينِ مِنَ الْخَمْرِ لِلْخَرُوفِ الْوَاحِدِ. وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي الْعَشِيَّةِ. مِثْلَ تَقْدِمَةِ الصَّبَاحِ وَسَكِيبِهِ تَصْنَعُ لَهُ. رَائِحَةُ سَرُورٍ، وَقُودٌ لِلرَّبِّ. مُحْرَقَةٌ دَائِمَةٌ فِي أَجْيَالِكُمْ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكُمْ لأُكَلِّمَكَ هُنَاكَ. وَأَجْتَمِعُ هُنَاكَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيُقَدَّسُ بِمَجْدِي. وَأُقَدِّسُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَالْمَذْبَحَ، وَهَارُونُ وَبَنُوهُ أُقَدِّسُهُمْ لِكَيْ يَكْهَنُوا لِي. وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ."
بعد أن تكلم عن الكهنوت يكلمنا هنا عن وظيفة الكاهن وهي تقديم ذبائح بصفة مستمرة صباحًا ومساءً. وعلى كل مسيحي ككاهن روحي بالمفهوم العام أن يقدم ذبائح تسبيح وشكر (صلوا بلا انقطاع) طول النهار. وغرض الذبائح المستمرة كما هو محدد في آية (43) ) "حيث أجتمع بكم.... فيقدس بمجدي" فالشعب يتقدس بحلول الله وسطهم بمجده. والله لن يحل في وسطهم بدون ذبيحة لغفران خطاياهم (ذبيحة الخطية) ولإعلان طاعتهم (المحرقة). الله يريد أن يسكن في وسطنا ليقدسنا" أكون مجدا في وسطها" (زك2: 5) .
وَهذَا مَا تُقَدِّمُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ: خَرُوفَانِ حَوْلِيَّانِ كُلَّ يَوْمٍ دَائِمًا. الْخَرُوفُ الْوَاحِدُ تُقَدِّمُهُ صَبَاحًا، وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي الْعَشِيَّةِ = الخروف الذي يقدم في العشية (مساء) يشير للمسيح الذي صُلِب في العشية في نهاية مساء اليوم السابع. والخروف الذي يقدم صباحا يشير لذبيحة الإفخارستيا التي تقدم في نهار اليوم السابع. ونهار اليوم السابع كان بعد أن ظهر المسيح شمس البر (ملا4: 2). والإفخارستيا هي هي نفسها ذبيحة الصليب، هي ليست تكرار لذبيحة الصليب بل هي إستمرار لذبيحة الصليب.
وتقديم سكيب خمر هو رمز للفرح فالله يفرح بنا وبمحرقاتنا وبصلواتنا ويريد أن يشركنا في هذا الفرح. ولاحظ أن الله يفرح بمن هو على إستعداد أن يسكب نفسه لأجله (2تي6:4).
ونلاحظ أن الله يفرح بفرح أولاده ".. بلِ ٱفْرَحُوا وَٱبْتَهِجُوا إِلَى ٱلْأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لِأَنِّي هَأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا. فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلَا يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلَا صَوْتُ صُرَاخٍ" (إش65: 18-19).
هي عبادة يومية صباحًا ومساءً تعبيرًا عن الشكر لمراحم الله المستمرة. وهي محرقة دائمة رمزًا لشفاعة المسيح الدائمة عنا. والله يريد أن يسكن في وسطنا، يقدسنا ويكون مجدًا لنا. ولكن من الذي سيتمتع بهذا؟ هؤلاء الذين يلتصقون ببيته مقدمين ذبائح تسبحتهم دائما. حيث اجتمع بكم لأكلمك هناك= هو يجتمع بالشعب ويكلم شخص واحد قد يكون موسى كممثل للشعب وقد يكون المقصود الشعب كوحدة واحدة فالله يريد أن يكون شعبه واحدًا. في العشية= في العبرانية الكلمة تعني بين العشاءين فاليهود كان عندهم عشاءان. وحسب ما يقول المفسرون أن العشاء الأول حوالي الساعة التاسعة أي الثالثة ظهرًا، وبعده كان يقدم محرقة المساء أي بين الساعة التاسعة والحادية عشر.
← تفاسير أصحاحات الخروج: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الخروج 30 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الخروج 28 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3b45rsd