"وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: «وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ الأَطْيَابِ: مُرًّا قَاطِرًا خَمْسَ مِئَةِ شَاقِل، وَقِرْفَةً عَطِرَةً نِصْفَ ذلِكَ: مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَسَلِيخَةً خَمْسَ مِئَةٍ بِشَاقِلِ الْقُدْسِ، وَمِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ هِينًا. وَتَصْنَعُهُ دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ الْعَطَّارِ. دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ." (خر30: 22-25).
هو مادة صمغية تسيل من جذع الشجرة الخاصة بها وهناك طريقتين للحصول عليه:-
أ- يسيل طبيعيًا أي يقطر من تلقاء ذاته (هذا سبب تسميته قاطر). وهذا يجمع ويكون نقيًا جدًا وحينما يجمد يكون لونه أحمر صافيًا وحينما ينكسر، ينكسر في نقط بيضاء. وهذا هو النوع الفاخر، النقي والخالص، الذي يقطر من تلقاء ذاته.
ب- الطريقة الثانية هي بجرح الشجرة أي بشرطها بسكين.
وكان المصريين يستعملونه في التحنيط والتكفين. أما اليهود فإستعملوه في التكفين (يو19: 39). وهو مادة زكية الرائحة جدًا لكنها مرة جدًا. وكانت تستعمل كعطر "صُرَّةُ ٱلْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ" (نش1: 13). فكانت السيدات والبنات يضعون المر في لفافة (صرة) يضعونها في صدورهن فتفوح منهن رائحة طيبة. ويستعمل المر أيضًا كدواء لتخفيف الألم وتسكينه، وكانوا يستخدمونه مع المصلوبين (مر23:15).
*وهو حين يقطر من تلقاء ذاته يشير للمسيح بصفاته الحلوة، محبته ووداعته وتواضعه وكلماته ومعجزاته المملوءة حبا وحنانًا ...إلخ وأيضا لقبوله الألام ومحاولات قتله المتكررة وقبوله الإهانات والرفض مرات عديدة ليكمل لنا الخلاص.
*وحين يقطر بجرح الشجرة تموت الشجرة ولكن ينسكب منها كمية كبيرة من المر. وهذا يشير لطعن المسيح بواسطة البشر.
*وفي الحالتين تخرج رائحة طيبة. ولكن محبته التي ظهرت في الصليب كانت عجيبة يشير لها الكمية الكبيرة من المر التي تنسكب عند جرح الشجرة. لقد فاحت رائحة محبته العجيبة للبشر بصليبه.
*وطعم المر اللاذع يشير لألام المسيح الرهيبة وكونها حقيقية (عب3:12). فهو إحتمل مرارة الصلب لنتذوق نحن بل كل العالم حلاوة محبته وخلاصه. بل كون وجوده في عالم كله مضاد لله فهذا في حد ذاته مرارة له.
تأمل في نش5: 2-5:- المسيح ما زال يعرض لنا يداه تقطران مرًا، وحينما رأت العروس يداه المجروحة، وفهمت مرارة مشاعره من أنها تتكاسل بالرغم من ألامه وجروحه التي كانت لأجلها، أنَّتْ أحشائها عليه حينما رأت أثار جروحه، فتغصبت (تغصبها هذا يُصوِّره الوحي أن يداها تقطران مرًا). وقامت لتفتح له قلبها، فاشتم عريسها رائحة هذا التغصب (المر) الجميلة، فهذا كان إعلانًا عن محبتها له. والمسيح دائمًا يذكرنا بآلامه حتى يرق قلبنا له. بل هو رفض أن يشرب المر والخمر من يد صالبيه حتى يشرب كأس الألم حتى آخرها. فالمر والخمر يعملان على تسكين الآلام وهو رفض هذا. هو قبل مرارة الألم ليرفعها عني. هذا معنى أن مياه مارة (مرة) صارت حلوة بالخشب (أي الصليب) (خر23:15). أي حياتنا التي كانت مرة صارت حلوة بسبب التعزيات التي يعطيها لنا الروح القدس. لذلك قال المسيح "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو10: 10).
*وفي قبوله الألم والصلب (المر) خرجت رائحة طيبة أمام الآب (الطاعة). وظهر أمامنا محبته "لَيْسَ لِأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لِأَجْلِ أَحِبَّائِهِ" (يو15: 13).
كنيسة سميرنا تعني المر هي كنيسة تفعل ما فعله مخلصها، فهي تقبل المر لأجله فكانت لها رائحة طيبة ولم يسمع ملاكها تأنيبًا من الرب من نوع "لكن عندي عليك.. " والمرأة الخاطئة التي سكبت الطيب على قدمي المخلص هي نوع من هؤلاء الذين بفرح يكسرون آنيتهن الخزفية أي أجسادهم ويقبلون الآلام فتفوح رائحتهم الزكية أمثال الشهداء والرهبان والنساك والذين يحتملون آلام أعداء المسيح والكنيسة عبر العصور، فَمَنْ أذاقوا الرب مُرًّا في حياته ما زالوا يُذيقون كنيسته المر حتى الآن وإلى آخر يوم. (راجع را 20:1 + أر19:2) لترى أن ترك الرب مر (هنا في مذاقه).
وكان المر هدية المجوس وهذا إشارة لموته وتحقق هذا في (يو39:19) (في تكفين الرب).
هذه لها رائحة عطرة وطعم مرغوب لطيف وتعطي نكهة طيبة للمأكولات وتستخدم في العقاقير الطيبة كمنبه ومنعش. وشجرة القرفة خضراء دائمًا ليس لها وقت تذبل فيه. والمسيح كان ناضرًا دائمًا كشجرة مغروسة عند مجاري المياه (مز1) ونحصل على القرفة بنزع قشور شجيراتها وبالتالي تموت الشجيرة وهنا مرة أخرى نرى صورة الموت بل والسلخ (سلخ الذبيحة يناظرها هنا سلخ الشجيرات) حتى تخرج الرائحة. والمسيح أيضًا منبه ومنعش بسيرة حياته ومحبته كنموذج يحتذى وأيضًا بنعمته العاملة فينا، هو ينبه القلب الخائر. وهو كدواء شافي لنا.
وقد يكون معنى قرفة بالعبرية مشتق من كلمتين Kinna & min وهي التي جاءت منها كلمة Cinna mon. وكلمة Kinna تعني غيور وكلمة min تعني هيئة أو مظهر خارجي. ولو طبقنا هذا المفهوم على المسيح نجده في (يو17:2) يطرد التجار من بيت أبيه كتطبيق للآية غيرة بيتك أكلتني وراجع أيضًا (نش6:8).
هو نبات ينمو في الأرض الموحلة والمستنقعات. وهو نبات مشهور باستقامته وكلمة قصب تفيد الاستقامة. وبسحق النبات نحصل على المادة ذات الرائحة العطرية. ويسمى قصب الذريرة فمنه نحصل على الذرائر، وذرائر تعني أطياب. مرة أخرى نرى صورة المسيح الذي نما في وسط هذا العالم الموحل بالخطية لكنه نما مستقيمًا. وبسحقه وآلامه خرجت الرائحة الطيبة. وكلمة قصب وردت في كلمة قصبة القياس (حز3:40) + (أش3:42) وهذه تنطبق بكمال الرب يسوع واستقامته المطلقة وأنه يقيس أرواح البشر ويقيمهم بموازينه ولكنه قصبة مرضوضة لا يقصف بل هو يعالج ويشجع ويعطي من نعمته ويطيل أناته (يو11:8) "ولا أنا أدينك أيضًا".
هي مشتقة من كلمة سلخ فكانت قشور هذا النبات تسلخ لنحصل منه على هذه المادة ورائحتها نفاذة أكثر من القرفة وتستعمل أيضًا كدواء ولإعطاء نكهة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذه الكلمة وردت هنا وفي (حز 19:27) فقط في حديثه عن تجارة صور رمز لتجارة عدو الخير. وكأن المعنى أن العالم يتاجر بصفات المسيح وهكذا الشيطان يحاول أن يسرق من كمالاته ويتاجر بها. ونلاحظ كيفية استخدام العالم لكلمة محبة، فهم يقولون الآن عن الزنا التعبير الآتي to make love.
الزيت زيت زيتون. وكان العبرانيون يستخدمون الزيت في:
1. الطعام: أرملة صرفة صيدا (1مل12:17). وكانوا يصنعون الخبز بالزيت.
2. الإضاءة: مثل العذارى + (أم18:31)
3. مسح الأجساد: داود اغتسل وَادَّهَن بعد أن مات ابنه (2صم20:12) وكانوا يستعملون الزيت بعد تعطيره بالعطور الشرقية في احتفالاتهم دليلًا على الفرح (مز5:23) وعدم استخدامه دليل الحزن (مت17:6).
4. معالجة الجروح: (أش6:1 + لو34:10) (السامري الصالح).
وكان هناك استخدامات مقدسة (أي خاصة بالعبادة) مناظرة لهذه:
أ- تقدمة الدقيق يسكب عليها زيت (لا2).
ب- المنارة تستخدم الزيت (داخل الخيمة).
ت- مسح الملوك ورؤساء الكهنة وبعض الأنبياء وتدشين الأماكن.
ث- مسح المرضى بالزيت (مر13:6).
* كان الملوك يمسحون وقد ذكر الكتاب مسح شاول وداود بواسطة صموئيل النبي ومسح يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي ملكًا على إسرائيل بواسطة إيليا. ومسح هرون رئيسًا للكهنة بواسطة موسى. ومسح إليشع نبيًا بواسطة إيليا (1مل16:19)
*وكان مسح هرون مختلفًا عن مسح الكهنة العاديين. فهرون كرئيس كهنة يرمز للمسيح، أما الكهنة أولاده فهم يشيرون للمؤمنين الآن بمفهوم الكهنوت العام. ولقد كلف الله موسى بأن يسكب الدهن على رأس هرون فينسكب عليه الروح القدس فيصير رئيسًا للكهنة. وكلف صموئيل النبي أن يسكب الدهن على شاول ثم على داود فيصيروا ملوكًا. وهكذا كان الله يكلف نبيا أو رئيس كهنة ليسكب الزيت على شخص ما ليقدسه لله أي ليكلفه ويخصصه لعمل ما كما رأينا. ولكن لا يوجد إنسان قادر أن يسكب دهنا على رأس المسيح ابن الله، فكان أن الله هو الذي أرسل الروح القدس ليسكن في جسد المسيح بعد معموديته، وقد إنسكب الروح القدس على جسده كحمامة (أي في هيئة كاملة لأن الروح القدس حلَّ بالكامل على المسيح)، أما على التلاميذ فكان على هيئة ألسنة نار منقسمة على كل واحد منهم. وهذا تنبأ عنه داود النبي "أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلْإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ ٱللهُ إِلَهُكَ بِدُهْنِ ٱلِٱبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ" (مز45: 7). ولكن كان لابد من مسح الكهنة أيضا بالزيت فهم مكرسون ومخصصون للخدمة ولا عمل آخر لهم سواها راجع (خر13:40 ، 14 + لا12:8 (لرئيس الكهنة) + لا30:8 (للكهنة بني هرون).
*وكانت الأماكن أيضًا تدشن بالزيت أي تقدس وتخصص وتفرز وتكرس لله (تك18:28 + 13:31) (الله يؤكد على عمل التكريس للأماكن) [هذا أول استخدام للزيت]. وآنية وأدوات الخيمة كانت تمسح بالزيت أي تخصص لله (خر9:40) لذلك كان استعمال بيلشاصر (دا2:5-4) في آخر يوم له، لآنية بيت الرب إعتداء على الله إستوجب معه نبوة دانيال المخيفة "وزنت فوجدت ناقصًا" ومات في نفس الليلة. وكان المسح بالزيت للتكريس أي تخصيص مكان لله ككنيسة مثلًا، أو ليقوم إنسان بعمل رئيس كهنة، أو ملك يدبر أمور شعب الله ويدافع عنهم. أو نبي كما في حالة إيليا مع إليشع.
*وإذا كان معنى التكريس هو تخصيص الشيء لله فهذا ما تم بالكامل في المسيح، وهذا تم يوم حل عليه الروح القدس مثل حمامة (مت16:4) وسفر الأعمال أطلق على حلول الروح القدس على المسيح أنه مسح "مسحه الله بالروح القدس" (أع38:10) ولذلك سمي "المسيح" أي "الممسوح". والمسيح مُسِحَ ليتخصص جسده كرئيس كهنة يقدم ذبيحة جسده على الصليب لخلاص البشرية، وأيضًا ليكون ملكا يملك علينا بمحبته.
وفي (1صم13:16) في قصة مسح صموئيل لداود. والآية نبوة كاملة عن ما حدث مع المسيح "فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط إخوته. وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم وصاعدًا" (إذًا فالمسح بالزيت رمز بل هو سر حلول الروح القدس على الممسوح. (الذي على مثاله تستخدم الكنيسة الآن سر الميرون).
ومن يمسح بهذه المسحة يأخذ هبة من الروح القدس لا بد أن يستخدمها في تقديم العبادة لله والشهادة لله أمام الناس ولمجد إسم الله.
ولنرى عمل الروح راجع (لو14:4 ، 15) "ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل.. وكان يُعلِّم في مجامعهم ممجدًا من الجميع" ولاحظ القوة والمجد والنور الذي صار له بعد حلول الروح القدس وكيف تحول هذا لكرازة (مز2:2+ 50:18+ 9:84 + دا 25:9 ، 26). وأكمل لوقا الإنجيلي شرحه لعمل الروح بأن أورد قصة دخول المسيح للمجمع وقراءته لسفر إشعياء حيث يعلن عمل مسح الروح (لو16:4-22). ولاحظ قوله في (لو14:4) "وخرج خبر عنه" هو نور كان يشع في كل مكان. (مز17:132 + 2صم17:21 + 1مل36:11 + في15:2) وهذا ما حدث مع التلاميذ فقد حل الروح عليهم (أع3:2) فإنطلقوا يتكلمون بألسنة وبقوة جعلت الكثيرين يؤمنون. وبهذه القوة صنعوا معجزات مثل معلمهم.
إذًا الزيت رمز للروح القدس، ويتم حلول الروح القدس على من إختاره الله للتكريس أو التخصيص لوظيفة معينة (ملك/ رئيس كهنة/ نبي) عن طريق المسح بالدهن المقدس. وهذا يعطي قوة وطاقة للشهادة والإضاءة والكرازة "لكي يرى الناس أعمالكم.. "
وكان يخلط الزيت بمقادير معينة من العطور السابق ذكرها، وحينما يمسح الشخص أو المكان بالزيت تفيح منه رائحة هذه العطور. وإذا فهمنا أن الزيت يشير للروح القدس والعطور السابقة أنها تشير للمسيح نفهم الآتي:
1. أن الروح القدس هو العطّار "عطر عطارة صنعة العطّار" (خر25:30) الذي يمزج كل هذا، بل هو الذي كون جسد المسيح في بطن العذراء= صنعة العطاّر. ونعود مرة أخرى لنفهم أن الروح القدس صنع الجسد من تقدمة العذراء أي جسدها أو بطنها، وكما تقول التسبحة أن المسيح إتحد بجزء من عجينة البشرية (تسبحة يوم الخميس).
2. بالمسح تفوح الرائحة. فحين يمسح الشخص تفوح رائحة العطور. هذا هو عمل الروح القدس أن ينشر رائحة المسيح الزكية " لأننا رائحة المسيح الزكية " (2كو2: 15) + "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو14:16). بل هو يحولنا إلى صورة المسيح عينها (2كو18:3) فتخرج منا رائحة المسيح. هذا معنى وضع هذه المواد مع الزيت. أن الروح القدس يظهر لنا شخص المسيح في كماله وحبه وفداؤه، في مجده وجلاله، في تواضعه ووداعته.
*وهذا الزيت لا يستعمل لأي إنسان، بل فقط لرؤساء الكهنة والملوك والأنبياء الذين يرمزون لشخص المسيح رئيس الكهنة الحقيقي وملك الملوك الذي ليس مثله. لذلك يسمى "إكليل دُهن مسحة إلهه" (لا 12:21) فهو يشير للمقام الكهنوتي والملوكي السامي للمسيح (طقس ملكي صادق).
← تفاسير أصحاحات الخروج: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
البخور المقدس ومواد تركيب البخور |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
مواد خيمة الاجتماع |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3nmv95s