"وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ لَكَ أَعْطَارًا: مَيْعَةً وَأَظْفَارًا وَقِنَّةً عَطِرَةً وَلُبَانًا نَقِيًّا. تَكُونُ أَجْزَاءً مُتَسَاوِيَةً، فَتَصْنَعُهَا بَخُورًا عَطِرًا صَنْعَةَ الْعَطَّارِ، مُمَلَّحًا نَقِيًّا مُقَدَّسًا." (خر 30: 34-35).
البخور ليس القصد منه إيجاد رائحة طيبة في الخيمة، لكنه حمل مفهومًا لاهوتيًا يمس حياتنا في الله، وسنرى أنه يشير للمسيح. ولذلك حدد الله نوع البخور وكمياته وموعد إيقاده ومن الذين يقومون بهذا العمل فحرم إستخدامه بذات النسب خارج الخيمة أو إيقاده بيد غريبة ولنلاحظ:
1. البخور العطر يعبر عن كمالات المسيح التي لا تحد وكل أجزاء البخور متساوية فكل صفاته متساوية (رحمة وعدل.. فرحمته عادلة وعدله رحيم) ولكن كل منها يظهر في الوقت المناسب.
2. تحريم استخدامه خارج الخيمة يشير أنه لا يوجد، ولم ولن يوجد من هو كامل مثل المسيح، ولن يعرف هذه الصفات الكاملة إلا الله فهي لا تقدم لسواه. لا يوجد مَنْ يعرف حقيقة ومجد المسيح إلا الآب. فالبخور كان يقدم لله (فلا أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلإ الابن).
3. كان البخور يحرق بالكامل على المذبح وفي هذا فهو يتشابه مع ذبيحة المحرقة، كلاهما رائحة سرور للرب، فهو يحرق كما إشتعلت نيران الغضب الإلهي في المسيح على الصليب. وكانت طاعة المسيح والحب الذي ظهر هو الرائحة العطرة.
4. لأن البخور ذبيحة فلا يقدمه سوى كاهن. والكاهن هو رمز للمسيح رئيس الكهنة الحقيقي الذي قدم ذبيحة نفسه بإرادته. وأيضًا المسيح هو البخور الذي يحترق وهو الكاهن الذي يقدم البخور.
5. الكنيسة عروس المسيح يقال عنها في سفر النشيد "من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان وبكل أذرة التاجر" وفي (ملاخي10:1) نجد نبوة عن أن كنيسة المسيح (الأمم) ستقدم بخورًا. وفي (رؤ3:8 ، 4+ رؤ8:5) نجد الـ 24 قسيسا السمائيين يقدمون هذا البخور الذي هو صلوات القديسين = يرفعون صلواتنا ويقدمونها لله بعد تنقيتها في نار المجمرة. هنا نرى صلوات الكنيسة المجاهدة أي نحن، تجتمع مع صلوات السمائيين وتقدم أمام الله. فالكنيسة المتألمة هنا على الأرض، نجد أنها بينما هي في ألامها تقدم تسابيحها، تكون كما قيل عن عروس النشيد "كأعمدة من دخان" (إشارة لمن يغصب نفسه ويصلب شهواته الخاطئة كمن يحرقها وراجع قصة طوبيا). "معطرة بالمر واللبان" (نش3: 6) والمر واللبان إشارة للرائحة الحلوة لإحتمال الكنيسة للألم بشكر وتسبيح (المر برائحته العطرة) واللبان (الصلاة بشكر أثناء الألم) وكم هي عطرة رائحة صلوات المتألِّم أمام الله، هذه قيل عنها "فنقدم عجول شفاهنا" (هو14: 2) والعجول إشارة لذبيحة المحرقة. فمن يقدم الشكر والتسبيح لله وسط ألامه يكون كمن يقدم ذبيحة محرقة. وكلا ذبيحة المحرقة والبخور يقال عنهما رائحة سرور أمام الرب. وهنا حينما يلتحم عمل المسيح الذبيحة، ذبيحته الكفارية عنا، مع صلواتنا يشتمها الله رائحة رضا، فنحن لا قبول لنا إلا بالمسيح.
6. حينما نبخِّر أمام أيقونة القديسين فنحن نعبر عن أشياء كثيرة منها:
[1] كيف صارت صلاتهم مقبولة أمام الرب كرائحة البخور العطر.
[2] شركة الصلاة بين الكنيستين المجاهدة والظافرة، نحن نصلي وهم يصلون عنا "فَصَعِدَ دُخَانُ ٱلْبَخُورِ مَعَ صَلَوَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ مِنْ يَدِ ٱلْمَلَاكِ أَمَامَ ٱللهِ" (رؤ4:8)
[3] توسل أن يذكرونا ويرفعوا صلواتنا أمام الجالس على العرش في السماء.
[4] الطواف بالبخور حول المذبح وتقديمه للأيقونات وأجساد القديسين والشعب، هنا نجمع صلوات الجميع كصوت واحد يحمله البخور المقدس وترفعه الملائكة المنوطة بالخدمة مع صلوات وتشفعات العذراء مريم. ويقدم هذه الصلوات لله الـ24 قسيس.
[5] حينما يشم الشعب رائحة البخور يذكر أنه يجب أن تكون له فضائل بحسب الآية (نش3: 6). وأن يقدم نفسه ذبيحة حتى يكون رائحة طيبة أمام الله.
[6] حينما يرى المصلي البخور صاعدًا لفوق عليه أن يصلي فهذه الصلوات ترفع أمام عرش النعمة. وعليه أن يذكر أن صلاته يجب أن تكون من النوع الذي يرتفع لأعلى مثل البخور (أي في حب وصلاة من أجل الجميع) فهناك صلوات لا ترتفع لفوق إن اتسمت بالكراهية والأنانية.
7. هناك بخور غريب أي ليس بالنسب المحددة والطريقة المحددة أو الذي يقدم بطريقة غير شرعية (أي ليس بيد كاهن، وليس بالطريقة المحددة في الخيمة). وهذا يشير للصلوات التي لا يقبلها الله مثل صلوات قلب حقود أو مملوء شر ويشير أيضًا لمن يخالف طريق العبادة الذي حدده الله.
8. كان الكهنة فقط يشمون رائحة البخور داخل الخيمة. والمؤمنين الآن الذين لهم الكهنوت العام يشمون رائحة المسيح الزكية. المؤمنون في صلواتهم وعبادتهم يتعرفون على صفات المسيح ويشتمون رائحته الزكية. فنحن نشترك مع الآب في التلذذ بإبنه.
9. يذكر المؤمنون صلاة داود "لتستقم صلاتي كالبخور قدامك".
10. الله أمر موسى باستخدام البخور ولم يوجد ما أبطل هذا التقليد ويكفينا نبوة (ملاخي11:1) "لِأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا ٱسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لِٱسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لِأَنَّ ٱسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ، قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ" فهي تشير لتقديم البخور في كنيسة الأمم وهذا يعني الكنيسة الحالية وليست كنيسة اليهود وهذه الكنيسة التي للأمم لم تعرف إلا بعد المسيح. بل لم تمتد كنيسة اليهود من مشارق الشمس إلى مغربها، بل هذا ما حدث مع المسيحية.
كان البخور العطر يتركب من أجزاء متساوية من 4 أصناف من الأعطار مصنوعة معًا بخورًا عطرًا صنعة العطار، مملحًا نقيًا مقدسًا. ولا يشار لمقدار الملح فيه فكلمة مملحًا المستخدمة قد تعني مخلوطًا أو تعني إضافة ملح حقيقي، والملح يعني عدم الفساد في طبيعة السيد المسيح الإنسانية.
والمواد المستخدمة هي مواد صمغية خارجة من نباتات عطرية وهي بذلك الخلاصة المركزة المشتملة على كل خواص النبات والممثلة لكل مزاياه. وقد تكررت كلمة عطرة وعطار وأعطار فكلمة واحدة لا تشير بالكامل لرائحة المسيح الزكية. وكما ذكرنا سابقًا فالعطار هو الروح القدس الذي يمزج هذه الأعطار (هذا ما صنعه الروح القدس في بطن العذراء) كما نصلي في القداس "تجسد من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم".
Stacte هي الكلمة اليونانية التي استخدمتها الترجمة السبعينية أما الكلمة العبرية المناظرة فهي nataph ومعناها ما يُقَطَّر. فهي مادة صمغية تستحلب أو تسيل أو تفرز من شجيراتها. وقد تكون هي المر أو مادة أخرى تسمى الإصطرك تنبت شجيراتها في سوريا وعمومًا هي مادة صمغية عطرية تعبِّر عن الرائحة المركزة للنبات. وقد استخدمت نفس الكلمة "ما يقطر" في (قض4:5 + أي27:36 + اي22:29 + نش11:4 + عا13:9) وتفسير الأخيرة نجده في "وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ" (لو22:4). فقد كانت كل كلمة خرجت من فم المسيح لها رائحة زكية. هي كلمات حق أبدي كان على استعداد أن يموت من أجله. ونلاحظ أن المادة العطرة كانت تقطر من الشجرة عند طعنها. والسيد قبل أن يطعنوه بالحربة طعنوه بسخريتهم واستهزائهم به وكراهيتهم وفي كل هذا لم يصدر عنه سوى كلمات الحب والحق. وكانت قطرات دمه التي سالت على الأرض رائحة زكية أمام الآب تعني ليس كإرادتي بل إرادتك. بل عرقه سال كقطرات دم. قطعًا إرادة الآب هي نفسها إرادة الابن فما الذي جعل لطاعة المسيح هذه الرائحة الزكية أمام الآب؟ أننا نحن في المسيح سنحسب طائعين بل كاملين وبلا لوم (كو1: 28 + أف1: 4). إذًا الميعة تعبر عن كل ما فاض من قلب المسيح في حياته وآلامه.
هذه هي التسمية اليونانية بحسب الترجمة السبعينية أما العبرية فهي تعني قشر سمك أو صدف. فهذه المادة تؤخذ من أسماك صدفية أو حيوانات بحرية صدفية تعيش في البحر الأحمر وتتغذى بنباتات عطرية تنمو بجانب المياه. وتنتج المادة العطرية من طحن هذه الأصداف. وهذا يقودنا إلى المسيح في موته وألامه، ففي حياته كان طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله (يو34:4)، وفي آلامه سُرَّ الآب أن يسحقه بالحزن (إش10:53).
التفسير:- الآب لا يُسَّرْ بآلام ابنه وانسحاقه بالحزن، بل في أن المسيح حين احتمل كل هذه الآلام والأحزان، صار كل من يرتبط معه يحمل المسيح عنه ألامه. كما قيل في إشعياء النبي "لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا" (إش53: 4). فسرور الآب كان لأنه صار للإنسان حبيبه أن يتعزى ويرتاح وسط ألامه، فالمسيح حمل عنه ألامه. وهذا هو سر أننا نرى مرضى بأمراض مؤلمة جدًا وهم في فرح وكأنهم غير شاعرين بالألم.
وهذه الأسماك أو الحيوانات البحرية تعيش في البحر. وبالنسبة للإنسان فالحياة في البحر تعني الموت. وهذا يشير للمسيح الذي مات، ودُفِنَ في القبر وذَهَبت نفسه للجحيم لكي تطلق مِنْ هناك نفوس الأبرار. وفي موته فاحَت رائحته العطرية. والأظفار كانت تستخدم كعطر وكدواء، وهكذا المسيح كان فيه شفاء لنا.
هي مادة صمغية مرة المذاق ونفاذة الرائحة تستعمل لتثبيت العطور وتقويتها وتعطي قوة واستمرارية ومتانة لباقي مركبات البخور. ولرائحتها النفاذة صفة هامة أنها لها قوة على طرد الأفاعي والحشرات السامة.
والكلمة في أصلها تنقسم لقسمين، الجزء الأول بمعنى خلاصة النبات أو الجزء الحيوي فيه SAP أو FATNESS والجزء الثاني المضاف له بمعنى مرثاة. هذا يشير لأحزان المسيح التي احتملها فكان رجل أحزان. أما الدسم فيشير لطاقة عزيمة المسيح في تنفيذ وطاعة إرادة الآب "طعامي أن أصنع مشيئة الذي أرسلني" (يو34:4). ولاحظ قول الكتاب "حِينَ تَمَّتِ ٱلْأَيَّامُ لِٱرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيم" (لو9: 51). 1*وكل أحزان المسيح لم تجعله يترك الصليب، بل كان جائعًا لأن يتمم مشيئة الآب ويطيعها وهذا ما أعطى لحياته رائحة طيبة. كان حزنه شديدا فقد قال "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت26: 38). فالمسيح تقدم للصليب بثبات وداخله أحزان عميقة جدًا، فهو يحب الإنسان، وخلق الإنسان في جنة ليفرح، وكانت النتيجة أن الإنسان:- أ) قابل هذا بالجحود. ب) تحول الفرح والحياة للإنسان إلى حزن وموت للإنسان. الإنسان الذي أحبه الله وقال عنه "لذاتي مع بني آدم" (أم8: 31). 2*وعزيمة المسيح كانت عزيمة لا تلين. وهذا واضح أنه حتى العواطف البشرية مثل عواطف بطرس حين أراد منعه من الصليب، هو طرد هذه العواطف مصممًا على الصليب، معتبرًا أن رفض الصليب هو مشورة شيطانية، إذ قال "ٱذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي" (مت16: 23). 3*فالعواطف البشرية التي تثنينا عن الشهادة للمسيح، أو الأفكار الشيطانية التي تطلب أن نتعاطف مع أنفسنا ضد إرادة الله، هذه قد طردتها الرائحة النفاذة التي للقنة العطرة. القنة العطرة هنا هي قرار بالثبات في المسيح وعدم التذمر وسط الألام أي الصليب الموضوع علينا. والمعنى: أن من يرفض الصليب الموضوع عليه الذي سمح به الله، فلينظر لصليب المسيح وألامه، حينئذٍ يرى حب المسيح العجيب لنا فيشتهي حَمْل صليبه الذي هو شركة حب مع المسيح. وهذا ما عبَّر عنه القديس بولس الرسول "لِأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لِأَجْلِ ٱلْمَسِيحِ لَا أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لِأَجْلِهِ" (فى1: 29). وقال بنفس المعنى القديس بطرس الرسول "فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ ٱلْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا بِٱلْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهَذِهِ ٱلنِّيَّةِ" (1بط4: 1). أي ضع أمامك صورة المسيح المصلوب لأجلك، وصمم بنية صادقة أن تقبل الصليب الذي يسمح به الله لأن المسيح حمل الصليب بالنيابة عنك. قل لنفسك: لقد حمل المسيح الصليب حبًا فينا، فلماذا لا أحمل الصليب الذي سمح به فأشاركه في حمل الصليب، فهو سمح بهذا الصليب لأنه طريقي للسماء فهو صانع خيرات. وهذه النية ستجعلك تقبل أي صليب يسمح به وتطرد كل الأفكار الشيطانية التي تدعو للتذمر على الصليب أو التجربة التي سمح بها الله. وبنفس الفكر فتواضع المسيح له رائحة نفاذة تطرد أفكار الكبرياء. وعدم رغبة المسيح في الدنيويات تطرد أي تعلق بالعالم. 4*ورائحة ألامه على الصليب هي رائحة نفاذة طاردة لكل من لا يرق قلبه لألامه ويتوب.
والقنة العطرة تستخدم أيضًا كدواء وهذا عمل المسيح مع المؤمنين.
أصل الكلمة مشتق من أصل يعني أبيض ومن نفس الأصل اشتقت كلمة لبنان فجبال لبنان قممها بيضاء (لبان ولبنان من أصل واحد). وهي مادة صمغية لونها أبيض. وأيضًا فلون البخور المتصاعد عند حريقه أبيض. واللبان يأتي من شجرة تنمو على الصخور وهكذا المسيح كان كنبت في أرض يابسة. وقد يسيل اللبان من الجروح التي تجرح بها الشجرة. وهي مادة نافعة كدواء وكترياق ضد السم (الشيطان) بجانب استخدامه كبخور. (أش5:53 + زك6:13 + يو34:19) وكان اللبان يوضع فوق تقدمة الدقيق (لا1:2) ويقدم كله للمذبح. وكان يوضع على خبز الوجوه. واللبان هو المستخدم كبخور الآن.
وباختصار:
الميعة: تشير لرائحة المسيح في كلماته وتصرفاته وأفعاله في حياته وحتى الموت.
الأظفار: تشير لأنه سحق حتى الموت ولم يخرج منه سوى طاعة وحب رائحة عطرة.
القنة: تشير لطاقته المقدسة التي لم يكن لها سوى هدف واحد: إذ كانت توبخ وتطرد كل ما هو شرير، وكل فكر رافض للصليب.
اللبان: يشير لنقاوته وتكريسه الكامل لله.
ونلاحظ أنه استخدم مع الزيت أربعة أنواع من العطارة لتظهر رائحة المسيح ومع البخور استخدم أربعة أصناف لنفس السبب. ولنا مثال آخر فالأناجيل أربعة وبها تظهر رائحة المسيح الزكية لكل العالم.
وكون الأربعة مواد متساوية فيشير هذا إلى أن صفات المسيح متساوية وكلها كاملة وليس كالبشر فنحن نجد في البشر أن إنسانًا قد يتصف بالعدل ولكن يكون هذا على حساب الرحمة فالبشر ناقصون، والكاملين منهم نسبيًا نجد لديهم صفة جميلة يتصفون بها، ولكن باقي الصفات الجميلة ليست بنفس القوة. والصفة الجميلة التي فيهم تغطي نواحي نقص أخرى يعانون منها.
أما بالنسبة للمسيح فالصفات الجميلة التي فيه متساوية، وهذا معنى أن الأربعة مواد التي يتكون منها البخور متساوية. ولو زادت مادة عن أخرى لما ظهرت صورة المسيح المتكاملة الرائعة. وهذا معنى ما قيل في المزمور "ٱلرَّحْمَةُ وَٱلْحَقُّ ٱلْتَقَيَا" (مز85: 10). فالحق يطلب موت الإنسان الذي أخطأ، والرحمة تريد المغفرة. فكيف يتلاقى كلاهما؟ كان ذلك في شخص المسيح المصلوب. ولنأخذ مثالًا آخر - لو زادت القنة (وهي ذات رائحة نفاذة ومنفرة) على حساب الميعة (التي تشير لعذوبة كلمات المسيح) لفقد وداعته وتواضعه ولاتسم بالعنف الشديد في مقاومة الخطاة. ولو زادت الميعة عن القنة نجده غير قادر على تعنيف الخطاة ودعوتهم للتوبة "ولا أنا أدينك.. إذهبي ولا تخطئ" = قنة + ميعة بتساوي. ولو زادت الأظفار (سحق حتى الموت) لكان مات قبل الصليب (يو1:13) وكم من مرة أرادوا أن يضعوا عليه اليد ليقتلوه وكان يختفي عنهم (يو 44:7؛ 20:8، 59).
في القداس الباسيلي وعند عبارة "تجسد وتأنس" يضع الكاهن يد بخور (أي ملء ملعقة من البخور) في المجمرة المشتعلة إشارة لأن المسيح في تجسده وتأنسه كان رائحة طيبة للآب وللبشر.
وقبل أن يمسك بالقربان بين يديه يضع يديه فوق البخور كمن يقول "أنا لا أستحق من أجل خطاياي لكن طهرني فيك يا رب حتى أتمم هذا
السر" وبعد ذلك يأخذ من البخور ويضع على القربان والكأس إشارة لأن المسيح كان رائحة طيبة ليس فقط في حياته بل حتى في موته وتقديم نفسه ذبيحة عنا. وأن الذي تجسد هو نفسه الذي يقدم لنا جسده نأكله كذبيحة.
← تفاسير أصحاحات الخروج: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
الأرقام في الكتاب المقدس |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
اطياب دهن المسحة والمسح |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5d4j4wn