محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30
آية 1: "فَإِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيحِ. إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ. إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ. إِنْ كَانَتْ أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ،".
الإصحاح السابق انتهى بأن شعب فيلبي يعانون من آلام واضطهادات. وحقا قال لهم الرسول أنها هبة، ولكن عليهم أن يشددوا بعضهم بعضا في محبة ويعزوا بعضهم حتى لا يخوروا.
في المسيح = ما يعطي المتألم شعورا بالعزاء هو إحساسه بأن محبة من يقوم بتعزيته هي محبة حقيقية. ومن هو ثابت في المسيح تكون محبته هي محبة المسيح أي محبة صادقة.
فإن كان وعظ ما في المسيح: قوله فإن تعني علاقة هذه الآية بما سبق في الآيات السابقة. فكلمة وعظ تُترجم تشجيع أو حض أو مناشدة أو مواساة. إذًا هي تشجيع الآخرين وتقويتهم في شدائدهم. والرسول يرى أن الطريقة المُثلى للتشجيع والتعزية بأن تكون كلمات الوعظ هي في المسيح، أي بتوجيه نظر المتألم بأنه شريك المسيح في آلامه، وسيكون شريكًا له في مجده. وتوجيه نظر المتألم لا أن يرفض الألم بل أن يطلب التعزية وسط الألم، أن يطلب من المسيح أن يشترك معه، وأن يشعر المتألم بهذه الشركة فيتعزى. فالمسيح وحده، وروحه القدوس الْمُعَزِّي قادران على تعزية المتألم. وإذا كنا نحن كبشر قادرين أن نشجع بعضنا البعض في الضيقات، فبالأولى فإن المسيح يقدر أن يساندنا ويرسل لنا روحه الْمُعَزِّي. والوعظ الذي في المسيح هو الذي يعزى القلب. ويا حبذا لو كان الواعظ ثابتًا في المسيح، والمسيح يحيا فيه مثل بولس الذي قال "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو16:2). ففي هذه الحالة ستكون كلمات الواعظ هي كلمات المسيح وقادرة على التشجيع "مثل فمي تكون" (إر19:15).
تسلية في المحبة = كلمة تسلية هي comfort أي راحة وتعزية للقلب الحزين (كو11:4). وهذا العمل أساسه المحبة للمتألم وليس تأدية واجب، ولا شيء يعطي عزاء للمتألم قدر شعوره بمحبة إنسان يقف جانبه بمحبة.
شركة في الروح
: الشركة تتم بصورة رائعة لو خضع الكل للروح القدس، وهو الذي يجمعنا إلى واحد، ويكون هدفنا واحد هو مجد المسيح. والشركة في الروح وحدها هي التي تؤدي للمحبة بين الشركاء. وإذا وجدت المحبة توجد التعزية.إن كانت أحشاء ورأفة: الأحشاء هي القلب والكبد، وهما مصدر العواطف كما فهم القدماء. وهم استخدموا كلمة أحشاء كما نستخدم الآن كلمة قلب للتعبير عن المشاعر. والمقصود أن يكون لنا القلب الحاني الشفوق. ما أخذناه من المسيح علينا أن نعطيه لبعضنا البعض، فكما أحبنا المسيح بشفقة ورأفة علينا أن نكون هكذا مع الآخرين. بل إن الروح القدس يغير طبيعتنا فنتشبه بالمسيح في محبته.
آية 2: "فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا،”
هي آية الوحدة في كل شيء. فتمموا فرحي: أي أنا أفرح بكم الآن ولكن اجعلوا هذا الفرح كاملًا بأن تتحدوا برأي واحد وفكر واحد ومحبة واحدة، أي تحبون الآخرين والآخرون يحبونكم وكلكم تحبون الله. أي المحبة تسود.
فكرًا واحدًا
: قد تختلف الأفكار، ولكن إن كان هناك امتلاء من الروح ستجد الأفكار متشابهة ومتقاربة بل تتكامل. بل المملوء من الروح لو سمع رأيا مخالفا لرأيه لأقنعه الروح بأن فكره خاطئ والفكر الآخر هو الأصوب هذا إن لم يكن هناك الأنا. وعلينا جميعًا أن نفكر في مجد المسيح "فالحاجة إلى واحد" (لو42:10). والخصام والانشقاق عكس الفكر الواحد.محبة واحدة
: الكل في محبة وغير منقسمين لمجموعات، كل مجموعة تحب بعضها ولا تحب المجموعة الأخرى.بنفس واحدة
: النفس هي مركز العواطف والأحاسيس. وعندما يكون لنا الفكر الواحد والمحبة الواحدة سيكون لنا المشاعر الواحدة. والمعنى الانسجام معًا أي روح الفريق الواحد. وهذا يحدث لو كان الهدف للجميع مجد المسيح وليس المجد الشخصي.مفتكرين شيئًا واحدًا: ولكنه سبق وقال فكرًا واحدًا والمعنى هنا أن تكون أفكاركم متكاملة ومتناغمة، فالفرقة الموسيقية يعزف كل عازف على آلة مختلفة لكن يخرج من العزف لحن جميل. وفي الإنجليزية متوافقة وتشير لهدف واحد وربما بطرق مختلفة. والهدف الواحد هو مجد الله وليس العناد وإثبات الذات. وهذه لا تكون إلا فيمن يملأهم الروح القدس، وإذا تناقشوا حول موضوع سريعًا ما يتفقوا على فكر واحد يشير به الروح القدس.
by being like - minded, having the same love, being of one accord, of one mind.
أشار بولس الرسول في الآية الأولى إلى الشركة في الروح، وأن نعيش كما يحق لإنجيل المسيح. ومن يعيش بحسب الإنجيل يمتلئ بالروح. وأول ثمار الروح المحبة.
ولكن هل يلغي كل ذلك الخلافات في الأفكار والطبع وشخصية كل فرد في الكنيسة؟ قطعا لا. فالله أعطانا حرية ولن يعود ويقيد حريتنا. ولكن عمل الروح القدس عجيب فيمكن أن نختلف ولكن المحبة تبقى. نختلف ولكن نظل على محبتنا لبعضنا البعض. وماذا عن إختلاف الأفكار؟ نقول هنا إن من لهم البساطة أي الهدف الواحد وهو مجد المسيح سيتكامل فكرهم للبناء، سيكمل الواحد الآخر. والمخطئ سيرشده الروح القدس إلى خطأه، على أن لا يعاند لإثبات ذاته. فشرط الامتلاء من الروح القدس أن نخضع بعضنا لبعض (أف5: 18 - 21) وهذا يعني أن نستمع ونتحاور بلا إصرار كل على موقفه. ولو حدث أن وصل الخلاف لدرجة استحالة التوافق بينهما، وهذا حدث بين الرسولين بولس ومرقس، هنا نجد أن الله يخرج من الجافي حلاوة. إذ كانت نتيجة الانفصال تبشير مصر.
مثال:- هناك الآن ما يسمى الإتحاد الأوروبي European Union. وهم دول مستقلة لكن يجمعهم مصلحة مشتركة وسياسة مشتركة دون أن يُخِّل ذلك بحرية كل دولة. ولقد اكتشفوا أن في هذه الوحدة والتوافق قوة لهم. فبالأولى لو حدث هذا التوافق وهذه المحبة بين أولاد الله فكم تكون قوتهم في مواجهة عدو الخير "هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معًا، مثل الدهن الطيب على الرأس ...." (مز133). وهكذا حينما صلى الآباء الرسل يوم الخمسين بنفس واحدة إنسكب عليهم الروح القدس مثل ألسنة نار.
آية 3: "لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ”.
لا شيئًا بتحزب أو بعجب
: أسباب الانقسامات هي روح التحزب أي التعصب لشخص ما أو لمجموعة معينة، أو حتى العمل لمجد الذات وللمنفعة الشخصية، وهذا يؤدي للكراهية. بعجب يعجب الإنسان بذاته أو بالمواهب التي أعطاها له الله. فيرى نفسه أفضل من الآخرين مما يجعله يطلب مركزًا أكبر أو يفرض رأيه.ومن المؤكد
أن بولس الرسول يعالج هنا الشقاقات التي بلغت أخبارها له (فى2:4).حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم: هذه قد تُترجم هكذا "فليحسب كل واحد الآخر أفضل منه". وبحسب الترجمة الأولى نفهم أنه علينا أن نعطي الآخرين تقديرًا أكبر مما يستحقون، وكرامة تفوق مراكزهم. وهذا بهدف تشجيعهم. ولاحظ كيف تعامل المسيح مع السامرية. أما بحسب الترجمة الثانية، فكيف أحسب الآخر أفضل مني وأنا أعلم أنني أفضل منه علمًا مثلا، كيف يحسب العَالمِ أن الجاهل أفضل منه، أو كيف يحسب من هو صالح، الخاطئ أفضل منه؟ الإجابة هي بالتواضع والطريق هو:
1. كل واحد يفكر في خطاياه الشخصية ولا يفكر في خطايا الآخر.
2. كل واحد يفكر في دينونة الله ولا يهتم بنظرة الناس وحكمهم (1كو 3:4).
3. نظرة الإنسان أنه أفضل هي من قبيل التخمين، وهذا لا يصح أن نسير بحسبه. فلا أحد يعلم حقيقة داخل الإنسان سوى الله.
4. كل شيء صالح فيَّ هو من الله فلماذا أنسبه لنفسي (1كو 7:4) + (يع17:1).
5. كل ميزة فيَّ هي وزنة، وكلما زادت وزناتي، عليَّ ألاّ اعتبر هذا سببًا للافتخار، بل أطلب الرحمة لأنه كلما زادت وزناتي سيطالبني الله بوزنات أكثر. فالله أعطاني هذه الميزات لأتاجر بها وأربح لحسابه.
6. من يشعر في نفسه أنه الأحسن فليتضع وينكر ذاته كما عمل المسيح (يو15:13).
7. الحقيقة أنني في ذاتي لست شيئًا، بل تراب وكلي نجاسة. أما قيمتي الحقيقية ليست فيما أملك من مال أو علم، فهذا عطية من الله. أما القيمة الحقيقية لكل إنسان هي في المسيح الساكن فينا. وفي هذا فما الفرق بيني وبين أي إنسان آخر فالمسيح الذي فيَّ هو نفسه المسيح الذي فيه.
آية 4: "لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا".
لا تهتموا فقط بمصالحكم الشخصية، بل ليهتم كل واحد بما للآخرين. ليضع كل واحد نفسه مكان الآخر، ويهتم كل واحد بأن يخدم الآخر المحتاج.
آية 5: "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا:"
الفكر الذي في المسيح يسوع هو أنه أنكر ذاته وأخلى ذاته في تجسده لأجلنا، فإذا سلك كل واحد هذا المسلك حدثت الوحدة، ومن ينكر نفسه فحالًا يجد نفسه في حالة تواضع. والتواضع فيه حل لكل الخلافات على كل المستويات (الكنيسة / المجتمع / البيت/...)
وبعد هذه الآية يضع بولس الرسول أنشودة رائعة تحمل فكره عن تجسد المسيح، ولم يقلها بغرض إثبات عقيدة معينة بل قالها كدرس في الاتضاع فلا يوجد صورة للاتضاع أروع من صورة اتضاع المسيح في تجسده، ولكن كل كلمة وكل حرف في هذه الأنشودة يشير لعقيدة التجسد والفداء. لذلك نفهم أن العقيدة والروحيات والأخلاقيات كل لا يتجزأ. فالعقائد هي حياة يحياها المسيحي وليست نظريات جامدة فمن عقيدة التجسد نرى محبة الله وتواضعه ونحاول أن نحيا بنفس الأسلوب.
آية 6: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لله.".
خلسة: هي كلمة نادرة جدًا في اليونانية. ووردت مرة واحدة في الكتاب المقدس، ومرة واحدة في الكتابات اليونانية. ولها أكثر من ترجمة:
1. بمعنى الخطف أو السلب robbery.
2. بمعنى التشبث أو التلهف.
ولقد اعتمدت بعض الترجمات المعنى الأول، والبعض اعتمد المعنى الثاني.
كان: تعني في اليونانية يوجد أو يستمر، فيسوع هو الله في الجوهر قبل التجسد وبعده. الكلمة تشير لشخص الإنسان الذي ينفرد به وهو لا يتغيَّر ولا يتبدل مهما تغيَّر شكل هذا الإنسان، فشخصه هو شخصه لا يتغيَّر.
في صورة الله: صورة form (مورفي باليونانية μορφῇ) جاءت بمعنى شكل، وتعني الصورة الجوهرية لشيء ولا تتغير قط. فمثلًا الصورة الجوهرية للإنسان هي الإنسانية. صورة هنا هي التعبير عن الكيان الذي يعني جوهر الطبيعة أو الطبيعة الجوهرية، وليس الشكل ولا المظهر بل الصفات الأساسية لله التي تستعلنه، هو صورة الله غير المنظور (كو15:1) + (2كو4:4) + (عب3:1). إذن المسيح هو صورة الله وقائم من البدء لذلك يقول المسيح "أنا والآب واحد". ويقول "من رآني فقد رأى الآب". وإذا كانت كلمة "صورة" المستخدمة هنا تعني عدم تغيُّر جوهر الشخصية بتغير الشكل الخارجي، فالمعنى يصير واضحًا أن جوهر ألوهية المسيح لم يُصب بأي تغيير بسبب التجسد.. هو الله ظهر في الجسد.
خلسة: إذا اعتمدنا الترجمة الأولى وهي (الخطف والسلب) كما في العربية يكون المعنى أن المسيح في جوهره واحد مع الآب، ولذا لم يكن في احتياج لأن يختلس لنفسه المساواة بالله، فهو الله. وإذا اعتمدنا الترجمة الثانية كما فعلت ترجمة (جيروزاليم بيبل Jerusalem Bible) الإنجليزية. يكون المعنى أن المسيح بالرغم من كونه أصلًا في صورة الله، إلا أنه لم ينظر لمساواته مع الله على أنها ربح أو غنيمة يتشبث بها، ولكنه أخلى ذاته آخذًا صورة عبد (2كو8: 9). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذه الترجمة متمشية مع كلام بولس الرسول بأن لا نتمسك بما لنا من حقوق بل نتخلى عنها كما عمل المسيح. وهذه الترجمة الثانية تترجم الآية هكذا "إذ كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله ربحًا يتمسك به.
معادلًا لله: تفيد معنى المساواة.
آية 7: "لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ”.
أخلى ذاته: المسيح بتجسده حجب مجد لاهوته الكائن فيه عن الظهور. وكلمة أخلى باليونانية تعني أفرغ الإناء مما يحتويه. إذًا المعنى أن المسيح أفرغ إناءهُ البشري من كل ما للاهوت من مجد كائن فيه أقنوميًا، وصار في صورة عبد ليتمكن العبيد (نحن البشر) من أن يقتربوا إليه ويروه ويتعاملوا معه (تث15:18-19) فيرفعهم إليه. ويتمم في جسده عمل الفداء العجيب، فلو ظهر بمجده ما كان الشيطان أو رئيس كهنة اليهود أو بيلاطس أي كل من حركهم الشيطان، قادرين أن يقتربوا منه ليصلبوه. هو أخلى ذاته ليعطيهم فرصة أن يصلبوه (1كو8:2). هذا الإخلاء لم يتناول طبيعته كإله، بل هو أضاف صورة العبد على ألوهيته، لذلك خرج من جنبه دم وماء إشارة لاتحاد لاهوته بجسده الذي انفصلت عنه الروح مع استمرار اتحاد لاهوته بروحه أيضًا التي ذهبت للجحيم ثم للفردوس.
صورة عبد: أخذ صورتنا فيما عدا الخطية. فالخطية هي مرض أضيف على البشر ولازمهم. لكن الخطية لم تكن جزءًا أساسيًا في طبيعة الإنسان حين خلقه الله.
آية 8: "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ”.
كإنسان: حرف الكاف يعني أنه صار في صورة إنسان (بإنسانية كاملة) ولكنه ليس مثل كل إنسان:
1. هو بلا خطية.
2. حل فيه كل ملء اللاهوت.
في الهيئة: هيئة باليونانية (سكيما σκιμα) بمعنى المظهر الخارجي أو الصورة الخارجية، وهي التي يمكن أن تتغير وتتبدل. وهذه عكس كلمة صورة التي وردت في آية 6 (مورفي μορφή) التي تشير لثبات الوضع. والرسول يقصد أن يقول أن صورة العبد التي أخذها المسيح كانت صورة وقتية حتى يتمم الفداء. ولكن هذا قد تم دون أي تغيير في جوهر لاهوته، وهذا ما جعل الرسول يستخدم كلمتين يونانيتين صورة (مورفي) وهي ثابتة، وهيئة (سكيما) وهي شيء وقتي.
وضع نفسه: تشير لوضاعة طبيعتنا إذا قورنت بمجد طبيعة الله. ونلاحظ أن الشيطان يفعل عكس ما فعل المسيح، فالشيطان متكبر أراد أن يتساوى بالله، وكان هذا اختلاسًا، بل جعل البشر يعبدونه في صورة الأصنام، واعتبر هذا ربحًا أو غنيمة يتشبث بها ويقتنصها، أما المسيح فأخلى ذاته ولم يعتبر مساواته لله غنيمة يقتنصها بل أخلى ذاته من مجده لصالح الإنسان.
موت الصليب: لم يتجسد ويخلي نفسه فقط بل أطاع حتى الموت، موت الصليب بكل ما فيه من مهانة، وألم مرعب، فهو للمجرمين وللقتلة وللصوص. والصليب ملعون أو كان ملعونًا (تث22:2، 23). والفيلسوف الروماني شيشرون Cicero يقول "ليبعد اسم الصليب لا عن أجساد المواطنين الرومانيين فحسب بل أيضًا عن أفكارهم وعيونهم وآذانهم".
آيات 9-11: "لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.”.
رَفَّعَه الله
: هذه تُقال عن الناسوت (فاللاهوت لم يفقد مجده أبدًا) ففي مقابل اتضاعه وطاعته رَفَّعه الله ناسوتيًا (راجع تفسير الآية يو17: 5). ونلاحظ أن المسيح له سلطان أن يضع ذاته وأن يأخذها (يو17:10، 18). ونفهم الآية أن اللاهوت الواحد مثلث الأقانيم أعطى للناسوت أن يرتفع ويتمجد. وكما نقول في قانون الإيمان "صعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه"، فالجلوس عن يمين الآب تعني أن ناسوت المسيح صار له مجد الآب والذي هو نفس مجد لاهوت الابن (يو17: 5). وهذه الآية موجهة لكل منا، فمن يتضع كالمسيح يرفعه الله ويمجده.اسمًا فوق كل اسم: اسمًا جاءت معرفة بـ"الـ" في اليونانية. وهذا إشارة للاسم المتفرد يهوه. والاسم يُظهر حياة الشخص. فلقد أظهر الله من هو المسيح الذي كان متضعًا وأنه هو هو يهوه العظيم، لقد صار للناسوت الذي أخذه المسيح اسم يهوه العظيم الذي كان له قبل إخلائه لذاته، بعد أن جلس عن يمين الآب وتمجد بناسوته وصار لهُ بناسوته كل ما للآب من مجد. اسم يسوع: يهوه يخلص، لقد صار اسم يسوع قوة ترهب الشياطين، وصار قوة لنا (لذلك يوصي الآباء باستخدام صلاة يسوع، فاسم يسوع له قوة جبارة). ولقد صار اسم يسوع موضوع تسبيحنا.
باسم يسوع: يسوع هو اسمه في حالة إخلاء ذاته. والسجود صار للإله المتجسد الذي اتخذ اسم يسوع، بل صار السمائيين يسجدون ليسوع الذي صار له مجد أبيه ومجد لاهوته = تجثو له كل ركبة: هذه قيلت عن يهوه العظيم (إش23:45). وقيلت هنا عن يسوع. فيسوع هو هو يهوه العظيم.
ممن في السماء ومن على الأرض: يقدمون له العبادة في حب وعرفان بالجميل.
من تحت الأرض
: بارتفاعه وضع أعدائه تحت قدميه، هذا خضوع الكسرة والمذلة. هؤلاء ومن يتبعهم هم من يقولون للجبال غطينا (رؤ16:6).ويعترف
: أي الاعتراف علنًا عن قصد تمجيد المسيح وشكره فهو صاحب حق وجميل. والكل سيعترف به أنه هو يهوه العظيم الذي ينبغي له السجود والعبادة.لمجد الله الآب
: المجد الذي صار لربنا يسوع لا ينفصل عن مجد الله الآب. هو مَجَّدَ الله الآب بصليبه، ومَجَّدَه في قيامته. وكل هذا كان لأجلنا (يو17: 22). ولكي نمجد نحن الآب على محبته وأعماله. عمل المسيح الفدائي جذب عدد لا يمكن لأحد أن يعده (رؤ7: 9) ليؤمنوا بالله ويحبونه لأنه أحبهم، وهذا قد مجد الله الآب.
آيات 13،12: "إِذًا يَا أَحِبَّائِي، كَمَا أَطَعْتُمْ كُلَّ حِينٍ، لَيْسَ كَمَا فِي حُضُورِي فَقَطْ، بَلِ الآنَ بِالأَوْلَى جِدًّا فِي غِيَابِي، تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ”.
أطعتم: قال لهم إن الله رَفَّع المسيح بسبب طاعته فعليهم بالطاعة. ليباركهم الله على الأرض وفي السماء.
ليس كما في حضوري: هو كأب يعلم أطفاله المشي وحدهم حتى في غيابه دون الاتكال عليه. والمقصود أن تتعلموا الطاعة لله ولوصاياه حتى في غيابي. فالله ينظر تصرفاتهم كل حين.
تمموا خلاصكم: قوله تمموا تشير أن للإنسان المؤمن دورًا في خلاص نفسه وهذا نسميه بالجهاد. المسيح كان كطبيب أعد الدواء، ونحن كمرضَى علينا أن نتناوله بانتظام ونمتنع عن كل ما منعنا عنه الطبيب. ومن يطيع يتمم خلاصه. خلاص المسيح كان كاملًا. ولكن المعنى أن من يجاهد خاضعًا للروح القدس تتم تنقيته ويُؤهل لقبول الخلاص الذي يعني تمام اتحادنا بالرب يسوع. خلاص المسيح كان كاملًا ونؤمن بهذا. ولكن علينا الجهاد طالما نحن في الجسد، كما نؤمن أن المسيح قادر أن يشبع الجائع لكن علينا أن نطعمه. والجهاد هو أن نخضع لمشيئة الروح القدس بالصلوات وإماتة الشهوات. هو جهاد ضد الذات (كو1:3-5).
الصلوات والتسابيح ودراسة الكتاب والأصوام هذا ما نسميه الجهاد الإيجابي
وأن نقف أمام الخطية كأموات (رو6: 11 + كو3: 5) فهذا ما نسميه الجهاد السلبي.
بخوف ورعدة: هو خوف من أن نغضب الله ونرتد عنه، وهو خوف ناشئ عن معرفتنا بضعفنا وبقوة العدو، فهو خوفنا من خداع الحية لنا فنسقط ونُحزن قلب الله علينا. والرعدة هي القلق المتزايد على خلاص نفوسنا، ولكن ليس رعدة اليائس من خلاص نفسه. خوفنا ورعدتنا ممتزجان برجاء في الخلاص وثقة في المعونة الإلهية. وكلما ازدادت المحبة يزداد الرجاء، فكلما يكتشف الإنسان محبة الله تزداد محبته لله. وهنا يزداد الرجاء جدًا (رو5: 5). أمّا من يشعر بقوته فهو سيسقط سريعًا. خوفنا ورعدتنا مقصود بهما أن يؤديا للاحتراس الشديد لئلا نخسر خلاصنا، مثل من يخاف عند عبوره الطريق، هذا يسمى خوف بنّاء، هذا يكسب حياته بسبب حذره، أماّ المندفع فيسقط تحت عجلات السيارات. وهكذا من يخاف من الرسوب، سيذاكر قبل الامتحان فينجح، أما من لا يخاف من النتيجة لن يجاهد في مذاكرته فيرسب. إذًا هناك خوف مطلوب يدفع الإنسان للتقدم ولأن يحافظ على حياته. ولكن هناك خوف مَرَضِي يتسبب في رسوب الطالب مهما ذاكر بسبب رعبه وهذا يناظر الشك في محبة الله، أو تصور أن الله منتقم ولابد سيهلكه حتى لو تاب عن خطيته (هذا النوع يشك في الغفران) وهذا النوع يدفع الإنسان للصدام مع الله ، وهذا النوع من الخوف تطرحه المحبة خارجًا (1يو18:4). إذًا الخوف المطلوب هو الذي يجعلنا ننشغل بالدرجة الأولى بخلاص نفوسنا وهو الذي يُلهمنا العمل لأجل خلاص نفوسنا. فنحفظ الوصايا ولنا رجاء في الخلاص. راجع تفسير معنى الرجاء في (عب6: 19 ، 20) .
لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا: سبق في آية 12 وتحدث عن مسئولية الإنسان تجاه خلاصه، وهنا يشجعهم أن العمل ليس عملهم وحدهم بل الله يشترك معهم في مهمة خلاص أنفسهم، فلو قال بولس "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" وسكت على هذا لصار الأمر مرعبًا فماذا نعمل ونحن في ضعفنا هذا؟ هنا يتحدث عن الإمكانيات الإلهية المعطاة للإنسان لكي يخلص، فالله هو الذي يعمل في الإنسان فيحرك إرادته تجاه خلاص نفسه وأيضًا يعضده في كل عمل يقوم به لإتمام الهدف المنشود وهو خلاص نفسه. والله يحرك الإرادة ويعطي المعونة لنعمل على خلاص أنفسنا. وهل معنى هذا أن الله يعطي إرادة لمن لا إرادة له؟ قطعًا لا. ولنسمع قول السيد المسيح "كم مرة أردت... ولم تريدوا... هوذا بيتكم يُترك لكم خرابًا" (مت 37:23، 38). لكن الله يحفز وينشط إرادة من يغصب نفسه (رؤ20:3) + (نش4:5). الله لا يجبر أحد بل يقنعه ويلح عليه ليقتنع كما يقول إرمياء النبي "أقنعتني يا رب فاقتنعت، وألححت عليَّ فغلبت" (إر20: 7). وأليست حياة المسيح فينا (في21:1) وهو بحياته فينا يقودنا ويقود أعضاءنا لتكون آلات بر (رو13:6) ولكن بالإقناع.
هنا نرى المسيح يقرع الباب ويثير عواطف الإنسان نحوه حتى نفتح له، ومن يفتح ويتجاوب يعطيه المسيح أكثر فيكون له ملكوت السموات (مت12:11). والروح القدس يبكت ويقنع المؤمن على ترك الخطية وعلى عمل البر، ويحاول أن يوفق إرادة المؤمن مع إرادة الله، ويحفز إرادة الذي يغصب نفسه. وأن تعملوا: هو الذي يعطي المعونة في كل عمل صالح نقوم به، إذ هو يشترك معنا في كل عمل صالح، بل بدونه لا نقدر أن نعمل شيئًا (يو5:15). وكون أن الله هو العامل في شعبه وفينا فهذا يعطينا التشجيع لنعمل كل ما في طاقاتنا ليتم خلاصنا معتمدين على الله وليس على أنفسنا. ونكرر، الله لا يجبر إنسان ولا يرغمه على تغيير إرادته، بل عمل الله يكون بإقناع المؤمن وإنارة عقله (إر7:20). إذًا تمام الخلاص هو عمل مشترك بيننا وبين الروح القدس. وهذا الكلام يعطي اطمئنان لأهل فيلبي أنه لو اختفى بولس أو الرسل كلهم بالموت أو الاستشهاد فإن الله هو العامل في شعبه.
من أجل المسرة: فمسرة الله هي خلاص الإنسان فهو يريد أن الجميع يخلصون (1تى4:2). لذلك فهو يعمل فينا أن نريد وأن نعمل.
آيات 15،14: "اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيل مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ”.
دمدمة: الكلمة تشير للتذمر كما يتذمر العبد على سيده، وكما تذمر اليهود على الله في البرية. والتذمر ينشأ من مرارة القلب وعدم الصبر في معاشرتنا لبعضنا البعض، ولعدم المحبة وضيق القلب أو عدم احتمال أحكام الله. ولذلك عودتنا الكنيسة على الشكر دائمًا حتى نتحاشى التذمر الذي يقسي القلب أمام الله وما يدفع الإنسان للتذمر عدم ثقته أن ما يسمح به الله هو للخير، وأن كل ما يسمح به الله هو طريقنا للسماء أو هو لإعدادنا للسماء.
مجادلة:
مناقشات في كبرياء وتمسك بالرأي ومناقشات في شك بين طرفين وهذا يؤدي قطعًا للنزاع. بلا لوم: لكي لا يكون فيهم ما يستحق التوبيخ والنقد، وليس فيهم خطأ أو عيب ما. ونحن لن نكون بلا لوم أمام الله إلاّ لو كنا في المسيح (أف4:1).بسطاء
: البسيط هو من ينظر لله فقط ولا يخلط البر والشر في حياته، لا يُظهر غير ما يبطن، ويبتعد عن المكر والدهاء. والكلمة تشير إلى أن المادة تكون نقية غير مخلوطة بشوائب أي غير مغشوشة. ويشير المعنى لأن المؤمن يجب أن يكون بريء وصادق ذو نية صادقة وبواعث نظيفة ونقية. وتترجم single hearted أي القلب له اتجاه واحد= "يا ابني أعطني قلبك".معوج: تعني الابتعاد عن الحق. ملتو: تشويه الحقائق بالتواء ومكر. تضيئون: الضوء يشير للقداسة المستمدة من الرب يسوع. كأنوار: هناك كلمتين في العبرية أنوار وتشير للأجسام المضيئة من نفسها كالشمس ونيرات وهي كلمة تشير للكواكب التي تستمد نورها من الشمس، كالقمر وبولس إستخدم كلمة نيرات، فنحن نور العالم (مت 14:5). نستمد نورنا من المسيح شمس البر (ملا2:4) وهو النور الحقيقي (يو12:8). والمقصود أن أولاد الله يكونون نورًا للعالم، ينيروا الطريق لكل العالم الذي لا يعرف الله. لكي تكونوا.. أولادًا لله أي ليظهر أنكم أولاد الله، فأولاد الله يجب أن يتشبهوا بالله (أف1:5). والولادة من الله تأتي بالمعمودية وتستمر بالإيمان الثابت والجهاد بحياة إماتة عن الخطايا وبأعمال صالحة يراها الناس ويمجدوا أبانا الذي في السموات.
آيات 16-18: "مُتَمَسِّكِينَ بِكَلِمَةِ الْحَيَاةِ لافْتِخَارِي فِي يَوْمِ الْمَسِيحِ، بِأَنِّي لَمْ أَسْعَ بَاطِلًا وَلاَ تَعِبْتُ بَاطِلًا. لكِنَّنِي وَإِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضًا عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ وَخِدْمَتِهِ، أُسَرُّ وَأَفْرَحُ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ. وَبِهذَا عَيْنِهِ كُونُوا أَنْتُمْ مَسْرُورِينَ أَيْضًا وَافْرَحُوا مَعِي.”.
متمسكين: أصل الكلمة يخبر، إذًا المقصود إعلان كلمة الحياة: أي الإنجيل، بالشهادة لكلمة الحياة في حياتهم وأقوالهم وبهذا نخبر الآخرين بالمسيح. ونحن نعلن ونخبر الناس بالإنجيل بأن نحيا وفق تعاليمه.
لافتخاري: تكونوا لفخري ومجدي وعلة مكافأتي في الأبدية.
سعيت: كلمة تصف الذي يجري في ميدان السباق للحصول على جائزة.
انسكب
: كل الآلام التي صادفها خلال كرازته، بل هو مسجون حاليًا وربما تكون نهايته الاستشهاد، لقد كانت حياته كالسكيب الذي كان الكهنة في العهد القديم يسكبونه على الذبائح قبل إحراقها على المذبح (خر 40:29 + عد4:15، 5+ 7:28، 14) والتصوير هنا أن أهل فيلبي بآلامهم وقبولهم للآلام بفرح، هم ذبيحة مقدمة لله: ذبيحة إيمانكم: هم في إيمانهم كانوا يقدمون أجسادهم ذبيحة حية (رو12: 1) وبقبولهم الآلام بسبب إيمانهم هم يقدمون أنفسهم ذبيحة للمسيح. وبولس ككاهن (التصوير من العهد القديم) يسكب حياته على ذبيحة إيمانهم (وهذا ما حدث له على يد نيرون بعد ذلك، فهو كان يتنبأ بنهايته). والسكيب الذي كان الكهنة يسكبونه على الذبائح كان خمرًا. والخمر رمز للفرح. والمعنى أن سكيب بولس لنفسه، أي قبوله للألم واستعداده للشهادة. كان ككاهن يسكب الخمر على ذبيحة أهل فيلبي ليفرح الله ، والله لا يفرح بموت أولاده بل بالحب الذي وصل لدرجة بذل الحياة . وهو هنا يفعل ما فعله المسيح حين سكب نفسه (إش12:53). ومن ناحية أخرى فبولس يفرح بأن يسكب نفسه وبأن يقدموا هم للعالم كلمة الحياة.فخدمتهم ستفرحهم وتفرحه، وسيفرحهم خلاصهم وإيمانهم وخدمتهم وشهادتهم لله، وسيفرحون أيضًا بمحبة بولس لهم. وخدمته: كلمة خدمة هنا هي "ليتورجيا"، أي الخدمة الكهنوتية. فبولس ككاهن يقدم نفسه سكيب على ذبيحة إيمانهم. وفكرة أن المؤمنين ذبيحة يقدمها هو ككاهن قالها من قبل في (رو16:15).
افرحوا معي: بالإنجليزية هنئوني بأنني استشهد وانسكب سكيبًا. وفي هذا تطبيق عملي لما سبق وقاله أن الألم هو هبة من الله لأجل المسيح (في 29:1) وهكذا عاش بولس الرسول "من أجلك نُمات كل النهار. قد حُسبنا مثل غنم للذبح" (رو36:8). وهذا ما يفرحه أن يتألم لأجل المسيح الذي أحبه، بل هو يتشبه به ويشترك معه في صليبه. وعلى أهل فيلبي أن يفرحوا إذا شابهوه وشابهوا المسيح، واشتركوا مع المسيح في صليبه، أي ليتحملوا آلامهم بفرح.
آية 19: "عَلَى أَنِّي أَرْجُو فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ سَرِيعًا تِيمُوثَاوُسَ لِكَيْ تَطِيبَ نَفْسِي إِذَا عَرَفْتُ أَحْوَالَكُمْ.”.
أرجو: فكل الأمور تحت سلطان الله، وهو الذي يوجه الكل. وهو يريد أن يرسل تيموثاوس ليطمئن أهل فيلبي عليه، ثم يطمئن بولس على أخبار أهل فيلبي. في الرب يسوع: كان لبولس حياة المسيح (فى21:1). وبالتالي فكر المسيح (1كو16:2). وذلك نتيجة طبيعية لاتحاده بالمسيح، فهو عضو في جسد المسيح فكل فكر وكل عمل له صادر من المسيح كمركز الإرادة، فهو يحب في المسيح ويفتخر في الرب يسوع ويعمل ويرجو في المسيح. فلا خلاص لنا إلاّ بثباتنا في الرب يسوع. ولاحظ أنه إن لم يكن ثابتًا في الرب يسوع فهو سيرجو شيئًا خاطئًا مثل الأموال أو الماديات ولكن ثباته في الرب يسوع جعله يرجو ما يساعدهم على خلاص نفوسهم، فهذه هي إرادة الله (1تى 2: 4).
آيات 20-22: "لأَنْ لَيْسَ لِي أَحَدٌ آخَرُ نَظِيرُ نَفْسِي يَهْتَمُّ بِأَحْوَالِكُمْ بِإِخْلاَصٍ، إِذِ الْجَمِيعُ يَطْلُبُونَ مَا هُوَ لأَنْفُسِهِمْ لاَ مَا هُوَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَأَمَّا اخْتِبَارُهُ فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّهُ كَوَلَدٍ مَعَ أَبٍ خَدَمَ مَعِي لأَجْلِ الإِنْجِيلِ”.
مع احتياج بولس في سجنه لتيموثاوس، إلاّ أنه لمحبته لأهل فيلبي سيرسله لهم. فليس في روما من هو نظير تيموثاوس، فهو إنسان يُعتمد عليه. وهو يحبهم مثل بولس: نظير نفسي: فهو يفكر كما أفكر أنا بولس، ويرى ما أراه من حق إلهي. اختباره: تشير الكلمة إلى الكيفية التي واجه بها تيموثاوس ما امتحن به، وحاز على موافقتهم جميعًا على شخصه، كيف كان متضعًا متفانيًا محبًا في خدمته. فأنتم تعرفون: في اليونانية المعرفة الناشئة عن اختبار، فأهل فيلبي قد عايشوا تيموثاوس. الجميع يطلبون ما لأنفسهم: مع زيادة الاضطهاد ارتخت أيدي الكثيرين وظهر فتور الكثيرين. وقل إخلاصهم للرب يسوع.
آيات 24،23: "هذَا أَرْجُو أَنْ أُرْسِلَهُ أَوَّلَ مَا أَرَى أَحْوَالِي حَالًا. وَأَثِقُ بِالرَّبِّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعًا".
أول ما أرى أحوالي: أي عندما يُعلن قرار القضاء في أمري إمّا بالسجن أو الاستشهاد أو الإفراج. فهو الآن الذي يخدمني فلا أستغني عنه، ولكن إذا أُفرِج عني أو إذا استشهدت سيأتي حاملًا لكم الأخبار.
أثق بالرب: هو كان شاعرًا بالإفراج عنه. وهذا ما حدث فعلًا إذ أطلق نيرون سراحه هذه المرة.
آية 25: "وَلكِنِّي حَسِبْتُ مِنَ الّلاَزِمِ أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ أَبَفْرُودِتُسَ أَخِي، وَالْعَامِلَ مَعِي، وَالْمُتَجَنِّدَ مَعِي، وَرَسُولَكُمْ، وَالْخَادِمَ لِحَاجَتِي”.
حسبت من اللازم: فأنا أعرف مشاعركم نحوه خاصة بعد سماعكم أخبار مرضه. وأبفرودتس جاء لبولس حاملًا هدية أهل فيلبي ولكي يخدم بولس في سجنه. ثم مرض أبفرودتس وكان رقيق المشاعر، لذلك نجده قد حزن لما عرف أن أخبار مرضه وصلت لأهل فيلبي. أخي = في المعمودية. العامل معي: في الخدمة والكرازة. المجند معي: ضد قوات الظلمة. ونرى محبة بولس وأنه يفضل الآخرين على نفسه (آية 4) فمع احتياجه لأبفرودتس سيرسله لأهل فيلبي.
آية 26: "إِذْ كَانَ مُشْتَاقًا إِلَى جَمِيعِكُمْ وَمَغْمُومًا، لأَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا.”.
كان غم أبفرودتس شديدًا إذ كان بعيدًا عنهم في مرضه، وكان غمه لأنه تصور حزنهم عليه مما زاد من اشتياقه لهم. لذلك كان لا بُد لبولس أن يرسله لهم فيفرحوا به وفرحهم هذا يقلل من آلام بولس.
ونرى أن بولس بالرغم من كل مواهبه في الشفاء (أع 12:19) لم يستطع شفاء أبفرودتس. فشفاء المريض بمعجزة لا يتم إلاّ لو كان لحساب مجد الله وإيمان الناس. بل أن الله يستخدم الأمراض للتأديب والشفاء الروحي. وهكذا بولس لم يستطع شفاء تروفيمس (2تى20:4). وتيموثاوس كان مريضًا ولم يستطع شفاءه (1تى23:5). وبولس نفسه كان له شوكة في الجسد (2كو7:12). ولم يستطع شفاء نفسه.
الله يستخدم الشفاء بمعجزة في بعض الأحيان، ويستخدم المرض، وكلاهما الشفاء والمرض أدوات في يد الله لشفاء النفس ولإعداد الإنسان للسماء. المرض كان عقوبة للخطية فلم يكن هناك أمراض قبل سقوط آدم ولكن كما نقول في القداس الغريغوري "حولت لي العقوبة خلاصًا" فالله حَوَّلَ المرض فصار وسيلة للخلاص فكما يقول معلمنا بطرس أن "من تألم في الجسد كف عن الخطية" (1بط1:4). بل أن الألم صار طريق الكمال (عب10:2). أما معجزات الشفاء فالله يستخدمها لمن تساعده على نمو
إيمانه، أو لمن لا يريد الله موته الآن ويريد أن يعطيه الله حياة أخرى. الله هو صانع الإنسان وهو الذي يعرف ضعفاته وما الذي يصلحها ليدخل إلى السماء.
آيات 27-30: "فَإِنَّهُ مَرِضَ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ، لكِنَّ اللهَ رَحِمَهُ. وَلَيْسَ إِيَّاهُ وَحْدَهُ بَلْ إِيَّايَ أَيْضًا لِئَلاَّ يَكُونَ لِي حُزْنٌ عَلَى حُزْنٍ. فَأَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ بِأَوْفَرِ سُرْعَةٍ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمُوهُ تَفْرَحُونَ أَيْضًا وَأَكُونُ أَنَا أَقَلَّ حُزْنًا. فَاقْبَلُوهُ فِي الرَّبِّ بِكُلِّ فَرَحٍ، وَلْيَكُنْ مِثْلُهُ مُكَرَّمًا عِنْدَكُمْ. لأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ عَمَلِ الْمَسِيحِ قَارَبَ الْمَوْتَ، مُخَاطِرًا بِنَفْسِهِ، لِكَيْ يَجْبُرَ نُقْصَانَ خِدْمَتِكُمْ لِي.".
مخاطرًا: الكلمة المستخدمة تحمل معنى المقامرة، أي غامر بحياته في تهور لأجل خدمتي وأنا سجين. ربما كانت هناك خطورة من الجنود أو هو استمر يخدم بولس الرسول بينما هو مريض وكان محتاجًا للراحة.
يجبرّ نقصان خدمتكم لي: أي يقوم بخدمتي نيابة عنكم، ويتمم ما لم تستطيعوه أنتم بسبب بعد المسافة بين فيلبي وروما. وليس لتقصير منهم.
مكرمًا عندكم: إذ ربما يلوموا أبفرودتس أنه ترك بولس في سجنه وتخلى عن خدمته لذلك يقول لهم عن خدمته ويطلب منهم أن يقبلوه في الرب. فهو من محبته عرض نفسه لأخطار جمة.
حزن على حزن: حزني على موته بعد حزني على مرضه. هذه هي محبة بولس للجميع، لأهل فيلبي ولتلميذه. فالمسيحية لا تلغي المشاعر الإنسانية، بل هذا ما طالب به الرسول في آية 1 "إن كان أحشاء رأفة".
← تفاسير أصحاحات فيلبي: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير فيلبي 3 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير فيلبي 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/55bvcb7