* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ
بعد جدل كثير بين أيوب وأصدقائه ثم كلمات النصح من أليهو، وبعد هذا كلام الله (أي 38-41) المملوء حبًا وقوة، خضع أيوب وقدم توبة ومصالحة مع الله، وكذلك تصالح أيوب مع أصدقائه، وفى النهاية نال بركات عجيبة من الله.
(1) توبة أيوب (ع1-6)
(2) بركات الله لأيوب (ع7-17)
1 فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ فَقَالَ: 2 «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. 3 فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. 4 اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. 5 بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. 6 لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ».
أعلن أيوب لله في (أي 40: 4، 5) أنه لن يتكلم مرة أخرى، ويقصد أنه لن يجادل، أو يعترض على الله، ولكن هنا يتكلم ليعلن توبته وخضوعه لله.
وإن كان أيوب قد أعلن قوة الله وجبروته في (أي 23: 13) ولكنه كان في ضيق من إحساسه بتسلط الله وعدم عدله. ولكن هنا يعلن برضا وفرح قوة الله العادلة، والمخلصة التي بطمأنينة يسلم حياته لها.
إن كان الأصدقاء الثلاثة نسبوا مصائب أيوب لخطايا خفية لم يعترف بها أيوب، لكن الله العالم بكل شيء لم يطلب من أيوب أن يعترف بهذه الخطايا. ولكن أظهر الله له في الأصحاحات السابقة (أي 38-41) قوته ومحبته ورعايته، وسأل أيوب عن معرفته وقدرته مقارنة بالله، فقاد أيوب للاعتراف هنا بقوة الله وضعفه هو وبالتالي خضوعه برضا لله.
ع3: يعلن أيوب هنا توبته بوضوح فيما يلي:
خطأه في التكلم عن قضاء الله العادل واتهام الله بالظلم.
جهله بحكمة الله وأحكامه وتجاسره بالحديث عنها رغم جهله.
فأيوب هنا يعترف أمام الله الذي نادى في (أي 38: 2) قائلًا "من هذا الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة" معلنًا أنه هو الذي ظلم القضاء، أي معترفًا بخطيته. والاعتراف بالخطية هو بداية التوبة. وبعدها ينال غفران الله وبركاته.
ع4: كلم أيوب الله وقال له أسمعنى لأنى أريد أن أسألك وأتعلم منك، فلم يعد عندى كلام أريد أن أدافع به عن نفسى، بل على العكس، أنا خاضع لك، ومحتاج أن تعلمنى.
وكلمة أسأل المذكورة هنا في الأصل العبري تعنى سؤال شخص متضع يتوسل إلى شخص أعظم منه.
وإذ كان أيوب قبلًا في (أي 13: 22) قال كلامًا مشابهًا، ولكنه كان يعنى سابقًا أن يقف خصمًا أمام الله؛ ليدافع عن نفسه. أما هنا فيتكلم كتلميذ خاضع لمعلمه، خاصة وأن أيوب قد أعلن جهله وعجزه في الآية السابقة.
ع5: يعلن أيوب أنه سمع عن الله من الآباء السابقين، وعرف عظمته وقوته. ولذا كان يدافع عن الله أمام أصدقائه الثلاثة.
ولكن الآن بعد أن تكلم الله معه حديثًا طويلًا (أي 38-41)، فقد رأى عظمة الله في العاصفة، وفى سماع صوت الله بنبرات، تظهر قوة الله ومحبته، بالإضافة للشرح الإلهي، الذي يبين قدرة الله وعنايته بخليقته. كل هذا جعل أيوب يرجع إلى نفسه، ويشعر بخطئه في تبرير نفسه أمام الله، وبتقديمه توبة صادقة تنقى قلبه، فاستطاع أن يعاين الله ويراه رؤية لم يعرفها قبلًا، أي شعر بمشاعر إيمان بالله، وبنوة له، وخضوع في نفس الوقت، وهكذا تنقى من البر الذاتي وصار ابنًا نقيًا، كاملًا لله. وهكذا انتهت التجربة التي حلت بأيوب باكتسابه الاستنارة الروحية، فرأى الله بالحقيقة، أي عاين الملكوت وهو على الأرض.
ع6: في نهاية كلام أيوب مع الله أعلن رفضه لكل أفكاره السابقة التي اعترض بها على الله أثناء حديثه مع أصدقائه الثلاثة. فهنا يتكلم أيوب عن نفسه، بعد أن تكلم عن علاقته مع الله في الآيات السابقة، وأعلن خضوعه له.
وإذ رفض أيوب كل خطاياه في حق الله، أعلن ندمه وحزنه عن كل ما صدر منه. وهذه هي التوبة.
بل إن أيوب في توبته اتضع إلى التراب والرماد، معلنًا أنه لا شيء وأنه مجرد تراب، أو رماد، فنال مراحم الله وغفرانه، التي سنراها في الآيات التالية.
ولكن إن كان أيوب قد قدم توبة صادقة برفض خطاياه، فإن بولس الرسول في العهد الجديد يقدم بعدًا جديدًا في حياة التوبة، بقوله "فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20).
وكلمة أرفض في الأصل العبري تعنى أختفى، أي أن أيوب شعر أنه لا شيء وتخلص من البر الذاتي أمام عظمة الله. وحدث تحول واضح في إحساس أيوب؛ إذ شعر أن ما يؤلمه ليست أمراضه، أو فقدانه لممتلكاته وعظمته، بل أصبح ما يؤلمه هو خطيته التي يندم عليها، ولذا نال بسرعة بركات الله.
† ثق أن التجارب التي يسمح بها الله لك هي لخيرك، رغم أنها تبدو مرة ومؤلمة، ولكن تأثيرها الروحي عميق، إذ تعطيك استنارة روحية وتمييزًا فتسلك مطمئنًا، وناميًا في محبة الله.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
7 وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهذَا الْكَلاَمِ، أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ: «قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. 8 وَالآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَاذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ». 9 فَذَهَبَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ. وَرَفَعَ الرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ. 10 وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا. 11 فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ، وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ. 12 وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. 13 وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 14 وَسَمَّى اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. 15 وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ، وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. 16 وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. 17 ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ.
ع7:
بعد أن تنقى أيوب وجه الله كلامه إلى أليفاز ووبخه، لأنه أكبر الأصدقاء سنًا وأكثرهم حكمة، وقال له إن تصرفاتك أنت وصديقيك قد أثار غضبى الشديد عليكم؛ لأنكم أخطأتم في حق أيوب، ولم تعلنوا الحق، بل اتهمتوه زورًا وأعتبرتوه شريرًا. وبهذا يعلن الله رضاه على أيوب وغضبه على أصدقائه الثلاثة. رغم أن أيوب أخطأ في بعض الكلمات بلسانه، ولكنه كان بالحقيقة بارًا، أما أصدقائه الثلاثة، فإن كانوا لم يخطئوا بكلام على الله، ولكنهم أخطأوا في حق أيوب عبد الله، والإساءة إلى عبد الله إساءة إلى الله نفسه. وهذا يبين محبة الله لأيوب ومكانته عنده. فايوب كان صالحًا ونقيًا في أعماله وكلامه ومشاعره، أما الأصدقاء فكانت قلوبهم شريرة من نحو أيوب وكلماتهم قاسية. كان أيوب صادقًا في كلامه، أما هم فكذبوا باتهاماتهم الخاطئة.
ع8، 9: بعد أن وبخ الله الأصدقاء الثلاثة، تظهر رحمة الله في تقديم الحل لهم، وهو طلبه منهم أن يذهبوا إلى أيوب؛ ليشفع فيهم أمام الله. وأيضًا يقدموا سبعة ثيران، وسبعة كباش كمحرقات أمام الله؛ ليصفح عنهم. ففعلوا كما أمرهم الله ونالوا غفرانه.
يعلن الله للأصدقاء الثلاثة أن كلامهم كان حماقة؛ لأنهم كانوا معجبين بآرائهم في كبرياء شديد، فأعلن الله لهم أن كلامهم كان ليس فقط غير حكيم، بل حماقة تستحق العقاب باتهامهم أيوب زورًا. والكبرياء تؤدى إلى الحماقة، أما الاتضاع فيرتبط بالحكمة.
هنا تظهر أهمية الشفاعة أمام الله؛ إذ يطلبها من عبده أيوب لأجل أصدقائه الثلاثة، بل يوجه الأصدقاء لطلب شفاعة أيوب، إعلانًا منهم لحاجتهم إلى هذه الشفاعة؛ ليعلمهم الاتضاع؛ فينالوا غفران الله بعد ذلك. وقد أظهر الله أهمية الشفاعة في حديثه مع إبراهيم (تك20: 7).
وعندما صلى أيوب من أجل أصدقائه متشفعًا أمام الله، لم ينال أصدقاؤه فقط الغفران من الله، بل اكتسب أيوب نعمة جديدة بانفتاح قلبه بالحب لأجل من أساءوا إليه، فطلب غفران الله لهم وبهذا نما أيوب في محبته وتزكى أمام الله.
إن طلب الله شفاعة أيوب هو تكريم له، فإن كان أصدقاؤه قد فشلوا في تعزيته، بل أساءوا إليه في أحاديثهم، باتهاماتهم الزور، ولكن يتقدم أيوب بالحب والصلوات المرفوعة؛ ليصلح حال أصدقائه، وينالوا الغفران الإلهي، فأيوب بالمحبة يجازى أصدقاءه، بدلًا من إساءاتهم، رغم أنه كان ما زال مريضًا، وفقيرًا ولكن بقوة الله وتكريمه له تظهر عظمته أمام أصدقائه المتذللين بسبب خطاياهم التي وبخهم الله عليها. وهكذا تبدل الحال، فبعد أن كان الأصدقاء الثلاثة يتكلمون من مكان العظمة لأيوب الملقى في هوان على الأرض، وفى نظرهم خاطئ بشدة واستحق كل هذه التجارب، يتبدل الحال ويصبح أيوب بقوة الله هو الشفيع والمنقذ لأصدقائه من هوان الخطية وذلها. إنها نعمة الله العجيبة التي تفوق العقل.
يظهر هنا أيضًا الحب الإلهي لأيوب، فالله يعلم خطايا أيوب وبخه عليها وحده بعيدًا عن الآخرين، فأعلن أيوب توبته باتضاع أمام الله. ولكن أمام الآخرين أظهر الله عظمة أيوب كشفيع، ووبخ أصدقاءه وأمرهم أن يطلبوا شفاعة أيوب.
وكذلك نرى عمل التوبة، التي حولت أيوب المحتقر من أصدقائه إلى شفيع عظيم ومنقذ لهم من خطاياهم أمام الغضب الإلهي.
إن سبعة ثيران وسبعة كباش تمثل ذبيحة كبيرة، تظهر ضخامة وخطورة خطية الأصدقاء الثلاثة في حق أيوب، وحق الله. وقد قدموها محرقة، أي لا يأكل منها أحد، بل تحرق كلها أمام الله؛ لنوال غفرانه ورضاه.
بتقديم الذبائح وصلاة أيوب عن أصدقائه رفع الله وجه أيوب وليس وجه الأصدقاء. وبهذا عاد أيوب إلى وضعه الكهنوتى حين كان يقدم ذبائح عن أسرته (أي 1: 5) لأن رب الأسرة في هذا العصر كان هو كاهنها.
تظهر محبة الله واهتمامه بأيوب أنه ذكر كلمة عبدى أيوب أربعة مرات في (ع7، 8). فأيوب هو محور محبة الله؛ لأن له مكانة خاصة عنده، بسبب بنوته وأمانته لله.
نرى في هذا المشهد تصالح الأصدقاء الثلاثة مع أيوب، بعد حوار قاسى وعنيف، وكان ذلك حول الذبيحة. فبتقديم الذبائح وارتفاع صلوات أيوب عاد الكل إلى وحدانية الحب. وهذا يبين ليس فقط صلاح أيوب، بل أيضًا صلاح الأصدقاء الذين أطاعوا الله، فعادوا لمحبتهم الأولى.
ع10: إن رد الرب سبى أيوب يعنى أن كل ما كان فيه أيوب من ضيق كان كأنه مسبيًا بعيدًا عن بلاده، يعانى معاناة شديدة، ثم أعاده الله إلى حالته الأولى من الصحة والغنى والكرامة.
ورد سبى أيوب يعنى أيضًا أن أيوب كان معارضًا لله، ومتباعدًا عنه بسبب الضيقات التي مرت به، ولكن الله أعاده إلى الخضوع وتسليم حياته لله، والتصالح والتمتع بنعمة البنوة لله. ولعل هذا السبي الروحي يعنى أن أيوب كان متأثرًا بأفكار من الشيطان نابعة من البر الذاتي، جعلته بعيدًا عن الله، ولكنه عاد من سبيه وتحرر من الشيطان وتأثيره، وصار متضعًا أمام الله.
إن تعبير السبي ورد السبي تعبير شرقى معروف قديمًا، يبين عودة الإنسان لراحته السابقة وخروجه من الضيقات.
إن رد سبى أيوب حدث بعد طاعة أيوب لله بصلاته من أجل أصدقائه؛ لأن محبة الإنسان للمسيئين هي قمة المحبة ومن أجلها يعمل الله بحرية مع الإنسان، ويفيض عليه بالبركات؛ لذا كان هذا هو الطلب الإلهي الوحيد من أيوب. هذا الحب العظيم كان رمزًا لمحبة المسيح على الصليب؛ لأجل فداء أولاده العصاة المسيئين إليه، حيث صلى لأجل صالبيه.
وهب الله أيوب، ليس أملاكًا مثل أملاكه الأولى فقط، بل ضعف هذه الأملاك، وغالبًا وهبها له بالتدريج بوسائل مختلفة، منها مثلًا تقديم أصدقائه هدايا له. والله أيضًا قادر أن يبارك في ممتلكات أولاده، كما بارك لاسحق، فأنتجت الأرض مئة ضعف (تك26: 12). وكما بارك في محصول السنة السادسة لكل شعبه لتكفيهم في السنة السابعة، حيث لا يزرعون الأرض (لا25: 21).
وهب الله لأيوب ضعف ممتلكاته، وكان الضعف يعطى للبكر (تث21: 17)، أي أن الله اعتبر أيوب بكرًا له بين أولاده القديسين. وهو بهذا رمز للمسيح البكر بين إخوة كثيرين (رو8: 29).
أعطى الله لأيوب ضعف ممتلكاته الأرضية، وكان هذا الأمر ضروريًا في العهد القديم أن تكون البركات مادية، ولكن هذا لا يمنع أنه أعطاه بركات روحية قبل أي شيء، وهي التحرر من خطيته، والارتفاع إلى مستوى محبة المسيئين. أما في العهد الجديد فالتركيز زاد على البركات الروحية أكثر من البركات المادية.
ع11:
قسيطة: وزنة، أو معيار من الفضة، وهي تعرف قسط، أو قسم، أي مقدار من الفضة غير معلوم وزنه. ويقول البعض أنه كان يرسم على القسيطة رسم نعجة. وفى الترجمة الكاثوليكية ترجمت كلمة قسيطة بنعجة، وذلك لأن القسيطة كانت تساوى ثمن نعجة.قرط: حلق يعلق في الأذن للزينة.
عندا رد الرب سبى أيوب أعاد إليه صحته، وشفاه من جميع أمراضه، أما أحباؤه الذين أهملوه وابتعدوا عنه في ضيقته، عندما سمعوا بشفائه وبركات الله التي وهبها له أتوا إليه، ليهنئوه بعودة صحته وكرامته وغناه. وهذه كانت عادة قديمة ومازالت حتى اليوم ونراها في شفاء حزقيا الملك عندما أتى إليه الكثيرون؛ ليهنئوه بسلامة صحته (2 أى32: 23).
والمقصود بإخوته أقاربه المقربين، وليس فقط أشقاؤه، وكذلك أتى إليه أصحابه وكل من كان يعرفهم قبل مرضه.
إستقبلهم أيوب بالمحبة والكرم، ولم نسمع أن أيوب عاتبهم بسبب تفرقهم عنه في وقت ضيقته، وهكذا ظهرت محبته لكل من أساء إليه. وبمجئ أحباؤه إليه أنهى الله جزءً من مشكلة أيوب وهي إحساسه بالعزلة والوحدة أثناء تجربته.
أضاف أيوب أحباءه في ولائم متتالية، وبهذا عادت البهجة والعظمة لبيته كما كانت قديمًا، بل وأكثر مما كانت.
قدم كل واحد ممن زاروا أيوب هدية له قسيطة من الفضة وقرطًا من الذهب وبهذا أعاد الله لأيوب بعضًا من غناه.
ع12: شملت بركة الله لأيوب ضعف ما كان عنده من المواشى، ويذكر هنا الأعداد، التي عندما نقارنها بمثيلاتها في (أي 1: 3) نجد أنها ضعفها بالضبط. وهذا يبين أن بركة الرب تغنى ويعطى الله بسخاء لأولاده المحبوبين.
ع13: وهب الله أيوب ليس فقط صحة وممتلكات ومحبة من كل المحيطين به، ولكن أعطاه أيضًا بنين وبنات بدلًا من أبنائه الذين ماتوا. وهكذا امتلأ بيته بالبنين والبنات وعمت البهجة.
لم يعطه الله ضعف البنين والبنات الذين كانوا له؛ لأن العشرة الذين ماتوا ما زالت أرواحهم حية أمام الله. فأعطاه عشرة جدد وبهذا صار له ضعف البنين والبنات.
إن أبناء ايوب؛ السبعة بنين والثلاث بنات الذين ماتوا يمثلون الكنيسة المنتصرة، التي أكملت جهادها على الأرض وتفرح في السماء، أما السبعة بنين والثلاث بنات الجدد، فيرمزون للكنيسة المجاهدة على الأرض. وبهذا فأيوب يرمز للمسيح رأس الكنيسة بشقيها المنتصر والمجاهد.
يرى البعض ان زوجة أيوب التي لم تتعاطف معه، بل كانت تلومه وآخر ذكر لها كان في (أي 19: 17) حيث أظهر أيوب أنه صار كغريب بالنسبة لإمرأته، هذه الزوجة يُظن أنها قد ماتت أثناء فترة تجربته الطويلة، وأنه تزوج زوجة جديدة أنجب منها السبعة بنين والثلاث بنات الجدد.
ع14: يذكر في هذه الآية أسماء بنات أيوب التي دعاهنّ بها، وهذه الأسماء لها معانى روحية هي: 1- يميمة: ومعناها يمامة وترمز للبساطة والحب والسلام.
ويمامة قد تكون مأخوذة من كلمة يوم بالعبرية، وتعنى نهارًا، أو فجرًا، أي أن أيوب بدأ يوم جديد وحياة جديدة ببركة الله عليه، يتمتع فيها بعمل الله في حياته، بعد يوم الضيقة الذي مر به، أى فترة الضيقة الطويلة الصعبة.
2- قصيعة: وهو اسم أحد العطور الذي يدعى "كاسيا"، بل هو أثمن العطور. فبعد أن كانت رائحة أيوب كريهة بسبب أمراضه، شفاه الله وصارت رائحته طيبة زكية، فدعى ابنته بهذا الإسم، تعبيرًا عن فرحه وشكره لله.
3- قرن هفوك:
القرن هو قرن الحيوان الذي كان يستخدم كوعاء يوضع فيه الدهن. وكلمة "هفوك" معناها دهن، وكان يستخدم لطلاء رموش العينين عند النساء، فتظهر العين أكثر إتساعًا. فهذا الإسم يعبر عن فرح أيوب، وإتساع عينيه، برؤية الله، وتمتعه به.
وهكذا نرى أن أسماء بنات أيوب كلها تعبر عن فرحه، وترمز إلى أنه قد بدأ حياة جديدة (يميمة)، وهذه الحياة ذات رائحة ذكية (قصيعة)، ونال في هذه الحياة اتساع العينين، أي الاستنارة الروحية.
ع15: أعطى الله جمالًا عظيمًا لبنات أيوب أكثر من كل البنات اللاتي حولهن في الأرض، وكما ذكرنا كانت عطايا الله في العهد القديم تبدأ، وتظهر في العطايا المادية قبل الروحية؛ لأن المستوى الروحي في العلاقة مع الله كانت لا تستوعب أن العطايا الروحية أهم. أما في العهد الجديد، فنرى العطايا الروحية معلنة، وواضحة أكثر من المادية، فمثلًا نسمع عن طهارة وقداسة أمنا العذراء، وليس جمالها الجسدي. بينما نقرأ في العهد القديم عن جمال سارة زوجة إبراهيم، ورفقة زوجة إسحق، وراحيل زوجة يعقوب.
وأعطى أيوب بناته ميراثًا بين أخوتهم، وهذا يبين عدل أيوب واهتمامه بكل نسله، ويؤكد استعادة أيوب غناه.
ع16، 17: عاش أيوب بعد انتهاء تجربته مئة وأربعين عامًا، ويستنتج بعض الآباء أن عمر أيوب بعد انتهاء التجربة كان سبعين عامًا، ثم أعطاه الله ضعف كل شيء، وبالتالي يكون قد أعطاه ضعف السبعين عامًا أي مئة وأربعين عامًا. وبهذا يكون أيوب قد عاش حتى عمر مئتين وعشرين عامًا.
وأعطى الله لأيوب أن يرى أحفاده حتى الجيل الرابع، أي أحفاد أحفاده، وهكذا تمتع برؤية نسل كثير حوله من أبنائه العشرة. وهذه البركة يعلنها لنا الكتاب المقدس أنها تلازم الأتقياء السالكين في طرق الرب، فيقول "وترى بنى بنيك" (مز128: 6). وظهرت في بركة الله لياهو ملك إسرائيل أن أعطاه أن يملك نسله حتى الجيل الرابع على عرش إسرائيل؛ لأنه قتل إيزابل الشريرة وخلص الشعب من شرها (2 مل10: 30). أما طوبيا الأب فتمنى لطوبيا ابنه أن يرى نسله حتى الجيل الثالث والرابع (طو9: 11) ولكن الله أعطاه أكثر من هذا فرأى الجيل الخامس (طو14: 15).
وهكذا حين مات أيوب أخيرًا بعد عمر طويل، هو حوالي مئتين وعشرين عامًا، أي شيخًا كبيرًا. وهذا العمر يناسب الأعمار وقتذاك، فإبراهيم مات عن عمر مئة وخمس وسبعين عامًا (تك25: 7) ومات اسحق عمره مئة وثمانين عامًا (تك35: 28).
مات أيوب بعد أن شبع من أيام كثيرة، ومر بمراحل ثلاثة واضحة:
المرحلة الأولى
المرحلة الثانية
المرحلة الثالثة
والعظيم في حياة أيوب أنه تمتع برعاية الله طوال حياته، في جميع المراحل رغم اختلافها، ولكن ظل إيمانه ثابتًا بالله، وظلت محبة الله قوية من نحوه.
† الله الذي يحبك يريد أن يعطيك بركات كثيرة تفوق تخيلك، فلا تتضايق إذا طالت التجربة عليك، فستنتهي وتنال بعدها بركات وفيرة، بل ستفهم حينئذ كيف عمل الله فيك ورعاك أثناء التجربة، فتشكره ويفرح قلبك.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
حياة أيوب |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أيوب 41 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/job/chapter-42.html
تقصير الرابط:
tak.la/2at5w7z