St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   church-encyclopedia  >   job
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   church-encyclopedia  >   job

تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

أيوب 30 - تفسير سفر أيوب

 

* تأملات في كتاب أيوب:
تفسير سفر أيوب: مقدمة سفر أيوب | أيوب 1 | أيوب 2 | أيوب 3 | أيوب 4 | أيوب 5 | أيوب 6 | أيوب 7 | أيوب 8 | أيوب 9 | أيوب 10 | أيوب 11 | أيوب 12 | أيوب 13 | أيوب 14 | أيوب 15 | أيوب 16 | أيوب 17 | أيوب 18 | أيوب 19 | أيوب 20 | أيوب 21 | أيوب 22 | أيوب 23 | أيوب 24 | أيوب 25 | أيوب 26 | أيوب 27 | أيوب 28 | أيوب 29 | أيوب 30 | أيوب 31 | أيوب 32 | أيوب 33 | أيوب 34 | أيوب 35 | أيوب 36 | أيوب 37 | أيوب 38 | أيوب 39 | أيوب 40 | أيوب 41 | أيوب 42

نص سفر أيوب: أيوب 1 | أيوب 2 | أيوب 3 | أيوب 4 | أيوب 5 | أيوب 6 | أيوب 7 | أيوب 8 | أيوب 9 | أيوب 10 | أيوب 11 | أيوب 12 | أيوب 13 | أيوب 14 | أيوب 15 | أيوب 16 | أيوب 17 | أيوب 18 | أيوب 19 | أيوب 20 | أيوب 21 | أيوب 22 | أيوب 23 | أيوب 24 | أيوب 25 | أيوب 26 | أيوب 27 | أيوب 28 | أيوب 29 | أيوب 30 | أيوب 31 | أيوب 32 | أيوب 33 | أيوب 34 | أيوب 35 | أيوب 36 | أيوب 37 | أيوب 38 | أيوب 39 | أيوب 40 | أيوب 41 | أيوب 42 | أيوب كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اَلأَصْحَاحُ الثَّلاَثُونَ

أيوب المحتقر والمتألم

 

مقدمة:

إن كان أيوب قد تكلم في الأصحاح السابق عن كرامته وفضائله في حياته السابقة، وكيف كان الكل يوقره بما فيهم العظماء، لكن هنا في هذا الأصحاح يحدثنا عن ألامه التي واجهها بعد التجارب التي حلت به، وكيف قام عليه المحتقرون وأدنياء المجتمع واستهزأوا به وسخروا منه، مستغلين ضعفه.

ونرى أيوب في هذا الأصحاح والسابق له يرمز للمسيح، بل نجد كلامًا واضحًا عن المسيح أقنوم الحكمة في (أي 28) والمسيح الكامل ذو الفضائل في (أي 29) والمسيح المتألم لأجل خلاصنا في هذا الأصحاح.

 

(1) الأدنياء يستهزئون بأيوب (ع1-15)

(2) الآم أيوب النفسية والجسدية (ع 16-31)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Job remembers what was His (Job 30:1-31) صورة في موقع الأنبا تكلا: أيوب يتذكر ما كان له (أيوب 30: 1-31)

St-Takla.org Image: Job remembers what was His (Job 30:1-31)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيوب يتذكر ما كان له (أيوب 30: 1-31)

(1) الأدنياء يستهزئون بأيوب (ع1-15):

1 «وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ أَصَاغِرِي أَيَّامًا، الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. 2 قُوَّةُ أَيْدِيهِمْ أَيْضًا مَا هِيَ لِي. فِيهِمْ عَجِزَتِ الشَّيْخُوخَةُ. 3 فِي الْعَوَزِ وَالْمَحْلِ مَهْزُولُونَ، عَارِقُونَ الْيَابِسَةَ الَّتِي هِيَ مُنْذُ أَمْسِ خَرَابٌ وَخَرِبَةٌ. 4 الَّذِينَ يَقْطِفُونَ الْمَلاَّحَ عِنْدَ الشِّيحِ، وَأُصُولُ الرَّتَمِ خُبْزُهُمْ. 5 مِنَ الْوَسَطِ يُطْرَدُونَ. يَصِيحُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَى لِصٍّ. 6 لِلسَّكَنِ فِي أَوْدِيَةٍ مُرْعِبَةٍ وَثُقَبِ التُّرَابِ وَالصُّخُورِ. 7 بَيْنَ الشِّيحِ يَنْهَقُونَ. تَحْتَ الْعَوْسَجِ يَنْكَبُّونَ. 8 أَبْنَاءُ الْحَمَاقَةِ، بَلْ أَبْنَاءُ أُنَاسٍ بِلاَ اسْمٍ، سِيطُوا مِنَ الأَرْضِ. 9 «أَمَّا الآنَ فَصِرْتُ أُغْنِيَتَهُمْ، وَأَصْبَحْتُ لَهُمْ مَثَلًا! 10 يَكْرَهُونَنِي. يَبْتَعِدُونَ عَنِّي، وَأَمَامَ وَجْهِي لَمْ يُمْسِكُوا عَنِ الْبَصْقِ. 11 لأَنَّهُ أَطْلَقَ الْعَنَانَ وَقَهَرَنِي، فَنَزَعُوا الزِّمَامَ قُدَّامِي. 12 عَنِ الْيَمِينِ الْفُرُوخُ يَقُومُونَ يُزِيحُونَ رِجْلِي، وَيُعِدُّونَ عَلَيَّ طُرُقَهُمْ لِلْبَوَارِ. 13 أَفْسَدُوا سُبُلِي. أَعَانُوا عَلَى سُقُوطِي. لاَ مُسَاعِدَ عَلَيْهِمْ. 14 يَأْتُونَ كَصَدْعٍ عَرِيضٍ. تَحْتَ الْهَدَّةِ يَتَدَحْرَجُونَ. 15 اِنْقَلَبَتْ عَلَيَّ أَهْوَالٌ. طَرَدَتْ كَالرِّيحِ نِعْمَتِي، فَعَبَرَتْ كَالسَّحَابِ سَعَادَتِي.

 

ع1: أصاغرى: الناس الضعفاء المحتقرين

استنكف: أشمئز ولا أرضى

ظهر من الأصحاح السابق مدى رحمة أيوب وإحسانه لكل من حوله كبارًا وصغارًا، أقوياء وضعفاء، فكان من المتوقع عندما تحل بأيوب التجارب الشديدة أن يتعاطف معه الناس ويحسنوا إليه، وخاصة من أحسن إليهم سابقًا. ولكن للآسف قام المحتقرون والمزدرى بهم على أيوب واستهزأوا به، وسخروا منه. وكان أيوب سابقًا لا يسمح لهؤلاء الناس، أو حتى أبائهم أن يعملوا عنده، لأنهم كانوا أحقر من الكلاب التي تحرس الأرض. ولم يأتمن أباءهم على حراسة غنمه، إذ هم أقل أمانة ووفاء من الكلاب.

ومن هذه الآية يظهر كبرياء أيوب المدفون في داخله، فرغم فضائله الكثيرة واتضاعه في مواضع مختلفة، ولكن كبرياءه هنا واضح، ومن أجل هذا سمح الله له بكل هذه التجارب؛ لينزع منه الكبرياء والبر الذاتي ليطهره منها.

 

ع2: يصف أيوب هؤلاء الأصاغر الذين استهزأوا به أيامًا كثيرة بأنهم أتوا إليه ليهينوه، وهم عاجزون عن أداء أية خدمة له؛ لضعفهم وحقارتهم. وكذلك الشيوخ منهم كانوا بلا حكمة ولا قوة، أي كانوا عاجزين، ورغم عجزهم أهانوه وسخروا منه.

 

ع3: العوز: الفقر

المحل: المجاعة

مهزولون: ضعفاء في أجسامهم

عارقون: يتعبون ويعرقون بحثًا عما يريدون

يصف أيوب هؤلاء المحتقرين، الذين سخروا به، عندما حلت به المصائب، فيصف حالهم طوال عمرهم بأنهم فقراء ويعيشون في جوع، وبالتالي فأجسادهم هزيلة ونحيفة وضعيفة. ومن شدة فقرهم يخرجون إلى الأماكن الخربة يبحثون فيها عن أي طعام يأكلونه، فيتعبون ويعرقون ولا يجدوا إلا بقايا طعام قليلة جدًا وقد تكون فاسدة.

وإذ عانى هؤلاء الفقراء المتكاسلين عن العمل وصاروا في مرض وضعف، عندما نظروا أيوب وقد فقد أملاكه وأصيب بالأمراض الشديدة، شعروا أنه صار مثلهم، وفقد عظمته، فسخروا منه انعكاسًا للمعاناة التي في داخلهم؛ لأنهم معزولون ومطرودون من المجتمع.

 

ع4: الملاح: نبات حمضى طفيلى ينمو بجوار نباتات الشيح. وطعمه يميل إلى المرارة وينمو في فلسطين وقيمته الغذائية ضعيفة، ولا يؤكل إلا في المجاعات، أو الفقر الشديد.

الشيح: نبات ينمو في فلسطين ويستخرج منه مواد طبية.

أصول: جذور.

الرتم: أحد أنواع نبات الشيح.

يصف أيوب طعام هؤلاء الفقراء الذين سخروا به، فيقول أنهم كانوا يأكلون نباتات الملاح التي تنمو بجوار نباتات الشيح، وهي نباتات ذات قيمة غذائية ضعيفة. ويأكلون أيضًا نباتات تنمو عند جذور الرتم، وهي أيضًا فائدتها الغذائية ضعيفة، كل هذا يبين فقرهم الشديد.

 

ع5: كان هؤلاء الفقراء يلجأون إلى الكذب والسرقة، فكانوا مكروهين من الناس ويطردونهم من كل مكان، كما يطردون اللصوص. وكان أيوب يعطف عليهم ويطعمهم، ولكن عندما مرض وافتقر قاموا عليه واستهزأوا به.

 

ع6: كان هؤلاء المحتقرون يفعلون جرائم تستحق العقاب، وكان أيوب يحكم عليهم في مجلس القضاء، وإذ عُرِفُوا أنهم مخطئون كانوا يهربون إلى الأودية المخيفة، التي لا يسكن فيها أحد، ليبتعدوا عن أيدي الناس، فلا يقبض عليهم.

وكذلك كانوا يختبئون في مغاير الجبال. وهذه المغاير كانت ضيقة كالثقوب بين الصخور والتراب.

عندما وجد هؤلاء المجرمون الهاربون أيوب قد حلت به النكبات، وصار مطرودًا من الناس، بعد أن كان قاضيًا عظيمًا، شمتوا به وسخروا منه.

 

ع7: ينهقون: يصدرون أصواتًا مثل الحمار

العوسج: نبات ضعيف شوكى، ظله ضئيل جدًا.

ينكبون: يقبلون عليه ويلازمونه.

فيما كان هؤلاء المحتقرون يبحثون عن الطعام، كانوا مثل الحمير الوحشية يدورون حول نباتات الشيح، لعلهم يجدوا بجوارها نباتات يأكلونها، ويصدرون أصواتًا مزعجة، هي أصوات الحرمان والأنانية، وكل واحد يريد طعامًا على حساب من حوله.

وكانوا أيضًا يهربون من الناس، فلا يجدون ملجأً لهم إلا نباتات ضعيفة، مملوءة بالشوك، مثل نباتات العوسج، فكانت تجرحهم. ولكنهم يجلسون في ظلها الضعيف، مختبئين من وجه من يطاردهم.

 

ع8: يصف أيوب هؤلاء المحتقرين بأنهم أغبياء، وليس لهم اسم، أو مكان في المجتمع، بل يضربهم الناس بالسياط، ويطردونهم، فيهربون إلى الأماكن البعيدة.

إن كان أيوب يتكلم هنا بكبرياء عمن سخروا به، ولكنه في نفس الوقت يعلن نبوات عن المسيح، الذي قام عليه المحتقرون، مثل عبد رئيس الكهنة، الذي لطمه على خده واحتمل كل هذا لأجلنا ( يو 18: 22).

 

ع9، 10: البسق: البصق والتفل.

يبين أيوب مشاعر وتصرف هؤلاء المحتقرين من نحوه، وكيف يستهزئون به وجعلوه أغنية لهم، أي يسخرون منه، ومثلًا للاحتقار والاستهزاء.

وهكذا أظهر هؤلاء المحتقرون كراهيتهم لأيوب، وابتعدوا عنه، اشمئزازًا منه، بعد أن بصقوا عليه وأهانوه بكل الطرق. ولعل كراهيتهم لأيوب كانت بسبب حكم أيوب على بعضهم بالعقاب نتيجة جرائمهم، عندما كان يجلس في ساحة القضاء.

وواضح أن أيوب هنا يرمز للمسيح، الذي قام عليه اليهود والأمم واستهزأوا به وبصقوا على وجهه( لو 18: 32).

 

ع11: العنان: اللجام وهو سير من الجلد، يوضع في فم الفرس للتحكم في سيره وجريه؛ فإذا نزع اللجام ينطلق الفرس ويجمح ويجرى حسبما يشاء.

الزمام: الحدود.

يعلن أيوب أن الله أطلق العنان لهؤلاء المحتقرين، فقاموا عليه وقهروه، وسخروا منه. لذا فأيوب يتقبل هذا الظلم والاعتداء عليه؛ لأنه بسماح من الله، الذي يريد تأديبه. وهو يحب الله ويخضع له؛ لذلك فهو إن كان يعانى فهو غير مضطرب، وله رجاء في الحياة الأخرى.

وإن كان أيوب له عظمته، التي تضع حدودًا لا يستطيع أن يتخطاها من حوله، فهو يعتقد أن لله نزع هذه الحدود بفقدانه ممتلكاته وصحته، فصار في الصورة حقيرًا، ولذا قوى عليه هؤلاء المحتقرون الأشرار.

 

ع12، 13: الفروخ: هى صغار الحيوانات، أو النباتات. والمقصود هنا بصغار السن من البشر الضعفاء، الذين قاموا على أيوب واستهزأوا به.

البوار: الفساد والخراب.

شعر أيوب بأن الشباب من هؤلاء المحتقرين استغلوا فرصة ضعفه، وقاموا عليه وأزاحوا رجليه، وهذا يعنى:-

  1. اشمأزوا من رائحته وسوء منظره وضعفه وأمراضه، فأزاحوا رجليه؛ ليعبروا لأنه كان ملقى على الأرض.

  2. حاولوا ابعاده عن طريقهم؛ لأنه كان قد حكم عليهم – عندما جلس للقضاء- وعاقبهم لأجل شرورهم.

وقوله " عن اليمين الفروخ يقومون" يقصد أن من كان لا ينتظر منهم الشر قاموا عليه، فهم أهل اليمين، أي الذين عطف عليهم وساعدهم. وكان ينبغى أن يقفوا بجواره ويدافعوا عنه.

بسخرية هؤلاء الأشرار وإساءتهم إلى أيوب، أعدوا له الخراب الكامل. فإساءتهم هذه تدميرًا له؛ لأنه ضعيف، وملقى على الأرض في حالة سيئة من كثرة أمراضه.

وهكذا استمر هؤلاء الأشرار في الإساءة لأيوب، فأفسدوا سبله ولم يعد له وسيلة ليدافع عن نفسه أمام اتهاماتهم ومؤامرتهم، ولم يجد أحدًا يساعده على صدهم؛ إذ تخلى عنه الجميع، وظل بهذا يعانى من الظلم.

في كل هذا كان أيوب رمزًا للمسيح، الذي قام عليه ضعفاء المجتمع، مثل عبد رئيس الكهنة، والشعب الذي أحسن إليه وشفى أمراضه قام يطالب بصلبه.

ع14: صدع عريض: شق أوكسر في حائط، أو سور.

الهدة: الهدم والتراب والأحجار التي تخرج عندما يهدمون بيتًا.

يعبر أيوب عن هجوم الأشرار عليه، بأنهم استغلوا ضعفه؛ لفقدانه ثروته وصحته، كأن الثروة والصحة كانتا سورًا له وقد تصدع، فدخل هؤلاء الأشرار من المكان المتصدع وهجموا عليه. وتدحرجوا نحوه؛ ليسيئوا إليه، كمن يدخل من ثغرة في السور ليهاجم المقيمين داخل السور. والخلاصة، يبين أيوب ضعف هؤلاء الأشرار، وانتهازهم فرصة المصائب التي حلت به؛ ليشمتوا به ويسيئوا إليه.

وهكذا نرى ضعف الثروة والصحة، فهي لا تحمى الإنسان، ولكن الذي يحميه هو الله الساكن فيه، كما ثبت الله إيمان أيوب، واحتمل الظلم من حوله؛ لذا كافأه الله في النهاية ببركات كثيرة.

 

ع15: كانت المصائب قديمًا تأتى على البشر المحيطين بأيوب، ولكن الله سمح أن تأتى المصائب على أيوب، فانقلبت الأهوال من مهاجمتها الناس إلى مهاجمة أيوب.

هذه الأهوال كانت صعبة جدًا، فطردت نعمة الله، أي الثروة والصحة من أيوب. فهي تشبه الرياح التي تطرد وتحمل بعيدًا كل ما يقابلها. وهذا يبين أن الماديات متقلبة ويمكن زوالها، والذي يبقى هو نعمة الله العاملة داخل الإنسان.

إذ فقد أيوب كل ما كان له زالت عنه سعادته بممتلكاته وصحته. وتم هذا بسرعة، مثل سحابة تعبر في السماء، ولكن بقيت سعادته بمعرفة الله، الذي لا يتركه أبدًا، وأعد له مكانًا عظيمًا في الأبدية.

لا تنزعج من تقلب من حولك وإساءتهم إليك، فهذا أمر متوقع ما دمت في هذه الحياة، ولكن تمسك بالله الساكن فيك، فهو قادر أن يعوضك عن أية خسارة مادية، أو مركز، أو كرامة.

وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(2) الآم أيوب النفسية والجسدية (ع 16-31):

16 «فَالآنَ انْهَالَتْ نَفْسِي عَلَيَّ، وَأَخَذَتْنِي أَيَّامُ الْمَذَلَّةِ. 17 اللَّيْلَ يَنْخَرُ عِظَامِي فِيَّ، وَعَارِقِيَّ لاَ تَهْجَعُ. 18 بِكَثْرَةِ الشِّدَّةِ تَنَكَّرَ لِبْسِي. مِثْلَ جَيْبِ قَمِيصِي حَزَمَتْنِي. 19 قَدْ طَرَحَنِي فِي الْوَحْلِ، فَأَشْبَهْتُ التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. 20 إِلَيْكَ أَصْرُخُ فَمَا تَسْتَجِيبُ لِي. أَقُومُ فَمَا تَنْتَبِهُ إِلَيَّ. 21 تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي. 22 حَمَلْتَنِي، أَرْكَبْتَنِي الرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهًا. 23 لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ إِلَى الْمَوْتِ تُعِيدُنِي، وَإِلَى بَيْتِ مِيعَادِ كُلِّ حَيٍّ. 24 وَلكِنْ فِي الْخَرَابِ أَلاَ يَمُدُّ يَدًا؟ فِي الْبَلِيَّةِ أَلاَ يَسْتَغِيثُ عَلَيْهَا؟ 25 «أَلَمْ أَبْكِ لِمَنْ عَسَرَ يَوْمُهُ؟ أَلَمْ تَكْتَئِبْ نَفْسِي عَلَى الْمِسْكِينِ؟ 26 حِينَمَا تَرَجَّيْتُ الْخَيْرَ جَاءَ الشَّرُّ، وَانْتَظَرْتُ النُّورَ فَجَاءَ الدُّجَى. 27 أَمْعَائِي تَغْلِي وَلاَ تَكُفُّ. تَقَدَّمَتْنِي أَيَّامُ الْمَذَلَّةِ. 28 اِسْوَدَدْتُ لكِنْ بِلاَ شَمْسٍ. قُمْتُ فِي الْجَمَاعَةِ أَصْرُخُ. 29 صِرْتُ أَخًا لِلذِّئَابِ، وَصَاحِبًا لِرِئَالِ النَّعَامِ. 30 حَرِشَ جِلْدِي عَلَيَّ وَعِظَامِي احْتَرَّتْ مِنَ الْحَرَارَةِ فِيَّ. 31 صَارَ عُودِي لِلنَّوْحِ، وَمِزْمَارِي لِصَوْتِ الْبَاكِينَ.

 

ع16: من كثرة الآلام والمصائب التي حلت بأيوب، شعر بنفسه تنسكب عليه، أي شعر بضيق شديد. وتذكر كل الآلام التي مرت به، وكيف أذلته، سواء بفقدان أبنائه، أو ثروته، أو صحته. كل هذه الخواطر كانت تتوارد على ذهنه وتتكرر، فتؤلمه نفسيًا.

 

ع17: ينخر: يخترق.

عارقى: الأصل العبري للكلمة يعني عضلات، أو أعصاب، أو أوتار.

تهجع: تنام وتستريح وترتخي.

يصف أيوب مدى آلامه التي تزداد في الليل، حينما ينام الناس ويصير سكونًا، فيزداد شعور الإنسان بآلامه، إذ هو مستيقظ، غير قادر على النوم، فيشعر بآلام عضوية شديدة في أعماقه يعبر عنها بنخر العظام، كأن عظامه يخترقها آلام صعبة، بالإضافة إلى أن عضلاته وأعصابه مشدودة في تقلص دائم، وتسبب له آلام لا ترتخى، فلا يستطيع أن ينام.

 

ع18: جيب قميص: الآصل العبري للكلمة يعنى ياقة القميص، أي محيطة بالرقبة.

من كثرة الآلام صار جسد أيوب ذابلًا ونحيفًا، فأصبحت ملابسه واسعة عليه، لذا يقول " تنكر لبسي" أي أن ملابسه تبدو أنها لشخص آخر وليس لأيوب.

وصارت أيضًا آلام أيوب مثل ياقة قميص تحيط برقبته وتضغط عليها مثل حزام، وتكاد تخنقه.

 

ع19: الوحل: الطين.

شعر أيوب وهو في آلامه الشديدة أنها بسماح من الله. وشبه ما عمله الله فيه كأن الله ألقاه في الطين واختلطت جروحه بالتراب، فصار كأنه كمية من التراب والرماد ملقاة على الأرض. وهذا يبين مدى شعور أيوب بالذل والمهانة.

وكان الشرقيون قديمًا- في أحزانهم الشديد- يجلسون في التراب ويضعونه على رؤوسهم، فايوب هنا يعبر عن حزنه الشديد بهذه التشبيهات.

وأيوب هنا يظهر مدى اتضاعه، باعتبار نفسه تراب ورماد، كما قال ابراهيم أيضًا عن نفسه في حديثه مع الله أنه تراب ورماد( تك 18: 27).

 

ع20-24: وسط هذه المعاناة الشديدة التي يعانيها أيوب صرخ إلى الله؛ لينقذه ولكن للأسف لم يتدخل الله ويحقق طلبه، حتى عندما قام أيوب للصلاة شعر أن الله لا يلتفت إليه؛ بل عامله بجفاء شديد، حتى أنه لم يظهر له مشاعر أبوة، أو حنان ولا يتعاطف مع معاناته.

وشعر أيوب أن آلامه هذه هي ضغوط من الله عليه، فكيف يحتمل قوة الله القادر، عندما يقف الله ضده، فهو يكاد ينهار أمام الاضطهاد الإلهي له.

كذلك شعر أيوب أن الله قد ألقاه بعيدًا عنه، كما تحمل الريح أشياء كثيرة خفيفة وتلقيها بعيدًا لأن أيوب شعر أنه ضعيف جدًا، مثل قشة تحملها الريح، بل شعر أن آلامه كأنها حرارة شديدة تذيب قلبه وجسده وتشوه نفسه وملامحه.

شعر أيضًا أيوب أن الله يرفعه مع الريح إلى فوق ويقصد كل الغنى والمجد اللذين عاش فيهما في حياته السابقة، ثم ذوب الله نفسه وشوة مجده، أي ألقته الرياح على الأرض متعبًا، مشوها وتحطمت حياته، ويقصد الضيقات العنيفة التي حلت به.

ثم يعطى أيوب نفسه رجاء بالموت، فكما خلقه الله من التراب، يعيده إلى تراب القبر، ليستريح من الآمه ويستقر في بيت ونهاية كل حي، أى الموت. ولعل أيوب كان يشعر أن الأبرار سيجدون راحة بعد الموت، فيعبر عن هذه الراحة بقوله "بيت" حتى لو كان مصيره أن يذهب إلى الجحيم، فسيعطيه الله راحة؛ حتى يتمم المسيح الفداء.

ويكمل أيوب حديثه عن الرجاء، فيعتبر الموت هو رجاء للمجربين مثله؛ ليستريحوا من أتعابهم. فالموت هو يد الله الممدودة لنجدة أولاده المعذبين.

والموت أيضًا هو راحة؛ لأنه ينقل الأبرار إلى حياة أفضل إلى الأبد مع الله.

ووسط معاناة الألم يشعر أيوب أن الله قادر أن يرفع عنه الأتعاب، فيستريح وهو حى على الأرض. وهذا ما حدث فعلًا، كما سنرى في الاصحاح الأخير من هذا السفر.

 

ع25، 26: عسر يومه: صعب يومه وحلت به ضيقة يومًا.

الدجى: الظلام الشديد.

يتساءل أيوب فيقول إنى تعاطفت مع كل إنسان واجه تجربة، أو ضيقة، بل في تعاطفى بكيت عليه، وساعدته بكل ما استطعت، وتضايقت جدًا من أجل كل إنسان مسكين يعانى من آلام. فلماذا بعدما قمت من أعمال الرحمة هذه وترجيت أن يباركنى الله ويصنع معى خيرًا، فوجئت بالآلام والتجارب تحل بى؟ وكنت أظن أن حياتى ستمتلئ بالأفراح المنيرة، ولكنى واجهت ظلام الضيقة الشديدة !

 

ع27: يعبر أيوب عن مدى الآمه النفسية، فيقول أن أمعاءه تغلى في داخله، ولا تهدأ عن الغليان، ويقصد مشاعره الداخلية في هياج ومعاناة شديدة، ولا يجد راحة.

وظهرت أمام عينيه أيام مذلته وانقضت عنه أيام رخائه وراحته، أي أنه كان في آلام نفسية في غاية الصعوبة.

 

ع28، 29: رئال النعام: صغار النعام.

يصف أيوب مظهره السئ، فيقول إن جسده صار أسود اللون، ليس لتعرضه لأشعة الشمس، بل من أجل الأمراض التي أصيب بها، وكذلك لحالته النفسية السيئة. وهكذا صار منظره الأسود كأنه يلبس ملابس الحزن.

ثم من شدة الألم قام وسط الناس ليصرخ؛ لأنه لا يحتمل الآلام. وهو بهذا يشبه الذئاب وصغار النعام المعروفة بكثرة الصراخ، إذ تجرى في البرية وحدها، وتعوى عواءً حزينًا ومزعجًا.

 

ع30: حرش: خشن جلدى واسود

يستكمل أيوب وصف حالته، فيقول إن جلده صار حرشًا، أى أسودًا وخشنًا من الهم والمرض. وكذلك عظامه تألمت جدًا بحرارة في داخله، كأنه يعانى من حمى شديدة تعتصر أحشاءه.

ع31: في الختام يعبر أيوب عن حالته ومعاناته النفسية والجسدية وذلك بصوت الناى الحزين والعود بأنغامه المملوءة بالأسى.

وفى النهاية نجد أيوب المتألم رمزًا للمسيح، الذي اجتاز المعصرة وحده وحمل آلامنا على الصليب؛ ليهبنا الحياة بموته.

إن كنت تعانى من الآم وتشعر أنك وحيد، لا يشعر بك أحد من الناس، فثق أن إلهك الذي تألم من أجلك يشعر بك ومستعد أن يسندك، بل يهبك سلامًا وسط الآلام. إرفع قلبك إليه واطلب معونته، فهو بجوارك، يحبك جدًا، ويعوضك عن كل تعب وخسارة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/job/chapter-30.html

تقصير الرابط:
tak.la/2k5jd74