* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35
الأَصْحَاحُ الخَامِسُ عَشَرَ
بدأت الجولة الأولى في الحوار بين أيوب وأصدقائه بالأصحاح الرابع، وانتهت في الأصحاح الرابع عشر. وفيها أعلن أليفاز أن الله بار وحق. ورد عليه أيوب: لكنه يضربنى بالضيقات. ثم قال بلدد لأيوب أن الله لا يساند الأشرار، فأجاب أيوب لكنه لا يسمعنى. وأخيرًا قال صوفر لأيوب أن الله عادل وأنت مذنب ويلزم أن تتوب، فأجاب أيوب بأنه يريد استئناف المحاكمة أمام الله.
وتبدأ الجولة الثانية في الحوار بين أيوب وأصدقائه من هذا الأصحاح، وتنتهي في الأصحاح الحادي والعشرين. وهنا يوجه أليفاز كلامًا قاسيًا لأيوب.
(1) اتهام أيوب بالبر الذاتي (ع1 - 16)
(2) دينونة الأشرار (ع 17 - 35)
1 فَأَجَابَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَقَالَ: 2 «أَلَعَلَّ الْحَكِيمَ يُجِيبُ عَنْ مَعْرِفَةٍ بَاطِلَةٍ، وَيَمْلأُ بَطْنَهُ مِنْ رِيحٍ شَرْقِيَّةٍ، 3 فَيَحْتَجَّ بِكَلاَمٍ لاَ يُفِيدُ، وَبِأَحَادِيثَ لاَ يَنْتَفِعُ بِهَا؟ 4 أَمَّا أَنْتَ فَتُنَافِي الْمَخَافَةَ، وَتُنَاقِضُ التَّقْوَى لَدَى اللهِ. 5 لأَنَّ فَمَكَ يُذِيعُ إِثْمَكَ، وَتَخْتَارُ لِسَانَ الْمُحْتَالِينَ. 6 إِنَّ فَمَكَ يَسْتَذْنِبُكَ، لاَ أَنَا، وَشَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ عَلَيْكَ. 7 «أَصُوِّرْتَ أَوَّلَ النَّاسِ أَمْ أُبْدِئْتَ قَبْلَ التِّلاَلِ؟ 8 هَلْ تَنَصَّتَّ فِي مَجْلِسِ اللهِ، أَوْ قَصَرْتَ الْحِكْمَةَ عَلَى نَفْسِكَ؟ 9 مَاذَا تَعْرِفُهُ وَلاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ؟ وَمَاذَا تَفْهَمُ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا؟ 10 عِنْدَنَا الشَّيْخُ وَالأَشْيَبُ، أَكْبَرُ أَيَّامًا مِنْ أَبِيكَ. 11 أَقَلِيلَةٌ عِنْدَكَ تَعْزِيَاتُ اللهِ، وَالْكَلاَمُ مَعَكَ بِالرِّفْقِ؟ 12 «لِمَاذَا يَأْخُذُكَ قَلْبُكَ؟ وَلِمَاذَا تَخْتَلِجُ عَيْنَاكَ 13 حَتَّى تَرُدَّ عَلَى اللهِ وَتُخْرِجَ مِنْ فِيكَ أَقْوَالًا؟ 14 مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو، أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ 15 هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ، 16 فَبِالْحَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ!
: رياح ساخنة محملة بالأتربة تضر الزروع، والمقصود كلام باطل مُفسد، مثل الرياح الشرقية.
بدأ أليفاز حديثه مع أيوب بتوبيخات واضحة. أولها نذكرها في هذه الآيات، وهو أن أيوب معرفته باطلة، وثانيهما أن كلامه مضر مثل ريح شرقية. فيقول له هل أنت الحكيم تجاوب بمعرفة باطلة خاطئة؟ وأن الهواء الذي يخرج من بطنك ويساعدك على الكلام، هو من رياح شرقية، أي كلام مفسد؟ والخلاصة أنك تحتج وتناقش بكلام غير مفيد.
وبهذا فإن اليفاز اتهم أيوب هو وأصدقاءه بلدد وصوفر - بأن كلامه فارغ (أي 8: 2، 11: 2، 3). وهذا يظهر مدى اتفاقهم على الإساءة إليه.
وفى نفس الوقت كبرياؤهم، فإنهم لا يريدون أن يتعلموا منه ويعتبروا كلامه لا يفيد.
ع4: التوبيخ الثالث الذي يوجهه أليفاز لأيوب هو أنه ينافى المخافة، إذ رأى الدالة التي يتكلم بها أيوب في كلامه مع الله انتفاء ورفض للمخافة. والحقيقة أن أيوب قريب من الله، يصلى كثيرًا، فله دالة، أما أصدقاءه فليسوا قريبين مثله من الله.
بالإضافة إلى أن أليفاز فهم كلام أيوب بمعنى خاطئ. فعندما قال أيوب "خيام المخربين مستريحة" (أي 12: 6) ويقصد أن الله يطيل أناته على الأشرار حتى يتوبوا، فهم أليفاز هذا الكلام بأن أيوب يشجع على الشر وعدم مخافة الله.
التوبيخ الرابع الذي قاله أليفاز هو قوله لأيوب "تناقض التقوى لدى الله" أي أن أيوب يهمل ويرفض عبادة الله، وهذا عكس الحقيقة؛ لأن أيوب كان كثير الصلوات، ويهتم بتقديم ذبائح عن نفسه وأولاده (أي 1: 5).
ع(5، 6): التوبيخ الخامس لأيفاز هو قوله لأيوب أنك "تختار لسان المحتالين" ويعنى أن أيوب كاذب ومحتال، يتظاهر بالتقوى وكلامه مملوء بالشر "يذيع اثمه".
والخلاصة أتهم أليفاز أيوب أن كلامه شرير ويثبت شره، وذلك لأنه لم يفهم كلام أيوب؛ ولأن أليفاز وقف خصمًا له وليس صديقًا يلتمس له العذر، أو يحاول أن يفهم ويتتلمذ على يد هذا القديس.
واتهام أليفاز لأيوب بأن فمه يذيع إثمه معثر للآخرين؛ لأنه ينشر أفكاره الخاطئة ضد الله. والحقيقة أن الكتاب المقدس يشهد عن أيوب أنه قديس وشفاعته قوية جدًا (حز 14: 14) وصبره هو قدوة على مدى الأجيال (يع 5: 11).
ع7-10: التوبيخ السادس من أليفاز لأيوب هو الكبرياء والذي يظهر في قوله له "أصورت أول الناس" أي أنك أنت هو آدم؛ لأنهم كانوا يعتقدون قديمًا أن آدم هو أكثر البشر حكمة. وقوله له أيضا "أم ابدئت قبل التلال" أي أن الله خلقك قبل خلقته للأرض والتلال التي عليها، بمعنى أنك أكثر المخلوقات حكمة. وهو بهذا الكلام يستنكر عليه أن يكون حكيمًا، ويستهزئ به.
وقوله كذلك "هل تنصت في مجلس الله" أي لعلك تجلس في مجلس الله الخاص، وتسمع كلمات لا يسمعها باقي البشر، أو أن الله يستشيرك في أمور الخليقة؟! ويؤكد أيضا لأيوب كبرياءه بقوله له "قصرت الحكمة على نفسك" أي أنك ترى نفسك أنك الوحيد الحكيم بين البشر. مع أن أيوب لم يقل هذا، بل على العكس قال لأصدقائه "لى فهم مثلكم" (أي 12: 13). وبهذا يريد أيوب من أصدقائه أن يعتبرونه مثلهم في الحكمة.
وقول أليفاز "ماذا تعرفه ولا نعرفه نحن وماذا تفهم وليس هو عندنا" يبين فيه أن أيوب جعل نفسه حكيمًا أكثر منهم والحقيقة عكس هذا. فأيوب لم يكن متكبرًا بحكمته، بل على العكس هم الذين سقطوا في الكبرياء، لذا اتهمه أليفاز بالكبرياء وبكل الاتهامات السابقة. وإدانة أليفاز لأيوب في كل الإتهامات السابقة تظهر عدم وجود مخافة الله في قلب أليفاز؛ لذا فهو يدين غيره.
وفى النهاية يوبخ أليفاز أيوب بأنه يدعى أنه أكثر حكمة من جميع الناس، مع أن هناك أناس أكبر سنًا من أبى أيوب، أي أنهم أكثر حكمه منه بكثير "عندنا الشيخ والأشيب أكبر أيامًا من أبيك". وهو هنا لم يذكر اسم شخص حكيم معروف بحكمته التي تفوق حكمة أيوب. وكونهم أكبر سنًا من والد أيوب ليس دليلًا على أن حكمتهم أكثر من أيوب. بالإضافة إلى أن أيوب لم يَدَّعِ أنه أكثر حكمة من جميع الناس. كل هذا يبين مدى الظلم الذي وجهه أليفاز نحو أيوب.
ع11: عاتب أليفاز أيوب أنه لم يقبل تعزيات الله التي أرسلها على فم أصدقائه، فهو يعتبر أن كلامه وكلام الصديقين بلدد وصوفر كلام لطيف ومعزى، وأن الله أرسله على لسانهم، بل عاتبه أيضا أنه كلمه برفق، وهو لم يقبل، وهذا يبين عدم إحساس أليفاز ورفيقيه بأيوب، وأن كلامهم كان قاسيًا على أيوب المتألم. ورغم أنه حاول أن يظهر تعبه؛ ليكفوا عن قسوتهم، ولكنهم مصرون على الإساءة إليه تحت شعار الصداقة وإعلان الحق الإلهي.
ع12: يأخذك قلبك:
تعجب بنفسك وتتكبر.تختلج عيناك: تغمز بعينيك إشارة إلى إهمال ما يقال أمامك.
يوبخ أليفاز أيوب بشدة ويقول، له لماذا أنت مغرور ومتكبر وتحتقر كلام الله الذي نقوله لك؟ بل إنك تجاسرت وجاوبت الله بكلام لا يصح لإنسان أن يقوله أبدًا. فكبريائك ليس فقط على أصدقائك، بل على الله أيضا. وهذا اتهام خطير لم يقصده أيوب أيضا، بل كما قلنا كان أيوب يتكلم بدالة البنوة وهو متألم ويترجى الله أن يشفق عليه، وأصدقاءه أن يشعروا به.
كان الأجدر بأصدقاء أيوب، بدلًا من أن يصطادوا عليه كلمة ويوبخوه ويتهموه اتهامات زور، أن يسألوه تفسيرًا لبعض الكلمات التي لم يفهموا قصده منها. ولكن لكبريائهم وضعف محبتهم نحو أيوب وقفوا كخصوم له.
يتبرر ويصير نقيًا أمام الله.
يستكمل أليفاز توبيخه لأيوب على إعجابه وتبريره لنفسه، فيقول له كيف تبرر نفسك أمام الله؟ والله كلى النقاوة. فحتى ملائكته القديسين لا يأتمنهم على إدارة أمور العالم، بل يرسلهم في إرساليات محددة، مستندين على معونته.
إن كانت السماوات غير طاهرة أمام نقاوته، أي أن الملائكة ليسوا كاملين في نقاوتهم ولهم أخطاء، فكم بالأحرى الإنسان الذي يخطئ ولا يشعر بجرم خطيته، فكأنه يشرب الإثم كالماء. ويقصد بهذا الإنسان أيوب الذي له أخطاء كثيرة ولكنه لا يشعر بها ولا يتوب عنها؛ بل رغم هذا يبرر نفسه، ويتلذذ بالخطية كالعطشان الذي يشرب الماء، بل يتعود الخطية، كما يتعود الإنسان شرب الماء. ويعمل الخطية بسهولة دون حذر كمن يشرب الماء؛ وليس كمن يأكل ويمضغ الطعام، فيكون له فرصة للتفكير قبل فعل الخطية.
إن كلام أليفاز في هذه الآيات إذا طبقه على نفسه وعلى أصدقائه يجد نفسه مدانًا، ولكنه نسى خطيته وهي الكبرياء والسقوط في خطية الإدانة وعدم الشعور بها، وأتهام أيوب بقسوة. وهذا يؤكد أن كلام أليفاز مرفوض لأن أيوب له عذره وهي الآلام التي يعانيها، أما أليفاز فليس له عذر - هو وأصدقاؤه - لأنهم أتوا لتعزية أيوب ولكن قلوبهم قاسية فأساءوا إليه.
أليفاز يقصد أن الله يرفض الإنسان الفاسد الذي يشرب الإثم كالماء مثل أيوب، لكنه يحب باقي البشر مثل نفسه هو وأصدقائه. وهذا يؤكد أنه بار في عين نفسه.
† لا تسرع إلى إدانة غيرك، بل أهتم بإدانة نفسك، أي توبتك؛ لتنال مراحم الله. أما الذي يدين غيره، فهو كمن يبنى حائطًا فاصلًا بينه وبين الله. فلا يرى الله ويحرم نفسه من معونته.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
17 «أُوحِي إِلَيْكَ، اسْمَعْ لِي فَأُحَدِّثَ بِمَا رَأَيْتُهُ، 18 مَا أَخْبَرَ بِهِ حُكَمَاءُ عَنْ آبَائِهِمْ فَلَمْ يَكْتُمُوهُ. 19 الَّذِينَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ أُعْطِيَتِ الأَرْضُ، وَلَمْ يَعْبُرْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ. 20 الشِّرِّيرُ هُوَ يَتَلَوَّى كُلَّ أَيَّامِهِ، وَكُلَّ عَدَدِ السِّنِينَ الْمَعْدُودَةِ لِلْعَاتِي. 21 صَوْتُ رُعُوبٍ فِي أُذُنَيْهِ. فِي سَاعَةِ سَلاَمٍ يَأْتِيهِ الْمُخَرِّبُ. 22 لاَ يَأْمُلُ الرُّجُوعَ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَهُوَ مُرْتَقَبٌ لِلسَّيْفِ. 23 تَائِهٌ هُوَ لأَجْلِ الْخُبْزِ حَيْثُمَا يَجِدُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ الظُّلْمَةِ مُهَيَّأٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. 24 يُرْهِبُهُ الضُّرُّ وَالضَّيْقُ. يَتَجَبَّرَانِ عَلَيْهِ كَمَلِكٍ مُسْتَعِدٍّ لِلْوَغَى. 25 لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى اللهِ يَدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيرِ تَجَبَّرَ 26 عَادِيًا عَلَيْهِ، مُتَصَلِّبُ الْعُنُقِ بِأَوْقَافِ مَجَانِّهِ مُعَبَّأَةً. 27 لأَنَّهُ قَدْ كَسَا وَجْهَهُ سَمْنًا، وَرَبَّى شَحْمًا عَلَى كِلْيَتَيْهِ، 28 فَيَسْكُنُ مُدُنًا خَرِبَةً، بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ عَتِيدَةً أَنْ تَصِيرَ رُجَمًا. 29 لاَ يَسْتَغْنِي، وَلاَ تَثْبُتُ ثَرْوَتُهُ، وَلاَ يَمْتَدُّ فِي الأَرْضِ مُقْتَنَاهُ. 30 لاَ تَزُولُ عَنْهُ الظُّلْمَةُ. خَرَاعِيبُهُ تُيَبِّسُهَا السُّمُومُ، وَبِنَفْخَةِ فَمِهِ يَزُولُ. 31 لاَ يَتَّكِلْ عَلَى السُّوءِ. يَضِلُّ. لأَنَّ السُّوءَ يَكُونُ أُجْرَتَهُ. 32 قَبْلَ يَوْمِهِ يُتَوَفَّى، وَسَعَفُهُ لاَ يَخْضَرُّ. 33 يُسَاقِطُ كَالْجَفْنَةِ حِصْرِمَهُ، وَيَنْثُرُ كَالزَّيْتُونِ زَهْرُهُ. 34 لأَنَّ جَمَاعَةَ الْفُجَّارِ عَاقِرٌ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ خِيَامَ الرَّشْوَةِ. 35 حَبِلَ شَقَاوَةً وَوَلَدَ إِثْمًا، وَبَطْنُهُ أَنْشَأَ غِشًّا».
تكلم أليفاز بكبرياء معلنا أنه صوت الله، فيقول لأيوب أنه أوصى إليك عن طريقى، فاسمع الآن هذا الوحى؛ لأعلمك ما رأيته. لأن أليفاز يتكلم عن خبراته ويعتبرها حقائق قوية، بل هي صوت الله، وهذا بالطبع كلام غير دقيق، ومملوء كبرياء.
بدأ أليفاز يسرد الأدلة على راحة الأبرار وشقاء ودينونة الأشرار، فقال لأيوب لقد تسلمنا من حكمة القدماء، أي أن ما أقوله أمر مستقر منذ زمن بعيد، وهو أن القدماء الأبرار قد أعطيت لهم الأرض التي نعيش عليها، فكانوا يحيون مسترحين، ولم يستطع أي غريب أن يعبر بينهم، أو يعتدى عليهم، كما اعتدى عليك السبئيون والكلدانيون؛ لأنك شرير، وسلبوا أموالك.
وأوضح أليفاز أن القدماء الأبرار أعطيت لهم الأرض؛ لأنهم أتقياء ولم يعبر، أو يسكن بجوارهم غريب مثلك. ولأنك سلكت في الشر، استحققت هذه النكبات الكثيرة التي أتت عليك.
ولعل أليفاز أعلن أن الأبرار ملكوا الأرض وحدهم، ردًا على كلام أيوب الذي قال "الأرض مسلمة ليد الشرير" (أي 9: 24). وكان أيوب يقصد انتشار الشر وطول أناة الله على الأشرار. فهنا يرد عليه أليفاز أن كلامه خطأ والأرض أعطيت للأبرار، وكلام أليفاز سليم ولكن غير متعارض مع كلام أيوب، فالله يحب الأبرار، ولكن يطيل أناته على الأشرار.
وبهذا أظهر أليفاز الصفة الأولى في الأشرار وهي أن ليس لهم مكان في الأرض؛ لأن للأبرار "وحدهم أعطيت الأرض".
ع20: العالى
: الجبار المتكبر.يستكمل أليفاز كلامه عن صفات الشرير، فيعلن الصفة الثانية وهي أن الشرير "يتلوى كل أيامه"، ولعله يقصد بالشرير أيوب المعذب بالأمراض والنكبات الكثيرة.
ثم يعود فيقول أن الشرير "عالى" وهذه هي الصفة الثالثة. وينسى هذا الشرير أن له "سنين معدودة". فهو هنا يوبخ أيوب أن يتنازل عن كبريائه ويتذكر أن حياته محدودة على الأرض؛ حتى يتوب عن خطاياه.
الصفة الرابعة للشرير هي أنه مرتعب ومضطرب، فهو يشعر بخوف يسمعه بأذنيه، أو يشعر به بقلبه، وحتى لو شعر ببعض السلام، فجأة ينقض عليه من يخرب أملاكه ويستولى عليها. فهو يعزى كل آلام أيوب إلى كونه شريرًا. كما قيل عن قايين، "فعاش في خوف ورعب من كل أحد؛ حتى أعطاه الله علامة لئلا يقتله أحد" (تك 4: 15).
والشرير يحيا في ظلمة الخطية، ولأنه قاتل يتوقع أن يقتله أي إنسان في أي وقت. فهو يعيش في الخطية والاضطراب والخوف الدائم.
ع23:
الصفة الخامسة للشرير هي الفقر والحاجة إلى الطعام الضرورى، أي الخبز ومن أجله يكون "تائه من أجل الخبز"، أي يبحث في أي مكان عن الخبز وعقله منشغل ومملوء همًا؛ لأنه لا يجده وهو في اضطراب وأيضًا ينتظر الظلمة، ولعله يقصد الدينونة المزعجة، حيث ينال جزاءه لأجل شروره الكثيرة. وهو هنا أيضا يقصد أيوب الملقى على الأرض في فقر، بعد أن فقد أمواله وممتلكاته. وهذا منتهى القسوة أن يشمت في إنسان عظيم غنى جدًا، قد حلت به النكبات، ويوبخه على أن كل هذا بسبب شروره الكثيرة.
ع24: الضر
: الضرر. الْوَغَى: الحرب.يواصل اليفاز حديثه عن الشرير وشقائه، فيؤكد أنه منزعج بسبب تسلط الخوف من النكبات التي تأتى عليه. وضيقه من هذه النكبات يتسلط عليه، كملك مستعد للحرب معه وإهلاكه، فهو يكاد يهلك نفسيًا بسبب خوفه وانزعاجه.
: متعديًا متصلب العنق: مقاوم ومعاند
بأوقاف: جمع وقف وهو الإطار الذي يثبت حول الترس
مجانه: جمع مجن وهو الترس. وهو عبارة عن آلة حربية دفاعية على شكل قطعة خشبية، تصنع أحيانا من الجلد، ولها عروة من الخلف يضع فيها الجندى يده، فيستطيع أن يحرك الترس أمام وجهه وكل جسده فيحميه من سهام العدو.
معباة: غليظة وسميكة.
الصفة السادسة التي قالها أليفاز عن الشرير هي كبرياؤه وتطاوله على الله نفسه، فهو قد "مد على الله يده وعلى القدير تجبر" وذلك لأنه عالى (ع 20)، فرفض وصايا الله، وأساء لمن حوله، وهذا دليل على عدم خوفه من الله، فهو يعتدى على وصاياه وعلى أبنائه البشر، وكأنه مطمئن بإحتمائه وراء ترس غليظ قوى. فهو معتمد على قوته ومتحدى لله.
إن الخطاة العاديين يخافون من الله لكثرة خطاياهم، ولكن هذا الشرير متمادى في شره ببجاحه، حتى أنه بكبرياء لا يخاف الله ويتعدى عليه.
ع27:
الصفة السابعة للشرير هي انغماسه في الشهوات والتنعمات لأنه "كسا وجهه سمنا وربى شحمًا على كليتيه" أي أنه انشغل براحة جسده وملذاته. وقد استخدم السمن والشحم للدلالة على الدسم المادي، فهو قد انشغل برفاهية الحياة ومتع نفسه بلذاتها.
ع28: رجمًا:
أكوام من الحجارة تنشأ عند هدم البيوت والأسوار.بعد أن استعرض أليفاز صفات الأشرار يتكلم هنا عن دينونتهم، والمصائب التي تحل بهم. ويبدأ في هذه الآية بذكر أولها وهي الخراب إذ يقول "يسكن مدنًا خربة". أي أن الشرير يخرب بيته ومسكنه قريب من الزوال، إذ يصير رجمة من الحجارة، وهكذا يفقد مكان استقراره بعد خراب مسكنه ومدينته؛ مثل أهل سدوم الذين انغمسوا في الشهوات، فأحرق الله مدينتهم (تك 19: 24).
ع29:
النتيجة السيئة الثانية للشرير هي عدم اكتفائه وعدم قناعته: لأنه "لا يستغنى ولا تثبت ثروته" فهو لا يشعر بالطمأنينة، بل بالحرمان رغم وجود ثروة لديه. ثم من ناحية أخرى يفقد ثروته لعدم شكره لله ولا تزيد ثروته، بل على العكس تزول.
ع30: خراعيب
: أغصان صغيرة.المصيبة الثالثة هي أنه يتعذب فى الظلام، فيقول "لا تزول عنه الظلمة"، فيشعر أن حياته سوداء، يتمرغ في الخطية. وخراعيبه أي ابناؤه يجفون، مثل الأغصان التي سرت فيها السموم والمقصود بالسموم. أنها الخطية التي يحيا فيها أبوهم، فتصل إليهم وتقتلهم. والخلاصة أن الله يبيدهم فجأة، ويفقد الشرير كل ما كان له "وبنفخة فمه يزول" كل هذا كلام يقصد به أليفاز أيوب.
ع31: المصيبة الرابعة هي أن الشرير لا يجد شيئًا يتكل عليه، و"يضل لأن السوء يكون أجرته" أي أنه إن اتكل على ما اقتناه بالظلم والإساءة للآخرين، فلا يسنده، بل يضله ويعانى متاعبًا كثيرة، وتكون نتيجة أعماله، سقوطه في مشاكل سيئة، أي أنه كما أساء لغيره يُساء إليه. وإن كان قد حفر حفرة لأخيه يسقط فيها. فالشرور التي صنعها وظنها تكون سندًا له، تتحول وتصبح فخًا يسقط فيه ويعذبه.
الأوراق البيضاء الجديدة داخل النخلة والتي لم تتحول بعد إلى أغصان خضراء كبيرة.
الجفنة: الكرمة
حصرمه: حبات العنب الصغيرة قبل نضجها ويكون طعمها لاذع.
المصيبة الخامسة التي تصيب الشرير هي أنه يموت صغيرًا قبل أن يكمل أيامه فهو "قبل يومه يتوفى" وإن عاش الشرير عمرًا طويلًا لا يتمتع به؛ لأنه بعيد عن الله، وعلى العكس، إن عاش البار عمرًا قصيرًا تكون أيامه سعيدة، لأنه يحيا الملكوت وهو على الأرض.
ويشبه الشرير بسعف النخل الذي لا ينمو، فيقطع قبل أوانه قبل أن يتحول إلى أغصان خضراء. ويشبهه أيضا بالكرمة التي تتساقط ثمارها، أى حبات العنب وهي صغيرة قبل أن تنضج. ثم يشبهه بتشبيه ثالث، وهو أنه مثل شجرة الزيتون التي يتساقط زهرها قبل أن يتحول إلى ثمار.
والمقصود ليس فقط أن أيوب الشرير يموت قبل أوانه، بل أيضا أن أبناءه قد ماتوا في سن صغيرة.
يستكمل أليفاز كلامه على أن نهاية الأشرار سريعة وصعبة، فيقول إن الأشرار لا يعطيهم الله نسلًا ومن يتقاضون الرشوة يخرب الله مساكنهم، فيفقدون استقرارهم وأمانهم. وما ينتج عن الأشرار سيكون بالطبع شرًا؛ لأنه يفكر في الشر، فأعماله بالطبع تكون شريرة. ويشبه ذلك بامرأة تحبل بالتعب وتلد شرًا، فبطن هذه المرأة لا ينتج عنها إلا أبناء مملوئين غشًا.
فهو هنا يتهم أيوب بالشر، وأن أبناءه تقاضوا الرشوة، وامرأته أيضا تفكر في الشر؛ لذا عاقبهم الله وأهلكهم.
† إن نتيجة الشر هي الهلاك، فلذا ينبغى الابتعاد عما يؤدى للشر، بل على العكس السعى نحو عمل الخير؛ لننال الحياة الأبدية والسعادة التي لا يعبر عنها.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 16 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أيوب 14 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/job/chapter-15.html
تقصير الرابط:
tak.la/wdw6zsz