* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13
الأَصْحَاحُ الثَّانِي
(1) استئذان الشيطان ليضرب أيوب بالمرض (ع1-6)
(2) مرض أيوب ولوم زوجته له (ع7-10)
(3) أصدقاء أيوب يعزّونه (ع11-13)
1 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ. 2 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟» فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنَ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا». 3 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ». 4 فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لأَجْلِ نَفْسِهِ. 5 وَلكِنْ ابْسِطِ الآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». 6 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ».
: عَبَّر الكاتِب بتعبير يفهمه البشر عن سماح الله لأيوب بالتجربة. وبالطبع ليس المقصود انفعال زائد من الله مثل البشر، بل هو تعبير من الكاتب ليفهم القارئ بأسلوب بشرى شدة التجربة. وهي تشبه استخدام كلمة ندم الله (يو3: 10).
سبق شرح هذه الآيات في (أي 1: 6-8) ويضيف هنا مدح الله لأيوب أنه كامل في طرقه وثابت في كماله رغم التجارب الشديدة التي ضربه بها الشيطان، إذ أفقده أبناءه وممتلكاته.
ونرى هنا أيضًا دفاع الله عن أيوب ضد الشيطان في قوله "هيجتنى عليه لأبتلعه بلا سبب"، ويقصد التجارب التي ضربه بها الشيطان، فقد ابتلعت أبناء أيوب وممتلكاته. وهذا معناه أن أيوب لم يخطئ رغم التجارب التي ذكرت في الأصحاح الأول، وقبل الضيقات من يد الله برضا. رغم أن الله يعلم أن داخل أيوب خطية مدفونة، وهي البر الذاتي، والتي من أجلها سمح للشيطان أن يجربه بالضربات السابقة والتالية ولكن محبة الله وأبوته تحاول إظهار محاسن أولاده وتستر على خطاياهم الخفية؛ حتى يتوبوا عنها. فالله يعلن أن الشيطان هيجه على أيوب بلا سبب، ويقصد سببًا ظاهرًا، أي خطية ظاهرة. ولكن في نفس الوقت لا يصح أن يهيج الله على أحد بلا سبب، والحقيقة أنه هاج على أيوب بسبب خفى وهو خطية البر الذاتي. فلأول وهلة يبدو أن الله أخطأ، ولكن حاشا لله، فهو قد هاج على أيوب لينقيه من الكبرياء المختفية داخله، أي أن الله يسمح بالتجربة ويبدو أنه موافق على شر الشيطان، ولكنه يقصد بهذا مصلحة أولاده وخلاصهم.
إن عظمة أيوب تظهر في تمسكه بكماله رغم الضيقات الشديدة، لأن الضيقات تمتحن البشر، فأظهرت هنا عظمة أيوب في تمسكه بالله وخضوعه له.
قول الله للشيطان "هيجتنى عليه" هو فضح للشيطان الشرير الذي يحاول دائمًا الإساءة للبشر، فرغم إجماع الله والبشر، بما فيهم زوجة أيوب التي قدمت له لومًا شديدًا، الكل يشهد بكمال أيوب، ولكن الشيطان وحده هو الذي يرفض أن يعترف بكمال أيوب، وذلك لأن الشيطان شرير.
ع4:
جلد بجلد: مثل شائع قديمًا، إذ كان الصيادون يقايضون التجار فيعطونهم جلود الحيوانات التي اصطادوها؛ ليأخذوا منهم عوضًا عنها طعامًا. والمقصود بتعبير جلد بجلد أن الإنسان يضحى بأى شيء مقابل المحافظة على حياته، فهي أهم شيء عنده.مازال الشيطان يحاول الإساءة إلى الإنسان، فهو يريد أن يسقط أيوب في الخطية، لذا تقدم ببجاحة أمام الله؛ ليشتكى ثانية على أيوب، معلنًا أن خسارة أيوب لأبنائه وممتلكاته غير مهمة. فهو لم يمتدح أيوب، بل انتقل إلى محاولة ضربه ضربة ثانية، فقال لله إن الإنسان يمكن أن يضحى بأى شيء ويحافظ على حياته، فما دام أيوب بصحة جيدة ولم يمسه بأذى في جسده، فلا يتأثر بكل خسارة تمر به، مهما بدت عظيمة مثل خسارة الأبناء، أو الممتلكات.
ع5: بعد هذا استأذن الشيطان الله في ضرب أيوب بالمرض وادعى أن أيوب سيجدف في الحال على الله.
ع6: سمح الله في نهاية الحوار مع الشيطان أن يضرب أيوب بالمرض ولكن بشرط ألا يمس روحه، أو عقله. ويظهر هنا أن الشيطان بلا سلطان على الإنسان، إلا عندما يأذن له الله. فالشيطان سمح له الله أن يضرب أيوب بالمرض بشرط ألا يميته، فيضربه بمرض شديد ولكن يظل عقله واعيًا.
وقد فرح الشيطان بهذا السماح الإلهي له، إذ كان يعلم تأثير الأمراض الجسدية على نفس الإنسان، فعندما تشتد به يضيق جدًا ويصبح من السهل أن يسقط في التجديف، إلا إذا تمسك بالله وطلب معونته.
† إطمئن فإن جميع التجارب التي تمر بك هي لخلاص نفسك ما دمت لست سببًا لها بسبب أخطائك. أطلب معونة الله فيسندك ويحول التجربة لخيرك.
7 فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. 8 فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ. 9 فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!». 10 فَقَالَ لَهَا: «تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟». فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ.
ع7:
هامته: رأسه.أسرع الشيطان ليضرب أيوب بمرض شديد، هو قروح شديدة في جسده كله من باطن قدمه إلى قمة رأسه. وهذه القروح كانت تتميز بما يلي :
مؤلمة جدًا وتثير الجلد، فيحاول الإنسان أن يحك نفسه ليهدئ هذه الإثارة الجلدية، فماذا لو كانت في كل الجسد!
شدة الألم منعت أيوب من الجلوس، أو الوقوف، أو المشى (أي 13: 27) فقيدته تمامًا.
أيضًا سببت القروح - من شدتها - تآكل جلد أيوب وقد يكون لحمه، حتى أن شكل وجهه تغير (ع12) ويظن البعض أن هذه القروح هي المرض الفقاعى (Pemphigus valgaris) وهو عبارة عن فقاقيع تملأ الجسم وتسبب أكلان، وعندما يحكها المريض تسبب قرحًا وآلامًا شديدة.
كانت هذه القروح إذا حكها أيوب تشقق جلده وتسبب له جروحًا.
وإذا التصقت بالتراب والرماد الذي هو نائم عليه، تتقيح ويخرج منها صديد (أي 7: 5).
بل ويخرج منها أيضًا دود (أي 7: 3).
وتسبب أيضًا رائحة كريهة (أي 19: 17).
وكانت تخرج من جسده حرارة شديدة (أي 30: 30).
في النهاية كانت كل هذه الآلام تجعل تنفس أيوب في غاية الصعوبة (أي 7: 15).
سببت كل هذه الآلام أحلامًا مزعجة لأيوب (أي 7: 14).
هذه القروح والآلام جعلت أيوب مثل المسيح مضروبًا من أسفل القدم إلى الرأس؛ كما تنبأ أشعياء (اش1: 6).
ع8: شقفة: قطعة مكسورة من الفخار.
من شدة آلام القروح وإثارتها لجلد أيوب، أخذ شقفة ليحك بها جلده وهو نائم وسط الرماد.
ولعل أيوب من شدة الحرارة الخارجة من جسده والرائحة الكريهة والدود الذي يسرى في جسده مع قوة الآلام فضل أن يخرج من بيته وينام على الأرض في فناء بيته، خاصة وأن نفسه تضايقت جدًا من الآلام؛ حتى أن تنفسه أصبح صعبًا؛ لذا خرج إلى الهواء الطلق لعله يستطيع أن يتنفس قليلًا. فنام وسط الرماد، أي في المكان الذي كانوا يحرقون فيه فضلات بيته، فقد تكون أحن على جسده من الحجارة، أو الرمل الخشن المنتشر في الأرض حول منزله. من كل هذا يظهر مدى تألم أيوب ومعاناته، فقد كانت الضربة صعبة جدًا. وهكذا انحط أيوب إلى التراب والرماد، وترك كل عظمته ومجده، ولم يعد له ممتلكات، وصار كأفقر الفقراء؛ وكانت ضربته الجسدية بلا دواء، أو علاج.
في الترجمة السبعينية لهذه الآية تقول أن أيوب نام فوق مزبلة، أي أن هذه القمامة التي يخرجونها من بيت أيوب - كما ذكرنا - كانوا يحرقونها وينتج عنها هذا الرماد الذي نام عليه أيوب. وهذا يظهر أيضًا أن أيوب صار حقيرًا، حتى أنه نام في المزبلة والرماد والتراب. وفقد كرامته حتى ضحك عليه الصغار (أي 19: 18).
ع9: إمرأة أيوب يقول عنها التقليد اليهودي أنها دينة بنت يعقوب. وأيًا كان اسمها لكنها كانت وسيلة جديدة للإساءة إلى أيوب. فلم تشجعه على احتمال التجارب التي مرت به، بل حاولت أن تزيد شكوكه في الله؛ لأن هذه التجارب في نظرها تعلن تخلى الله عنه. فقالت له "أنت متمسك بعد بكمالك !" أي أنه من الغريب أن تظل متمسكًا بالبر؛ لأن الله لم يحمكِ من التجارب، وبكلامها هذا تعلن أمرين:
أن أيوب يسلك بالكمال.
متمسك بالكمال رغم صعوبة التجارب.
وكان في رأيها أن هذا خطأ كبير منه، فالله لا يستحق كل هذه التقوى؛ لأنه ضربه كل هذه الضربات.
دعت أيوب للتجديف على الله بقولها "بارك الله ومت". وكلمة بارك لا تعنى شيئًا حسنًا يقدم لله، بل تعنى جدف على الله ومت. فأنت ماضٍ إلى الموت، فلماذا تظل بارًا، ينبغى أن تجدف على الله، أو تشتمه نتيجة ما صنعه بك. فكلمة بارك تعنى إلعن الله؛ ليسرع بك إلى الموت. فتخلص من آلامك ومعاناتك.
وكلمة بارك مثل ما يتضايق إنسان من آخر، فيقول له "امض مع السلامة" ويقصد به طرده وليس توديعه بسلامة الله.
وكلمة إمرأة أيوب "بارك الله ومت" تعنى أمرين:
تجديف إمرأة أيوب على الله بعد يأسها منه ومن عبادته.
دعوة زوجها للتجديف على الله، فهي عثرة في طريقه وتحاول إبعاده عن الله.
ولعل الشيطان استبقى إمرأة أيوب ولم تمت مثل أولاده؛ لأن الشيطان يعرف أن قلبها يمكن أن يبتعد بسرعة عن الله، فتكون وسيلة لمحاربة أيوب والضغط عليه من أقرب الناس منه؛ حتى يجدف على الله، كما حارب آدم بحواء وأغوته بالأكل من الشجرة (تك3: 6)، وكما حارب المسيح ببطرس، الذي حاول إبعاده عن الصليب (مت16: 23).
وفى الترجمة السبعينية لـ(ع9) نجد شرحًا تفصيليًا أكثر إذ يقول "وإذ عبر وقت طويل، قالت له إمرأته: إلى متى أنت تحتمل قائلًا: ها أنا أنتظر قليلًا متوقعًا الرجاء في خلاصى. أنظر لقد مُحى ذكرك من الأرض، حتى أولادك وبناتك الذين هم آلام طلقى، ومتعب رحمى الذين أنجبتهم بالأحزان باطلًا، وها أنت تجلس لتقضى لياليك في الهواء الطلق وسط فساد الدود، وصرت أنا متجولة وعبدة، انتقل من موضع إلى موضع، ومن بيت إلى بيت، أترقب غروب الشمس كى أستريح من أتعابى وآلامى التي أحدقت بى، قل كلمة ضد الله ومت".
من هذا نرى أن أيوب احتمل المرض لمدة طويلة لا نعرف إذا كانت شهورًا أم سنينًا كثيرة، ولم تعد إمرأته قادرة على احتمال الفقر والاحتقار بعد الغنى والمجد الذي عاشت فيه ومن شدة ضيقها كانت تجول من بيت إلى بيت، أي أن أيوب كان مهملًا ملقى على الأرض بلا مساندة. بل على العكس كانت تقول له قل كلمة ضد الله ومت، أي تستفزه ليلعن الله وييأس من رحمته. وواضح أن هذه الآية وإن كانت موضوعة في أوائل السفر لكنها قد تكون قيلت بعد إصحاحات كثيرة من هذا السفر، أو تكررت مرات كثيرة من بداية السفر حتى نهايته.
ع10: أجاب أيوب إمرأته برفق رغم أن كلامها كان صعبًا ومعثرًا. فلم يتهمها بأنها جاهلة، بل قال لها إن كلامها مثل كلام الجاهلات. وهذا يبين مدى قوة أيوب وضبطه لنفسه، رغم شدة الضيقة، فهو يتكلم بلطف ورفق مع إمرأته، التي كان ينبغى أن تسانده ولكن للأسف صارت معثرة له.
إجابة أيوب تعلن قبول الخير، أي الماديات والأبناء وكل الكرامة وتعنى أيضًا قبوله للشر، أي فقدان كل هذا، بالإضافة إلى الأمراض، فهو لم يحتملها فقط، بل أيضًا قبلها من يد الله.
نلاحظ أن أيوب لم يشر إلى الشيطان؛ لأنه يؤمن بالله ضابط الكل ويثق في أبوته ومحبته، فهو يختار له ما يناسبه من الخير، أو فقدان هذا الخير، أي الشر.
إن عتاب أيوب لامرأته، بأن كلامها يشبه الجاهلات يعنى أنها تعيش في جو روحي وتعرف الله، فلا يصح أن تجدف على الله وتدعو زوجها لذلك. فالبعيدين عن الله هم الجهلاء الذين يجدفون، أما أولاد الله فيفهمون الحق ولا يليق بهم التجديف والإساءة إلى الله.
نلاحظ أيضًا إيمان أيوب، فهو لم ينسب أي خطأ لله، مثل آدم، ولم يقل لله إن المرأة التي أعطيتنى تحاول أن تعثرنى، أو يجدف وينسب الخطأ والسبب لزوجته.
بهذه الكلمات لم يخطئ أيوب إلى الله بشفتيه وإن كان قلبه قد يكون أخطأ وتضايق، كما سيظهر في الأصحاحات التالية.
† تمسك بإيمانك في الضيقة وارفع صلوات كثيرة لله ليثبت إيمانك هذا، فلا يستطيع إبليس أن يصطادك بكلمة، وتنجو من وسائله التي يريد إسقاطك بها، وخاصة كلمات المقربين منك.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
11 فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ أَيُّوبَ الثَّلاَثَةُ بِكُلِّ الشَّرِّ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ، جَاءُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ: أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَأْتُوا لِيَرْثُوا لَهُ وَيُعَزُّوهُ. 12 وَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا، وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ جُبَّتَهُ، وَذَرَّوْا تُرَابًا فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ نَحْوَ السَّمَاءِ، 13 وَقَعَدُوا مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَال، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ كَآبَتَهُ كَانَتْ عَظِيمَةً جِدًّا.
ع11:
أليفاز التيمانى: تيمان هو حفيد عيسو (تك36: 10، 11) وتيمان هي قبيلة تسكن شرق أدوم وتشتهر بالحكمة. وقد كان أليفاز ملكًا عليها.بلدد الشوحى: شوح هو ابن إبراهيم من قطورة (تك25: 2) وقد سكن في الشمال الشرقى من بلاد العرب.
صوفر النعماتى: هو غالبًا صفوا حفيد عيسو (تك36: 11).
هؤلاء الأصدقاء الثلاثة هم ألصق الأصدقاء لأيوب. وكانوا ذوى مراكز كبيرة في مجتمعاتهم تقارب مركز أيوب العظيم؛ لذا فلم يكن هناك مجال للغيرة بينهم. ومن ناحية أخرى عندما رأوا بليته تعاطفوا معه ولم يحتقروه.
وقد أتفقوا فيما بينهم عندما سمعوا بمصائب أيوب أن يلتقوا في وقت واحد، فتواعدوا وذهبوا إليه معًا. ومعنى هذا أنه قد مر وقت لا نعرف مقداره حتى وصل هؤلاء الأصدقاء إلى أيوب.
أتى أصدقاء أيوب من تلقاء أنفسهم ولم يدعهم أحد وهذا يبين محبتهم وصداقتهم لأيوب.
تعاطف هؤلاء الأصدقاء مع أيوب، فأتوا "ليعزوه ويرثوا له" وهذا يبين عمق العلاقة بينهم وبين أيوب.
من الواضح أن الثلاثة أصدقاء من نسل إبراهيم وإن كانوا ليسوا من النسل المقدس، أي من اسحق ويعقوب، فهم وثنيون، لكنهم تميزوا بالحكمة البشرية، كما سيظهر في الأصحاحات التالية. ولكن الحكمة البشرية ضعيفة أمام الحكمة الإلهية.
هناك صديق رابع لم يظهر هنا ولكن سيظهر فيما بعد يسمى أليهو بن برخئيل البوذى، هذا كان أصغر سنًا ويبدو أنه كان يحب مجالسة الشيوخ (أى32: 6)؛ ليتعلم منهم، وكان محبًا لايوب ولم يتكلم إلا بعد انتهاء الأصدقاء من كلامهم - هم وأيوب - وهذا يبين اتضاعه واحترامه للشيوخ.
ع12: جبته: رداؤه الخارجي.
ذروا: نثروا.
وصل الثلاثة أصدقاء، فرأوا أيوب من بعيد نائمًا على الرماد وقد تغير شكل وجهه بسبب تساقط جلده ولحمه، وأيضًا بسبب الكآبة الشديدة التي غطت وجهه، فلم يستطيعوا أن يعرفوه. فحزنوا جدًا عليه وبكوا.
ثم مزقوا ثيابهم وذروا التراب فوق رؤوسهم، وهذه عادات شرقية قديمة لإظهار الحزن الشديد ومشاركة أيوب المتألم آلامه.
ع13: لم يشمئز أصدقاء أيوب من رائحته وشكله، فينصرفوا عنه، ولكنهم على العكس، جلسوا حوله صامتين عاجزين عن التعبير؛ لشدة كآبته.
جلسوا حوله سبعة أيام لا يجدون ما يقولونه، رغم حكمتهم؛ لأن آلامه ومنظره الذي سبق أن وصفناه في (ع7) كانت فوق تخيلهم.
لعل الأصدقاء رأوا أنهم بصمتهم وجلوسهم حوله يعزونه أكثر من كلامهم، فظلوا ساكتين ينظرون إليه بحنان وتعاطف، أي أنهم حيوه وجلسوا صامتين سبعة أيام وسبعة ليالى، وهي فترة تمثل محبتهم الكاملة.
لعلهم إذ رأوا حالته الصعبة استأجروا مكانًا قريبًا أقاموا فيه، ولعلهم أيضًا كانوا يجلسون بالتناوب حوله، فلم يتركوه نهارًا ولا ليلًا لمحبتهم له.
وهكذا نرى الشيطان قد حارب أيوب بأربعة حروب رئيسية في هذين الإصحاحين هي:
الأشرار
الطبيعة
أهل بيته
أصدقاؤه
† جيد أن تتعاطف مع المتألمين، فهذا تشجيع ومساندة لهم، ولكن احرص أن تتكلم بما يناسبهم وتصمت إذا لم تجد كلامًا.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أيوب 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/job/chapter-02.html
تقصير الرابط:
tak.la/373wgad