* تأملات في كتاب
أيوب: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30
الأَصْحَاحُ السَّادِسُ
أصيب أيوب بخيبة أمل عندما تكلم أول أصدقائه وهو أليفاز، إذ لم يجد في كلامه تعاطف معه، أو شعورًا بآلامه، بل على العكس ضغط وظلم. ولعله لاحظ في وجوه باقي الأصدقاء موافقتهم على كلام أليفاز، فازدادت آلامه، وحاول في هذا الإصحاح التعبير عن شدة ضيقته؛ حتى فضل الموت وهو ما زال مؤمنًا بالله على مواصلة احتمال هذه الآلام العنيفة.
(1) أيوب يشتكي من شدة ضيقته (ع1-7)
(2) أيوب يطلب الموت (ع8-13)
(3) ضيق أيوب من ظلم أصدقائه (ع14-30)
1 فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2 «لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ، وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا، 3 لأَنَّهَا الآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لَغَا كَلاَمِي. 4 لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ وَحُمَتَهَا شَارِبَةٌ رُوحِي. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. 5 هَلْ يَنْهَقُ الْفَرَا عَلَى الْعُشْبِ، أَوْ يَخُورُ الثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ 6 هَلْ يُؤْكَلُ الْمَسِيخُ بِلاَ مِلْحٍ، أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ الْبَقْلَةِ؟ 7 مَا عَافَتْ نَفْسِي أَنْ تَمَسَّهَا، هذِه صَارَتْ مِثْلَ خُبْزِيَ الْكَرِيهِ!
: حزنى وغمي.
لغا كلامى: تكلم كلامًا باطلًا.
بدأ أيوب إجابته على أليفاز بإظهار شدة ضيقته، وعبر عنها بأنها إذا وزنت ستظهر ثقيلة جدًا؛ أثقل من رمل البحر. واستخدم تعبير "رمل البحر" لأن عدده كبير جدًا ويصعب حصره وكذلك لأنه ثقيل، ففى هذا يشبه مصيبته.
ومن أجل ثقل مصيبة أيوب يعتذر لأصدقائه إن كان قد صدر منه كلامًا باطلًا، مثل سبه يومه (أي 3). فهو يبين أنه إذا ظهر أن كلامه باطلًا (لغو) فذلك بسبب شدة تجربته. وهو بهذا يستعطف أصدقائه ليشعروا بآلامه العنيفة، فلا يكونون قساة عليه بكلامهم، بل يلتمسون له العذر إذا اشتكى وأظهر عدم احتماله للألم. وهو أيضًا يلومهم أنهم حكموا عليه قبل أن يفحصوا بتدقيق مشكلته. ويطلب منهم أن يقدروا ثقل ووزن مصيبته، حينئذ لن يلوموه.
ع4: حُمتها: سن السهم. وكانوا قديمًا يغمسونه في السم حتى إذا أصاب أحد ولو إصابة خفيفة تقتله.
شاربة روحي: تمتصنى وتهلكنى.
أهوال: مصائب عظيمة.
يؤكد أيوب ثقل مصيبته وأنها لا توزن فهي مثل رمل البحار، فيعلن أن مصيبته هي من الله ويشبه تجربته بأنها سهام صوبها الله نحوه وأطراف هذه السهام قد انغرست فيه وتمتص حياته، كما تمتص الحية دماء من تلدغهم.
ويرى أيوب أن تجاربه أهوال لا تحتمل، وقد وقفت أمامه كمجموعة من الجنود في صف واحد وهجمت عليه فكيف يقاومها؟ لأنها من الله الذي لا يمكن مقاومته. وإن كانت الأهوال من الله فمن أين يطلب تعزيات؟ لأن الله هو مصدر كل تعزية، فليس أمامه إلا أن يئن ويتوجع.
ع5: ينهق: صوت الحمار.
الفرا: الحمار الوحشي.
يخور: يصيح، لأن الخوار هو صوت الثور.
يستعطف أيوب أصدقاءه، فيسألهم هل يصيح الحمار الوحشي رغم توافر العشب أمامه، أم هل يصرخ الثور وأمامه العلف؟! .. بالطبع لا بل هو يصيح ويصرخ إذا لم يجد طعامه. وبالتالي أنا أصرخ من كثرة الأوجاع وليس بدون سبب؛ فلم لا تشعرون بآلامى خاصة وأنى في أيام رخائى لم أتذمر أبدًا. إذًا ؟! أنا اليوم في ضيقة شديدة وأنا إنسان لى مشاعر؛ لذا أصرخ من ضيقى.
ع6، 7: المسيخ: لحم أو فاكهة بلا طعم ومنها الكلمة الشائعة "هذا الطعام ماسخ".
مرق: الماء بعد سلق الأطعمة فيه (شوربة).
البقلة: نبات رخيص يأكله الفقراء من عائلة الملوخية ينمو في القرى ويسمى أيضًا "الرجلة".
عافت: أنفت نفسي ولم تقبل الشئ.
يتساءل أيوب أنه من المعروف أن الأكل الذي بلا طعم مثل المسيخ لابد من وضع ملح عليه، وكذلك مرق نبات البقلة لا يؤكل بدون ملح. وهذه أطعمة رخيصة لم يكن يأكلها أيوب قبلًا، وإن أكلها فلابد وأن يضع ملحًا عليها. أما الآن فلشدة فقره لا يجد ملحًا ليضعه على هذه الأطعمة الرخيصة. وهذا يبين مدى فقر أيوب الذي كان غنيًا جدًا، ومدى معاناته وهو راقد على التراب لا يجد طعامًا ليأكله. وما كان يرفض أكله قديمًا وهو غنى أصبح مضطرًا أن يأكله رغم كراهية نفسه له.
ولعل أيوب بهذه الكلمات يعبر عن حياته التي انحطت جدًا وصارت مثل المسيخ والبقلة التي بلا طعم ولا تجد ملحًا ليوضع عليها.
†
ليتك تشعر بآلام من حولك، فلا توبخهم، بل أسرع أولًا للتعاطف معهم وقدم لهم كلمات مشجعة وعبر عن محبتك لهم بكل طريقة.
8 « يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللهُ رَجَائِي! 9 أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي، وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. 10 فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ، لاَ يُشْفِقُ: أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ. 11 مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ؟ وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ 12 هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ 13 أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي، وَالْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!
يعبر أيوب عن معاناته في ضيقاته والتي يشعر أنها تفوق طاقته، فيتمنى أن ينهى الله حياته ويميته؛ ليتخلص من ضيقاته.
ونرى إيمان أيوب في أنه لم يقدم على الانتحار، ولكن يطلب من الله أن يميته؛ لأنه ينتظر حياة أفضل بعد الموت. فهو ليس يائسًا ولكنه يعانى آلامًا شديدة يريد التخلص منها. وحول معاناته إلى صلاة؛ لأنه تعود العلاقة المستمرة مع الله طوال حياته. فحتى في الضيقة لا يستطيع إلا أن يحدث الله.
ع10: رغم معاناة أيوب وضيقاته وعذابه الشديد وشعوره أن الله لم يشفق عليه وتركه يتألم كل هذه الآلام، كان عزاؤه وفرحه أثناء ضيقاته هو ثباته في الإيمان بالله. وهذا يبين أمرين:
إيمان ِأيوب الثابت طوال عمره.
أن العذابات التي يعانيها -رغم أنها تفوق طاقته- عاجزة عن زحزحة إيمانه.
وعدم جحد أيوب لله يعنى عدم كتمانه لكلامه وهذا يظهر في نواحى كثيرة:
كان أيوب يتحدث عن الله طوال حياته.
عندما دخل في الضيقات استمر يعلن إيمانه وتمجيده لله.
ثباته في إعلان كلام الله للناس مبنى على اهتمامه بإعلان كلام الله لنفسه، أي تمسكه بكلام الله.
وصف أيوب الله بأنه القدوس، وهذا يؤكد أنه لم يجحده ولا وصفه بأى شر، ولكنه يعلن فقط أن معاناته فوق طاقته ويريد التخلص منها بالموت.
ع11، 12: يعبر أيوب عن مدى معاناته وفقدانه الرجاء للتخلص من آلامه، فيبين مدى ضعفه وتألمه من الضيقات التي حلت به؛ حتى أنه أصبح عاجزًا عن الانتظار في هذه الآلام؛ ولذا تمنى الموت.
من ناحية أخرى أنه لا يعرف نهاية لهذه الآلام كما وعده أليفاز (أي 5: 11)، أي أن الآلام مستمرة ولا يعرف متى تنتهي فكيف يستطيع أن يصبر عليها.
ويعبر أيضًا عن عدم احتماله بقوله أن قوته ضعيفة ولا تصل إلى قوة الحجارة التي لا تشعر بآلام قوية وتحتمل الصدمات، أي أن صدمات الضيقات له فوق طاقته. وكذلك ليس لحمه مصنوعًا من النحاس، بل هو لحم بشرى يشعر بالآلام؛ لذا فهو ما زال يتمنى الموت؛ ليضع حدًا لهذه الآلام ويستريح منها. خاصة وأنه كما ذكر ما زال متمسكًا بإيمانه بالله. فهو يريد أن يموت في الإيمان وليس انتحارًا، أو تذمرًا، لأن الآلام فوق طاقته. ونستطيع هنا أن نقول أن معاناته صعبة جدًا ولكنه كان لابد عليه أن ينظر إلى الله ويترجى أن يرفع عنه الآلام؛ لأن الله حنون وقد ظهر حنانه في نهاية السفر (أي 42) عندما رفع آلامه وكافأه مكافآت لم يكن يتخيلها.
ع13: يزيد آلام أيوب أنه لم يعد في داخله قوة لمواجهة الآلام، أي ليست له معونة داخلية ليتغلب على ضيقاته.
ومن ناحية أخرى لا يجد مساعدة خارجية، سواء من الله، أو من أصدقائه، أو زوجته، أو أي إنسان، فهو يشعر بالوحدة والعزلة مما يزيد من آلامه.
†
عندما تشعر بأنك وحيد وليس لك من يشعر بك ثق في وجود شخص لا يمكن أن ينساك ويحبك جدًا وهو الله، وهو قادر أن يسندك ويخرجك من جميع متاعبك.← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
14 « حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ. 15 أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ الْوُدْيَانِ يَعْبُرُونَ، 16 الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ، وَيَخْتَفِي فِيهَا الْجَلِيدُ. 17 إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. 18 يُعَرِّجُ السَّفْرُ عَنْ طَرِيقِهِمْ، يَدْخُلُونَ التِّيهَ فَيَهْلِكُونَ. 19 نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. سَيَّارَةُ سَبَاءٍ رَجَوْهَا. 20 خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. 21 فَالآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. 22 هَلْ قُلْتُ: أَعْطُونِي شَيْئًا، أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ارْشُوا مِنْ أَجْلِي؟ 23 أَوْ نَجُّونِي مِنْ يَدِ الْخَصْمِ، أَوْ مِنْ يَدِ الْعُتَاةِ افْدُونِي؟ 24 عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ، وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. 25 مَا أَشَدَّ الْكَلاَمَ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَمَّا التَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ 26 هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ، وَكَلاَمُ الْيَائِسِ لِلرِّيحِ؟ 27 بَلْ تُلْقُونَ عَلَى الْيَتِيمِ، وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ. 28 وَالآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ، فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ. 29 اِرْجِعُوا. لاَ يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. اِرْجِعُوا أَيْضًا. فِيهِ حَقِّي. 30 هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ، أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَادًا؟
ع14:
المحزون: الإنسان الذي حلت به الأحزان.يعاتب أيوب أصدقاءه ويقول لهم إن الذي تحل به الضيقات وتحزنه، من حقه أن يشعر به أصدقاؤه ويواسونه ويساندونه، حتى لو سقط في خطية إهمال الله والابتعاد عنه، فينبغى أن يلتمسوا له العذر؛ لأنه مضغوط في الضيقات التي حلت به. وإن لم يفعلوا هذا فهم يهملون واجبهم الإنسانى، ولا يخشون الله الذي يوصى بالرحمة والمحبة، خاصة لمن يعانون من ضيقات؛ لأنهم إن لم يتعاطفوا مع المحزون صديقهم، فهم بهذا يدفعونه للتذمر والابتعاد عن الله.
: نهر صغير.
يصف أيوب أصدقاءه بتشبيهات ليعبر عن سلوكهم السئ نحوه، فيناديهم أولًا إخوانى، أي أنكم لستم فقط أصدقائى، بل إخوانى، وبالتالي أنا متوقع منكم محبة وتعاطف كبير.
ثم يصفهم بالغدير، الذي يحول مجراه إلى ناحية أخرى، فمن يريد أن يشرب أو يستقى منه يجده قد ابتعد عنه، أي يغدر بمن يترجاه. هكذا أصدقاء أيوب غدروا به، فبدلًا من أن يشجعوه بدأوا بلومه وتوبيخه، وهو في حالة يرثى لها من كثرة الآلام والضيقات.
ويشبه أيضًا أصدقاءه بساقية الوديان التي تعطى ماءً للوادى لا يلبث أن يجف من الحر، فهو لا يشق له مجرى مستمر ليستقى منه من يريد، بل إن الساقية تنشر الماء في الوادى وسرعان ما يجف. هكذا أصدقاء أيوب يبدو عليهم المحبة في زيارتهم له. ولكن تغير هذا سريعًا عن طريق كلماتهم القاسية.
وهذه الساقية مياهها عكرة من البرد، أي أن مياهها تكون رغاوى، أو فقاقيع فتبدو المياه عكرة؛ لتأثرها ببرودة الجو، إذ يندفع فيها كرات الجليد الصغيرة، فالمنظر نهر يجرى ولكن لا يستطيع أحد أن يشرب منه.
هذه المياه المملوءة بالثلج في الشتاء لا يستطيع أحد أن يشرب منها. وفى الصيف إذا حميت الشمس تجف هذه المياه وبالتالي لا يجد العطشان فيها ماء ليشربه.
والخلاصة أن أيوب يعاتب أصدقاءه بأنهم خادعون، يظهرون أنهم أصدقاء وهم يسيئون إليه بأفكارهم الخاطئة وأحكامهم الظالمة. خاصة وأنهم أظهروا في بداية كلامهم مدحًا له، ثم تحولوا سريعًا إلى كلمات توبيخ كثيرة.
ولعل أيوب شعر أن برودة الجو التي جعلت المياه عكرة تشبه مشاعر أصدقائه التي صارت باردة وعكرة من نحوه ولا تستطيع أن تروى عطشه للحب والتعاطف.
تيماء: كلمة عبرية معناها "الجنوبى" وتطلق على واحة تقع في شمال شبه الجزيرة العربية التي هي جنوب بابل وأشور وفلسطين وبلاد إسرائيل. ويطلق اسم تيماء بالتحديد على القوافل التي تمر بتيماء للتجارة بين بابل ومصر.
سيارة: قافلة تسير في الصحراء.
سبأ: قبائل تعيش في الجنوب الغربي في شبه الجزيرة العربية وهي معروفة الآن ببلاد اليمن.
خزوا: خاب أملهم وانحطوا.
إن القوافل التجارية التي تمر ببلاد تيماء في الصحراء، أو القوافل الآتية من سبأ تعرف أن هناك أنهارًا صغيرة كانت تراها في الشتاء. وعندما يأتي الصيف يبحثون عنها، فلا يجدونها، بل يضلون في الصحراء ويتعرضون للموت عطشًا، ويصيبهم الخجل والخزى، لأنهم لم يجدوا ما أعلنوه؛ وهو وجود مياه في هذه المنطقة.
هذا حدث مع أيوب، إذ توقع مساندة وتعاطف من أصدقائه، فوجد كلامًا قاسيًا وظلمًا بلا سبب.
ومن ناحية أخرى، فأصدقاء أيوب فشلوا في زعزعة إيمانه وتشكيكه في سلوكه المستقيم.
ع21: قال أيوب لأصدقائه قد صرتم مثل القوافل التائهة، بل أكثر من هذا عندما رأيتم ضربتى وكل الآلام التي حلت بى فزعتم وذلك لما يلي:
لصعوبة منظرى وآلامى.
لخوفكم من أن يصيبكم شيئًا من أمراضى إذا اقتربتم إلىَّ
لخشيتكم أن تساندونى بكلام طيب، فتصيروا بهذا ضد الله الذي أعطانى هذه الضربات.
لخوفكم أن أطلب منكم مساعدات من المال وخلافه.
: الأقوياء الجبابرة.
تظهر هاتين الآيتان عفة نفس أيوب، فرغم فقره الشديد وأمراضه الصعبة، لم يطلب مالًا من أحد أصدقائه، أو مساعدة منهم؛ لاستعادة مركزه الاجتماعى. وكذلك لم يُعَرِّض أحدًا منهم للخطر بمحاولة استعادة أملاكه من الذين سلبوه مثل الكلدانيين والسبئيين (أي 1: 15، 17)، أو دفع رشاوى لاستعادة أملاكه.
ع24-26: رغم كل التبريرات التي قدمها أيوب لنفسه ورغم كل الآلام التي يعانى منها، أظهر استعداده أن يتعلم من أصدقائه، بشرط أن يكون كلامهم سليمًا. وهذا يبين ما يلي:
سلامه الداخلي واستعداده أن يسمع آراء أصدقائه فيه رغم آلامه.
اتضاعه، فرغم حكمته المعروفة منذ سنينًا طويلة، فهو مستعد أن يتعلم.
أن كل ما قدموه من أدلة وحجج لإثبات كلامهم كانت ضعيفة.
أن كلامهم الذي ظنوا أنه مستقيم، قدموه بطريقة قاسية، ليس فيها أي تقدير لمعاناته، فزاد توبيخهم من آلامه.
كلامهم أظهر عدم محبتهم له، إذ اصطادوا كلمة من فمه عندما تمنى موته، أو لعن يومه، وبنوا عليها هذه الاتهامات القاسية، ووصفوه بأنه متمادى في الشر، مع أن أي إنسان يعانى من الآلام، أو أي شخص يعانى من اليأس يخرج ما في داخله، ويلتمس له الناس العذر ويتركونه يتكلم ويذهب كلامه مع الريح، ولا يحاسبه أحد، اشفاقًا عليه لما يعانيه.
ع27: عاتب أيضًا أيوب أصدقاءه بأنهم كانوا قساة عليه بكلامهم، رغم أنه كان مثل اليتيم في ضعفه؛ لأنه فقد كل ما كان له، فقد مات أولاده وبالطبع أبوه وأمه وامرأته، أصبحت ضده، ولم يبق له إلا أصدقاؤه ولكنهم هم الذين تخلوا عنه، بل صاروا ضده.
إن أيوب لم يستدعِ أصدقاءه، بل جاءوا إليه من تلقاء أنفسهم. وتوقع أيوب أن يكون مجيئهم لتعزيته، فإذ بهم يحفرون له حفرة؛ ليهلكوه. وهذه الحفرة هي كلامهم القاسى وتصيدهم كلمة من فمه ليوبخوه عليها.
: أنظروا بتدقيق.
واجه أيوب أصدقاءه وطلب منهم أن ينظروا إلى وجهه بفحص واهتمام، لعلهم يلاحظون الآتي:
صدقه وصراحته فيما يقول؛ لأن الكذاب تظهر عليه بعض الملامح التي تظهر كذبه. فلأنه كان صادقًا مع نفسه صار صادقًا مع الآخرين.
آلامه، فيشفقوا عليه.
صبره واحتماله لآلامه الكثيرة، وإن كان قد لعن يوم ميلاده لكنه لم يلعن الله، فقد ظل ثابتًا في إيمانه.
مناداته مرتين لأصدقائه بأن يرجعوا عن آرائهم وحكمهم الظالم عليه، يبين أنه على حق وأنه مظلوم.
أن فمه ما زال قادرًا، تمييز الخير والشر، والفصل بين الكلام السليم والآراء الفاسدة. وأن لسانه لم يظلم أحدًا، بل على العكس هم الذين يظلمونه.
أنه ما زال محتفظًا باتزانه وكماله حتى وإن كان قد تفوه ببعض الكلمات التي تظهر معاناته.
†
إذا قابلتك مصاعب فاطلب معونة الله، فيعطيك أكثر مما تطلب. ولا تضع رجاءك في الآخرين؛ حتى لا تحزن إن قصروا في حقك، أو قدموا مساعدة صغيرة لك. فحينئذ تفيض عليك مراحم الله، وفى نفس الوقت تشكر الآخرين على أية محبة يقدمونها، وتلتمس العذر لهم إن لم يساعدوك.
← تفاسير أصحاحات أيوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أيوب 7 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أيوب 5 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/job/chapter-06.html
تقصير الرابط:
tak.la/s9tz26t