محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
النشيد لسليمان:
الكتاب المقدس المسموع:
استمع لهذا الأصحاح
|
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14
هذا الإصحاح هو إصحاح الخدمة التي أساسها تمتع الخادم بالمسيح. فمن شعر بحلاوة عشرة المسيح لا يستطيع أن يهدأ إن لم يعرفه كل واحد (رو2:9، 3+ 2كو29:11) ومن الناحية الأخرى يرى الآخرين النفس التي تمتعت بالمسيح ويشتَمُّون رائحة المسيح التي فيها فينجذبون للمسيح. ونجد العروس هنا بعد أن تأكدت الألفة بينها وبين عريسها أخذت تفاوضه في أمر أهلها، فأوصته بأختها الصغيرة (كنيسة الأمم غير المؤمنة وهنا نجد [1] العروس تشتاق بالأكثر لعريسها. [2] ولكنها من خلال حبها له أصبحت تفكر في الآخرين.
وبهذا صارت تشبه عريسها الذي أخلى ذاته لينزل إلينا ويفتش علينا.
آية (1): "لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي الرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي، فَأَجِدَكَ فِي الْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ وَلاَ يُخْزُونَنِي."
ليتك كأخٍ لي= إذ كان هذا الإصحاح هو إصحاح الخدمة، نجد أن الخادم عليه أولًا أن يتمتع بمسيحه عريس الكنيسة. وهذا النداء هو نداء كنيسة العهد القديم للرب يسوع ليتجسد. [وَيَكُونَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ] (رو29:8). وهو نفس النداء الذي ردده إشعياء بعد ذلك "ليتك تشق السموات وتنزل" (إش1:64). ولكن العروس هنا زادت عما قاله إشعياء بقولها الرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي وهذه تعادل قولنا في قانون الإيمان تجسد وتأنس.
الراضع ثديي أمي= لقد خاطبها المسيح عدة مرات عبر السفر قائلا لها أختي (نش 4: 9 ، 10 + 5 : 1 ، 2) وهنا بدأت العروس تتساءل متى يتم هذا؟ بدأت العروس تشتاق أن يكون الرب المتجسد شقيقًا لها "بكرا بين إخوة كثيرين". وقد حدث هذا فعلًا وَوُلِد المسيح متجسدًا وصار إنسانًا كاملًا ورضع من العذراء مريم التي صارت أمًا للكنيسة جسد المسيح. وأقبلك ولا يخزونني= فبعد التجسد وبعدما رأيناه من عمل المسيح العجيب دخلنا معه في علاقة حب. والبنت لا يصلح لها أن تقبل غريبًا أمام الناس في الخارج. والآن بعد عمل المسيح صارت الكنيسة كارزة بهذا الحب أمام الجميع الذين في الخارج. فكنيسة العهد القديم كانت كنيسة منغلقة غير كارزة، أما كنيسة العهد الجديد فأعلنت حبها لمن تجسد لأجلها أمام الجميع بدون خزي. حب معلن أمام الجميع في استشهاد قوي وعجيب.
آية (2): "وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي، وَهِيَ تُعَلِّمُنِي، فَأَسْقِيكَ مِنَ الْخَمْرِ الْمَمْزُوجَةِ مِنْ سُلاَفِ رُمَّانِي."
بَيْتَ أُمِّي = بيت أمها = أي الكنيسة فهي مولودة من بطن المعمودية. حقًا ما يفرح المسيح أن تكون علاقتنا معه بحسب ما نتعلمه من عقائد سليمة تعلمها لنا الكنيسة. حبها لعريسها لا ينفصل عن الكنيسة. النفس لا تعرف حبا للمسيح بالانفصال عن الكنيسة أو خارج تعاليم وعقائد وأسرار الكنيسة. وكما قال الآباء من ليست الكنيسة أمه فالله ليس أباه.
فهناك تتعلم (تُعَلِّمُنِي) كيف تقابل حب المسيح بحبها. وهناك تنكشف لها أسراره السماوية. فحين ترد الحب بالحب ، فكأنها تسقي (أَسْقِيكَ) المسيح من خمر حبها ليفرح. وحبها هذا ممزوج بعصير= سلاف رماني= أي استعدادها لبذل حياتها حتى الدم مثله. وإذا كانت ثمارها رمان (نش 13:4) فما يفرح المسيح محبتها الباذلة أي تتشبه به. وهذا ما كان يعنيه الرب حين قال [مَنْ أراد أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا، فَيَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني] (لو14: 27) فمن يتتلمذ على حياة المسيح الذي بذل نفسه على الصليب ، يتشبه به في محبته الباذلة. فهذه هي مدرسة المسيح التي يطلب المسيح أن نكون تلاميذه فيها ، مدرسة الصليب. وما هو الصليب في نظر المسيح؟ حب باذل تجاه البشر حتى آخر قطرة دم.
الآيات (3، 4): "شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي. أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ."
لا تيقظن الحبيب = لماذا تذكر النفس هذا للمرة الثالثة؟ في الأولى (نش 2: 7) نفس تعرفت على المسيح بعد أن كانت مرتبطة بالعالم، وتذوقت طعم الفرح حينما دخلت في علاقة حب مع عريسها. فصارت شهوة قلبها أن تراه هو أيضًا فرحا ولا يزعجه أحد. وفي الثانية (نش 3: 5) نفس كانت قد إختارت المسيح ولكن محبتها أصابها الفتور وهذا يزعج حبيبها المهتم بخلاص نفسها ومع رجوعها لحبيبها عادت فرحتها ، وفي الثالثة هنا هي نفس خادمة تتألم في الخدمة. شماله تحت رأسي= هنا هي متاعب الخدمة ، فهي نزلت لتخدم فواجهتها مشاكل عديدة. ولكن وجدت النفس أن هناك تعزيات في علاقتها الخاصة مع حبيبها = يمينه تعانقني. ومرة أخرى فهي لا تريد أن تزعج حبيبها بمشاكل الخدمة. هي تشتهي أن كل خادم يهتم بأن يمجد المسيح بعمله وخدمته. ولا يزعج المسيح بكبريائه والمشاكل التي يثيرها في الخدمة. وهناك أيضا ما يزعج العريس في الخدمة، أن ييأس خادم من كثرة المشاكل ويترك خدمته ويهرب.
ولو حدث، ولم يكن هناك أغراض شخصية وكبرياء وذات منتفخة لإختفت مشاكل الخدمة. ولو نظر كل خادم وقت المشاكل للمسيح واثقا في تدخله، فالكنيسة كنيسته والأولاد أولاده وهو قوي ولن يترك الخدمة تفشل. هذا هو ما يفرح المسيح حبيبها.
ملحوظة:- ذكرت عبارة شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني مرتين فقط:-
الأولى:- (نش 2: 6) في بداية علاقة النفس بالمسيح، إذ نجد أن عدو الخير يحاول أن يرهبها بالآلام لترتد، ولكن حبيبها لا يتركها بل يحيطها بتعزياته.
الثانية:- (هذه الآية) حدث هذا معها ثانية في بداية خدمتها ليثنيها عن الخدمة، وهنا أيضًا وجدت تعزيات حبيبها المسيح، ليشددها فتستمر في خدمتها.
ولم نسمع في (نش 3: 5) هذه العبارة. فيبدو أن هجمات عدو الخير على النفس قَلَّت بعض الشيء إذ يأس من ارتدادها، وأيضًا قَلَّت التعزيات. وهذا ما قاله بولس الرسول "لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2كو1: 5). ونلاحظ أن التعزيات الإلهية تكثر جدًا في بداية الطريق، فالإيمان ما زال غضًا لم يشتد عوده، والنفس محتاجة للتدعيم بالتعزيات لكي تثبت. وأما النفس الخادمة فهي تعاني من مشاكل لا حصر لها من خطايا المخدومين وارتدادهم... إلخ. ولكن هناك تعزيات تفرح قلب الخادم بتوبة آخرين ونمو إيمانهم، وتكون التعزيات بقدر الآلام.
هذا الإصحاح هو قمة الحب الذي فيه تتلذذ النفس بالآلام لأجل عريسها وأيضًا بتعزياته.
آية (5): "مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ."
من هذه الطالعة = سبق الله وقالها في (نش 6:3) ولكن هنا يقولها العالم الذي رأى فيها جمال عريسها. وتعجب العالم من زهدها في ملذات العالم. ومن كرازتها وشهادتها لمسيحها حتى الموت مستندة على حبيبها. هذه النفس التي إحتقرت العالم وما فيه وإنطلقت تحيا في السماويات كانت سبب فرح للمسيح، وصار إشتياقه لها ولمن يفعل مثلها (نش10:7). وهي أدركت هذا فكان عملها جذب كل نفس لعريسها. وكانت خدمتها في جذب النفوس سبب فرح للمسيح عريسها فقالت تحت شجرة التفاح شوقتك = التفاح قلنا عنه أنه يشير لجسد المسيح الذي أعطاه لنا مأكلاً (ص2) ولذلك شبهت العروس عريسها بالتفاح وسط شجر الوعر (نش 3:2).
فما هي شجرة التفاح؟ هذه هي الكنيسة بأعضائها الذي صار كل واحد منهم عضواً في جسد المسيح، فإذا كان المسيح مشبه بالتفاح فنحن أيضا صرنا نشبهه (غل19:4)، وصرنا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30:5). وكل نفس تدخل للكنيسة سواء بالمعمودية أو بالتوبة بعد ذلك (لأن التوبة معمودية ثانية) تُشَوِّق المسيح لها إذ تصبح تفاحة ثابتة على شجرة التفاح. بالمعمودية نتحد بالمسيح الإبن فنولد أولاداً لله. هو اتخذ له جسداً لأنه كان يشتاق لعروسه، وهو يبذل جسده لكل نفس تائبة تتغذى عليه فهو يُعْطَى لغفران الخطايا ويكون هو حياتها. فالنفس تشوق المسيح بتوبتها وبطهارتها وولادتها الجديدة. والكنيسة تُشَوِّق المسيح العريس بكل تفاحة تثبت في شجرة التفاح.
تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ = هذا عمل الكنيسة عروس المسيح أن تجذب النفوس لتفرح قلب عريسها المسيح. وبسبب التجسد أمكن للكنيسة أن تصبح أماً ولود تلد أولاداً لله. فالمسيح ولد جسدياً لنولد نحن روحياً. الكنيسة ما زالت تقدم كل يوم لله أولاداً، وللمسيح عرائس يخطبهن كعذارى مكرسين أنفسهم له.
شَوَّقْتُكَ = أ) النفس تشوق المسيح بأن تدوس العالم وملذاته وتحيا في السماويات.
ب) بأن تجذب نفوس كثيرة وتثبتها في شجرة التفاح أي الكنيسة جسد المسيح.
شجرة التفاح التي تتكلم هنا هي كنيسة العهد الجديد التي ما زالت تقول مع بولس الرسول "لِأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لِأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ" (2كو2:11). والكنيسة بالمسيح الذي فيها صارت أما ولود. وهي تشوق المسيح بخدمتها التي تجذب نفوسا للمسيح، تدعوهم للإيمان فتخطبهم للمسيح. وتعمدهم فيصيروا أولادا لله. وتدعوهم للتوبة وتغذيهم بجسد المسيح فيثبتوا فيه.
إذاً شجرة التفاح هي الكنيسة، والكنيسة هي جسد المسيح.
لذلك كان لا بُد من التجسد والفداء.
والفداء كان ليدفع المسيح العريس المهر لعروسه بدمه.
هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ ... فلماذا التكرار؟
الخطبة تحتاج لمهر يدفعه العريس. والعريس المسيح دفع دمه مهرا لعروسه.
الفداء تم على مرحلتين :-
1) التجسد وهذا تم بالميلاد من العذراء القديسة مريم.
2) الصليب وهذا تم بيد الأمة اليهودية التي وُلِدَ منها المخلص.
هناك خطبت لك أمك= هناك أي تحت شجرة التفاح. فلم يكن هناك خطبة بين العريس وعروسه إلا على أساس التجسد. ولننظر المهر المدفوع للعروس (نش 11:3) ، فالمهر كان دمه الذي سال بهذا الإكليل والجلدات، وغيره من الطعنات التي طعن بها. بل أن دمه بدأ يسيل من وقت صلاته في بستان جثسيماني إذ كان عرقه دما غطى جسده. هنا الأم هي الشعب اليهودي الذي خرج منه المسيح ثم صلبه، وهي أي الأم بهذا خطبت له كنيسة جديدة لتصير عروسه.
هناك خطبت لك والدتك= والدتك مترجمة "التي حملت بك" أو حملتك. وهي هنا العذراء مريم التي حملت بالمسيح. والروح القدس هيأ جسد المسيح من بطن العذراء ليخطب عروسه الكنيسة ويصبح معها جسدا واحدا ونكون نحن أعضاء جسده.
خطبت لك أمك = الأمة اليهودية ... التي خرج منها المسيح وأمه العذراء ورسله. ثم صلبته ليكون دمه المهر الذي دفعه ليخطب كنيسة العهد الجديد.
خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ = العذراء مريم ... التي هيأ الروح القدس في بطنها جسد المسيح.
خطبت لك = علاقتنا بالمسيح تتم على 3 مراحل:-
1. الخطبة = هي دعوة الكنيسة لنا للإيمان.
2. العرس = بعد العماد يبدأ الإتحاد بالمسيح.
3. الإتحاد الكامل يكون في السماء بعد أن نتخلص من جسد الخطية ونلبس الجسد الممجد فتصير الكنيسة امرأة المسيح (رؤ7:19).
آية (6): "اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ. لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ."
هذه النفس وصلت هنا لأعلى درجات الحب مع المسيح عريسها ، وإنفتحت عيناها وأدركت الثمن المهول الذي دفعه عريسها لمحبته لها ، فتساءلت .. ماذا أقدم له لأفرح قلبه؟ ما يفرح قلبه هو جذب نفوس كل الناس ، فهو لهذا مات وقام فهو يريد أن الجميع يخلصون . إذًا فلأعمل في حقل الخدمة ، لخدمة من أحبهم ومات لأجلهم . وهنا كان تساؤلها الثاني ، وما هي الصورة التي سأقدمها للناس؟ هل هي صورتي أو فلسفتي؟ لا فهذا لن يجذب أحد. لن يجذب أحد إلا صورة المسيح . فصرخت للمسيح قائلة إجعلني كخاتم على قلبك ، والخاتم هو الشمع الأحمر وكانوا يرفعون درجة حرارته حتى يذوب ويضعون عليه الخاتم فتنطبع الصورة على الشمع . إذًا يا رب ضعني على قلبك وبحرارة محبتك النارية التي في قلبك لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ إجعلني أذوب فتنطبع فيَّ صورتك ، وهذه هي التي سأحملها أمام الناس . هذه المحبة النارية في قلب حبيبها وغيرته عليها وعلى كل النفوس التي تخدمها = الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ هي التي إعتمدت عليها النفس في طلبها أن تتشكل كالشمع وتنطبع فيها صورة حبيبها. والهاوية هي المكان الذي يذهب إليه الأموات بعد موتهم، وهذه الهاوية لا تشبع فهي تضم إليها كل يوم الكثيرين (أم30: 15 - 16). وغيرة حبيبها التي كالهاوية لا تشبع بل تود أن تضم كل البشر للخلاص = هذه الغيرة جعلته يموت فعلا من أجل من أحبهم. وهنا كأن العروس تقول ... أنا أعلم محبتك وغيرتك من نحو أحباءك الذين أخدمهم ... فإعطني صورتك لتنجح هذه الخدمة وآتي بهم إليك. وبأي قوة أخدمك وأنا ليس لي قوة؟ إذًا اِجْعَلْنِي.. كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ وبقوة وحرارة الغيرة التي في قلبك إطبع فيَّ قوتك أخدم بها وأنا حاملة لصورتك . القوة الخفية في الخدمة هي قوة المسيح وتظهر في الخادم ، وهذه صورة الخدمة المثالية. ووعد الرب لنا "اسألوا تعطوا" (مت 7: 7؛ لو 11: 9) وهو يعلم أننا [بدونه لن نقدر أن نفعل شيئا] (يو15: 5). وهي تسأل وهي واثقة في أنه في محبته سيعطيها [أَكْثَرَ مِمَّا تَطْلُبُ أَوْ تَفْتَكِر] (أف3: 20).
نجد في هذه الآية أقوى عبارات تُصوِّر حب العروس لعريسها.
إجعلني كخاتم على قلبك= الخاتم يحمله الشخص إما على صدره مُدَلَّى من رقبته، أو هناك من يحب شخص فيضع صورته على صدره أو على ساعده في سوار. والأقرب للتصور، فهناك طريقة قديمة ومازالت مستخدمة، بإذابة الشمع ثم وضع الختم على الشمع المذاب فيتشكل بشكل الختم. وهذه العروس شعرت بمحبة عريسها النارية = لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ.هذه المحبة النارية أيضًا أشعلت حبها وجعلتها تذوب في حب عريسها فتتحد به. والشمع المذاب يتشكل بحسب صورة الختم. ونحن مختومين بختم الروح القدس ليتصور فينا المسيح ونأخذ صورته (2كو21:1، 22+ غل19:4 + أف30:4 + كو3: 10).
وأين تريد أن يضعها حبيبها؟ على قلبه. هي تريد أن تملأ قلب حبيبها كله، فلا يستطيع أحد أن يقترب إليها ويمحو إسمها من أمام وجه الله. والختم عن طريق الشمع الذائب تختم به الأوراق الهامة حتى يظل محتواها سريًا، وهي تريد أن تكون علاقتها بحبيبها سرية لا يعرفها أحد، هو يملأ كل قلبها، وهي تملأ كل قلبه، ولا أحد يعرف هذه العلاقة.
والختم أيضًا يوضع على الأوراق لإثبات صحة الورقة، وبهذه الأوراق تصرف النقود، وكان لكل إنسان في القديم خاتم منقوش عليه صورة خاصة به، ويعلقه دائما معه. ولذلك حين عاد الابن الضال قال أبوه [اجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يديه] (لو 15: 22)، ليكون له سلطان أن يصرف من أموال أبيه ونعم أبيه (المواهب) مرة أخرى. هذه العروس تريد أن تصرف من محبة عريسها (كخاتم على قلبك) ومن قوة عريسها (كخاتم على ساعدك) وقتما تريد.كخاتم على ساعدك = قال الله [نقشتكم على كفي] (إش 49: 16) لإظهار رعايته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن هذه العروس التي اشتعلت حبًا تريد أن تكون في قلبه مركز عواطفه وتأخذ صورته، وليس هذا فقط بل على ساعده مركز العمل لتعمل معه، لا بل بقوته. وإذا فهمنا أن الساعد يشير للمسيح "اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ" (سفر إشعياء 51: 9) نفهم أن النفس تريد إتحادًا كاملًا مع المسيح المتجسد. وهذه الدالة في طلبها نابعة من المحبة القوية كالموت (الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ) = كان أقوى شيء قبل المسيح هو الموت، فأخذ كمثال كأقوى شيء، فكل جبار مهما زادت عظمته وجبروته هُزِمَ أمام الموت. (بعد المسيح تَغَيَّر هذا فقيل "أين شوكتك يا موت"). والعروس هنا تود أن تقول أن محبة عريسها أقوى من الموت، وهذا ما إتضح على الصليب، وهي تعتمد على محبته القوية هذه ليعيد تشكيلها فتصبح على صورته. وهناك من أحب المسيح وصارت له نفس صورة هذه المحبة ونرى هذا في مواكب الشهداء الذين أحبوا الموت حبا في المسيح وفضلوه عن حياتهم. محبة المسيح كانت أقوى من الموت وظهر هذا على الصليب، ومحبة الذين أحبوه كانت أيضًا أقوى من الموت وظهر هذا في الاستشهاد. وهذا نفس ما ردده القديس بولس الرسول (رو8: 38 ، 39) والموت قوي جدًا في التدمير، أما الحب فقوي جدًا في الإنقاذ والخلاص، ولا شيء يوقف أو يبطل هذا الحب. والغيرة قاسية كالهاوية = النفس التي تحب لو شعرت أن حبيبها سيتركها تفضل أن تلقى في الهاوية أو القبر عن أن يتركها. ومن أشعل هذا اللهيب هو الرب= لهيبها لهيب نار لظى الرب وهكذا حل الروح القدس على شكل ألسنة نار وسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). ونرى هذه المحبة النارية أيضًا في قلب الخادم المملوء بالروح الناري تجاه أولاده "من يضعف وأنا لا أضعف ، من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو11: 29) . هذه الآية هي مثال للخدمة المثالية ، أن يحب الخادم المسيح ، ويحمل صورته ومحبته للناس ، فيرى الناس فيه صورة المسيح ، ويعمل بقوته مستندا عليه فيكون آلة بر في يد المسيح (رو6) . العروس في غيرتها القاسية كالهاوية (الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ) تطلب من عريسها أن تأخذ صورته وتعمل بقوته لتجذب له أولادا تخطبهم له، وتشتاق ألا يهلك أحد.
الملخص:- الله محبة (1يو8:4)، ومحبته نارية، فإلهنا نار آكلة (عب29:12). إذاً محبة الله لنا محبة نارية. والروح القدس يسكب محبة الله فينا (رو5:5). والروح يعمل على أن يطبع فينا صورة المسيح (غل19:4). والروح القدس يثبتنا في المسيح (2كو1: 22،21). فتعمل فينا قوة المسيح اللانهائية وتحول الضعف الذي فينا إلى قوة "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لِأَنَّ قُوَّتِي فِي ٱلضَّعْفِ تُكْمَلُ ... لِأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ" (2كو12: 10،9). ويقول الرب يسوع "لأَنَّكُمْ بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو5:15). ويقول القديس بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 13:4).
آية (7): "مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا."
نار المحبة المقدسة هذه تحرق كل خطية داخلها. ومِيَاهٌ = بحر هذا العالم لا تطفئها. مَنْ تذوق محبة المسيح ووجدها أطيب من الخمر (نش2:1) يحتقر أي شهوة عالمية. هذه مثلما قال المسيح [مَنْ وجد اللؤلؤة كثيرة الثمن مضى وباع ما عنده من لآلئ] (مت 13: 46). وكُلَّ ثَرْوَةِ هي ترفضها إن كانت بديلًا عن المحبة. هكذا رفض المسيح كل أمجاد العالم، وهكذا كل نفس أحبت المسيح تحتقر كل شهوات وثروات العالم لأنها تحبه ولا تعوضها ثروات العالم عن محبته. ودعوة المسيح لكل نفس "يا ابني أعطني قلبك" فهو لا يريد المال ولا أي شيء إن لم يسبق الحب كل شيء. فلو أعطت الزوجة لزوجها كل شيء حتى جسدها لكن بدون محبة لما فرح الزوج. والرجل الذي يتزوج بامرأة لأجل مالها يُحْتَقَرْ. المسيح يطلب الحب المتبادل.
آية (8): "لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟"
لنا أخت صغيرة
= قد يكون هذا قول كنيسة العهد القديم إذ إنشغلت بالأمم الوثنيين غير المؤمنين (أي أخذت تفكر في طريقة خلاص نفوسهم وهم ليس لديهم شريعة ولا أنبياء). وقد يكون هذا قول كل نفس أحبت المسيح وتذوقت حلاوة الحب إذ انشغلت بكل من لم يعرف المسيح بعد ولم يتذوق النعمة وليس له ثمر روحي بعد. ليس لها ثديان= ليس للأمم الوثنية ناموس ولا توراة، ليس لهم عهد جديد أو عهد قديم، ليس لهم كلمة الله ولا رؤيا إلهية وهكذا كل نفس لم تتذوق لذة الكتاب المقدس. فماذا نصنع لأختنا في يوم تخطب= أي إذا جاء رسول للمسيح ليخطبها له، كيف ستتعرف عليه؟ فالأخت الكبرى تسند وتصلي للأخت الصغرى التي لم تكتشف الحق الإنجيلي بعد ولم تتعرف على المسيح عريسها. ولعل هذه الآية كانت في فكر مرقس الرسول حينما أتى إلى مصر بعبادتها الوثنية وفلسفتها الوثنية، ما هو المدخل الذي يدخل به لهؤلاء الناس ليكلمهم عن المسيح ويخطبهم عروسا له، وكانت هذه الآية في فكر بولس الرسول حينما وقف أمام فلاسفة الأريوس باغوس في أثينا. ولكن الروح القدس يعطي في تلك الساعة ما نتكلم به. وبولس الرسول يقول لأهل كورنثوس "خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" وكان يشير لدعوتهم للإيمان بكرازته.
آية (9): "إِنْ تَكُنْ سُورًا فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَابًا فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ."
هذه إجابة العريس المطمئنة، ومعنى ما قيل هنا.. لو بدأت النفس تستجيب لعمل الله، وظهرت أي بادرة استجابة واقتنعت النفس بالجهاد لانسكبت نعمة الله بشكل لا يمكن تصوره وساندها الله بعمل إيجابي. والله له وسائله مع كل درجات المؤمنين:-
أ) المبتدئين روحيا وهم نوعان:-
1. مَنْ يقاوم عمل الله كـ:سور يحيط نفسه به رافضا صوت دعوة الله له، ومثل هذا نبني عليه برج فضة لنهزمه بكلمة الله. الفضة ترمز لكلمة الله "كَلَامُ ٱلرَّبِّ كَلَامٌ نَقِيٌّ، كَفِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ" (مز6:12).
2. ومَنْ هو مندمج في العالم يترك عقله مفتوحًا لكل فكر خاطئ أو شهوة خاطئة كباب (بَابًا) مفتوح يسمح لأي شيء أن يدخل منه، وهذا نحصره بقوة المسيح التي تطرد إبليس عنه، نحصره بألواح أرز لحمايته (فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ).
ب) وأما المتقدمين روحياً هناك درجات:-
إن تكن سورًا= إن بدأت كلمة الله تحصرها وبدأت تستجيب للوصايا وتنفصل عن خطايا العالم. نبني عليها برج فضة= الفضة تشير لكلمة الله = يبدأ الروح القدس يعلِّم ويذكر هذه النفس بكلمات الكتاب المقدس = الفضة فتكون لها كبرج عالٍ يكتشف الهجمات الفكرية التي لعدوها إبليس فتجيب إبليس بكلمات الكتاب (الفضة) كما فعل عريسها حين جربه المجرب. وأيضًا تأخذها كلمات الكتاب المقدس للعمق، ومن يدخل للعمق يأتي بصيد كثير (لو5: 4) ، أي ستتحول هذه النفس لكارزة بشهادتها بكلمة الله في العلن. وإن تكن بابًا= بعد الخطوة الأولى صارت بابًا يدخل منه المؤمنون لحب المسيح أو غير المؤمنين للإيمان، لقد شاهد الآخرين فيها تحولًا فسألوها عن سبب الرجاء الذي فيها وصارت معبرًا يعبر الآخرون بواسطتها للمسيح.
فنحصرها بألواح أرز= بعدما صارت بابًا سيهاجمها العدو ويحاربها ولكن الله سيسيج حولها بألواح أرز.
ألواح الأرز = الأرز في علوه يشير للسماويات فهو ينبت على الجبال العالية، وفي رائحته الجميلة يشير لرائحة المسيح الزكية التي تجذب الآخرين. ويشير علو الأرز إلى الأفكار السماوية التي فيها حماية من تفاهة المغريات العالمية. وكما رأينا في (نش 5: 15) أن العريس مشبه بالأرز. فإن فتحت النفس بابها لملذات العالم ومغرياته يضع المسيح نفسه كباب من الأرز ليحمي خرافه من الهروب من الحظيرة، فهو باب الخراف (يو10). حقا هو باب الخراف لكنه لا يمنع الخراف من الخروج بالقوة، فالله خلقنا أحرارا. فإن هاجمت أولاد الله الأفكار المادية يذكرهم بالوعود السماوية والأمجاد المعدة لهم.
آية (10): "أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً."
الكنيسة هنا ترد على عريسها قائلة أنا أعلم أن هذا في استطاعتك فقد أعطيتني أن أكون سور أحمي أولادي داخلي. وثدياي كبرجين= الكتاب المقدس بعهديه ترضع بهما أولادها لتحميهما. والكنيسة التي تطعم أولادها وتحميهم كسور تكون كواجدة سلامة= هي تحيا في سلام وتنشر السلام وسط من حولها. هي وجدت السلام لوجود عريسها ملك السلام فيها وصارت مصدرا للسلام لمن يأتي إليها.
آية (11): "كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ. دَفَعَ الْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ، كُلُّ وَاحِدٍ يُؤَدِّي عَنْ ثَمَرِهِ أَلْفًا مِنَ الْفِضَّةِ."
كان لسليمان كرم في بعل هامون= بعل هامون= زوج شعب كثير. ولذلك تترجم الآية "كان كرم لسليمان كرب جمهور". فالمسيح صار عريس ورب كنيسته. وهو أعطى الكرم لخدام= نواطير= (ناطور من ناظر، أي ينظر ويراقب ويحرس) هو لم يبعه لهم بل سلمهم كرمه ليحرسوه، ويقدموا له الثمار في أوقاتها. ولكنه ما زال كرمه. وعلى الخدام أن يقدموا له ألفًا من الفضة = 1000 يشير للسماويات. إذًا الثمر الذي يطلبه الله من خدامه أن يقدموا له ثمارًا لعملهم، والثمار التي تفرح قلب الله وتشبعه هي النفوس التي آمنت وتابت وصارت نفوسًا سماوية (إش53: 11 + مت21: 18، 19 + يو4: 34). ونلاحظ في (مت21: 18) أن المسيح كان جائعًا ليس للتين بل لإيمان اليهود، شجرة التين في (مت21: 19).
آية (12): "كَرْمِي الَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي. الأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ، وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ الثَّمَرِ."
كرمي الذي لي هو أمامي= هو مازال صاحب الكرم وعينه ما زالت عليه، هو الحارس الحقيقي ويعمل من خلال خدامه الأمناء. ونصيب الرب هو النفوس السماوية التي يأتي بها خدامه. أما عن احتياجاتهم المادية فهو متكفل بها. وراجع تفسير (يو 21: 10،9) فالتلاميذ قال لهم المسيح سأجعلكم صيادي ناس أي خدام تجذبون النفوس لي (مت19:4). فلما قام المسيح وما عادوا يرونه إلاّ قليلًا عادوا لمهنتهم أي صيد السمك كمصدر رزق لهم. ولكن المسيح قال لهم.... لا بل أنا الذي سأطعمكم، ولكن الناس الذين تصطادونهم بكرازتكم هم لي، فالمسيح أخذ منهم الـ(153 سمكة رمز المؤمنين الألف في آية 11) وأعطاهم ما يأكلونه ويتعشون به (السمك والخبز وهنا هي المئتان). وبهذا شرح لهم الرب معنى التكريس - أنتم تتفرغون لخدمتي وأنا متكفل بكل احتياجاتكم.
ونجد نصيب الخدام هنا 200 = 100+100 فما هي هذه المئتان؟
1. يقول رب المجد "كل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل إسمي، يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية" (مت19: 29) فهذا نصيب كل من يترك شيء من أجل الرب.
2. قد تكون 200 هي نصيب خدام العهد القديم 100 + خدام العهد الجديد 100.
3. وهناك تفسير آخر للرقم. فمن يترك فقط، يكون نصيبه 100 ضعف. أما من يترك ويخدم ويأتي بنفوس للرب، يكون نصيبه ضعف من يترك ولا يخدم أي 200 ضعف. وهذه مثل "وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات" (مت5: 19).
4. ولاحظ أن نصيب البكر كان الضعف (تث21: 17)، ونحن في المسيح صرنا "كنيسة أبكار مكتوبين في السماوات" (عب12: 23). وبهذا يصبح رقم 200 هو إشارة ضمنية لميراث السماء والحياة الأبدية بالإضافة للماديات التي يتكفل الله بها لمن يكرس نفسه لخدمته. فمن يخدم المسيح يهتم المسيح بحياته على الأرض، ويكون له أيضًا ميراث سماوي وحياة أبدية بحسب قول الرب يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية.
آية (13): "أَيَّتُهَا الْجَالِسَةُ فِي الْجَنَّاتِ، الأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ، فَأَسْمِعِينِي."
حب العروس لم يعد خفيًا ولا مكتومًا. العريس أتى لها بالسمائيات على الأرض إذ هو [طأطأ السموات ونزل] (مز9:18). وفي فرحها سبحت، والأصحاب السمائيين صاروا يفرحون بصوت تسبحتها والأرضيين يفرحون بصوت كرازتها. فهو يفرح بصوتها والأصحاب يفرحون أيضًا. الجنات = الروح القدس حول الكنيسة إلى جنة مملوءة ثمارا "محبة فرح ..". وبهذا أعاد الروح القدس الكنيسة لما كانت عليه جنة عدن (عَدْنْ كلمة عبرية עֵדֶן تعني فرح). وحيثما إجتمع إثنين أو ثلاثة بإسم المسيح يكون المسيح في وسطهم فيتحول المكان إلى جنة (مز20:18). إذاً هناك جنات في كل مكان.
وماذا كان حال جنة عدن؟ محبة متبادلة بين الله وآدم، فالله محبة، وآدم مخلوق على صورة الله. ونتيجة المحبة كانت حياة آدم كلها فرح (وهذا معنى جنة عدن، بل نقول أنه لهذا خلق الله الإنسان - لكي يفرح). وبعد الفداء أرسل الله الروح القدس وكانت من ثماره "المحبة والفرح .." فأعاد الإنسان لما كان عليه حاله في الجنة.
آية (14): "اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَالظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ الأَيَائِلِ عَلَى جِبَالِ الأَطْيَابِ."
جبال الأطياب= تشير للمكان السماوي الذي فيه المسيح الآن يشفع في عروسه وينتظرها وهي مشتاقة ليوم اللقاء. وفي السماء ما عاد هناك جبال مشعبة ولا جبال نمور وأسود ، فلا تجارب ولا آلام ولا ضيقات ولا حروب من إبليس النجس فأورشليم السماوية لا يدخلها شيء دنس (رؤ21: 27) ، بل فرح لا ينطق به ومجيد = أطياب.
إهرب= جاءت في الإنجليزية make haste بمعنى إهرب سريعا أو أسرع يا حبيبي وتعال في مجيئك الثاني لتأخذني معك وكن كالظبي أو كغفر الأيائل = أسرع وتعال دائِسًا على كل محاربات العدو ضد كنيستك، فأنت حاد البصر كالظبي ترى ما يفعله عدو الخير في كنيستك. وهذا نفس ما رددته النفوس التي تحت المذبح في (رؤ6: 10). وهذه النهاية تشبه "آمين تعال أيها الرب يسوع".
بدأ السفر بقصة حُب بدأها الله تجاه النفس البشرية، ويشرح في الأصحاح الثاني إلى أي مدى يصل هذا الحُب أي للتجسد، ولكن مُشكلة آدم الذي سقط ونسله لن تنتهي بالتجسد، فنحن مازلنا في الجسد في العالم على الجبال المُشعَّبة، وفعلا نجد النفس تسقُط ويُدركها الله فتعود لجمالها المُستمَّد من جمال عريسها بل تصير مُثمرة وخادمة لها ثمر كثير، لكن تعود وتنتفخ فتسقط (ص5) ويعود عريسها لينتشلها وتعود لمحبتها له، وتستعيد صورتها وتحيا في السماويات مُتهللة مُرنِّمة مُسبِّحة مع السمائيين (رقص صفين) ورقص هنا تُشير للتعبير عن الفرح والتسبيح بسبب حياتها السماوية (ص6) وفي (ص7) نرى فرحة العريس بها وبأنها صارت كنيسة واحدة، ويجمع الحُب بين أفراد الكنيسة المُجاهدة والكنيسة المُنتصرة (الجوائز والروافد)، وهذه الوحدة هي هدف المسيح (يو20:17-23) وعبَّر عنها هنا بقوله ما أجمل دوائر فخذيك = أي ترابُط أعضائها بالمحبة (راجع نش 7: 1). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فالكنيستين صارا بيتًا واحدًا.
ثم نصل هُنا لقمَّة العلاقة، إذ تنفتح عينا العروس على محبة الله وتشتهي يوم التجسد لترى المسيح الذي هو رسم جوهر الآب وبهاء مجده (عب3:1)، وترى فيه أي في المسيح صورة أوضح مما عرفته حتى الآن أي قبل التجسد، فيزداد حُبَّها لله ولعمل محبة عريسها وتُريد أن تُعلن عن محبتها أمام الجميع = أقبلك ولا يخزونني، تُفرِّحه بمحبتها = أسقيك من الخمر، وبوحدتها مع كنيسته أدخل بك بيت أُمي بل تتلذذ بالآلام "شماله تحت رأسي" (نش3:8) التي يسمح بها لصالحها إذ أدركت أن ما يسمح به هو لخيرها ولزيادة لمعان إكليلها ولكي تنتصر في حروب الجبال المُشعَّبه، بل تفرح بتعزياته خلال هذه الآلام "وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي" (نش 8: 3)، وهذا معنى قول بولس الرسول "وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ" (في 29:1)، بل أن قول الرسول في هذا الألم أنه هِبَة، هو قول لا يفهمه سوى من أحب فعلًا، إذ يشتهي أن يتألم لأجل من يُحِبَّه، بل هو قمة الحُبْ الحقيقي يظهر فيما قالته العروس بعد ذلك، إذ نجدها تشتهي أن تُقدِّم ذاتها بكليتها لعريسها إعلانًا عن محبتها، ولكن كيف؟، لا شيء يُفرِّح عريسها ويُشْبِعَهُ سوى خلاص نفوس البشر، فمحبته للبشر عجيبة ولا نهائية، وهي في محبتها شابهته فإهتمت بمن لا يعرفونه وتريد أن تعلن لهم مسيحها فيؤمنوا، ويفرح عريسها بإيمانهم، إذًا فلتخدم عريسها في هذا وتجذب له الذين لا يعرفونه الأخت الصغيرة، ولكن كيف تنجح هذه الخدمة؟:
1. أن أذوب فيك فأُعلِن محبتك للناس فيحبونك أنت.
2. وأذوب في قوتك فتكون خدمتي بقوتك وليس بقوتي.
وهذا معنى اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ = أذوب في محبتك النارية فآخذ صورتك فتصير محبتك هي المُعلنة (مثل ما حدث مع الشهداء)، وكَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ = أذوب وأعمل بقوتك.
وهنا نفهم معنى الغيرة قاسية كالهاوية بطريقة أخرى، فهي حين ذابت في محبة الله صارت تغير على البشر، كما قال بولس الرسول "مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟" (2كو29:11). وما يُساعدها على نجاح خدمتها السلام الذي يملأها فصارت عينيها "كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ" (نش4:7) وهي تعرف قوة عمل عريسها من خبرتها هي نفسها معه. فهي في محبتها انفتحت عيناها فأدركت أن كل ما هي فيه هو عمله هو وحمايته هو لها (نش10:8). وينتهي السفر بإعلان شهوة النفس للقاء عريسها عيانًا في الأبدية.
هذا السفر يُلخِّصه بولس الرسول في مبدأين:
1. "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا" (2كو14:5).
2. "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟" (رو35:8).
وهذا ما سبق إشعياء وتنبأ عنه قائلًا "غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ.. لَيْتَ عَلَيَّ الشَّوْكَ" (إش2:27-5).
ويضيف إشعياء إذ فَهِم حُبْ المسيح وشهوته للصلب لأجل عروسه "لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ"(إش1:64).
حُبْ العريس وشهوته للتجسد والصلب ليَمْسِك بعروسه ويُخلِّصها عبَّر عنها بولس الرسول قائلًا "لأَنَّهُ حَقًّا لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ" (عب16:2).
وحُب العروس مُتَمثِّل في الاهتمام بالآخرين إتضح من نهاية الأصحاح السابع بتقديم ذاتها بالكامل لعريسها "أَنَا لِحَبِيبِي وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ" (نش10:7)، والتعبير العملي عن هذا الحُبْ ظهر فورًا في نفس الآية إذ قالت "تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ" (نش11:7)، فهي لا تستطيع الخدمة بدونه = "لِنَنْظُرَ هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟" (نش12:7)، والكرم هو الكنيسة.
كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ = الروح القدس أشعل محبة المسيح فيها فصارت محبة تذوب في حب عريسها، وهذا ما طبَّقه تمامًا أباؤنا الشهداء فأعلنوا محبة المسيح من خلال محبتهم هُمْ التي ظهرت في احتمالهم للألام حتى الموت، فآمن الكثيرون وإنتشرت المسيحية، "لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ" (نش6:8).
فالموت عدو قوي لم يقف أمامه أحد، لكن المحبة ظهرت أنها أقوى، بل هي تدفع للموت في سبيل من تُحِّبْ لكي تُنقِذه وهذا ما فعله المسيح لعروسه، وهكذا فعل الشهداء إذ ماتوا وانتصروا على الموت بمحبتهم لعريسهم وصارت لهم حياة أبدية.
← تفاسير أصحاحات نشيد: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
دراسة في كتاب النشيد |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير نشيد الأنشاد 7 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/cbg4446