محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
لوقا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
الآيات (1-8): "وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ، قِائِلًا: «كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي! وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي!». وَقَالَ الرَّبُّ: «اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟»"
بعد أن أعطى السيد علامات مجيئه الثاني، وأن هناك ضيق شديد سيصاحب هذه الأيام. نجده هنا يشرح الطريق الذي ينبغي أن نسلكه حتى نحيا السمائيات على الأرض. وهذا الطريق هو الصلاة بلا ملل ليكون لنا صلة بالله = ينبغي أن يُصلَّى في كل حين ولا يُمَلَّ= هذا هو السهر المطلوب. ما معنى الصلاة كل حين؟ وما معنى صلوا بلا انقطاع (1تس17:5)؟ لاحظ فهناك 7 صلوات أجبية، وعند الشروع في عمل يجب أن نصلي، في أوقات الفرح أو في أوقات الحزن يجب أن نصلي، في الضيق أو التجارب، في الشكوك أو الاضطهادات يجب أن نلجأ لله. هناك من يردد صلاة يسوع بقلبه بعد أن بدأ بلسانه، وهناك من يردد مزاميره متأملًا فيها. هذه الصلة وهذا الاتصال بالله يحمينا من كل محاولات إبليس ضدنا. إبليس إن وَجَدَ إنسانًا في حالة صلاة لا يستطيع معه شيء. والصلاة هي التي تعطينا تعزية وقت الضيق، وتعطينا ثباتًا وقت الفرح، حتى لا ننجرف وراء أهوائنا وننسى الله.
أرملة= أي في حالة ضعف فقد فقدت سندها وأضحت عرضة للجور والمعنى أن نصلي ونحن شاعرين بضعف حالنا وأنه لا قوة لنا ولا سند سوى الله. وإن كان القاضي الظالم قد استجاب لها فكم بالأولى الله القاضي العادل أبي الأنوار، ولكن لنتعلم من هذه الأرملة إصرارها في الطلب ولجاجتها.
إنصفني من خصمي= خصمها هو إبليس وشهوات جسدنا والعالم (رو23:7). والله سينصفنا ويجعلنا ندوسه لو كنا في حالة صلة مع الله مستمرة بالصلاة. فتقمعني= هي نفس كلمة أقمع جسدي وأستعبده (1كو27:9). والقمع هو الضرب بقبضة اليد تحت العين. والصورة استعارية تشبيهية بطبيعة الحال، وكأنما القاضي يقول لئلاَّ تأتي عليَّ بتوسلاتها مرة بعد مرة، وهذا بالنسبة له كأنه قمع.
وهو متمهل عليهم.. ينصفهم سريعًا= متمهل عكس سريعًا. ولكن هذا بالمفهوم البشري الزمني. فالإنسان إذ يريد حل مشكلته الآن، يريد حلها الآن وليس بعد ساعة. والله يتمنى أن يستجيب فورا ليفرح أولاده باستجابته، لكن هناك وقت مناسب لكل شيء، لذلك فالله يستجيب في الوقت الذي يراه أنه الوقت المناسب. لذلك يتصور الإنسان أن الله متمهل إذ يطيل أناته، ولكن الله استجاب الصلاة منذ بدايتها. الله لا زمني، وهو أصدر أحكامه أزليًا وحكمه ثابت. فلنصلي والاستجابة ستأتي ولكنها ستأتي في الوقت المناسب، وحتى تأتي الاستجابة يملأنا الله عزاء وسلامًا وراحة حتى وإن لم تحل المشكلة زمنيًا. الله يستجيب في الوقت الذي يراه مناسبًا (2بط9:3+ 2بط15:3). وقد يتركنا فترة نتنقى فيها كالذهب في البوتقة وحوله النيران، وهو يستجيب حين نتنقى وليس قبل ذلك. والمسيح هنا يكشف عن أهمية الإلحاح في الصلاة، ليس لأن الله قاضي ظالم لا يسمع من أول مرة، ولكن [1] حتى نتعزى فنصبر [2] لكي نتنقى من حب الخطية الذي كان مغروسًا فينا [3] الله يستجيب في الوقت المناسب، ونحن محتاجين للصلاة لنشعر بوجود الله جانبنا [4] مسرة الله أن يسمع إلحاح شعبه وهذا يعلن عن إيمانهم. فهم يصلون بثقة ودليل ذلك إلحاحهم وهذا دليل على إيمانهم. ولكن الإيمان معرض لأن ينطفئ. وكثرة الصلاة تقوي الإيمان. فلكي لا يضعف الإيمان وقت التجربة علينا أن نصلي بلا ملل "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (لو46:22) والتجربة هنا هي ترك الإيمان + (لو31:22-32) [5] في الوقت المناسب يعطينا الله أكثر مما طلبنا وأكثر ممّا نظن أو نفتكر أو نطلب (أف20:3). ولكن ضعف المحبة لله تجعلنا نتشكك في استجابة الله لنا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). [6] الله يطيل أناته علينا، لأنه كلما نطيل صلواتنا، فنحن نقف أمام الله وقتًا أطول فيه يتم إصلاح الداخل والشفاء الداخلي ونشعر بضعفنا واحتياجنا لله، وأن الله إله قدير يعطيني ما هو خير لنفسي فيمتلئ القلب سلام حتى في وسط التجربة. وتتحول الصلاة من الشكوى إلى التسبيح ومن الصلاة بإحساس بالألم إلى صلاة فيها دالة.
لاحظ أن السيد قال هذا بعد أن أعلن عن علامات مجيئه، وأن الخطايا ستزداد على الأرض "لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت12:24)
وهنا يقول متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض لذلك يوصي السيد بأن نصلي دائمًا بلا ملل فالأعداء كثيرين فهناك أعداء خارجيين وشياطين، وأضداد للمسيح كثيرين، وهناك في داخلنا شهواتنا وخطايانا. والسيد يعلن أن من يسقط هم كثيرين وهؤلاء ستبرد محبتهم، حتى يكاد الإيمان أن يختفي.. إذًا فلنصلي ولنذكر أن الله يستجيب دائمًا لصلوات أولاده ولكن هناك ثلاث طرق للاستجابة: [1] يستجيب فورًا [2] يستجيب بعد وقت وفي الوقت المناسب [3] لا يستجيب لطلبتنا فهي ليست في صالحنا (كما رفض طلبة بولس حينما طلب الشفاء).
حينما تواجهنا مشكلة إمّا أن [1] نصلي فتنفتح الأعين ونعرف الله فيزداد الإيمان. [2] نلجأ للملذات العالمية الحسية حتى ننسى المشكلة (وهذه هي اللغة الحالية) ولأن اجتماعات الصلاة اختفت ولجأ الإنسان للملذات الحسية ينسى بها مشاكله قال السيد المسيح أنه لن يجد الإيمان على الأرض.
ما بين مَثَليّ صديق نصف الليل (لو11: 5) وقاضي الظلم هنا قرابة، فكلاهما يتكلم عن الإلحاح في الصلاة والطلب. ولكن هناك فارق مهم بينهما. فمثل صديق نصف الليل يحدثنا عن إنسان يُلِّح في طلبه لأن له احتياج. أما مثل قاضي الظلم فيشير لاستعدادنا الدائم واستعداد الكنيسة كلها وسط ضيقات هذا العالم بالصلاة، حتى المجيء الثاني للمسيح. مثل قاضي الظلم يحدثنا عن الصلاة واللجاجة وعدم إستجابة الله الفورية والإستجابة في النهاية. ولاحظ المناسبة التي قيل فيها المثل، فالمثل جاء بعد أن أجاب الرب على سؤال الفريسيين "متى يأتي ملكوت الله" (لو17: 20) ثم تعليمه لتلاميذه بأن يصلوا كل حين بلا ملل (لو18: 1). وختم الرب المثل بكلامه عن نهاية الزمان ومجيئه الثاني وقال "متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد الإيمان على الأرض" (لو18: 8).
الله لا يستجيب للكنيسة وسط ضيقات العالم وإضطهاده لها بسبب لجاجتها في الصلاة، وكأن الله يستجيب للأرملة فقط بسبب لجاجتها. أو كأن الله لا يسمع لنا إن لم نلح في الطلب وهذا خطأ. والصحيح أن الله يستجيب للمرأة بسبب أن قضيتها عادلة (المرأة هنا تمثل الكنيسة ونفهم هذا بما قاله الرب وأنهى به مثل قاضي الظلم متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد الإيمان على الأرض). لجاجة الكنيسة ليست السبب في الإستجابة، ولكن ثقتها في عدالة طلبها يجعلها تستمر في الصلاة، حتى بالرغم من أن كل الظروف المحيطة تدعو لليأس، بل أن الله يتأخر في الإستجابة. ويجب أن نثق أنه إن كان قاضي الظلم إستجاب فكم بالحري الله الذي يحفظنا في قلبه نحن خاصته، وهو القاضي العادل الذي من المؤكد أنه يستجيب حتى لو تأخرت الإستجابة. والقاضي العادل لن يغير قراره مخلوق أيا كان. إذًا الصلاة والاستمرار فيها بلا فتور هي لنا وليست لتغيير قرار الله. الصلاة هي إعداد لنا لملكوت الله. لذلك بدأ الرب كلامه مع تلاميذه في (لو 18: 1) أنه ينبغي أن يُصَلَّى كل حين، وهنا نرى الفرق بين مثليّ قاضي الظلم حيث يطلب الرب منا أن نصلى كل حين، وصديق نصف الليل الذي يطلب الرب فيه أن نصلى بلجاجة عندما يكون لنا حاجة. الله يريد من الكنيسة أن لا تكف عن الصلاة حتى لو تأخر في إستجابته، ومهما تأخر مجيئه الثاني ليأخذنا إلى المجد. والرب يتأخر في مجيئه ليكمل عدد الكنيسة. الرب يريدنا أن نتشبه بهذه المرأة التي كانت تأتي باستمرار وربما كل يوم مرات ومرات. إذًا الصلاة ليست ليستجيب الله بل لنكون نحن كاملين ومستعدين. وإذا حدث ولم تستمع الكنيسة لهذه النصيحة من رب المجد وتستمر في الصلاة فالنتيجة التي رآها رب المجد مقدمًا بجد محزنة "ألعله يجد الإيمان على الأرض" فالمقاومين وأعداء الكنيسة كثيرين وأشداء ولا يكفوا عن الهجوم على الكنيسة. وإن إمتنعنا عن الصلاة بروح اليأس نضعف وتفتر محبتنا والنتيجة المحزنة أن ينتهي الإيمان من الأرض بعد كل ما عمله المسيح. أما الصلاة فهي دعامتنا وسط هذه الحروب وبها نثبت، بل تكون هذه الحروب وثباتنا فيها سببا لانتشار الإيمان كما حدث في الكنيسة الأولى.
وهناك سؤال يبدو أنه منطقي -لماذا يضرب الرب مثلا لقاضي ظالم ليشير لاستجابته لنا؟ أو كيف يكون مثل قاضي الظلم صالح لتوضيح حقيقة عدل الله؟ في الحقيقة يجب أن نفهم أن هذا أسلوب عبراني في الكلام- ولاحظ أسلوب المثل "فإني لأجل أن هذه المرأة تزعجني، أنصفها - "أفلا ينصف الله مختاريه". وهذا أسلوب عبراني شائع تجده على كل صفحة من كتابات الربيين اليهود، ويسمونه الخفيف والثقيل، أو من الأصغر إلى الأكبر. مثال "إذا كان الخاطئ أخذ كذا أفلا يحصل البار على أكثر". واستخدم هذا في الناموس 10 مرات (مثلا تك42: 8 | خر6: 9 ، 12 + عد12: 14 ..). فيكون معنى المثل إن كان القاضي الظالم قد أنصف الأرملة، أفلا ينصف المسيح القاضي العادل كنيسته التي أحبها. وهنا يشبه الكنيسة بأرملة، إذ هكذا تبدو لمن يضطهدونها ويظلمونها في هذا العالم. [وعلى الكنيسة أن تلجأ لله بالصلاة المستمرة وفي التصاقها بالله تجد القوة فتتشدد وتثبت.]
القاضي الظالم :- هناك نوعين من القضاة عند اليهود. القضاة الرسميين اليهود، وقضاة محليين للتحكيم في المنازعات يعينهم هيرودس أو الرومان لحل المنازعات البسيطة. وهؤلاء كانوا لمنع الجرائم. وهؤلاء هاجمهم التلمود ووصفهم بالجهل والطمع وأنهم يحرفون حكمهم بسبب وليمة لحم. وبينما كان القضاة الرسميين لهم أيام ومواعيد للحكم في القضايا ولا يتقاضون مرتبات بل يعملون كمتبرعين، كان عمل هؤلاء القضاة المحليين مستمر طول الوقت ولا يعملون عملا آخر وبالتالي كانوا يتقاضون أجورا عالية من خزانة الهيكل. ولذلك كرههم اليهود وتلاعبوا بالألفاظ فأطلقوا عليهم "قضاة السرقة" بدلا من "قضاة المنع أو قضاة العقوبة" والتلاعب في حرف واحد. ومثل الرب يسوع عن قاضي الظلم كان يقصد به واحد من هؤلاء.
هذه الأرملة تزعجني = هذا نفهمه من أن المرأة تذهب إليه وتقرع بابه لينصفها ليلا ونهارا، وهذا يفسره أنه ليس من القضاة الرسميين الذين لهم مواعيد محددة، بل هو من القضاة المحليين، وهؤلاء يمكن أن تذهب لهم أي وقت طوال اليوم. وهذا ما يريده منا الرب يسوع، أن لا نكف عن الصلاة فلا ننهار أمام ضيقات واضطهاد هذا العالم.
الآيات (9-14): "وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرِينَ هذَا الْمَثَلَ: «إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلًا: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ. أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ»."
فيما سبق رأينا الصلاة بلا انقطاع لنحيا في السماء، وهنا نرى كيف نتحول إلى السماء. وذلك بأن يسكن الله في داخلي كيف؟ وذلك بالانسحاق فالله يسكن عند المنسحق (إش15:57)
في الآيات السابقة رأينا أهمية الصلاة بلا ملل وبلجاجة، وهنا نرى شرطًا آخر لتكون صلواتنا مقبولة، وهو أن نصلي ونحن شاعرين أننا لا نستحق شيئًا، نشعر بخطايانا أنها السبب في أننا لا نستحق شيئًا. الشعور بأننا خطاة لا نستحق شيئًا، ونقف لا نطلب شيء سوى مراحم الله "
اللهم ارحمني أنا الخاطئ" هو الطريق المقبول للحصول على مراحم الله. وهذا هو نفس الدرس الذي أخذناه من قصة المرأة الخاطئة التي بللت قدمي السيد بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها فهي قد حصلت على الخلاص وعلى غفران خطاياها بينما لم يحصل الفريسي الذي استضاف الرب في بيته عليهما، فمن يقترب من المسيح شاعرًا باحتياجه للمسيح ليغفر ويرحم، شاعرًا بخطاياه التي تجعله غير مستحق لشيء، صارخًا طالبًا الرحمة، فهذا يخلص (لو36:7-50) ومن صلاة هذا العشار تعلمت الكنيسة صلاة يسوع التي نرددها "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" وأيضًا في كل صلوات الكنيسة نردد صلاة "يا رب ارحم". نرى في هذا المثل أن كل من يتكل على بره يسقط ومن يتكل على بر المسيح شاعرًا بخطاياه يتبرر = إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ. ولاحظ أن كل من يتكل على بره يرى في نفسه كل الحسنات ولا يرى في غيره سوى السيئات (رؤ17:3-19).علينا أن نحمل روح الاتضاع فينا، أي [1] نشعر بأننا لا شيء بسبب خطايانا [2] نشعر بأننا بالمسيح فقط تغفر خطايانا فنشكره ونسبحه العمر كله. ولاحظ قبول العشار مع أنه خاطئ ولكنه متضع شاعر بخطيته، وعدم قبول الفريسي مع أنه يدفع عشوره ويصوم مرتين، فقد كان الفريسيون يصومون يومي الاثنين والخميس. لقد انتزعت من العشار شروره، إذ انتزعت عنه أم كل الشرور، أي المجد الباطل والكبرياء. فالمتكبر يسهل وقوعه في إدانة الآخرين بل في أي خطية. ونلاحظ أن صلاة الفريسي كانت تدور حول محور واحد وهو الذات. فكانت صلاته عن نفسه وعنها وإليها فكلمة أنا هي محور صلاته، حتى شكره لله كانت تهنئة لنفسه على بره وأنه أفضل من الآخرين. فلننظر لأنفسنا أننا آخر الكل ولو كنا قد بلغنا قمة الفضيلة. فالكبرياء قادر أن يسقط حتى السمائيين، بينما أن الاتضاع يرفع من هاوية الخطايا. ولاحظ أنه ربما كان الفريسي حين صلَّى كان محقًا فيما قاله وأنه لم يكذب، ولكن الله لا يريد أن نذكره بفضائلنا فهو يعرفها بل لنذكر له خطايانا لكي يرحمنا. لاحظ قول الرب لملاك كنيسة أفسس "أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك.." (رؤ2:2-3) أي لا داعي أن تذكرني بأعمالك فأنا أعرفها. لا داعي أن نقف أمام الله ونضع الأكاليل على رؤوسنا، بل ننتظر الحكم من الله، بل نردد مع داود "خطيتي أمامي في كل حين" ومن يذكر خطاياه ويتضع ينساها له الله.
عمومًا ما يجعل الإنسان ينساق وراء فكر الكبرياء، هو أن تكون له مواهب كثيرة ولكن فلنفكر هكذا [1] كل عطية صالحة هي من عند الله (يع17:1) إذًا فلنشكر على ما عندنا فهو ليس من عندياتنا؛ [2] كل المواهب التي لي هي وزنات، وبقدر ما عندي من مواهب ووزنات، فأنا مطالب بأكثر فلنطلب الرحمة إذا اكتشفنا أن لنا مواهب كثيرة.
الفريسي والعشار:- بينما نجد في المثل السابق قاضٍ ظالم غير بار، نجد هنا نوع آخر من المرفوضين من الله هو هذا الفريسي الذي يشعر بالبر الذاتي في كبرياء، يشعر أنه في عزلة عن الناس الأشرار مثل هؤلاء العشارين، بل هو يحتقرهم (فريسي تعني معزول مفروز عن الناس). الفريسي والعشار الذين دخلوا من باب واحد إلى الهيكل يمثلون النقيضين من المجتمع اليهودي من الناحية الدينية. الفريسيين الشاعرين بنقاوتهم فهم لا يأكلون إلا مما دفعوا عشوره، ولا يأكلون مع هؤلاء الرعاع الخطاة إذ أنهم لم يهتموا بدفع عشورهم. ويشكرون الله أنه جعلهم لا يأكلون مع هؤلاء الذين لا يدفعون عشورهم بل عزلوا أنفسهم عنهم. والنقيض الآخر هم الذين يشعرون بخطاياهم ويقفون أيضًا بمعزل إذ أنهم يشعرون بأنهم غير مستحقين للوقوف مع باقي المصلين الأبرار. وبينما يصلي الفريسي صلاة شكر لأنه ليس من الخطاة مثل العشار لا يطلب العشار سوى رحمة الله إذ أنه غير مستحق لطلب أي شيء آخر. لاحظ أن الفريسي لا يشكر الله على ما أعطاه له، لكن يشكر الله على أنه ليس خاطئا مثل العشار الذي يصلي بجانبه. وأن هذا العشار يخطئ في كذا وكذا. ويشكر الله على أنه عزله عن أمثال هؤلاء الخطاة. وهذه ليست صلاة شكر بل هي كبرياء وانتفاخ باطل وإحتقار لباقي الناس. والمثل الذي قاله الرب هنا عن الفريسيين ليس بعيدا عما كان يحدث فعلا. فمن أمثلة صلوات الفريسيين المسجلة:- *من الصلوات الصباحية "أشكرك يا رب ملك العالم لأنك لم تجعلني أممي (وثني) ولا عبد ولا امرأة". *أشكرك يا رب يا إلهي أنك جعلتني أجلس مع هؤلاء الجالسين في الأكاديمية (أي المتعلمين الناموس، فغير المتعلمين هم رعاع لا يمكن أن يكونوا أتقياء) ولست مثل هؤلاء الجالسين في زوايا الشوارع يجمعون الأموال ويتاجرون. فأنا أستيقظ مبكرا وهم يستيقظون مبكرا، ولكن أنا أستيقظ وأذهب لدراسة كلمة الله، أما هم فيذهبون إلى أشياء باطلة. أنا أعمل وهم يعملون، لكن أنا أعمل لأجل المكافأة أما هم فلا مكافأة لهم. أنا أجري وهم يجرون، لكن أنا أجري لأحصل على الحياة الأبدية لكن هم يجرون إلى حفرة الهلاك. *أشكرك أيها الرب إلهي لأنك لم تخلقني في المدن الكبيرة مثل روما التي يعيش سكانها على السرقة والنجاسة والباطل والحلف بالكذب.
أما العشار فوقف ناظرا للأرض شاعرا بعدم الاستحقاق أن يقف مع شعب الله، لا يطلب سوى الرحمة، شاعرا أنه وحده الخاطئ أما بقية الناس حوله هم أبرار [هكذا شعر بولس الرسول فقال "الخطاة الذين أولهم أنا" أما قبل المسيحية يقول بولس الرسول "من جهة الناموس فريسي ... من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم"]. وأخذ العشار ما طلبه أي مراحم الله. أما الفريسي لم يحصل عليها فهو لم يطلبها إذ يشعر أنه غير محتاج إليها لأنه بار. [لاحظ صلوات كنيستنا القبطية والتركيز على صلاة يا رب إرحم - كيريي لايسون].
الآيات (لو 15:18-17): في كتاب إنجيل متى (مت13:19-15)
الآيات (لو 18:18-27): في كتاب إنجيل متى (مت16:19-26)
الآيات (لو 28:18-30): في كتاب إنجيل متى (مت27:19-30)
الآيات (لو 31:18-34): في كتاب إنجيل متى (مت17:20-19)
الآيات (لو 35:18-43): في كتاب إنجيل متى (مت29:20-34)
← تفاسير أصحاحات إنجيل لوقا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير لوقا 19 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير لوقا 17 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/whk24m8