← المقدمات: مقدمة رسالة رومية - ملخص لمقدمة رسالة رومية مع إيضاحات أكثر لفكرة الخلاص - الإيمان: أهمية الإيمان للخلاص
1. السقوط والموت.
2. بالفداء كانت القيامة الأولى من موت الخطية (رؤ 5:20 + يو 25:5).
3. المجيء الثاني للمسيح وبه نبدأ القيامة الثانية ونحيا في المجد.
4. فترة الحياة على الأرض ما بين السقوط والمجيء الثاني. هذه قال عنها إشعياء أنها لحيظة، أي فترة بسيطة جدًا بالنسبة إلى الحياة الأبدية. بل إن هذه الفترة يستغلها الله ليؤدب الإنسان فتصير إرادته كإرادة الله فيخلص ويحيا للأبد.
1. أول آية نقابلها في الكتاب المقدس هي "في البدء خلق الله..." (تك1:1) وهذه ليست مصادفة، فالوحي بهذا يريدنا أن نفهم خيرية وصلاح ومحبة الله، الذي يريد أن يخلق حياة، فهو لا يخلق موت، ولا يريد أن يخلق الإنسان ليموت بل لكي يحيا حياة أبدية يتمتع فيها بمجد الله.
2. استمر الله يخلق العالم ستة أيام، واليوم ليس 24 ساعة كما هو الآن، بل كان اليوم يقدر بمئات أو آلاف الملايين من السنين، وذلك قبل أن يخلق آدم. وذلك حتى يجد آدم المحبوب الأرض وإذا هي جنة. وليس من المعقول أن يظل الله يخلق العالم آلاف الملايين من السنين، ثم يخلق آدم ليعيش عدة سنين ويموت، بل أن عمر الإنسان الآن لا يتعدى 120 سنة. إذًا المنطق يقول أن الله خلق العالم في آلاف الملايين من السنين، ثم خلق آدم ليحيا إلى الأبد.
3. الله أوصى آدم أن يأكل من جميع شجر الجنة (تك16:2). وكان من ضمن شجر الجنة شجرة الحياة (تك24:3). إذًا كان المتاح أمام آدم أن يأكل من هذه الشجرة فيحيا إلى الأبد حسب إرادة الله.
4. بعد الطوفان أعطى الله لنوح علامة قوس قزح كدليل على إرادته في أن يحيا الإنسان، وأن الله لن يعود يهلك العالم (تك9: 8-17) ولكننا نجد علامة قوس قزح موجودة حول العرش الإلهي في المنظر شبه الزمرد (رؤ3:4). وإذا فهمنا أن الزمرد بلونه الأخضر يشير للحياة. يكون معنى وجود علامة قوس قزح حول العرش، أن إرادة الله للإنسان أن يحيا للأبد، وأنه أماته مرة، ولن يميته ثانية بعد أن يقوم في القيامة الثانية.
5. حينما مات الإنسان كان الحل الإلهي بالفداء ليحيا الإنسان إلى الأبد فهذه إرادة الله، التي لا بُد وستنفذ.
الله خلق الإنسان حرًا، والإنسان بحريته سقط في الخطية، لأن آدم اختار أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر التي أوصاه الله أن لا يأكل منها (تك17:2)، وكان ذلك بدلًا من أن يأكل من شجرة الحياة. وكان الأكل من شجرة معرفة الخير والشر يعني تذوق الشر، ولضعف جسده أحب الشر وفي هذا انفصال عن الله والله حياة، وفي الانفصال عن الله موت. لذلك مات آدم، كما حذره الله، ليس لأن الله يريد لآدم أن يموت، بل لأن آدم بحريته اختار طريق الموت، كما نقول في القداس الغريغوري "أنا اختطفت لي قضية الموت". كان هذا لأن آدم خُلِقَ حرًا، وبحريته كانت له إرادة غير إرادة الله (مت37:23). وبهذا ما عاد آدم قادرًا أن يحيا حياة أبدية، بل فقد القدرة على أن يصنع البر، كل هذا لانفصاله عن الله الحي القدوس البار. وبهذا فسد الجنس البشري (رو12:3).
والخطية سببت اللعنة. "ملعونة الأرض بسببك" (تك17:3). هذه لآدم وأما قايين فكانت عقوبته أشد "ملعون أنت من الأرض" (تك11:4). ولذلك سمعنا أن آخر كلمات العهد القديم كانت "لعن" (ملا6:4). والمعنى أن الله خلق حياة وفرح (معنى جنة عدن، جنة الابتهاج) وبسبب خطية الإنسان دخلت اللعنة.
ويقول بولس الرسول "لأن الجميع قد أخطأوا..." (رو3: 23-24). وقوله الجميع يشير أنه لا يوجد استثناء، فكل أولاد آدم صارت لهم طبيعة خاطئة. ففي البداية كانت الطبيعة البشرية مخلوقة بلا عيب وبدون أي خطيئة، فالله خلق آدم بلا دنس، خلقه كاملًا بلا عيب، ولديه الإرادة والإمكانية الحرة لكي يحيا حياة مقدسة في الجنة، ولكن بخطيئته صارت طبيعته مريضة فاسدة، وصارت طبيعتنا مريضة وخاطئة وفاسدة لأنها نابعة من طبيعة جسد المعصية الأول. وصار الإنسان غير قادر من تلقاء نفسه أن يتمم ناموس الله أو أن يسلك في البر، لذلك إحتاج الإنسان لطبيب يشفي طبيعته.
وهذا الذي حدث للإنسان شرحه السيد المسيح في مثل السامري الصالح. لقد صار الإنسان الساقط كمن تركه اللصوص (الشياطين) على قارعة الطريق بين حي وميت (لو30:10) مطروحًا، عاجزًا، مجروحًا غير قادرًا أن يصعد مرتفعات البر كما كان قبلًا، حتى أتى المسيح الذي هو الطبيب الشافي، السامري الصالح، ووضعه في فندق (الكنيسة) وصار تحت العلاج، يُكمّل البر بمعونة النعمة الشافية التي شفت طبيعته، فأصبح قادرًا أن يصنع البر تلقائيًا بطبيعته الجديدة المتعافية.
ويقول داود النبي "أنا قلت يا رب إرحمنى، إشف نفسي لأني قد أخطأت إليك" (مز4:41). فالنفس اعتلت وضعفت وفسدت وجرحت بالخطية. وصارت تحتاج لله الذي قال "أنا الرب شافيك" (خر26:15). والمسيح أتى كطبيب ليشفي قائلًا: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضـى لم آت لأدعـو أبرارًا بل خطـاة" (مت9: 12-13).
إذًا دخل الموت واللعنة بسبب الخطية، ولكن الله لم يقف عاجزًا، فكان الفداء، وجاء المسيح ليموت ويقوم ويعطينا حياته نحيا بها حياة أبدية، وبهذا تكمل خطة الله الأزلية في أن يحيا الإنسان للأبد، لقد افتدانا المسيح من لعنة الناموس لننال البركة عوضًا عن اللعنة (غل3: 13-14).
ولذلك أيضًا سمعنا الوعد "من يغلب يأكل من شجرة الحياة"، هذه التي لم يأكل منها آدم فمات (رؤ7:2) وهذه معناها أن كل من يختار المسيح تاركًا شرور هذا العالم يعطيه الله أن يأكل من شجرة الحياة، أي يحيا إلى الأبد. لذلك نجد أن آخر آيات الكتاب المقدس "آمين تعال أيها يسوع" (رؤ21:22) فبمجيئه الثاني تبدأ حياتنا الأبدية في السماء وتنفذ إرادة الله. ونلاحظ أن الفداء أعطانا الحياة الأبدية على مرحلتين:-
الأولى: هي ما يسمى بالقيامة الأولى، فيها نحيا على الأرض، وفيها نقوم من موت الخطية (يو25:5). ولكن وسط ضيق العالم، هذا الذي يستخدمه الله في أن يؤدب أولاده فيكون لهم نصيب في القيامة الثانية.
الثانية: وهذه تأتي بعد مجيء المسيح الثاني للدينونة، وفيها تكون القيامة العامة التي بعدها ندخل السماء في المجد ونحيا للأبد.
ونلاحظ أن الفترة منذ سقوط الإنسان وحتى المجيء الثاني الذي يأتي المسيح فيه للدينونة، أي الفترة التي نعيشها على الأرض في ضيق لا تتعدى بضعة آلاف من السنين، وهذه الآلاف من السنين هي لا شيء بالنسبة للأبدية اللانهائية. وكأن خطة الله في أن يحيا الإنسان للأبد لم تتعطل سوى فترة بسيطة جدًا. وهذا ما عبر عنه إشعياء النبي بقوله "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك" (أش7:54).
"بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة وبإحسان أبدي أرحمك قال وليّك الرب" (إش8:54).
هذه اللحيظة المذكورة في إشعياء، هي فترة الآلام والضيق والموت الجسدي الذي عانى منه الإنسان منذ سقوط آدم وحتى المجيء الأول للمسيح الذي به بدأت مراحم الله التي ستكمل بالمجيء الثاني.
بسبب خطية آدم سمع آدم قول الله "ملعونة الأرض بسببك" (تك3: 17-19). فما هي لعنة الأرض؟ لسنا نعلم تمامًا أبعاد هذه اللعنة، لأننا لم نرى الأرض في طبيعتها الجميلة قبل أن تلعن. لكن لنا أن نتصور أن الله كصانع خيرات لا يمكن أن يخلق سوى جنة كلها فرح، فكلمة "عدن" تعني ابتهاج وفرح. إذًا كل ما نراه الآن من أشياء أليمة هو من آثار اللعنة... مثل الأمراض، الأوبئة، الزلازل، البراكين، الفيضانات المهلكة، الحر والبرد الشديدين وهما يهلكان المزروعات، الآفات الزراعية كالحشرات، التصحر والجفاف. ونرى قبل كل هذا فساد الجنس البشري الذي رأيناه في صورة وحشية حين قتل قايين أخوه هابيل، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ثم رأينا بعد ذلك أن هذا الطبع الوحشي الذي صار للإنسان بسبب خطيته قد إنعكس على الحيوانات التي صار لها طبيعة وحشية. وربما بسبب طبع الإنسان الوحشي سمح له الله بأن يأكل اللحم (تك3:9) بعد أن كان قد أعطاه ثمار الأرض فقط ليأكل (تك29:1). وكان هذا أيضًا طعام الحيوانات (تك30:1). من هذا نرى أن فساد الجنس البشري إمتدت آثاره لكل الخليقة الجامدة بل والحيوانية. قد يفسر البعض هذه الآثار تفسيرًا علميًا كالزلازل.. وكالحشرات التي تصيب المزروعات، ولكن لو راجعنا سفر حجي النبي لرأينا، أن كل هذه ما هي إلا عقوبات في يد الله يستعملها ضدنا حين نخطئ.
لذلك يقول بولس الرسول كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت (رو12:5). نقول كأنما يعني أن ما يظهر أمامنا ونلمسه من آثار الخطية هو الموت. ولكن أثار الخطية هي أبعد من هذا بكثير، فهناك ما يمكننا أن ندركه، وهناك أيضًا ما لا يمكننا أن ندركه.
ولقد شرح بولس الرسول هذا بطريقة أخرى حين قال "إن الخليقة أخضعت للبُطل" (رو20:8). ونرى في (رو8: 20-22) أنه حين يستعلن المجد في أولاد الله ستتجدد الخليقة وستعتق من عبودية الفساد، هذا الفساد كان إنعكاسًا لفساد الإنسان الذي كان بسبب الخطية.
وكما إمتدت آثار اللعنة بسبب خطية الإنسان، هكذا إمتدت آثار بركة الصليب. هذه البركة التي أتى بها المسيح بعد أن إفتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا (غل13:3). فكان للمؤمنين البنوة والميراث الأبدي، والبركة في حياتهم على الأرض... إلخ.
بل رأينا بركة القديسين تمتد لتبارك الأرض وتغيّر طبيعة الوحوش:
شاول الطرسوسي تغيرت طبيعته الوحشية فصار بولس الرسول.
شعب روما الذي كان يتلذذ بإلتهام الوحوش للناس، تحول لكنيسة روما.
قيل أنه بسبب الأنبا بولا كان الله يفيض مياه النيل.
تحول الثعبان في مغارة الأنبا برسوم العريان إلى حيوان أليف، فقد وحشيته.
لقد صارت البركة تشع من القديسين وتمتد آثارها فيما حولها، كما كانت آثار اللعنة والخطية تمتد وتشع وتخرب ما حولها.
وبعد المسيح صار طريق الخطية واللعنة والموت أو طريق البر والحياة والإيمان بالمسيح متاح لكل إنسان (تث30: 19-20).
هذه تشبه "والكلمة صار جسدًا" (يو14:1) أي اللاهوت صار جسدًا وهذه لا تعني تحولًا للاهوت إلى جسد، بل تعني أن ما صار ظاهرًا أمامنا هو الجسد. وحين يقال أن المسيح صار لعنة لأجلنا فهذا يعني أنه وهو القدوس البار الذي بلا خطية، صار ظاهرًا أمامنا لابسًا اللعنة فهو مصلوب، والكتاب يقول "ملعون كل من علق على خشبة" (غل13:3) + (تث23:21). حاملًا على رأسه إكليل شوك، والشوك من آثار الخطية ولعنتها (تك18:3)، والمسيح عروه على الصليب، والعرى من أثار الخطية (تك7:3). إذًا حين قال بولس الرسول "كأنما بخطية واحد..." (رو12:5). كان الرسول يعّبر بتواضع عن عدم فهمه تمامًا لكل آثار الخطية وإنعكاسها على الأرض والخليقة، وكل الفساد الذي حدث. إن الكون يحوي قوى وحقائق لا نعرف عنها إلا القليل ولعل بينها تأثير الفرد في الآخرين وفي البيئة. سواء كان هذا بخطية الفرد أو بقداسة الفرد.
فالقداسة تنتقل تأثيراتها للغير كما رأينا، وكما نعرف أن شفاعات القديسين واضحة للجميع، وصلوات البعض تأثيرها يمتد للآخرين.
وكان إصلاح فساد الجنس البشري بتجسد المسيح الذي أعطى جسده للبشر قوة النصرة على الشر الذي فيهم وفي العالم، وصار يخلق في البشر طبعًا جديدًا يرتقي إلى الحياة كاملة النقاء في الأبدية. أما الذين يرفضون فعله فيسكنهم الشر والقلق "لا سلام قال الرب للأشرار" (إش22:48).
يقصد به دفع الثمن أو البديل. وهذا ما حدث على الصليب. والكلمة تشير في معناها للمبلغ المدفوع فداء عن شخص. والمعنى هنا قيام الرب يسوع بالموت عن البشرية. ذلك لأن الموت الأبدي دخل إلى البشرية بالخطية التي إمتزجت بها. والجسد الذي أخذه الرب كان كاملًا له روح وجسد وكان واحدًا مع اللاهوت اللامحدود، فصار الإله المتأنس أي الذي له كل صفات الإنسان. وغير محدود لإتحاد اللاهوت بالناسوت. فلما مات هذا الإنسان كان قادرًا في لا محدوديته أن يكون بديلاُ للبشرية كلها.
فكانت خطية الإنسان غير محدودة لأنها كانت في حق الله والله غير محدود لذلك ما كان يمكن لإنسان أو ملاك أن يفدي آدم وذريته، لأن كل ذرية آدم أخطأوا، بل ولدوا بالخطية، والملائكة محدودة. ولا يوجد غير محدود، وبلا خطية غير الله، وما كان ممكنًا أن يفدي الإنسان سوى إنسان مثله. لذلك كان التجسد.
وعن هذا الفداء كانت النبوات:
من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم (هو 14:13)
الأخ لن يفدي الإنسان ... إنما الله يفدي نفسي (مز49:15،7)
الرب قد فدى يعقوب وفي إسرائيل قد تمجد .. هكذا يقول الرب فاديك (إش 6:44، 23، 24).
لقد تعرى الإنسان بالخطية وافتضح. والله ستر على آدم بأقمصة من جلد. والجلد أخذه آدم من حيوان قدمه ذبيحة، أخذ الله جلدها وألبسه وكان هذا ليعطي الله فكرة عن المسيح القادم ليقدم نفسه على الصليب ذبيحة ليسترنا ويغطينا. وكلمة كفارة معناها تغطية.
والمسيح يسترنا بإتحادنا فيه واستتارنا فيه، هنا نرى الفادي قد اتحد بالمُفْتَدَى. ومن يستره المسيح بأن يثبت في المسيح لا يعود الآب يراه في ضعفه وخطيته، بل يرى المسيح الذي يغطيه فيخلص، لذلك يطلب منا المسيح "أثبتوا فيّ وأنا فيكم" (يو4:15) فهذا هو طريق الخلاص. والله سبق وشرح فكرة الكفارة بوضوح في طقوس يوم الكفارة، حيث يرش دم ذبيحة الكفارة على غطاء تابوت العهد المسمى بكرسي الرحمة فيكفِّر عن الشعب لتطهيرهم من جميع خطاياهم (لا 30:16).
الفداء = المسيح يموت بدلًا منا.
الكفارة= المسيح يسترنا ويغطينا بأن يوحدنا فيه = صولحنا مع الله بموت ابنه.
التبرير= المسيح يعطينا حياته لنعيش أبرارًا أي نكتسب بر المسيح أي بعد أن إستترنا في المسيح لبسنا رداء بره إذ تجددت طبيعتنا، وصرنا نسلك في البر بسهولة بحياته التي أعطاها لنا.
وهكذا أصلح المسيح البشرية التي فسدت بالخطية، بعد أن عجز الناموس عن أن يبرر اليهود وعجز الضمير عن أن يبرر الأمم.
المسيح انتصر على الموت وقام بحياة منتصرة. هذه الحياة أعطاها لنا لننتصر على الخطية ونسلك في البر. وهذا معنى نخلص بحياته (رو10:5).
وهذا التبرير تنبأ عنه إشعياء "بالرب يتبرر ويفتخر كل ..." (إش 25:45) "قد قربت بري. لا يبعد وخلاصي لا يتأخر" (إش 13:46) "أما خلاصي فإلى الأبد يكون وبري لا ينقض" (إش 6:51) وقوله بري يعني أن البر هنا هو بر الله وليس بر الإنسان الذاتي.
إذًا نحن صولحنا مع الله بموت ابنه (رو 10:5) وذلك بالفداء والكفارة أي بإتحاد الفادي بنا، ثم صرنا نسلك بالبر وأصلحت طبيعتنا إذ أعطانا المسيح حياته التي قام بها من الموت فصرنا "نخلص بحياته" (رو10:5).
هو إصلاح البشرية التي فسدت بالخطية. ولنلقي نظرة سريعة على قصة الكتاب المقدس:-
1. أسفار موسى:- نرى فيها أن الله يخلق الإنسان ليحيا للأبد، ثم يخطئ الإنسان فيموت، فيرسل له الله مخلصًا (رمزًا للمسيح). ويخلص الشعب من العبودية بخروف الفصح (الصليب) ويعبرون البحر (المعمودية) ويأكلون المن (الإفخارستيا) ويشربون شرابًا روحيًا (حلول الروح القدس).
كل هذا شرحه بولس الرسول في (1كو10: 1-6 + 1كو5: 7-8). ثم يكون توهان الشعب في البرية هي قصة حياتنا على الأرض التي تنتهي بدخولنا إلى كنعان السماوية عبورًا بنهر الأردن (الموت).
2. الأسفار التاريخية:- نرى فساد الشعب إذ لم يكن ملك يحكم الأرض (قض 1:19 و 25:21). ثم تتكون المملكة. رمزًا للملكة التي كونها المسيح.
3. الأسفار الشعرية:- نرى فيها علاقات المؤمن بالله وبالعالم ففي الأمثال نرى كيف نتصرف بحكمة، وفي الجامعة نرى بطلان العالم، وفي النشيد نرى الحب بين الله والنفس المؤمنة، وفي سفر أيوب نرى تأديب الله للنفس. لكن علينا أن نحيا بروح الصلاة (المزامير).
4. الأسفار النبوية:- يمكن تلخيصها في إظهار فساد الشعب رمزًا لفساد الجنس البشري. ولكن دائمًا هناك رجاء في مخلص يأتي.
5. ثم يأتي العهد الجديد لنرى يسوع المخلص الفادي الذي تجسد ومات وقام ليعطينا حياته، ومن يسمع صوته تكون له الحياة أو ما يسمى بالقيامة الأولى (يو 25:5). ويسوع هذا هو الذي سوف يأتي ليدين العالم وبمجيئه الثاني تبدأ الحياة الأبدية في المجد، هذه التي يشتهيها كل مؤمن، وبها تتحقق إرادة الله في أنه خلق الإنسان ليحيا للأبد. هذا ما جعل يوحنا يصرخ في رؤياه "آمين تعال أيها الرب يسوع" حينما سمع السيد المسيح يقول "أنا آتي سريعًا" (رؤ 20:22).
"تدعون اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت21:1). وهكذا نرى أننا لا نستطيع أن نخرج من حالة العرج والكساح والجراح المتقيحة إلى حالة الشفاء التام والعودة إلى المشي الطبيعي إلاّ بدوام تلقي المعونة والعناية من الطبيب السماوي. لأن الطبيب لا يكتفي بأن يجعل الجراح تلتئم، بل يَعطي للمريض عناصر ضرورية لكمال صحة جسده بوجه عام، وطريقة تغذيته من الطعام كي تستمر حالة الشفاء التي وصل إليها، إن عناية الله الصالحة تمد كل من يعيش في الجسد بكل العناصر والوسائل التي يستخدمها الطبيب في عملية الشفاء. إن شفاء الله لنا ليس فقط في كونه يمحو خطايانا التي ارتكبناها، ولكن بالأكثر كي يجعلنا نتجنب السقوط في الخطيئة أيضًا.
وكون الإنسان غير قادر من نفسه على أن يلتزم بالناموس فهذا يتضح من قول بولس الرسول "إن كان بالناموس بر فالمسيح إذًا مات بلا سبب" (غل21:2). ولكن المسيح مات ليعطيني أن أموت معه عن طبيعتي القديمة، وقام لكي أقوم معه بطبيعة جديدة. وهذا ما يتم في المعمودية. وبعد أن يحل الروح القدس على المُعَمَّد في سر الميرون يعطي الروح القدس للمؤمن أن يثبت في هذه الحياة الجديدة، وهي حياة المسيح، ويعطيه أن تكون له حياة المسيح، وتكون له قوة ليسلك في البر. بل يعطيه إرادة قوية ليسلك في هذه الحياة الجديدة، فإرادة الإنسان ليست كافية وحدها كي يتجنب الإنسان السقوط في الخطايا، بل أن تلك الإرادة نفسها تحتاج إلى سند ومعونة من النعمة الإلهية، لذلك يقول بولس الرسول "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فى13:2). عمل الروح القدس هذا المبني على أساس فداء المسيح هو ما يسمى بالنعمة ولكن النعمة لا تلغي حرية إرادة الإنسان. ولذلك يجب على كل مؤمن أن:-
1) يجاهد ويضبط شهواته ولسانه وأفكاره.
2) يصرخ طالبًا المعونة الإلهية في صلاة بلا انقطاع.
حقًا إن الله هو الشافي لطبيعتنا ولكن علينا أن نعمل نحن قدر استطاعتنا كما يقول بولس الرسول "إننا عاملون معه" (2كو1:6). ونلاحظ أن النعمة لا تلغي حرية الإنسان، بل هي لمن يطلبها ويستخدمها بإرادة متضعة غير مفتخر لا بقوته ولا بقدرته بل بالله الذي يرحم.
إذًا بر الله ليس هو في وصايا الناموس التي تبث الخوف كما من مؤدب (غل24:3). والتي يقف أمامها الإنسان شاعرًا بعجزه عن أن يتممها (أع10:15). بل بر الله هو في الطبيعة الجديدة التي يعطيها الله لأولاده. وهذه الطبيعة الجديدة تجد السند والمعونة من نعمة المسيح التي بها يستطيع الإنسان تكميل وصايا الناموس. هذه النعمة هي التي تعطينا أن نصير أولادًا وأبناءً لله. "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله" (يو12:1). الأمر الذي لم يكن عليه الإنسان بحسب الطبيعة، ولا يمكن أن يبلغه إطلاقًا ما لم يكن قد أخذ سلطانًا بالنعمة بعدما قبل المسيح، وبهذه النعمة تصير له طبيعة جديدة. وما يميز هذه الطبيعة الجديدة، المحبة، المحبة التي يسكبها فينا الروح القدس المعطى لنا (رو5:5). والمحبة إن وُجدت تكون لله ولكل إنسان حتى لأعدائنا، وتكون علامة على حصولنا على الطبيعة الجديدة. لأن المحبة لا يمكن الحصول عليها بطبيعتنا القديمة ولا بإمكانياتنا البشرية، هي عطية من الروح القدس. فالروح القدس هو الذي يغير طبيعتنا، ويعين ضعفاتنا ويسند إمكانياتنا، ويشفي طبيعتنا المريضة التي ولدنا بها من آدم. بالخطية ولدتني أمي (مز5:51). وهو العامل في الأسرار المقدسة التي تثبتني في المسيح وهو الذي يبكتني إن أخطأت (يو8:16). باختصار هو الذي يثبتني في المسيح فتكون لي حياة المسيح فأخلص. لذلك فالروح القدس هو نعمة النعم. الروح القدس هو نعمة الله الذي بربنا يسوع المسيح. الروح القدس هو يعطي معونة وقوة لنسلك في الحياة الجديدة التي هي حياة المسيح. فهو الذي يعين ضعفاتنا (رو26:8).
هو تعبير يستخدمه بولس الرسول كثيرًا. وهذا التعبير متفق مع قول السيد المسيح "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم.. الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير" (يو15: 4-5). وهذا التعبير يعني عند بولس الرسول أننا بالمعمودية صرنا أعضاء في جسد المسيح. كلنا صرنا جسد واحد هو جسد المسيح، والمسيح هو الرأس "وهو رأس الجسد الكنيسة" (كو18:1).
لأننا جميعًا بروح واحد إعتمدنا إلى جسد واحد (1كو13:12) (أي دخلنا في جسد المسيح وأصبحنا فيه بالمعمودية) وجميعنا سقينا روح واحد (هذا عن حلول الروح القدس في سر الميرون). وقوله سقينا عن حلول الروح القدس متفق مع قول المسيح "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب.. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح" (يو7: 37-39). إذًا كل مؤمن إذ يعتمد يصبح عضوًا في جسد المسيح. وكل الأعضاء تتكامل معًا لتكوِّن جسد المسيح، وكما أن للجسد البشري أعضاؤه (يد/ رجل/ أنف.. ولكل منها وظيفة تكمّل الأخرى) هكذا جسد المسيح مكون من أعضاء، ولكل عضو موهبته وعمله المكلّف به (أف10:2 + 1كو12: 4-30 + أف4: 11-12). إذًا الكنيسة كيان متكامل والمسيح هو الرأس.
لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه (أف30:5).
أما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا (1كو27:12).
ومن هو في المسيح فهو قديس. "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدسين في المسيح يسوع" (1كو2:1 + فى1:1). وفي المسيح ننال كل نعمة "نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح. إنكم في كل شيء إستغنيتم فيه.." 1كو1: 4-5. وطالما نحن في المسيح يسوع فلقد صارت أعضاؤنا هي أعضاؤه هو. "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية حاشا" (1كو15:6). لذلك فالزاني يخطئ في حق جسد المسيح (1كو18:6). وبنفس المفهوم يقول الرسول "وأما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو16:2). ومن هو في المسيح فهو له الطبيعة الجديدة "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17:5). ولاحظ تكرار الفكرة في (أف1:1-14). "المؤمنين في المسيح يسوع... الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح... كما اختارنا فيه... إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح... الذي فيه لنا الفداء بدمه... الذي فيه أيضًا نلنا نصيبًا... الذي فيه أيضًا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس".
وفي (أف10:2) "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة..". وفي (أف2: 21-22). "الذي فيه كل البناء مركبًا معًا ينمو هيكلًا مقدسًا في الرب الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معًا مسكنًا لله في الروح".
ولاحظ هذه الآيات "يسلم عليكم في الرب كثيرًا أكيلا وبريسكلا" (1كو19:16). "محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع" (1كو24:16) + "أمام الله في المسيح نتكلم" (2كو19:12). فالرسول بولس يرى أن أي علاقات بين الأعضاء هي من خلال ثباتهم في المسيح، حتى السلام وعلاقات المحبة، والكلام. هذا لأنه إن لم نكن ثابتين في المسيح يسوع فسلامنا لبعضنا البعض ومحبتنا بل وكلامنا سيكون خاليًا من المحبة، وسيكون غاشًا. وبنفس المفهوم نسمع الرسول يقول "أشتاق إلى جميعكم في احشاء يسوع المسيح" (فى8:1). ونسمع أنه لا فرح إلا في المسيح "افرحوا في الرب" (فى4:4).
ونسمع في (1كو1:3) قوله لأهل كورنثوس أنهم "أطفال في المسيح" (1كو1:3). فالمؤمن يولد في المعمودية ويصير بهذا في المسيح، ويبدأ كطفل في المسيح ثم ينمو وينمو. وهذا ليس عجيبًا، ألم يكن المسيح نفسه ينمو في الحكمة والقامة والنعمة ويتقدم فيهم (لو40:2، 52). وراجع الآيات (2تس3:1 + 2كو15:10+ أف15:4+1تس10:4).
ولكن ثباتنا في المسيح له شروط نسمع عن أحدها في (غل6: 5, 6, 15) "لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة". مما سبق نرى أن بولس الرسول يرى أنه بالمعمودية نصير أعضاء ثابتة في المسيح، كل عضو له عمل وله مواهب. بل كل واحد فينا، أعضاؤه هي أعضاء المسيح، نحن أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه، بل صار لمن هو ثابت في المسيح، فكر المسيح. بل العلاقات بين الأعضاء لا تكن صحيحة إلاّ لو كنا في المسيح، حتى السلامات والإشتياقات. وأن المؤمنين مقدسين طالما هم في المسيح. وقطعًا نحن بثباتنا في المسيح يسوع ابن الله نصير أبناء لله. وبإتحادنا في المسيح يحل علينا الروح القدس.
ومن هو في المسيح يتحول إلى صورة المسيح "يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم" غل19:4 + "لأن كلكم الذين إعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل27:3) + " بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات" (رو14:13) + "ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو10:3) ومن يكون له صورة المسيح هنا على الأرض، ستكون له صورة المسيح في مجده في السماء (1يو2:3) وكل من يلبس المسيح ابن الله فإنه يصير بإتحاده بإبن الله، ابنًا لله. له صورة المسيح. وهذه العطية، عطية البنوة لله تعطى بالروح القدس إذ هو روح التبني (رو8: 15-17 + غل4: 4-7). وهو روح التبني إذ أنه يثبتنا في المسيح الابن (2كو21:1) "ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله" "والروح أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رو16:8) وحينما يشهد لنا الروح أننا أولاد الله نصرخ للآب قائلين "يا آبا الآب" (غل6:4). والأبناء يرثون الأمجاد مع ابن الله الذي صار وارثًا لكل شيء لأجلنا (رو17:8 + غل7:4 +عب2:1).
1 اثبتوا فيَّ = نحن في المسيح
خلق الله آدم وأخذ منه ضلعًا كون منه حواء وبهذا صارت حواء جزءًا من آدم. والأولاد هم جزء من آدم وجزء من حواء وبالتالي هم جزء من آدم.
وبهذا يكون آدم رأس الخليقة، فكل منا هو جزء من آدم، وطالما مات الأصل تموت الأجزاء. وبهذا يصير آدم رأس لجسد ميت.
المسيح أتى ليكون رأسًا لجسد حي فكل منا ينتمي لجسد المسيح بالمعمودية. وبهذا يصير المسيح رأس للكنيسة. ويصير كل مؤمن معمد يسلك في وصايا المسيح داخل هذا المثلث الجديد. وكل مؤمن معمد بهذا يصير في المسيح. كل من هو في داخل المثلث (جسد المسيح) يصير في المسيح. وكل من هو في المسيح يصير جزء من جسد المسيح. وتشبيه بولس الرسول أن كل منا هو عضو في الجسد، فأحدنا رجل والآخر يد وهناك من هو عين وهكذا. راجع (1كو12) وكلنا نتكامل. فلكل واحد منا عمله الذي يتكامل مع عمل الآخرين. وهذا الجسد حتى إن مات أعضاؤه فسيقومون وتكون لهم حياة أبدية لأن المسيح أعطاهم حياته وهذا معنى وأنا فيكم.
2 وأنا فيكم = المسيح فينا
المسيح مات وقام ليعطينا حياته. "لي الحياة هي المسيح" (فى21:1)
"مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20:2)
"فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلص بحياته" (رو10:5)
"والآن نحن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو11:6)
لقد صرنا بذرة حية حتى لو دفنت في الأرض،فبسبب الحياة التي فيها تخرج شجرة حية (1كو15: 35-38)
وإذا كان المسيح يحيا فينا فهو يستخدم أعضائنا كآلات بر (رو13:6)
لذلك يقول بولس الرسول:
"ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية" (1كو15:6)
والحياة التي نأخذها هي حياة المسيح القائم من الأموات فالرسول يقول:
"لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته" (رو5:6)
لذلك فالحياة التي نأخذها هي حياة أبدية فالرسول يقول:
"عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضًا. لا يسود عليه الموت بعد" (رو9:6)
وهذه الحياة نأخذها بعد المعمودية مباشرة (رو4:6)
وطالما هي هكذا فلماذا نحرم منها الأطفال إذا كانت ستعطيهم حياة أبدية.
هذا يتم بالمعمودية ... "لأننا جميعًا بروح واحد إعتمدنا إلى جسد واحد" (1كو13:12).
وما هي المعمودية؟
"أم تجهلون أن كل من اعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت. حتى كما أقيم المسيح من الأموات هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته. عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضًا للخطية. لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية. فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضًا معه" (رو6: 3-8).
"مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتًا في الخطية وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحًا لكم بجميع الخطايا" (كو2: 12، 13).
"وهكذا كان أناسٌ منكم لكن أغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كو11:6).
"ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمالٍ في بر عملناها بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا"(تى4:3-6)
مما سبق نفهم أن المسيح مات على الصليب ليحمل خطايانا، ولكن من الذي يستفيد من الصليب؟ أحد الشروط هو المعمودية. فمن يعتمد يموت مع المسيح ومن مات لا تحتسب له خطية، وذلك حتى في القانون المدني، فمن يموت أثناء محاكمته تنتهي وتسقط القضية بالنسبة له. ومن مات في المعمودية يتبرأ إذن من كل خطاياه السابقة. بل يقوم بحياة جديدة، وطالما هو متحد بالمسيح (رو5:6) تصير حياته الجديدة هي حياة المسيح القائم من الأموات، وبهذا يصبح عضوًا مبررًا ومقدسًا في جسد المسيح. وهذا ما يصنعه الروح القدس في سر المعمودية فهو يعطينا أن نموت مع المسيح ونقوم ثابتين في المسيح، لأننا جميعًا بروح واحد اعتمدنا إلى جسد واحد (1كو13:12). لذلك تسمى المعمودية ولادة من الماء والروح يو5:3. وكما كان الروح يرف على المياه فخرجت منها حياة في بدء الخليقة (تك2:1) هكذا الآن، فالروح يرف على مياه المعمودية فيخرج المعمد منها وله حياة جديدة، وهذا معنى "جدة الحياة" (رو4:6).
"لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلص بحياته" (رو10:5).
ومعنى هذا أننا نتصالح مع الله إذ تغفر خطايانا وتسقط عنا، وهذا يتم لنا بالمعمودية، إذ يصلب الجسد العتيق مع المسيح ويموت، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ولكن الموت مع المسيح في المعمودية لغفران الخطية هو نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فهو أننا نقوم مع المسيح، ويعطينا المسيح حياته، وهذا معنى نخلص بحياته. وهو حين يعطينا حياته فهو يعطينا أن نسلك كما سلك هو، أي نسلك في بر، إذًا هو يعطينا حياته وبره. المسيح يعطينا أن نقوم معه في حياة جديدة مقامة معه. فنحن ندفن مع المسيح بالمعمودية، أي يدفن إنساننا العتيق ونخرج من مياه المعمودية مشتركين في قيامة المسيح لنسلك في الحياة الجديدة التي ظهرت أولًا في قيامة المسيح رأس الخليقة الجديدة. وكون أن المسيح يعطينا حياته لنحيا بها يشرحها بولس الرسول هكذا:-
"مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20:2) + "لي الحياة هي المسيح" (فى21:1) وهذا هو معنى أننا نخلص بحياته. ولكن نفهم أيضًا "نخلص بحياته" على أنها تعني أن المسيح هو حي عن يمين الآب يشفع فينا. هو حي بجسده الذي أخذه من البشر (رو34:8).
ولكن شفاعة المسيح هي للمؤمن التائب (1يو2: 1-2). وكانت هذه دعوة يسوع .. "توبوا" (مت17:4). وشفاعة المسيح عنا ليست صلاة للآب، بل مجرد وجوده بجسده أمام الآب فيه شفاعة كاملة (1تى5:2؛ عب10: 19-22).
"مع المسيح صلبت" (غل20:2) إذًا حتى يكون لي حياة المسيح، يجب أن أصلب شهواتي (غل24:5).
هل المعمودية تعطى موتًا تامًا للإنسان العتيق؟
قطعًا هذا لا يحدث وإلا لانتفت حرية الإنسان. فبالمعمودية يموت الإنسان العتيق ولكن أنا لي كل الحرية لأحييه من جديد، وأيضًا لي القوة أن أبقيه ميتًا، وهذه القوة يعطيها الروح القدس ونسميها النعمة.
فالإنسان العتيق يستمر في مشاغباته، ويظل الجسد بشهواته مقاومًا لعمل الروح، وهذا لا ينتهي سوى بالموت. حقًا النعمة تعطينا قوة جبارة تجعل شهوات الجسد كأنها ميتة، ولكن أي تهاون من الإنسان في جهاده أو أي استهتار وتهاون مع الخطية يجعل شهوات الجسد تثور داخله، لذلك يقول الرسول:
"أما أنا فجسديٌ مبيع تحت الخطية .. لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيّ. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو14:7-24).
"وإنما أقول أسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل5: 16-17).
وبنفس المفهوم فنحن بالمعمودية نصبح أولادًا لله، ولكن نسمع في (رو23:8) وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا. فما حصلنا عليه حتى الآن من الروح القدس، إنما هو باكورة أو عربون، وما حصلنا عليه من تبني هو أيضًا باكورة أو عربون، فابن الله الكامل لا يخطئ (1يو9:3). ولكننا مازلنا ونحن في الجسد لابد وأن نخطئ (1يو8:1).
ونرى في الآيات الآتية أننا حصلنا على الروح القدس. "الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح في قلوبنا" (2كو22:1) + (2كو5:5) وأيضًا "ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى" (أف1: 13-14). ولاحظ أن بولس يوجه كلامه لأهل غلاطية وهم معمدين، بل قال لهم في (غل5:3) "فالذي يمنحكم الروح ويعمل قوات فيكم ..." فالرسول يوجه كلامه إلى مسيحيين منحهم الله روحه القدوس. إذًا فهم معمدين. ومع ذلك يقول لهم أن الجسد يشتهي ضد الروح ويقاوم الروح .. حتى تفعلون ما لا تريدون (غل17:5). ومعنى الجسد هنا طبعًا ليس مادة الجسد، فأنها صالحة في حد ذاتها وإلا لما أتخذ المسيح له جسدًا مثلنا. ولكن المقصود هو العثرات الجسدانية التي لا يقدر الإنسان أن يتحرر منها لا بتداريب المتنسكين ولا بأعمال الإماتة، ولا حتى بالموت نفسه، فالخلاص منها لا يكون إلا بنعمة المخلص يسوع المسيح. هذا هو معنى "الجسد" بحسب ما قصد الرسول بولس أن يبينه فقال "ولكنى أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطيئة الذي في أعضائي" (رو23:7). ونلاحظ أنه يتكلم بصيغة الفعل المضارع وليس الماضي. فالحاضر هو الذي يضغط عليه وليس ذكريات الماضي. أنه يرى الناموس الآخر لا يحارب فقط، بل يسبي قسرًا إلى ناموس الخطيئة الكائن (وليس الذي كان) في أعضائه (رو23:7). ومن ثم صرخ "ويحي أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو24:7).
إذًا قول بولس الرسول "الجسد يشتهي ضد الروح" (غل17:5) المقصود به أعمال الجسد وليس مادة الجسد، أي الأعمال التي تصدر عن الأهواء الجسدانية أو نقول مباشرة أنها الخطيئة المذكورة في (رو12:6) "إذًا لا تملكن الخطيئة في جسدكم المائت كي تطيعوها في شهواته" (رو12:6). فالشهوات سوف تحاربني ولكن لي سلطان أن أملكها علىّ إن استسلمت لها، ولي أيضًا سلطان أن أرفضها طالبًا معونة النعمة الإلهية فلا يصير لها سلطان عليَّ.
إذًا المقصود بالجسد هو الإنسان العتيق، وهذا الإنسان العتيق هو المولود من الأب والأم بحسب الطبيعة هأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي (مز5:51). وهذا الإنسان العتيق هو الذي يصدر منه العثرات الجسدانية.
نحن بالمعمودية صارت لنا حياة المسيح وصرنا أعضاء ثابتين في جسد المسيح. ولكن من ينقاد لأهوائه وشهواته مرة ثانية يوقظ هذا الإنسان العتيق الفاسد فيفقد ثباته في المسيح، فنحن نعلم أنه لا شركة للنور مع الظلمة ولا اتفاق للمسيح مع بليعال (2كو6: 14-15). لذلك يقول بولس الرسول:
"مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2)
إذًا بقدر ما نمارس صلب النفس، بقدر ما نرى المسيح حيًا في داخلنا وبر المسيح ظاهرًا في حياتنا. لكن حياة المسيح فينا التي ننال إمكانياتها وبذرتها في المعمودية هي قوة الحياة الجديدة التي نسلك بها كأولاد الله في هذا العالم.
"وأما ثمر الروح فهو محبة فرح.. ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل5: 22-24).
واضح أن ثمر الروح لا يظهر إلاّ فيمن صلبوا أهوائهم وشهواتهم وحسبوا أنفسهم كأموات. وهذا ما قاله السيد المسيح "الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير" (يو15: 4-5). ومن حسب نفسه ميتًا عن أهواء وشهوات وخطايا العالم، هذا يثبت في المسيح، فيأتي بثمر كثير هو ثمار الروح. ولاحظ أيضًا قول الرسول:
"وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غل14:6).
"حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تُظَهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت.." (2كو4: 10-11) + "إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه" (2تى11:2).
"لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا" (2كو16:4) + "ونحن أمواتًا بالخطايا أحيانا مع المسيح" (أف5:2).
الملخص أن المسيح افتدانا وبالمعمودية غفرت خطايانا، وأعطانا المسيح حياته. ولكن من يصلب أهواءه وشهواته يثبت في المسيح، فتكون له حياة المسيح فيتبرر أي يحيا بارًا ويخلص.
نحن الأقباط الأرثوذكس نتمم المعمودية للأطفال الصغار. ولكن ماذا عن الكبار الذين لم يعتمدوا صغارًا؟
هنا نقول أن الشرط الأول للخلاص هو الإيمان، ويلي هذا المعمودية، لذلك يقول السيد المسيح "من آمن وأعتمد خلص" (مر16:16). وبهذا المفهوم فإن من أعتمد طفلًا ثم ترك إيمانه بعد ذلك، يهلك ولا تفيده معموديته. وبطرس بعد عظته يوم الخمسين حين آمن 3000 نفس عمدهم (أع41:2) وبولس بعد أن آمن سجان فيلبي عمده مع أهل بيته (أع 33:16) والسيد المسيح يشدد على أهمية المعمودية وبدونها لا ندخل الملكوت (يو5:3) ولكن الإيمان هو المدخل لكل بركات العهد الجديد، لذلك يقول بولس الرسول:-
بر الله بالإيمان بيسوع المسيح... متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح .. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة (رو3: 22-25).
راجع الإصحاح الرابع من رسالة رومية لترى أن إبراهيم قد تبرر بإيمانه وليس بأعماله. وإيمان إبراهيم هذا كان إيمانًا بالله الذي هو قادرًا أن يعطي حياة [لشيخوخته ولمستودع سارة فيأتي منهم ابنًا بل لو مات الابن فالله قادر أن يحييه (عب17:11-19)] هذا الإيمان بالله القادر أن يعطينا حياة كما أعطى حياة للمسيح وأقامه من الأموات، هذا الإيمان هو المدخل للتبرير.
فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح (رو1:5).
ولكن هل يعني بولس الرسول بأن الخلاص هو بالإيمان، أن الأعمال لا ضرورة لها للخلاص؟! قطعًا هو لا يعني ذلك، بل نراه يشدد على أهمية الجهاد. فما هو الجهاد؟!
الجهاد هو أن يغصب الإنسان نفسه على شيء صالح، لكنه لا يريد أن يفعله. فمثلًا شهوة الجسد أن ينام ويتلذذ بشهوات العالم، أمّا الجهاد فهو أن يقف ليصلي وجسده منهك. الجهاد هو أن يصوم وهو يحب أن يأكل، ولكنه يغصب نفسه على ذلك. وهناك جهاد سلبي وجهاد إيجابي. والجهاد السلبي هو أن يمنع الإنسان نفسه عن الخطية بأن يحسب نفسه ميتًا. والجهاد الإيجابي هو أن يغصب الإنسان نفسه أن يعمل أعمال البر (صلاة وصوم وخدمة وعبادة وتسبيح ..) لذلك يقول السيد المسيح أن ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه (مت12:11).
وعن الجهاد السلبي يقول بولس الرسول:-
كذلك أنتم أيضًا إحسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن احياء لله بالمسيح يسوع ربنا. إذًا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته ولا تقدموا أعضائكم آلات إثم للخطية (جهاد سلبي). بل قَدّموا ذواتكم كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر (جهاد إيجابي) فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة (رو6: 11-14).
"فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض الزنا والنجاسة ..." (كو3: 5-10).
"فأطلب إليكم .. أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة.. ولا تشاكلوا هذا الدهر. بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 1، 2) وهذه معناها أن يسلك المؤمن كميت أمام شهواته وخطاياه.
"كما هو مكتوب من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح" (رو36:8).
"أقمع جسدي وأستعبده ... حتى لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو27:9).
"فإثبتوا إذًا في الحرية التي حررنا بها المسيح ولا ترتبكوا بنير عبودية" (غل1:5).
"لا تصيروا الحرية فرصة للجسد" (غل13:5).
"أما أنت يا إنسان الله فإهرب من هذا" (يقصد محبة المال) (1تى6: 10-12).
"أما الشهوات الشبابية فإهرب منها" (2تى22:2).
"لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا ولنحاضر بالصبر في الجهاد .. لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب12: 1-4).
كان هذا عن الجهاد السلبي.
ويقول بولس الرسول عن الجهاد الإيجابي:
أي لزوم أن نعمل أعمالًا صالحة:
"قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان ..." (2تى4: 8،7).
"أما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة فبالحياة الأبدية.. الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله" (رو2: 7،6).
راجع (رو 12: 9-21) نرى الرسول هنا يحدثنا كيف تكون أعضائنا آلات بر.
"لكي تمجدوا الله أبا ربنا يسوع المسيح بنفس واحدة وفم واحد" (رو6:15).
"إن كان لي نبوة ... ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا" (1كو13: 2-13).
"اتبعوا المحبة ولكن جدوا للمواهب الروحية" (1كو1:14).
"كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو58:15).
"اسهروا، اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالًا. تقووا. لتصر كل أموركم في محبة" (1كو16: 14،13).
فإذ لنا هذه المواعيد لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح (جهاد سلبي) مكملين القداسة في خوف الله (جهاد إيجابي) (2كو1:7).
"إن من يزرع بالشح فبالشح أيضًا يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضًا يحصد" (2كو6:9). وهذه تعني أن من يزرع أعمالًا صالحة سوف يجني بركات بقدر ما يزرع.
"لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل" (غل6: 7-10).
"لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة" (غل6:5 + غل15:6).
"اتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الإيمان الحسن وامسك بالحياة الأبدية" (1تى6: 12،11).
"وأريد أن تقرر هذه الأمور لكي يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالًا حسنة" (تى8:3).
"اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب14:12).
"دم المسيح .. يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (عب14:9). والمقصود بالخدمة أي العبادة والوجود في حضرة الله وتسبيح الله كالملائكة فدم المسيح يطهرنا من الأعمال الميتة أي الخطايا، يطهر القلب والضمير ويحيى النفس ويقيمها ويؤهلها أن تقترب من حضرة الله لتخدم بالصلاة والحب والتسبيح بقوة الروح القدس.
"فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله اهتموا بما فوق لا بما على الأرض. لأنكم قد مُتم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كو3: 1-3).
والخلاصة:
مَنْ اعتمد وعاش مجاهدًا يصلب أهوائه وشهواته (جهاد سلبي) ويكون مجاهدًا في أعمال صالحة (جهاد إيجابي) هذا يثبت في المسيح ويقول مع بولس الرسول "لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (فى21:1).
وهنا يثور سؤال.. الآن مطلوب مني أن أُميت شهوات الجسد وأن أعمل أعمالًا صالحة، فهل أنا لي القدرة من ذاتي على ذلك. وهل جهادي هو الذي يدخلني السماء؟! قطعًا لا. فالسيد المسيح يقول:
"بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو5:15) ويرددها بولس هكذا:
"أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى13:4). "والمسيح أرسل لنا الروح القدس ليعيننا في جهادنا. فنحن نجاهد ولكن الروح يعين ضعفاتنا" (رو26:8). وقوة الروح القدس نسميها النعمة.
"بالنعمة أنتم مخلصون" (أف5:2).
"ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أف9:2).
فأعمالنا العاجزة وقلبنا المخادع النجيس (أر9:17) غير قادر أن يدخلنا إلى ملكوت الله أو يخلصنا. ولكن النعمة هي التي تعطينا الخلاص. ولكن النعمة لا تعمل مع المتكاسلين بل مع المجاهدين. لذلك سمعنا عن الجهاد والتزامنا أن نعمل أعمالًا صالحة. فمن يجاهد يستحق أن تعطيه النعمة معونة وقوة بل إن هذه القوة تعطيه أن يصير خليقة جديدة على شكل وصورة المسيح "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17:5).
مثال:
إنسان له نظرة شهوانية ويقرر التوبة، يقول لنفسه إن عيني قد ماتت مع المسيح وليس لي الحق أن أنظر (هذا معنى قول السيد المسيح أنه عليه أن يقلع عينه). وإذ يجاهد بجدية واضعًا عينيه في التراب وبحريته يختار طريق الموت عن شهوات العالم، تتدخل النعمة، ويعطيه الروح القدس شهوة ميتة فيجد نفسه وإذ له طبيعة جديدة لا تشتهي أن تنظر. هذه الطبيعة ليست منه بل هي هبة مجانية من الله لتعينه. وتعطيه النعمة أن تكف عينه أن تنظر لتشتهي العالم بشهواته، بل تبدأ في أن تشتهي أن ترى مجد الله وتقول مع داود النبي "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي انظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله" (مز4:27). هنا تحولت العين من كونها آلة للإثم إلى كونها آلة للبر وهذه هي الخليقة الجديدة. وهذا يتكرر مع كل عضو في أجسادنا فنصير خليقة جديدة ونلبس المسيح. وبهذه الطبيعة ندخل للسماء. ونلاحظ إن النعمة لا تعمل وحدها بدون جهاد الإنسان. وإلا لو كان هذا صحيحًا فلماذا لم تحول النعمة كل البشر أو على الأقل كل المؤمنين إلى قديسين!!
النعمة هي عمل الروح القدس في الإنسان، هي القوة التي تعينه وتغير طبيعته. وهي تعطي لمن يجاهد طبيعة جديدة، وتكون فيها الطبيعة القديمة ميتة، أي أن الإنسان العتيق ميت وهذا ما يسميه بولس الرسول ختان القلب بالروح. (رو29:2). أي موت الخطية ومحبتها في القلب.
"لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون .. ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو8: 12، 13). في هذه الآية نرى عملنا (تميتون). بجانب عمل النعمة (بالروح تميتون). فالنعمة تؤازر وتعين من يجاهد في أن يميت ذاته. ومن يفعل يصير ابنًا لله.
"لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو14:8). والروح القدس يدعو ويقود "توبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي" (أر18:31). ويبكت المؤمن إن أخطأ (يو8:16) ثم يعطي معونة وقوة (رو26:8). ومن يتجاوب معه يعطيه أن يصير خليقة جديدة وبهذه الخليقة الجديدة نخلص وندخل السماء. لذلك نسمع "بالنعمة أنتم مخلصون" (أف5:2) فالطبيعة القديمة مهما عملت من أعمال صالحة لا يمكن أن تدخل السماء (1كو50:15). لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد (الطبيعة القديمة) عدم الفساد (مجد السماء). بل أن النعمة تعطي قوة حتى أن الخطية تصبح غير قادرة أن تسود علينا.
"فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة" (رو14:6). إذًا فالنعمة هي القوة الحافظة لمن يجاهد ويعمل. ولكن على من يشعر بعمل النعمة، إذ يجد نفسه يحيا حياة صالحة والخطية لا تسوده، أن لا يفتخر بأعماله، فأعماله ليست هي السبب بل النعمة.
"ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أف9:2).
وفي هذا يقول معلمنا يعقوب "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار" (يع17:1). فإذا كان الصلاح الذي فيَّ هو من الله، فلماذا أفتخر بما لم أصنعه بنفسي، ويقول بولس الرسول "إن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ" (1كو7:4). وهذا معنى قول السيد المسيح "فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك" (مت3:6). أي إذا فعلت صدقة (عمل بر أي عمل يميني) فلا تفتخر ولا تشعر ببرك الذاتي (فإن فعلت فهذا عمل يساري).
1. صرنا بالمعمودية نموت مع المسيح، تموت حياتنا السابقة أي إنساننا العتيق وبهذا غُفِرَت خطايانا. وصارت لنا حياة المسيح وبره، أي صِرنا خليقة جديدة رافضة للخطية، تشتهي عمل البر.
2. النعمة تعطينا معونة، إن أردنا وجاهدنا بصلب الجسد مع الأهواء والشهوات. والنعمة تعطينا قوة حافظة ضد الخطية، فلا تعود الخطية تسود علينا، بل تكون لنا حياة النصرة على الخطية والشهوات.
3. بموتنا مع المسيح في المعمودية ننال التبني بقيامتنا متحدين بالمسيح الابن وثباتنا فيه. ونحصل على كمال التبني حين يعطينا الله الجسد الممجد بعد القيامة (رو23:8 + أف 14:1). وهذا ما نراه في (1كو15: 42-44). والمسيح كان كسابق لأجلنا (عب6: 18-20). وهذا ما نصليه في القداس الغريغوري "أصعدت باكورتي إلى السماء".
وقطعًا لن يدخل السماء إلا كل من حصل على الطبيعة الجديدة التي هي على صورة المسيح، وشروط هذا: [1] الإيمان [2] المعمودية [3] الجهاد وهل هذا ممكن لنا؟ لابد أن نعلم أن قدرة الله التي أقامت المسيح ومجدت جسده حين جلس عن يمين الآب. هذه القدرة هي متجهة لنا نحن البشر وإلى طبيعتنا لنقوم ونرتفع إلى مجد الله بالمسيح.
لا أزال شاكرًا لأجلكم ذاكرًا إياكم في صلواتي. كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته. مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات ... وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع (أف16:1 -6:2).
فنحن الآن ننتظر على الرجاء التبني الكامل، وما يسميه بولس الرسول فداء الأجساد (رو23:8). وهذا معنى قوله لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء. لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضًا ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر (رو24:8، 25) فالخلاص يتم على مراحل، فهو بدأ بميلاد المسيح ثم صلبه ثم قيامته وصعوده، ثم إرساله للروح القدس الذي يعطينا النعمة لنحصل على الطبيعة الجديدة التي ندخل بها السماء ولكن هذه الطبيعة الجديدة ونحن على الأرض ما زالت ناقصة، فنحن نحيا لنجاهد على رجاء أن نحصل على الجسد الممجد في السماء وهذا هو كمال الخلاص.
وطالما صرنا أبناء بثباتنا في المسيح فنحن وارثين للمجد من خلال ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء (عب2:1) (وهذا الميراث الذي حصل عليه المسيح بجسده كان لحسابنا. وإن كنا أولاد فإننا ورثة أيضًا (رو17:8 + عب20:6).
4. الخلاص ليس معناه أن نتخلص من الألم والتجارب ونحن مازلنا على الأرض بل يعني إمكانية أن نفرح ونتعزى وسط التجارب والآلام (كو24:1) ولاحظ قول بولس الرسول "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا" (فى4:4) هذه الآية قالها بولس الرسول، وهو في سجنه مقيدًا بالسلاسل، ولكن مع هذا تطغى على الرسالة نغمة الفرح.
أ. جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون (2تى12:3) هنا نرى الألم ضرورة ونحن في هذا العالم.
ب. لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله (في29:1) هنا نرى الألم وقد صار هبة وليس ضرورة فقط.
ج. وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب إذ قبلتم الكلمة في ضيق كثير بفرح الروح القدس (1تس6:1) هنا نرى أن الله لا يتركنا وحدنا في الألم، بل يعطينا عزاء وفرحًا. ونفس هذا المفهوم نجده في رسالة كورنثوس الثانية الإصحاح الأول.
د. إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه (رو17:8). ومن يحتمل بصبر سيكون له نصيب في مجد المسيح (رو18:8).
أما الراحة النهائية من الآلام فلن تكون هنا على الأرض بل في السماء حيث يمسح الله كل دمعة من عيوننا (رؤ4:21). وبنفس المفهوم "وإياكم الذين تتضايقون راحةً معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته (2تس7:1).
5 من اعتمد فمات مع المسيح وقام معه، وجاهد وقمع جسده وصلبه، يثبت في المسيح، ويعطيه المسيح حياته، ويكون خاضعًا للروح، والخطية لا تسود عليه، بل بالنعمة يسود هو على الخطية، مثل هذا لا تكون عليه دينونة "إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو1:8).
6 نال المؤمن بركات عظيمة بعد المعمودية إذ اتحد بالمسيح. لأن المسيح كان جسده متحدًا بلاهوته. وصار المسيح بهذا كرأس للكنيسة مصدرًا لكل البركات الإلهية من مجد سماوي ومجد أرضي وقداسة وحياة أبدية وحكمة ونعمة وامتلاء من الروح وهذا ما شرحه النبي زكريا في الإصحاح الرابـع أي رؤيا المنارة، والكوز على رأسها. فالمنارة هي الكنيسة والزيت هو الروح القدس الذي تحصل عليه الكنيسة من المسيح ورمزه هنا الكوز. والكوز يمتلئ من زيتونتان، في إشارة لامتلاء المسيح من الروح القدس يوم المعمودية في الأردن لحساب كنيسته.
بل أن المسيح حل فيه كل ملء اللاهوت في جسده كما يقول الرسول "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا. وأنتم مملوؤون فيه" (كو2: 10،9) وهذا يشير لأن إتحاده هو بلاهوته، وإتحادنا نحن به جسديًا صار مصدرًا لكل البركات، وهذا ما أسماه الرسول "كل ملء الله" (أف19:3) أي نمتلئ من كل البركات الإلهية بحسب إمكانياتنا. وهذا يمكن تشبيهه كما يلي:
الخزان الصغير يمثل الإنسان المؤمن الثابت في المسيح:
[1] بالإيمان [2] بالمعمودية [3] بالتوبة [4] بالتناول
وهذا الخزان الصغير متصل بالكبير ويمتلئ منه إشارة لإتحادنا بالمسيح المتجسد بواسطة المعمودية، وبحياتنا النقية وبالتناول. وبهذا الاتصال نمتلئ. ولكن ما يحدد امتلاءنا:
1. محدودية طبيعتنا (خزان صغير).
2. الإيمان والنقاوة وقبول الصليب بشكر وعدم التذمر.
بعد كل هذا الذي أعطاه الله للمؤمن، هل ممكن أن يرتد ويهلك؟
فإني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن أبائنا كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا في البحر .. واعتمدوا .. وأكلوا طعامًا روحيًا (رمزًا للتناول) وجميعهم شربوا شرابًا روحيًا (من الماء المنسكب من الصخرة رمزًا لحلول الروح القدس) لكن بأكثرهم لم يُسرّ الله لأنهم طرحوا في القفر. وهذه الأمور حدثت مثالًا لنا حتى لا نكون مشتهين شرورًا كما اشتهى أولئك (1كو10: 1-6). نفهم من هذا أن المعمد الذي نال الروح القدس وتناول من جسد الرب ودمه، إذا اشتهى شرورًا وترك الرب وارتد يمكن أن يهلك كما هلك الآباء في البرية ولم يدخلوا كنعان (رمز كنعان السماوية).
ديماس تلميذ بولس الرسول الذي أشار إليه كأحد تلاميذه (كو14:4) قال عنه بولس الرسول "ديماس تركني إذ أحب العالم الحاضر" (2 تي 4: 10).
فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يُرى أحد منكم أنه قد خاب منه (أي فقده) (عب1:4).
كونوا متمثلين بي معًا أيها الإخوة ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة. لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا والآن أذكرهم أيضًا باكيًا وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك (فى3: 17-19).
فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعد ما أخذنا معرفة الحق .. بل قبول دينونة مخيف .. مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي (عب10: 26-31).
راجع (رو11: 17-22) لترى إمكان قطع المؤمن من الزيتونة أي الكنيسة جسد المسيح.
ونرى في (عب 6: 4-8) عقوبة المرتد الرهيبة "لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس .. وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضًا للتوبة ... وقريبة من اللعنة التي نهايتها الحريق".
بولس يقول عن نفسه "أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو27:9).
الروح القدس الذي حل فينا يعطينا أن نصبح خليقة جديدة، فهو الذي يعمل في الأسرار. وفي سر المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه، ويكون لنا سلطان على الخطية (رو14:6). وإن أخطأنا يبكتنا (يو8:16) فهو الذي يتوبنا فنتوب (أر18:31). وهو الذي يعطي المعونة (رو26:8) ويعطينا أن تكون لنا ثمار (غل5: 23،22). ويعطينا المواهب (1كو11:12) وهو الذي يعلمنا ويذكرنا بكل كلام السيد المسيح (يو26:14). وهو الذي يُعرِّفنا المسيح، ويخبرنا بمحبته وصفاته (يو14:16). ويفتح أعيننا على أمجاد السماء (1كو9:2-12). وما ننظره الآن من أمجاد السماء ننظره كما في لغز (1كو12:13) وننتظر وليس لدينا سوى الإيمان والرجاء والمحبة، هؤلاء هم الذين يثبتون الآن (1كو13:13) لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان (2كو7:5).
والروح القدس هو الذي يعطينا القوة والنصح والمحبة (2 تي 7:1) وهو الذي يثبتنا في المسيح (2كو21:1) وذلك من خلال عمله في أسرار الكنيسة. وهو بهذا يعطينا البنوة ويشهد بالبنوة داخلنا (رو16:8).
إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر. وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم (رو8: 10، 11).
وعلامة من هو في المسيح أنه يهتم بالروحيات "الذين حسب الروح فبما للروح (يهتمون)" (رو5:8) وعلامة أخرى أن يكون لهم ثمر (غل5: 22، 23) والروح حين يعطي قوة تميت الإنسان العتيق، تموت محبة الخطية في القلب، وهذا ما يسميه الرسول ختان القلب بالروح (رو29:2). فالختان الجسدي هو قطع جزء من الجسم وتركه ليموت. والختان الروحي هو قطع محبة الخطية من القلب وهذا يتم بالنعمة أي بعمل الروح القدس. ومن ينقاد بروح الله يصير ابنًا لله (رو14:8) (هذا لأن الروح سيثبته في المسيح الابن. وهذا الابن بالروح يميت أعمال الجسد فيحيا (رو8: 12، 13) والروح يعين ضعفاتنا (رو26:8). إذًا هو الذي يعطي المعونة أي النعمة لمن يحاول ويجاهد. ومن يشعر بعمل النعمة فيه عليه ألا يفتخر بأعماله.
فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال وإلا فليست النعمة بعد نعمة (رو6:11) ونحن صرنا هيكلًا للروح القدس (1كو16:3+ 1كو19:6). وبمقارنة الآيتين نستنتج أن الروح القدس هو الله. والسيد المسيح قال عن الروح أنه يعلمنا (يو26:14) وهذا ردده بولس الرسول في (1كو13:2) "التي نتكلم بها أيضًا لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس.
ولكن حين ظهر لطف الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس.. حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تى3: 4-8).
إنما أقول أسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد (غل16:5). ومن هنا نفهم أن من يستجيب لعمل الروح القدس فيه الذي يقنعه ويبكته ولا يقاوم عمل الروح، يعطيه الروح قوة فلا يكمل شهوة الجسد.
وما نأخذه من الروح القدس الآن هو عربون ما سنحصل عليه في السماء (2كو22:1 + 2كو5:5). وما نحصل عليه الآن نحصل عليه بالإيمان (غل20:2) وبالرجاء (رو8: 24، 25) وبالمحبة (غل6:5).
ونحن الآن على الأرض حصلنا على التبني "لأن كل الذين ينقادون بروح الله هم أبناء الله (رو14:8). ولكن في السماء سنأخذ الأجساد الممجدة التي لا تخطئ (1كو 15 + فى21:3). وهذا ما يسميه بولس الرسول التبني فداء الأجساد (رو23:8). ولكن الآن ما زالت أجسادنا غير ممجدة وما زالت تخطئ. أما ابن الله الكامل لا يخطئ (1يو9:3).
يقول السيد المسيح "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني .. إن أحبني أحد يحفظ كلامي.. (يو14: 21، 23).
ويقول بولس الرسول "ليس الختان شيئًا وليست الغرلة شيئًا بل حفظ وصايا الله (1كو19:7).
وهنا نرى اهتمام السيد المسيح ورسوله بولس بأن نحفظ الوصايا. ولكننا نفهم من كلام السيد المسيح أن حفظ الوصايا هو لمن يحب المسيح. وهذا ما يفعله الروح القدس "لأن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5:5) فالروح يعطينا أن نحب الله ومن يحب لا يخالف وصايا من يحبه. الحب يحول قلوبنا الحجرية إلى ألواح قلب لحمية (2كو3:3) نقش عليها الروح القدس الوصايا بالحب. وهذا ما تنبأ عنه حزقيال النبي في (حز19:11، 20) بأنه سيكون لنا قلوبًا لحمية لنسلك بها في فرائض الرب عوضًا عن القلوب الحجرية. ومن نقش على قلبه وصايا الله بالحب لا يحتاج لألواح حجرية منقوش عليها الوصايا كألواح موسى. فالله نقش الوصايا على ألواح حجرية تتناسب مع قلوب شعب إسرائيل الحجرية إذ فقدوا حب الله.
وهذا ما تنبأ به إرميا قائلًا عن العهد الجديد أنه حينئذ سوف تكتب الشريعة على قلوبنا وأذهاننا (أر31: 31-34 + عب8: 10-12) إذًا كان النبي إرميا يتنبأ عن العهد الجديد، حين ينسكب الروح القدس في قلوبنا ويعطينا محبة الله التي بها نطيع وصاياه.
ومن أجل كل ما سبق صار أهم سؤال نسأله لله هو أن يملأنا من روحه القدوس، كما يقول الرسول امتلأوا بالروح (أف5: 18-20).
الامتلاء بالروح هو نعمة النعم، والنعمة تعني عطية الله المجانية لنا. ولكن كما قال الآباء فالنعمة لا تعطى إلا لمن يستحقها، ويجاهد ليحصل عليها فما هو الجهاد المطلوب للحصول على نعمة الامتلاء من الروح القدس؟
يقول السيد المسيح
فهذه النعمة المجانية وهي الامتلاء من الروح القدس تستلزم جهاد هو الصلاة. والمطلوب الصلاة بلجاجة.
ويقول بولس الرسول (أف 5: 18-20)
ويقول بولس الرسول عن ثمار الروح القدس (غل5: 22، 23). وهذه تُعْطَى لمن يصلب الجسد مع الأهواء والشهوات (جهاد سلبي) (غل24:5) ويقول بولس الرسول لا تطفئوا الروح وهذه عكس إمتلئوا بالروح ويقول أيضًا لا تحزنوا الروح (أف4: 17-32 + 1تس 17:5). ومن هذه الآيات نفهم ما الذي يطفئ الروح فينا وهو الكلام البطال والسلوك في الخطايا. لذلك نفهم مما سبق أنه لكي نمتلئ من الروح:
1. الصلاة والطلب من الله بلجاجة.
2. ترديد المزامير والتسابيح، والامتناع عن الكلام البطال.
3. الشكر في كل حين، وعدم التذمر.
4. التوبة عن الخطايا، وأن نحيا في خوف الله.
5. صلب الأهواء والشهوات؛ أي نحيا كأموات عن الخطايا.
وفيما يلي المزيد من التفاصيل والدراسة عن الامتلاء.
مما سبق رأينا عمل الروح القدس في المؤمن. لذلك يوصي بولس الرسول أهل أفسس ويوصينا معهم قائلًا إمتلئوا بالروح (أف18:5). ويوصي تلميذه تيموثاوس قائلًا أذكّرك أن تضرم موهبة الله التي فيك بوضع يدي (2تى6:1). والإضرام معناه الامتلاء، فكلما امتلأنا ازدادت ثمار الروح فينا. فكيف نمتلئ أو كيف يملأنا الله من الروح القدس؟
1. الروح القدس يعطيه الله للذين يسألونه (لو13:11 + لو9:11 + لو1:18 + يو14:14 ، 24:16). وهكذا أوصى بولس الرسول أهل تسالونيكي "صلوا بلا انقطاع" (1تس17:5 +أف18:6 + 1كو13:16 + فى6:4 + كو2:4) والروح حلّ على التلاميذ وهم مجتمعون للصلاة (أع4:2) لذلك تصلي الكنيسة 4 مرات يوميًا (مرة في صلاة الساعة الثالثة وثلاث مرات في نصف الليل)، لطلب الروح القدس قائلة "أيها الملك السمائي المعزي..". ونسمع في (رو26:8) بأن الروح يشفع فينا بأنات لا ينطق بها، وهذه تعني أن الروح يعطينا مشاعر وأفكار، ربما لا نستطيع أن نعبر عنها، بل نئن فقط. ولكن هذا يعني أن الروح يعلمنا أن نصلي بتلذذ، وأن نصلي صلاة حقيقية، صلاة بالروح [هذا معنى قول الرسول بولس، "الله الذي أعبده بروحي" (رو9:1)] فالروح يعين ضعفاتنا، فنصلي لله ونسجد ونسبح، بل نعمل كل أعمال المسيح التي أوصانا بها بقوة الروح القدس (يه 20). إذًا فلنغصب نفوسنا على الصلاة (جهاد) حتى وإن لم نكن نشعر بلذة. وهذا يعطينا امتلاء (نعمة). وحينما نمتلئ نصلي في الروح وبلذة، بل حينما نمتلئ فلنكف عن الصلاة لنسمع الروح ونفهم رسالته.
2. التسبيح المستمر وترتيل المزامير (1كو26:14 + أف19:5 + كو16:3 + عب15:13). ونلاحظ أن المزامير هي موحى بها من الروح القدس (2تى16:3 + 2بط21:1). وداود النبي نفسه يقول أن لسانه قلم كاتب ماهر، أي أن الكاتب الماهر هو الروح القدس، والروح القدس هو الذي يضع كلمات المزامير على لسان داود فيرددها داود (مز1:45).
3. الشكر المستمر (أف5: 20،4 + كو3: 17،15 + 1تس18:5).
4. أن لا نقاوم الروح (أع51:7 + رو14:8) ولا نطفئه (1تس 19:5) ولا نحزنه (أف30:4). ومن يسلك بحسب الإنسان العتيق سالكًا في شهوات هذا العالم يحزن الروح القدس. فالروح يبكت على خطية وعلى بر (يو8:16) فمن يسمع ويمتنع عن الخطية ويسلك في البر لا يحزن الروح ولا يطفئه. إذًا علينا أن لا نسلك بحسب الإنسان العتيق متشبهين بأهل العالم (أف4: 17-32 + أف5: 3-18). وبولس يعطي وصايا مَنْ يتبعها لا يُحْزِن روح الله (أف6: 1-3 + رو13: 8-10 + كو3: 18-25 + 1تس4: 3-8). وراجع إصحاحات (12-13-14) من رسالة رومية. بل يطلب الرسول أيضًا الامتناع عن كل شبه شر (1تس22:5)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. والامتناع عن الشر هو الجهاد السلبي. وهكذا يطلب من تلميذه الهرب من الشهوات الشبابية (2تى22:2). وكما رأينا في (غل5: 22-24) فإن ثمار الروح القدس تظهر فيمن صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. وهكذا قال القديس باسيليوس الكبير "إن الروح القدس حاضر في جميع الذين يستحقونه ولكنه لا يُظهر قوته إلا في الذين تطهروا من الأهواء.
5. علينا أن نسلك في الجهاد الإيجابي. فالرسول يطلب أن نتبع طريق المحبة للجميع (أف4: 1-4 + 5: 2،1 + 32:4 + 1كو13:16 + 1كو13 + كو3: 12-14). ويطلب أن نتمسك بالحسن (1تس21:5 + فى4: 9،8). ويطلب من تلميذه تيموثاوس قائلًا "اعكف على القراءة والوعظ والتعليم" (1تى13:4). فبالقراءة والوعظ نمتلئ "فالمُروي هو أيضًا يُروَى" (أم25:11). ويطلب الرسول أن نهتم بما فوق (كو1:3-4) فالاهتمام بالأرضيات يطفئ الروح. ويطلب أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة (فى12:2) فالمستهتر يطفئ الروح.
6. في الآيات (كو3: 5-10) يطلب الرسول أن نميت أعضائنا التي على الأرض، الزنا والنجاسة ... إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. هنا نرى صورة لما حدث في الفداء فبعد موت المسيح قام ثم صعد ثم أرسل الروح القدس. وهكذا يحدث معنا فمن يختار طريق الموت عن شهواته يعطيه الروح القدس أن يقوم مع المسيح ثم يحيا في السماويات لكن على الأرض، ثم يمتلئ من الروح القدس.
7. نلاحظ أن الروح القدس حل على التلاميذ إذ كانوا مجتمعين بنفس واحدة، فالمحبة التي تجمعنا في نفس واحدة خصوصًا لو اجتمعنا للصلاة بهذه الروح، هذه المحبة بها نمتلئ من الروح القدس (أع2: 1-4 + فى2:2).
8. ما يساعدنا على الامتلاء بالروح هو إخلاء الذات والتواضع (فى2: 3-9). ولنرى كيف يتحدث بولس الرسول عن نفسه فهو يقول "الخطاة الذين أولهم أنا" (1تى15:1) ويسمي نفسه بالسِّقْطِ (1كو15: 7، 8). هنا نرى شعور بولس بعدم استحقاقه لما هو فيه من نعمة. وهذا ما أشار إليه أشعياء النبي أن الله يسكن عند المتواضع (أش15:57).
9. من البديهيات أن الروح القدس يحل على المعمد بعد مسحه بزيت الميرون وإن كان كبيرًا يجب أولًا أن يعلن إيمانه وتوبته ثم يعتمد. وهذا ما طلبه بطرس يوم الخمسين أن يتوبوا وأن يعتمدوا. فبالتوبة يتجدد فعل الروح القدس الذي حصلنا عليه (أع38:2). وسر الميرون هو البديل عن وضع اليد (أع6:19). وهكذا يطلب بولس الرسول تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم (رو2:12).
10. تكريس القلب للمسيح. وأن نُخضع له كل شيء في حياتنا (عواطفنا واهتماماتنا..) ولا نهتم بالماديات بل بما هو فوق، بما لا يُرى (2كو18:5) ونُسلّم له ذواتنا ونقبل الصليب بلا تذمر. ومن يريد أن يمجد المسيح في حياته يملأه الروح القدس ليمجد المسيح فيه، فهذا هو عمل الروح القدس "ذاك يمجدني" (يو14:16) لكن من يريد أن يمجد نفسه فلن يمتلئ. إذًا لكي نمتلئ علينا أن نطلب أن نمجد المسيح في حياتنا.
11. يقول السيد المسيح "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب، من آمن بي تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح" (يو37:7-39). إذًا الأساس هو الشعور بالاحتياج، وهذا عكس حال ملاك كنيسة لاودكية (رؤ17:3). والصلاة هي التعبير عن العطش إلى الله. وبهذا العطش مع الصلاة بإيمان يجري داخلنا ينبوع ماء حيّ. ولاحظ ارتباط الإيمان بالامتلاء من الروح القدس. فمن يبدأ بإيمان بسيط ويصلي يمتلئ من الروح القدس، ويكون من ثمار الروح القدس إيمان جبار (غل5: 22، 23).
1. الشعور بحضور المسيح وسطنا، فالروح يشهد للمسيح "لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" + (يو18:14 + يو16:16) "ثم بعد قليل أيضًا ترونني". إذًا هو يفتح أعيننا الداخلية فنرى المسيح حاضرًا ونعرفه فنحبه.
2. الامتلاء من الحكمة، فالحكمة ناشئة من الثبات في المسيح أقنوم الحكمة.
3. الامتلاء من ثمار الروح (غل22:5، 23) ونتيجة الفرح التسبيح المستمر.
4. السلطان على الخطية (رو14:6).
5. الامتلاء من القوة. قارن موقف بطرس وخوفه من خادمة فأنكر، وموقفه بعد حلول الروح وعظته التي آمن بسببها 3000 نفس.
"عن كتاب الصليب والمعمودية للدكتور نصحي عبد الشهيد"
لم يكن ممكنًا أن يجيء الروح القدس المعزي إلى الكنيسة قبل أن يتم تدبير المسيح نفسه، أي تتميمه للخلاص بصعوده للسموات، أي دخوله بجسده الممجد الذي أخذه من طبيعتنا للسماء (أع2: 32، 33). فالطبيعة البشرية أصبحت عن طريق جلوس المسيح عن يمين الآب، أي حين صار لجسد المسيح الذي أخذه من البشر مجد اللاهوت، صارت الطبيعة البشرية ممجدة بمجد اللاهوت.
لذلك قال المسيح خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي" (يو16: 7، 8، 13، 14). إذًا كان لابد للمسيح أن يجلس أولًا عن يمين الآب وبشفاعته ينسكب الروح.
والروح القدس هو الذي يعلن شخص الرب يسوع، فيجعلنا نرى المسيح ظاهرًا في قلوبنا "لا أترككم يتامى إني آتي إليكم" (يو18:14) فالروح يجعل حضور المسيح فينا، وتنفتح عيوننا الداخلية فنرى المسيح الحي الممجد ساكن في داخلنا "ثم بعد قليل أيضًا ترونني" (يو16:16). ويصير المسيح شخصًا حقيقيًا حاضرًا بالنسبة لنا. لأن الروح بملئه لنا يحضر في أعماقنا صورة المسيح الحي الممجد (2كو18:3). أي أننا ننظر مجد المسيح وننظره في قلوبنا فنتغير إلى صورة المسيح التي يكشفها الروح لقلوبنا (غل19:4). لذلك لا يستطيع أحد أن يقول أن يسوع رب إلا بالروح القدس (1كو3:12). وحين نعرف المسيح وندرك محبته لنا سنحبه ونسلّم له الحياة.
يقول معلمنا بولس الرسول أن المسيح هو رئيس كهنة الخيرات العتيدة (عب11:9). والخيرات هي الروح القدس (قارن مت7: 7، 11 مع لو13:11). فبالروح القدس نتذوق طعم الحياة الأبدية، وما نأخذه الآن هو العربون. والسيد المسيح يحثنا أن نطلبه في الصلاة "يعطي الروح القدس للذين يسألونه" (لو13:11).
والروح القدس يعلن لنا الآب فنصرخ يا آبا الآب (غل9:4) وبهذا فهو يعلن لنا سر الثالوث، فهو يعلن لنا الآب والابن، والروح القدس هو الذي يعد الكنيسة كعروس لعريسها المسيح لتتحد معه في عرسه الأبدي في مجد لا يوصف.
والروح يعطي قوة لمن يريد أن يموت عن الخطية تساعده على الموت عنها فعلًا (رو13:8) وهذا ما أسماه الرسول ختان القلب بالروح. إذًا فلنبدأ بالتغصب، ومن يغصب نفسه ويمتنع عن الخطية يتحنن الرب عليه، وينقذه من أعدائه (الخطية الساكنة فينا والشيطان) ويملأه من الروح القدس المعين، حينئذ يستطيع أن ينفذ كل وصايا الرب بالحق وبدون تغصب وبدون صعوبة أو تعب، وهذا ما عناه الرسول حين قال "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو17:5).
والهدف من انضمامنا إلى جسد المسيح بالمعمودية هو أن نحصل على ملء الروح الموجود في الكنيسة والساكن فيها منذ يوم الخمسين. والامتلاء هو امتداد ونمو للعطية التي نلناها يوم المعمودية في سر الميرون. وهذا طلب الرسول أن نمتلئ بالروح أي نفتح قلبنا وكياننا كله للروح القدس لكي يملأنا. فالروح منسكب بملئه باستمرار من المسيح وينتظر القلب المستعد والنفس المطيعة الخاضعة للمسيح الرأس حتى يفيض فيها بملئه. والامتلاء لا يحدث مرة واحدة، بل مرات وكل العمر (أع4:2 + أع31:4) ويتكرر بحسب الحاجة خاصة في المواقف التي فيها شهادة وكرازة باسم المسيح (مت10: 17-20).
والروح القدس يعطينا كل هذا من خلال الصلاة والأسرار الإلهية. وبقدر إمتلائنا من الروح القدس بقدر ما نعرف المسيح حقًا ونثبت في المسيح ونحيا في المسيح، ويحيا المسيح فينا ونمتلئ سلامًا يفوق كل عقل (فى7:4) ونمتلئ محبة لله وللجميع حتى لأعدائنا. ونمتلئ فرحًا يعيدنا للحالة الأولى في الفردوس (جنة عدن = جنة الفرح).
تنادي بعض الطوائف بأن الخلاص لا يعتمد على دين أو إيمان الشخص بل يتوقف على أعماله فقط. وتنادي بعض الطوائف بأن الخلاص يعتمد على النعمة فقط ولا أهمية لأعمال الإنسان، بل من يؤمن ينال الخلاص بالنعمة.
والرد على الطائفة الأولى:
نلخصه في آية واحدة قالها بولس الرسول "لأنه إن كان بالناموس (اليهودية) بر فالمسيح إذًا مات بلا سبب" (غل21:2) فإن كان الخلاص لا يعتمد على الإيمان بالمسيح فلماذا تجسد المسيح وصلب؟! والسيد نفسه وضع هذا الشرط للحياة "من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو25:11). وبولس الرسول يقول بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6:11).
والرد على الطائفة الثانية:
تجده تحت عنوان "الجهاد والأعمال الصالحة"
الرأي الصحيح الأرثوذكسي كما نفهمه من الكتاب المقدس هو لزوم الجهاد مع النعمة ولنأخذ أمثلة على ذلك:-
1. يطلب الله من نوح أن يبني فلكًا ليحميه من الماء المنهمر بغزارة والذي سيطفو عليه الفلك، فهل كان نوح في ذلك الوقت يملك الخبرات الفنية (التكنولوجيا) التي بها يبني هذا الفلك الذي سيكون بمثابة غواصة؟ قطعًا لا. ولكن كان على نوح أن يبذل كل جهده في بناء الفلك. ولقد استمر في هذا (الجهاد أو العمل) عشرات السنين. هذا هو جهاد نوح. ثم يأتي دور النعمة وهذا ما نسمعه في الآية (تك16:7) "وأغلق الرب عليه" الله بنعمته أغلق على نوح، وأكمل ضعفات ونقص خبرة نوح وحفظه من الغرق. لكن كان لابد أن يجاهد نوح ويبني الفلك.
2. في معجزة الخمس خبزات والسمكتين، طالب السيد تلاميذه أن يحضروا ما يجدونه، هذا هو الجهاد، أما المسيح فبنعمته أطعم الآلاف وتبقى 12 قفة فلماذا طلب المسيح من التلاميذ أن يأتوا بما يجدوه، أما كان قادرًا على عمل المعجزة بدون الخمس خبزات والسمكتين؟! لكن السيد أراد أن يظهر أن على الإنسان أن يفعل ما يقدر أن يفعله وهذا ما نسميه الجهاد.
3. عندما أقام المسيح لعازر، لماذا طلب من الناس أن يرفعوا الحجر؟ هذا هو الجهاد، هذا أقصى ما يستطيعه البشر؟ أمّا المسيح فبنعمته أقام الميت وأعطاه حياة.
4. في معجزة تحويل الماء إلى خمر، طلب المسيح أن يملأوا الأجران، وكان ملء الأجران عملية شاقة، فكانوا يحملون الأوعية إلى أقرب عين ماء ويملأوها ويأتون ليصبوها في الأجران، وهكذا عدة مرات حتى تمتلئ الأجران. فإن كان المسيح قد حّول الماء إلى خمر فهو قطعًا كان يمكنه تحويل الهواء إلى خمر بدون تعب (وجهاد) الخدام، وكان بهذا سيريح الخدام. ولكن سيبقى السؤال، وأين الجهاد لتأتي النعمة؟
وإذا فهمنا أن هذا الماء كان للتطهير يكون المعنى أنه علينا أن نعمل ما يمكننا عمله، وبقدر استطاعتنا لنطهر أنفسنا (جهاد سلبي وجهاد إيجابي) والمسيح بنعمته يعطينا أن نصير خليقة جديدة مملوئين من الروح القدس. ومن امتلأ من الروح يمتلئ فرحًا، والخمر ترمز للفرح. لذلك يقول بولس الرسول "أميتوا أعضاءكم التي على الأرض" (كو5:3) ومن سيطيع هذا سيعطيه الله أن يصير خليقة جديدة بعمل النعمة.
5. في معجزة صيد سمكة يجد بطرس بداخلها أستارًا نرى مثالًا حيًا للجهاد والنعمة. فلو قال له المسيح "يا بطرس أنت صياد اذهب واصطاد سمكًا وبعه وبالثمن ادفع الضريبة "كان هذا يعني أن الخلاص بالأعمال دون تدخل المسيح. ولو أتى المسيح بالأستار لبطرس من الهواء دون تعب من بطرس لكان الخلاص بالنعمة. لكن نجد أن السيد المسيح يستغل موهبة بطرس كصياد، وبنعمته يصطاد بطرس سمكة بها المال المطلوب لدفع الجزية.
يقول السيد المسيح أحبوا أعدائكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (مت44:5).
والمحبة هي عطية من الله، وهي ثمرة من ثمار الروح القدس (غل22:5، 23) وهي تنسكب في قلوبنا بالروح القدس (رو5:5). إذًا هي نعمة من الله أي عطية مجانية، فكيف يأمرنا السيد المسيح بأن نحب أعدائنا بالرغم من:
1. أنه طلب صعب جدًا على البشر.
2. المحبة هي عطية منه. فلماذا لم يعطيها لنا دون أن يأمرنا؟!
السبب أنه حتى نحصل على النعمة وهي هنا محبة الأعداء، علينا أن نجاهد، فلا نعمة دون جهاد. وما هو الجهاد المطلوب هنا؟
1) أن نبارك من يلعننا= أي نتكلَّم عليه كلامًا طيبًا مباركًا، قد يكون عكس ما هو في قلوبنا، وهذا لا يأتي سوى بالتغصُّب فملكوت السموات يغصب (مت12:11) والتغضب هو ما نسميه الجهاد.
2) أن نحسن لهم= حتى لو بالتغصب، نقدم لهم خدمات يحتاجون لها.
3) أن نصلي لأجلهم= حتى لو بالتغصب.
ففي هذه الآية نرى أن الحصول على محبة الأعداء أي النعمة نحصل عليها بأن نغصب أنفسنا ونجاهد ضد طبيعتنا الفاسدة التي تكره الآخرين خصوصًا لو كانوا أعداء لها. فإن جاهدنا وغصبنا أنفسنا تنسكب النعمة فينا، فنجد أنفسنا قادرين بسهولة أن نحب أعدائنا وهذا ما يسميه الرسول "الخليقة الجديدة" (2كو17:5).
7. مثال من تعاليم بولس الرسول (أف5: 18-21).
فالامتلاء من الروح هو عطية من الله، هو عطية مجانية. إذًا هو نعمة. هذا ليس في إمكان بشر. لكن حتى نمتلئ، وحتى يسكب الله فينا هذه النعمة نرى ما يلزم أن نجاهد فيه لنحصل على النعمة.
1. أن لا تخرج كلمة ردية من أفواهنا، ولا تكون اجتماعاتنا للهزل، بل تكون اجتماعات صلاة وتسبيح.
2. الشكر في كل حين، حتى وسط الآلام. وبلا تذمر.
3. السلوك في خوف الله والامتناع عن كل شر وكل خطية.
لو كان الخلاص بالنعمة فقط دون أن يكون للإنسان دور، فلماذا لم يجعل الله كل الناس قديسون بعمل نعمته، أو على الأقل لماذا لم يجعل كل المؤمنين قديسين؟! لو إفترضنا أن الخلاص هو بالنعمة فقط، هذا سيكون مبررًا للخطاة يوم الدينونة أن يقولوا "لم تعمل فينا النعمة كما عملت في القديسين وبهذا ينسبون لله المحاباة وعدم العدل. ولو كان العمل هو عمل النعمة فقط دون جهاد من المؤمن، فهل يخلص الجميع، ونحن نعلم أن الله يريد أن الجميع يخلصون (جميع الناس) (1تى4:2)؟ كما قلنا سابقًا فإن عمل النعمة لا يعطل حرية الإنسان. فالإنسان بحريته وله كامل الحرية والإرادة أن يقبل الله أو أن يرفض الله ويعطل إرادة الله الصالحة من نحوه. وهذا ما قاله السيد المسيح "يا أورشليم ... كم مرة أردت أن أجمع أولادك ... ولم تريدوا" (هنا نرى أن أورشليم كان لها حرية شخصية في رفض الله ولكنها عطلت إرادة الله الصالحة من نحوهم).
والنتيجة ... "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت23: 37، 38).
ونفهم من قول بولس الرسول "إننا عاملون معه" (2كو1:6) أن أمر خلاصنا متوقف على إرادتنا وجهادنا، ومن يريد ويجاهد ويغصب نفسه تعطيه النعمة طبيعة جديدة بها يخلص. فملكوت السماوات يغصب (مت12:11).
وهذا ما كان الرسول يعنيه بقوله "أقمع جسدي وأستعبده (جهاد سلبي) حتى بعد ما كرزت للآخرين (جهاد إيجابي) لا أصير أنا نفس مرفوضًا" (1كو27:9). ويتصور البعض أن قول الرسول بالنعمة أنتم مخلصون (أف5:2) ليس من أعمالي كي لا يفتخر أحد (أف9:2). أن هذا فيه إثبات لعدم ضرورة الأعمال. وهنا ينبغي أن نفهم أن هناك نوعين من النعمة:-
1. نعمة لا دخل للأعمال فيها، مثل تجسد المسيح وفدائه وإرسال الروح القدس على الكنيسة. فالمسيح مات عنا ونحن خطاة (رو8:5). وكوننا خرجنا للعالم فوجدنا أنفسنا مسيحيين. نحن لم نعمل شيئًا لنحصل على كل هذا.
2. النعمة التي هي القوة التي تغيرنا من طبيعتنا القديمة إلى طبيعة جديدة وخليقة جديدة على صورة المسيح، نحيا في بر. هذه النعمة لا تعطى إلا لمن يستحقها أي لمن يجاهد. ولكن جهادنا في حفظ أنفسنا طاهرين لا يساوي أكثر من خمس خبزات وسمكتين، أما الخليقة الجديدة بالنعمة فهذه تساوي إشباع الجموع.
فَمَنْ يجاهد ويغصب نفسه بجهاد سلبي (يميت أعضاؤه وشهواته ويصلبها كمن هو مصلوب مع المسيح) وبجهاد إيجابي (صلاة/ صوم/ خدمة/ تسبيح ...) يعطيه الله بنعمته الطبيعة الجديدة. ويحيا المسيح فيه (غل20:2) ويتحول إلى صورة المسيح (غل19:4). بهذه الطبيعة نخلص وليس بأعمالنا. ونحن لذلك لا نفتخر بأعمالنا. ولا نعِّرف شمالنا ما تفعله يميننا، بل نجاهد صارخين لله أن يملأنا من الروح القدس أي بنعمته، والروح القدس هو الذي يعطينا أن نكون خليقة جديدة بها نخلص.
1. بسقوط آدم فسدت الطبيعة البشرية. وهكذا صار كل أولاد آدم. لكن الله كان قد طبع وصاياه على قلب الإنسان، وهذا ما يسمى الضمير أو الناموس الطبيعي. وكان هذا هو الحافظ للإنسان من الاندفاع في طريق الشر، وكان للإنسان قدرة في معرفة الله من خلال الطبيعة (رو20:1) مستخدمًا عقله. ولكن بفساد الإنسان تحجر قلبه وتقسى وفقد طبيعة الحب التي تجعل الوصايا مطبوعة في القلب. وبهذا فسد الضمير.
2. أعطى الله الناموس بيد موسى مكتوبًا، وذلك بدلًا من الضمير الذي فسد. وكان هذا الناموس كمساعد للإنسان نعمة من الله (حز20: 11، 12). ولكن الناموس لم يكن قادرًا أن يغيّر طبيعة الإنسان، بل كان لكبح جماح شهواته، كان الناس يخافون من إرتكاب الشر خوفًا من عقوبات الناموس، لذلك قال الرسول عن الناموس أنه مؤِّدب (غل24:3) ونصلي في القداس الغريغوري "أعطيتني الناموس عونًا".
3. جاء المسيح متجسدًا، ومات لنموت معه في المعمودية، وقام لنقوم معه في المعمودية، نموت عن الطبيعة القديمة، ونقوم بطبيعة جديدة متحدة بالمسيح، وفي سر الميرون يحل فينا الروح القدس ويثبتنا في المسيح ويعطينا نعمة تعمل فينا لتغيّر طبيعتنا لطبيعة جديدة بها نستطيع أن نعمل بسهولة ما عجز عنه المؤمن في ظل الناموس، وأصبحنا نجاهد ضد الخطية بسهولة (عب1:12). ولكن لكي تعمل فينا النعمة علينا أن نجاهد.
أ- جهاد سلبي (نميت شهواتنا ونصلبها ونحيا كأموات أمام الخطية).
ب- جهاد إيجابي (في صلوات وأصوام ...).
والروح يعطي معونة لمن يفعل هذا ويجاهد "إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو8: 13-16 + رو26:8 + رو29:2). والروح يعطينا طبيعة جديدة على شكل صورة المسيح (غل19:4) وبهذه الطبيعة نخلص (غل15:6) وقول الرسول "بالنعمة أنتم مخلصون" (أف8:2) يعني أننا نخلص بهذه الطبيعة الجديدة التي أعطتها لنا النعمة وليس بأعمالنا (أف9:2). وكمثال لهذا:-
إنسان مؤمن يعاني من شهوة النظر (بطبيعته القديمة الخاطئة) ويسمع صوت الإنجيل أميتوا أعضاءكم التي على الأرض (كو5:3) فيكف ويجاهد حتى يكف عن النظر، واضعًا عينيه في الأرض، صارخًا لله أن يعينه، حاسبًا نفسه ذبيحة حية، وأنه ليس من اللائق لمن حسب نفسه ذبيحة حية أن يستمتع بنظرات خاطئة. إلى هنا فعمله هذا لن يدخله السماء، بل يجعله أهلًا أن تنسكب النعمة عليه وتغير طبيعته، ولا يعود يشتهي أن ينظر نظرات خاطئة، ويطرح عنه الخطية بسهولة، لقد صارت له طبيعة جديدة، لقد صار خليقة جديدة بها يدخل السماء. هذا معنى بالنعمة أنتم مُخَلَّصون (أف8:2). وليس من محاولاته الأولية لذلك عليه أن لا يفتخر بجهاده وبما عمله (أف9:2).
تأمل في مزمور (مز 118: 19-20):
افتحوا لي أبواب البر (هذه شهوة قلب المرنم للتبرير بالمسيح أي بالنعمة).
هذا الباب للرب (بر المسيح، والمسيح هو الباب. وهذا التبرير هو عطية من الرب ... ولكن لمن؟)
الصديقون يدخلون فيه (لن يدخل من الباب حتى يتبرر إلا من يغصب نفسه ويدخل من الباب الضيق بأن يحسب نفسه ميتًا عن شهوات العالم الخاطئة، مجاهدًا في صلاته).
ومن يغصب نفسه يُحسب صديقًا. والصديق يُحسب أهلًا للدخول من الباب فيتبرر بالنعمة. والتبرير بالنعمة هو الخليقة الجديدة التي بها يدخل المؤمن للسماء. هذا ما اشتهاه داود دائمًا إذ كان يصرخ قلبًا نقيًا اخلق فيّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدد في داخلي (مز10:51).
كما رأينا في (رو6: 3-5) أن سر المعمودية يعني الموت عن الإنسان العتيق وقيامة إنسان جديد، يحيا في حياة جديدة "هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كو17:5). فالمعمودية إذًا هي موت وحياة، وهي من الماء والروح.
ولكن الإنسان في خلال رحلة حياته معرض للسقوط، والقديس يوحنا يعترف بهذا ويقول "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا (1يو8:1). لذلك أسس السيد المسيح سرًا آخر هو سر التوبة والاعتراف. حيث يكمل القديس يوحنا قائلًا "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو9:1). وحيث أن الاعتراف يطهر من كل إثم يسمي الآباء، التوبة والاعتراف، معمودية ثانية. ولكن سر الاعتراف يجب أن يسبقه توبة. والروح القدس الذي يعمل في الأسرار هو الذي يبكت ويدفع الإنسان ويُتَوِّب "توِّبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي" (أر18:31) وهو الذي يبكت الإنسان لو أخطأ (يو8:16). وهو الذي يعين في طريق التوبة (رو26:8). وهو الذي يعطي الغفران في سر الاعتراف حينما يصلي الكاهن التحليل (يو20: 22، 23). فهو الذي يحرك مشاعر التوبة وذلك بتوبيخه وتبكيته للخاطئ وإقناعه له بأن يترك خطيته (أر7:20) فيذهب للكاهن معترفًا بخطيته، وهناك يعطي الروح غفرانًا. ونلاحظ أنه بالخطية نفقد ثباتنا في المسيح فنموت، وبالاعتراف تغفر الخطية فنحيا. لذلك سمعنا قول السيد في مثل الابن الضال "ابني هذا كان ميتًا فعاش" (لو24:15) ولكن كما قلنا أن بولس الرسول يطلب منا أن نصلب ذواتنا ونميت شهواتنا الخاطئة وأعضائنا، بل ونقدم أجسادنا ذبائح حية وذلك بقرار توبة "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12 + غل20:2 + غل24:5 + كو5:3 + رو11:6). فالتوبة هي قرار بأن أموت عن الخطية وهو قرار يدعمه الروح القدس بالنعمة. وبالنعمة نحيا كأموات عن الخطية وأحياء في المسيح. إذًا فسر التوبة والاعتراف هو أيضًا موت وحياة. هو سر يعمل فيه الروح القدس.
ويأتي بعد هذا سر الإفخارستيا. ونلاحظ أن القديس كيرلس له قسمة رائعة (رقم 19 في الخولاجي) يقول فيها "وعند إصعاد الذبيحة على مذبحك تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك". والكنيسة الأرثوذكسية تتناول الجسد منفصلًا عن الدم. فنحن حين نتناول الجسد المكسور نشترك مع المسيح المصلوب في موته، وحين أقبل أن أُصْلَبْ مع المسيح، أي أصلب أهوائي مع شهواتي، يعطيني الروح القدس قوة ونعمة أصير بها ميتًا عن الخطية، هذا ما يعنيه القديس كيرلس بقوله تضمحل الخطية في أعضائنا". ثم بعد تناول الجسد نتناول الدم، والدم في الكتاب المقدس يشير للحياة. فمن يقبل أن يُصلب مع المسيح تكون له حياة المسيح. "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20:2). إذًا بالتناول نشترك مع المسيح في صليبه (تضمحل الخطية في أعضائنا). ونشترك معه في حياته "مَنْ يأكلني يحيا بي" (يو57:6). وراجع أيضًا (يو6: 32-58). وبهذا نفهم أن سر الإفخارستيا هو أيضًا سر موت وحياة، موت عن الإنسان العتيق وحياة وثبات في المسيح. وسر الميرون يُعِطي للمعمد أن يحل عليه الروح القدس الذي يعمل كل هذه الأعمال. ومن (غل5: 22-24). فلا تظهر ثمار الروح، أي لا يمتلئ من الروح إلا كل من قبل أن يصلب جسده مع أهوائه وشهواته. لذلك أيضًا فهذا السر هو موت عن أهواء الخطية لنحيا ممتلئين بالروح. وسر الكهنوت هو خادم كل الأسرار. إذًا فالأسرار قد أسسها الرب لتعين وتعطي المؤمن موتًا عن إنسانه العتيق وتعطيه قيامة بالإنسان الجديد، وثباتًا في جسد المسيح. ومن هو ثابت في المسيح يكون جسده ميتًا عن شهواته، أي إنسانه العتيق ميتًا، ولكنه تكون له في الوقت نفسه حياة المسيح. فعمل الروح يعطي موت عن الإنسان العتيق وحياة جديدة في المسيح "إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر" (رو10:8). باختصار فالأسرار كلها هدفها تثبيتنا في جسد المسيح السري، بأن نموت عن العالم ونحيا في المسيح. والأسرار هي نعمة غير منظورة نحصل عليها تحت أعراض منظورة. فالمعمودية هي غفران للخطايا، وهي موت عن الحياة الماضية وقيام إنسان جديد حاصل على التبني. وأمّا المنظور فهو الغمر والتغطيس في الماء مع الصلوات. وتعريف المعمودية بأنها موت وقيامة مع المسيح فنجده في (رو6: 3-10)، فهل فعلًا كل من أعتمد يصير ميتًا عن العالم؟ نقول لا ... فإنه يلزم الجهاد بأن نحسب أنفسنا أمواتًا. لذلك يُكمل الرسول بقوله "كذلك أنتم أيضًا إحسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو11:6). إذًا لا نعمة بدون جهاد.
وسر الميرون هو سر حلول الروح القدس على المعمد، فهل كل من يُمسَح بالميرون أو وضعت عليه اليد يكون ممتلئًا من الروح القدس؟ قطعًا لا. وإلا لما قال بولس الرسول لتلميذه "فلهذا السبب أذكّرك أن تضرم أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ (2تى6:1).
وهكذا في التوبة والاعتراف، فمن يعترف تغفر له خطيته (1يو9:1). لكن هذا لمن يجاهد بأن يحسب نفسه ميتًا عن الخطية (كو5:3 + رو13:8 + رو11:6).
وهكذا في التناول، فالتناول ثبات في المسيح، ولكن هذا الثبات لمن يحسب نفسه ميتًا عن الخطية (كو5:3+ رو13:8+ رو11:6).
وهكذا في سر الزواج، فالروح القدس يجمع بين الزوجين في محبة روحانية، ويجعلهما متوافقين وفي محبة. ولكن هذا لمن يجاهد ويصلي ويصوم ويتناول تائبًا عن خطاياه، أما من ليس له علاقة بالله ويحيا فقط ساعيًا وراء ملذات العالم وشهوات جسده، لا يعمل فيه الروح القدس هذا العمل فيكره زوجته وتدب الخلافات بينهما.
لذلك نفهم أننا من خلال الأسرار نحصل على نعمة تعطينا حياة ثابتة في جسد المسيح، لذلك فهي أساس الخلاص. لكن هذه النعمة تزداد بجهادنا وتضمحل باستهتارنا وتهاوننا. وهذا ما قصده الرسول بقوله "لا تطفئوا الروح" (1تس19:5) وبقوله "لا تحزنوا الروح" (أف30:4) وهذا يعني أن من يسلك في شهوات العالم يطفئ الروح ويحزنه فيفقد عمل النعمة فيه. [إذًا النعمة التي نأخذها من الأسرار هي رصيد يمكننا أن نزيده بالجهاد ويمكننا أن نخسره إذا لم نجاهد].
بولس الرسول الذي كرز في أوروبا كلها تقريبًا، هذا الإناء المختار والذي كتب نصف أسفار العهد الجديد نرى أنه عانى مُعاناة شديدة جدًا:-
1. كان يعاني من ضعف في عينيه (غل15:4 + غل11:6). وكان جسده يفرز صديدًا مستمرًا (أع12:19) يجعل رائحته منفرة (غل4: 13، 14). ولعل هذه هي ما قصدها بولس بالشوكة في الجسد الذي ضربه بها ملاك الشيطان (2كو7:12).
2. كان اليهود يقاومونه في كل مكان، بل والوثنيون أيضًا (راجع سفر الأعمال).
3. بل حتى من المؤمنين كان هناك من يقاومونه (فى1: 15، 16).
4. أثاروا ضده شائعات أنه ليس برسول وليس في مستوى تلاميذ المسيح، لذلك كان مضطرًا أن يُدافع عن نفسه لتثبيت تعاليمه والإيمان الذي يبشر به (غل1: 1، 11).
5. أثاروا ضده أنه ينتفع بالعطايا العينية لذلك أصر أن تكون العطايا العينية لفقراء أورشليم عن طريق أناس يعرفونهم (2كو8: 16-24).
6. هو لخص بعض الآلام التي عانى منها في (2كو11: 23-28).
7. بل هو فرض على نفسه قمعًا للجسد (1كو27:9).
1) كان بولس محبوبًا بشكل غير عادي (أع 20: 37، 38).
2) حسبه البعض إلهًا وقدموا له ذبائح (أع 14: 8-15 + 6:28).
3) كان يُخْتَطَف إلى السماء (2كو 12: 1-6).
4) كان يصنع آيات عجيبة حتى أنه أقام ميتًا (أع 20: 7-11).
لذلك خاف عليه الله أن ينتفخ فيضيع بولس الرسول العظيم، لذلك سمح له الله بهذه التجارب (2كو7:12). وبولس فهم هذا فقال "أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع22:14). بل هو فهم أن الآلام صارت هبة من الله (فى29:1). لذلك يقول أن كل الأشياء تعمل معًا للخير (رو28:8) وهو حَسِبَ أن كل الأمور الحاضرة والمستقبلة هي لصالح قضية الخلاص. فما يسمح به الله من آلام مصمم خصيصًا من أجل خلاص نفوس أولاده الأحباء. وهذا معنى "أبلوس أم بولس أم صفا أم العالم أم الحيوة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شيء لكم" (أي لخيركم وخلاص نفوسكم) (1كو22:3).
وراجع قصة أيوب، فالله سمح بآلام أيوب ليتنقى من خطايا لا يعرفها أيوب. وهذا ما فعله بولس الرسول مع خاطئ كورنثوس إذ أسلمه للشيطان ليهلك الجسد (بالأمراض مثلًا) ولكن تخلص الروح في يوم الرب (1كو5:5). وبهذا نجد بولس يسلّم الخاطئ لملاك الشيطان لينقيه من خطية موجودة فيه، والله يسلّم بولس الرسول لملاك الشيطان أيضًا لكن ليحميه من خطية هي الانتفاخ، وهو معرض للسقوط فيها. وبهذا نرى أن للتجارب فائدتين:-
1- تنقية من خطية موجودة.
2- حماية من خطية يكون الإنسان معرضًا لها.
والمعنى أن التجارب يسمح بها الله لخلاص الإنسان. بل أن بولس رأى أن الآلام هي شركة صليب مع المسيح استعدادًا لشركة المجد "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه" (رو17:8). ويقول أيضًا "إن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا (2كو17:4) فالآلام في رأى بولس الرسول إذًا هي إعداد للمجد الأبدي.
وهذا ما كان يقصده القديس غريغوريوس واضع القداس الغريغوري حينما قال "حولت لي العقوبة خلاصًا". فالألم والمرض كانا نتيجة وعقوبة للخطية. ولكن بعد المسيح صارا خلاصًا أي سبب خلاص، بل حتى الموت الذي كان عقوبة للخطية صار القنطرة الذهبية التي نعبر بها من هذا العالم المظلم إلى نور ومجد وفرح الأبدية.
تأمل في الآية (رؤ14:7):
المتسربلون بالثياب البيض "هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف". الضيقة العظيمة هي هذا العالم الذي نعيش فيه بضيقاته وآلامه فلماذا يسمح الله بالضيقات في هذا العالم؟ رأينا فيما سبق أنها نتيجة حتمية بسبب دخول الخطية إلى العالم. لكن الله سمح بها لأولاده الأحباء لأجل تنقيتهم. فلو وجد شخص عادي قطعة حديد يعلوها الصدأ لرماها إذ سيجدها بلا فائدة ولا تصلح لشيء. أما لو وجدها إنسان خبير ماهر سيأتي بمبرد ويقوم بتلميعها فتصبح صالحة لأشياء عديدة، فالآلام والتجارب هي هذا المبرد الذي ينقي الإنسان، ولكن هل حقًا أن الآلام هي التي تعطينا النقاوة والثياب البيض التي ندخل بها للسماء كما نرى في هذه الآية، هل الآلام قادرة على تنقية أحد؟! قطعًا لا. بل كما نرى من هذه الآية أن التنقية هي بدم المسيح، والثياب البيض هي علامة النقاوة، ثيابنا أي حياتنا صارت بيضاء (علامة البر) بدم المسيح.
1. كما هو مكتوب فإن محبة العالم عداوة لله (يع4:4). ونحن بعد السقوط صار فينا انحراف، إذ أصبحنا نشتهي العالم بملذاته وشهواته وأمجاده. الله أعطانا العالم لنستعمله ولكنه صار هدفًا لنا. كان المفروض أن يكون هدفنا هو السماء ومجد الله، لكن بسبب الخطية صارت شهواتنا لملذات العالم لذلك صار مَنْ يشتهي العالم معاديًا لله، فالله من محبته يسمح بهذه الآلام حتى نزهد في هذا العالم ونشتهي الراحة في السماء، وأمجاد السماء.
2. في حالة كحالة بولس الرسول، فالله خاف على بولس أنه بسبب ما رآه ويراه من أمجاد السماء وحب الناس له ومعجزاته، يبدأ يرى في نفسه أنه يقوم بأعمال عظيمة فينتفخ. ولكن إذ يرى آلامه يُدرك ضعفاته، ويتعمق في داخله فكر أنه لا يعمل كل هذا بنفسه بل أن ما يعمله إنما هو عمل الله. هو عمل النعمة التي تؤازره أما هو فضعيف فلا ينتفخ (1كو10:15 + 1تى15:1).
3. دم المسيح هو الذي ينقي ويبيض، ولكن ينقي مَنْ؟ هل ينقي كل إنسان؟ قطعًا لا بل هو ينقي كل من يحتمي به، راجعًا بتوبة حقيقية كالابن الضال الذي ألبسه أبوه الحلة الأولى (الملابس البيضاء). فكانت فائدة المجاعة التي حدثت له وفائدة الآلام لنا أن نترك ملذات العالم ونعود لأحضان الله فنتطهر بدم المسيح.
4. لذلك قال القديس بولس الرسول "لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى (يقصد بالتجارب والآلام) فالداخل يتجدد يومًا فيومًا (2كو16:4). ومن هنا نفهم أن الآلام هي معونة من الله لتساعدنا لتجديد الداخل. لذلك قال بولس الرسول أنها صارت هبة من الله "لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (في29:1).
← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4ycj23g