← المقدمات: مقدمة عن فكرة الخلاص في المسيحية - ملخص لمقدمة رسالة رومية مع إيضاحات أكثر لفكرة الخلاص - الإيمان: أهمية الإيمان للخلاص
1 روما سميت هكذا لأن الذي أسسها هو رومليوس سنة 753 ق.م. فحملت اسمه. وبنيت على مكان مرتفع، على أكمة من الآكام السبع تم اتسعت لتمتد فتشمل كل الآكام.
2 اتسع نطاقها ونفوذها حتى صارت عاصمة الدولة الرومانية التي استولت على حوض البحر المتوسط كله. وصارت روما ملتقى ساسة العالم وقادته، ومركزًا للعلوم والآداب والفلسفة، واشتهرت بالقانون الروماني الذي لا يزال يُدَرّس في أغلب جامعات العالم. وكبلد مفتوح امتلأت روما بقبائح الرجاسات الوثنية القادمة من كل العالم، ويظهر ذلك بوضوح من الإصحاح الأول. بل نعرف من التاريخ أن شعبها في وثنيته كان لهم طبعًا وحشيًا ويتلذذون بإلقاء العبيد للوحوش تأكلهم، ويتلذذون بصراعات العبيد حتى الموت وذلك في ملاعبهم.
3 يقدّر سكان روما في القرن الأول بحوالي 2 مليون. وكان ثلث سكانها من العبيد. وكان بالمدينة عدد كبير من اليهود الذين قادهم بمبيوس القائد الروماني كأسرى حينما استولى على سوريا سنة 63 ق.م. وأسكنهم قسماُ في المدينة. ثم تحرر هؤلاء اليهود وتكاثروا حتى أصبحوا حوالي 16 ألف نسمة في عهد بولس الرسول. وكان هؤلاء اليهود في سلام وراحة معظم وقتهم في روما، إلا في عهد طيباريوس سنة 19 م. وفي عهد كلوديوس قيصر سنة 49 م. الذي أمر بطردهم جميعًا من روما (أع 2:18). وذلك غالبًا بسبب شغب اليهود ضد المسيحيين، فكان أن طرد طيباريوس اليهود والمسيحيين.
أ- جاء في سفر أعمال الرسل أنه في يوم الخمسين حضر يهود أتقياء من كل أمّة من بينهم "رومانيون مستوطنون يهود ودخلاء" (أع 10:2). هؤلاء قبلوا الإيمان بالسيد المسيح وعادوا من أورشليم إلى روما يكرزون بين إخوتهم اليهود. وإذا عرفنا أن من آمن واعتمد يوم الخمسين كانوا 3000 شخص من كل الجنسيات، وليكن بينهم عدة مئات من روما، هؤلاء كانوا الخميرة للمسيحية. وكان الروح القدس يعمل بشدة مع الكارزين في الكنيسة الأولي لذلك سريعًا ما انتشرت المسيحية في روما. والرسالة إلى رومية كتبت حوالي سنة 57 م. أي بعد ما يقرب من 23 سنة من عظة بطرس يوم الخمسين. في هذه المدة نمت الكنيسة في روما.
ب- إذ تميزت الدولة الرومانية بالحرية وسهولة الانتقال فيما بينها وخاصة بين البلدان المختلفة والعاصمة، وكانت روما ملتقى كبار القادة والتجار، فقد دخلها بلا شك جماعة منهم سواء من أصل يهودي أو أممي، جاءوا يشهدون للرب في روما. من بين هؤلاء أناس سمعوا تعاليم بولس الرسول في بعض مدن إخائية ومكدونية (بلاد اليونان)، ومدن أسيا الصغرى وآمنوا بهذه التعاليم، ويؤكد ذلك سلام القديس بولس على كثيرين ذكرهم بأسمائهم في الإصحاح الأخير من الرسالة، مما يدل على أنهم كانوا من تلاميذه ومعارفه مع أنه لم يكن قد ذهب إلى روما قبل كتابة هذه الرسالة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ولاحظ قول بولس الرسول في (رو 1: 7) "الموجودين في رومية..." إذًا هم ليسوا من أهلها الأصليين بل انتقلوا إليها أو نزحوا إليها مؤخرًا.
ج- إذ طُرِد كثير من اليهود إن لم يكن جميعهم من روما بأمر كلوديوس إلى مدن أخرى ثم عادوا إليها مرة أخرى، كان بعضهم قد آمن بالسيد المسيح مثال ذلك أكيلا وبريسكلا اللذان التقيا مع بولس الرسول في كورنثوس (أع 1:18، 2) وآمنا على يديه. هذان وغيرهما قد اشتركوا في تأسيس الكنيسة هناك (رو 5:16) فكان لهما كنيسة في بيتهما. وهما حملا أخبار كنيسة رومية لبولس ومنهما عرف مَنْ مِنَ المؤمنين الذين آمنوا على يديه قد سكن في روما فأرسل يسلِّم عليهم في الإصحاح 16 من رسالته.
د- واضح من الرسالة أن أحدًا من الرسل لم يكن قد أنشأ هذه الكنيسة حتى كتابة هذه الرسالة، فقد كان مبدأ بولس الرسول "كنت محترصًا أن أبشر هكذا، ليس حيث سُمِّيَ المسيح لئلا أبني على أساس لآخر (رو2:15). وإذ يكتب في نفس الرسالة معلنًا شوقه الشديد للتوجه إليهم، وانه منع مرارًا وأخيرًا قرر زيارتها (رو9:1، 10) + (رو22:15-24). هذا يؤكد أن أحدًا من الرسل لم يكن قد زار روما من قبل. ونرى أشواق بولس لزيارة رومية أيضًا في (أع 21:19) وإجابة الله على أشواقه نجدها في (أع1:23). ولقد توجه بولس إلى روما فعلًا ولكن كأسير ولكنه كرز فيها من خلال سجنه أولًا. وهو قد وجد فيها مسيحيين (أع 13:28-15).
هـ كان بولس الرسول يشعر أنه رسول الأمم (غل 2: 7، 11) لذا أحس بالمسئولية تجاه هذه المدينة كعاصمة العالم الأممي في ذلك الحين.
و- يقول الأخوة الكاثوليك أن بطرس توجه إلى روما سنة 41م بعد أن أخرجه الرب من السجن (أع7:12-17). وفي (أع17:12) يقول أن بطرس خرج وذهب إلى موضع آخر. ويقول الكاثوليك أن روما هي الموضع الأخر. ويقولون أن بطرس استمر في روما 25 سنة وكان أول أسقف لها. ولكن غالبية الدارسين في الشرق والغرب لا يقبلوا هذا الرأي. فمن جهة كان بطرس حاضرًا في أورشليم حتى المجمع الرسولي الذي انعقد سنة 50 م تقريبًا (أع 15). وكان في إنطاكية سنة 55م حيث إجتمع مع بولس هناك (ابط13:5). ولو كان بطرس هو الذي أسس كنيسة روما لما كتب بولس رسالته إلى رومية ولما أعلن اشتياقه لزيارتها فهو لا يبشر حيث سُمِّيَ المسيح. ولو كان بطرس في روما لكان بولس الرسول قد ذكر اسمه أول الأسماء التي يسلم على أصحابها (رو 16). ورسائل الأسر التي كتبها بولس وهو في سجنه في روما لا يذكر فيها اسم بطرس. لكن تنظيم كنيسة رومية تم بعد ذلك بواسطة بولس وبطرس فيما بين سنة 62 ، سنة 67م
كتب الرسول هذه الرسالة وهو يتوقع زيارته لروما .وقد قرر ذلك في طريقه إلى أسبانيا (رو23:15-24). وذلك بعد ذهابه إلى أورشليم حاملًا معه عطايا مسيحيي مكدونية واخائية إلى إخوتهم فقراء أورشليم (رو15: 25،26 + اكو1:16-16 + 2كو1:8-4). بهذا يكون قد كتبها أثناء رحلته التبشيرية الثالثة من كورنثوس، في بيت رجل اسمه غايس وصفه الرسول أنه مضيفي ومضيف الكنيسة كلها (رو23:16). وهو أحد اثنين قام الرسول بتعميدهما (1كو14:1) أملاها الرسول على ترتيوس، فبولس الرسول كان نظره ضعيفًا جدًا. وقد حملتها إلى روما الشماسة فيبي، خادمة كنيسة كنخريا (رو 16: 1) وكنخريا ميناء شرقي كورنثوس. وإذ ذهب بولس الرسول إلى أورشليم في ربيع سنة 58 م.، لذا يرى غالبية الدارسين أنها كتبت ما بين سنة 57، سنة 58 م.
1 طيباريوس (في أيامه آمن بولس) |
مات سنة 37 م. حكم 18 سنة |
|
2 كاليجولا |
مات سنة 41 م. |
|
3 كلوديوس |
مات مسمومًا سنة 54 م. |
|
4 نيرون (في أيامه إستشهد بولس) |
مات منتحرًا سنة 68 م. |
قبول بولس للإيمان المسيحي |
36 م. |
|
أول زيارة لبولس لأورشليم |
38 |
|
ثانى زيارة لبولس لأورشليم |
44 |
|
بدء أول رحلة تبشيرية |
45 |
|
ثالث زيارة لبولس لأورشليم + أول مجمع للرسل في أورشليم |
49 |
|
بدء ثاني رحلة تبشيرية |
50 |
|
رابع زيارة لأورشليم |
54 |
|
بدء ثالث رحلة تبشيرية |
54 |
|
خامس زيارة لأورشليم وهي آخر زيارة |
58 |
|
السجن في قيصرية |
58 – 60 |
|
الترحيل إلى روما |
خريف60 - 61 |
|
أول سجن لبولس في روما |
61 - 63 |
|
البراءة وبدء كرازته في أوروبا ثانية |
67 |
|
إعادة القبض عليه وسجنه |
67 أو 68 |
|
الاستشهاد |
68 |
أ- لأهمية هذه الرسالة كان القديس يوحنا ذهبي الفم يقرأها مرتين أسبوعيًا. وكانت هذه الرسالة هي السبب المباشر لتوبة وتغيير القديس أغسطينوس. ولقد سميت هذه الرسالة كاتدرائية الإيمان المسيحي إذ تحوي عناصر الإيمان المسيحي. ويسمون الإصحاح الثامن من هذه الرسالة قدس أقداس الكاتدرائية. هذه الرسالة قدمها بولس الرسول كمقال يمس إيمان الكنيسة ويعبّر عن الحياة الإنجيلية بدقة حتى دعيت "إنجيل بولس"
ب- لأنه كان مزمعًا أن يتوجه لزيارة روما، أراد الرسول أن يعالج المشاكل الموجودة في روما قبل توجهه إليها.
ج- كان أعضاء الكنيسة الأولي في روما خليطًا من اليهود المتنصرين والأمم المتنصرين، وربما كان العنصر اليهودي غالبًا. وكان كلام الرسول موجهًا لكلا العنصرين حتى يتعايشوا في محبة وسلام وينعموا بوحدانية الروح كأعضاء في جسد واحد لأن اليهود بتربيتهم المتعصبة المتزمتة وتعصبهم الشديد لجنسهم وثقافتهم وفكرهم الديني لم يقدروا أن ينزعوا أنفسهم بسهولة عن شعورهم بالامتياز عن غيرهم حتى بعد قبولهم للإيمان المسيحي فكانوا يستخفون بالأمم المتنصرين تحت دعوى:
1- أنهم أبناء إبراهيم وأصحاب الوعد كنسل إبراهيم
2 - أنهم مستلمو الناموس الموسوي دون سواهم.
2- أنهم شعب الله المختار وحدهم.
ولذلك فخلال هذا الفكر الذي عاشوه في ماضيهم اليهودي تأصّل فيهم الكبرياء عن عدم فهم للبنوة لإبراهيم ولا غاية الناموس ولا معنى اختيار الله لشعبه فظنوا أنهم حتى بعد قبول الإيمان بالمسيا يبقون في مرتبة أسمى من غيرهم. وأمّا الأمم فقد أخذوا موقفًا مضادًا كرد فعل للفكر اليهودي، فاحتقروا اليهود ونظروا إليهم كشعب جاحد وأن الباب قد أغلق على اليهود لينفتح على مصراعيه للأمم، بالإضافة لإعجابهم بفلسفتهم وعلومهم وعظمتهم.
وكتب بولس رسالته ليشرح لليهود معنى البنوة لإبراهيم وأن بنوتهم لإبراهيم أو الناموس لن يكونا سبب خلاص لهم. وكتب للأمم أن فلسفتهم لن تخلصهم. وأن لا فضل لإنسان في قبوله الخلاص وقبوله الإيمان بل هي نعمة ورحمة من الله. فالناموس يشير للخطية لكنه لا يعطيني قوة لكي أتجنبها. أما فلسفات الأمم فلقد قادتهم للسقوط في النجاسات. لذلك تحدث الرسول عن احتياج الجميع يهودًا وأمم للخلاص، وتحدث عن عمومية الخلاص. وأن الباب قد إنفتح للأمم كما لليهود خلال الإيمان. وشرح بولس مفهوم الإيمان ضرورته للخلاص.
د نراه في هذه الرسالة يدعو لاحترام الحكام ودفع الجزية بالرغم من اضطهادهم للكنيسة.
عاش القديس بولس قبل الإيمان بالسيد المسيح في صراع داخلي مر. ففي الخارج يظهر إنسانًا معتدًا بجنسه وبره وفريسيته، بكونه عبرانيًا أصيلًا من شعب الله المختار وفريسيًا وحافظًا للناموس، يمارس الطقوس في جدية ويحفظ الطقوس والوصايا، لكنه في أعماق نفسه الدفينة متى صارح نفسه يجد أنه ضعيف للغاية أمام الخطية وعاجز عن التمتع بالحياة المقدسة الداخلية، محتاج لا إلى وصايا وتعاليم بل بالحري إلى تجديد طبيعته. ولاحظ افتخاره ببره قبل إيمانه بالمسيح.. من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم في (رو 4:1-6) وصعوبة الحياة المقدسة في ظل الناموس عَبَّرَ عنها التلاميذ أنفسهم بقولهم لمن أرادوا الزام الأمم المتنصرين بالناموس "فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع أباؤنا ولا نحن أن نحمله" (أع10:15). ولقد وجد الرسول بولس في الإيمان بربنا يسوع، وبالإيمان وحده لا بأعمال الناموس الحرفية من ختان وغسلات وتطهيرات أنه يدفن مع المسيح ويقوم في مياه المعمودية ليصير "خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كو17:5).
هنا نرى أن وضع البشر قبل المسيح يشبه وضع التلاميذ عندما حاولوا صيد السمك طوال الليل بلا فائدة. ولكن لما دخل الرب يسوع المركب تغير الوضع وإصطادوا سمكًا كثيرًا. لقد عجز العالم أن يعيش في البر قبل المسيح وتساوي في ذلك الأمم الذين ليس لديهم ناموس مع اليهود الذين لهم الناموس، والفارق أن الناموس كان يخيف اليهود فيمتنع البعض عن الخطية خوفًا، لذلك قال الرسول أن الناموس مؤدبنا إلى المسيح (غل24:3). ولكن هذا لا يمنع من أنه كان يوجد داخل النفس كبت وإشتياق للخطية، وهذا ما عبر عنه التلاميذ في (أع10:15). لكن لما جاء المسيح ودخل حياتنا وأعطي الخلاص بالإيمان نال المؤمنين التبرير الحقيقي. ولقد إختبر بولس الحياة الجديدة في المسيح يسوع لا كتغيير مظهري ولا إعتناقًا لتعاليم جديدة إنما ما هو أعظم.. لقد تمتع بقوة الإيمان الحي وتغيير شامل في حياته الجديدة فيه تقديس للقلب والأحاسيس والفكر والعواطف وكل طاقات النفس والجسد بالروح القدس الذي يسكن فيه... (تقديس أي تكريس وتخصيص لله..."يا ابني إعطني قلبك" (أم26:23) هذا التغيير يتحقق خلال تغيير مركز الإنسان من حالة العداوة مع الله خلال ناموس الخطية (لأنه لم يوجد الإنسان الذي استطاع تنفيذ كل أوامر الناموس) إلى حالة البنوة لله (التي نحصل عليها بالإيمان بالرب يسوع والمعمودية التي بها نثبت ونتحد بالمسيح الابن فنصير أبناء لله الآب) الأمر الذي كان ناموس موسى عاجزا عنه.
وحينما يتحدث الرسول هنا عن الإيمان وحده دون الأعمال فهو لا يتحدث عن الجهاد الروحي النابع عن الإيمان الحق (جهاد ايجابي وجهاد سلبي) ولا يتحدث عن أهمية الأعمال والجهاد حتى تعمل النعمة في المؤمن المعمد بل هو يتحدث عن
أ- الأعمال الناموسية في حرفيتها، فقد كان الخلاف بين عنصري الكنيسة الأولي من متنصرين يهود ومتنصرين من الأمم لا في أمر الجهاد الروحي وإنما أعمال الناموس، إذ طالب اليهود المتنصرين التزام الأمم بأن يتهودوا أولًا بالختان وممارسة الغسلات اليهودية والتطهيرات حتى يُقبلوا في الإيمان المسيحي. والرسول يهاجم هذه الحركة التي ترد المؤمن إلى حرفية الناموس ومظهرية إتمام أعماله.
ب- أعمال الإنسان قبل الإيمان بالمسيح فمهما عمل الإنسان من بر دون إيمان بالمسيح، فهذا لا فائدة منه، فالداخل نجس (أر9:17).
ج- الأعمال التي يعملها المؤمن ويتفاخر بها على أنها السبب في خلاصه، وهذا يعتبر بر ذاتي، سقط فيه اليهود إذ كانوا يبحثون عن بر أنفسهم (رو3:10) أما الرسول فلقد ركز على الإيمان الحي العملي العامل بالمحبة (غل6:5) والذي به يرتبط المؤمن بربنا يسوع ويتحد معه بالمعمودية (رو5:6) ويصلب معه (رو6:6) ويقوم معه (رو5:6) ويحيا معه (رو8:6) ويتمجد معه (رو17:8) ويرث معه (رو17:8) ويتألم معه (رو17:8). لقد مات ابن الله عوضًا عنا لأجل غفران خطايانا والآن يحيا فينا لأجل تحريرنا من سلطان الخطية. نحن الآن نحيا بحياته فينا فنخلص (غل20:2 + رو10:5). حياته فينا هي التي تعطينا أن نصبح خليقة جديدة لا سلطان للخطية عليها.
إيمان الرسول بولس بالسيد المسيح زعزع أساسات فكره المتعصب، فبعد ما كان مثل كل اليهود يعتنق فكرة أن العالم كله قد خلق من أجل الرجل اليهودي ولخدمته، أدرك حب الله الشامل لكل البشر بغض النظر عن جنسيته أو جنسه أو إمكانياته أو سلوكه، جاء المسيح لليهودي كما للأممي، للرجل كما للمرأة، للطفل كما للشيخ، جاء يطلب الخطاة والفجار ليقدسهم له. جاء لأجل الجميع. لذا تكررت كلمة "الجميع" أو ما يماثلها حوالي 70 مرة في هذه الرسالة. وفند الرسول حجة اليهود أنهم أبناء إبراهيم أب الآباء، فطالبهم بالبنوة الروحية له بحمل إيمانه، بل رفعهم للبنوة لله وهذه تهب الحرية الداخلية. وفند حجتهم أنهم مستلمو الناموس معلنًا أن غرض الناموس أنه كان فقط كمرآة تفضح الخطايا والعيوب ولكن لا قوة للناموس أن يغير طبيعتنا. الناموس أعلن الحكم عليهم بالموت، ولكن قادهم إلى المخلص واهب الحياة. وهذا هو هدف الناموس (رو4:10). وأخيرًا فند حجتهم أنهم شعب الله المختار ليعلن بسط الله ذراعيه للعالم كله ليضم له شعبًا لم يكن يعرفه، ويجعل من الأمم التي كانت غير محبوبة، محبوبة له بإيمانها به بعد جحود طال زمانه... فالله خالق الكل والمهتم بخلاص الجميع.
هناك مصطلحات تكررت في هذه الرسالة وهي "النعمة والبر والقداسة" والرسول لا يقدم تعاريف نظرية ومفاهيم فكرية، إنما تشعر وكأنه يود أن يدخل بكل مؤمن إلى التمتع بهذه النعم والعطايا الإلهية التي إختبرها هو.
إذ يعالج الرسول بولس موضوع "عمومية الخلاص" يكثر الحديث عن النعمة كمقابل لأعمال الناموس الحرفية، فقد أراد اليهود أن يتبرروا بأعمال الناموس لكن جاء السيد المسيح ليهب النعمة المجانية لكل البشر للتبرير (أف5:2-9) ولقد استخدم الرسول كلمة "نعمة" مقابل كلمة "أجرة". فما نناله من الله ليس أجرة عن عمل نمارسه، إنما هو هبة مجانية قدمها الله خلال ذبيحة الصليب وهي نابعة عن فيض حبه الإلهي. ولاحظ أننا لو تكلمنا عن الأجرة في حديثنا مع الله، فمن صلَّى أو صام ثم يطلب أجرة يذكر له الله خطاياه.. وأجرة الخطية موت. أما من يشعر ويؤمن أنه حصل على البنوة، صار ابنًا لله وحصل على النعمة التي غيرت طبيعته، تجده يصوم ويصلي عن حب ابن لأبيه غير طالبًا أجرة من أبيه، ومن يطلب الأجرة فهو ما زال يعيش بالفكر الضيق اليهودي. أمّا من عاش شاعرًا بمحبة المسيح، متمتعًا بعمل النعمة فيه التي غيرت مركزه كإبن، لا كعبد يطلب أجرة عن أعماله، فهذا له حياة أبدية (رو23:6 + رو15:5).
ويلاحظ أن كلمة نعمة "خاريزما" هي تعبير عكسري، يستخدم عندما يتولي الإمبراطور العرش أو يحتفل بعيد ميلاده حيث يهب جنوده عطايا مجانية خلال كرم الإمبراطور وسخائه، هي ليست في مقابل عمل معين عملوه. وكأن السيد المسيح إذ إرتفع على عرش الصليب وملك على النفوس قدم نعمة لكل البشر، هي عمله الخلاصي الذي يتركز في حلوله في النفس لتثبيت المؤمن فيه بروحه القدوس فينعم بالأحضان الأبوية. هذه هي عطيته أن يتمتع المؤمن بالثالوث الأقدس في استحقاقات الدم الثمين، ليحمل الصورة الإلهية وينعم بسمات سماوية فائقة. والسؤال هنا.. أي عمل عمله الإنسان ليستحق كل هذا؟ بل كانت أعمال الإنسان كلها نجاسة!! لذلك نفهم أن فداء المسيح وإرسال الروح القدس للكنيسة هي نعمة مجانية ليست في مقابل أي عمل عمله إنسان ما.
ويرى القديس البابا أثناسيوس الرسولي أن هذه النعمة الإلهية التي تجلت في كمال قوتها بالصليب ليست بالأمر الجديد، فعند الخلقة اقام الله بالنعمة الخليقة من العدم إلى الوجود وبنعمته ميّز الإنسان عن باقي الخليقة، بل خلقه على صورته ومثاله. بل من نعمته وهبه الوصية حتى لا يفقد الفردوس. بل يحيا فيه للأبد بلا حزن ولا ألم ولا قلق بل في فرح دائم. وعندما فقد الإنسان النعمة الإلهية جاء ابن الإنسان متجسدًا ليرد للإنسان ما فقده بتجديد طبيعته بنعمة أعظم.
وهناك تعريف لأحد الدارسين "النعمة هي قوة الله المودعة في يدي الإنسان مجانًا.. لكنها لا تُعطي بدون شرط، وهي تهيئ الإنسان بالروح القدس لتقدمة الخلاص للتمتع بالحياة الأبدية الجديدة النهائية، المعلنة والمدبرة في الكتاب المقدس.. بواسطة يسوع المسيح والمقدمة للعالم كله"
لذلك نفهم أن هناك نوعين من النعمة:
1. عمل المسيح وفدائه (تجسده وصلبه وقيامته) وإرسال الروح القدس هذه نعمة مجانية موجهة لكل العالم، وهي متاحة لكل من يؤمن.
2. النعمة التي هي قوة التغيير التي تغير المؤمن وتصيره خليقة جديدة وهي عمل الروح الذي يسكن في المؤمن، حتى يغيره إلى صورة المسيح (غل19:4). هذه النعمة متوقفة على جهادنا. فالنعمة لا تنزع حرية الإرادة. من هنا نفهم أن جهادنا الروحي (السلبي والإيجابي) نحن لا نقدمه كثمن للنعمة وإنما كإعلان عن جدية قبولنا وتجاوبنا مع نعمة الله المجانية، أما المقاومون والمعاندون فإنهم يخسرون عمل النعمة فيهم، الذين يمتنعون عن الجهاد الروحي، أو الذين يجرون وراء شهواتهم الحسية أو خطاياهم معاندين صوت الروح القدس، هؤلاء يخسرون عمل النعمة فيهم، بل ويشتكون من سطوة الخطية عليهم. إن الجهاد ضروري لخلاصنا حتى لا نخسر نعمة الله المجانية. لكننا لا نحسب جهادنا أو أعمالنا الصالحة برًا ذاتيًا من جانبنا. فالمؤمن لا يعرف شماله (الافتخار بعمله) ما تفعله يمينه (جهاده وأعماله الصالحة).
إذًا لنقبل نعمة الله ومبادرته بالحب.. هذه النعمة تعمل فينا لتقديس مشيئتنا وأعمالنا، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وبجديتنا في تقديس المشيئة والعمل ينفتح القلب أكثر لقبول العمل الإلهي، وهكذا نرتفع من مجد إلى مجد، ونمارس الحياة المقدسة بجهاد وتعب خلال النعمة المجانية.
النعمة إذًا هي عطية الله الآب وتدبيره الخلاصي التي يقدمها لنا في ابنه يسوع المسيح الذي بالصليب حملنا فيه لننعم بما له. ووهبنا روحه القدوس روح الشركة الذي يسكن فينا، الذي يرفعنا إلى الأحضان الأبوية كأبناء مقدسين في الحق. بهذا إرتبطت كلمة النعمة في ذهن بولس الرسول بعمل الله الخلاصي المجاني، غايتها أن ترفعنا من حالة ما تحت الناموس أي تحت أحكامه إلى حالة البنوة ومركزنا الجديد (رو2:5)
وهناك حالات من عطايا الله ونعمته التي يعطيها للبعض مثل نعمة الرسولية التي وهبها الله لبولس الرسول (رو15:15)
وفي الفقرة القادمة نرى رسمًا يوضح حالة الإنسان ما قبل الناموس وما بعد الناموس وما بعد النعمة نرى فيه ضرورة الجهاد حتى تعمل النعمة عملها في كبح الشهوات الخاطئة وتجعل الخطية كأنها ميتة (رو3:8). لكن إذا قَصّر الإنسان في جهاده تنطفئ النعمة (1تس19:5) وبهذا تسود الخطية الإنسان.
|
* إنسان ما قبل
المسيح وما قبل الناموس + الضمير هو الناموس الطبيعي نجد هنا أن ناموس الخطية له قوة ضاغطة على الإنسان. والضمير يقاوم الخطأ ولكن ناموس الخطية له سطوة. |
|||||||||||||
|
* الإنسان في عهد ناموس موسى + صار الناموس بما له من قوة تأديب وعقاب، مساعدًا للناموس الطبيعي ضد ناموس الخطية. لذلك قال بولس الرسول أن الناموس مؤدبنا إلى المسيح (رو24:3) "أعطيتني الناموس عونًا". |
|||||||||||||
|
الجسد يشتهي ضد الروح |
|
|
|||||||||||
↑ |
||||||||||||||
بالمسيح كان لنا النعمة وهي قوة جبارة ولكن لمن يجاهد. |
|
|
|
إنسان لا يجاهد ونجد هذا الإنسان يشتكي من أن للخطية قوة قاهرة عليه |
إنسان مجاهد. هنا نرى النعمة تكبح ناموس الخطية وكأن الإنسان ميت عنها وأعضاؤه ميتة أمامها. |
|||||||||
* المؤمن المسيحي |
الخاطئ خاطئ بطبعه، وكلنا خطاة بالوراثة من أبينا آدم. فأنا كنت في آدم حين أخطأ. وحيث أنني ولدت من آدم فأنا جزء منه، جزء خاطئ مولود بالخطية (مز5:51) وليس في سلطاني أي شيء لأفعله لكي أغيّر هذه الطبيعة أو هذه الحقيقة، حتى لو حاولت تحسين سلوكي. فلو كان جدي قد مات وهو في سن الثالثة، ما كنت أنا قد وجدت أصلًا بل كنت أنا قد مُتُّ فيه أيضًا، فأنا كنت في آدم حين أخطأ ففسدت طبيعته وورثت أنا منه طبيعته ونتائج خطيته. (هذا ما يسمي وحدة البشرية، فكل البشرية خارجة من شخص آدم). وصار مستحيلًا على أي إنسان أن يحيا بارًا. ليس فقط لا يصنع الشر بل أيضًا يصنع البر، صار مستحيلًا على أي إنسان أن يمتنع عن السلبيات أو أن يفعل الإيجابيات. وشعر الإنسان بفشله في أن يتبرر أمام الله "ليس بار ولا واحد" (رو10:3). وخلال الناموس الطبيعي صرخ أيوب التقي فكيف يتبرر الإنسان عند الله (أي2:9+ أي14:15-16 +25: 4-6 + مز134).
والله أعطانا الناموس عونًا، لكن الناموس كشف الخطايا كالمرآة ولكن لم يكن ليستطيع أن يغير من طبيعتنا فنصنع البر، ولذلك لم يستطع أي إنسان في ظل الناموس الموسوي أن يلتزم به، فإنه إذ يكسر الإنسان وصية واحدة ولو بالفكر أو بالنية يحسب كاسرًا للناموس ولا يتبرر. بل كان الناموس نير لم يستطع أحد من الآباء حمله (أع10:15) لكن اليهود حاولوا أن يتبرروا في أعين أنفسهم، حاسبين أن البر يكمن في انتسابهم لإبراهيم أبيهم جسديًا أو حفظهم حرفيًا لأعمال الناموس أو انتمائهم لشعب الله المختار أيًّا كانت حياتهم.. وكانت النتيجة أنهم سعوا وراء بر الناموس الذي يقوم على حِفْظَهُ شكليًّا (رو 10: 2). ولم يفهموا أن الناموس كان غرضه أن يشعروا بضعفهم وعجزهم واحتياجهم لمخلّص. وهذا ما أدركه داود إذ صرخ "قائلًا قلبًا نقيًا إخلقه فيّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدد في أحشائي" (مز51).
والبر في الكتاب المقدس يعني عمل الصلاح والخلو من الخطيئة. ولذلك فالبر هو صفة الله وحده القدوس الذي بلا خطية. لذلك حين سأل الشاب السيد المسيح قائلًا أيها المعلم الصالح، كان رد المسيح "ليس صالحًا إلا الله وحده" وهذا ليلفت نظره أن البر هو صفة الله وحده. أما اليهودي فكان يفتخر بأنه بار بحسب الناموس (في6:3 + رو19:3، 20). ومن هذا نفهم أن اليهود لم يكونوا فقط يفتخرون ببرهم، بل يحبون أن يعطوا أنفسهم ألقابًا رنانة تدل على صلاحهم وبرهم. ونفهم أيضًا من رد المسيح على الشاب أنه يصحح هذه المفاهيم، فالبر في المفهوم اليهودي كان هو الالتزام بوصايا الناموس، وكانوا يحاولون الالتزام بها رغمًا من فساد الداخل ووجود الكبت داخلهم واشتهاء الخطية. وكان من يلتزم خارجيًا بوصايا الناموس يسقط في خطية البر الذاتي وهي كبرياء أعمى إذ كانوا لا يروا فساد الداخل لذلك شبههم السيد بالقبور المبيضة من الخارج وداخلها عظام أموات ونجاسة، فاليهود إذ ظنوا أن التزامهم بحرفية الناموس يبررهم كان ذلك سببًا في إعجابهم بذواتهم، وبهذا فهم نسبوا البر لذواتهم. لذلك فهنا السيد المسيح يلفت نظر الشاب أن البر هو لله وحده. والمعنى من وراء هذا.. لا تبحث عن البر والصلاح في تنفيذ وصايا بل في وجود الله داخلك. ويعني أنه لا داعي أن تقول عني صالح إن لم تؤمن بأنني الله، وإيمانك بأنني الله هو الذي سيعطيك الحياة الأبدية. وهذا ما أتى المسيح لأجله. فالمسيح أتى لا ليعطينا وصايا جديدة بل يعطينا حياته ويكسونا ببره بعد أن يطهرنا بفدائه، ألبسنا المسيح رداء بره فصار العدل الإلهي ينظر إلينا من خلال بر المسيح. باختصار التبرير في المسيحية هو اكتساب بر المسيح، لأن الإنسان لم يستطع أن يكون بارًا بالطبيعة (بالناموس الطبيعي) ولا بالناموس الموسوي. فناموس موسى لا يؤدي للخلاص، بل هو كان مؤدبنا إلى المسيح، بينما كان للخطية سلطان رهيب في ظل الناموس، ومن يمتنع عن الخطية يمتنع خوفًا من عقوبات الناموس مما يسبب كبت. أما بر المسيح فهو تجديد شامل للحياة وتطهير للضمائر بدم المسيح (عب14:9 +22:10). ونرى في رسالة رومية تبرير المسيح المجاني (رو 24:3، 25؛ رو 9:5 +غل16:2). ومعنى الخلاص المجاني والتبرير المجاني أن المسيح قدم نفسه ذبيحة عنا ليس لبر فينا، بل مات عنا ونحن بعد خطاة (رو8:5) وقولنا أن الله بار فهذا يعني أنه قدوس، وأنه بار في وعوده لنا (رو3:3، 4) رغم أن البشرية لم تتجاوب مع عمله الخلاصي.
الله هو الذي يبرر أي يعطي بره للإنسان، وهذا ما عمله المسيح إذ مات عنا فإستوفي حق العدالة الإلهية عنا، فغفرت خطايانا، وقام ليقيمنا معه، معطيًا لنا حياته وبره نحيا بهما، فالبر هو تجلي سمات المسيح في حياتنا. الحياة في بر مستحيلة على الإنسان دون عمل المسيح ونعمته.
يبرئ: أي يصير الشخص بلا إتهام. وذلك لأن المسيح بموته عنا دفع الفدية وغفرت الخطايا السابقة.
يبرر: أي يحيا الإنسان يعمل أعمال بر عن شغف وحب وحرارة.
مثال:- رجل ضبط امرأته في وضع خيانة له فسلمها للقضاء ليحكم عليها. هذا كان وضعنا قبل المسيح. ولنتصور أن القضاء حكم على المرأة بالبراءة (هذا عمل دم المسيح الغافر) لكن هذا لا يكفي المرأة إذ هي ما زالت محرومة من بيتها وأولادها. هنا يأتي المعنى الكامل للتبرير، فهذا ليس معناه غفران الخطايا فقط بل أن المسيح أعطانا حياته متحدًا بنا لنحيا في بر كأولاد الله، من أهل بيته (هذا يشبه رجوع المرأة لبيتها). التبرير إذًا ليس فقط هو غفران الخطايا، بل كون أن المؤمن يصير مزكي عند الله، من أهل بيت الله، ابنًا لله، وأولاد الله يحيون ليصنعوا البر فهم على صورة الله، وهذا لا يمكن أن يكون بقوة عمل الإنسان بل بأن يحيا المسيح الإله فينا معطيًا لنا حياته. وهذه الأعمال البارة التي يقوم بها المؤمن هي التي تنفعه يوم الدينونة حيث يجازي الله كل واحد بحسب أعماله (رو6:2-8). إذًا التبرير هو في معناه الكامل رفع الغضب عنا وسكب رضي الأبوة الإلهية بكل عطاياها، وهذا كان بأن المسيح غفر خطايانا بدمه والآب صالحنا في الحال لنفسه.
ولكن ليس معنى أن المسيح أعطانا حياته لندخل إلى بره أن نتهاون أو يكون إيماننا لفظيًا (فينطبق علينا قول الكتاب هذا الشعب يسبحني بشفتيه فقط أمّا قلبه فمبتعد عني بعيدًا (مت8:15). لكن الله يطلب الإيمان العامل بالمحبة (غل6:5). ولنلاحظ أهمية الجهاد حتى يكون لنا هذا البر. ولاحظ الآية "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل20:2) من هنا نفهم أن شرط ان يحيا المسيح فيّ أن أقبل صلب أهوائي وشهواتي الخاطئة. وكما أن الروح القدس يبكتنا على خطية فهو يبكتنا على بر أي يبكتنا لو لم نصنع البر. فالروح يبكت أولًا على خطية أي يقنعنا بفساد طريق الخطية ثم يعطينا معونة حتى نترك خطيتنا ثم يبكت على بر أي يقنع الإنسان المؤمن بأن يصنع البر وحين يقتنع يعطيه المعونة ليفعل البر "فالروح يعين ضعفاتنا" (رو26:8). فالروح القدس الذي فينا يحولنا دائمًا لصورة المسيح البار (غل19:4) نرفض الشر ونصنع البر. فالبر في سلبيته هو توقف عن عمل الشر وفي إيجابيته هو حمل سمات المسيح عاملة فينا. ولاحظ أهمية أن نجاهد بأن نعمل أعمال بر، فالروح لا يعين المتراخين. لذلك فهذه الرسالة التي تكلمنا عن البر المجاني، تهتم بأن تظهر أهمية أن نجاهد لنعمل البر (إصحاحات 12-13-14-15).
هنا ننتقل لمرحلة العيان ونرى الله وجهًا لوجه |
||||||
طريق التبرير
← (2كو 3: 18) |
| |
القيامة والحصول على الجسد الممجد (1كو43:15) هذا هو المجد العتيد ان يستعلن فينا (رو18:8). الموت بالجسد (رو24:7). من يسكن الله فيه فهذا هو المجد (زك5:2) ولكن مالنا من المجد الآن فهو مخفي غير ظاهر. من يتقدس يصير مسكنًا للثالوث (يو23:14) + (1كو16:3). التقديس هو أن نتخصص ونتكرَّس لله وتصير أعضائنا تعمل لحساب مجد اسمه. كلما نسير في طريق التبرير تموت أعضائنا عن الخطية فلا تكون آلات إثم بل تتخصص لله وتكون آلات بر (رو13:6).
التبرير طريق التقديس بهذا يتحقق "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ"(غل20:2) ← الروح يأخذ من بر المسيح وحياته ويعطي للمؤمن (2كو21:5) ← الروح يبكت على بر (يو8:16) أي يقنع المؤمن بأن يعمل أعمال بر إيجابية. عمل الروح القدس (النعمة) يعطي للمؤمن قوة ليصلب شهواته فيُصلَبْ مع المسيح. ← الروح القدس يقنع المسيحي بفساد طريق الخطية (أر7:20). ← الروح القدس يبكتنا على كل خطية نرتكبها (يو8:16) ثم سر الاعتراف. ← بالمعمودية نصير أولادًا لله ثم بالميرون يحل علينا الروح القدس. ← بالمعمودية غفران الخطايا وبهذا يتبرأ الإنسان من خطيته (رو7:6). إذ دفع المسيح الثمن.
الخطوة الثانية هي المعمودية وهي موت وقيامة مع المسيح (رو3:6-8). المدخل للتبرير هو الإيمان "وإذ قد تبررنا بالإيمان" (رو1:5). |
التبرير والتقديس والتمجيد يسيروا معا وليس كالرسم، ولكن هذا الرسم هو للشرح فقط.
القداسة سمة خاصة بالله نفسه الذي يدعو نفسه القدوس (لا44:11، 45 + 26:20 + 2:22 + 1بط16:1). وهو يسكب هذه السمة على خليقته المحبوبة لديه فيحسبهم قديسين ناسبًا نفسه إليهم بدعوته قدوس القديسين (دا24:9) ويسمي شعبه سواء في العهد القديم أو الجديد أمة مقدسة (خر6:19 + 1بط9:2). والروح القدس يسمي روح القداسة هو الذي يهبنا الحياة المقدسة بأن يدخل بنا إلى الثبوت في المسيح القدوس، فنحمل سماته فينا ويتحقق القول أن نكون قديسين كما أنه قدوس (لا44:11 + 1بط16:1). هذه الهبة المجانية تُعطي للمجاهدين لا ثمنًا لجهادهم، وإنما من أجل تجاوبهم مع فيض نعمة الله المجانية ليسلكوا في القداسة. والرسول يدعو المؤمنين المجاهدين "مدعوين قديسين" (رو7:1) ليس لأنهم بلغوا الحياة المقدسة في كمالها وإنما لأنهم يسيرون فيها مشتاقين البلوغ إلى كمالها. وقولنا أن الله قدوس تعني أنه المرتفع عن كل العالم والأرضيات والماديات. والمكان الذي يحل فيه الله يصير مقدسًا بمعنى أنه لا يُقترب منه إلاّ بشروط (خر5:3) لذلك ابتدأت تتسحب القداسة على كل ما يخص الله على الأرض، فالهيكل وأدواته والكهنة والأعياد والسبت، والشعب وأورشليم بل كل أرض فلسطين هي مقدسة. فالله نقول عنه قدوس بمعنى الذي يتسامي عن الأرضيات، وما يقال عنه مقدس فهو الذي صار مخصصًا لله. والإنسان المقدس أي الذي يصير مخصصًا لله بفكره وحواسه وأعضاؤه، منشغلًا بالسماويات وبالله، مكرسًا نفسه لله. والتقديس يأتي بعد التبرير فيستحيل أن يقال عن قديس أنه لم تغفر خطاياه. القديس تتحول أعضاؤه تدريجيا لآلات بر مخصصة لله بدلًا من أن تكون آلات إثم تعمل لحساب العالم.
← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8h3j33b