← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
المقدمة:
قبل الدخول في شرح هذا الإصحاح علينا أن نتذكر معاني بعض العبارات:-
1- بر الناموس = من يلتزم بكل وصايا الناموس يتبرر بحسب الناموس أي يصير بارا. وبحسب قول الناموس "فتحفظون فرائضي وأحكامي التي إذا فعلها الإنسان يحيا بها. أنا الرب" (لا18: 5). ولكن تظهر هناك مشكلة وهي أنه لم يستطع إنسان أن يلتزم بكل الناموس. وهذا ما اعترف به القديس بطرس في مجمع أورشليم "فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ [(هذه كانت التسمية التي تُقال على الذين آمنوا بالمسيح في البداية (أع6: 1 ، 2 ، 7)] يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله؟" (أع15: 10). وأرجع بولس الرسول سبب فشل الإنسان في أن يلتزم بكل وصايا الناموس للخطية الأصلية وأن الإنسان ورث طبيعة ضعيفة قال عنها بولس الرسول "الإنسان العتيق".
ولأنه لم يوجد الإنسان الذي التزم بكل الناموس فلقد ساد الموت على كل البشر إذ أخطأ الجميع "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12).
2- بر الله = تفهم هذه العبارة بمعنى أن "الله بار" وهكذا خاطب السيد المسيح الآب "أيها الآب البار" (يو17: 25). وهي تعني أن الله عادل في أحكامه، وبار في وعوده. فكل وعد أعطاه الله قام بتنفيذه. ولاحظ أنه في اللغة العبرية فإن كلمتيّ "بر" و"عدل" هما كلمة واحدة.
ولكن بولس الرسول إستعمل هذا التعبير ليشرح أن الله وجد لنا طريقة لنتبرر إذ كنا عاجزين أن نلتزم بكل وصايا الناموس فنتبرر من أنفسنا. وكان هذا بفداء المسيح، لذلك قال المسيح ليوحنا المعمدان "إسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت3: 15). وهكذا يقول بولس الرسول "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21). فصار معنى بر الله = أن الله هو من قدم الفداء بالمسيح فنصير خليقة جديدة في المسيح بالمعمودية، ويصير لنا حياة المسيح، وبحياة المسيح فينا نسلك في البر. والروح القدس يعين بالنعمة. ويجدد الروح القدس طبيعتنا فنسلك بالبر أي نكون قادرين على أن نلتزم بكل وصايا الناموس بسهولة "لذلك نحن أيضًا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب 12: 1). ولكن لنلاحظ قول الرسول أننا علينا أن نجاهد (شرح مفهوم الجهاد في نقطة 7)، فالله يريد أن يبررنا، ولكنه لا يلزمنا بشيء لا نريده، فهو خلقنا على صورته أحرارا، لذلك هو يسأل كل منا "هل تريد أن تبرأ" . وكل من يسأل الله المعونة يعطيه الله نعمة تعينه أن يسلك في البر.
3- بر الله بالمسيح
لما وجد الله أن كل البشر قد هلكوا وأن الخليقة كلها قد فسدت، كان الحل هو أن يخلق الإنسان خلقة جديدة وتموت الخليقة القديمة ولكن كيف يحدث ذلك؟
كانت خطة الله الأزلية أن يرسل ابنه الوحيد ليجدد الخليقة. حقا المسيح بفدائه قدَّم غفرانا لخطايانا "...ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو1: 7). ولكن ليس هذا فقط ما قدمه المسيح للبشر.
فالمسيح مات وقام، والروح القدس في المعمودية يوحدنا مع المسيح في موته فتموت الطبيعة القديمة، وتقوم فينا خليقة جديدة لها حياة أبدية هي حياة المسيح (رو6). في المعمودية يثبتنا الروح القدس في المسيح فتصير لنا حياة المسيح. والمسيح بحياته التي فينا يجعلنا نسلك في حياة البر. المسيح يستخدم أعضاءنا كألات بر، والروح القدس يُعين ويساند بالنعمة. ومن لا يسلك في البر يبكته الروح القدس (يو16: 8).
لم يكن هناك أمل في أن تلتزم الخليقة القديمة أو ما قال عنه بولس الرسول "الإنسان العتيق" بالناموس، إذ فسدت هذه الخليقة وأصابها الضعف والوهن، بل أصبحت منفتحة على الخطية. فرأى الله أن هذه الخليقة القديمة يجب أن تموت وتقوم خليقة جديدة لها إمكانيات جديدة بمعونة الروح القدس وهذا ما أسماه بولس الرسول "النعمة". وهي عطية الروح القدس الذي يسكن فينا في سر الميرون، ويعين ضعفاتنا (رو8: 26). ولكن هذه النعمة لا تعمل مع المتراخي الذي لا يسهر على خلاص نفسه، بل مع من يجاهد، وسنرى بعد قليل ما هو الجهاد المطلوب.
4- البر الذاتي = وهذه مشكلة اليهود الأساسية، فهم في كبريائهم لم يقبلوا أن يعترفوا بفشلهم في أن يلتزموا بالناموس. هم فهموا هدف الله من الناموس بطريقة خاطئة – كان الله يريد *أنهم يحاولون الالتزام بالناموس ليتبرروا بقدر الإمكان والنتيجة أن تكون حياتهم في فرح بقدر الإمكان. *ولو كانوا أمناء مع أنفسهم لأدركوا ضعفهم وعجزهم عن الإلتزام بكل وصايا الناموس، *ولأدركوا احتياجهم لمخلص. لكنهم كانوا يحاولون تنفيذ وصايا الناموس ليفتخروا أمام الله وأمام الناس بأنهم يلتزموا بكل حرف فهم "يعشرون النعنع والشبث والكمون..." (مت23: 23). ويقبلون مجدًا من بعضهم البعض ولا يطلبون المجد الذي لله(1) (يو5: 44 + يو12: 43 + رو2: 17 - 19 + مت23). بل يقفون أمام الله ويذكرونه ببرهم طالبين الأجر كما فعل الفريسي الذي وقف أمام الله ليفتخر ببره وأهان العشار (لو18: 10 - 13). وهم في بحثهم عن برهم وتركيزهم على أنفسهم كان من الطبيعي أن لا يروا خطاياهم فهم لا يريدوا إلا أن يظهروا أبرارًا. وبهذا ضاع منهم الهدف الحقيقي للناموس، وهو أن ينتظروا المسيا المخلص حتى يعين عجزهم. فلما أتى المسيح لم يعرفوه فهم لا يروا سوى أنفسهم.
وطالما هم في كبريائهم شاعرين أنهم كاملين، فهؤلاء يصيرون كمرضى لا يدركون أنهم مرضى فلا يذهبون للطبيب. هؤلاء قال عنهم رب المجد حينما إنتقدوه لما رأوه يأكل مع العشارين والخطاة "فلما سمع يسوع قال لهم: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آت لأدعو أبرارا (أي هم يشعرون أنهم أبرار وهم ليسوا كذلك) بل خطاة إلى التوبة" (مر2: 17). وكل من يشعر في داخله أنه لا يحتاج للمسيح يقول عنه رب المجد "أنا مزمع أن أتقيأك من فمي...لأنك تقول إني غني...ولا حاجة لي إلى شيء" (رؤ3: 16 ، 17).
5- وظيفة الناموس في العهد القديم
قال بولس الرسول عن الناموس أنه "كان مؤدبنا إلى المسيح" (غل3: 24). فكان إنسان العهد القديم يشتاق للخطية، ولكنه خوفا من العقاب كان يمتنع، وهو في حالة من الكبت. ولكنه كما قال القديس إغريغوريوس في قداسه "أعطيتني الناموس عونا". فالأصل كما أراد الله أن تكون الوصية مطبوعة في القلب، ولا يخالفها الإنسان حبا في الله وثقة فيه، أن الله أعطاه الوصيه ليحفظه من كل شر وبلية. ولكن بعد أن خالف الإنسان وصية الله وسقط تحجر القلب مع انتشار الخطية. فأعطى الله الناموس مكتوبا على لوحي حجر ليتناسب مع قلب الإنسان الذي تحجر فما عاد يعرف الوصايا. وكان الناموس مؤقتًا إلى أن يأتي المسيح. ولاحظ نبوة هوشع النبي "ازرعوا لانفسكم بالبر (إعملوا أعمال بر وهذا جهاد إيجابى). احصدوا بحسب الصلاح (حياة أفضل لمن يلتزم بالوصية) احرثوا لانفسكم حرثا (إبحثوا في داخلكم عن أي خطية معطلة وقدموا عنها توبة) فانه وقت لطلب الرب حتى يأتي (المسيح) ويعلمكم البر
6- البر في العهد الجديد
ولكن بعد فداء المسيح وسكنى الروح القدس فينا، سكب الروح القدس محبة الله في قلوبنا (رو5: 5). ولما عادت محبة الله لقلوبنا إنطبعت الوصية في القلب كما أرادها الله منذ البدء، وهذا ما كان يعنيه الله في وعده عن العهد الجديد على فم إرمياء النبي "ها ايام تاتي يقول الرب واقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع ابائهم يوم امسكتهم بيدهم لاخرجهم من ارض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم الها وهم يكونون لي شعبا" (إر31: 31 - 33). وهذا المفهوم هو ما قال عنه السيد المسيح "اجاب يسوع وقال له:«ان احبني احد يحفظ كلامي، ويحبه ابي، واليه ناتي، وعنده نصنع منزلا" (يو14: 23). ولاحظ قول الرب "من آمن واعتمد خلص" (مر16: 16). فبالمعمودية تموت الخليقة القديمة وتقوم خليقة جديدة. ولكن حرية الإنسان قد تعيده للسقوط. ولذلك أعطى الله سر الميرون أي حلول الروح القدس ليسكن في المعمد. ويظل الروح يعمل في الإنسان ليجدد طبيعته. والمدخل هو الإيمان ثم المعمودية ثم سكنى الروح القدس فينا. وبمعونة الروح القدس صار للمسيحي خليقة جديدة، إذ صار يرفض الخطية بحريته دون كبت إذ تطهر من الداخل، كما قال القديس بطرس في مجمع أورشليم عن الأمم "طهر بالإيمان قلوبهم" (أع15: 9) وقال بولس الرسول بهذا المعنى أن دم المسيح طهر قلوبنا "... وهم مطهرون مرة لا يكون لهم أيضًا ضمير خطايا" + "لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي (المعمودية)" (عب12: 2 + عب12: 22). ولاحظ هنا أن التبرير والنقاوة هي بدون كبت إذ قد تطهر القلب والضمير بدم المسيح، وصارت محبة الله في القلب. فصار رفض الخطية من الداخل. وصار الإنسان راغبا في عمل البر ليس عن كبت. وهذا ما جعل الرسول في (عب12: 1) أن يقول أنه علينا أن نجاهد وبسهولة نستطيع أن ننتصر على الخطية ونسلك في البر. والسهولة راجعة للخليقة الجديدة، وحياة المسيح فينا، وسكنى الروح القدس فينا، وعمل الروح القدس الذي يعيننا (النعمة).
أما إنسان العهد القديم فكان يجاهد ليطيع الناموس بقدر إمكانه، وذلك كان في انتظار بر الله الذي بالمسيح. ولقد عبر هوشع النبي عن ذلك بقوله "ازرعوا لأنفسكم بالبر. احصدوا بحسب الصلاح احرثوا لانفسكم حرثا فانه وقت لطلب الرب حتى يأتي ويعلمكم البر" (هو10: 12). ، أي جاهدوا بذواتكم حتى يأتي المسيح الذي يعطيكم الخليقة الجديدة والنعمة التي بها يحدث التغيير داخليا. وهذا هو البر في العهد الجديد أو هذا هو بر الله الذي كان بفداء المسيح وعمل الروح القدس = يعلمكم.
ولم يكن هوشع وحده الذي تنبأ عن المسيح بل كل العهد القديم. فإشعياء بعد أن رأى الخلاص بالمسيح صرخ قائلا "ليتك تشق السموات وتنزل" (إش64: 1). وهؤلاء الأنبياء المملوئين بالروح كانوا منسحقين وأدركوا ضعفهم فإشتاقوا لمجئ المسيح المخلص. وهذا معنى قول الملاك في سفر الرؤيا "أن شهادة يسوع هي روح النبوة" (رؤ19: 10). ومعنى روح النبوة في أصلها اللغوي أنهم مع كل نفس يتنفسونه كانوا يشتهون أن يروا الخلاص الذي بالمسيح، أي صار مجيء هذا المخلص هو الرجاء الذي يحيون به.
وهكذا كان التلاميذ المتواضعين فعرفوا المسيح وآمنوا به. أما اليهود المتكبرين فهم رفضوا الإعتراف بضعفهم ولم يجدوا أن هناك حاجة لمخلص يخلصهم روحيا. فرفضوا المسيح بل لم يشعروا باحتياجهم لله ولم يطلبوا معونته. وكان كل إشتياقهم لمخلص زمني يعيد لهم الملك الأرضي ليرضي غرورهم وكبريائهم.
7- فما هو الجهاد المطلوب :-
لقد متنا مع المسيح في المعمودية وكل ما علينا أن نفهم هذا أن من اعتمد فقد ماتت طبيعته العتيقة ولكن عليه أن يقتنع بهذا. ويقف كمائت أمام الخطية، وهذا ما نسميه الجهاد السلبي (راجع المقدمة + رو6). ومن يفعل ولا يعود ويوقظ إنسانه العتيق سيجد النعمة تسانده. إذًا فكل الجهاد السلبي المطلوب هو أن نقف كأموات أمام الخطية التي في العالم وهذا ما نسميه الإماتة. وهذا ما قاله بولس الرسول تمامًا "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا. لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2كو4: 10 ، 11). وقال أيضًا "كذلك أنتم أيضًا إحسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 11). وأيضًا "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض، الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية..." (كو3: 5). ومن يفعل هذا بتغصب يجد معونة الروح القدس التي تقنعه فيفعل هذا بحرية وإقتناع.
حفظ الوصية وهذا ما نسميه الجهاد الإيجابي. ومن يقرر أن يلتزم سيجد المعونة من النعمة (راجع المقدمة).
الجهاد في المسيحية يعني التغصب على فعل كل ما هو صالح، وهذا هو تعليم المسيح "ومن أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه" (مت11: 12). فالجسد يميل للكسل، والإنسان العتيق يميل للشر. ولكن من يغصب نفسه على عمل الصلاح يجد المعونة من النعمة. وبهذا يكون الجهاد المطلوب هو أن نغصب أنفسنا ونقف كأموات أمام الخطية، ونغصب أنفسنا على تنفيذ الوصية وهنا نجد النعمة تعين في الحالتين. ومعنى التغصب هنا هو أن الله لم يسحب الحرية منا. ومن يحاول سيجد المعونة. ولكن سيبقى في الجسد - طالما نحن في الجسد -شهوات خاطئة قال عنها الآباء "مشاغبات الجسد" ولكنها تخمد مع نمو وإزدياد النعمة. ولن تنتهي سوى بموت الجسد، وهذا ما جعل بولس الرسول يقول "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو7:24). فبولس الرسول كان يشتهي الفرح الكامل، وهذا لا يحدث سوى بموت كل شهوة خاطئة في الجسد.
آية (1): "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنَّ مَسَرَّةَ قَلْبِي وَطَلِبَتِي إِلَى اللهِ لأَجْلِ إِسْرَائِيلَ هِيَ لِلْخَلاَصِ."
في (رو 9: 1-3) نرى الرسول حزين عليهم، ولكن الحزن وحده لا يكفي لعودة الخاطئ، لذلك نرى الرسول هنا مصليًا لأجلهم بالرغم من عنادهم ليحصلوا على الخلاص. ومحبة بولس لشعبه وصلاته لأجلهم لم يتوقفا على الرغم من هجومهم المستمر عليه فشابه صموئيل حين قال "كيف أخطئ إلى الله وأكف عن الصلاة لأجلكم" (1صم23:12).
آية (2): "لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً للهِ، وَلكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ."
هناك غَيْرَةً ِللهِ، وَلكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ = فهناك من يقتل شعب الله ظانًا أنه يقدم خدمة لله (يو2:16). وبولس نفسه سقط هذه السقطة من قبل (أع 1:9) ويسقط في هذا كل من له فكر تعصب أعمى دون إتساع قلب في محبة الغير. ولاحظ هنا أن بولس يشهد لهم وهم ألد أعداؤه، فالسيد قال "باركوا لاعنيكم". ومعناها أن نذكر أعداءنا بأحسن ما فيهم. الْمَعْرِفَةِ = هم يطبقون الناموس في غيرة لله لكن لإثبات بر أنفسهم وليس لكي يمجدوا الله ويرضوه. ولو فعلوا لشعروا كما شعر القديس بطرس بثقل الناموس (أع15: 10). ولإنسحقوا شاعرين بالاحتياج لمعونة من الله ولاحتياجهم لمخلص. ونجد أن الأنبياء المملوءين بالروح قد شعروا بهذا وإشتهوا مجيء المسيح (إش64: 1). وهكذا أيضًا التلاميذ البسطاء غير المتكبرين فرحوا بالمسيح وإلتصقوا به.
آية (3): "لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ اللهِ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ اللهِ."
يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ = لم يعرفوا عمل الله فيهم وأن الله هو الذي يبرر، وظنوا أنهم قادرين على هذا بأنفسهم. لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ اللهِ = هذه ليست معناها أن الله بار، بل البر الذي يهبه الله للإنسان فيجعله بارًا بحياة المسيح فيه. حياة المسيح فينا تستخدم أعضاءنا كألات بر وهذا بمعونة الروح القدس.
محاولتهم لإثبات بر أنفسهم راجعة لكبريائهم أي فسادهم الداخلي، فحينما تتضخم الأنا وتملأ القلب، لا تطيق آخر في داخله، وحتى إذا تدينت تعمل لحساب ذاتها المغلقة تطلب تثبيت بر نفسها، عوضًا عن إتساعها بالحب لتقبل نعمة الله واهبة البر بالإيمان. هؤلاء ظنوا أن الصلاح والبر من عندياتهم وليس هو عطية إلهية، لهذا لم يخضعوا لبر الله لأنهم لم يطلبوا، إذ أنهم متكبرون، وهذه تشبه قول السيد المسيح "لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو15: 5). وفي إعتدادهم بذواتهم إحتقروا النعمة، فلما أتى المسيح لم يؤمنوا به. هم طلبوا بر ذواتهم والمجد لذواتهم (يو5: 42 ، 44). وفقدوا محبتهم لله لذلك تخلى عنهم الله (رو28:1 + 2أي15: 1 ، 2). لم يخضعوا لبر الله = بر الله كما رأينا في المقدمة ينقسم إلى:-
موت المسيح وقيامته وهذا ما قام به وتممه.
المعمودية، والمسيح اعتمد في الأردن لكي بعمل الروح القدس مع المعمد في سر المعمودية يشركه مع المسيح في موته وقيامته، فتكون له الخليقة الجديدة. ولهذا قال المسيح ليوحنا المعمدان عندما ذهب ليعتمد "إسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت3: 15). المسيح بمعموديته أسس سر المعمودية الذي فيه نتحد به فتكون لنا حياته، وبها نسلك في البر.
أن نحيا حياة الإماتة وهذه تعيننا فيها النعمة. وحياة الإماتة تحتاج أن نخضع أنفسنا في تغصب، فنجد معونة النعمة. وحينئذ نقول في حرية مع بولس الرسول "من أجلك نمات كل النهار، حسبنا مثل غنم للذبح" (رو8: 36).
حتى تعمل فينا النعمة ويموت الإنسان العتيق بالكامل نحتاج للامتلاء من الروح القدس. وهذا يتطلب الجهاد وطلب الروح القدس بلجاجة مع التسبيح المستمر من القلب والشعور المستمر بالاحتياج كما قال الرب "وقف يسوع ونادى قائلا:«ان عطش احد فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه" (يو7: 37 - 39) + "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح، مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح واغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب..." (أف5: 18 - 21) + "فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسالونه" (لو11: 13).
وبالنسبة لليهود لا ينطبق عليهم كل هذا فهم لا يشعرون بالاحتياج بسبب كبريائهم وبرهم الذاتي، ولذلك هم لم يؤمنوا بالمسيح أصلا. فهم يريدون مسيحًا يرضي كبرياءهم وليس مسيحا متواضعا. لذلك قال لهم رب المجد "انا قد اتيت باسم ابي ولستم تقبلونني. ان اتى اخر باسم نفسه (متكبر ومغرور) فذلك تقبلونه" (يو5: 43).
آية (4): "لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ."
الناموس وُضِع ليمهد للمسيح ويعمل لحسابه، ليكتشف الإنسان ضعفه واحتياجه لمخلص، إذ هو عاجز عن تنفيذ الوصايا التي في الناموس (أع10:15) ، وعَبَّرَ إرمياء النبي عن عجز الإنسان أن يبرر نفسه فقال "هل يغير الكوشي جلده" (إر13: 23). وأيضًا عبَّر داود عن هذا قائلًا "بالخطية ولدتني أمي".
هكذا شعر التلاميذ. وكان هذا هو عمل الأنبياء إذ تنبأوا عن مجيء المخلص. فالناموس لم يوضع ليبقى بل ليعمل لحساب المسيح. فإن شهادة يسوع هي روح النبوة (رؤ10:19). حتى إذا جاء المسيح يكون الناموس قد بلغ غايته ونهايته. الناموس وُضِع لكيما إذا إستخدمه اليهود بالإيمان، أي بالعلاقة الصحيحة مع الله، فإنه سينتهي بهم حتمًا إلى الإستنارة الروحية وإعداد الفكر لقبول المسيح الذي يبرر من يؤمن به=
لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ = أي يكتشف الإنسان احتياجه للمسيح فيذهب إليه، ومن يفعل بإيمان سيبرره المسيح. لكنهم استخدموا الناموس بطريقة خطأ وأرادوا إثبات بر أنفسهم أي لحسابهم وليس لحساب مجد الله. لذلك رفضوا المسيح وصلبوه. فالناموس لا يبرر بل يقود للمسيح الذي يبرر من يؤمن. وأيضًا لو خضعوا للناموس بطريقة صحيحة من دون كبرياء، بل بتواضع من عرف حقيقة خطيته وعجزه، لعرفوا الله بطريقة صحيحة، ولو عرفوا الآب لعرفوا الإبن، ولقبلوا المسيح وهذا ما قاله لهم رب المجد "أبى هو الذي يمجدنى ...ولستم تعرفونه" (يو8: 55) + "لوعرفتمونى لعرفتم أبى أيضًا" (يو8: 19).
آية (5): "لأَنَّ مُوسَى يَكْتُبُ فِي الْبِرِّ الَّذِي بِالنَّامُوسِ: «إِنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا»."
موسى يكتب عن
التبرير الذي يجيء بواسطة الناموس وأعمال الناموس الموسوي قائلًا: إن الإنسان الذي سيتمم كل وصايا الناموس سوف يحيا وهو وحده الذي يمكن أن يتبرر (لا5:18). على أن المحافظة على الناموس بصورة تامة أمر مستحيل وغير ممكن بسبب فساد الطبيعة البشرية، فمن يستطيع أن لا يشتهي ما عند قريبه (الوصية العاشرة). هذه لا يطبقها إلاّ الذي مات عن العالم مع المسيح فزهد في العالم كله. والمدخل لهذا الموت مع المسيح هو الإيمان بالمسيح، وهذا هو الطريق لبر الله.
الآيات (6-9): "وَأَمَّا الْبِرُّ الَّذِي بِالإِيمَانِ فَيَقُولُ هكَذَا: «لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ: مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟» أَيْ لِيُحْدِرَ الْمَسِيحَ، «أَوْ: مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ؟» أَيْ لِيُصْعِدَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ لكِنْ مَاذَا يَقُولُ؟ «اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ» أَيْ كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا: لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ."
في آية5 حدثنا الرسول عن صعوبة الخلاص بواسطة أعمال
الناموس، وهنا يتكلم عن الإيمان ليثبت أن طريق الإيمان أسهل من طريق الأعمال والناموس. بل إن مطاليب العهد الجديد تبدو للوهلة الأولى أصعب جدًا من مطاليب العهد القديم. فالعهد القديم يوصي بألا تزني، أما العهد الجديد فيمنع النظرة للإشتهاء. ولكن مجرد الإيمان مع محاولة تنفيذ الوصايا سنجد المعونة والعمل الإلهي الذي يبرر. وهذا كان مستحيلًا في العهد القديم الذي يقف ليدين الخاطئ أمّا العهد الجديد ففيه الروح القدس يعين المؤمن.وفي هذه الآيات نجد أن بولس الرسول أعاد صياغة ما قاله موسى النبي "إِنَّ هَذِهِ ٱلْوَصِيَّةَ ٱلَّتِي أُوصِيكَ بِهَا ٱلْيَوْمَ لَيْسَتْ عَسِرَةً عَلَيْكَ وَلَا بَعِيدَةً مِنْكَ. لَيْسَتْ هِيَ فِي ٱلسَّمَاءِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَصْعَدُ لِأَجْلِنَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ وَلَا هِيَ فِي عَبْرِ ٱلْبَحْرِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَعْبُرُ لِأَجْلِنَا ٱلْبَحْرَ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ بَلِ ٱلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا" (تث11:30-14). وأعاد تفصيل هذه الآيات بإرشاد الروح القدس لتفهم بمفهوم العهد الجديد. فموسى كان يقصد أن يقول لشعبه.. لا تقولوا أن الوصية صعبة أو هي في السماء لا أستطيع أن أصعد إليها، ولا هي في عبر البحر فكيف أسافر إليها بعيدًا. وهذا ما قاله الله لقايين عن الخطية "وأنت تسود عليها". لكن ما رأيناه عمليًا أن ضعف الإنسان حال بينه وبين تنفيذ الناموس
بالكامل، فبدا لنا الناموس صعبًا. ونظر بولس إلى نفسه حينما كان يهوديًّا ورأى فعلًا صعوبة تنفيذ الوصية، وتساءل كيف يقول موسى أن الوصية سهلة؟ ثم نظر لنفسه في حياته الجديدة كمسيحي ووجد أنه يلتزم بالوصية بسهولة. فأدرك أن السبب هو إيمانه بالمسيح هو الذي جعل تنفيذ الوصية سهلًا. لذلك فهم بولس الرسول أن موسى حين كان يقول هذا عن سهولة الوصية إنما كان يتنبأ عن المسيح، الذي مات بجسده ليعطيني أن أموت وأقوم معه بالمعمودية. فالآن أنا أنفذ الوصية لأن الروح القدس أعطاني إمكانية أن أموت مع المسيح عن الخطية، وأعطاني أن أقوم معه فيعطيني المسيح حياته لأعمل البر، وهذا ما نسميه النعمة (القوة التي تساندنا لتنفيذ الوصية). وهذا ما طلبه المسيح أن نحمل نيره أي نرتبط معه "إحملوا نيرى فهو هيِّن" (مت11: 29-30) (أى أن نقبل أن نلتزم بالوصية)، ومن يقبل ويحاول تنفيذ الوصية سيجد الأمر سهلًا لأن المسيح هو حقيقة من يحمل حمل تنفيذ الوصية. من يقبل أن يرتبط بالمسيح بنير تنفيذ الوصية يجد أن حياة الإماتة سهلة وتنفيذ الوصية سهل، لأن المسيح الآن فيه فِعْلَىْ الموت والحياة. رآه يوحنا في رؤياه خروف قائم (فعل الحياة) كأنه مذبوح (فعل الموت) (رؤ5: 6). فمن يقبل أن يرتبط معه يعمل فيه فعل موت المسيح بجسد آدم، فتسهل عليه حياة الإماتة فيقول مع بولس الرسول "من أجلك نمات كل النهار" (رو8: 36). ويعمل فيه فعل حياة المسيح المقامة من الأموات، فيسهل عليه تنفيذ الوصايا ويحيا في قداسة.وبولس الرسول رأى في كلمات موسى أن الوصية هي رمز للمسيح، فالمسيح هو غاية الناموس، والناموس في نهايته هو استعلان شخص المسيح، فرفع بولس كلمة الوصية من آيات التثنية ووضع مكانها المسيح واهب البر. ببساطة لأنه من المستحيل تنفيذ الوصية إلا لمن هو ثابت في المسيح. لا يمكن تنفيذ وصية لا تشتهى إلا لمن مات مع المسيح أو في المسيح وقام معه بحياة جديدة فعلا. ولا يمكن تنفيذ وصية "حب الرب إلهك من كل قلبك وقريبك كنفسك" إلا لمن هو ثابت في المسيح. والرسول يقول الثبات في المسيح صار سهلا بعد موت المسيح وقيامته وإرساله الروح القدس الذي يثبتنا في المسيح وبهذا يصير تنفيذ الوصية سهلًا بحياة المسيح التي فينا. وهذا معنى قول الرب يسوع "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ ٱلَّذِي يُحِبُّنِي" (يو14: 21-23) وهذا يعنى من هو ثابت فيَّ يستطيع تنفيذ الوصية. فمحبة المسيح تشير للإتحاد به (يو15: 9-10).
وعبور البحر فهمه بولس الرسول أنه موت المسيح، فأعماق البحر رمز للهاوية مكان الأموات. وقال أن المسيح لم يستمر ميتًا بل قام، وبالتالي أعطاني ألا أمكث مهزومًا من الخطية والموت. وكما أن القيامة من الموت أصبحت سهلة بقيامة المسيح، علينا ألاّ نستصعب اتصال المسيح بنا بعد صعوده، فصعوده للسموات لا يعني انفصاله عنا، بل هو صعد ليعطينا حياته نحيا بها. إذًا سهولة الوصية الآن راجعة لموت المسيح وقيامته، فصرنا نموت معه ثم نقوم معه ليعطينا حياته فنسلك بها في البر. وكل المطلوب منّا أن نؤمن ثم نقرر أن نُصلب مع المسيح "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2).
«لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ: مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟» أَيْ لِيُحْدِرَ الْمَسِيحَ = أي لا داعي أن تتصور لزوم وجود المسيح وسطنا الآن بجسده ليمكن لنا أن ننفذ الوصية فالمسيح صعد حقًا لكنه أعطانا حياته لنحيا به في كلماتنا وتصرفاتنا وكل مشاعرنا وأحاسيسنا. المسيح أرسل الناموس بواسطة خادم، أمّا النعمة فجاء بنفسه من أجلها. جاء ليعطينا قوة قيامته عاملة فينا، ويسكن فينا البر ليزداد برنا على بر الفريسيين. والمسيحي ابن إبراهيم بالإيمان يؤمن أن المسيح قادر أن يقيمه من موت الخطية، ويعطيه حياة مقامة في المسيح. والروح القدس الذي أوحى لموسى بما قاله هو الذي فسَّر وشرح ما قيل لبولس. فبولس اقتبس كلمات موسى وأعطاها مسحة إنجيلية ليظهر أنه لا داعي أن نصعد للسماء ولا أن نموت ونهبط للهاوية فهذا صنعه المسيح ليبررنا.وفي آية 9
لأَنَّكَ = صحة ترجمتها وهي... وهذه راجعة لكلمة الإيمان التي نكرز بها في آية 8. فما هي كلمة الإيمان التي يكرز بها الرسل= إن اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ = القلب يشير للحياة الداخلية والفم يشير للحياة الظاهرة. وإيماننا يمس أعماقنا الداخلية وتصرفاتنا الظاهرة. الإيمان هو المدخل للبر والتقديس والمجد. وبدون القلب يصير اعترافنا الظاهري لغوًا وتعصبًا وشكليات. وبدون الحياة العاملة والاعتراف الظاهر يكون إيماننا ميتًا (رسالة يعقوب) فلا ننعم بالمكافأة. والاعتراف بالفم هو ما قال عنه السيد المسيح "كل من يعترف بي قدّام الناس أعترف أنا أيضًا به..." والاعتراف بالفم ليس بالكلام فقط، بل بالحياة والأعمال (مت16:5). بل في الاعتراف حتى الموت ثمنًا لهذه الشهادة كما فعل الشهداء. ولاحظ أنه لا يستطيع أحد أن يشهد للمسيح حتى الموت إن لم تكن له حياة مسيحية في قداسة وفي محبة لله، وأن يقبل أن يقدم نفسه ذبيحة حية أولًا، وفي زهد يصلب جسده مع الأهواء والشهوات (غل5: 24). هنا تكون الحياة التي نحياها متفقة مع الإيمان الذي في القلب. والاعتراف بالفم يعني أن اسم المسيح يملأ الفم ولا يعلو عليه اسم آخر. وأن اسم المسيح قَدَّسَ الحياة والفم، فلا تعظيم إلاّ للمسيح ولا خوف سوى منه ولا رجاء إلاّ فيه ولا شهوة إلاّ له. وهذا يساوي أن الإنسان مات مع المسيح وقام. وهذا هو الخلاص إن اعْتَرَفْتَ... وَآمَنْتَ... خَلَصْتَ. وفي آية 8 وَفِي قَلْبِكَ = هذا ما يعمله الروح القدس الذي يسكب المحبة في القلب (رو5:5) فنلتزم بالوصايا.إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ = هذه هي تسبحة الكنيسة في القداس الإلهي "بموتك يا رب نبشر، وبقيامتك.. نعترف
اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ = هذه عن حياتنا الظاهرة أمام الناس والتي تعتبر كرازة، نشهد للمسيح فيها بتقديم ذواتنا ذبائح حية حبا في المسيح "من أجلك نُمات كل النهار..." (رو8: 36). وهذه تصل للموت في الاستشهاد (كلمتيّ شهادة واستشهاد في الأصل هما كلمة واحدة في اللغة اليونانية وواضح التقارب في العربية). وفي تسبحة الكنيسة "بموتك يا رب نبشر".
آمنت بقلبك أن الله أقامه = ما الذي يدفع إنسانا أن يقبل أن يقدم نفسه ذبيحة ويُمات كل النهار؟ هو الإيمان بقيامة المسيح التي بها سنقوم في المجيء الثاني لحياة أبدية ومجد أبدي. وهذه هي نفس تسبحة الكنيسة "وبقيامتك... نعترف".
آية (10): "لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ."
الرسول يتكلم هنا عن الإيمان الحي، فالإيمان النظري لا يكفي للخلاص، بل لا بُد أن يظهر نوعية هذا الإيمان في أعمال تمجد اسم الله.
لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ = فأول خطوة للتبرير هي الإيمان. والمعنى إنك سوف تتبرر لأنه بقلبك إذا آمنت فإنك ستحصل على البر ثمرة لهذا الإيمان، لأن المسيح سيكون في القلب فتتحول أعضاؤنا بدلًا من أن تخدم الخطية، لتخدم الله. إيمان القلب هو تكريس للنفس (العقل والإرادة) وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ = في الصلاة والتسبيح والاعتراف أمام الناس بحياة قداسة وموت عن الخطايا، وهذا هو تكريس الجسد. وهذه تعني أيضًا أنه بحياتك تعترف بالمسيح، أو بالأحرى "حياة المسيح فيك" وتعني اعتراف الفم الأعمال الصالحة الناشئة عن حياة المسيح فينا.
تكريس النفس أو الإيمان بالقلب تعني خضوع العقل والإرادة خضوعًا داخليًا مخلصًا. وتكريس الجسد أي اعتراف الفم تعني أن أعضاء جسدي صارت آلات بر. وهذا التكريس الكلي للنفس والجسد هو طريق التبرير والخلاص وينسب البر للإيمان فالإيمان هو المدخل للتبرير، ولكن الإيمان قد يكون ميتًا، فلا نكمل الطريق للخلاص. والإيمان يكون حيًا لو كان هناك أعمال. لذلك نسبت الأعمال للخلاص = الفم يعترف به...
آية (11): "لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى»."
مقتبسة من (إش16:28) (سبعينية). والمعنى أنت سوف تنال الخلاص لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزى أي سيتحقق له الخلاص لأن بأعمال الناموس يمكن أن نخزى، إذ نعجز عن أن نتبرر، أما الإيمان الحي فلن يُخزِي. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولاحظ قوله كل = فهي تشير لعمومية الخلاص، فلماذا يرفض اليهود الأمم وكتابهم يشير لخلاصهم. لا يخزي = من آمن بالمسيح سيكون له المجد والحياة الأبدية، أما المتعلق بالناموس كطريق للخلاص فسيخزى لأنه لم ولن يوجد من التزم بالناموس بالكامل.
والآية جاءت في الترجمة العربية في سفر إشعياء "كل من يؤمن به لا يهرب" وقالها إشعياء بعد أن تنبأ عن هجوم أشور على شعب الله لتأديبهم، ثم يتنبأ إشعياء مباشرة عن مجيء المسيح حجر الزاوية وأن من آمن به لا يهرب، وفهمها اليهود أن الأبرار لا داعي لأن يهربوا من آلام هجوم أشور فالله لن يخزيهم.
وبولس الرسول فهم النبوة عن أنها عن المسيح. وأن من آمن به لن يخزيه. وهكذا فهم كثير من الربيين اليهود أن نبوة حجر الزاوية هي عن المسيا المنتظر.
لا يهرب = أصل كلمة يهرب = يسرع أو هو في عجلة من أمره متلهفا نتيجة إثارة أو ليستمتع بشيء. وقد ترجمتها السبعينية "كل من يؤمن به لا يخزى" وهكذا استعملها بولس الرسول (رو10: 11). ومما سبق نفهم المعنى المقصود. فمن يؤمن بالمسيح المصلوب المرفوض لا يهرب من ضيقة، فالمسيح لن يخزيه. بل سيزداد تعلقًا به مع زيادة الألم.
ومن لا يندفع وراء ملذات العالم طالبا المسيح، لن يخزيه المسيح الذي يعوض من يترك شيئا من أجله مئة ضعف " وكل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من اجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية" (مت19: 29).
الآيات (12، 13): "لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْيُونَانِيِّ، لأَنَّ رَبًّا وَاحِدًا لِلْجَمِيعِ، غَنِيًّا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ. لأَنَّ «كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ»."
لأَنَّ رَبًّا وَاحِدًا لِلْجَمِيعِ
= هذه عائدة على "كل" في الآية السابقة. الرسول هنا يعالج رفضهم حب الله الشامل للجميع يهودًا وأمم. ويقول أن الله هو رب الجميع، خالق الجميع، إذًا هو مسئول عن الجميع. ولذلك سيقبل الجميع، كل من يؤمن، من اليهود أو اليونانيين. وإستند بولس الرسول على آية أخرى من يوئيل إن كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ = (يؤ 2: 32). طبعًا لا أحد سوف يدعو إن لم يؤمن أولًا ثم يدعو باسم الرب. فالوعد هنا في يوئيل هو للكل أيضًا، لكل من يصلي مؤمنًا بالرب.
الآيات (14، 15): "فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ»."
الرسول يوجه اللوم لليهود ويفضح تقصيرهم، إذ كان المفروض أن يكونوا نورًا للعالم، وبمعرفتهم للرب أولًا كان يجب أن يكونوا سفراء للعالم كله، ويقوموا بدور كرازي، ويعلنوا الله لهم. لكن بسبب كبريائهم وبرهم الذاتي، دخلوا في مناقشات غبية بتشامخ وكبرياء ضد الأمم. فكانوا عثرة للأمم وسبب نفور الأمم من الله. فهم حرموا الله من إيمان هؤلاء، وحرموا الأمم من إمكانية الخلاص. بولس الرسول يحول رفضهم للأمم إلى تهمة خطيرة ضدهم. فهم صاروا عائقًا يمنع إيمان الأمم وخلاص نفوسهم وبالتالي يتمجد اسم الله. فلو فهموا معنى قول يوئيل النبي كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ لكانوا قد فهموا أنها تنطبق على كل إنسان حتى الأمم، ولكانو قد قاموا بعمل كرازى ليتمجد اسم الله بإيمان الأمم. والآن لقد أتى الله ليقبل الأمم، واليهود يرفضون ذلك، بينما أن المفروض أن إيمان الأمم بالله يسعدهم. لأن اسم الله يتمجد في العالم، هذا إن كانوا يحبون الله فعلًا، لكن هم كانوا يحبون أنفسهم، وهذا معنى أنهم يطلبون بر أنفسهم. هم كانوا بناموسهم الذي يشهد للمسيح، قادرين أن يكتشفوا المسيح ويكرزوا به للأمم، لكنهم للأسف بسبب كبريائهم لم يقوموا بدورهم الذي أراده لهم الله.
فكيف يدعون= هذه راجعة للآية 13 كل من يدعو باسم الرب.. وهنا يتساءل بولس الرسول كيف يدعوا الأمم الله فيخلصوا وهم لم يؤمنوا به وحتى يؤمنوا بالله كان يجب أن يسمعوا به= وهذا لم يحدث لأنه لم يوجد كارز يعرفهم بالله فيؤمنوا به ثم يدعون باسمه فيخلصوا. هنا الرسول يلوم اليهود، إذ كان عليهم بسابق معرفتهم بالله أن يكونوا أول المؤمنين بالمسيح، بل كارزين به للعالم أجمع، لكن عوضًا عن ذلك إذ بهم يسدون آذانهم حتى عن نبوات أنبيائهم، فلم يعرفوا المسيح، ولم يؤمنوا به، ولم يكرزوا به. لم يُرسلوا= لم يرسلهم الروح القدس بواسطة الكنيسة ليكرزوا، وكيف يخدم إنسان كسفير ما لم يقدم أوراق اعتماده. والملك لا يُرسل سفيرًا ما لم يكن أهلًا لذلك. فالله لم يُرسلهم للكرازة إذ أنهم لا يستحقون بسبب كبريائهم. وهنا يشير الرسول للخدمة القانونية التي تستلزم خادمًا رُسِمَ بالطريقة القانونية. والذي يرسل الخدام هو رب الحصاد ولكنه يترك هذا لقادة الكنيسة حتى يحكموا على مقدرته وصلاحياته، ولا يترك لكل إنسان أن يحكم على نفسه، وذلك يؤول لحفظ نظام الكنيسة فهم الذين أُعْطوا السلطان (الله أعطى السلطان للكنيسة) لإقامة الخدام، وبهذا تحتفظ الكنيسة بخلافة الرسل. ولذلك رأينا أنه بينما اختار الله بولس وبرنابا للكرازة، قامت الكنيسة بوضع اليد عليهما لترسلهما (أع2:13، 3) وحينما خَسِر اليهود دورهم ككارزين وسط الأمم خسروا بركات أن يكونوا المبشرين بالسلام (إش7:52). وهذه الآية قيلت عن خلاص إسرائيل من سبي بابل، لكن بولس رأى فيها ما هو أبعد من ذلك، رأى أنها تشير لمن يبشر بالسلام الذي تحقق بدم المسيح بين الله والناس. والذي يبشر بالمسيح هو يبشر بالسلام فالمسيح ملك السلام.
وما أجمل أقدام المبشرين= في نظر سامعيهم الذين آمنوا بكرازتهم. لكن اليهود بعنادهم خسروا هذه البركات.
آية (16): "لكِنْ لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا الإِنْجِيلَ، لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟»"
عدم إيمان اليهود بالمسيح، هذا كان النبي إشعياء قد تنبأ به من قبل (إش 1:53) فقليلون هم الذين صدقوا وآمنوا.
قَدْ أَطَاعُوا الإِنْجِيلَ = ليس المهم أن نسمع ونعرف بل أن نطيع. من صَدَّقَ خَبَرَنَا = من يؤمن بكلمات الكرازة. فاليهود سمعوا كلمات كرازة المسيح ثم كلمات كرازة رسله ولم يطيعوا.
آية (17): "إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ."
إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ
= الخبر في الإنجليزية HEARING أي سماع. وكلمة الخبر هنا راجعة على كلمة خبرنا في الآية السابقة. والمعنى أنه لا بُد من الاستماع لكلمة الله حتى يؤمن الإنسان، فبداية الإيمان ونموه تأتي من السماع، سماع كلمة الله= وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ. ولأن الخبر هو كلمة الله فمن يرفض الكلمة التي كرز بها الرسل، فإنه يرفض الله. وهنا الرسول يتهم اليهود أنهم:- 1) رفضوا وقاوموا كلمة البشارة بالإنجيل. 2) لم يقوموا بدورهم في توصيل هذه البشارة للأمم.تأمل: هناك أخبار حلوة كثيرة هي وعود من إلهنا السماوي ليس فقط فيما يخص ميراثنا السماوي ولكن
أيضًا فيما يختص بحمايته لنا وعنايته بنا وتدبيراته لكل أمور حياتنا على الأرض. ونحن نحيا لنختبر صدق هذه المواعيد أي صدق هذه الأخبار وكلما نرى ونختبر صدق هذه المواعيد يزداد إيماننا بالله. وبهذا يتحقق قول الآية الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ.
آية (18): "لكِنَّنِي أَقُولُ: أَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا؟ بَلَى! «إِلَى جَمِيعِ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُمْ، وَإِلَى أَقَاصِي الْمَسْكُونَةِ أَقْوَالُهُمْ»."
ولكنني أقول هل اليهود لم يسمعوا كلمة الله. بكل تأكيد هم سمعوا. لأن صوت الكارزين ببشارة الخلاص قد ذاع ووصل إلى كل الأرض. وأقوال الكرازة قد وصلت إلى أقاصي المسكونة. فبولس هنا يثبت على اليهود أنه لا عذر لهم في رفض الكلمة، لكنهم هم سامعين لا يسمعون (مت13:13). ولقد اقتبس الرسول من (مز5:19). ولكن المزمور كان يتكلم عن شهادة الفلك والطبيعة لله، فالكواكب بنظامها العجيب تنطق بوجود الله، لكن بولس فهم المزمور أنه عن شهادة الرسل وكرازتهم التي بلغت أقاصي المسكونة (مر15:16 + مت19:28). فكما رتب الله أن تذاع أعماله في الخليقة عن طريق الشمس والقمر والكواكب، هكذا رتب الآن أن تذاع أعمال الفداء وأعمال محبته لكل العالم بواسطة كرازة الرسل، لذلك يسمي الرسل كواكب.
آية (19): "لكِنِّي أَقُولُ: أَلَعَلَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أَوَّلًا مُوسَى يَقُولُ: «أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ»."
هو يقصد أن إسرائيل سمع وعلم. ولكنه لم يريد أن يفهم لأن الأمم سمعوا وفهموا وآمنوا. فكان يليق باليهود الذين لهم الأنبياء والعلامات أن يفهموا. والله يغيظهم بقبوله للأمم لعلهم يرجعوا ويؤمنوا. فالله لم يغلق بابه إذًا أمام اليهود. ولكن عناد اليهود أفقدهم وجودهم كأمة، ودخل بدلًا منهم الأمم. وبولس يقتبس من (تث21:32) قول موسى بأمة غبية أغيظكم = فالأمم كانوا أمة غبية لالتصاقهم بالأوثان، فمهما سمت حكمة الشعوب الوثنية فهم بعيدًا عن الله لا تزيد حكمتهم عن كونها غباء. ونرى غيظ اليهود من قبول الأمم في أع45:13 + 5:17 + 13:17 + 22:22). اليهود كانوا كالأخ الأكبر الذي تضايق من عودة أخيه الأصغر، الابن الضال.
آية (20): "ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ: «وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِرًا لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي»."
إن إشعياء وهو واحد من اليهود، وكان يحتقر عبدة الأوثان، إلاّ أنه يتجاسر ويقول على لسان الرب. وجدت من الذين لم يطلبوني= (إش1:65-3) أي صرت إلهًا للأمم. فإشعياء تنبأ هنا عن قبول الأمم.
آية (21): "أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: «طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ»."
تابع نفس نبوة إشعياء (إش 1:65-3). هنا نرى الله طول النهار= أي على الدوام كأب غيور رحيم يمد يده ليحتضن هذا الشعب إلاّ أنهم رفضوا. بسطت يدي= فيها إشارة للصليب حيث بسط المسيح يديه يطلب المصالحة ويريد أن يحتضن الكل، يبحث عمن يلبي النداء. طول النهار= أي أن الزمان محدود، فالنهار يعقبه ليل، والليل إشارة لغضب الله (راجع يو30:13 قول الكتاب عن يهوذا حين دخله الشيطان إذ كان الرب قد رفضه فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت. وكان ليلًا). والنهار محدد بساعات محدودة. فالله لا ينتظر دائمًا (نش2:5-6) في النشيد نجد الحبيب تحول عن محبوبته (إذ طال انتظاره) وعبر. إن رحمة الله العجيبة، عجيبة جدًا لأن صلاحه لم يغلبه شر الإنسان، وشر الإنسان لعجيب جدًا لأن شره لم يغلبه صلاح الله.
← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 11 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 9 |
_____
(1) توضيح من الموقع: المجد الذي لله = أي لا يطلبون أو لا ينسبون أو لا يعطون المجد لله بل هم يطلبون المجد لأنفسهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/gz23jmy