← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
في الإصحاحات (4-5-6-7-8-9-10-11) يرد الرسول على آراء اليهود ومعتقداتهم ويفند حججهم، فهم يفتخرون ببنوتهم الجسدية لإبراهيم، وبأن لهم الناموس والشريعة، وأنهم هم الشعب المختار، شعب الله المختار. ومما سبق فهمنا من الرسول أنه على كل واحد ألا يفتخر إلا بالإيمان بالمسيح، فهذا الإيمان هو الذي يبرره، وبالتالي يكون له حياة. وكلام الرسول بهذا، في هذه الإصحاحات (4-5-6-7-8-9-10-11) يعني أن على اليهود ألا يفتخروا بأنهم أبناء إبراهيم بالجسد ولا بناموسهم ولا بكونهم الشعب المختار ولا بالختان.. إلخ. بل بالإيمان بالمسيح، وبهذا فهم يتشبهون بأبيهم إبراهيم الذي تبرر بالإيمان.
ولماذا اختار
بولس الرسول إبراهيم بالذات؟ ولم يختار نوح أو هابيل... مع أن هؤلاء وغيرهم كثيرين كانوا أبرارًا:-1. لأن اليهود كانوا يتفاخرون بإبراهيم (يو33:8). ولكن تفاخرهم هذا أدى لعجرفتهم وكبريائهم دون أن يحاولوا أن يتشبهوا به.
2. الله وعد إبراهيم أن يجعله أبًا لجمهور كثير من الأمم، ولم يكن هذا الوعد إلا لإبراهيم.
3. إبراهيم هو حلقة الوصل بين أهل الغرلة وأهل الختان. عاش متبررًا بالإيمان وهو بعد في الغرلة (تك6:15 + تك10:17) وحصل على الختان كعلامة للعهد. لكنه تبرر قبل الختان، أي بدون ختان. وتبرر أي أعلن الله بره بدون أعمال الناموس، فلم يكن هناك ناموس أيام إبراهيم.
4. بولس يرى أن الفداء والتبرير بالإيمان لم يبدءا بالمسيح ولكنهما بدءا من أيام إبراهيم، فإبراهيم أعلن له الله أنه تبرر إذ آمن. والله كشف له طريق التبرير بأن الله يخرج حياة من الموت (كما خرج إسحق من جسده المائت). وكان فداء المسيح على نفس النمط ، فالمسيح يبرر الخطاة الذين هم أموات بالخطية. وإن آمنوا وتابوا يُحْيَوْا أي ينتقلوا من الموت إلى الحياة = "أخاك كان ميتا فعاش" (لو32:15) وهذا التبرير كان بالإيمان كما تبرر إبراهيم. وبركة هذه الحياة يأتي من نسل إبراهيم ومن إسحق (تك12: 3 + 17: 21).
إبراهيم قيل عنه أنه تبرر بالإيمان (تك6:15). وكان هذا قبل الختان بحوالي 25 سنة (تك10:17). وقبل أن يقدم ابنه ذبيحة (تك22). وأيضًا قبل ناموس موسى بحوالي 430 سنة. وكان هذا لمصلحة الأمم فهم بلا عهد ختان وبلا ناموس، فصار من حقهم أن يتشبهوا بإبراهيم الذي تبرر بالإيمان قبل الناموس وقبل عهد الختان، وقبل الأعمال أي تقديم ابنه ذبيحة. ولذلك أسماه الله أب لجمهور من الأمم = إبراهيم. فكل من يشابه إبراهيم في إيمانه يتبرر.
وإيمان إبراهيم كان يتلخص في أن
الله قادر أن يخرج من الموت حياة.1. هو خرج من أور أعظم المراكز التجارية أيامها، وكانت على الخليج، إلى المجهول، خرج بإيمان أن الله سيعطيه حياة.
2. إيمان إبراهيم ظهر في صراع رجاله مع لوط ورجاله، فترك للوط كل ما أراد مؤمنا أن الله يعطيه حياة إذ أن لوط ورجاله استولوا على الأراضي الجيدة تاركين الأراضي الصحراوية لإبراهيم.
3. ظهر إيمان إبراهيم في أن الله لا بُد وسيعطيه إسحق طالما وعد بذلك، حتى مع شيخوخته ومماتية مستودع سارة.
4. ظهر إيمانه في تقديم ابنه إسحق ذبيحة، مؤمنًا بأن الله سيقيمه إذ أن الله وعده أنه بإسحق يكون له نسل.
ومن يتشابه إيمانه الآن بإيمان إبراهيم، أي أن الله قادر أن يخرج من الموت حياة يصير ابنًا لإبراهيم بالإيمان. وهذه قصة الفداء. فأي إنسان هو ميت بالخطية، ومن يؤمن بالمسيح ويعتمد يموت إنسانه العتيق مع المسيح في المعمودية ويخرج ثابتًا في المسيح وله حياة المسيح. فهذا هو إيمان إبراهيم، أن الله يخرج حياة من الموت. فإيمان إبراهيم يتطابق مع قصة الخلاص وخطة الله للخلاص. وحتى الآن فمن هو غارق في خطاياه ويريد أن يحيا بدلًا من موته كخاطئ، عليه أن يبدأ بإيمان في أن يحسب نفسه ميتًا عن الخطية فتظهر فيه حياة المسيح (رو11:6 + 2كو4: 10، 11). فالخاطئ ميت ولكن الله قادر أن يخرج حياة من هذا الموت، كما أخرج حياة من مستودع سارة المائت. بل المسيح أتى من مستودع بلا أمل في خروج حياة منه، إذ هو مستودع عذراء. لكن الروح القدس أعطى جسدًا حيًا هو جسد المسيح في بطن العذراء. وبنفس الطريقة فالروح القدس يرف على وجه مياه المعمودية، فيعطي للمعمد حياة، هي حياة المسيح كما كان الروح القدس في القديم يرف فوق المياه فخرجت حياة في العالم (تك2:1). وهذا هو الفارق بين إسحق وإسمعيل في ولادتهم فإسحق هو ابن الموعد أي ليس بحسب الطبيعة كإسمعيل، لكن بحسب ما آمن به إبراهيم، أن الله يخرج حياة من الموت. ومعنى كلام بولس هنا أن هذا هو الخلاص أي الإيمان بأن الله يخرج حياة من الموت. وهذا لكل من يؤمن "من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو25:11) فمن يؤمن بالمسيح تكون له حياة. والله فرح بإبراهيم لأن إيمانه كان متطابقًا مع خطة الله للخلاص، لذلك جعل الله ابن إبراهيم رمزًا لإبنه المسيح يسوع الذي سيعطي حياة من الموت، لذلك يقول بولس الرسول نحن أولاد الموعد كإسحق (غل28:4). وكان الختان علامة ظاهرية أو ختم لإيمان إبراهيم. والختم هو تصديق على معاهدة بين طرفين. لقد ظل إبراهيم سنوات طويلة يؤمن بالله. وجاء الله ليقول لإبراهيم "سأضع علامة في جسدك شاهدة لإيمانك" وهذه العلامة هي الختان. هي قطع جزء من جسدك وتركه ليموت وبهذه العلامة تدخل في معاهدة معي وتصير من شعبي، ومن يدخل في معاهدة مع الله ويصير من خاصته تكون له حياة. وبالتالي فإن هذه العلامة هي نفس إيمان إبراهيم، هي موت (جزء اللحم المقطوع) وحياة (حياة إبراهيم إذ دخل في عهد مع الله) . وصار الختان رمزًا للمعمودية التي هي موت وحياة. وهذا ما يعمله الروح القدس، فهو يميت حب الخطية في القلب لمن يعمل على إماتتها، وهذا ما أسماه الرسول ختان القلب بالروح (رو29:2 + رو13:8).
آية (1): "فَمَاذَا نَقُولُ إِنَّ أَبَانَا إِبْرَاهِيمَ قَدْ وَجَدَ حَسَبَ الْجَسَدِ؟"
فَمَاذَا نَقُولُ
= بعد أن قلت ما قلته عن الإيمان والتبرير بالأعمال، تعالوا نأخذ مثالًا، أنتم كلكم تحبونه وتعرفونه، ألا وهو إبراهيم أبونا. قَدْ وَجَدَ = ماذا إستفاد.حَسَبَ الْجَسَدِ
= يقصد حسب أعماله، أي الختان وتقديم ابنه ذبيحة. ولكن لماذا لم يقل حسب الأعمال؟ بدلًا من قوله حسب الجسد. [1] هو يريد أولًا أن يهاجم الافتخار بالأعمال فيعطيهم مثلا بأعمال إبراهيم وماذا إستفاد منها. [2] هو يريد أن يهاجم اليهود الذين يفتخرون ببنوتهم لإبراهيم بحسب الجسد وكل ما يفكرون فيه هو ميراثهم الأرضي لأراضي كنعان، ولكنهم لا يفكرون في الميراث السماوي، هذا الذي ينالونه بالإيمان، مثل إبراهيم. هو يريد أن يقول لهم، ماذا أخذتم ببنوتكم الجسدية لإبراهيم، حتى تفتخروا بها، أو بأعمالكم. لو كان إبراهيم قد إفتخر بأعماله أمام الله مثلاُ في أنه ترك أور، لكان الله قد حسب هذا دينًا عليه ولأعطاه مكانًا أفخم من أور، ولانتهى الموضوع بهذا. أما بسبب إيمانه فلقد جعل الله إبراهيم عظيمًا في الأرض وفي السماء. ولقد قيل أن الله برره بإيمانه وليس بأعماله (تك6:15). وكلام بولس هذا يفسح المجال للأمم ليؤمنوا فيتبرروا هم أيضًا. أما إصرار اليهود على أن إنتمائهم لإبراهيم هو بالجسد فهذا يضعف صلتهم به، فالصلة الروحية أقوى وهي باقية في السماء.
آية (2): "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّرَ بِالأَعْمَالِ فَلَهُ فَخْرٌ، وَلكِنْ لَيْسَ لَدَى اللهِ."
فَلَهُ فَخْرٌ = من يفتخر أمام الله فهو ضمنا يطلب أجرًا على عمله الذي يفتخر به.
إبراهيم قطعًا كان أحسن الموجودين أيامه، ومع هذا فعليه أن لا يفتخر أمام الله لا بختانه ولا بأعماله الصالحة لماذا؟ [1] من ناحية الختان فالله هو الذي أمره بأن يختتن. [2] الله هو الذي أعطاه ويعطي كل أحد أن يعمل الأعمال الصالحة (يع1: 16، 17
). فإذا إفتخر إبراهيم أو أي أحد بأعماله، فهو يفتخر بما ليس له، فالله صاحب الفضل (1كو7:4). ومن يفتخر فهو يعرف شماله بما تعمله يمينه. والله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل (في 2: 13) فكيف نفتخر أمام الله وهو الذي عمل فينا هذا العمل. [3] بل عليه أن يفتخر بإيمانه بالله الذي أعطاه كل هذه البركات. ولو قورن إبراهيم بمعاصريه من البشر فهو الأحسن، ولكن إن إفتخر فليفتخر أمام الناس، مثلًا بالختان فهذا معناه أنه في عهد مع الله. أو بأعماله، فالناس يهتمون بالمظاهر، (ولكن الله يهتم بالقلب). ولكن لا يفتخر أمام الله بكل هذا، لأن الله هو مصدر كل عمل صالح. بل يفتخر بإيمانه الذي به ارتمى في حضن الله ، ليغتصب المواعيد من الله ويحسب بارًا في عينيه، الافتخار عمومًا يقود للكبرياء، والكبرياء بداية السقوط، وهذا هو معنى ماقصده السيد المسيح بأن لا نعرف شمالنا ماتعمله يميننا من أعمال بر، نحن نفتخر بما عمله الله بواسطتنا أو بنا، ووصية الرب لنا أنه إن فعلنا كل البر نقول أننا عبيد بطالون حتى لا ندخل في الكبرياء.مثال: مهندس صمم عملا أو إختراعا عظيما، أو طبيب إكتشف علاج لمرض مستعصٍ، تجد أن العالم يكرم هؤلاء العباقرة. بل هم يقيمون مسابقات لملكات الجمال ويعطون الفائزة الملايين. والسؤال هنا... من الذي أعطى لهؤلاء العباقرة عقولهم أو لهذه الجميلة جمالها؟ هو الله بلا شك، وهو الذي يستحق التكريم. فلو إفتخر أحد هؤلاء بنفسه فهو قد نسب لنفسه ما ليس له، أما لو إفتخر بالله أي بأن الله هو الذي وهبه ما عنده من عقل أو جمال، وشَكَر الله عليه لحصل على أجرًا سماويًا. ولجعل الله الناس يكرمونه بالأكثر. بل أن الله لو جعل الناس يكرمون أحدًا لكان هذا الإكرام نابعًا عن تقدير ومحبة حقيقية. من يفتخر بعمله لن ينال سوى تكريم أرضى. ومن يطالب الله بأجر عن خدمة قدمها لله سيعطيه الله خيرات أرضية في مقابل خدماته.
أما مَنْ يفتخر بالله ويؤمن بأن الله هو الذي أعطاه كل ما عنده وكل ما عمله وهو كان مجرد أداة في يد الله، فإنكاره لذاته وإنسحاقه وتواضعه يحميانه من الكبرياء والسقوط. بل يجعلان الله يسكن عنده (إش57: 15). وبإيمانه هذا يرتمى في حضن الله فيزداد ثباتا في الله، فيكون له نصيب في عرش المسيح بحسب وعد المسيح (رؤ3: 21). بل لن يحرمه الله من تكريم الناس وعن حب الناس له. هذا فضلا عن إمكانيات لا نهائية يهبها الله له كما يقول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى" (فى4: 13).
آية (3): "لأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا»."
في (تك6:15) قيل
فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا = إيمانه حُسِبَ له كما لو كان قد تمم كل أوامر الناموس. ولكن بالرجوع لرسالة يعقوب (يع21:2-23). نجده يستخدم نفس الآية لإثبات أن إبراهيم قد تبرر بالأعمال ولكن معلمنا يعقوب يقول "أن الإيمان عَمِلَ مع أعماله وبالأعمال أكمل الإيمان.." فهل هناك تعارض بين ما قاله يعقوب وما قاله بولس؟! أبدًا. فبولس يناقش موضوع مختلف عن الموضوع الذي يناقشه يعقوب. بولس يرد على اليهود المنتفخين بأعمالهم في بر ذاتي (مثل الفريسي والعشار) وبولس يقول لا تفتخروا على الله بأعمالكم، فهل يعقل أن يقف اليهودي ليفتخر على الله بأنه مختون والله هو الذي قال له إعمل كذا وكذا.. إذا أراد أن يفتخر فليفتخر على جيرانه الغلف (1كو7:4). بالإضافة أنه يجب أن نعلم أن كل عطية صالحة هي نازلة من فوق (يع1: 16، 17).روحيًا، يجب أن نقف أمام الله ونقول كل عمل صالح أنا عملته أنت الذي أعطيتني إياه. وبولس مع أنه مؤمن لم يمتنع عن العمل بل قال "جاهدت الجهاد الحسن..".
أما يعقوب فهو يعالج نقطة أخرى، فهو يرد على من قال أنا آمنت، وإتكل على هذا وإمتنع عن أن يعمل أعمالًا صالحة. مثل من يقول "أنا آمنت إذًا أنا دخلت السماء". ومعنى كلام يعقوب "لو كان إيمانك صحيحًا لظهر هذا في أعمالك". أمثلة:- من يؤمن أن هناك قيامة، لماذا يحزن بيأس على إنتقال أحد أحبائه. ومن يؤمن بأن هناك ميراث سماوي في المجد لماذا يحزن على ضياع أشياء أرضية. ومن يؤمن بأن الله موجود لماذا يخطئ كأن الله لا يراه. هذه أمثلة على الإيمان الحي.
فيعقوب يناقش أهمية أن يكون لك أعمال بعد الإيمان، وبولس يقول أن أعمالك مهما كانت فهي لا تخلِّص دون إيمان، بدون إيمان أعمالك بلا فائدة. كلام يعقوب على أهمية الأعمال نفهمه من المثال الآتي:- طالب دخل كلية الطب (مثل إنسان آمن بالمسيح) مثل هذا لا بُد أن يذاكر لينجح ويصبح طبيبًا (مثل المؤمن يجب أن يعمل بجانب إيمانه، وهذا معنى كلام يعقوب. أما الطالب الذي لا يذاكر فسيفشل ويرفت (والمؤمن المستهتر يهلك) وهذا ما قاله الرب "من يغلب لن أمحو اسمه من سفر الحياة الأبدية" (رؤ3: 5). إذًا معنى كلام بولس ويعقوب أن عليَّ أن أؤمن أولًا، لكن بعد الإيمان عليَّ ألَّا أكُفّ عن العمل. فبولس كان مؤمنًا وجاهد الجهاد الحسن (2تي4: 7، 8). وأعمال بولس كانت نابعة عن إيمان، فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6:11). ولكن بعد الإيمان لا بُد من أن نعمل ونجاهد، وبولس خاف بعد ماعمله من كرازة
وجهاد أن يصير هو نفسه مرفوضًا (1كو9: 27) والله أيضًا خاف عليه من أن ينتفخ ويضيع فأعطاه شوكة في الجسد (2كو12: 7).والطبيعة تعلم هذا، فالأرض لا تطرح أرغفة خبز، بل قمحًا يجب أن تجري عليه أعمالًا كثيرة ليتحول إلى خبز. وحينما تكاسل أهل تسالونيكي وإمتنعوا عن العمل، أرسل لهم الرسول يقول لهم "من لا يعمل لا يأكل" (2تس10:3) فالطبيعة تعلمني ان أعمل حتى آكل فلماذا يعلِّم البعض في الناحية الروحية أن النعمة كافية للخلاص ولا داعي للعمل. ويقول بولس الرسول "ليس الزارع شيئًا ولا الساقي لكن الله الذي ينمي" (1كو7:3) لكن الأرض لا تعطي الزرعة بدون أن يزرع أحد ويروي أرضه. وسفر التكوين يعلمنا أن الأرض كانت خربة إذ لم يكن إنسان يعمل الأرض (تك5:2). والله خلق آدم ليعمل الجنة ويحفظها (تك15:2). ونحن كخليقة جديدة في المسيح مخلوقين لأجل أعمال صالحة... (أف10:2).
وَمَنْ يغصب نفسه (كمن يصلي بالغصب) تنسكب فيه النعمة فيفرح ويتعزى. ولكن على الإنسان ألاّ يفتخر بعمله فالله هو الذي ينمي. فالفلاح لا يفتخر أمام الله بأن الأرض أخرجت زرعًا فالله هو الذي أخرج الزرع. ربما يفتخر الفلاح على زميله بأنه أكفأ منه، ولكن ليس على الله. ولكن هذا يحدث مع البعض منا في وقت التجربة، إذ يقول البعض لله "لقد صليت لك وصمت لك... ومع هذا سمحت بهذه التجربة لي.. أو لم تعطني خيرًا كنت أرجوه" مع أن الصلاة ليست تفضلًا منا بل هي تفضل من الله علينا، إذ يسمح بأن نقف أمامه كالملائكة، فنحن الذين نأخذ في الصلاة كرامة ونحن لا نستحق. جميل أن يقول بطرس للسيد "أخرج يا رب من سفينتي فأنا رجل خاطئ" (لو8:5) إذًا علينا أن نعمل ولكن علينا أن نقول دائمًا أننا لا نستحق، ولا نعرِّف شمالنا (الافتخار بالعمل) ما تعمله يميننا (عمل الخير) ونقول مع داود "يا رب من يدك أعطيناك".
وفي (رؤ2:2) الله يقول أنا عارف أعمالك... إذًا لا داعي لأن تذكرني بها حينما أبدأ في العتاب معك.
من يفتخر بأعماله يحسبها الله له كدين على الله ويعوضه كثيرًا، فمثلًا إن كان إبراهيم قد افتخر على الله بأعماله، لكان الله قد بارك له في ماشيته وأمواله وأولاده ولانتهت قصته بذلك، لكن إيمان إبراهيم ماذا أعطي له؟ لقد أعطى الله نفسه له "أنا ترسٌ لك" (تك1:15) وبهذا صار إبراهيم يتغنى مع عروس النشيد "أنا لحبيبي وحبيبي لي".
والإيمان الذي يبرر هو:-
1. حب الله وتقديرنا لسموه والالتجاء إليه
وأنه صانع خيرات فلا نعترض ولا نتذمر عليه فكل ما يسمح به هو طريقنا وإعدادنا للسماء.2.
إيماننا أنه قادر ويريد بل ويفرح بأن يبرر الخاطئ فنجاهد بلا يأس.3. أنه الشفيع لدى الآب الذي يصالحنا معه وبأنه المخلص.
4. به نقدر على كل شيء، وبه نتحول من كوننا أشرار إلى
أبرار قديسين، فهو يخرج من الموت حياة. فنتخذ قرارا بإماتة شهواتنا ونقدم أجسادنا ذبيحة حية (رو12: 1) فنجد النعمة تعيننا، فننتقل من موت إلى حياة وتفرح بنا السماء. فالإيمان الذي يبرر هو أن أقبل أن أموت مع المسيح عن الخطايا وبهذا تكون لي حياة المسيح، وهذا معنى "مَن آمن واعتمد خلص" (مر16: 16) والمعمودية هي:- (1) موت مع المسيح (هذه عطية من الله). (2) حياة إماتة عن الخطية (وهذا قرارى بحريتى). (3) هي قيامة مع المسيح [وهذه عطية من الله وتثبت فينا مع ممارسة الإماتة 2كو4: 10، 11)].وبهذا نرى تكامل أقوال بولس الرسول مع يعقوب الرسول. فبدون المسيح وتبريره وعمله الفدائي ما كانت كل أعمال الدنيا قادرة أن تخلص، فخطية واحدة بحسب الناموس تقود للموت. والإيمان بالمسيح هو البداية للإستفادة من بركات هذا الفداء. وتأتي بعد هذا المعمودية وهي موت وحياة مع المسيح. أما الأعمال فهي أن أقبل أن أحيا كميت أمام
الخطية، وهذا ما نسميه الإماتة، فأنال حياة أبدية بالمسيح (رو 6: 11، 12).
(آية 4): "أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ."
أما الذي يعمل= الرسول يقصد هؤلاء الذين يعملون ويفتخرون بأعمالهم ويطالبون بالأجر من الله على أعمالهم (رو3:27). وهل معنى هذا أن لا نعمل؟ قطعًا لا. فمن الخطأ أن نمسك آية واحدة ونبني عليها عقيدة. فنسمع في (لو7:10) أن الفاعل مستحق أجرته. ولاحظ تعليم بولس الرسول "فَإِنَّنَا أَيْضًا حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ، أَوْصَيْنَاكُمْ بِهَذَا - أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلَا يَأْكُلْ أَيْضًا". وفي (مت42:10) من سقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد... لا يضيع أجره. وفي (رؤ13:14) الأعمال تتبع المؤمنين + (رؤ20: 12، 13) وراجع المقدمة. ولكن المطلوب أن لا نعِّرف شمالنا ما تعمله يميننا. فالرسول يقصد بمن يعمل "الذي يفتخر بأعماله أمام الله، أو الذي يظن أن أعماله تخلصه" (أنظر إلى جمال طقس قداس الكنيسة الأرثوذكسية، فنحن دائمًا نردد "يا رب إرحم" بمعنى أننا لا نستحق شيء، ولا نطلب سوى رحمتك يا رب).
فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ = ولنأخذ إبراهيم كمثال:-
إبراهيم كتب عنه في (تك6:15) "فآمن إبراهيم.." ولم نسمع أنه قال لله، أنا عملت كذا وكذا فأين أجري، هو أطاع الله في إيمان ولم يطلب أجرًا.. لذلك كانت أجرته أكبر من تصور مخلوق، كانت أجرته الله نفسه، فالله يقول له في (تك1:15) أنا ترسٌ لك، أجرك كثير جدًا.. وفي ترجمة أخرى "أنا أجرك العظيم جدًا" + أن الله برره.
بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ
= مثال:- موظف مرتبه 20ج يوميًا. حدثت له مشكلة ما ضايقته، فيقول لله، لقد خدمتك سنين هذه مقدارها (نفس خطأ الأخ الأكبر للابن الضال لو29:15). فلماذا تسمح لي بهذه التجربة. هنا فالله يحسب له خدمته على سبيل أن الله مديون له، ويقول كم يوم خدمتني وكم كان أجرك فيهم، وسأعطيك أكثر مما خدمتني به، وسيكون المبلغ مهما كان كبيرا فهو عدة جنيهات، وقارن بالأجر الذي حصل عليه إبراهيم أن الله ترس له، ولاحظ أن العشار الذي صلى بشعور عدم الاستحقاق خرج مبررًا لأنه قال يا رب ارحمني أنا الخاطئ، أمّا الفريسي فلم يتبرر. والفريسي الذي استضاف رب المجد (وتكلف في المأدبة الكثير) لم يتبرر، والمرأة الخاطئة تبررت.
آية (5): "وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا."
أَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ
= بالمقارنة بالآية السابقة فهذه تعني من يعمل ولكنه لا يفتخر بعمله أمام الله، بل يقول لله "أنت يا رب الذي تعمل فيَّ". لكنها لا تعني أن لا نعمل، وإلا لماذا قال بولس الرسول نفسه "جاهدت الجهاد الحسن..." . بولس هنا يرد على اليهود الذين يتشامخون بأعمالهم وناموسهم. ونحن لا نفتخر بأعمالنا بل نثق أن الله هو العامل فينا (يو5:15 + في3:2 + 1كو9:3 + يع26:2).قصة:- سألت مذيعة مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة عن أعماله التي عملها في فترة حبريته، فأجابها "لم نتعود أن نتكلم عن الأعمال التي عملناها بل التي عملها الله بنا"
.يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ
= الفاجر في نظر الله ميت، فالخطية تعني موت (لو32:15 + رؤ1:3). ويؤمن بالذي يبرر الفاجر يعني أن الله قادر أن يخرج من الموت حياة، وهذا هو نفس إيمان إبراهيم. فالله قادر أن يحول الفاجر إلى قديس [قيل عن الفنان العظيم مايكل أنجلو أنه كان ينظر بإعجاب لقطعة من الرخام قائلًا ما أجملها، فتساءل الواقفون عن سر إعجابه بها، وهي مازالت رخام خام، فقال أنا لا أنظر إليها بحالتها الآن، بل ماذا أستطيع أن أعمله بها] فإذا كان مايكل أنجلو قادرًا أن يخرج تمثالًا رائعًا من الرخام، فما الذي يستطيعه الله فيَّ. والله أخرج من الأمم الوثنيين شعوبًا مقدسة. هذا النوع من الإيمان، أن الله يبرر الفاجر، أو أن الله يخرج من الموت حياة، هو مدخل التبرير (انظر المقدمة). الإيمان هو الباب الذي ندخل منه لحياة البر. يبرر الفاجر = يبرر لا تعني أن يغفر له الله خطاياه فقط، بل بعد أن يغفر خطاياه، يكمل معه ويعينه ليعمل أعمال بر.
الآيات (6-8): "كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضًا فِي تَطْوِيبِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرًّا بِدُونِ أَعْمَال: «طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً»."
غفرت آثامهم وسترت خطاياهم= نرى في هذه الآية غفرانًا للخطية وستر عليها أي تبرير، فما عادت الخطية ظاهرة. ونرى أيضًا أن الغفران والستر لم يحدثا نتيجة أي عمل. الله ستر بكفارته (دم تيس الكفارة عند اليهود). والكفارة هي بدم المسيح الذي يستر علينا بكفارته فأي عمل كان يساوي دم المسيح، لذلك فما أعطاه المسيح لنا كان نعمة أي عطية مجانية أحصل عليها بالإيمان كمدخل. ودم المسيح غطي وستر على كل خطايانا. ليس معنى هذا أنه لا توجد خطية، لا بل هناك خطية، ولكن أيضًا هناك ستر. إذًا التبرير لا يعني محو الخطية من الوجود، بل أن الله لا يحسبها علينا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وداود لا يذكر أي أعمال في مقابل هذا الستر، بل غفرت هذه الخطايا بالنعمة، ونال صاحبها التطويب. فمن آمن وتبرر يتأهل بالأكثر للبركة التي خلالها ينزع الخزي ليحل المجد. وداود في هذا يشير لنفسه، فالله ستر على خطيته بنعمته، دون أن يكون هذا التبرير في مقابل أعمال صالحة. كل ما فعله داود حين نبهه ناثان النبي لخطيته مع بثشبع، أنه إعترف بخطيته فنال الغفران "فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ». فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «ٱلرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لَا تَمُوتُ" (2صم12: 13). وإلى أين نقل الرب خطية داود؟ إلى المسيح. وكان تبرير الله مبني على رحمته وفضله ومحبته، لذلك كم تغنَّي داود بمراحم الله الذي برره ولم يهلكه.
حقًا لقد غفر الله خطية داود إذ نقلها عنه إلى رأس المسيح. ولكن نسمع حكم الله ... "وَٱلْآنَ لَا يُفَارِقُ ٱلسَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، لِأَنَّكَ ٱحْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ ٱمْرَأَةَ أُورِيَّا ٱلْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ ٱمْرَأَة . هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ ٱلشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ ٱلشَّمْسِ. لِأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِٱلسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا ٱلْأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ ٱلشَّمْسِ" (2صم12: 10-12). فلماذا عاقب الله داود بالرغم من أنه نقل عنه خطيته وسامحه؟ كانت الخطايا وحبة الخطايا التي تسللت إلى قلب داود، ما زالت هناك رابضة ومستعدة أن تنقض عليه وتسقطه ثانية وثالثة. ولكن كما قلنا فشرط التبرير أن يظل الإنسان ميتا عن الخطية لتظهر فيه حياة المسيح. ولذلك حدث ما سمح به الله من ألام في حياة داود بعد ذلك، مثل زنا ابنه مع أخته ثم مؤامرة ابنه إبشالوم ضده، بل وزنا إبشالوم مع سرارى داود أبيه. وكان ذلك ليتذوق داود مرارة الخطية ونتائجها فيكره الخطية ويعود لنقاوته الأولى فيتبرر، وهذا ما حدث فعلا، إذ حينما أتوا له بالفتاة أبيشج الشونمية رفض أن يعرفها أي رفض أن يعاشرها إذ كانت قد ماتت كل شهوة في داخله (1مل1: 4). وكان على داود أن يخضع لتأديب الله واثقا في محبته وأن من يحبه الرب يؤدبه، فيحيا شاكرا الله على محبته وقبول توبته. وهذا ما حدث، بل أكمل حياته باكيا على ما فعله (مز6). لذلك إختبر وعاش حياة الإماتة عن شهواته الخاطئة التي تسللت إليه وعاد لنقاوته وبره الأولين.
وعجيب هو الله في محبته لأولاده، إذ حينما يفشل واحد من أولاد الله في أن يسلك في حياة الإماتة يساعده الله بتجربة تجعله يحيا حياة الإماتة فتظهر فيه حياة المسيح (2كو4: 1-11). ومن تظهر فيه حياة المسيح يتبرر فيخلص. وألم يفعل الله هذا مع أيوب ومع بولس الرسول. وهذه التجارب قال عنها القديس غريغوريوس في القداس الغريغورى أنها الأدوية التي لا تفشل أبدًا في علاج أمراضنا الروحية "ربطتنى بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة".
الآيات (9، 10): "أَفَهذَا التَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى الْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْغُرْلَةِ أَيْضًا؟ لأَنَّنَا نَقُولُ: إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الإِيمَانُ بِرًّا. فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ، بَلْ فِي الْغُرْلَةِ!"
إذًا إبراهيم تبرر بالإيمان، قبل الختان بمدة تتراوح بين 14-25 سنة وقبل الناموس بمدة 430 سنة، أي أن التطويب الذي ناله إبراهيم والتبرير الذي أخذه كان وهو في الغرلة، وقبل أن يختتن. إذًا هذا التطويب يخص الأمم كما يخص اليهود. إذًا هو لكل من آمن (راجع مقدمة هذا الإصحاح نقطة رقم 3).
الآيات (11، 12): "وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْمًا لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَبًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضًا الْبِرُّ. وَأَبًا لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْخِتَانِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي الْغُرْلَةِ."
أخذ إبراهيم علامة الختان، كعلامة خارجية، كختم يؤكد ويظهر نوعية إيمانه، وأنه تبرر نتيجة إيمانه. وإبراهيم آمن وتبرر وهو في الغرلة. وهكذا صار إبراهيم أبًا روحيًا لكل هؤلاء الذين لم يختتنوا ولكنهم آمنوا. وحُسِب لهم هذا الإيمان برًا. وصار أيضًا أبًا لليهود الذين لم يقتصروا على الختان، ولكنهم سلكوا في الإيمان الذي سلك فيه إبراهيم وهو في الغرلة، فلا يُدعى اليهود أولادًا لإبراهيم إن لم يسلكوا في خطواته ويعملوا أعماله (يو8: 39، 44). ونلاحظ بنفس المفهوم أن لا يدعي مسيحيًا إلا من يتبع نفس خطوات المسيح. ونلاحظ أن أبوة إبراهيم لمن هم في الغرلة تسبق أبوته لمن هم في الختان. ونرى أنه لا تعارض بين أعمال الناموس (الختان) وبين الإيمان. بل جاء الختان كختم مؤكدًا الإيمان ولكنه جاء لاحقًا له. الختان صار علامة تميز المؤمن عن باقي الأمم، علامة على إيمانه، وكل من يحمل هذه العلامة عليه أن يلتزم بالإيمان. ونلاحظ أن الختان يعني أننا ولدنا بطبيعة فاسدة يلزمها الختان الروحي الذي يرمز له الختان الجسدي. وهذا الختان صار بهذا رمزًا للمعمودية. الختان هو علامة في الجسد ولكنها ليست للفخر، بل هي إعلان أن هناك جزء ميت في داخلي وهو شهوة الخطية، وبهذا كل من يحيا هكذا مائتًا عن خطاياه، قابلًا هذا أن يُصلب جسده مع أهواءه وشهواته فهو يحيا. وهذا تعليم القديس بولس الرسول (غل5: 22- 24) فثمار الروح هي لمن يصلب جسده فيحيا روحيًّا. فالثمار تكون للإنسان الحي وكما رأينا فإن حياة المسيح تظهر في أجسادنا المماتة أي التي نخضعها للموت عن الشهوات (2كو4: 10، 11).
آية (13): "فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ."
رأينا من قبل أن إبراهيم تبرر بالإيمان وهو غير مختون، وفهمنا من هذا أن الختان لم يكن شرطًا للتبرير. فالختان أتي بعد إعلان الله عن إبراهيم أنه تبرر بالإيمان بحوالي14-25 سنة. وهنا يضيف الرسول في الآيات التالية أن إبراهيم تبرر أيضًا بدون ناموس، فالناموس أعطاه الله لموسى بعد إبراهيم بحوالي 430 سنة، أي أن إبراهيم لم يرى الناموس أصلًا، وهذا يقوله الرسول ردًا على اليهود الذين يقولون أنه لا تبرير بدون ناموس. ويريدون أن يتهود
الأمم، أي يلتزموا بالناموس، قبل أن يصيروا مسيحيين.لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ
= الله أعطى وعدًا لإبراهيم وهو في الغرلة ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض (تك18:22). وكان هذا الوعد بالبركة لإبراهيم قبل الناموس بـ430 سنة. (ومعنى الوعد هو مجيء المسيح الذي فيه يتبارك كل أمم الأرض). ويعلق بولس الرسول في (غل16:3) أن الكتاب قال نسلك ولم يقل أنسال، فهو يتكلم عن واحد فقط وليس كل نسل إبراهيم. ولاحظ في إصحاح 22 من سفر التكوين أن إبراهيم حين آمن بوعد الله، زاد الله الوعد بأن يكون من نسله المسيح. إذًا وعد الله لإبراهيم لم يكن أبدًا بواسطة ناموس موسى.
آية (14): "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِينَ مِنَ النَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تَعَطَّلَ الإِيمَانُ وَبَطَلَ الْوَعْدُ:"
الوعد لإبراهيم بأن يرث كان في (تك15: 4، 5) .
والوعد بأن يتبارك في نسله كل الأمم كان في (تك18:22).
وهذا وذاك كانا قبل
الناموس بـ430 سنة تقريبًا. ووعود الله كانت بناء على إيمان إبراهيم فقط. فلو قلنا أن هناك شروطًا أخرى لينفذ الوعد مثل الناموس، فمعنى هذا أن الوعد ظل معطلًا لمدة 430 سنة حتى يأتي الناموس على يد موسى، في حين أن الوعد لم يستلزم إلا الإيمان فقط، بل أن حتى الوعد لإبراهيم ما كان إبراهيم قد إستفاد به، إذ لم يكن هناك ناموس أيام إبراهيم. بل أنه لم يوجد أي إنسان استطاع الالتزام تمامًا بالناموس، فهل معنى هذا أن وعد الله كان بلا معنى وغير قابل للتطبيق، بل حتى موسى نفسه واضع الناموس لم يلتزم بالناموس تمامًا.
آية (15): "لأَنَّ النَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَبًا، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضًا تَعَدٍّ."
الناموس كامل ومقدس، وليس هناك عيب في الناموس، لكن بسبب ضعف الإنسان لم يوجد من يلتزم بالناموس، وأصبح من يخطئ مع وجود الناموس فهو يتعدَّى على وصايا الله، ومن يتعدَّى على وصايا الله
يغضب الله = النَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَبًا = إن كسر وصية واحدة كافٍ لإغضاب الله فبدون الناموس يخطئ الإنسان، ولكن الغضب ينشأ بالأكثر حيث يوجد ناموس. فربما مع عدم وجود ناموس يبرر الإنسان نفسه ويقول لا أعلم، ولكن ما عذر الإنسان بعد أن أعطى الله الناموس. فمع وجود الناموس فالخطية بالإضافة لكونها خطية صارت تَعَدٍّ على الناموس (غل10:3).ونلاحظ أن الوعود كانت في ظل إيمان إبراهيم وليس الناموس، فالناموس مثل القانون، لا يكافئ من لا يقتل، لكنه يعدم من يقتل.
والبركة هي نوع من المكافأة. فنجد أن الله يعطي مكافآت وبركات بدون ناموس، بينما أن الناموس يلعن من يخطئ ويحكم عليه بالموت. لهذا كله قال بولس الرسول أن الناموس كان مؤدبنا إلى أن يأتي المسيح (غل3: 24).
آية (16): "لِهذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا."
لِهذَا هُوَ
= يقصد الوعد (آية 14) .مِنَ الإِيمَانِ
= الوعد كان بسبب إيمان إبراهيم، ولكن لماذا أعطى الله الوعد بالإيمان؟1.
كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ: وليس الدين، فلو أعطى الله لإبراهيم حسب أعماله، لأعطى له غنى مادي (ماشية وأموال) تعوضه عن تركه لأور.2.
لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا: فلم يكن عهد الأعمال وطيدًا (ثابتًا وراسخًا) بسبب ضعف الجسد المستمر وسقوطه. لذلك:- فإنه لخطأ شديد أن نقول أنني سأدخل السماء بسبب أعمالي الجيدة وصلواتي وأصوامي، فلو كانت البركة في مقابل الأعمال، لما كانت ثابتة ووطيدة، فلم يوجد من هو كامل.. لذلك فلنصرخ دائمًا قائلين يا رب إرحم... وهذا هو المنهج الأرثوذكسي كما نراه في القداس.3.
لِيَكُونَ لِجَمِيعِ النَّسْلِ = فلو كان بالناموس لكان محصورًا في اليهود (رو4:9) وأما حين يكون بالإيمان فسينتفع به كثيرون من اليهود وكذلك الأمم. ولذلك غيَّر الله اسم إبرام إلى إبراهيم = أب لجمهور من الأمم، (تك3:17-5). أي يكون أبًا لكل من يتمثل بإيمانه أي لكل من يكون إيمانه مشابها لإيمان إبراهيم وأن الله قادر أن يخرج حياة من الموت، وأنه بإيمانه بالمسيح تكون له حياة بعد موت الخطية = أَبٌ لِجَمِيعِنَا.4. لو كان الوعد بالناموس لجلب غضب ولعنة، فالكل سقط في التعدي فالناموس يبعدنا عن ميراث المواعيد، لذا كان من الإيمان ليُرفع الحظر.
آية (17): "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ."
في الآية السابقة قال أن إبراهيم صار أب لجميعنا، وهنا يقول لماذا؟ لأن الله قال له قد جعلتك أبًا لأمم كثيرة [(تك5:17) سبعينية]. أَمَامَ اللهِ = الله يرى المستقبل كأنه يراه الآن، لذلك نقول عن الله أنه اللازمني. وهذه تعنى أنه بالنسبة لله لا يوجد ماضى وحاضر ومستقبل، بل الكل حاضر أمامه. لذلك رأى الله الأمم الذين آمنوا على شكل إيمان إبراهيم كأنهم أمام عينى الله وهو يكلم إبراهيم، فقال الله لإبراهيم أنه صار أبًا للأمم الذين سيؤمنون في المستقبل، فالله رأى أمامه هذه الشعوب التي آمنت كأنها موجودة الآن أمامه.
أي في اعتبار الله صرنا أولادًا لإبراهيم، الله وهو يقول هذا لإبراهيم جعلتك أبًا لأمم كثيرة = كان الله يضع في اعتباره أننا سنكون بإيماننا أولادًا لإبراهيم ونرث بركته.. هذا لكل من آمن بحسب شكل إيمان إبراهيم = الذي يحيي الموتى = فهو آمن بأن الله قادر أن يحيي مستودع سارة الميت، وأن يخلق من العدم، ويقيم إسحق بعد أن يقدمه محرقة (عب19:11). والمسيح أقام لعازر من الموت، وأقام الشعوب الوثنية من موت الخطية بالإيمان، وهكذا كل خاطئ فالله قادر أن يقيمه من موت الخطية (قصة الابن الضال "إبني هذا كان ميتًا فعاش" + (أف5:2 + 14:5 + مت9:3) ففي (مت9:3) فالحجارة الميتة يقام منها أحياء. وإن كان الله قد وهبنا الوجود من العدم أفلا يهتم بنا ونحن الآن موجودين. يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة = فكل الأمم الوثنية الميتة التي آمنت قد رآها الله قبل آلاف السنين أنها صارت حيَّة بإيمانها، وصارت أولادًا لإبراهيم، وإبراهيم أبًا لها بالإيمان. وكون إبراهيم أبًا لأمم كثيرة فهذا يعني الأمم الوثنية وليس اليهود فقط.
آية (18): "فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: «هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ»."
الله أعطى المواعيد
لإبراهيم، وإبراهيم آمن وصار له رجاء في أن يكون له نسل من سارة، وهذا الرجاء عكس الرجاء الطبيعي، إذ أن إبراهيم بلغ عمرًا يجعله يفقد الرجاء في أن يكون له ابن، وامرأته سارة بلا رجاء طبيعي فمستودعها ميت ولا تصلح للإنجاب. هكذا ليتنا نؤمن بأن الله قادر أن يتمم مواعيده مهما كانت العوائق. والله يفرح حينما يكون لنا رجاء أن نصير قديسين، وليس فقط أن نهزم خطية ما. الله قادر أن يشفي طبيعتنا إن كان لنا إيمان المرأة النازفة الدم التي لمست هدب ثوبه. إن طلبنا بإيمان أكيد فالله يستجيب.
آية (19): "وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا فِي الإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتًا، إِذْ كَانَ ابْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ وَلاَ مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ."
لأنه لم يكن ضعيفًا في إيمانه، فإنه لم يقس الأمور بما يتفق وحالته واستعداده للإنجاب. هكذا على المؤمن أن لا يقيس قدرة الله بالمنطق البشري. بل لنلاحظ أن القوة التي أعطاها الله لإبراهيم استمرت معه فعاد وأنجب من قطورة. إن عدم الإيمان هو الذي يدفع الإنسان للتفكير في المعطلات والمشكلات (المستودع= الرحم).
آية (20): "وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا للهِ."
الريبة تأتي من العقل والشكوك التي تملأهُ. وكلمة إرتاب هي خطية (رو23:14 + يع1: 6، 7). فهي حالة عدم إيمان. وحينما يطرح الإنسان الشك، يأتيه اليقين إتيانًا ليملًا الفراغ الذي إحتله الشك. ولاحظ أن القلب المملوء ثقة يمجِّد الله. فالله يتمجد في الإيمان. وإبراهيم لم يعتريه أي شك في وعد الله.
تَقَوَّى بِالإِيمَانِ
= تعلق فكره وقلبه بالله كمنفذ. ومن يفعل يزداد إيمانه ويتقوى. فمن يبدأ بإيمان ضعيف يقوي الله له إيمانه بالتدريب لزيادة الثقة في الله.ولكن كيف يُقَوِّي الله إيمان الإنسان؟
الله يريد أن يقوي إيمان كل إنسان. ولكن هذا لمن يتجاوب مع الله.
وهذا التجاوب يكون:-
1) – بالعشرة الطويلة مع الله في الصلاة ودراسة وتأمل وترديد آيات الكتاب المقدس، وبهذا نعرفه فنحبه
فنثق فيه. وهذا عمل الروح القدس الذي يأخذ مما للمسيح ويخبرنا. وفي الجلسات الهادئة الطويلة التي نقضيها مع التأمل في الكتاب والصلوات نسمع صوت الروح القدس.2) – بالشكر في التجارب (كو2: 7) فهي بسماح من الله، وحينما نرى أعماله العجيبة يزداد إيماننا.
ويبدأ الله مع الإنسان بتجربة بسيطة، فإذا لم يتذمر بل شكر الله يرى يده وقوته التي تسانده، ويبدأ إيمانه في النمو. ثم يسمح الله بتجربة أشَّد وهكذا
، ومع مراقبة هذا الإنسان لعمل الله معه وسط التجارب يختبر معونة الله العجيبة وتعزيات الله له وسط الضيقات فيزداد إيمانه وينمو.ونجد تلاميذ المسيح يطلبون من الرب قائلين "زد إيماننا" (لو17: 5). وبولس الرسول يشكر الله لأنه وجد أن إيمان أهل تسالونيكي ينمو (2تس1: 3).
وهذا ما فعله الله مع شعبه بعد أن أخرجهم من أرض مصر. فهم بدأوا يعرفون الله حينما ضرب المصريين وحين شق البحر. ولكي ينقلهم من مستوى العيان إلى مستوى الإيمان
أدخلهم الله في مدرسة الإيمان. فبدأ الرب في تجربة الشعب بأنهم حين عطشوا واحتاجوا الماء وجدوا ماءً مرًا. فتذمروا عوضا عن أن يصرخوا لله الذي سبق ورأوا أعماله، ولو فعلوا لكانوا قد رأوا يد الله وازداد إيمانهم. وتوالت التجارب ولكن شعب إسرائيل لم يتعلم بل تذمروا! والتذمر يُقَسِّي القلب. والعكس فالشكر يجعل القلب ليِنًّا، مرنًا مستعدا لعمل الله الذي يعمل على نمو الإيمان داخل القلب إذ يرى الإنسان الشاكر يد الله. ولنلاحظ أن التجربة ليست لكي يعرف الله ما في داخل قلب الإنسان فهو فاحص القلوب والكلى. لكن التجربة هي لكي أرى أنا يد الله فينمو إيماني. التجربة هي كما يحدث في المدارس، فبعد الدروس النظرية تُجرى للتلاميذ تجارب عملية ليثبت الدرس في عقولهم.ونجد أن ما فشل فيه شعب إسرائيل في البرية، لم يفشل فيه إبراهيم ، ولنرى منهج الله معه:-
1- الله دعا إبراهيم لترك أور (أع7: 2، 3) فسار وراء الله دون أن يتساءل
"كيف أعيش". فلما وجد أن الله يعوله تقوى إيمانه. ولكنه تعطل في حاران بسبب أبيه (أع7: 4). فلما مات أبيه دعاه الله مرة أخرى للخروج من حاران، وإذ كان إبراهيم قد نما إيمانه إستجاب لله وسار وراء الله الذي وثق به، إلى المجهول.2- يحدث صراع بين رعاة إبراهيم ورعاة لوط، فيختار لوط الأرض الجيدة ويترك لإبراهيم الأرض السيئة. ولم يتشكك ويتساءل
"كيف أعيش" بل قال في قلبه "الله الذي دبَّر ما مضى لن يتخلى عني"، وقد تحقق هذا، فتقوى إيمان إبراهيم بالأكثر.3- الله يَعِدْ إبراهيم بنسل فيؤمن إبراهيم بأن الله قادر إذ سبق ورأى أعماله. ولم يقل إبراهيم
"كيف" ونحن غير قادران أنا وسارة.4- وبعد أن نما إيمان إبراهيم إلى هذه الدرجة نجد أصعب تجربة لإبراهيم وهي أن يقدم ابنه ذبيحة. ولم يسأل
"كيف سيحيا ثانية". ولكنه فعل إذ كان إيمانه يسمح بهذا، فهو آمن أنه وإن ذبح ابنه فالله سوف يقيمه (عب11: 19). "فالله لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون" (1كو10: 13) وبهذا إستحق إبراهيم أن يرمز للآب الذي بذل ابنه.وهذا نفس ما حدث مع يوسف، إذ سمح له الله بتجارب شديدة، ولكن ماذا صار يوسف بعدها.
إن من يريد منه الله مهامًا عظيمة يجربه الله تجارب عديدة، لا ليعرف ما في قلبه، بل حتى يؤهله للقيام بهذه المهمة التي سيقوم بها.
آية (21): "وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا."
حينما تقوى إيمانه، وازداد يقينه أن الله سيفعل ما وعده به.
آية (22): "لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا»."
لنراجع عناصر إيمان إبراهيم
1. الله يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.
2. على خلاف الرجاء آمن على الرجاء.
3. لم يعتبر مماتية جسده أو مماتية مستودع سارة عائقًا يمنع وعد الله من أن يتحقق.
4. لم يرتاب في وعد الله بل تيقن أن ما وعد به الله يفعله، هذه الثقة وهذا الإيمان هو الذي يبرر، هو المدخل للتبرير (المقدمة).
5- وبعد هذا قبل أن يقدم إسحق ذبيحة مؤمنًا أن الله سيعطي إسحق حياة بعد ذلك، وعاد إسحق حيًا. بل أخذ وعدًا ونعمة أن يصير أبًا للمسيح الذي كان إسحق رمزًا له (تك22: 15- 18)، والأعمال المطلوبة منا أن نقبل أن نقدم أجسادنا ذبيحة حيَّة فيحيا المسيح فينا.
فبداية تبرير إبراهيم كانت إيمانه (تك15) فالمدخل للتبرير هو الإيمان وهذا تعليم بولس الرسول. وبعد ذلك أكمل إبراهيم بأعماله وقدم إسحق ذبيحة، فاستمرت حياة التبرير لأن إيمانه كان حيًا واتضح هذا في عمل تقديم ابنه ذبيحة مؤمنًا أن الله يحييه ثانية (عب 11: 19) وهذا هو تعليم يعقوب الرسول أن الأعمال هي قبول تنفيذ وصايا الله مؤمنين أن في هذا التنفيذ حياة. وهذا هو الإيمان الحي (يع 2: 22).
آية (23): "وَلكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ،"
في ختام الإصحاح يطبق ما قاله عن إبراهيم علينا لنكون أولادًا لإبراهيم ونتبرر بالإيمان.
آية (24): "بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا، الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ."
سيُحسَب لنا= مكتوبة بصورة المستقبل. فكل من يؤمن، كل الأيام وإلى انقضاء الدهر يتبرر. والتبرير مستمر في الكنيسة.
آية (25): "الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا."
الذي أُسْلِمَ = أسلم بإرادة الآب كما بإرادته هو ليكفر عن خطايانا [وقارن مع "ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضًا" يو18:10] وأقيم ليهبنا حياته، وبره عاملًا فينا. القوة التي أقامت المسيح من الأموات هي التي تعمل فينا لتقيمنا من الأموات (أف1: 19) موت الخطية الآن ثم من موت الجسد في القيامة العامة. فالمسيح وفَّى ديوننا بموته، وبقيامته وهبنا بره عاملًا فينا إذ نحمل الحياة الجديدة المقامة في داخلنا. من هذه الآية نرى أن الخلاص يتم على مرحلتين، وقارن مع (رو10:5) فالآيتين بنفس المعنى. ثم قارن عمل المعمودية بهما (رو3:6-5)
المرحلة الأولى |
المرحلة الثانية |
1- أسلم من أجل خطايانا (رو4: 25)2- لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه (رو10:5) 3- بالمعمودية نموت مع المسيح (رو3:6-5) |
1- وأقيم لأجل تبريرنا (رو4: 25)2- فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلص بحياته (رو10:5) 3- وبالمعمودية نقوم مع المسيح (رو3:6-5) |
1- (رو25:4) 2- (رو10:5) 3- (رو3:6-5 )
الخلاص يتم على مرحلتين:
1. غفران الخطايا= كان هذا بأن المسيح أُسْلِمَ للموت عنا ليحمل خطايانا فنتصالح مع الآب. وبالمعمودية نموت مع المسيح فتغفر خطايانا (فمن يموت في أثناء نظر قضيته تسقط عنه القضية) ونحن بموتنا مع المسيح في المعمودية سقطت عنا خطايانا وحكم الموت وتصالحنا مع الله، إذ بموتنا مع المسيح تم فينا تنفيذ حكم الناموس الذي يحكم بموت الخاطئ، وإستوفى الناموس حقه بموت الخاطئ. ولكن هذا الوضع يشبه إنسانًا سرق خبزًا ليأكل، فحُكِمَ عليه، وجاء من دفع عنه ثمن الخبز فحصل على البراءة. لكن إذا خرج من السجن سيسرق ثانية ليأكل بسبب جوعه. لذلك كانت القيامة ليعطينا المسيح حياته لنسلك في البر.
2. التبرير= غفران الخطايا كان هو الحكم بالبراءة. ولكن بالقيامة مع المسيح في المعمودية يعطينا المسيح حياته وبره، فنسلك بالبر ولا نعود نسقط. نحن نقوم في حياة جديدة (رو4:6). المسيح يحيا فيَّ (غل20:2) فأصير بارًا، بالمسيح الذي يحيا فيّ. إذًا فالقيامة صارت لحسابي فالمسيح أعطاني حياته المقامة من الأموات. والروح القدس الذي نحصل عليه في سر الميرون يثبتنا في المسيح فتثبت فينا حياته فنعمل البر، لكن هذا لمن يقبل أن يسلم أعضاءه للمسيح الذي فيه، فالمسيح أعطانا حياته. ومن يسلم أعضاءه للمسيح، تصير أعضاءه آلات بر (رو6: 13) يستعملها المسيح، فالآلة يستخدمها إنسان لعمل ما. والروح القدس يبكت لو تركنا أعضاءنا لعدو الخير ليستعملها كآلات إثم، وهذا معنى "يبكت على خطية" وأيضًا "يبكت على بر" كل من لا يقبل أن يعطي أعضاءه للمسيح ليستعملها. ومن يستجيب لتبكيت الروح القدس يعينه الروح القدس (رو8: 26) ويثبته في المسيح فيحيا حياة أبدية.
لذلك فالمعمودية هي موت وقيامة مع المسيح.
في الموت نصطلح مع الآب إذ تغفر خطايانا.
وبالقيامة يكون لنا حياة المسيح فنخلص بحياته.
وهذا ما سوف نراه في الإصحاح الخامس آية (10).
← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 5 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير الرسالة إلى أهل رومية 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6xpgw6b