← المقدمات: مقدمة رسالة رومية - مقدمة عن فكرة الخلاص في المسيحية - ملخص لمقدمة رسالة رومية مع إيضاحات أكثر لفكرة الخلاص
يقول الرب يسوع "من آمن بي ولو مات فسيحيا"
ويتسائل البعض عن أهمية الإيمان طالما أن المسيح قَدَّم نفسه فداءً عن كل البشر.
بل قال البعض أن الله في محبته سيغفر للجميع حتى بدون إيمان بالمسيح!!
الله خلق الإنسان على غير فساد. فكان القلب نقيًّا والإنسان كاملًا. ولاحظ قول رب المجد "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8). فالقلب النقي يدرك الله ويؤمن به ويعرف الحق. وهكذا خلق الله الإنسان. فكان آدم الإنسان الأول، ليس فقط يدرك وجود الله بل كان يراه عيانًا. والله خلق آدم على صورته (تك1: 26)، والله محبة فكان آدم يحب الله. وأعطى الله آدم وصية ولو أطاعها يحيا "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت" (تك2: 17)، كان ينبغي أن آدم يؤمن ويصدق كلام الله ولا يأكل، ولكن شهوته غلبته، وهو كان حرًا في قراره.
إذًا:- (1) القلب النقي تمامًا يرى الله عيانا
(2) مخالفة الوصية هي عدم إيمان بصدق الله: وهذا = موت
(3) نفهم أن الخطية الأولى التي سببت الموت هي عدم الإيمان بكلام الله
كان حزن الله شديدا على مخالفة آدم للوصية وعدم طاعته، فهذا يعني عدم ثقته في كلام الله. ونتيجة لسقوط الإنسان أن طبيعة الإنسان تشوهت. وبعد الخطية مباشرة ما عاد آدم قادرا على أن يرى الله فاختبأ منه (تك3: 8). بل قال الله لموسى "لا يراني الإنسان ويعيش" (خر33: 20). والسبب أن الخطية أضعفت الكيان الإنساني فما عاد قادرا على رؤية الله. هذا مثلما نقول لأحد - لا تحدق في الشمس وإلا سيصيبك العمى. وهكذا نسمع عن الله - أن "إلهنا نار آكلة" (عب12: 29). ومع ازدياد الخطية والشر تزايد ابتعاد الإنسان عن الله. فما عاد الإنسان قادرا حتى أن يدرك الله. بل وتشوهت إرادة الإنسان، حتى أن القديس بولس الرسول يقول عن نفسه "فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة فيَّ. إذًا أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي" (رو7: 20 ، 21). إذًا المشكلة هنا بعد السقوط صارت تكمن في صراع العقل أو الإدراك مع الشهوات الخاطئة. وهذا ما قال عنه بولس الرسول صراع الروح والجسد "لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل5: 17). ومع تزايد الشر كانت النتيجة هي ما عبَّر عنها بولس الرسول بقوله "كما هو مكتوب: أنه ليس بار ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد" (رو3: 10 - 12). وكان أن الله يعلن هذا صراحة أنه يستحيل أن يتخلص الإنسان من فساده وخطيته بمفرده فيقول "هل يغير الكوشي جلده أو النمر رقطه. فأنتم أيضًا تقدرون أن تصنعوا خيرًا أيها المتعلمون الشر" (إر13: 23). ولون الكوشي الأسود يشير للخطية الأصلية التي وُلِدنا بها "بالخطية ولدتني أمي" (مز51)، أما رُقَط النمر فتشير للخطية التي يخطئ بها الشخص والناتجة عن فساد طبعه.
* وكنتيجة لهذا التشوه الذي حدث للإنسان تشوه إدراكه بل إيمانه أي إدراكه لله، نتيجة للشر والشهوة الخاطئة التي ملأت قلبه. فقال إشعياء النبي "حقا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلص" (إش45: 15). ونتيجة لعدم الشعور بوجود الله أصبح البشر يخطئون ويوهمون أنفسهم أن الله لا يرى ما يفعلون "ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير أعمالهم في الظلمة ويقولون من يبصرنا ومن يعرفنا" (إش29: 15). هؤلاء كانوا يخطئون واهمين أن الله لا يراهم. أو هؤلاء الخطاة كانوا كمن قال عنهم أليفاز التيمانى متهما أيوب بالإلحاد، قائلا بأنه في شره يتصور أن الله -لأنه فوق السحب- لا يرى ما يصنعه أيوب "هوذا الله في علو السموات. وأنظر رأس الكواكب ما أعلاه. فقلت كيف يعلم الله. هل من وراء الضباب يقضي. السحاب ستر له فلا يرى وعلى دائرة السموات يتمشى" (أى22: 12 - 14). وكان أيوب بريئا تمامًا من هذه التهمة.
وكلما بعد الإنسان عن الشعور بتواجد الله ازداد في مخالفة الوصايا |
هذا ما قاله الله لآدم "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت" (تك2: 17). فالوصية كانت عدم الأكل، ومخالفة الوصية تعني الموت. لذلك نجد أن الله حين أراد أن يُظهر لشعب إسرائيل محبته وأنه يريد لهم الحياة، وجد أن أفضل ما قدمه لهم برهانا على محبته أنه حررهم من العبودية وأعطاهم الوصايا التي هي للحياة "فأخرجتهم من أرض مصر وأتيت بهم إلى البرية. وأعطيتهم فرائضي وعرفتهم أحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها. وأعطيتهم أيضًا سبوتي لتكون علامة بيني وبينهم ليعلموا إني أنا الرب مقدسهم" (حز20: 10 - 12).
رأينا أن السقوط أدى لانتشار الخطية والفساد. ولكن مع كل هذا الفساد وُجِد أباء قديسين كان لهم علاقة مع الله أمثال هابيل وأخنوخ ونوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب. ونرى أخنوخ البار وقد قيل عنه "وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك5: 24). لقد اختطف إلى السماء وما زال حيا. وكان من هؤلاء من استحق أن الله يكلمهم بالرؤى والأحلام، بل يظهر لهم في صور مختلفة على قدر ما تحتمل طبيعتهم. هؤلاء أطاعوا الله ملتزمين بالناموس الطبيعي أي الضمير. إذ كان الله قد طبع ناموسه على قلوب وعقول البشر. فأطاع إبراهيم الله في كل ما أمره به الله. ولاحظ قول أيوب "عهدا قطعت لعيني فكيف أتطلع في عذراء" + "إن غوي قلبي على امرأة أو كمنت على باب قريبي. فلتطحن امرأتي لآخر ولينحن عليها آخرون .لأن هذه رذيلة وهي إثم يعرض للقضاة. لأنها نار تأكل حتى إلى الهلاك وتستأصل كل محصولي" (أى31: 1 ، 9 - 12). وأيوب نفذ الوصية بالناموس الطبيعي. وهكذا يوسف رفض الزنا مع زوجة فوطيفار. مع أنه لم يكن هناك ناموس مكتوب. ولكن هؤلاء الآباء القديسين كانوا قلة قليلة.
لقد كانت وصايا الله مطبوعة على قلب الإنسان. وكان هذا ناشئا عن المحبة المتبادلة بين الله وآدم التي كانت في الجنة، فآدم مخلوق على صورة الله، والله محبة. فالمحبة تعطي ثقة في المحبوب - وتجد أن المحب يفرح بتنفيذ وصية من يحبه. ولنفهم هذا نرجع لما قاله السيد المسيح "أجاب يسوع وقال له: إن أحبني أحد يحفظ كلامي" (يو14: 23). فمن يحب الله لا يستطيع أن يخالفه ويحزن قلبه. ولنرى هذا الناموس الطبيعي في رفض يوسف للخطية مع امرأة فوطيفار. كان هذا الناموس الطبيعي أو الضمير كأنه مكتوب في عقل وقلب البشر. ومع ضعف المحبة ما عاد أحد يحفظ وصايا الله. ولما ازدادت الخطية وتحجر قلب البشر، تشوه هذا الضمير تمامًا وما عاد الإنسان يميز بين ما هو خطأ وما هو حق. فضَلَّ الناس وما عادوا يعرفون طريق الحياة، بل صاروا لا يصدقون أن هناك حياة أبدية. فنجد أن فلاسفة اليونان يسخرون من بولس الرسول حين كلمهم عن القيامة من الأموات (أع17: 18 ، 32). لذلك أعطى الله الناموس لموسى. هذا الناموس كان خارجيا مكتوبا على ألواح من الحجر بعد أن كان مسجلا على القلب والعقل. وكان الناموس مكتوبا على ألواح حجرية تتناسب مع القلوب التي تحجرت. والقلوب تحجرت إذ اختفت المحبة من القلوب.
يقول القديس غريغوريوس في قداسه "أعطيتني الناموس عونًا". ولقد ساعد الناموس شعب العهد القديم وتكوَّن لله شعبًا مقدسًا. وأخرج أنبياء وقديسين جبابرة (عب 12). لقد ساعدهم التزامهم بالناموس ووصاياه في نمو إيمانهم. وكانت الوصايا للحياة "فتحفظون فرائضي وأحكامي، التي إذا فعلها أحد يحيا بها، أنا الرب" (لا18: 5).
إذًا هنا نتيجة واضحة أن الالتزام بالناموس والوصايا فتحت أعين الشعب على الله وعرفوه وآمنوا به. وبنفس المنطق يقول رب المجد في العهد الجديد "فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسسا على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطه عظيما" (مت7: 24 - 27). فهدف الوصية هو تنقية القلب، والقلب النقي يعاين الله، أي ينمو إيمانه بقدر نقاوة قلبه. وبالنسبة للعهد القديم كان الالتزام بالناموس خوفا من العقوبات "إذًا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح" (غل3: 24). ولم يستطع أحد في العهد القديم الالتزام بالوصايا بل قال تلاميذ المسيح أنفسهم "فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله" (أع15: 10). وكان هذا يعني موت جميع البشر.
في العهد القديم كان عدد القديسين قليلون جدًا، و"الله يريد أن جميع الناس يخلصون" (1تى2: 4). بل حتى قديسي وأبرار العهد القديم لم يكن ولا واحد بارا كاملا. وكان الفداء ليجدد طبيعتنا ويجعلنا خليقة جديدة في المسيح. وفي المسيح، أي لمن هو ثابت في المسيح - نحسب كاملين وبلا لوم وبلا دينونة (كو1: 28 + أف1: 4 + رو8: 1). ولذلك يقول المسيح "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). وزوَّدَ الله الخليقة الجديدة بالنعمة معينا لنا، فنستعيد نقاوة القلب فنثبت في المسيح ونحيا بحياته، ونعاين الله بنقاوة القلب. ولكننا ما زلنا ونحن في الجسد لن نعاين الله عيانا بل بالإيمان "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2كو5: 7). والسبب ببساطة أننا لن نصل إلى النقاوة التامة طالما نحن في الجسد. فيقول داود النبي "بالخطية ولدتني أمي" ويقول بولس الرسول "ولكني أرى ناموسا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائى. ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو7: 23 ، 24). عمل النعمة أنها تكتم أو تخنق الشهوات الخاطئة داخلنا (رو8: 3). وبهذا تزداد النقاوة وتنفتح الأعين. وهذه النعمة تزيد مع الجهاد 1) السلبي: تجنب الخطية. 2) والإيجابي: الالتصاق بالله بالصلاة والصوم وأعمال تعب المحبة ...إلخ. وكلما تزداد النعمة يسهل حفظ الوصايا فيزداد الثبات في المسيح، وبالتالي في الحياة الأبدية.
نسمع وعد الله لحزقيال النبي "وأعطيهم قلبا واحدا وأجعل في داخلكم روحا جديدا وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم. لكي يسلكوا في فرائضي ويحفظوا أحكامي ويعملوا بها ويكونوا لي شعبا فأنا أكون لهم إلها" (حز11: 19 ، 20). وأيضًا وعد الله لإرمياء النبي "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا" (إر31: 31 - 33).
من يؤمن ويعتمد يثبت في المسيح (رو6). وبسر الميرون يسكن فيه الروح القدس الذي يعمل على تجديده وتثبيته في المسيح (تى3: 5). وليس معنى هذا أن الإنسان صار مجبرا على الثبات في المسيح، بل إن أراد أن يفارق سيسمع قول المسيح "أنا مزمع أن أتقيأك من فمى" (رؤ3: 16) كما قال الرب يسوع لملاك كنيسة لاودكية.
عمل الروح القدس عمل جبار:- أ) يعمل مع الناس ليؤمنوا: هو الذي يقنع الناس بالإيمان بالمسيح "وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كو12: 3). ورأينا العالم يتحول إلى المسيحية في مدة قصيرة. ويقول بولس الرسول لأهل كورنثوس عن قوة عمل الروح القدس في الكرازة فآمن الكثيرون "وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة" (1كو2: 4). وأيضًا "بقوة آيات وعجائب، بقوة روح الله. حتى إني من أورشليم وما حولها إلى الليريكون، قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح" (رو15: 19). ب) يكتب الوصية على القلب بالحب: أما عن حفظ الوصايا فقد أيضا تم بالروح القدس الذي "سكب محبة الله في قلوبنا" (رو5: 5). ومن يحب المسيح ينفذ وصاياه (يو14: 23). وبهذا صارت الوصية مكتوبة على القلب وفي العقل. وهذا معنى القلب اللحم الذي أعطاه لنا الله عوضا عن القلب الحجري الخالي من محبة الله. ج) يعطي قوة تعين: الروح القدس يعطي قوة ومعونة تعيننا على حفظ الوصية وهي النعمة. وهذه النعمة أعظم من حروب الشهوات (يع4: 6). ولاحظ قول بولس الرسول عن عمل النعمة "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت. لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه، في ما كان ضعيفا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد" (رو8: 2 ، 3). وصار كل من يريد أن ينتصر على الخطية، أنه يجد أن النعمة تعينه ليبرأ فيتنقى، فيزداد إيمانه. وما زال المسيح يسأل "هل تريد أن تبرأ".
الفداء أعطانا إمكانيات كبيرة للنقاوة فنطيع الوصية
وطاعة الوصية فيها حياة فيخلص أكبر عدد من البشر
* المسيح حقا قدَّم لنا الخلاص، وصارت النعمة معينة لنا.
وهذا لأن الله يريد خلاصنا.
ولكن هل نحن نريد؟
المسيح أتى ليخلص الجميع، هذا حقيقي - ولكن - نحن ما زلنا في الجسد - والجسد سكنت فيه الخطية - وهناك صراع بين الروح والجسد. وحقا النعمة هي قوة تعين ضعفنا "الروح يعين ضعفاتنا" (رو8: 26). ولكن - هذه القوة لا تلغي حريتنا بل هي لمن يريد. لذلك يقول الرب "اسألوا تُعْطَوْا، أطلبوا تجدوا" (مت7 : 7). فمن يجاهد (الجهاد السلبي والإيجابي) تزداد هذه القوة أي النعمة، وهذه النعمة كلما تنمو تخنق الشهوات الخاطئة فتزداد النقاوة (رو8: 3). وكلٌ منا الآن واقع تحت تأثير قوتين:- 1) شهواته الخاطئة و2) النعمة. ويقول القديس يعقوب "ولكنه يعطي نعمة أعظم" (يع4: 6). والله تركنا أحرارا ويسألنا "أتريد أن تبرأ" (يو5: 6) هذا السؤال وجهه الرب لمريض بيت حسدا العاجز عن الحركة. وهذا المريض هو كلٌ منا. فهل نختار طريق الخلاص أم نختار الانسياق وراء شهواتنا؟ فديماس تلميذ بولس الرسول تركه إذ أحب العالم الحاضر (2تى4: 10) إذًا الخلاص يحتاج لإرادة قوية.
الخلاص يحتاج النقاوة فلن يدخل السماء شيء دنس (رؤ21: 27)
والنقاوة تحتاج إرادة لطاعة الوصية
الله الذي يريد أن الجميع يخلصون أعطانا ما يدعم هذه الإرادة:-
1. الإيمان :- نحن نحتاج إلى الإيمان بإنذارات الله للخطاة. وبوعود الله عن النصيب السمائي والميراث الأبدي المُعَّد لنا - لنترك ملذات الجسد المحسوسة. أ) وهذا الإيمان موجود بالفطرة، فنجد كل الشعوب تؤمن بوجود إله ولكن هم وضعوا تصوراتهم الخاطئة عن آلهتهم. أما أولاد الله الذين يؤمنون به وبكلامه فهؤلاء يصدقون كلامه مثل نوح فينجون من الهلاك. ب) وأيضا فالروح القدس الذي سكن فينا بالميرون من ثماره الإيمان "وأما ثمر الروح فهو: محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان" (غل5: 22) + "كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الإيمان" (رو12: 3). ج) ولكن مع الجهاد ينمو هذا الإيمان ويزداد، كما كان إيمان شعب تسالونيكي ينمو (2تس1: 3). وكان هذا طلب التلاميذ من الرب "زد إيماننا" (لو17: 5). وكلما ازداد الإيمان تزداد الثقة في كلام الله وأن السماء "لا يدخلها شيء دنس" (رو21: 27). فيسهل علينا اتخاذ القرار بالتخلي عن شهواتنا المحسوسة. وكلما تخلينا عن الخطايا المحبوبة تنفتح عيوننا بالأكثر (مت5: 8). وكلما إنفتحت أعيننا ويزداد إيماننا نصدق وعود الله وإنذارات الله، فنلتزم بوصاياه بالأكثر، فنثبت في حياة المسيح.
2. ويقول القديس بولس الرسول أن "الإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى" (عب11: 1). ويقول البعض "لو كنت في أيام المسيح ورأيته لكنت قد آمنت بسهولة" وهذا ليس صحيحا:- أ) فاليهود رأوه وشاهدوا قوة كلماته وتعاليمه ورأوا معجزاته ولم يؤمنوا بل وصلبوه، فالقلب كان قد تحجر بسبب الخطية وشهوات قلوبهم الخاصة. ب) بل أن آدم وهو كان يرى الله عيانا لم يثق في كلام الله وصدق الشيطان وأخطأ فمات. ج) والعكس تمامًا مع الشهداء الذين قدموا حياتهم من أجل الله. فهؤلاء كانت حياتهم رخيصة جدًا أمام إيمانهم بالمسيح وهم لم يروه عيانا. وآخرين تركوا العالم وذهبوا للبرية في زهد وتقشف وباعوا كل ما يملكونه ووزعوه على الفقراء (الأنبا أنطونيوس أبو الرهبنة) دون أن يروا الله. د) نخلص من هذا إلى أن الإيمان هو أقوى من الرؤية العيانية. والسبب كما قال بولس الرسول أن الإيمان هو الثقة الكاملة، وهذه الثقة لم تعطها الرؤية العيانية. ه) فمن أين تأتي هذه الثقة الكاملة؟ هل كان آدم لا يثق في كلام الله؟! من المؤكد أنه كان واثقًا في كلام الله. فلماذا خالفه فمات؟ نعود لموضوع الشهوة فكما يقول القديس يعقوب "ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته" (يع1: 14) - خدعت الحية آدم فانجذب من شهوته وأكل، فالله خلق آدم حرًا. وماذا عن الشهداء؟ هؤلاء كان سندهم الإيمان، والإيمان هو الثقة في الله وكلامه، الإيمان هو اقتناع قلبي وعقلي، وهذا كان أقوى من شهوة الحياة عند الشهداء، وأقوى من لذة الحياة ومتع هذا العالم عند الرهبان. لذلك فالإيمان مع كل منا الآن يجعلنا ندوس على شهوات جسدنا "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية" (2كو4: 18)، ومن يفعل يخلص ويحيا.
3. الإيمان بالمسيح:- ليس الإيمان النظري فقط بل الإيمان الحي. أن نقبل المسيح وفداءه ونؤمن بعمله الخلاصي على الصليب. وقبول المسيح ليس بالفم فقط، بل بقبول الموت مع المسيح فنحيا بحياته "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20) لذلك قال الرب يسوع "مَنْ آمن واعتمد خلص" (مر16: 16) فالمعمودية بعد الإيمان هي موت مع المسيح، وقيامة معه متحدين به ولنا حياته. هذا على أن "نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية" العمر كله وهذا ما نسميه حياة الإماتة (رو6: 11). وأيضًا "أميتوا أعضاءكم التي على الأرض، الزنا .." (كو3: 5). وكلما مارسنا حياة الإماتة عن الخطية تظهر فينا حياة المسيح "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا. لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2كو4: 10 ، 11). ومن يقبل حياة الإماتة يثبت في المسيح وتظهر فيه حياة المسيح ويكون "في المسيح خليقة جديدة" (2كو5: 17)، وبهذه الخليقة الجديدة نخلص وبغيرها لا خلاص "لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئا ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة" (غل6: 15). ومن يلتزم بالوصايا تنفتح عينيه (مت5: 8) فيعرف المسيح ويثق فيه، فلا يستطيع إبليس أن يشككه في المسيح (مت7: 24 - 27). ومن يثق في المسيح ويصدق وعوده وإنذاراته بهلاك المخطئ، يلتزم بوصاياه ويطيعه:- فلا يموت ويهلك كآدم رأس الخليقة القديمة. بل يصبح خليقة جديدة كما صدَّق نوح الله وأطاع فصار رأسًا للخليقة الجديدة.
4. هل الإيمان بالمسيح ضروري للخلاص:- اليهود كانوا مؤمنين بالله، ولكنهم كوَّنوا لأنفسهم فكرهم الخاص والخاطئ عن الله، فلم يعرفوا المسيح الذي هو صورة الله المنظورة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. . لذلك قال لهم المسيح "والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي. لم تسمعوا صوته قط، ولا أبصرتم هيئته، وليست لكم كلمته ثابتة فيكم، لأن الذي أرسله هو لستم أنتم تؤمنون به" (يو5: 37 ، 38) وأيضًا "فقالوا له: أين هو أبوك؟ أجاب يسوع: لستم تعرفونني أنا ولا أبي. لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا" (يو8: 19). ويقول السيد المسيح لفيلبس "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). ولذلك يقول بولس الرسول عن المسيح "الذي هو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15) وأيضًا "وهو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3). فاليهود الذين قالوا أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم لم يؤمنوا بالمسيح، قال عنهم المسيح أنهم لم يعرفوا الله أصلا. ورأينا في المسيح محبة الله وتواضع الله ووداعة الله وإرادة الله من نحو البشر وكل صفات الله، فالمسيح الابن هو صورة الله.
5. أما عن القول بأن الله في محبته، سيغفر لكل البشر بدون الإيمان بالمسيح :- فقد قام بولس الرسول بالرد على ذلك وقال "لأنه إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذًا مات بلا سبب" (غل2: 21). وهذا الرد فيه الكفاية. هؤلاء يقولون أن الله في محبته لن يرضى بهلاك أحد. ونقول لهم: هذه ليست قضيتنا أصلا من يهلك أو كيف يدين الله الناس، فقطعا الله في محبته وحنانه يشفق على الجميع، ولكن رب المجد هو الذي قال "لا تدينوا" فلماذا أشارك الله وأقول هذا يدان وهذا يخلص. أنا بإيماني أنفذ وصايا الله دون تساؤلات من يهلك أو من لا يهلك. المسيح علمني أن أعمد أولاده لكي يولدوا من الماء والروح فيدخلوا ملكوت الله (يو3: 5) ونعمل باقي الأسرار. ونحن ننفذ هذا تمامًا. وماذا عن الآخرين، علينا أن نصمت ونترك الأمر لمن بيده الأمر ومن بيده الدينونة. ونقول فقط مع الرب "من آمن واعتمد خلص" ونلتزم بالمعمودية وكل تعاليم الرب يسوع (مر16: 16).
6. حينما سأل بطرس المسيح عن مصير يوحنا، قال له المسيح "ماذا لك = أي وإنت مالك" اتبعني أنت" (يو21: 21 ، 22) فلنفعل كما قال المسيح. فما علينا الآن إلا أن ننفذ وصايا المسيح وتعاليم وتقاليد كنيستنا = اتبعني أنت. دون السؤال عن مصير أي إنسان = ماذا لك. الله سَلَّم الإيمان مرة للآباء الرسل "اضطررت أن أكتب إليكم واعظا أن تجتهدوا لأجل الإيمان المُسَلَّم مرة للقديسين" (يه3). وهم سلموه للكنيسة فلنتبع تعاليم كنيستنا ولا ننشغل بدينونة الآخرين فهذا عمل الديان وحده.
7. نوعية الإيمان الذي يرضي الله:- يقول بولس الرسول "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب11: 6). فلا يكفي الإيمان بالمسيح إيمانًا نظريًا أو الإعجاب بشخص السيد المسيح بل الإيمان الذي يرضي الله هو:- أ) الإيمان الحي وليس الإيمان الميت: الإيمان الحي باختصار هو من يغصب نفسه وينفذ الوصية، ومن يفعل يجد النعمة تسانده فيكون تنفيذ الوصية سهلا. ب) الإيمان العامل بالمحبة: فمن له إيمان حقيقي سيأخذ صورة المسيح ومحبته وبذله لنفسه لأجل الآخرين. فإيمان بدون محبة يشبه إيمان الشياطين، ومحبة بلا إيمان هي محبة غاشة نفعية. ج) الإيمان بأن الله صانع خيرات: الإيمان بأن الله أب حنون بذل ابنه لأجلي فأصبحت ابنًا لله. وأنه كما يقول رب المجد "ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13) وكما يقول بولس الرسول "فماذا نقول لهذا؟ إن كان الله معنا، فمن علينا؟ الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء" (رو8: 31 ، 32). حينئذٍ نلقي كل همنا على الله ونثق بأن كل ما يسمح به هو للخير وهو طريقي للسماء، ونفهم أننا نرتمي في يد القدير، كلي القدرة، الضابط الكل الذي يحبنا كل هذا الحب فلقد أصبحنا في المسيح أبناء لله. ومن يصدق يسلم حياته لله بالكامل بدون تذمر ويقول مع الصلاة الربانية "لتكن مشيئتك" ويشكر الله على كل حال ومن أجل كل حال، فكل الأشياء التي يسمح بها الله هي للخير، أي لأجل خلاص نفوسنا (رو8: 28 + 1كو3: 22). ويردد مع الآباء القديسين قولهم "المر الذي تختاره لي يا رب خير من الشهد الذي أختاره لنفسي". هذه فكرة مختصرة والتفاصيل في الملحق.
8. الله يدعم الإرادة:- وفي هذا يقول بولس الرسول "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فى2: 13). والله يعمل هذا في داخلنا: أ) بالإقناع "أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت عليَّ فغلبت" (إر20: 7). ب) وبالتعليم "وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26).
9. نمو الإيمان:- الإيمان ينمو:- أ) بالشكر. فمن يشكر الله على كل حال ولا يتذمر، سيرى حكمة الله وتدبيراته التي تسمو عن عقولنا فيزداد إيمانه. (كو2: 7). ب) بالعشرة مع الله وطاعة وصاياه، سنعرف الله ومدى عمق محبته للبشر.
10. مع نمو الإيمان تزداد النقاوة:- لسببين:- أ) تصديق وعود الله بالميراث الأبدي. ب) تصديق إنذارات الله للخطاة والخوف من مصير الأشرار. والنتيجة تجنب الخطية فتزداد النقاوة "والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14).
* يقول الرب يسوع "من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو11: 25).
* ويقول القديس بولس الرسول "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب11: 6). ويقول أيضًا عن الإيمان "وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (عب11: 1).
* إذًا لكي نحيا أبديًا يجب أن نؤمن. وهذا ما يُرضيه. وأن نؤمن بأمور لا ترى.
من المؤكد أن الله وضع في الإنسان الإمكانيات التي تساعده على الإيمان بما لا يراه. وليس هذا فقط، بل هو يساعدنا كأب وكمعلم يقود أولاده لكي تنفتح عيونهم فيعرفونه:-
لقد أدرك كثير من الفلاسفة وجود قوة عظمى وعقل أعظم وراء هذا الكون، فقالوا لا يمكن أن يوجد هذا الكون بجماله وقوانينه التي لا تخطئ إلا أن يكون هناك عقل أعظم وراء هذا الكون، أسماه فلاسفة اليونان اللوغوس. والله وهب هذا العقل والإدراك لكل الخليقة، ولكن الخطية شوهت العقل. وفي هذا قال بولس الرسول "لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم، الذين يحجزون الحق بالإثم. إذ معرفة الله ظاهرة فيهم، لأن الله أظهرها لهم، لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته، حتى إنهم بلا عذر. لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وإظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء" (رو1: 18 - 22). نفهم من هذا أن الله أعطى للبشر عقلا يدركون به وجود خالق لهذه الخليقة. والذي شوه هذا العقل هو الشهوة الردية داخل الإنسان. وهذا نستطيع أن نلمسه بسهولة من تاريخ الديانات الوثنية - فقد عبَّر هؤلاء الوثنيين عن اقتناعهم بوجود إله، ولكن إختلط إدراكهم هذا بشهواتهم، فتداخلت عباداتهم الوثنية بالجنس والزنى والحرب. بل ألَّهوا ما يخافون منه كالأمراض والنار.
* ولكن وُجِدَ عقلاء وحكماء فطنوا لهذا الخلط مثل أفلاطون الفيلسوف اليوناني الذي قسم الإنسان إلى نصفين، جزء إنساني وهو العقل - وجزء حيواني هو الجسد.
ولاحظ كلام الرب يسوع "سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما فإن كان النور الذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون" (مت6: 22 ، 23). والرب يقصد أن النور الذي فينا هو العقل الذي يتخذ القرارات، والعين المقصود بها ما تراه العين فتشتهيه. ولو صار العقل ظلاما إذ تقوده ما تشتهيه العين حتى لو كان ضد المنطق الصحيح الواضح، فالجسد يكون كله مظلما شهوانيا. وهذا ما قصده بولس الرسول بقوله "وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء"(رو1: 22). وهذا هو السبب في إمتزاج العبادات الوثنية بالشهوات الجنسية في الوثنية، وفي عبادة الشيطان في هذه الأيام الأخيرة.
في إقناع الإنسان بالإيمان، ثم بالتعليم والإقناع. والروح القدس يقود العقل، بدلا من الشهوات. وهذه بركة جديدة حصلنا عليها في العهد الجديد.
بدراسة العهد القديم كله نرى معاملة الله مع شعبه. فحين يلتزم الشعب بالوصايا نجد إزدهار الشعب ونجاحه والبركة التي يفيض بها الله عليه. وحينما يبتعد الشعب عن وصايا الله تبدأ العقوبات التي وصلت للسبي في بابل. ومن هنا نفهم أنه حتى لو أنهم لم يروا الله بعيونهم كإله ملموس كما رآه آدم، لكنهم أدركوا وجوده وخافوا منه. ومن التزم بوصاياه زادت بركاته، فأحب الله حتى وإن لم يراه. لذلك نفهم لماذا كانت البركة في العهد القديم بركة مادية ملموسة - كان هذا لنمو الإيمان. ومازالت هذه الطريقة هي التي يتبعها الله في العهد الجديد، يفيض ببركاته علينا فنرى محبته. ويسمح ببعض التجارب تنقينا. وبعد ذلك تنتشلنا من التجربة فنرى قوته ويزداد إيماننا.
كان الشعب في مصر مئات السنين بدون عبادة، والنتيجة جهل تام بالله. ولم يبدأ الله مع شعبه طالبا منهم الإيمان بما لا يُرى، إذ كان هذا غير ممكنًا. لكننا نجد أن الله قد بدأ بالعيان (10 ضربات للمصريين ، شق البحر) وهنا عرفوا أن هناك إلها قويا يقودهم ويرعاهم وينقذهم إذ أحبهم. ولكن لأن الله يطلب الإيمان وليس العيان "لأنك رأيتني يا توما آمنت! طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يو20: 29) كان أن أدخلهم الرب مدرسة الإيمان في سيناء ليعلمهم الإيمان. ومدرسة الإيمان هي التجارب التي واجهها الشعب مثل الماء المر وعدم وجود ماء ... إلخ. فحينما يتشكك الشعب ثم يروا عمل الله ينمو إيمانهم. لكن من لم ينمو إيمانه هلك في البرية ولم يدخل أرض الميعاد. ونفس الأسلوب يتبعه معنا الله الآن، فالله يسمح بتجارب كثيرة، ومن يحتملها بصبر وشكر واثقا في محبة الله كصانع خيرات، وأنه يخرج من الجافي حلاوة، يرى يد الله، وينمو إيمانه فيخلص (كو2: 7). ولذلك رأى القديس يعقوب أننا يجب أن نفرح في التجارب فهي تكملنا وهي علامة محبة من الله (يع1: 2 - 5). ونلاحظ فرح بولس الرسول بنمو إيمان شعب تسالونيكي (2تس1: 3) وكان هذا طلب التلاميذ من الرب "زد إيماننا" (لو17 : 5).
نحن الآن في هذا الجسد داخلنا نفس متمردة تريد أن تعمل ما ترغب فيه حتى وإن كان عكس إرادة الله. فماذا يعمل الله الذي يحبنا إذ نحن أولاده؟ الله يستخدم التجارب كأداة تأديب لنكره الخطية. "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين. فأي ابن لا يؤدبه أبوه" (عب12: 6 ، 7). وهذا ما عمله الله مع أيوب بل ومع بولس حتى لا يرتفع بفرط الاستعلانات. ومن يستفيد من التأديب هو من يحتمل التأديب بشكر وبدون تذمر.
وهل بدون إيمان يمكن أن نحتمل التأديب بدون تذمر فيأتي التأديب بثماره؟! |
* الله خلقنا أنقياء لنحيا معه. والنقاوة أعطت آدم أن يراه. وأعطاه الوصية التي يحيا بها. * وخالف الإنسان الوصية فمات. وتزايد الشر. وصار الله بالنسبة للإنسان إلها محتجبا. * أعطى الله للإنسان عقلا قادرا أن يلمس ويؤمن بالله ويعرف ما يرضيه. وتغلبت الشهوة الخاطئة على الإنسان، فازداد الإنسان عمى فما عاد يُدرك وجود الله. * الضمير أو الناموس الطبيعي طبع الوصية على قلوب البشر. وهذا أفرز قديسين. * ولكن عدد هؤلاء القديسين كان قليلا. فأعطى الله الناموس ليعين الإنسان. * والله في محبته لم يكتفِ بالناموس، إذ هو يريد أن الجميع يخلصون. وكان الفداء وماتت الخليقة العتيقة وصار لنا خليقة جديدة في المسيح * في الخليقة الجديدة النعمة تعين. وبركات الله والتجارب تعمل على نمو الإيمان. * ولكن ما زال الإنسان حرًا ويمكنه أن يرتد للخليقة العتيقة ويرفض المسيح. * الشهوات الخاطئة تدفع لمخالفة الوصية. والله يساعد ويعين، ولكن الإنسان حر. وطاعة الوصية حياة * فمن يصدق ويؤمن بأقوال الله وإنذاراته ووعوده، ويلتزم بوصاياه، يجد النعمة تعينه. * والبديل "بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو13: 3). ومن يؤمن ينجو كنوح أهمية الإيمان * في العهد القديم أن يصدق الإنسان تهديد الله للخاطئ ويتوب. * في العهد الجديد أن يقبل الإنسان المعمد حياة الإماتة فيحيا خليقة جديدة في المسيح * بدون إيمان لن يحتمل أحد التجارب التي يسمح بها الله للتأديب وبشكر ليثمر التأديب الإيمان هو الثقة في الله وهو أقوى من الرؤية العينية * فآدم كان يرى الله وصدق الشيطان وأخطأ فمات. إذ كانت شهوته أقوى من الثقة العِيانية * أما الشهداء فقد قدموا حياتهم بإيمان قوي من أجل المسيح دون رؤية عينية. * العِيان يؤدي للثقة، ولكن الإيمان أقوى لأنه يؤدي للثقة التي تغلب الشهوات الداخلية * في النهاية نقول أن الله صنع كل شيء ليخلص الإنسان ويحيا ولكن القرار بيد الإنسان. ونقول مع داود النبي "لكي تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت" |
* رأينا فيما سبق أهمية الإيمان للخلاص. وأيضًا فإن الله قد خلق الإنسان لكي يعمل.
* لو هناك من يؤمن لكنه لا يعمل، فهذا يقال عنه عضو عاطل وإيمانه مجرد فكرة نظرية. ولو وجد من يعمل ولكن بدون إيمان لكان عمله لحساب نفسه، وليس لحساب الذي خلقه ومات لأجله ليعطيه حياته.
* الله خلق آدم (الخليقة الأولى) لكي يعمل كما قال الله لآدم "بعرق وجهك تأكل خبزًا" (تك3: 19).
* وخلقنا نحن (الخليقة الثانية) لنعمل "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أف2: 10).
* كل الخليقة تعمل لتأكل خبزا وتحيا، وهذا طبيعي. لكن ما يرضي الله ليس أن نعمل فقط، فنحن نعمل لنأكل ونعيش. بل أن 1) نعمل في العالم وخلال عملنا نمجد اسم الله. 2) ولنا عمل آخر كخليقة ثانية تعمل لحساب ملكوت الله (أف2: 10). فنحن نحمل صورة الله أمام الناس، وبأعمالنا الصالحة يتمجد اسمه القدوس. "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت5: 16). ويقول القديس بولس الرسول "إذًا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا" (2كو5: 20). وهذا هو الهدف من الخليقة، كما يقول الوحي على لسان إشعياء النبي "بكل من دعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7). وهناك من يؤمن بالله إيمانا نظريا وهذا النوع من الإيمان لا يمجد اسمه. ولكن ما يرضي الله أن يكون إيماننا له عمل مثمر يمجد اسمه (مت5: 16). وهذا ما قال عنه القديس يعقوب "الإيمان الحي".
معنى الإيمان الحي والإيمان الميت في رسالة القديس يعقوب؟ الإيمان الحي هو ما يثمر أعمالا صالحة. أما الإيمان الميت فهو إيمان نظري ولا ثمر له.
لنشرح هذا لنأخذ مثالا:-
لو طلبت منك أن تنزل إلى البحر لترفع رجلا ضخم الجثة وأنت لا تعلم شيئا عن قوة دفع الماء ، فسترفض قطعا لثقل وزن الرجل ..... ومع محاولاتي لإقناعك سيكون أمامك أحد موقفين - الأول:- أن تقول أنا واثق فيك ولكن لا أستطيع. والثاني:- أن تنفذ وتنزل إلى الماء.
مع الموقف الثاني ستجد نفسك قادرا على حمل الرجل بسهولة فقوة دفع الماء حقيقة هي التي تحمل الرجل. ولنرى الآن.... هل لو خرجت من الماء وبكبرياء شديد إفتخرت بقوتك، وبأنك رفعت هذا الرجل. أفلا يستهزئ بك من يعلم نظرية دفع الماء.
والآن لنفهم تفسير المثل:-
· الرجل الثقيل = الوصايا وهكذا قال تلاميذ المسيح (أع15: 10)، أو هو العمل الذي يُطلب منك.
· قوة دفع الماء = النعمة التي تساندنا دون أن يراها أحد. "الروح يعين ضعفاتنا" (رو8: 26). فمن يغصب نفسه على تنفيذ الوصية سيجدها سهلة فالنعمة تساند، وهذا معنى قول بولس الرسول "لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب12: 1). وبنفس المفهوم من يعمل عملا عظيما في الخدمة. عليه أن يفهم أنه ليس هو الذي قام به، فالنعمة هي التي ساندته. ومن له موهبة ما فهذه عطية من الله.
· الموقف الأول الرافض لنزول الماء والقول أثق فيك لكن لن أنزل = ثقة دون تنفيذ = الإيمان الميت.
· الموقف الثاني وهو قبول النزول للماء وحمل الرجل = الإيمان الحي.. وهذا بالضبط ما قاله القديس بطرس للسيد المسيح "على كلمتك ألقى الشبكة" (لو5: 5). وأنظر عمل النعمة = السمك الوفير.
· الافتخار = البر الذاتي والكبرياء = من يسلك حسب الوصية أو له موهبة ويفتخر بنفسه.
· إستهزاء الناس (في المثل) بمن يفتخر = سخرية الشيطان بمن يسقط في الكبرياء إذ أنه نسب العمل لنفسه. ومثل هذا يقع بسهولة في فخ الشيطان. فهذا يتشابه مع الشيطان في كبريائه، ويسقط في يد الشيطان. "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم16: 18). بينما أن أولاد الله فاهمين مدركين أنهم ليسوا سوى أدوات في يد الله، والله هو الذي عمل بهم العمل. ويقولون مهما عملوا من بر "نحن عبيد بطالون" (لو17: 10). وهذا معنى قول بولس الرسول "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أف2: 8 ، 9). أي لا تفتخروا بمواهبكم وأعمالكم، هي عطية من الله. فافتخاركم يوقعكم في يد الشيطان كفريسة سهلة.
· تصديق الرجل وتنفيذ ما طُلِب منه بتغصب = الجهاد المطلوب = وأن يغصب الإنسان نفسه على تنفيذ الوصية. وأن يقوم بالعمل المطلوب دون شعور بصغر النفس، فالله هو الذي يعمل بنا. لذلك في حالة النجاح لا يفتخر من يعمل، فالله هو من عمل به، ونعمته هي التي ساندته.
* إذًا الإيمان الحي هو قرار بحرية كاملة أن ننفذ الوصايا ونموت عن الخطية ونسلك في البر واثقين أن النعمة ستساندنا . وسنجد حينئذ أن الوصية سهلة، فالمسيح حقيقة هو من يحمل الحمل، لذلك قال "احملوا نيري عليكم (الوصية أو الخدمة) ...لأن نيري هين وحملي خفيف" (مت11: 30). الإيمان الحي هو أن يغصب الإنسان نفسه وينفذ الوصية فيجد التنفيذ سهلا (رو10: 1 – 11) + (عب12: 1) ولذلك يقول السيد "ملكوت السموات يغصب ..." (مت11: 12) . ولكنه يقول أيضًا أن حمله خفيف، فمن يغصب نفسه يجد المسيح يحمل عنه.
* والمسيح أيضًا هو الذي يعمل بنا، بل وبدونه لن نستطيع عمل شيء (يو15: 5). ولاحظ قول الرب "إن فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون" (لو17: 10). وذلك لمنع الافتخار فبداية السقوط الكبرياء. وهذا قول بولس الرسول أن الله هو الذي يعطي فلماذا الافتخار ومصدر النعمة هو الله "وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ" (1كو4: 7). ويقول القديس يعقوب بنفس المعنى "لا تضلوا يا إخوتي الأحباء. كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار" (يع1: 16 ، 17).
بدون إيمان لا خلاص. المسيح مات وبدمه غفران الخطايا. ولكن هناك ما يسمَّى استحقاق الدم. وأول الشروط هو الإيمان "إذًا نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس" (رو3: 28). ويأتي بعد هذا الأسرار ثم جهاد الإنسان. ثم الأعمال الصالحة، التي تتبع الإنسان فيخلص "أكتب: طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم، يقول الروح: لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم" (رؤ14: 13). وأهمية الإيمان أن من آمن بالمسيح فقد عرف من هو المسيح وأحبه. والإيمان الحي يجعلنا مستعدين أن ننفذ وصايا الله (يو14: 23)، ونقدم أنفسنا ذبائح حية صالبين شهواتنا، ونعمل كل عمل لمجد اسمه. وبدون أن نتبع الوصايا ليس لنا خلاص. فالله أعطى الوصية التي بها نحيا. ولما فشلنا في تطبيقها بمفردنا، أتى المسيح لنا بالنعمة تسندنا لنحفظ الوصية. فحفظ الوصية حياة.
* والإيمان الحي هو الذي يجعلنا نحفظ الوصايا لأننا نصدق وعود الله وإنذاراته للخطاة. والإيمان الحي هو الذي يجعلنا نجاهد ونخدم ونعمل لمجد اسمه، ولنا رجاء أن نعاين المجد، ونتحاشى كل ما من شأنه أن يجعلنا نفقد هذا المجد الأبدي. والإيمان الحي يجعلنا نحتمل تأديبات الله، إذ نثق في أبوته ومحبته. الإيمان الحي هو الذي يجعلنا نقف كأموات أمام شهوات أجسادنا فيما نسميه حياة الإماتة.
* والإيمان الحي هو الذي يدفعنا للجهاد العمر كله، لنزداد نقاوة نعاين بها الله (مت5: 8). ومن يعاين الله ويعرفه سيحبه - فهو يستحق كل حب - ومن أحبه سيبذل من أجله كل شيء حتى حياته. ومن عرف الله حقيقة سيحبه، ومن يحب الله سيحفظ وصيته، وحفظ الوصية حياة (يو14: 23).
من له الإيمان الحي: ينفذ وصايا الله بدون تردد، فيجد النعمة تعينه. من له الإيمان الحي: ينفذ الخدمة المطلوبة منه، فيجد النعمة تعينه. من له الإيمان الميت: يجد أعذارا كثيرة فيهمل الوصايا، ولا يجاهد. |
* يقول القديس بولس الرسول "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده. لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم، فهؤلاء دعاهم أيضا. والذين دعاهم، فهؤلاء بررهم أيضا. والذين بررهم، فهؤلاء مجدهم أيضا. فماذا نقول لهذا؟ ان كان الله معنا، فمن علينا؟ الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء" (رو8: 28-32). ويقول أيضًا "أبولس أم أبلوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شيء لكم" (1 كو 3: 22). والمعنى أن كل من يضعهم الله في طريقنا من البشر (أحباء يحبوننا أم أعداء يؤذوننا)، والظروف المحيطة بنا (اعتبرناها حلوة أم مؤلمة)، بل كل ما في العالم. كل شيء هو طريقنا للسماء.
1. هو صانع خيرات "كل الأشياء التي يسمح بها (1 كو 3: 21-23) هي تعمل معًا للخير". والخير هو أن يكون نصيبنا هو مجد السماء. والأشياء التي يسمح بها قد تكون عطايا نعتبرها حلوة، وقد تكون مؤلمة للتنقية. المهم أنها تعمل معا حتى لا نخسر نصيبنا السمائي.
2. نحن مدعوون لهذا المجد، وهذا هو قصده، أي تخطيطه الأزلي.
3. إرادة الله أن نكون أبناء له وعلى صورة ابنه. ويكون المسيح بكرا بيننا، ونحن إخوته.
4. الله بررنا ومجدنا (المجد سوف يستعلن في الدهر الآتي رو8: 18).
5. في محبته بذل ابنه عنا على الصليب.
* وحين فهم بولس الرسول كل هذا المحبة الإلهية صرخ بأنشودته الجميلة "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ .... فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو8: 35 - 39).
التزكية كلمة تعني تنقية الذهب من الشوائب بنيران الأفران. وهكذا يسمح الله بنيران التجارب لنتنقى من شوائب الخطايا المحبوبة لدينا. وحينما تأتي التجربة علينا، نصرخ في الصلاة ليرفعها الله عنا. والله يصبر ويطيل أناته حتى تأتي التجربة بثمارها. وحينما يجد الله أن الإنسان تطهر من محبة خطيته يرفع التجربة. وهذا ما حدث مع أيوب مثلا. الله كان يتمنى أن يرفع التجربة فورا، ولكن طول مدة التجربة، وطول مدة صلواتنا والتصاقنا بالله خلال الصلاة، تحدث التنقية ونؤهل للمجد المعد لنا. لذلك قال القديس بولس الرسول "إن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله" (عب12: 6). إذًا نفهم أن التجارب هي محبة من الله. ولهذا يطلب منا القديس يعقوب الرسول "إحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع1: 2). ولاحظ قول السيد المسيح "أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارا وليلا وهو متمهل عليهم. أقول لكم أنه ينصفهم سريعا" (لو18: 7 ، 8). فنجد أن الله يتمهل حتى تتم التنقية.
* أمام كل هذا الحب الأبوي هل نشك أن كل ما يصنعه الله هو للخير، والخير هو خلاص نفوسنا. فالله يعطينا ما يساعدنا أن نصل للسموات. لا يعطينا أموالا بكثرة، وصحة بدون أمراض، وغلبة على من يظلمنا ... إلخ مما نتصور بالخطأ أن هذه علامات المحبة الأبوية. بل كل ما يسمح به من عطايا نفرح بها، وتجارب تسبب لنا بعض الآلام، هو طريقنا للسماء، فالله هو وحده الذي يعرف الطريق للسماء. لذلك قال السيد المسيح "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6). أما كانت أمراض أيوب وبولس الرسول هي الطريق بالنسبة لهم.
* بل أننا نسمع أن الله بينما يسمح لنا بالضيقة فهو نفسه يتضايق لضيقتنا "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة" (إش63: 9). هل تتصور أن الله حين يسمح لك بألم أو تجربة أنه يتضايق ويتألم لأجلك، ولكنه إذ يسمح بهذا الألم فهو لأجل خلاصك الأبدي، لذلك يقول "وملاك حضرته خلصهم". والعكس فالله يفرح حينما نفرح "لأني هأنذا خالق سموات جديدة وأرضا جديدة فلا تذكر الأولى ولا تخطر على بال. بل افرحوا وابتهجوا إلى الأبد فيما أنا خالق لأني هأنذا خالق أورشليم بهجة وشعبها فَرَحا. فأبتهج بأورشليم وأفرح بشعبي ولا يسمع بعد فيها صوت بكاء ولا صوت صراخ" (إش65: 17 - 19).
* بل أن الله أعطانا أن يشهد الروح القدس داخلنا أننا أبناء "الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رو8: 16). وأيضًا "ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا: يا آبا الآب" (غل4: 6). الروح القدس يظل يشهد للنفس المتألمة أن الله أب حنون وما يصنعه للخير، ويظل يلح ويقنع النفس حتى يصرخ المتألم في حب لله قائلا: يا (بابا الآب = آبا الآب). ولاحظ قول إرمياء النبي "أقنعتني يا رب فإقتنعت، وألححت عليَّ فغلبت. صرت للضحك كل النهار. كل واحد إستهزأ بي" (إر20: 7). ففي وسط آلام إرمياء النفسية والجسدية التي عانى منها من الجميع، من الملك ورئيس الكهنة حتى الشعب الذي كان يسخر منه، نجد الروح القدس يقنعه وبإلحاح بمحبة الله، فيسلِّم أموره لله في حب محتملا ألامه بلا تذمر.
ومن يصدق محبة الله هذه، يسلم حياته لله بالكامل بدون تذمر ويقول مع الصلاة الربانية "لتكن مشيئتك" ويشكر الله على كل حال ومن أجل كل حال. فكل الأشياء التي يسمح بها الله هي للخير، أي لأجل خلاص نفوسنا. حينئذٍ نلقي كل همنا على الله ونثق بأن كل ما يسمح به هو للخير، وهو طريقي للسماء. ونفهم أننا نرتمي في يد القدير، كلي القدرة، الضابط الكل، الذي يحبنا كل هذا الحب فلقد أصبحنا في المسيح أبناء لله. ويردد مع الآباء القديسين قولهم "المر الذي تختاره لي يا رب خير من الشهد الذي أختاره لنفسي".
* لا يمكن أن توجد علاقة قلبية قوية مع الله إلا بالثقة فيه أي الإيمان به بأنه إله قوي قادر على حمايتي وخلاصي، هو يحبني، فالله محبة وبالتالي هو صانع خيرات، ويدبر كل الأمور للخير. والخير هو خلاصنا ووصولنا للسماء. فكل ما يسمح به هو طريقنا للسماء. مهما حدث من أمور صعبة لا يهتز إيماني به ولا ثقتي فيه، ولا تهتز محبتي له إذن ما يرضي الله هو الثقة في الله عن حب. هذا النوع من الإيمان هو إيمان حي. الإيمان ليس فكرة أو أقوال تصدر من الفم، ليس هو أن أؤمن بأن الله هو واحد مثلث الأقانيم، فهذا النوع من الإيمان تعرفه الشياطين (يع 19:2). بل إيمان له فكرة صحيحة عن الله وطبيعته ومحبته.
ما يجرح قلب الله أن نشك في محبته ومن يشككه الشيطان في محبة الله حين يقع في تجربة مؤلمة أو ضيقة عليه فقط أن ينظر إلى الصليب. ويتساءل هل هناك حب أعظم من هذا ولنسأل أنفسنا: هل بعد الصليب نشكك في محبة الله |
* لا يمكن أن توجد علاقة قلبية قوية مع الله إلا بالثقة فيه أي الإيمان به بأنه إله قوى قادر على حمايتي وخلاصي، هو يحبني، فالله محبة وبالتالي هو صانع خيرات، ويدبر كل الأمور للخير. هذا النوع من الإيمان هو إيمان حي. الإيمان ليس فكرة أو أقوال تصدر من الفم، ليس هو أن أؤمن بأن الله هو واحد مثلث الأقانيم، فهذا النوع من الإيمان تعرفه الشياطين (يع 19:2). بل إيمان له فكرة صحيحة عن الله وطبيعته ومحبته. ومن له هذا الإيمان لن يسقط في فخ تشكيك الشيطان، الذي يشككنا في كل شيء. ولكن الروح القدس لا يتركنا أبدًا بل يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله فنصرخ قائلين "يا آبا الآب" (رو8: 16 + غل4: 6).
* والإيمان الحي ليس إيمان إستاتيكي ثابت لا يتحرك ولا يعمل static. بل من آمن بالله الذي بذل ابنه عنا في محبة لا يعبر عنها. يجعلنا "نحبه لأنه أحبنا أولًا" (1يو4: 19). وهذه المحبة في قلوبنا تنشأ من عمل الروح القدس فينا "لأن محبة الله الآب قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5).
* وكيف نعبر عن هذه المحبة تعبيرا عمليا؟ هذا ما يقال عنه تعب المحبة (1تس1: 3). فعلامة أن لك محبة حقيقية هي التعب من أجل من تحب. وهذا ما رأيناه مع بولس الرسول الذي جال مبشرا في كل أوروبا شاعرا دائما أنه مديون - ولمن؟ "إني مديون لليونانيين والبرابرة، للحكماء والجهلاء. فهكذا ما هو لي مستعد لتبشيركم أنتم الذين في رومية أيضا" (رو1: 14 ، 15). هو أدرك أن المسيح مات من أجل محبته لكل العالم. أي أن المسيح يريد خلاص كل البشر. فماذا يصنع هو وقد شعر بأن المسيح أعطاه حياته ومحبته، إذًا هو مديون للمسيح. فكيف يرد الدين؟ لا حل أمامه سوى أن يبذل نفسه في محبة لتوصيل الكرازة لكل العالم - اليونانيين والبرابرة ... إلخ. فهذا هو ما أتى المسيح لأجله، أن يؤمن جميع الناس فيخلصون، ويتمجد الله. فوجد بولس الرسول نفسه يريد أن يكمل ما بدأه المسيح وأراده. وهذا هو دور وعمل الكنيسة كلها الآن، "ليس أنتم اخترتموني بل أنا إخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم، لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي. بهذا أوصيكم حتى تحبوا بعضكم بعضا"(يو15 : 16 ، 17). ولاحظ هنا أن السيد يطلب أن نكمل العمل الذي بدأه، ولكن أن نحيا في محبة. فإن لم يكن هناك محبة بيننا، فهل يصدقنا من نكلمهم عن المسيح ومحبته؟! هذا هو دور كل منا. وهذا ما يسمى الإيمان الحي العامل بالمحبة.
* هذا الإيمان العامل بالمحبة يجعلني أموت عن العالم وأترك شهواته وخطاياه، فأنا أحب الله أكثر من كل العالم. هذا الإيمان يجعلني أقف للصلاة وجسدي منهك، فكيف لا أقف لأتكلم مع من أحبه، بل ومحتاج إليه. هذا الإيمان يدعوني أن أقدم خدمات لكل الناس باذلًا نفسي بمحبة فهو إيمان عامل بمحبة.
* ولاحظ أننا نستطيع أن نبذل النفس بمحبة نابعة من محبة المسيح الذي نحيا بحياته وصرنا نشبهه، حياته فينا تعطينا أن نصنع البر ونكمل ما بدأه هو، بعد أن أصبحت أعضاءنا آلات بر يعمل بها المسيح. أما الإيمان بدون أعمال فهو إيمان ميت (يع20:2). الإيمان العامل بمحبة هو شكل محبة الله الباذلة التي ظهرت على الصليب. إيمان عامل بمحبة تجعلني أطيع وصايا الله لأني أحبه (يو21:14، 23).
* المسيح تجسد وقدم الفداء ليؤسس ملكوت الله على الأرض. لذلك يقول للآب "تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال: أيها الآب، قد أتت الساعة. مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا .... أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو17 : 1 - 4). وترك الكنيسة جسده على الأرض لتُكمِل العمل الذي بدأه هو " أنا إخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر" (يو15: 16). وأعطى لكل منا موهبة (قال عنها رب المجد: الوزنات في متى أو الأمناء في لوقا) لنتكامل ونخدم بها بعضنا بعضًا (1 بط 4: 10 + أف 4 + 1 كو 12) ليَكْمَل جسد المسيح أي الكنيسة (رؤ6: 11). ومَنْ لم يستخدم موهبته أو وزنته في بناء ملكوت الله قال عنه رب المجد "يُلقى في الظلمة الخارجية"(مت25). أي لكلٍ منا دوره في بناء الملكوت، وله من المواهب التي تؤهله ليكمل العمل الذي خلقه الله لأجله. الكنيسة وكل فرد فيها عملها أن تكمل العمل الذي بدأه المسيح لتأسيس ملكوت الله.
* شبه القديس بطرس ملكوت الله أي الكنيسة جسد المسيح، بهيكل وكل منا هو حجر حي في هذا الهيكل. فبجانب عملنا في العالم لنأكل، فكلٌ منا له عمله ودوره في هذا البناء، بل قل أن لكل منا عملين:-
1. جهادي لتنقية نفسي لأصبح حجرًا حيًا (1بط2: 4 ، 5). وحياتي هي "المسيح يحيا فيَّ" فأصير حجرا حيا (غل2: 20). والله يستغل التجارب لنتنقى بها. والتجارب هي المعاول التي تنحت الحجر ليتنقى ويصلح لمكانه في الهيكل.
2. جهادي في البناء، فلكل منا موهبته التي يساهم بها ليكتمل البناء.
الله خلقنا لكي نعمل ونكمل عمله الذي بدأه بالصليب ويمتد ملكوت الله. ولكن هناك حربا خفية أعلنها الشيطان حتى لا يمتد ملكوت الله. وعدو الخير يريد أن يوقع كل إنسان ليكون أداة له لهدم ملكوت الله. وكل إنسان حر في أن يختار مع من يعمل، الله أو الشيطان:-
1. الله:- الله خلق الإنسان ليعمل أعمالا صالحة (أف2: 10). ومن يقرر أن يعمل عملا صالحا سيجد الله شريكا ومعينا. لذلك نسمع كلمات البركة التي علمها القديس بولس الرسول للكنيسة لتبارك بها شعب الله "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم. آمين" (2كو13: 14). ولنرى نموذج لهذه الشركة "أنا غرست وأبلوس سقى لكن الله كان ينمي" (1كو3: 6). وأيضًا "فإننا نحن عاملان مع الله وأنتم فلاحة الله. بناء الله" (1كو3: 9). وتأمل في جمال الآية، وفي الشرف الذي يناله كل من يعمل مع الله. ولاحظ أن الله لن ينمي الزرع إن لم يُلقي الزارع البذور ويرويها. بل على الزارع أن يلقي البذور، والله يتعامل معها دون أن يعرف الزارع كيف تنمو (مر4: 26 - 29). هذا النوع من الإيمان والشركة مع الله يبني الكنيسة ملكوت الله "ولكن إن كنت أنا بإصبع الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله ... مَنْ ليس معي فهو عليَّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق" (لو11: 20 - 23)، قال الرب يسوع هذا وهو يتكلم عن تأسيس ملكوت الله.
2. الشيطان :- نجد الشيطان يحرك من يرفض سماع صوت الله، وكمثال لهذا آخاب الملك الرافض لسماع صوت الله من فم ميخا نبي الله. نسمع في هذه القصة كيف يستخدم الشيطان عملاءه من الأنبياء الكذبة لعمل الشر "ثم خرج الروح ووقف أمام الرب وقال أنا أغويه. وقال له الرب بماذا فقال أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه. فقال إنك تغويه وتقتدر. فاخرج وإفعل هكذا والآن هوذا قد جعل الرب روح كذب في أفواه جميع أنبيائك هؤلاء والرب تكلم عليك بشر" (1مل22: 21 - 23). ونجد كمثال آخر أن الشيطان يتهيج على يهوشافاط ملك يهوذا القديس، إذ كان يهوشافاط يعمل لحساب ملكوت الله. ويهتاج الشيطان فيحرك جيوش عملائه من موآب وعمون وأدوم فيهاجمونه بدون سبب. ولكن الله ينصره، بل يعود بغنائم كثيرة. لكن لاحظ أن الله يستخدم هؤلاء كمعاول أو أدوات لنحت الحجارة الحية التي هي نحن. فيهوذا بل والشياطين بشرورهم كان لهم دورهم في إتمام الفداء. لذلك قال المرنم "الرب يضحك بهم ويستهزئ بمؤامرتهم الشريرة" (مز2) إذ هم ينفذون إرادة الله ضابط الكل. وهكذا كل من رفض أن يعمل مع الله، يصطاده الشيطان في شبكته. وبينما يظنون أنهم يهدمون ملكوت الله، إذا بالله يستغل مؤامراتهم في نمو ملكوته. ولنفهم أن الله خلق الكل، ولكل مخلوق دوره. فمن يختار أن يعمل مع الله يشترك مع الله في بناء هيكله، ويكون هو حجرا حيا في هذا البناء، وأيضًا يعمل كبنَّاء في هيكل الله. ومن يرفض العمل مع الله، هو أيضًا له دوره ولكن كمعول أو أداة نحت للحجارة الحية.
3. والشيطان يبحث دائما عن عملاء له. وهو يجدهم مِنْ:- أ) الراغبين في الشر: مثل هؤلاء الأنبياء الكذبة أيام أخاب، أو يهوذا أيام المسيح. اختار المسيح يهوذا ليعمل معه على امتداد ملكوت الله. ولكن خدعه الشيطان. أو ب) من العاطلين عن العمل: الذين لا يعملون في العالم "من يشتغل بحقله يشبع خبزا. أما تابع البطالين فهو عديم الفهم" (أم12: 11). ويقول رب المجد "والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الاسنان" (مت25: 30). ويقول بولس الرسول "ومع ذلك أيضًا يتعلمن أن يكن بطالات، يطفن في البيوت. ولسن بطالات فقط بل مهذارات أيضا، وفضوليات، يتكلمن بما لا يجب" (1تى5: 13). أو أنه روحيا لا علاقة له بالله (أي يجاهد مثلا في الصلوات ملتصقا بالله). وهذا ما حدث مع داود النبي. لم يذهب داود إلى الحرب، وترك مزماره وقيثارته وتمشى على السطح دون جهاد أو عمل - وكانت النتيجة السقوط. هناك مثل شائع يقول "اليد البطالة نجسة" فمن لا يعمل يجده الشيطان أداة مناسبة جدًا ليستغله في عمل الشر. وكمثال على هذا - لو تركت نفسك بدون عمل وبدون صلاة وتركت عقلك للكسل، ستجد الأفكار الدنسة تتسلل إلى عقلك مباشرة. والخطوة التالية هي دعوة لمحاولة التنفيذ. أما العقل المشغول بعمل أو بالصلاة الدائمة يستحيل على الشيطان التسلل إليه. مثال: حين تطلب صديق لك على التليفون -ويكون هو في اتصال مع آخر- ستجد الخط التليفوني مشغول ولن تتمكن من الحديث معه. من هنا نرى أهمية الجهاد العمر كله، في عمل، في خدمة، في تسبيح، في الصلاة الدائمة. والصلاة هي اتصال دائم مع الله، فطالما هناك اتصال لن يتمكن الشيطان أن يتسلل إليك.
4. أما من يعمل لحساب مجد الله، هذا سيجد معونة وشركة مع الله، فالله يشترك مع أولاده في جهادهم، ولنرى كمثال على ذلك حروب داود: ونرى فيها اشتراك الرب مع داود في حروبه "فسأل داود من الله قائلا أأصعد على الفلسطينيين فتدفعهم ليدي. فقال له الرب إصعد فأدفعهم ليدك" (1أى14: 10) وأيضا "فسأل أيضًا داود من الله فقال له الله لا تصعد وراءهم تحول عنهم وهلم عليهم مقابل أشجار البكا. وعندما تسمع صوت خطوات في رؤوس أشجار البكا فاخرج حينئذ للحرب لأن الله يخرج أمامك لضرب محلة الفلسطينيين" (1أى14: 14 ، 15). ويقول رب المجد لتلاميذه "فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت10: 19 ، 20).
5. والله خلقنا لكي نعمل "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تك 2: 15). وبدون عمل الإنسان تصير الأرض خربة "كل شجر البرية لم يكن بعد في الأرض، وكل عشب البرية لم ينبت بعد، لأن الرب الإله لم يكن قد أمطر على الأرض، ولا كان إنسان ليعمل الأرض" (تك 2: 5). إذًا علينا أن نفهم أنه علينا أن نؤدي نوعين من العمل:- أ) نعمل في العالم: لنأكل ونُعَمِّر الأرض، وهذا ما يعلم به القديس بولس الرسول "إنه إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضا" (2 تس 3: 10). بل الله نفسه يعمل "فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو5: 17). والحكيم يسخر من الكسلان "نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها ونفس المجتهدين تسمن." (أم13: 4). وكثيرة هي أمثال سليمان عن الكسلان. ب) أن نعمل ما يمجد الله: فبجانب عملنا في الأرض علينا أن نقدم خدمات لله لنمجد اسمه ويمتد ملكوته. ولنعلم أن الله أعطى لكل منا وزنات لنعمل بها ونمجد اسمه "ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة، يخدم بها بعضكم بعضا، كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة" (1بط4: 10). ويقول القديس بولس الرسول بنفس المعنى "الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات، لكي يملأ الكل. وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين، لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح" (أف4: 10 - 12). وليسأل كل منا نفسه - ماذا قدمت من خدمات لأمجد بها اسم الله - فإن لم أعمل وأجاهد، سأكون مثل من أخذ وزنة من الله ودفنها بدون أن يستثمرها لمجد اسم الله، وراجع مثل الوزنات (مت25: 14 - 30). ويقول رب المجد "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت5: 16).
1. يجب أن نعمل: ← لنأكل. و← لنمجد اسم الله. و← الله شريك لنا في كليهما.
2. كثيرة هي الآيات في سفر الأمثال عن الذي لا يعمل (الكسلان) وماذا ينتظره من جوع.
3. الجهاد الروحي من صلوات وتسابيح وصوم وخدمة الله من الأعمال المطلوبة.
4. بل أن من لا يعمل سيستغله الشيطان لعمل الشر.
· نعمل عملنا الأرضي لنأكل ونحيا، كما قال الله لآدم "بعرق وجهك تأكل خبزًا" (تك3: 19).
· ما يدفعنا للعمل الروحي والجهاد وخدمة الله هو الإيمان بالنصيب السماوي والميراث الأبدي.
· وما يُفرح قلب الله أن نكون في أعمالنا اليومية نمجد الله بأمانتنا، وحملنا لصورة المسيح وسط الناس بمحبته وتواضعه ووداعته. ويرى الناس أعمالنا ويمجدوا أبونا السماوي. وما يُفرح قلب الله أيضًا أننا في جهادنا الروحي وخدمتنا لله، نعمل أعمالنا بمحبة لله ولأولاد الله.
· وما يفرح الله هو أن نحيا في محبة. فالمحبة هي وسيلة الإتحاد بالمسيح. أي الوسيلة الوحيدة لكي نحيا. فالله محبة والله حياة. راجع تفسير (يو15: 9). وما يفرح الله أن يكون كل عمل بمحبة، فلا عمل ولا خدمة يكتب لها النجاح إن لم تكن بمحبة.
* الإيمان العامل بالمحبة هو الإيمان الذي يَرضي به الله لنخلص. بحسب تعليم القديس بولس الرسول "لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة" (غل5: 6). ونرى جهاد بولس الرسول "قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرا قد وضع لي إكليل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم، الرب الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا" (2تى4: 7 ، 8). ويقول "أهم خدام المسيح. أقول كمختل العقل. فأنا أفضل. في الأتعاب أكثر. في الضربات أوفر. في السجون أكثر. في الميتات مرارا كثيرة ....." (2كو11: 23 - 28) وغير ذلك الكثير.
1. الخدمة بمحبة: فنحن نخدم المسيح "ومتى جاء ابن الإنسان ..... ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني ... الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت25: 31 - 40). هناك من يذهب لمريض أو محتاج ليقدم له خدمة ثم يقبل يديه واثقا أنه يقبل يدي المسيح.
2. الصلاة بمحبة: درجات الصلاة عند بولس الرسول "أطلب أول كل شيء، أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس" (1تى2: 1) طَلِبَاتٌ = هي السؤال عن الاحتياجات الضرورية للشخص. صَلَوَاتٌ= أي الالتصاق بالله والدخول معه في صلة عميقة وحب لأجل الله ذاته. ابْتِهَالاَتٌ المعنى في الترجمة الإنجليزية صلوات وتشفعات عن الآخرين، لا يطلب الإنسان ما لنفسه بل لأجل الآخرين. التشكرات وهذه هي الحياة الملائكية التي تقوم على الشكر الدائم بلا انقطاع، والتسبيح لله بغير انقطاع. التسبيح يكون على محبة الله وما قدمه لنا من أجل خلاصنا. الشكر هو صلاة عرفان بالجميل بسبب عطايا الله وبركاته. ← ونلاحظ هنا التدرج فالإنسان يبدأ حياته مع الله بأن يطلب عن نفسه، ثم يصلي لأنه أحب الله. ثم إذ يحب الله ينسى نفسه ويطلب عن الآخرين. ثم يدخل في حياة التسبيح الدائم.
3. الصوم في محبة للمسيح: لاحظ تعليم المسيح عن الصوم "حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين: لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وأما تلاميذك فلا يصومون؟ ... ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق لأن الملء يأخذ من الثوب فيصير الخرق أردأ" (مت9: 14 - 17). والمعنى أن الصوم مع المسيح هو شركة آلام وحب لمن تألم كل هذا لأجلي، وهكذا في احتمال أي مرض أو ألم أو تجربة. ينظر المتألم أو الصائم للمسيح المصلوب ويقول له "لقد احتملت كل هذا لأجلي يا رب، دعني أشترك معك في ألامك". ومن يفعل يشعر بالتعزية. وهذا فكر مختلف تمامًا عن الصوم اليهودي الذي كان في ظل البر الذاتي.
4. خدمة الكنيسة في محبة: أي خدمة للكنيسة هي خدمة للمسيح. مثال: مدارس الأحد / تنظيف الكنيسة / خدمات إدارية ... إلخ. هي خدمة مقدمة للمسيح. وهناك مثلا خدام لأولاد متعبين جدًا لكن الخادم الحقيقي لا يمل منهم ويخدمهم بصبر ومحبة، فهؤلاء أولاد الله الذي مات المسيح لأجلهم.
* وإن قال أحد: أنا ليس لي هذه المحبة فهل يقبلني الله؟ يجيب عليه رب المجد قائلا "ومن أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه" (مت11: 12). أي أن من يغصب نفسه على أن يعمل سيجد شركة من الروح القدس. والروح القدس يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5: 5).
* ولكن هذا التغصب يحتاج أيضًا قليلا من الإيمان أولًا. فما يحركنا على العمل والخدمة والجهاد وعود الله بالمكافأة السماوية "ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره" (مت10: 42). وراجع قول بولس الرسول وإيمانه بحصوله على إكليل البر لأنه جاهد كثيرا (2تى4: 7 ، 8). ومن يغصب نفسه سيجد أن له شريك معزي هو الروح القدس. فتصير خدمته معزية وبفرح.
تجسد المسيح ليؤسس ملكوت الله، وترك الكنيسة لتكمل العمل الذي بدأه من له إيمان حي وعرف محبة المسيح يعمل معه لنمو ملكوت الله الإيمان العامل بالمحبة = لن يثمر أي عمل إلا في وجود المحبة |
← تفاسير أصحاحات رومية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/35khq2t