يفرق الكتاب المقدس بين غضب الرب وغضب الإنسان. فغضب الرب لصالح الإنسان. لأنه سخط على الشر: "اسكب غضبك على الأمم التي تعرفك وعلى العشائر التي لم تدع باسمك" (ار 10: 24) وسخط على الخطيئة (نح 5: 6). إلا أن غضب الله مقرون بالعدل والشفقة والرحمة، وهي صفات إلهية تجعل من غضب الله رحمة للبشر، فالله "قاض عادل وإله يسخط في كل يوم" (مز 7: 11). أما غضب الإنسان فخطيئة لأن الإنسان خاطئ، غير كامل، وتحق عليه الدينونة، والله يكره الغضب في الإنسان (مز 37: 8).
الغضب: هو السخط وهو استجابة لانفعال يتميز بالميل إلى الاعتداء، فهو ضد الرضى. والكتاب المقدس يميز بجلاء بين غضب الله وغضب الإنسان.
عندما يُنسب الغضب إلى الله، فيجب أن يُفهم على أنه يخلو تمامًا من الانفعال والجموح والتقلب، وهي الأحوال التي تميز غضب الآلهة الوثنية، وكذلك غضب الإنسان. فغضب الله هو التعبير المنطقي عن طبيعة الله كلى القداسة التي لا يمكن أن ترضى عن خطية الإنسان وتمرده وعناده. فغضب الله على الدوام عادل يتفق مع قداسته وبره، فهو الله القدوس "الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17) وهو "لا يسر بالشر" (مز 5: 4) ولا يمكن أن يتغاضي عنه (انظر عد 11: 1-10؛ تث 29: 27؛ 2 صم 6: 7؛ مز 79: 6؛ إش 5: 25؛ إرميا 44: 6).
وغضب الله جزء من طبيعته، وعنصر هام من عناصر حكمته ومحبته ورحمته، لأنه يؤدي إلى مخافة الله. وقد أعلن الله غضبه مرارًا كثيرة في عقابه للشر بطرق مختلفة وفي أزمنة متعددة كما حدث في الطوفان (تك 6: 5-7)، وتدمير سدوم وعمورة (تك 19: 23-27)، وسقوط نينوى (انظر تث 29: 23؛ نا 1: 2-6). ولكن إلى أن يأتي "يوم غضبه العظيم" (رؤ 6: 17) الذي تنبأت عنه الكثير من نبوات الكتاب المقدس بعهديه وبخاصة في سفر الرؤيا سيظل غضب الله ممزوجًا بالرحمة (حب 3: 2) وبخاصة في معاملاته مع شعبه (انظر هوشع 11: 8، 9). أما الخاطئ الذي يستهين "بغنى لطف الله وإمهاله وطول أناته، فإنه يذخر لنفسه غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو 2: 4-9). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وقد أعلن الرسول بولس أن أحد أسباب انحدار إسرائيل أدبيًا إلى مستوى الأمم الوثنية هو إساءة فهمهم لطول أناة الله الذي كثيرًا ما تمهَّل عليهم ولم يوقع بهم ما كانوا يستحقونه من قصاص، ولم يدركوا أن لطف الله إنما كان القصد منه أن يقتادهم "إلى التوبة" (رو 2: 4).
والإنسان الطبيعي الذي لا يقبل نعمة الله، بل يظل في عصيانه وتمرده على الله، هو إنسان ميت بالذنوب والخطايا وهو "ابن المعصية"، و"ابن الغضب" (انظر أف 2: 1-3)، و"آنية غضب مهيأة للهلاك" (رو 9: 22).
ولم يكن في استطاعة ناموس موسى أن ينقذ الإنسان من الغضب، لأن الناموس نفسه "يُنشئ غضبًا" (رو 4: 15) لأنه يتطلب طاعة كاملة لكل وصاياه، ومن "عثر في واحدة فقد صار مجرمًا في الكل" (يع 2: 10)، مما يجعله أكثر استحقاقًا للغضب الإلهي.
وغضب الله يبرز في العهد القديم بأقوى مما في العهد الجديد، وذلك لأن العهد الجديد أكثر تركيزًا على نعمة الله ومحبته كما تتجليان في المسيح يسوع، ولكن ليس معنى هذا أن الغضب على الشر، كجزء من طبيعة الله قد اختفى تمامًا وراء نعمته ومحبته، بل بالحري يشتد غضبه بسبب رفض الإنسان لعطية نعمته في الرب يسوع المسيح، فالله محبة فقط، بل بر وقداسة أيضًا، لذلك يقول الرسول: "لأن إلهنا نار آكلة" (عب 12: 19) "ومخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب 10: 31)، لأن "من يعرف قوة غضبك؟" (مز 90: 11؛ 89: 46؛ 76: 7).
فلا تعارض إطلاقًا بين محبة الله ورحمته ونعمته، وبين غضبه العادل المقدس ضد الخطية (1 بط 1: 17؛ عب 10: 29) وليس من سبيل للنجاة من هذا الغضب إلا بتدبير نعمة الله في عمل الصليب فليس "بأحد غيره الخلاص" (أع 4: 12) ومحبة الله للخطاة التي تجلت في حياه وموت وقيامة الرب يسوع تقدم الخلاص هبة مجانية، فكل من يؤمن به يتبرر بدمه وهكذا يخلص "به من الغضب" (رو 5: 8، 9).
ولذلك يقول الرسول بولس للمؤمنين في تسالونيكي: "رجعتم إلى الله من الأوثان لتعبدوا الله الحي الحقيقي، وتنظروا ابنه من السماء الذي أقامه من الأموات يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي" (1 تس 1: 9، 10) "لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص" (1 تس 5: 9).
وفى الجانب الآخر يظل غضب الله معلنًا من السماء (رو 1: 18) على جميع الذين يرفضون عمل نعمته في المسيح يسوع، الذي أحبنا وأسلم نفسه "من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا" (رو 4: 25؛ انظر غل 2: 20).
عندما يُنسب الغضب للإنسان، فإنه إنما ينبع من طبيعته الساقطة، لذلك فهو على الدوام لا مبرر له (انظر تك 4: 5، 6؛ 49: 7؛ أم 15: 18؛ 19: 19؛ 29: 22؛ أي 5: 2؛ لو 4: 28). "وتعقل الإنسان يبطئ غضبه" (أم 19: 11) ولذلك يقول الكتاب: "كف عن الغضب واترك السخط" (مز 37: 8)، "واغضبوا ولا تخطئوا، ولا يغرب الشمس على غيظكم، ولا تعطوا إبليس مكانًا" (أف 4: 26، 27). ويجب ألا يغضب الإنسان على أخيه (مت 5: 22). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). ويقول الرسول بولس: "ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف. وكونوا لطفاء.. متسامحين كما سامحكم الله أيضًا في المسيح" (أف 4: 31، 32). كما يطلب من المؤمنين أن يميتوا أعضاءهم عن "الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله على أبناء المعصية... وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضا الكل الغضب، السخط..." (كو 3: 5-8) وأن يرفع المؤمنون في صلواتهم "أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال" (1 تي 2: 8) وأن يعطوا مكانًا للغضب لأن النقمة للرب وهو الذي يجازي (رو 12: 19).
ويقول الرسول يعقوب: "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع مبطئًا في الغضب لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع 1: 19، 20).
هناك حالات يصبح الغضب فيها واجبًا على الإنسان، فيكون عليه أن "يبغض الشر" (مز 97: 10) فلا يكفي أن يحب شعب الله البر، بل عليهم أيضًا أن يغضبوا على الخطية (وليس على الخاطئ). فمن لا يستطيع أن يغضب على فعل الشر، هو في الواقع ليست له محبة صادقة للبر وعليه فهناك أوقات يحق فيها القول: "اغضبوا ولا تخطئوا" (أف 4: 6) فالغضب على الخطيئة وفجور الناس، يمكن أن يسمى "الغضب البار" أو "الغضب العادل". فقد غضب الرب يسوع على قساوة قلوب الناس، إذ "نظر حوله إليهم بغضب حزينًا على غلاظة قلوبهم" [(مر 3: 5) -انظر أيضًا غضب موسى- (خر 7: 8؛ 32: 19؛ لا 10: 16؛ عد 16: 15)، وغضب نحميا - (نح 5: 6؛ 13: 17، 25)] فالغضب في مثل هذه الحالات لا خطأ فيه، أما متى كان الغضب لأن أحدًا جرح مشاعرنا أو أساء إلينا، فهو خطية ويستوجب العقاب مثل: غضب قايين (تك 4: 5، 6) وغضب عيسو (تك 27: 45)، وغضب موسى (عد 20: 10، 11)، وغضب بلعام (عد 22: 27)، وغضب شاول (1 صم 20: 30) وغضب أخاب (1 مل 21: 4) وغضب نعمان السرياني (2 مل 5: 11)، وغضب هيرودس (مت 2: 16)، وغضب اليهود (لو 4: 28)، وغضب رئيس الكهنة (أع 5: 17؛ 7: 54...).
* هل تقصد: عضب.
* انظر أيضًا: دمدمة، احتد، المحبة، حردة، حمية، كتاب الغيرة المقدسة للبابا شنوده الثالث.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b47amzc