← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32
اَلأَصْحَاحُ الأربعون
(1) معاناة الإنسان (ع1-11)
(2) الظلم (ع 12-16)
(3) أسباب الفرح (ع 17-28)
(4) التسول (ع29-32)
† 1 جَهْدٌ عَظِيمٌ خُلِقَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، وَنِيرٌ ثَقِيلٌ وُضِعَ عَلَى بَنِي آدَمَ، مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَجْوَافِ ُمَّهَاتِهِمْ إِلَى يَوْمِ دَفْنِهِمْ فِي الأَرْضِ أُمِّ الْجَمِيعِ. 2 فَإِنِّ عِنْدَهُمُ انْزِعَاجَ الأَفْكَارِ، وَرَوْعَ الْقَلْبِ وَقَلَقَ الاِنْتِظَارِ وَيَوْمَ الاِنْقِضَاءِ. 3 مِنَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْمَجْدِ، إِلَى الْمُتَّضِعِ عَلَى التُّرَابِ وَالرَّمَادِ. 4 مِنَ اللاَّبِسِ السَّمَنْجُونِيِّ وَالتَّاجِ، إِلَى الْمُلْتَفِّ بِالْكَتَّانِ الْخَشِنِ. وَزِدْ عَلَى ذلِكَ الْغَضَبَ وَالْغَيْرَةَ وَالاِضْطِرَابَ وَالْجَزَعَ وَخَوْفَ الْمَوْتِ وَالْحِقْدَ وَالْخُصُومَةَ. 5 وَفِي وَقْتِ الرَّاحَةِ عَلَى الْفِرَاشِ نَوْمَ اللَّيْلِ، الَّذِي يُكَدِّرُ خَاطِرَ الإِنْسَانِ. 6 فَهُوَ فِي رَاحَةٍ قَلِيلَةٍ كَلاَ شَيْءٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ فِي الأَحْلاَمِ كَمَا فِي يَوْمِ الْمُرَاقَبَةِ. 7 يَرْتَعِدُ مِنْ رُؤْيَا قَلْبِهِ، كَالْمُنْهَزِمِ مِنْ وَجْهِ الْحَرْبِ، وَعِنْدَ نَجَاتِهِ يَهُبُّ وَيَتَعَجَّبُ مِنْ زَوَالِ خَوْفِهِ. 8 هذَا حَالُ كُلِّ ذِي جَسَدٍ مِنَ الإِنْسَانِ إِلَى الْبَهِيمَةِ، وَلِلْخَطَأَةِ مِنْ ذلِكَ سَبْعَةُ أَضْعَافٍ. 9 الْمَوْتُ وَالدَّمُ وَالْخُصُومَةُ وَالسَّيْفُ وَالنَّوَائِبُ وَالْجُوعُ وَالسَّحْقُ وَالسَّوْطُ، 10 كُلُّ ذلِكَ خُلِقَ لِلأُثَمَاءِ، وَلأَجْلِهِمْ أَتَى الطُّوفَانُ. 11 كُلُّ مَا هُوَ مِنَ الأَرْضِ؛ فَإِلَى الأَرْضِ يَعُودُ، وَكُلُّ مَا هُوَ مِنَ الْمِيَاهِ؛ فَإِلَى الْبَحْرِ يَنْثَنِي.
ع1:
جهد: تعبنير: خشبة مستعرضة توضع على رقبتي حيوانين، وتخرج من وسطها خشبة عمودية عليها، تربط في نهاية هذه العصا الطويلة الآلة الزراعية، مثل المحراث الذي يقف عليه الفلاح، ويربط النير بحبل في رقبتى البهيمتين، وعندما يسير الحيوانان، أو البقرتان يتحرك المحراث ليشق الأرض ويقلبها.
أجواف: جمع جوف والمقصود البطن.
يحتمل الإنسان أتعاب كثيرة، وتكون ثقيلة عليه، مثل النير، وهذه الأتعاب والمعاناة يحتملها الإنسان منذ ولادته، وخروجه من بطن أمه؛ حتى يموت ويدفن في الأرض التي هي أم جميع الناس، إذ يدفن الجميع فيها.
الأتعاب الجسدية التي يحتملها الإنسان صعبة، ولكن الأصعب منها آلام الخطية التي يسقط فيها؛ لأنها تعذب ضميره ونفسيته وروحه، والإنسان الروحي ينظر إلى السماء، فيحتمل أتعابًا؛ ليبتعد عن الخطية، ويقترب إلى الله، فيحيا في أمانة أمامه. وإذ يولد ليس فقط من بطن أمه، بل أيضًا من جرن المعمودية، يحيا لله، ويتقبل الأتعاب من أجله بسرور، حتى يصل إلى أمه الجديدة وهي السماء، وإن وُضع جسده في الأرض أم الجميع، ولكن روحه تسبق وتصعد إلى أمه الجديدة، التي هي السماء.
روع القلب : الخوف الشديد.
يوم الانقضاء: يوم الدينونة.
إن البشر جميعًا من أول الملك الجالس على العرش بمجد عظيم إلى الفقير الذي ينام على التراب والرماد؛ الكل يعانون في حياتهم على الأرض من الأفكار المزعجة، ومشاعر الخوف التي في القلب، والقلق الذي يأتي عليهم؛ لأنهم ينتظرون الموت، ولا يعرفون ميعاده، وأخيرًا رعبهم من يوم الدينونة الذي يقفون فيه أمام الله، ويحاسبون عن أعمالهم.
أما الإنسان الروحي الذي يؤمن بالله، فتكون كل هذه الاضطرابات ضعيفة إذا هاجمته، ويتمتع بسلام لمساندة الله له، حتى تنطلق روحه إلى السماء عندما يموت.
ع4:
اللابس السمنجوني: ملابس لونها أزرق سماوي، يلبسها الملوك والعظماء.الجزع : الخوف الشديد
إن كل البشر من الملوك اللابسين الملابس الثمينة إلى الفقراء اللابسين الملابس الرخيصة، مثل الكتان؛ الكل يعانون في حياتهم على الأرض من الغضب والغيرة والإضطراب والخوف، خاصة من الموت؛ كل هذه الآلام تأتي عليهم لأنهم يعيشون على الأرض المتقلبة في أحداثها، أي ليس فيها استقرار، ونتيجة اختلاف مصالح البشر، يصطدمون، ويقعون في خصومات وكراهية، ومشاكل متنوعة.
والإنسان الروحي، كما ذكرنا، يتمتع بالسلام والحب، الذي يتعلمه من الله، فتكون حياته أكثر هدوء.
ع5:
يكدر: يضايق ويحزن ويغم.خاطر: أفكار ومشاعر الإنسان وباله.
عندما يدخل الإنسان لينام ويستريح، تهاجمه أفكاره وتستثير مشاعره، فلا يتمتع بهدوء النوم، بل يدخل في قلق وضيق لا يعرف كيف يخرج منه، هذا بالنسبة للإنسان البعيد عن الله.
أما الإنسان القريب من الله، الذي يصلي قبل أن ينام، ويقرأ في الكتاب المقدس، يكتسب أفكارًا ومشاعرًا هادئة، فينام في راحة وطمأنينية.
ع6، 7: عندما يدخل الإنسان لينام ويستريح، لا يتمتع إلا بفترة صغيرة ينعس فيها، ولكن تهاجمه الأحلام التي يشعر فيها أنه متيقظ، كأنه في النهار ويراقب كل شيء بوضوح، وما يراه في أحلامه يزعجه، بل يحاول أن يهرب منه، كما يهرب الجندي عندما يُهزم جيشه، ويحاول الخروج من المعركة قبل أن يموت، ثم يستيقظ من نومه المفزع، فيشعر بأنه سليم، ولم يصبه أذى، فيستريح كأنه نجا من مصيبة كبيرة كانت تحيط به. كل هذا يبين أنه لم يسترح عند نومه، بل قابل معاناة كثيرة في أحلامه.
وعلى العكس، الإنسان الروحي تكون أحلامه مريحة، وقد تكون روحانية، فتفرح قلبه، ويستيقظ ليشكر الله على ما رآه من مناظر طيبة.
ع8: المعاناة السابقة المذكورة في الآيات (ع 1 - 7) تأتي على كل البشر، بل أيضًا الحيوانات تتألم أيضًا. فكل الخليقة تعاني، وبالطبع الخطاة يعانون أضعاف هذه الآلام؛ لأن الشر لا يخلف إلا الألم والإضطراب.
هذه المعاناة يحدثنا عنها العهد الجديد أنها تقابل الإنسان وكل الخليقة، ولكن هذا مؤقت إلى أن يُستعلن مجد أولاد الله في الحياة الأخرى السماوية (رو 8: 22، 23).
النوائب: المصائب.
السحق: الهلاك.
السوط: الكرباج والمقصود التعذيب.
العقاب الإلهي الذي يعطي للأثماء نتيجة خطاياهم، هو دعوة للجميع لكي يتوبوا، كما حدث في الطوفان وله أشكال كثيرة.
هذا العقاب مثل الموت بأية وسيلة، وسفك الدم، ونشأة الخصومات بين الناس، والموت بالسيف، وكل المصائب والمجاعات والهلاك، وأنواع التعذيب؛ كل هذه تأتي على رأس الأشرار، فيثبت الأبرار في إيمانهم، وسلوكهم المستقيم، ولعل الخطاة يخافون ويرجعون عن خطاياهم.
ع11:
بالموت تنتهي حياة الإنسان والحيوان، ويعود الجسد إلى الأرض، وما هو من الماء، أي الكائنات المائية تعود إلى المياه، ولكن روح الإنسان ترتفع إلى الله.† إن كانت حياة الإنسان مملوءة بالمتاعب، فلا يرفع هذه الآلام إلا علاقة الإنسان بالله، فمن أجله يحتمل كل تعب، والله يعتبر، ويهتم بكل تعب يقدم لأجله، فهو لا ينسى تعب محبتنا، ويكافئ الأبرار في السماء، وعلينا ألا ننشغل بالشهوات الجسدية؛ لأن الجسد كله سيعود إلى الأرض والتراب؛ ليكافأ في اليوم الأخير حسبما عاش حياة مستقيمة مع الروح.
† 12 كُلُّ رُشْوَةٍ وَمَظْلِمَةٍ تُمْحَى، وَالأَمَانَةُ تَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. 13 أَمْوَالُ الظَّالِمِينَ تَجِفُّ كَالسَّيْلِ، وَتَدْوِي كَالرَّعْدِ الشَّدِيدِ عِنْدَ الْمَطَرِ. 14 يَفْرَحُ الظَّالِمُ عِنْدَ بَسْطِ يَدَيْهِ، لكِنَّ الْمُعْتَدِينَ يَضْمَحِلُّونَ فِي الاِنْقِضَاءِ. 15 أَعْقَابُ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَأْتُونَ بِفُرُوعٍ كَثِيرَةٍ، وَلاَ الأُصُولُ النَّجِسَةُ الَّتِي عَلَى الصَّخْرِ الصُّلْبِ. 16 الْخَضِرُ الَّذِي عَلَى كُلِّ مَاءٍ وَشَطِّ نَهْرٍ يُقْلَعُ قَبْلَ كُلِّ عُشْبٍ.
ع12:
مظلمة: فعل الظلميسعى بعض الناس للمكسب السريع، ولو بطريقة خاطئة، فيعطي رشوة؛ ليسهل أعماله التجارية، أو يظلم غيره ليكسب هو. كل ما يحصل عليه الإنسان الشرير من هذه الشرور يُمحى ويزول، ولكن الذي يبقى إلى الأبد هو أمانة الإنسان المستقيم، فأعمال الأمانة التي يفعلها الإنسان على الأرض ترتفع إلى السماء، أي يحيا هذا الإنسان في ملكوت السموات، أما الظالم والمرتشي، فليس له مكان في السماء.
ع13:
تدوي: تحدث صوتًا عاليًا.الرعد : صوت قوى يصاحب الأمطار أحيانًا.
ما يحصل عليه الظالم من أموال ينتهي سريعًا مثلما تجف أمطار الماء الشديد النازل كسيل على الأرض. هكذا كل ما يحصل عليه الظالم ينتهي في هذه الحياة، وليس له تأثير في الحياة الأبدية، بل يحاسبه الله على ظلمه، ويذهب إلى العذاب الأبدي.
ويشبه أموال الظالمين بالرعد الذي يحدث قبل نزول المطر، ورغم أن صوته قوىٌ، فإنه ينتهي، وكأنه لم يحدث، هكذا تنتهي أموال الظالمين، ولا تفيدهم شيئًا في السماء، بل وحتى على الأرض لا تعطيهم سلامًا داخليًا، بل مجرد تلذذ بشهوات العالم، أو إشباع لمحبة القنية.
ع14:
يضمحلون: يتلاشونالظالم عندما يبسط يده ليأخذ أموالًا ليست من حقه ينالها بالظلم، فإنه يفرح عند اقتنائها، وينسى أن من يعتدي على غيره ويظلمه في الأرض، فإنه سيفقد مكانه في الملكوت، بل يلقى في العذاب الأبدي نتيجة شروره، فهو يفرح باللذة المؤقتة على الأرض، ويخسر السعادة الأبدية.
ع15:
أعقاب: نسل.الأشرار المنافقون يكون أولادهم في الغالب مثلهم يسلكون بالنفاق والشر، فهؤلاء لا يكون لهم فروع كثيرة، أي تكون ثمارهم قليلة؛ لأنهم أحبوا الشر بنسبة كبيرة.
وهم يشبهون زرعًا زُرع على أرض صخرية، فلا تكون له جذور عميقة، وبالتالي تكون النباتات ضعيفة، وأزهارها قليلة، فأصل المنافقين - لأنه شرير - يكون كالنباتات النجسة أو الفاسدة، فثمارها تكون ضعيفة، هكذا أولاد المنافقين أعمالهم الحسنة قليلة؛ لأنهم منشغلون بالشر مثل آبائهم.
ع16:
الخضر: النباتات الخضراء.المنافقون يشبهون أيضًا النباتات الخضراء التي تكون قريبة من الماء، أو على الشواطئ، فيسهل قلعها؛ لأن تربتها ملآنة بالماء، فيسهل نزعها قبل أي عشب ينبت في الأرض القوية الثابتة، أي أن المنافقين ليس لهم أصل قوي، أي علاقة مع الله، إلا قليلة جدًا، وفي أية ضيقة يمكن أن يتركوا الله، ويبتعدوا عنه.
† احترس من أي فكر، أو كلام، أو عمل ظالم، حتى لو لم يره الناس، لكن الله يراه ويغضب منك. فكن مستقيمًا وأمينًا، فيباركك الله وتحيا ثابتًا مطمئنًا فيه.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
† 17 النِّعْمَةُ كَجَنَّةِ بَرَكَاتٍ، وَالرَّحْمَةُ تَسْتَمِرُّ إِلَى الأَبَدِ. 18 حَيَاةُ الْعَامِلِ الْقَنُوعِ تَحْلُو، لكِنَّ الَّذِي يَجِدُ كَنْزًا هُوَ فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 19 النَّسْلُ وَابْتِنَاءُ مَدِينَةٍ يُخَلِّدَانِ الاِسْمَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لاَ عَيْبَ فِيهَا، تُحْسَبُ فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 20 الْخَمْرُ وَالْغِنَاءُ يَسُرَّانِ الْقَلْبَ، لكِنَّ حُبَّ الْحِكْمَةِ فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 21 الْمِزْمَارُ وَالْعُودُ يُطَيِّبَانِ الَّلحْنَ، لكِنَّ اللِّسَانَ الْعَذْبَ فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 22 الْبَهَاءُ وَالْجَمَالُ تَشْتَهِيهِمَا عَيْنُكَ، لكِنَّ خَضِرَ الْمَزْرَعَةِ فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 23 الصَّدِّيقُ وَالصَّاحِبُ لَهُمَا لِقَاءُ وِفَاقٍ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ مَعَ رَجُلِهَا فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 24 الإِخْوَةُ وَالْعَوْنُ لِسَاعَةِ الضِّيقِ، لكِنَّ نُصْرَةَ الرَّحْمَةِ فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 25 الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يُثَبِّتَانِ الْقَدَمَ، لكِنَّ الْمَشُورَةَ تُفَضَّلُ عَلَى كِلَيْهِمَا. 26 الْغِنَى وَالْقُوَّةُ يُعِزَّانِ الْقَلْبَ، لكِنَّ مَخَافَةَ الرَّبِّ فَوْقَ كِلَيْهِمَا. 27 لَيْسَ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ افْتِقَارٌ، وَلاَ يَحْتَاجُ صَاحِبُهَا إِلَى نُصْرَةٍ. 28 مَخَافَةُ الرَّبِّ كَجَنَّةِ بَرَكَةٍ، وَقَدْ أُلْبِسَتْ مَجْدًا يَفُوقُ كُلَّ مَجْدٍ.
ع17:
إذا كان المنافقون الظالمون يفقدون بركة الله، وليس لهم أصل ولا امتداد ولا قوة، فعلى العكس، الأبرار ينعم عليهم الله ببركات كثيرة، يشبهها هنا بجنة مملوءة بالبركات؛ هذه هي نعمة الله للأبرار، فيعيشوا في سعادة على الأرض، وبعد ذلك في السماء.وهؤلاء الأبرار يهتمون بأعمال الرحمة والخير، وهذه الأعمال يهتم بها الله، ويباركهم، بل ويعطيهم من أجلها مكانة عظيمة في السماء، فأعمال الرحمة تدوم إلى الأبد.
ع18: الذي يعمل بيديه ويجتهد، فهذا شيء عظيم؛ لأن الله سيباركه، وكذلك الإنسان القنوع، فهو يكتفي بالقليل، ويكون راضيًا به وسعيدًا.
ولكن الأفضل منهما هو الذي يهبه الله كنزًا من عنده، وهذا الكنز نوعان:
كنز مادي يهبه الله له، سواء يكتشفه من خلال أعماله، أو يعطيه له الله من خلال ميراث، أو فكرة جديدة تدر عليه أموالًا، أو سلعة يبيعها يزداد الإقبال عليها، أو شيء آخر مادي، وهذا هو الكنز الأصغر.
الكنز الأكبر وهو السعادة والفرح الداخلي، والتمتع بعشرة الله، فيحيا الملكوت وهو على الأرض.
ع19:
إبتناء: بناء.إذا وهب الله إنسانًا نسلًا كثيرًا، فهذه بركة أن يكون له اسم على مر الزمان من خلال أبنائه وأحفاده. وكذلك إذا استطاع إنسان أن يبنى مدينة جديدة ببيوتها ومرافقها، فهذا شيء أيضًا عظيم.
لكن الأفضل منهما الزوجة الصالحة؛ لأنها هي التي ستربي النسل تربية سليمة، فيفرحوا الله والمجتمع، وكذلك الزوجة الصالحة سترشد الناس في المدينة الجديدة، فهي أفضل من النسل والمدينة الجديدة.
ع20: الخمر القليلة تنبه عقل الإنسان قليلًا، فيفرح، وكذلك من يسمع الغناء يمكن أن يعجبه الألحان والكلمات، فيفرح إذا كان غناءً مناسبًا.
لكن الخمر والغناء تأثيرهما مؤقت وينتهي، أما الحكمة فهي أفضل من كليهما؛ لأنها تدوم مع الإنسان طوال حياته، بل وتقوده إلى السماء، حيث يفرح إلى الأبد، فهي أفضل من كل شيء مؤقت ينتهي على الأرض.
ع21:
يطيبان اللحن: يجعلانه أكثر عذوبة وجمالًا.المزمار آلة موسيقية تعطي عذوبة للَّحن، وكذلك العود آلة موسيقية تضيف جمالًا للَّحن، فالإثنان لهما قيمة وتأثير جيد في الموسيقى والألحان.
أما اللسان اللطيف الذي يعطي كلمات طيبة، فهو أحلى وأفضل من كل أنواع الموسيقى والآلات المستخدمة فيها؛ لأنه يحمل مشاعر الإنسان، ويؤثر أكثر من الموسيقى في السامعين.
ع22: البهاء هو الحسن، أو روعة الحسن، فالإنسان ينظر في الطبيعة، فيرى مناظر بهية تجذب قلبه، ويتمتع بها، سواء مياه، أو أشجار، أو جبال ... والجمال أيضًا شيء جذاب، سواء جمال الطبيعة، أو جمال أي شيء خلقه الله، ولكن الأفضل منهما الخضرة، أي النباتات الخضراء التي تملأ الحقول؛ لأنها في النهاية تعطي ثمارًا حلوة تغذي الإنسان، فهي أفضل من البهاء والجمال؛ لأنها مفيدة أكثر للإنسان، ليس فقط إشباع نظره، بل أيضًا تغذيته وإشباعه بالطعام.
ع23: الصديق هو إنسان عزيز على الشخص؛ لأنه تعود عليه، وتكلم معه في بعض الأمور التي تخصه، والصاحب أيضًا رفيق في الحياة، يشارك الإنسان بعض مواضيع حياته، فيستريح إليه، ويتكلم معه في أمور متنوعة.
أما علاقة المرأة برجلها، فهي علاقة أفضل بكثير لما يلي:
لأنهما قريبان من بعضهما البعض، فلا توجد فوارق، بل قد اتحدا في سر الزيجة، وقلوبهما مفتوحة بعضهما لبعض، فيمكنهما التحدث ومناقشة أي موضوع.
الصديق والصاحب يقضي الإنسان بعضًا من الوقت معها ثم يفارقهما، أما الزوجة فيبقى معها كل يوم، أو على الدوام، فهي علاقة حميمة أقرب من أي علاقة أخرى.
ع24: الأخوة مساندة ومشاركة تبهج الإنسان، والمعونة التي تأتي إلى الإنسان في وقت الشدة لها قيمة كبيرة، لكن الرحمة التي تعطى للإنسان في وقت احتياجه أفضل منهما؛ لأن الإخوة والمتعاونين مع الإنسان ينتظرون تصرف مقابل من الشخص عندما يمرون بضيقة، أما من يقدم رحمة لإنسان محتاج، أو في ضيقة، فهو يقدمها من أجل الله في شكل هذا المحتاج، ولا ينتظر مقابل، فهو انتصار للإنسان على ذاته، وخروج من التمركز حول ذاته إلى الإحساس بالآخر الضعيف؛ ليقدم له رحمة ومعاونة بلا مقابل، بل هي رد لجميل الله على الإنسان، الذي يكون مستعدًا أن يصنع أعمال رحمة متتالية، تعبيرًا عن شكر هذا الإنسان لله على عطاياه السابقة، فيهتم بإخوته المحتاجين، كما اهتم الله به.
وفي العهد الجديد، يظهر معنى أعمق، وهو أن عمل الرحمة مقدم للمسيح شخصيًا، وهو بالتالي أعظم عمل، فهو الوسيلة للدخول إلى الملكوت، وهو أعظم انتصار.
ع25: الذهب هو أغلى مادة منتشرة في التعامل بين الناس، وله قيمة كبيرة في البيع والشراء، فهو مفيد جدًا للإنسان. والفضة أيضًا مادة ثمينة تستخدم في البيع والشراء، بالإضافة إلى صنع الحلى من الذهب والفضة يتزين بها الإنسان.
ولكن المشورة، أي الحكمة أفضل منهما؛ لأنه بالحكمة والمشورة يستطيع الإنسان أن يحصل على الذهب والفضة، أما الذهب والفضة فإنهما ينفقان، وينتهيان وسط معاملات الحياة، أما الحكمة فتدوم طول العمر وإلى الأبد.
ويفهم من المشورة، أهمية التلمذة الروحية، وسماع كلمات الإرشاد الحكيمة، فهذه التلمذة أفضل من اقتناء الذهب والفضة؛ لأن بالتلمذة والمشورة يضمن الإنسان النجاح في العمل والحياة، وبذلك تحفظ فضته وذهبه، بل تزداد أيضًا.
ع26: الغنى يوفر للإنسان احتياجاته، فهو شيء مفيد، والقوة تحفظ الإنسان من الأشرار واللصوص وكل معتدي، فهي أيضًا مفيدة، ولكن الأفضل منهما مخافة الله؛ لأنها تحفظ الإنسان من الخطية، ويفرح الله به ويباركه، ويوفر له احتياجاته مهما كانت الظروف المعاكسة، ومخافة الله أيضًا تحمى الإنسان حماية غير محدودة، وتقويه للانتصار على كل المشاكل، فهي تعطيه فوق ما يطلب أو يفتكر.
ع27، 28: بعد أن أظهر ابن سيراخ الأمور الأفضل في الحياة، التي تفوق غيرها، في الآيات من (ع8 – 25)، ونلاحظ أنها أمور ملموسة، لا يستثنى منها إلا حب الحكمة والمشورة، نجده في النهاية في (ع26) يصل إلى قمة الأمور الفاضلة، وهي مخافة الله، التي هي أفضل من الغنى والقوة كما ذكرنا. ويشرح في هاتين الآيتين عظمة مخافة الله، التي لا يستغنى عنها أي إنسان روحي، ويوضح هذه العظمة فيما يلي:
ليست معها افتقار
لا يحتاج إلى نصرة
جنة بركة
مجد يفوق كل مجد
† لا تنشغل كثيرًا بالشهوات الزائلة، بل ابحث عما هو أفضل، وهو عمل الله في حياتك، وفي كل شيء حولك فتحيا سعيدًا، إذ تشعر بالله أمامك، وداخلك في كل حين.
29 يَا بُنَيَّ، لاَ تَعِشْ عَيْشَ الاِسْتِعْطَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَوْتَ خَيْرٌ مِنَ التَّكَفُّفِ. 30 الرَّجُلُ الَّذِي يَتَرَصَّدُ مَائِدَةَ الْغَرِيبِ، عَيْشُهُ لاَ يُعَدُّ عَيْشًا، وَنَفْسُهُ تَتَنَجَّسُ بِأَطْعِمَةٍ غَرِيبَةٍ. 31 الرَّجُلُ الأَرِيبُ الْمُتَأَدِّبُ يَتَحَفَّظُ مِنْ ذلِكَ. 32 يَحْلُو الاِسْتِعْطَاءُ فِي فَمِ الْوَقِحِ وَفِي جَوْفِهِ تَتَّقِدُ النَّارُ.
ع29:
الاستعطاء والتكفف: التسولالموت، أي الحرمان من الحياة، أفضل من أن يعيش الإنسان يتسول من غيره؛ لأن الأفضل للإنسان أن يعمل، ويجتهد فيكفي نفسه، بل ويساعد الآخرين، أما التسول فيحمل في داخل الإنسان الكسل، وعدم الأمانة في عمل الواجب الذي على الإنسان، وحرمان من بركة العطاء للآخرين.
يترصد: يراقب.
الأريب: الحكيم.
الإنسان الشهواني الذي يتطلع إلى موائد بعض الأغنياء، الذي لا تربطه بهم علاقة، ويتقرب إليهم لعلهم يدعونه إلى ولائمهم، هو إنسان متعلق بالشهوات الأرضية، ويتطفل على غيره، بل وينجس نفسه بشهوة شريرة، أي بشهوة الطعام، وهذه تختلف عن أكل الطعام العادي وشكر الله، فهو يسقط في خطيئتين:
التعلق بالشهوات الأرضية.
التطفل على الآخرين ومضايقتهم وإحراجهم ليعطوه مما عندهم.
ويلاحظ أن الإنسان الحكيم والمتأدب يبتعد عن هذه الشهوات والتطلع إلى ما ليس له؛ لأنه عفيف.
ع32: الوقح هو الذي يسمح لنفسه بالتسول، فيقول كلمات حلوة لمن يستعطي منهم؛ كل هذا لينال شهوته، وإن لم يأخذ ما يريد، تشتعل نار الغيرة والحسد في داخله، ويشتم ويلعن الذي لا يعطيه، سواء في داخله، أو علنًا، فمن يتسول هو إنسان شرير لا يرضى عنه الله من أجل كل ما سبق وشرحناه في الآيات السابقة.
† ربنا يسوع المسيح قال: مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ، فليتك يا أخي تفكر كيف تساعد وتعطي الآخرين، بدلًا من أن تستغلهم وتعيش متكلًا على عطاياهم. كن نشيطًا واعمل ما عليك واكتف بما عندك ولو كان قليلًا، فيبارك الله حياتك، ويعطيك سلامًا وراحة.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 41 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يشوع ابن سيراخ 39 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/sirach/chapter-40.html
تقصير الرابط:
tak.la/pkmk5hv