← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
الأَصْحَاحُ السادس عَشَرَ
قد بدأ الأصحاح الأول من هذا السفر بمقدمة عن الحكمة، كما ذكرنا في مقدمة السفر في الجزء الأول من تفسير سفر يشوع بن سيراخ، ثم بدءًا من الأصحاح الثاني، تكلم بن سيراخ عن السلوك العملي، وهذا القسم يمتد من (سي 2-46)، وبالتالي الأصحاح الحالي وهو (سي 16) ما زال بن سيراخ يتحدث عن السلوك العملي.
(1) الأبناء الأشرار (ع1-5)
(2) أمثلة للأشرار (ع6-11)
(3) غضب الله على الأشرار ( ع12-23)
(4) الله ضابط الكل (ع24-31)
1 لاَ تَشْتَهِ كَثْرَةَ أَوْلاَدٍ لاَ خَيْرَ فِيهِمْ، وَلاَ تَفْرَحْ بِالْبَنِينَ الْمُنَافِقِينَ، وَلاَ تُسَرَّ بِكَثْرَتِهِمْ، إِذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ مَخَافَةُ الرَّبِّ. 2 لاَ تَثِقْ بِحَيَاتِهِمْ، وَتَلْتَفِتْ إِلَى مَكَانِهِمْ. 3 وَلَدٌ وَاحِدٌ يَتَّقِي الرَّبَّ، خَيْرٌ مِنَ أَلْفٍ مُنَافِقِينَ.4 وَالْمَوْتُ بِلاَ وَلَدٍ، خَيْرٌ مِنَ الأَوْلاَدِ الْمُنَافِقِينَ. 5 لأَنَّهُ بِعَاقِلٍ وَاحِدٍ تُعْمَرُ الْمَدِينَةُ، وَقَبِيلَةٌ مِنَ الأُثَمَاءِ تُخْرَبُ.
ع1:
يقول الكتاب المقدس: "البنون ميراث من عند الرب" (مز127: 3)، والإنسان الطبيعي يميل في معظم الأحيان أن يكون له أبناء وبنات كثيرون؛ لأنهم امتداد لحياته، ويشعر أنهم جزء منه، بل وقوة تسانده، خاصة عندما يكبر في السن. ومن ناحية أخرى، كان العقم في العهد القديم أمر مكروه، إذ كان شعب الله يتمنى كل واحد منه أن يأتي من نسله المسيا المنتظر، وعدم الإنجاب يعنى بالنسبة له عدم استحقاقه لهذا الشرف، وكان يعتبر نقصًا وضعفًا وعارًا.ولكن تعلن هذه الآية خطورة اشتهاء كثرة الأبناء، والفرح بهم إذا كانوا أشرارًا، أو منافقين، ولا يخافون الله، أي يسلكون في شهواتهم، ويغضبون الله، ولا يفعلون شيئًا صالحًا، وبالتالي يغضبون أيضًا والديهم؛ هؤلاء ما المنفعة منهم، إن عدم وجودهم أفضل، فهم عار لوالديهم أكثر من مَن لم ينجبوا. فعالى الكاهن صار مثالًا للتهاون من أجل أبنائه الكهنة الأشرار حفنى وفينحاس (1 صم3: 12-14)، وكذلك نسل قورح وداثان وأبيرام الذين تمردوا على الكهنوت، فابتلعتهم الأرض (عد16: 32، 33).
ع2:
لا تثق بهؤلاء الأبناء الأشرار؛ لأنهم مهما كبروا، أو حققوا إنجازات في العالم، لكنهم لبعدهم عن الله، لا يعتمد عليهم في شيء، وتوقع منهم شرورًا كثيرة في كل وقت.لا تنشغل، أو يلتفت قلبك إلى مكانتهم في المجتمع، أو أموالهم ومراكزهم، فكلها لحساب الشيطان؛ لأنهم منافقون، ومهما صنعوا في هذه الحياة، فليس لهم مكان في السماء.
ع3:
إن كان لك ابن واحد تعبت في تربيته، فصار يخاف الله، ويعمل بوصاياه، فهو أفضل من ألف ابن منافقين، بعيدين عن الله، قد انغمسوا في الشرور. وهذا يبين أهمية تربية الأبناء، وربطهم بالله، وتعليمهم الإيمان السليم، بل إن الاكتفاء بعدد قليل من الأبناء مع تربية حسنة أفضل من إنجاب كثيرين وإهمال تربيتهم في الله.
ع4: لا تحزن إن لم تنجب أبناء، فالأفضل لك أن تموت وليس لك أبناء من أن تحيا ويكون لك أبناء كثيرون منافقون. إنه شر عظيم تُحاسب عليه أنك أضفت إلى العالم أبناءً أشرارًا، يفسدون العالم، ويعثرون الكثيرين، وفى النهاية يهلكون.
ع5: الأثماء
: جمع أثيم وهو الشرير.تؤكد هذه الآية أهمية الابن الذي يخاف الله، الذي هو أفضل من أبناء كثيرين أشرار. فإنه بواسطة شخص واحد عاقل، أي يحيا مع الله في صلاح وبر، تُعمر مدينة كاملة، إذ أنه يميل لعمل الخير، ونتيجة علاقته بالله، يرشده في علاقته بالآخرين، فيقودهم للبر، ويساعدهم على العمل الصالح، فيحيون مع الله، ويبارك الله مدينتهم بخيرات كثيرة؛ لأن من يحيا مع الله ينال معونة ليس لها حدود، ومثال لهذا كل الرسل، مثل بولس الرسول الذي بكرازته أنشأ كنائس كثيرة في بلاد متعددة، فصارت عامرة بخدمته وكرازته.
أما الأشرار فإذا تجمعوا معًا يساعدون بعضهم البعض على الشر والفساد، فتخرب مدينتهم إذ يتخلى عنهم الله، ويتمادون في خطاياهم، فيأتى عليهم غضب الله، ويهلكهم، مثلما حدث في مدينتى سدوم وعمورة.
أشكر الله على ما أنت فيه؛ سواء لك ابن، أو أبناء قليلون، أو كثيرون، وأيضًا لو لم يكن لك أبناء، ولكن كن أمينًا في تربية أبنائك في خوف الله، أربطهم بالكنيسة منذ طفولتهم، وفهمهم وصايا الله.
6 كَثِيرٌ مِنْ أَمْثَالِ هذِهِ رَأَيْتُهُ بِعَيْنَيَّ، وَأَعْظَمُ مِنْهَا سَمِعَتْ بِهِ أُذُنِي. 7 فِي مَجْمَعِ الْخَطَأَةِ تَتَّقِدُ النَّارُ، وَفِي الأُمَّةِ الْكَافِرَةِ يَضْطَرِمُ الْغَضَبُ. 8 لَمْ يَعْفُ عَنِ الْجَبَابِرَةِ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا بِقُوَّتِهِمْ،
9 وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى جِيلِ لُوطٍ، الَّذِينَ مَقَتَهُمْ لِكِبْرِيَائِهِمْ، 10 وَلَمْ يَرْحَمْ أُمَّةَ الْهَلاَكِ الْمُتَعَظِّمِينَ بِخَطَايَاهُمْ. 11 وَكَذلِكَ السِّتُّ مِئَةَ أَلْفٍ مِنَ الرَّجَّالَةِ، الَّذِينَ تَعَصَّبُوا بِقَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ، بَلْ لَوْ وُجِدَ وَاحِدٌ قَاسِي الرَّقَبَةِ، لَكَانَ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ يُصْفَحَ عَنْهُ.
ع6:
يعلق سيراخ على الأبناء الأشرار الذين سبق أن تحدث عنهم في الآيات الخمسة السابقة، فيقول: أنه رأى بعينيه أمثلة كثيرة لهؤلاء الأشرار، وسمع أيضًا ما هو أعظم، وأكثر منها بأذنيه. فأمثلة الشر كثيرة.
ع7: تتقد
: تلتهب.يضطرم : يشتعل.
"فى مجمع الخطأة تتقد النار":
مثال للأشرار الذي أحرقتهم النار، رؤساء اللاويين الذين تجاسروا وحملوا مجامر وبخروا أمام خيمة الاجتماع، وكان عددهم 250 رجلًا (عد16: 35)، مقاومين بهذا تخصيص الكهنوت لهارون وبنيه.
"وفى الأمة الكافرة يضطرم الغضب":
الأمة الكافرة التي غضب عليها، يمكن أن يكون مثال لها مصر التي ضربها الله بالضربات العشر، ثم غرق ملكها، وهو فرعون وجيشه في البحر الأحمر.
وليس المقصود أن تكون الأمة كلها كافرة، فيمكن أن يكون جزء منها، مثل مجموعة قورح وداثان وأبيرام، الذين تمردوا على الله، وعلى موسى وهارون، فانشقت الأرض وابتلعتهم؛ هم وبنيهم ومواشيهم (عد16: 32).
ع8: يَعْفُ
: يسامح، أو يغفر.الجبابرة الأولون، هم البشر الذين عاشوا أيام نوح، ولم يصدقوا كلام الله على لسانه، ورفضوا دخول الفلك، فلم يسامحهم الله على تمردهم، وهلكوا بالطوفان (تك6: 1-7)، إذ أنهم اعتمدوا على قوتهم في مواجهة الطوفان الذي قال عنه نوح، وكانوا يشكون في حدوثه، فربما فكروا أن يصعدوا على أسطح منازلهم، أو على الجبال، ولكن كل هذا لم يفدهم، فغرقوا جميعًا في مياه الطوفان.
ع9: مقتهم
: كرههم.الله الحنون الذي يشفق على كل البشر، بل أيضًا على الحيوانات والنباتات والحشرات، لم يشفق على أهل سدوم الذين عاشوا حول لوط؛ لأنه كره خطاياهم، وانغماسهم في الجنس والشذوذ، واحتملهم بطول أناة سنينًا طويلة، ولكن في النهاية، كان لابد أن يأتي عليهم العدل الإلهي بحرق سدوم، وكل من فيها، وكذا عمورة المجاورة لها، والمشتركة معها في كل الشرور ( تك19: 24).
ع10: الله الرحوم على كل من يأتى إليه، أو يتوب، لم يرحم أمة الهلاك، أي الأمة السائرة في الشر الذي هو طريق الهلاك، وهذا ينطبق على سدوم وعمورة.
وتنطبق هذه الآية أيضًا، أي أمة الهلاك، على مصر في ضربها بالضربات العشر، وكذا غرق فرعون وكل جيشه، وتنطبق على كثيرين، مثل الكنعانيين، الذين أبادهم الله، وأسكن شعبه مكانهم (1 صم15: 3). وتنطبق على أمم كثيرة سارت في الشر، مثل آشور، وبابل.
ع11: الست مئة ألف من الرجال، هم اليهود الذين خرجوا من أرض مصر، والذين يضاف إليهم النساء والأولاد، فيصيروا مليونين. هؤلاء الرجال قسوا قلوبهم، وتعصبوا ضد الله، وتذمروا، رافضين أن يدخلوا أرض كنعان، فحرمهم الله من الدخول إليها، وبادوا في برية سيناء خلال أربعين عامًا، ودخل بدلًا منهم أطفالهم الذين كبروا، أثناء الأربعين عامًا، أو وُلدوا في برية سيناء، فالله يكره الخطية، سواء كانت من اليهود، أو الأمم.
لو وجد الله واحدًا قاسى الرقبة، لكان من العجب أن يصفح عنه يهوديًا كان أو أمميًا، لا يطيع الله، لا يمكن أن يصفح الله عنه؛ لأن الله الرحيم هو أيضًا عادل.
إذا كنت يا أخى تعلم جيدًا أن عدل الله مثل رحمته، فليتك تخاف الله؛ لترفض كل شر، مهما بدا صغيرًا أمامك، أو خدعك الشيطان وبرره لك. تمسك بالنقاوة؛ لتجد رحمة الله، ويساندك، ويحفظك، ويسعد قلبك.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
12 لأَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ مِنْ عِنْدِهِ. هُوَ رَبُّ الْعَفْوِ، وَسَاكِبُ الْغَضَبِ. 13 كَمَا أَنَّهُ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ، هكَذَا هُوَ شَدِيدُ الْعِقَابِ؛ فَيَقْضِي عَلَى الرَّجُلِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. 14 لاَ يُفْلِتُ الْخَاطِئُ بِغَنَائِمِهِ، وَلاَ يُضَيِّعُ الرَّبُّ صَبْرَ الْتَّقِيِّ. 15 لِكُلِّ رَحْمَةٍ يَجْعَلُ مَوْضِعًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَلْقَى مَا تَسْتَحِقُّ أَعْمَالُهُ. 16 لاَ تَقُلْ: «سَأَتَوَارَى عَنِ الرَّبِّ، أَلَعَلَّ أَحَدًا مِنَ الْعُلَى يَذْكُرُنِي؟ 17 إِنِّي فِي شَعْبٍ كَثِيرٍ لاَ أُذْكَرُ، فَمَاذَا تُعْتَبَرُ نَفْسِي فِي خَلْقٍ لاَ يُقَدَّرُ؟» 18 هَا إِنَّ السَّمَاءَ وَسَمَاءَ سَمَاءِ اللهِ وَالْغَمْرَ وَالأَرْضَ تَتَزَعْزَعُ عِنْدَ افْتِقَادِهِ.19 وَالْجِبَالَ وَأُسُسَ الأَرْضِ تَرْتَعِدُ رُعْبًا عِنْدَمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا. 20 وَفِي ذلِكَ لاَ يَتَأَمَّلُ الْقَلْبُ، 21 وَلَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ طُرُقَهُ. رُبَّ زَوْبَعَةٍ لاَ يُبْصِرُهَا الإِنْسَانُ؛ 22 فَإِنَّ أَكْثَرَ أَعْمَالِ الرَّبِّ فِي الْخَفَاءِ. أَعْمَالُ الْعَدْلِ مَنْ يُخْبِرُ بِهَا أَوْ مَنْ يَحْتَمِلُهَا. إِنَّ الْعَهْدَ بَعِيدٌ، وَالْفَحْصَ عَنِ الْجَمِيعِ يَكُونُ عِنْدَ الاِنْقِضَاءِ. 23 الْمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ يَتَأَمَّلُ فِي ذلِكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الْجَاهِلُ الضَّالُّ فَيَتَأَمَّلُ فِي الْحَمَاقَاتِ.
ع12:
إن الله رحوم وعادل، وكامل في كليهما، فهو وحده مصدر الغفران للخطاة التائبين، وهو الذي يسكب غضبه على الأشرار المتمادين في شرهم، ولا يستطيع أحد غيره أن يسامح على الخطية، أو يعاقب عليها.وقد اجتمعت الرحمة والعدل في الصليب، إذ ظهر حنان الله ورحمته على البشرية الضعيفة الساقطة في الخطية. وظهر عدله عندما أوفى الدين عنا بموته على الصليب. والرحمة والعدل يظهران على الأرض جزئيًا، ومن يستجيب لرحمة الله، ويتوب أمام تأديباته، فإنه يتمتع بالرحمة إلى الأبد في ملكوت السموات، أما من يستهين برحمة الله وغضبه على الأرض، فلا ينتظره إلا الهلاك الأبدي.
ع13: الله كثير الرحمة على من يتجاوب معه، ويتوب، ويجاهد، محاولًا أن يطيع وصاياه، حتى لو كان ضعيفًا وكثير السقوط، فرحمة الله تستمر معه؛ حتى تخلصه، كما حدث مع الخطاة المشهورين، مثل اللص اليمين، وموسى الأسود، ومريم المصرية.
والله أيضًا شديد العقاب على المتمادين في شرهم، مثل فرعون، الذي ضربه بالضربات العشر ولم يتب، فاستحق هلاكًا شنيعًا، هو وكل جيشه في البحر الأحمر.
والخلاصة، أن الإنسان ينال جزاء أعماله، خيرًا كان، أم شرًا.
ع14: غنائمه
: مكاسبه.يُفهم من الآيات السابقة، كمال رحمة الله، وكذلك عدله على كل البشر. فالخاطئ الذي ينغمس في شهواته، ويطلب مكاسب الأرض، لن يستطيع أن يحتفظ بها، بل ستضيع منه، وقد يكون ذلك على الأرض، ولكن من المؤكد في الحياة الأخرى، إذ سيذهب للعذاب الأبدي، ويخسر كل شيء.
من ناحية أخرى، الله طويل الأناة، ولكنه ينظر باهتمام إلى صبر أولاده الأتقياء، واحتمالهم للظلم والتعب لأجله على الأرض، فيكافئهم جزئيًا على الأرض، بسلام في قلوبهم، وبعض البركات المادية، أما في السماء فيكافئهم ببركات عظيمة لا يعبر عنها.
ع15: إن الله الرحوم يريد أن يرحم الكل، ولكنه لا يعطى الرحمة إلا لمن يتجاوب معه بالتوبة، ومحاولة الرجوع إليه. ويعطى الله رحمة أكثر للتائبين بكل قلوبهم، أى أن الله سيجازى كل إنسان بحسب أعماله، فمن يرفض الله لن ينال رحمة، ومن يتجاوب معه جزئيًا، سينال مقدارًا من الرحمة، أما من يتجاوب بكل قلبه، ينال رحمة تفوق العقل.
: سأختبئ.
لا تظن يا من تخطئ أنه يمكنك أن تختفى من أمام وجه الله، أو أن الله سيغيب عنه ما تعمله، فالله موجود في كل مكان، وفاحص القلوب والكلى، أي يراك، وينظر ما في داخلك، وكل أفكارك، ونيات قلبك، كلامك وأعمالك مكشوفة أمام الله. لا تختبئ مثل آدم (تك3: 10)، فالله ينظر إليك، ولا تظن أن خطيتك مستورة عنه، كما ظن داود؛ حتى ذكَّره ناثان النبي، فتاب (2 صم12: 13). أسرع إلى التوبة، ولا تضيع الوقت، لئلا تفتر مشاعرك، وتخسر أبديتك.
لا تقل في نفسك أنى مجرد فرد وسط أمة كبيرة، فمن يشعر بى، أو يرانى؟ وبالأولى أنا في وسط العالم كله، فمن يلاحظنى؟ لا تقل هذا يا أخى؛ لأن الله يرى كل شيء، وحتى لو اختبأت في مكان ما فهو يراك، كما قال إرميا النبي (إر23: 24).
: المياه الكثيرة.
إن الطبيعة كلها تهتز أمام غضب الله؛ السماء والأرض، ومياه في البحار والأنهار، وكذلك الجبال، بل وأعماق الأرض أيضًا؛ لأنه هو خالق الكل، فالكل يخافه، ويرتعد أمامه. فكيف لا تتأمل يا إنسان الطبيعة المحيطة بك؟ وتظن أن الله لا يراك؛ لأنك فرد وسط الملايين.
ويذكر هنا سماء السماء، معلنًا أن هناك سموات وليس سماء واحدة، كما يبين بولس الرسول في العهد الجديد إنه ارتفع للسماء الثالثة (2 كو12: 2). كل هذا يتزعزع أمام الله، فلابد أن يخافه الإنسان ويبتعد عن الخطية لئلا يغضبه.
الإنسان الذي يميل إلى الخلوة وحده في هدوء يستطيع أن يرى الله، وعندما يراه بقلبه يخافه، فتظهر أمامه فظاعة خطاياه، وحينئذ يبعد عنها، ويكتشف أن الطبيعة كلها تهتز أمام الله، فالبحر ينشق أيام موسى، والسماء لا تمتطر أيام إيليا، والنهر أيضًا ينشق بثياب إيليا، وجبل المقطم يتحرك أيام الأنبا إبرآم بن زرعة، فلذا يهتز قلب الإنسان عندما يخطئ، فيندم ويبكى على خطاياه، فينال مراحم الله.
ع21: زوبعة
: عاصفة شديدة.إن طرق وتعاليم الله، ومقاصده الإلهية صعب على الإنسان البعيد عن الله أن يفهمها؛ لأنه يفكر بطريقة سطحية. فإذا نظر إلى زوبعة، فإنه لا يرى الهواء المتحرك فيها، ولكنه يشعر بتأثيرها عندما تصطدم هذه الزوبعة بأشياء ثابتة تهزها، أو تحطمها. فالزوبعة قادرة أن تخلع شجرة، أو تكسر جزء من مبنى، فمن تأثير الزوبعة يفهم الإنسان قوتها، هكذا أيضًا الإنسان لا يرى الله بعينيه، ولكنه يدرك قوته، وتدبيره في الطبيعة والمخلوقات، فهو واضح للإنسان الحكيم الروحي، وغير مفهوم للإنسان السطحى الذي يظن أنه يستطيع أن يرى الله بعينيه.
ع22: إن أكثر أعمال الله في الخفاء، أي مختفية عن أعين البعيدين عن الله، ويدركها فقط المؤمنون به؛ لأنهم يرونه وراء الأحداث، ويفهمون من نتائج الأمور قوة الله.
إن الله عادل، ونرى هذا في الطبيعة والمخلوقات حولنا، فالحيوان الضعيف عندما يختفى بين الصخور مثلًا، لا يستطيع أن يفترسه الحيوان القوى. والشجرة التي تتعمق جذورها في الأرض، تستطيع أن تحتمل قوة الرياح التي تهب عليها. فالله عادل يكافئ المتعمق بالمساندة، والقوة، ويتعرض السطحى للاهتزاز والسقوط.
ويظهر هنا الجاهل، الذي يتناسى أن الله موجود وعادل، ويطالبنا بالعهود التي بيننا وبينه؛ للسلوك بالاستقامة، ويشعر أن مواجهة الله يوم الدينونة بعيد عنه جدًا، أي يتناسى يوم الدينونة الذي يمكن أن يحل في أي وقت، وإذا وجد الإنسان غير مستعد، يعاقب بالعذاب الأبدي. ويقوده هذا التفكير إلى الانغماس في الشهوات، أو إهمال الله، والحياة معه، فيفسد حياته، ويعثر من حوله، وأكد بطرس الرسول هذا المعنى في رسالته الثانية (2 بط3: 3، 4).
ع23: الإنسان المتواضع يريد أن يتعلم، ويتتلمذ على يد الله، والمرشدين الروحيين، فيتأمل في أعمال الله المذكورة في الآيات السابقة، ويرشده الله، بل ويعلن له حقائق روحية عظيمة؛ لاتضاعه واهتمامه، إذ أن المتضع مستقر عند الله، وساكن عنده، كما أعلن ذلك أشعياء النبي (أش57: 15).
من ناحية أخرى، الجاهل، المنغمس في الشر، والذي يضل عن طريق الله، نجده منشغلًا بالحماقات، وهي الشهوات الشريرة، ويتأمل فيها، فيزداد انغماسه، وتعلقه بها.
إن الطريق إلى الله يا أخى سهل وبسيط، وهو الاتضاع، الذي به تتمتع بعشرة الله، ويعلن لك أسراره، وتنال الحكمة، وتحيا سعيدًا في الأرض وفى السماء.
24 اِسْمَعْ لِي يَا بُنَيَّ، وَتَعَلَّمِ الْعِلْمَ، وَوَجِّهْ قَلْبَكَ إِلَى كَلاَمِي. 25 إِنِّي أُعَبِّرُ عَنِ التَّأْدِيبِ بِوَزْنٍ، وَأُبْدِي الْعِلْمَ بِتَدْقِيقٍ. 26 جَمِيعُ أَعْمَالِ الرَّبِّ مِنَ الْبَدْءِ قَدَّرَهَا بِحِكْمَةٍ، وَمُنْذُ إِنْشَائِهَا مَيَّزَ أَجْزَاءَهَا. 27 زَيَّنَ أَعْمَالَهُ إِلَى الدَّهْرِ، وَمَبَادِئَهَا إِلَى أَحْقَابِهَا، فَلَمْ تَجُعْ وَلَمْ تَتْعَبْ وَلَمْ تَزَلْ تعْمَلُ، 28 وَلَمْ يُضَايِقْ بَعْضُهَا بَعْضًا، 29 وَهِيَ لاَ تُعَاصِي كَلِمَتَهُ مَدَى الدَّهْرِ. 30 وَبَعْدَ ذلِكَ نَظَرَ الرَّبُّ إِلَى الأَرْضِ وَمَلأَهَا مِنْ خَيْرَاتِهِ. 31 وَنُفُوسُ ذَوِي الْحَيَاةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَإِلَيْهَا تَعُودُ.
ع24:
يدعو ابن سيراخ أولاده، محبى الحكمة إلى ثلاث وسائل ناجحة للحصول على الحكمة، وهي:الإستماع إلى كلام الله.
الإهتمام بتعلم العلم الروحي، وهو معرفة الله ووصاياه.
توجيه القلب، أي المشاعر إلى كلام الله، فإرادة الإنسان تدعو مشاعره للإحساس بكلام الله، والتأمل فيه، فتنال أعماقًا جديدة من معرفته، وتتمتع بها.
ع25: إن الحكيم تظهر حكمته فيما يلي:
1- "التأديب بوزن":
المقصود بالتأديب، كلمات العتاب، والتوبيخ، والانتهار؛ هذه يعطيها الحكيم ابن سيراخ بوزن، أي بما يناسب كل إنسان، والظروف التي يمر بها، فيعطيها بالمقدار الذي يحتمله كل أحد، وقد يزداد تدريجيًا مع نموه الروحي؛ لازدياد هذا الإنسان في الحكمة، والتمتع بعشرة الله.
2- "العلم بتدقيق":
والعلوم الروحية؛ سواء معرفة الله، أو السلوك بها في الحياة، ومعاملة الآخرين، يعلمها الحكيم بتدقيق، بما يناسب كل إنسان، وكل موقف، وحسبما يدرك هذا الإنسان المتعلم؛ لأنه كلما اقترب الإنسان من الله يزداد فهمه، حتى أن الله يعلن لبعض قديسيه أمورًا روحية عالية، لا يستطيعون أن يقولوها لغيرهم لارتفاعها، ونحن لا نعرف ماذا تعلم الأنبا بولا في السبعين عامًا، التي قضاها في الوحدة، ولا الأنبا أنطونيوس في العشرين عامًا التي اختلى فيها، ولا ما أعلنه الله لمريم المصرية في السبعة وأربعين عامًا التي قضتها في البرية، ولكن فهمنا شيئًا قليلًا من قداستهم.
ع26: منذ بداية الخليقة، الله أعطى كل مخلوقاته صفاتها التي تعيش بها، وكل مخلوق يتميز عن غيره، ولكن الكل يعيش في توازن مع باقي المخلوقات، فالحيوانات لها صفاتها بأنواعها المختلفة، أليفة ومفترسة، تسير على الأرض، أو تطير في السماء، أو تسبح في البحر؛ سواء كانت كبيرة مثل الفيل والأسد، أو صغيرة مثل الحشرات، وكذا أيضًا النباتات بأنواعها المختلفة؛ أشجار، أو شجيرات، أو نباتات تعيش لمدة قصيرة. بالإضافة إلى الأفلاك؛ الكواكب، أو النجوم، فلكل منها صفاته ومساره. كل المخلوقات تحيا معًا في تناغم شديد، وحتى لو كان بعضها يبدو ضد البعض، ولكن في النهاية تحيا معًا، فيما يسمى بالتوازن البيئى، فلا يسود حيوان، وينهى على باقي الحيوانات، بل يعيش كل منها بأسلوبه، وأصغر الحيوانات يحيا أيضًا في هدوء بتدبير الله ضابط الكل.
وأجزاء المخلوقات ليس فقط أنواعها، كما ذكرنا، ولكن أيضًا أجزاء كل مخلوق، فالإنسان، أو الحيوان أو النبات يشمل كل منها أعضاء مختلفة، كلها تتعاون لتعطى حياة لصاحبها بحكمة الله وتدبيره، فكل عضو له وظيفة محددة لا يعملها غيره، ولكن يكمل عمله مع باقي الأعضاء، لينال المخلوق حياته المتزنة.
: نهاية العالم.
مبادئها: بداية خلقتها.
أحقابها: جمع حقبة، وهي مدة زمنية والمقصود حتى نهاية العالم.
تعاصى : تعصى وتتمرد.
"زين أعماله إلى الدهر"
الله خلق جميع المخلوقات بترتيب ونظام جميل؛ حتى أنه رأى كل ما خلقه حسن، بل وحسن جدًا. وما زال الإنسان وحتى نهاية العالم يكتشف حكمة الله، وعظمته، وجمال ما صنع.
"ومبادئها إلى أحقابها":
وستظل الخليقة منذ خلقها الله، وحتى نهاية أحقاب العالم، أي نهايته، في جمالها، وسيظل الله يدبرها بحكمته؛ ليتمتع بها الإنسان، ويحيا في أحضان الله، الذي يحوطه بكل هذه الخلائق الجميلة.
"فلم تجع، ولم تتعب، ولم تزل تعمل":
كل المخلوقات يطعمها الله بحسب احتياجها، فلا تحتاج إلى شيء، وكل مخلوق يعمل عمله، ولا يتعب منه، أي ليس فوق طاقته، فالله بحكمة عالية يدبر ويسوس الخليقة كلها؛ لتكون مستريحة في شبع وعمل بلا معاناة. والإنسان رأس الخليقة؛ هذا هو الوضع الطبيعي له، إن عاش مع الله، أما إذا ابتعد عنه، وسار مع أفكار الشيطان، فسيعانى من متاعب كثيرة.
"ولم يضايق بعضها بعضًا":
المخلوقات كلها تسير في المسار الذي حدده الله لها، ولا تزاحم غيرها، ولا تصطدم به. وحتى بعض الحيوانات التي تفترس غيرها، أو الإنسان، أو الحيوان الذي يتغذى على النباتات، لا يتلف أو يقضى على غيره من المخلوقات، بل في النهاية يحدث التوازن البيئى، فلا يزيد نوع من المخلوقات أكثر مما يجب، ويضايق من حوله، ولكن يسمح الله أن يتغذى بعض الحيوانات على بعضها، فتظل جميع المخلوقات موجودة بنسب متزنة.
"وهى لا تعاصى كلمته مدى الدهر":
وجميع المخلوقات مطيعة لله، لا تعصى أوامره، بل تسير في طريقها وطباعها التي حددها الله لها وتستمر في هذا إلى نهاية العالم. ولكن الإنسان هو المخلوق الوحيد، الذي له حرية إرادة؛ ليقبل إلى الله، ويتمتع بحبه، ولكنه يمكن أن يعصاه، فيفقد علاقته بالله، ويضايق ما حوله من المخلوقات.
ع30، 31: "وبعد ذلك نظر الرب إلى الأرض وملأها من خيراته":
الله الكريم المحب نظر إلى إحدى مخلوقاته، وهي الأرض، وملأها من خيراته، أى المخلوقات المتنوعة التي يحتاجها الإنسان. إذ أن الله خلق الجنة بكل التمتعات التي فيها، ليفرح الإنسان بها، ولا ينقصه شئ؛ لأن الله سخى في العطاء. وكان من الطبيعي أن يشكر الإنسان الله على كل هذه العطايا، ولكنه انحرف بغواية إبليس، وسقط في الخطية وتمرد على الله، فخسر كل شيء، وطُرد من الجنة، ولكن محبة الله أنقذته بعد هذا بالفداء، فعاد يتمتع بخيرات الله، ليس فقط في الأرض، بل وأيضًا في السماء.
"ونفوس ذوى الحياة تغطى وجهها وإليها تعود":
إن كل المخلوقات الحية؛ سواء الإنسان أو الحيوان، أو النبات، التي خلقها الله بوفرة، غطت الأرض كلها، وعاشت في فرح مع بعضها حول الإنسان، الذي يقودها في تسبيح الله. وفى النهاية تموت كل هذه الخلائق، وتدفن في الأرض. ويتميز هنا الإنسان عن باقي الخلائق بأن روحه تنطلق إلى السماء، ويحيا إلى الأبد مع الله؛ هذا ما سيحدث في يوم الدينونة، فيملك الله مع أولاده في ملكوت السموات.
الله يحبك يا أخي، وأعطاك خيرات كثيرة على الأرض؛ لتتمتع بها، ولتراه في كل هذه الخلائق، فتشكره، وتسبحه، فلماذا أنت حزين؟! .. لأنك انشغلت عن الله، الذي يسندك، ويحوطك من كل جانب، ولم يعد أمامك إلا المشاكل والضيقات التي لا تقوى عليها. إرجع إلى الله بالصلاة والتأمل في أعماله التي عملها لأجلك، فتستعيد حياتك وتفرح من جديد.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 17 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يشوع ابن سيراخ 15 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/sirach/chapter-16.html
تقصير الرابط:
tak.la/sc2jyfn