محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
الشيطان المُقَيَّد (رؤيا 20: 1-3)
1. وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ،
وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ.
2. فَقَبَضَ عَلَى: التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ.
3. وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْد، حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ.
وَبَعْدَ ذلِكَ لاَبُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَانًا يَسِيرًا.
القيامة الأولى (رؤيا 20: 4-6)
4. وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ
وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ
وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ.
5. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ.
هذِهِ هِيَ: الْقِيَامَةُ الأُولَى.
6. مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى.
هؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ،
بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً ِللهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ.
حَلُّ الشَّيْطَانُ (رؤيا 20: 7- 9)
7. ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ،
8. وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ.
جُوجَ وَمَاجُوجَ ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ.
9. فَصَعِدوا عَلَى عَرْضِ الأَرْضِ، وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ
وَبِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ.
دينونة إبليس والوحش والنبي الكذاب (رؤيا 20: 10)
10. وَإبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ: الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
الدينونة الرهيبة (رؤيا 20: 11-15)
11. ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ، الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ.
12. وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.
13. وَسَلَّم الْبَحْر الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيه، وَسَلَّم الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ.
14. وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي.
15. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.
![]() |
بعد أن تَرَكنا الحديث عن بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ في (رؤيا 19)، وعن مثلث الشر:
1. التِّنِّينِ: الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إبْلِيسُ، وَالشَّيْطَانُ.
2. الْوَحْشُ الأول: الخارج من البحر، الخارج من الهاوية
الْوَحْشُ القرمزي، ضد المسيح.
3. الْوَحْشُ الثاني: الخارج من البَر، النَّبِيُّ الْكَذَّابُ.
وبعد معركة «هَرْمَجَدُّونَ» (رؤ 16: 16) بين الرب وملوك الأمم (زكريا 14)، والتي تنتهي بمجازاتهم، وطَرْحِ لُحومِهم لوحوش الأرض وطيور السماء.
في هذا الإصحاح:
يرى القديسُ يوحنا الحبيب ملاكَ العهد ومَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ.
فقَيَّدَ الشَّيْطَان أَلْفَ سَنَةٍ، بينما ملك الشهداء والأبرار مع المسيح.
ثم يُحل الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ فترة قصيرة فيحتشد جُوج وَمَاجُوج. وينضمون إلى ضد المسيح، ويقيمون حربًا مع أبناء الله، ويتدخل الله، فيضربهم بنَار مِنَ السَّمَاءِ، ويُلقِي الشيطانَ وضدَ المسيح في جهنم ثم النَّبِيَّ الْكَذَّاب. ثم يأتي المجيء الثاني للمسيح للدينونة. وتصحبه القيامة العامة، التي فيها تنفتح الأسفار، ويُدان الكل بما هو مكتوب فيها. فيُلقى الأشرار غير المكتوبين في سِفْر الحياة فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ والكبريت.
ويتكلم الإصحاح عن:
1. تَقْيّيِد الشَّيْطَان وطرحِه في الهاوية أَلْفَ سَنَةٍ (رؤيا 20: 1-3).
2. الكهنة على العُرُوش يحكُمون في مملكة المسيح (رؤيا 20: 4).
3. القديسون والشهداء الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، أو قَتَلَهم الْوَحْش (رؤيا 20: 4-6).
4. حَلُّ الشَّيْطَان قُبيل النهاية، فتتجدد معركة «هَرْمَجَدُّونَ» بمعركة جُوجَ وَمَاجُوجَ»، وَهِيَ آخِر محاولة للشيطان لاسترداد مملكته، ولكن الله يتدخل فيُنزِل نارًا مِنَ السَّمَاءِ تحرق الذين أَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ وَبِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ. وتنتهي بِطَرْح إبليس والوحش والنبي الكذاب نهائيًا فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ.» (رؤيا 20: 7-10).
5. يظهر العَرْشُ العَظِيم الأَبْيَض، وتحدث القيامة العامة والدينونة التي يظنها البروتستانت أنها قيامة الأشرار فقط ودينونتهم (رؤيا 20: 11-15).
وإن كانت هذه الرؤيا قد أتت في السِّفْر بعد الرؤيا التي فيها طُرح الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، فليس معنى هذا أن ملاك العهد الَّذِي قبض على الشيطان وطَرحَه في الهاوية ألف سنة كما يُظهِر الإصحاح العشرون كان في هذا الوقت، بل إنها رؤيا مستقلة، رآها مار يوحنا منفردة، ومجموعة الرؤى كونت معًا سِفْر الرؤيا.
منذ هزيمة الشيطان أمام ميخائيل رئيس الملائكة في الحرب التي حدثت في السماء والتي ذكرها القديس يهوذا في رسالته، ثم ذكرها سِفْر الرؤيا في (رؤيا 12: 9)، فقد سقط الشيطان إلى أرضنا ولم يعد مكانه السماء، ولذلك نقرأ في (رؤيا 20) أن السيد المسيح (ملاك العهد) نزل من السماء (بالتجسد) وارتفع على الصليب ومات على خشبة الصليب ونزل إلى الجحيم من قِبَل الصليب، ودخل بيت القوى (الشيطان) وقيده ألف سنة وبدأ مُلكه الألفي، فالرب ملك على خشبة الصليب.
اِنتهى الإصحاح التاسع عشر بالقبض على الْوَحْشِ الأول: الْوَحْشِ الخارج من البحر، الخارج من الهاوية، الوحش القرمزي، ضد المسيح، والقبض على النبي الكذاب: الوحش الثاني، الوحش الخارج من الأرض وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ.
والآن يبدأ الإصحاح العشرون بالقَبض عَلَى الشَّيْطَان وَطَرْحِهِ فِي الْهَاوِيَةِ، في بدء الأَلْف السَّنَةِ إلى أن طَرَحَهُ في جهنم فِي نهايتها، وبهذا يكون إبليس والوحش والنبي الكذابقد طُرِح إلى الأبد في النار الأبدية. «وَإبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.» (رؤيا 20: 10).
ويحوي هذا الإصحاح ثلاث رؤى تبدأ كل رؤيا بكلمة «رَأَيْتُ»:
الأولى (رؤيا 20: 1-3): وفيها قيلت «رَأَيْتُ» مرة واحدة (رؤيا 20: 1) رأى مار يوحنا الحبيب مَلاَكَ العهد (الرب) مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ، وَقد قَيَّدَ الشَّيْطَانَ أَلْفَ سَنَةٍ، بينما مَلَكَ المسيحُ له المجد، ومَلكَ معه القديسون في السماء وعلى الأرض.
الثانية (رؤيا 20: 4-10): وفيها قيلت «رَأَيْتُ» مرتين (رؤ 20: 4).
رأى الكهنة على عروشهم، يحكمون في مملكة المسيح على الأرض والشهداء والأبرار في السماء وعلى الأرض، يملكون معه الألف سنة (رؤ 20: 5-6)، ثم يُحَلُّ الشيطان في نهاية الألف سنة، قُبيل القيامة بقليل، ويُضِل المسكونة فتتجدد معركة «هَرْمَجَدُّونَ» بمعركة «جُوجَ وَمَاجُوجَ»، وَهِيَ آخر محاولة للشيطان يظن بها استعادة مملكته مستخدمًا ضد المسيح، فيُقيم حربًا على القديسين، ولكن الله يُنزل نارًا من السماء تُبيد الأشرار (رؤ 20: 7-8)، الذين أحاطوا بمعسكر القديسين وأورشليم المحبوبة (رؤ 20: 9) وهنا يُطرح الشيطان في جهنم مع الوحش والنبي الكذاب (مثلث الشر) إلى الأبد (رؤ 20: 10).
الثالثة (رؤ 20: 11-15): قيلت «رَأَيْتُ» مرتين (رؤ 20: 11-12)
رأى الربَّ الجالس على عرشه العظيم الأبيض في هيبة ورهبة فتهرب الأرض والسماء، وتحدُثُ القيامة العامة، والمجيء الثاني، وَتُصاحبه الدينونة العامة فيُسَلِّم البحرُ والموتُ (القبورُ) الأجسادَ التي فيهما، وتُسَلِّم الهاوية الأرواح التي فيها، فتحدث القيامة وتُفتح الأسفار ليُدان الكل بحسب ما هو مكتوب فيها، حيث يُلقىَ الأشرار بأجسادهم (الموت) وأرواحِهم (الهاوية) في بحيرة النار، هؤلاء غير المكتوبين في سِفْر الحياة. وهنا تبدأ الحياة الجديدة في السماء الجديدة والأرض الجديدة التي نلتقي بها في الإصحاح التالي (رؤيا 21).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
![]() |
يقول مار يوحنا الحبيب:
«وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ،
وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ.» (رؤيا 20: 1-3).
«وَ رَأَيْتُ» (رؤ 20: 1): Καὶ εἶδον
كلمة تكررت في هذا الإصحاح خمس مرات، وكونت ثلاث مناظر أو رؤى منفصلة متعاقبة، وهنا في المرة الأولى بدأت بحرف (و) فهي رؤيا جديدة تضاف للرؤى السابقة التي قدمناها في الإصحاحات السابقة.
«وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ» (رؤيا 20: 1)
ἄγγελον καταβαίνοντα ἐκ τοῦ οὐρανοῦ
ثلاث مرات يعلن فيها مار يوحنا أنه رأى: «مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ».
1. «رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ قَوِيًّا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مُتَسَرْبِلًا بِسَحَابَةٍ
وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ.» (رؤيا 10: 1)
2. «رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ
وَاسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ.» (رؤيا 18: 1)
3. «وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ... فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ.» (رؤيا 20: 1)
فمِنْ هذا الملاك العجيب الَّذِي تنطبق عليه هذه الصفات؟!
(أ) نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ. καταβαίνοντα ἐκ τοῦοὐρανοῦ
(ب) لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الجحيم لكي يفتحه ويُغلقه ويختم عليه.
(ج) لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الشيطان لِكَي يطرحه في الجحيم ويُقَيِّده ويَحُلَّهُ زمانًا يسيرًا.
أليس هذا المَلاَك هو مَلاَك العهد، الرب يسوع المسيح؟
(أ) فالمَلاَك نزل من السماء، والرب يسوع مَلاَك العهد نزل من السماء متجسدًا، ويقول القديس أوغسطينوس: أن المَلاَك النازل من السماء هو الرب يسوع المسيح الَّذِي أخرج الذين كانوا في الجحيم على رجاء، وقَيَّدَ إبليس لِكَي لا يكون له سلطان على المجاهدين على الأرض.
(ب) والمَلاَك له سُلْطَانٌ على الجحيم ليفتحه، والرب يسوع ملاك العهد عندما ارتفع على الصليب نزل إلى الجحيم من قِبَل الصليب، وأخرج الذين كانوا في السجن (الجحيم). سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا. فقد أخرج نفس آدم من الجحيم، كما أخرج النفوس التي كانت في الجحيم على رجاء الفداء: هابيل وإبراهيم وإسحق ويعقوب.
(ج) والمَلاَك لَهُ سُلْطَانٌ أن يُقيد الشَّيْطَانَ ويَحِلّه مِنْ سِجْنِهِ زمانًا يسيرًا، وأن يطرحه في بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، وهذا هو سلطان الرب يسوع المسيح وحده.
![]() |
هذا المَلاَك يصفه السِّفْر
ملاكًا آخَر ἄγγελον ἄλλον (رؤيا 10: 1؛ 18: 1).
والكلمة اليونانية تعني من نوع آخر غير الملائكة المعروفين، مثل
جبرائيل وَسوريال وميخائيل.
ملاكًا: قويًا ἰσχυρὸν له سلطان عظيم (رؤيا 10: 1؛ 18: 1).
أقوى من الملائكة وسلطانه أعظم من سلطانهم.
ملاكًا: متسربلًا بسحابة وعلى رأسه قوس قزح ووجهه كالشمس،
περιβεβλημένον νεφέλην متسربلًا بسحابة
καὶ ἡ ἶρι ἐπὶ τῆς κεφαλῆς αὐτοῦ وقوس قزح على رأسه καὶ τὸ πρόσωπον αὐτοῦ ὡς ὁ ἥλιος ووجهه كالشمس
واستنارت الأرض من بهائه. هل يوجد ملاكٌ تستنير الأرض كلها من بهائه؟!، ثم أن التشبيه بالشمس كان دائمًا للسيد المسيح «شمس البر» هذا الذي يتسربل بالسحاب فيخفي مجده دائمًا. وفي مجيئه الثاني سيأتي مع السحاب. نعم هو رب المجد، ولذلك قيل «ملاكٌ آخَر» غير الملائكة العاديين، إنه ملاك العهد نازلًا من السماء بالتجسد. فقد نزل الرب من سمائه متأنسًا على أرضنا لفدائنا.
«مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ» ἔχοντα τὴν κλεῖν τῆς ἀβύσσου
كلمة الهاوية أو الجحيم تعني حالة انتظار الأرواح الشريرة بعد الموت وحتى الدينونة. وكان الشيطان يخشى هذا الحبس في الهاوية. فقصة مجنون كورة الجدريين تُظهر كم كانت الشياطين (لجئون) خائفة من أن يرسلهم الرب إلى الهاوية (لوقا 8: 30-31) حيث يُحبَسون، وهذا ما حدث بعد الصليب حيث قيل «فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ... وَقَيَّدَهُ... وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ وَخَتَمَ عَلَيْهِ» (رؤيا 20: 2-3).
وقد قال الرب نفسه في بداية الرؤيا «وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤيا 1: 18)، فهل سلَّم المسيح له المجد المفتاح لهذا الملاك أم أن هذا الملاك هو ملاك العهد المسيح نفسه، الذي له سلطان «يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ» (رؤيا 3: 7)، فهو القاضي الأعظم الَّذِي يُحاكِم ويَحكُم على كل أحد، وقد وُصِفَ أن «مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ»، فهو «الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ.» (عب 2: 14).
καὶ ἅλυσιν μεγάλην ἐπὶ τὴν χεῖρα αὐτοῦ.
«وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ»: أو في يده، فحروف الجر في اليونانية تتسع لهذا. أما السلسلة العظيمة التي سيُقيَّد بها الشيطان ليست مادية؛ فالشيطان روح لا تُقَيده السلاسل المادية، إنما يُقَيِّده السلطان الإلهي أو الكلمة الإلهية، يُقَيِّد حركته وحريته وأفعاله ولا ينهيها بل يُقَيِّدها فقط. وقد قال سلسلة عظيمة لتقيد الَّذِي قيل عنه القوى: «أَمْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ إنْ لَمْ يَرْبِطِ الْقَوِيَّ أَوَّلًا وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ؟» (متى 12: 29). وما دام الشيطان يُقَيِّده السلطان الإلهي فهو يُفَك أيضًا أو يُحَل بالسلطان الإلهي (رؤيا 9: 14). وعبارة «على يده» أو في يده تعني تحت حُكمه.
فملاكٌ له سلطانٌ على الشيطان يُقَيِّده ويطرحه في الهاوية ويغلق عليه ويحله زمانًا يسيرًا ثم يضعه في جهنم إلى الأبد، لا يمكن أن يكون إلا ملاك العهد، المسيح الإله، ويوافقنا في هذا القديس أوغسطينوس في كتابه «مدينة الله»(129)، بأن النزول من السماء هو التجسد، فقد جاء الرب من السماء متجسدًا لفداء البشرية بالصليب الَّذِي من خلاله نزل إلى الهاوية (الجحيم)، وقبض على الشيطان وقيدَّه ألف سنة، وأخرج الذين ماتوا على رجاء الفداء منذ آدم وهابيل ونوح وإبراهيم... وإلى اللص اليمين، ولذلك قيل عن الرب (ملاك العهد) أن معه مفتاح الهاوية.
ما أبعد الفرق:
«وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ» (رؤيا 20: 1)
«فَرَأَيْتُ كَوْكَبًا قَدْ سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأَرْضِ وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ الْهَاوِيَةِ» (رؤيا 1: 9).
فالملاك النازل من السماء بإرادته وسلطانه، هو ملاك العهد المسيح إلهنا، ومعه مفتاح الهاوية أي له سلطان حقيقي على الهاوية، يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح.
أما الآية الثانية: فالكوكب جِسم مُعتم في ذاته، وقد سقط من السماء إلى الأرض. لم ينزل بإرادته بل أسقطه شره من السماء، هو سطانائيل الَّذِي كان كوكبًا منيرًا ملتصقًا بشمس البر المسيح إلهنا، وكان يعكس نوره، وعندما سقط بكبريائه انفصل عن الله (إيل) وأمسى سيطان، فالشيطان الساقط من السماء إلى الأرض ليس له سلطان على مفتاح الهاوية، ولكن أُعطيَ من قِبل الرب. وبُنيت الكلمة للمجهول لأن هذا العطاء ليس بالإرادة الإلهية بل سمح له الله به (Let it pass) فسقط بِشَرِّه إلى الهاوية، وأدخل إليها من يُسقطهم معه، ولذلك أُعطيَ المفتاح. وهذا الشيطان قيل عنه «وَلَهَا مَلاَكُ الْهَاوِيَةِ مَلِكًا عَلَيْهَا» (رؤيا 9: 11).
أما بِئْر الْهَاوِيَةِ: فحينما كان الحديث عن الرب ملاك العهد قيل: «مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ»؛ فهو سيفتح ويُخرِج بعض الذين فيها الذين ماتوا على رجاء. أما عندما كان الحديث عن الشيطان قيل أُعطي مفتاح بئر الهاوية، فالهاوية بالنسبة له بئر يسقط فيها ويُسقِط معه الآخرين، بئرٌ ليس له قرار، ثم يُغلِق عليه ويُختم عليه. (رؤيا 20: 3).
«فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ... الشَّيْطَانُ وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ» (رؤيا 20: 2)
القبض على الشيطان هو مُهمة ذلك الملاك العظيم النازل من السماء. فالشيطان كان كاروبًا من أسمى الطغمات الملائكية، وبعد سقوطه «دُعي إله هذا الدهر» (2 كو 4: 4). أما تقييد الشيطان فمعناه؟ أنه سلطانٌ إلهي يُقيِّد حركته وسُلطانه.
قصة مشابهة:
كانت قصة طوبيا وربْط الملاك روفائيل (رأفة الله) للشيطان؛ لِكَي لا يمنع عُرس طوبيا وسارة بنت رعوئيل (رعاية الله) (طوبيا 8: 3)، رمزًا لقصة ربط ملاك العهد المسيح له المجد للشيطان على الصليب الَّذِي يمثل رأفة الله بنا لِكَي لا يمنع عُرس الحمل الأعظم بالكنيسة.
رَأَى مار يوحنا المسيح له المجد ملاكًا نازلًا من السماء، وهذا هو التجسد، معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة في يده «فَقَبَضَ عَلَى... الشَّيْطَان وَقَيَّدَهُ.» وهذا ما حدث على خشبة الصليب إذ «نزل إلى الجحيم من قبل الصليب» (القداس الباسيلي) كما يشرح معلمنا القديس بولس الرسول «إنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلًا إلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى» (أف 4: 9) «فَإنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ (على الصليب) وَلَكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا (في الصليب) ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ.» (1 بطرس 3: 18-19) «إذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا... وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا ايَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ اشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ (في الصليب).» (كو 2: 14-15)
وهذا ما أخبر عنه رب المجد مُسْبقًا حينما قال: «رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ.» (لوقا 10: 18) «لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ قَوِيٍّ (الهاوية) وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ (نفوس الناس الذين قبض عليهم معه في الهاوية) إنْ لَمْ يَرْبِطِ الْقَوِيَّ (الشيطان) أَوَّلًا وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ (يأخذ بالقوة) بَيْتَهُ.» (مرقس 3: 27؛ متي 12: 29) «وَلَكِنْ إنْ كُنْتُ بِإصْبِعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ. حِينَمَا يَحْفَظُ الْقَوِيُّ (الشيطان) دَارَهُ (جسد الإنسان الَّذِي دخله الشيطان) مُتَسَلِّحًا تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (المسيح إلهنا) فَإنَّهُ يَغْلِبُهُ وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ الْكَامِلَ الَّذِي اتَّكَلَ عَلَيْهِ وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ» (لو 11: 20-22).
وهكذا كانت نتيجة تقييد الشيطان أنِ ازداد سلطان الإنسان عليه، ولذلك قال الرب لتلاميذه «هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُّوِ وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ.» (لوقا 10: 19).
صورة توضيحية للشيطان المُقَيَّد
يتصور البعض تقييد الشيطان يعني أنه لا يعمل شيئًا وكأنه انتهى ومات. والحقيقة أنه لا يزال موجودًا بكل شَرِّه ومحاولاته لإفساد البشرية، إنما قُيِّد سلطانُه فيعمل بِشراسَتِه ولكن في حدود. فهو كما وصفه معلمُنا القديس بطرس الرسول: «كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ.» (1 بطرس 5: 8) وقد قبض الرب على هذا الأسد وقيَّده بسلسلة عظيمة فأمست حركته في دائرةٍ محدودة، فقد وضع الرب له حدودًا لا يتعداها.
أما الإنسان فأعطاه الله حرية وأعطاه الوصية لِكَي لا يتعداها بإرادته وتركه حرًا قادرًا أن يطيع الوصية أو يعصاها فيأتي إلى الدينونة. فالإنسان قادرٌ أن يكسر وصية الله فيدخل بإرادته دائرة الشيطان المُقَيَّد فيفترسه، ويكون الإنسان مسئولًا لأنه سلَّم نفسه للشيطان بإرادته، فنحن نرى الإنسان بحريتِه يدخل إلى دائرة خطية معينة فيشرب منها الكأس الأول بإرادته، ويكررها فتضعُف إرادته حتى يصير عبدًا لها فـ(الخمر، السجائر، العادات السرية والرديئة، وغيرها...) يبدأها الإنسان بإرادته حتى تلتهمه الخطية ويفترسه الشيطان ويصير مُقَيَّدًا بتلك السلاسل إلى الأبد.
وإلى الشيطان المُقَيَّد أشار القديسان بطرس ويهوذا الرسولان قائلَيْن: «اللَّهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ.» (2 بطرس 2: 4)، «وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ.» (يهوذا 6).
هل الشيطان الآن مُقَيَّد؟
يتعجب الكثيرون إذ نقول أن الشيطان مُقَيَّد، ويتساءلون عن هذا السَّيل الجارف من الشر المنتشر في العالم والتَّرَدِّي في الفساد والشهوات والنجاسات بل والشذوذ الجنسي بين الناس بل وظهور عبادة الشيطان.
هل كل هذا والشيطان مُقَيَّد؟!
والإجابة: عندما كان الشيطان حرًا ماذا فعل؟ استطاع أن يُغرِق العالم كله في الفساد وعبادة الأوثان. ففي زمن نوح أسقط العالم كله ولم يتبقَّ إلا ثمانية أنفس، حتَّى «حزن الرب أنه عمل الإنسان... وتأسف في قلبه» (تك 6: 6)، وغضب وأهلك العالم بالطوفان وقال «أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته» (تك 6: 3). ولما عَمَّرَ الربُّ الأرض بهؤلاء الثمانية نوح وزوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم، هل ظلت أُسرة نوح بارة؟ كلا: سمعنا عن لعنة كنعان وفسادهم ولم يبقَ إلا أبونا إبراهيم حتى قال له الرب: «اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك.» (تكوين 12: 1) فذهب إبراهيم ومعه لوط ابن أخيه خوفًا عليه من عبادة الأوثان «ولم تحتملهما الأرض أن يسكنا معًا» (تك 13: 6). ورأينا الفساد اللانهائي الَّذِي وقع فيه أهل سدوم إذ اجتمعوا كلهم من الحدث إلى الشيخ وطلبا الملاكين اللذين ظنوا أنهما رجلان جميلان ليَفسَدوا معهما حتى أن لوطًا فكر في وسيلة أقل شرًا يمنع بها الشر الأكبر بأن يقدم للفاسِدِين ابنتيه العذراوتين. انظروا أي شرٍ وصل إليه العالم قبلما يُقيَّد الشيطان؟! ولم يجدِ الله طريقًا إلا أن يحرق سدوم وعمورة بالنار والكبريت فلم يُبقِ إلا رجلًا واحدًا هو لوط.
ثم ماذا؟ هل بقيت أسرة أبينا إبراهيم بارة؟ كلا فأنجب إسحق الَّذِي أنجب يعقوب وعيسو. وتزوج عيسو من بني حثِ فسقط في عبادة الأوثان. أما يعقوب فذهب إلى خاله لابان الَّذِي عبد الأوثان. فتركه يعقوب وسعى لابان خلفه قائلًا: «لماذا سرقتَ آلهتي» (تكوين 31: 30). وكانت راحيل زوجة يعقوب المحبوبة هي التي سرقت أوثان أبيها وخبأتها. وانجرف العالم إلى عبادة الأوثان، فاختار الرب أبناء يعقوب إسرائيل شعبًا له. ثم رأينا شر أبناء إسرائيل إذ تآمروا على يوسف أخيهم، وتمردوا على الله.
وَفِي زمن موسى النبي: عَبد العالم الأصنام ولم يبقَ إلا بنو إسرائيل وحدهم يعبدون الله. وصعد موسى الجبل يتكلم مع الله ويتسلم وصاياه على حجر، وتأخر هناك مع الرب، فقام الشعب على هارون الكاهن فصنع لهم عجلًا ذهبيًا وعبدوه قائلين: «هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر» (خروج 32: 4)، حتى «قال الرب لموسى اِذهَبِ انْزِل لأنه قد فسد شعبك... فالآن اترُكني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم» (خروج 32: 7، 10). وَفِي هذه اللحظة عبد العالم كله الأوثان إلا موسى الواقف أمام الله على الجبل، ولم يتبقَ إلا يشوع بن نون وكالب بن يَفُنَة.
وَفِي زمن إرميا النبي قال الله: «طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها هل تجدون إنسانًا. أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فأصفح عنها.» (إرميا 5: 1) هذه هي مدينة الله المقدسة «الكل قد زاغوا معًا وفسدوا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد.» (مز 14: 3)
وسليمان النبي الحكيم: أحكم أهل الأرض (1 ملوك 11) تزوجَ بِكثِيراتٍ وزوجاتُه ذبحن وبخرْنَ للأصنام فبنى المرتفعات لِآلهة الأمم، ولم يكن قلبه نحو الرب.
وَفِي زمن يرُبعام: دخل الشعب أرض الميعاد، وانتصر في عدة حروب وخضعت له الشعوب. وانقسمت المملكة إلى مملكتين: مملكة إسرائيل وتشمل عشرة أسباط يحكمهم يرُبعام وعاصمتهم السامرة، ومملكة يهوذا وتشمل سبطًا واحدًا وعاصمتهم أورشليم. وكان العشرة أسباط يأتون من السامرة ليسجدوا في هيكل أورشليم. وخاف يربعام لئلا ذهاب الشعب المتكرر لأورشليم يجعلهم ينحازون لمملكة يهوذا؛ فعمل لهم صنمين على جبل السامرة، وقال لهم: «هذه آلهتكم التي أخرجتكم من أرض مصر (1 ملوك 12: 28). فعبد الأسباط العشرة التي تكون مملكة إسرائيل الأصنام وبقى سِبطًا واحدًا يعبد الله، وهذا السِّبط بعد قليل سقط في عبادة الشيطان حتى صار الشعب المختار كله يعبد الأوثان في أيام أخاب الملك الشرير، وبلغ عدد الأنبياء الكذبة 830 نبيًا وغضب الرب وسلَّم شعبه للسَّبي.
وقبل أن يُقيَّد الشيطان، جاء الله وعاش بين البشر متأنسًا، وَ«جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ» (أع 10: 38) عاش بينهم ثلاثة وثلاثين سنة ونصف، جاء نورًا أضاء في الظلمة «وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ» (يوحنا 3: 19). وعَّلم الرب الناس في الهيكل وعلى الجبل وَفِي الحقول وعلى الشاطئ، وَفِي البيوت وَفِي الشوارع، وصنع المعجزات حُبًا ورحمة، وماذا كانت النتيجة؟ جاءت اللحظة التي هتف فيها الكل أمام بيلاطس: «أُصلبه أُصلبه»، حتى أقدسُ الناس الاثنا عشر رسولًا، كان واحدٌ منهم شيطانًا، وآخر أنكر ولعن، والباقون خافوا واختبأوا. وتَفرَّقَ كلُّ واحدٍ إلى خاصتِهِ وتركوه وحده وبعد هذا؟! قامت الجِبلة على جابِلها وحاكمَتْه، وأخرجوا القضيةَ أنه مذنبٌ يستحق الموت، وصرخوا في وَجهِه: «ليس لنا ملك إلا قيصر.»، لم يوجد واحد في الأرض كلِّها يقف ويقول هذا قدوسُ إسرائيل مخلص العالم، التلميذ الوحيد الَّذِي بقِيَ معه كان صامتًا مع العذراء غارقًا في دموعِه معها، وهِيَ يجوز في قلبها سيف، دون كلمة واحدة.
«فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ الَّذِي هُوَ إبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ»
«فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ»
(رؤيا 20: 2؛ 12: 9)
τὸν δράκοντα ὁ ὄφις ὁ ἀρχαῖος ὅς ἐστιν
هُوَ الَّذِي الْقَدِيمَةُ الْحَيَّة التّنِّينِ
Διάβολος καὶ ὁ Σατανᾶς الشَّيْطَانَ وَ إبْلِيسُ
هذه الألقاب الأربعة للشيطان ذُكِرت في (رؤيا 12: 9) وَفِي (رؤيا 20: 2) وبِنَفْس الترتيب:
التِّنِّين τὸν δράκοντα: وهو الشَّيْطَانَ في قسوته وَوحشيته وسلطانه على ممالك العالم.
الحية القديمة(130)ὁ ὄφις ὁ ἀρχαῖος : وَهِيَ الشيطان في حِيَلهِ ومَكْرِه، فهي «أحيل حيوانات البرية.» (تكوين 3: 1؛ 2 كو 11: 3)
إبليس Διάβολος: أي المشتكى والمُجَرب فهو «الكذاب وأبو كل كذاب» (يو 8: 44) كما يعرفه العالم بالاسم اليوناني.
الشيطان ὁ Σατανᾶς: اِسمه العِبري: «عَدو كُل بِر».
وقد وصف الشيطان بألقابٍ كثيرة «رئيس هذا العالم» (يوحنا 12: 21) و«رئيس سلطان الهواء» (أفسس 2: 2) و«إله هذا الدهر» (2 كو 4: 4).
«وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ.» (رؤ 20: 2) καὶ ἔδησεν αὐτὸν χίλια ἔτη
على خشبة الصليب بدأ المسيح ملكوته الألفي؛ «فالرب قد ملك على خشبة» (مزمور 95 صلاة التاسعة بالأجبية). بعد أن نزل إلى الجحيم وقَيَّد الشيطان، ذلك الَّذِي أتى كعادته ليقبض على روح المسيح كما كان يقبض على روح كل إنسان منذ آدم وهابيل ونوح وإبراهيم و... ولكن روح المسيح المتحدة بلاهوته قبضت على الشيطان وقيدته ألف سنة، ثم أخرج من الجحيم الذين ماتوا على رجاء.
قيَّد المسيح الشيطان بالصليب (مر 3: 27؛ يو 12: 31)، وأعطانا نحن أن نُقَيِّده بالصليب أيضًا. وقصص القديسين مليئة بعجز الشيطان أمام قوة الصليب، وهذه هي حكمة سر الميرون واستخدامه للزيت المقدس المختلط بأطياب وحنوط المسيح المصلوب الموضوع في القبر فيُرشم الإنسان بعلامة الصليب في كل منافذ الجسم فيُحَصنَ ويعجز الشيطان أن يدخل إلى الإنسان فيقف خارجًا مُقَيَّدًا يحاربه من الخارج.
لم يُقيَّد طبع إبليس ولا تغيَّر، بل قُيِّد سلطانه وقدرته. فهو لا يستطيع أن يملك على الإنسان ما لم يُسَلم الإنسان نفسه للشيطان.
«أَلْف سَنَةٍ»: قال القديس أوغسطينوس في كتابه مدينة الله: [إن الألف سنة ترمز لمدة مُلك المسيح في كنيسته المجاهدة على الأرض زمنًا كاملًا، في الفترة ما بين الصليب حيث بدأت مملكته، وإلى عصر ضد المسيح قُبيل المجيء الثاني حيث يُحَل الشيطان من سجنه.]
والمدة رمزية: «أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ.» (2 بطرس 3: 8)
ويشرح القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات الألف سنة: [بأن المسيح له المجد على الصليب، خلع الشيطان من سلطانه على البشر، ونفاه إلى الهاوية، قائلًا: «اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجًا» (يوحنا 12: 31). وهنا بدأت الألف سنة، وإلى ظهور ضد المسيح حيث يُحَل الشيطان مرة ثانية ويُعطِي قوته لهذا الدجال.]
والقديس أثناسيوس الرسولي في كتابه سيرة القديس أنطونيوس الكبير قال: [ظهر الشيطان مرة للقديس أنطونيوس منطرحًا أمامه ومستغيثًا قائلًا: ما هو ذنبي والناس يشتمونني كل يوم وينسبون كل شر يفعلونه هم إلىَّ، مع أني مُعتقلٌ مُقَيَّدٌ لا قدرة لي أن أُلزم أحدًا بِشَرٍّ. فلْيَلُوموا ذواتهم أولًا، فأنا أُشير عليهم فقط وهم يفعلون بإرادتهم.]
ويظن البروتستانت والسبتيون وشهود يهوه الذين يُلقَبُّون بالألْفيين؛ لأنهم جعلوا فِكرة الألف سنة العقيدة الهامة في حياتهم. وظنوا أن الكنيسة لابُد أن تعيش فترة من السعادة على الأرض، بعد موت الدجال. فيقوم الأبرار (وهذه هي القيامة الأولى) في نَظَرِهم، ويملكون على الأرض ألفَ سنة، يكون الشيطان فيها مُقَيَّدًا. فيَقِفُ الشر وتصير الأرض للرب ولمسيحه، ويتمتع المؤمنون مُتعةً أرضية، فيسكن الذئب والحمل معًا، والأسد يقوده طفل صغير. وبعد ما تنتهي الألف سنة يُحَل الشَّيْطَانُ ويُضِل ولو أمكن المختارين.
إنها فترة متعة أرضية لأبناء الله بين فترتين، الشيطان فيهما هو الغالب. وقد نادى البعض أن العالم سيبقى 6000 سنة يعقبها الألف سنة السابعة سبتُ راحةٍ لا شر فيها ولا حرب، ثم ينتقل الأبرار إلى السماء فتكون الألف الثامنة الجديدة أو السعادة الدائمة في أورشليم الجديدة! وهذا الفكر خاطئ لا يوافق إيماننا الأرثوذكسي.
ظهر لنبوخذ نصر الملك تمثالًا يرمز إلى ممالك العالم الأربع. وإذا بحجرٍ قد قُطع بغير يدين وضرب التمثال على قدميه فسحقهما. ثم صار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض، وهذا هو السيد المسيح الحجر الَّذِي رفضه البناؤون وقد صار رأس الزاوية وقُطع بغير يَدَين؛ فهو مولودٌ بغير زرع بشر. وضَرب ممالك العالم ثم صار جبلًا كبيرًا، فقد بدأ مملكته على الصليب التي امتدت وملأت المسكونة كلها. وسوف تُفنِي العالم أما هي «فتثبت إلى الأبد» (دانيال 2: 44؛ 7: 13-14، 27).
وهذه المواجهة بين ميخائيل وبين الشَّيْطَان هي المواجهة قبل الأخيرة؛ إذ تُذَكِّرنا بمواجهة بسبب جسد موسى النبي العظيم (يهوذا 9)، وكانت النتيجة أن انتصر ميخائيل على الشَّيْطَان، ودفن جسد موسى في الجواء (الوادي) في أرض موآب مقابل أرض فغور ولم يعرف أحد قبره.
«وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ» (رؤيا 20: 3)
καὶ ἔβαλεν αὐτὸν εἰς τὴν ἄβυσσον
وُطرح الشَّيْطَانُ في الجحيم أو الهاوية، وقيل عنه: «اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجا» (يوحنا 12: 21).
والْهَاوِيَة: ذُكرت في العهد الجديد 9 مرات. وتُسمى أيضًا الجحيم وباليونانية ἄβης أو ἄβυσσος. كما أُطلق عليها «أقسام الأرض السفلى» (أفسس 4: 9) وَهِيَ غير جهنم النار الأبدية. فهي حالة انتظار أرواح الأشرار فيما قبل الدينونة. وقد قيل عن الشَّيْطَان: «يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إلَى الْهَلاَكِ» (رؤيا 17: 8) بعد دينونته. وقيل أنهم «مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ» أي موجودين فيها إلى يوم الدينونة العامة.
وَهِيَ مكان الأرواح النجسة التي منها خرج ضد المسيح: «فَالْوَحْشُ الصَّاعِدُ مِنَ الْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا (الشاهدَيْن) حَرْبًا وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا» (رؤ 11: 7) و «الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إلَى الْهَلاَكِ» (رؤيا 17: 8) الأبدي وهو γεέννης أي جهنم وقد وردت 12 مرة.
«وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ وَخَتَمَ عَلَيْهِ.» (رؤيا 20: 3)
كان طرح الشَّيْطَان على ثلاث مراحل:
1. طَرح إبليس من السماء إلى الأرض (رؤيا 12: 8)
كان سطانائيل رئيس ملائكة من طغمة الكروبيم، ثم دخله الكبرياء فطُرح من السماء إلى الأرض، وهذا ما شرحه إشعيا وَحزقيال النبيان فقالا: «أَأَنْتَ أَيْضًا قَدْ ضَعُفْتَ نَظِيرَنَا وَصِرْتَ مِثْلَنَا؟ 11أُهْبِطَ إلَى الْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ،...12كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ،... أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. 15 لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إلَى الْهَاوِيَةِ، إلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ.... 19وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ... كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ» (إشعيا 14: 10-19).
«قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ. كُنْتَ فِي عَدْنٍ جَنَّةِ اللهِ... 14أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ،... 15أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إثْمٌ. 16بِكَثْرَةِ تِجَارَتِكَ مَلأُوا جَوْفَكَ ظُلْمًا فَأَخْطَأْتَ. فَأَطْرَحُكَ مِنْ جَبَلِ اللهِ وَأُبِيدُكَ أَيُّهَا الْكَرُوبُ الْمُظَلِّلُ مِنْ بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ. 17قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَ. أَفْسَدْتَ حِكْمَتَكَ لأَجْلِ بَهَائِكَ. سَأَطْرَحُكَ إلَى الأَرْضِ... قَدْ نَجَّسْتَ مَقَادِسَكَ بِكَثْرَةِ آثَامِكَ.. فَأُخْرِجُ نَارًا مِنْ وَسْطِكَ فَتَأْكُلُكَ.» (حزقيال 28: 12-18)
وهذا ما أشار إليه القديس بطرس الرسول: «لأَنَّهُ إنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ» (2 بطرس 2: 4) كما ذكره سِفْر الرؤيا فقال: «وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ. وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوُوا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ. فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ طُرِحَ إلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ.» (رؤيا 12: 7-9). لذلك قال السيد المسيح: «رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ» (لوقا 10: 18).
2. طرح إبليس من الأرض إلى الهاوية (رؤيا 20: 3).
عاش الشَّيْطَانُ على الأرض قبل خلقتنا، ولما خُلق الإنسان على الأرض وجدناه في انتظارنا، وهنا دخل في حرب مع آدم وحواء وأَسقط الإنسانية في نفس خطيئته: الكبرياء، حتى تجسد الرب على أرضنا وارتفع على خشبة الصليب، فقبض على الشيطان وقيَّدَهُ ألف سنة، وطرحه في الهاوية، وهذا ما ذكره سِفْر الرؤيا: «وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ.» (رؤيا 20: 1-3)
وهذا ما قاله الرب يسوع: «"اَلآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجًا. وَأَنَا إنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إلَيَّ الْجَمِيعَ". قَالَ هَذَا مُشِيرًا إلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ.» (يو 12: 31-33). فيشير الرب إلى صلبه الَّذِي به يُطرَح رئيس العالم (الشيطان) خارجًا (في الهاوية).
3. طرح إبليس من الهاوية إلى جهنم (رؤيا 20: 10)
ثم يُطرح إبليس من الهاوية إلى جهنم بحيرة النار والكبريت، وهذا ما يقدمه هذا الإصحاح من سِفْر الرؤيا: «وَإبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 20: 10). وهنا يقول القديس يهوذا الرسول في رسالته «الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ.» (يهوذا 6) وتنبأ الربُّ عن هذا فقال: «وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ.» (يوحنا 16: 11). وقال مار بطرس الرسول «لأَنَّهُ إنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ» (2 بطرس 2: 4).
«وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ» (رؤيا 20: 3):
καὶ ἔκλεισεν καὶ ἐσφράγισεν ἐπάνω αὐτοῦ
حَبَسَه في الجحيم وختم عليه، فالشيطان سيبقى مُقَيَّدًا لا يأخذ حريته. والسلطان الإلهي الَّذِي قيَّده سلطانٌ لا نهائي، وعبارات «أغلق عليه وختم عليه» مجازية؛ لأن الشيطان روح لا يُقيَّد بسلاسل ولا يُغلَق عليه بأبواب، ولا يُختم الغَلْق بأختام، إنما هذا يعني تقييد قدرته، فلا يقوى على أبناء الله ما لم يُسَلِّموا هم أنفسهم له، فهو مُقيَّد الحرية مُقيَّد السلطة طوال مدة الألف سنة.
«وَبَعْدَ ذَلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَانًا يَسِيرًا» (رؤيا 20: 3)
هذه المدة اليسيرة الصغيرة هي ثلاث سنوات ونصف، مُدة حُكم ضد المسيح، ثم يسمح الله بأن يُحَلَّ الشيطانُ زمانًا صغيرًا؛ لتظهر قُوَّتَه الخبيثة، ويَمتحِن صبر القديسين، ويُظهِر حب الله ورأفته بنا. فلم يترك الشيطان كل الزمن الماضي بكل قدراته، بل جعلنا نحاربُ شيطانًا مُقَيَّدًا ونغلب، وهذا يرسخ فينا الاتضاع. وهذا ما أشار إليه سِفْر الرؤيا «لأَنَّ إبْلِيسَ نَزَلَ إلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ، عَالِمًا أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلًا» (رؤيا 12: 12)، والزمان اليسير هو نصف الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال السبعين أي ثلاث سنين ونصف.
زَمَانًا يَسِيرًا: هذا هو أسلوب الرب دائمًا أن لا يحدد الزمان «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ» (أعمال 1: 7) و(1 تس 5: 1)، ولذلك عندما أشار إلى صلْبِه وترْكِه للعالم قال «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ» (يو 12: 35)، ولم يحدد هذا الزمان القليل. وَفِي خميس العهد قال «يَا أَوْلاَدِي أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ» (يو 13: 33).
«لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا 20: 3)
كان إبليس قد أغوى حواء (تك 3)، واستمر يُضِل الناس حتى قِيل «الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ.» (1 يو 5: 19) فأضَلَّ المسكونة وجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم في هرمجدون (رؤيا 16: 14). وكان التنين قبل أن يُقيَّد قد أضلَّ الأمم في أربعة أركان المسكونة بواسطة النبي الكذاب الَّذِي كان «يَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ، وَيُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ بِالآيَاتِ الَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ الْوَحْشِ» (رؤيا 13: 13-14). فهو إبليس «الكذاب وأبو الكذاب» (يوحنا 8: 44)، فيُضِل الأمم بإغراءاته وحيلِه وخداعِه وشرورِه.
«حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ» (رؤيا 20: 3)
تكرر هذا التعبير ست مرات في هذا الإصحاح (رؤيا 20: 2-7). وهناك رأي أن هذا التكرار يعني أن العالم يستمر ستة آلاف سنة وخلال السابعة تأتي النهاية.
ويُحَل الشيطان في نهاية الأيام، «إذ لِكَثْرَةِ الإثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ.» (مت 24: 12)، فالمسيح «لاَ يَأْتِي إنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلًا» (2 تس 2: 3). حتى قيل: «وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟» (لوقا 18: 8)
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
4 وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا.
وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ.
وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ،
وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ،
فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ.
5 وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ.
هَذِهِ هِيَ الْقِيَامَةُ الأُولَى.
6 مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى.
هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ
وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ (رؤيا 20: 4-6).
قال الله لآدم: «يوم تأكل من هذه الشجرة موتًا تموت». وأكل آدم ولم يَمُت في ذلك اليوم، بل بعد تسعمائة وثلاثين سنة. إذن فالموت هنا ليس موتًا جسديًا بل موتٌ روحيٌّ بالخطايا، والقيامة هي عودة إلى الحياة الروحية. وعلى الرغم من وجود تعبير: «القيامة الأولى» في سِفْر الرؤيا (رؤ 20: 5) إلا أن الكتاب المقدس لم يستخدم تعبير «القيامة الثانية» لكننا نستنتجه. يقول القديس أوغسطينوس(131):[القيامة الأولى هي قيامة النفس من الخطية، والثانية هي القيامة العامة من الموت في نهاية العالم]. ونحن نعلم أنه «بِإنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ إذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (أو بالذي جميعهم قد خطئوا فيه) (رومية 5: 12). وهكذا: «لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ» (1 كورنثوس 15: 22)، «وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا» (أف 2: 5) لذلك صارت الخطية موتًا وانفصالًا عن الحياة (الله)، فصارت المصالحة مع الله هي القيامة الأولى.
فالموت الأول هو موتٌ روحي، والقيامة الأولى قيامةٌ روحية بالمعمودية، فيها يأخذ الإنسان الحياة الجديدة، كما يقول الرسول «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أيْضًا مَعَهُ» (كو 2: 12) «وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ» (أفسس 2: 6). وَفِي إنجيل القديس يوحنا الحبيب قال الرب: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يوحنا 5: 25)، وبالطبع الأموات هنا الذين سمعوا صوت ابن الله (الآن) كانوا أمواتًا روحيًا بالخطايا، «وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» أي يقوموا القيامة الأولى بِعَودتهم إلى الله مصدر الحياة الحقيقي، «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أفسس 5: 11). فالابن الضال كان ميتًا فعاش، وملاك كنيسة ساردس له اسم أنه حي وهو ميت (رؤ 3: 1).
أما القيامة الثانية: فقال عنها السيد المسيح «تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة» (يو 5: 29). والموت الثاني هو الموت الأبدي أي الهلاك أي الانفصال عن الله.
«وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا.» (رؤيا 20: 4)
هذا هو السلطان الروحي للكهنة الأربعة والعشرين الجالسين على العروش يملكون مع المسيح على الأرض وهذا ما رأيناه في (رؤيا 4)
«وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ كَاهِنًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ.» (رؤيا 4: 4) وهؤلاء أعطاهم الرب حُكمًا في كنيسته: «كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ.» (متى 18: 18). يظُن البعض أن الجلوس على عروش للحكم سيكون بعد الألف سنة وهذا خطأ لأن هذا سيحدث خلال الألف سنة قبل القيامة الثانية (قيامة الأجساد) بدليل إنه بعد هذه العبارات يقول: «هذه هي القيامة الأولى» (رؤيا 20: 6).
فبالتالي تكون قبل القيامة الثانية والأخيرة قيامة الأجساد.
وهناك رأْي أن هذه الكراسي هي التي يجلس عليها أرواح الشهداء، والذين لم يسجدوا للوحش في الألف سنة يكونون كملائكة ينظرون إلى الله في السماء، ويتمتعون برؤيته دائمًا، ويُعطون الحُكم كقُضاةٍ يدينون العالم فيُجازونهم (بالقوة)، وَفِي يوم القيامة يجازونهم (بالفعل).
وَرَأَيْتُ نُفُوسَ(1) الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ
(2) وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا
السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ "(رؤيا 20: 4)
ونلاحظ هنا أن الشهداء رقم (1): هم الشهداء في كل العصور.
والشهداء رقم (2): هم الشهداء في زمن ضد المسيح.
فهناك ثلاث مجموعات:
مجموعة الجالسين على العروش وأُعطوا حُكمًا.
مجموعة الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ.
مجموعة الَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ (رؤيا 20: 4) وهذه:
1. الآباء الرُّسل الذين وعدهم الرب بالجلوس على العروش: «مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إسْرَائِيلَ الاِثْنَيْ عَشَرَ.» (متى 19: 28) ومار بولس يقول: «ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ» (1 كورنثوس 6: 2).
2. الشهداء: «الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ.» (رؤيا 20: 4) «الَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤيا 1: 2) «مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤيا 1: 9)
«الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤ 12: 17)
«رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ» (رؤيا 6: 9).
وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا: فهم إذن في الفردوس على عروش، والموت ليس نهاية الحياة بل بداية مُلك مع المسيح في السماء.
3. الذين لم يسجدوا للوحش الذي: «يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإلَهٍ مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إلَهٌ.» (2 تس 2: 4).
وهذه المجموعات الثلاث تنقسم إلى نوعين، كل نوع يبدأ بكلمة ورأيت: النوع الأول: «ورأيت عروشًا فجلسوا عليها وأُعطوا حكمًا»، وهؤلاء هم الكهنة الأحياء على الأرض يحكمون بسلطانهم الكهنوتي في مملكة المسيح على الأرض أي الكنيسة.
والنوع الثاني: «رأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله»، وهؤلاء هم الشهداء من القديسين وخدام الكلمة خلال غربتنا في العالم، وشهداء زمن ضد المسيح.
لذلك حينما يُقال ملكوا مع المسيح فهذا المُلك كائنٌ في السماء وعلى الأرض «ليأتِ ملكوتك... كما في السماء كذلك على الأرض» لذلك فالآباء الرسل ثم الآباء الرسوليون والبطاركة والأساقفة والكهنة قد جلسوا على عروش وأُعطوا حُكمًا على الأرض، أما الشهداء والقديسون فنفوسهم تملك مع المسيح في الفردوس. فمملكة المسيح الألفية بدأت من الصليب الَّذِي عليه ملك الرب علينا على الأرض، كما على نفوس الذين أخرجهم من الجحيم وفتح لهم الفردوس ليملكوا معه في الفردوس. يقول القديس إمبروسيوس إجابة على التساؤل "من هم الذين عاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة"؟ [هؤلاء هم نفوس الأبرار والشهداء الذين لم يسجدوا للوحش مع نفوس الشهداء في زمن دومتيان في عهد يوحنا الحبيب، هذه النفوس وإن كانت مائتة في نظر الأشرار إلا أنها حية مع المسيح وملكوا معه الألف سنة التي بدأوها على الأرض وتستمر في الفردوس إلى يوم القيامة حيث يقومون بجسد ممجد ويملكون مُلكًا أبديًا، أما الذين تابوا وقاموا القيامة الاولى «لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ» (رؤيا 20: 6). هؤلاء جميعًا ملكوا مع المسيح. فكل مجموعة من الثلاثة عاشت فترة من الألف سنة].
«فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ. (رؤيا 20: 4)
«وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ. (رؤيا 20: 6)
السيد المسيح هو الملك قال عنه المزمور: «كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك» (مزمور 45: 6-7) والذين يحيون معه إلى النهاية ينالون الحياة الأبدية بإيمانهم به ويملكون معه «إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه» (2 تى 2: 12).
«وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ.
هَذِهِ هِيَ الْقِيَامَةُ الأُولَى.» (رؤيا 20: 5)
في مَثَل الابن الشاطر قال الرب: «لأَنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ.» (لوقا 15: 24) وأكمل سِفْر الرؤيا: «فعاش» (قام) وملك مع المسيح ألف سنة، وفهِمْنا أن الخطية موت «لأن أجرة الخطية هي موت»، والتوبة قيامة لأنها عودة إلى الله (الحياة) «لي الحياة هي المسيح» «كان ميتًا فعاش» فهَذِهِ هِيَ الْقِيَامَةُ الأُولَى. أما الابن الأكبر الَّذِي «له اسم أنه حي وهو ميت» ويحيا في بيت الأب بروح العبيد، فهذا قال عنه سِفْر الرؤيا «وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ» (رؤيا 20: 5). فالذين لم يتوبوا ظلوا موتى كل حياتهم حتى تتم الألف سنة (مدة هذا العالم).
هناك فكرة مستوحاة من دمْج حديث القديس يوستينوس الشهيد(132)، مع القديس إيرونيموس (جيروم) في شرح (مز 89: 4)، والقديس أوغسطينوس في كتابه مدينة الله، نعرضها باختصار:
العالم سيبقى ستة آلاف سنة، وَفِي الألف السابعة ستكون القيامة. فالعالم خُلق في ستة أيام وَفِي السابع استراح الله.
والآباء آدم وَشيث وأنوش ومتان ومهللئيل ويارد ماتوا، وعند أخنوخ السابع من آدم انتقل إلى السماء، وهذا يعني أن الألف السابعة تنتقل الكنيسة إلى السماء.
تكررت كلمة الألف سنة ستة مرات فيبقى العالم ستة آلاف سنة وخلال الألف السابعة تكون القيامة.
الشريعة الطبيعية استمرت 2000 سنة من آدم إلى إبراهيم، وشريعة الختان التي بدأت بإبراهيم وسُجلت في عهد موسى النبي استمرت 2000 سنة، هكذا الشريعة المسيحية تستمر 2000 سنة وَفِي الألف السابعة تكون القيامة أو الراحة.
ولكننا في النهاية نختم بقول السيد المسيح: «وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ.» (مرقس 13: 32) وقوله: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ» (أعمال 1: 7).
«مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى.
هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ» (رؤيا 20: 6).
طوبى لمَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى، وهي قيامتنا في المسيح خلال سر المعمودية. ففيها مُتنا ودُفِنَّا مع المسيح، ثم أَقَامَنَا مَعَهُ- في ولادة جديدة وَحياة جديدة- وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. (أفسس 2: 6).
وتمتد المعمودية بحياة التوبة، وهي قِيَامَةِ بمعنى مجازي؛ لأن الخطية موت، فالتوبة قيامةٌ وامتداد لِسِر المعمودية بمعنى أن دموع التوبة معمودية ثانية. عن هذه الْقِيَامَةِ يقول مار يوحنا: «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى.»
أما الْقِيَامَة الثانية: فهِيَ الْقِيَامَة العامة للأبرار والأشرار، عودة الروح للجسد، فيقوم جسدًا ممجدًا، ويصعد إلى السماء، قال أيوب النبي: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ، وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ» (أي 19: 25-27)، «فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ.» (متى 22: 30).
«لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا فَإنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.» (يوحنا 5: 28-29)
«وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. 34ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ... ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،... فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (متى 25: 31-46).
«وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. 13وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. 14وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي. 15وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.» (رؤيا 22: 12-15)
إذن فالقيامة الأولى خلال الألف سنة، وَهِيَ قيامة إرادية للأبرار، أما الْقِيَامَةِ الثانية فهي بعد الألف سنة بقليل، وهي قيامة عامة للدينونة، للأبرار والأشرار معًا.
الألف السَّنة بين القيامتين: [عبارة يقولها السبتيون وشهود يهوه وبعض البروتستانت بِفِكرهم، ونقولها نحن بفكر مختلف].
فتبدأ بالْقِيَامَةِ الأولى (قيامتنا الروحية بالمعمودية وامتدادها التوبة) إلى قُبيل الْقِيَامَةِ الثانية العامة ببداية ضد المسيح، في نهاية العالم.
وهناك موتان، توضحهما: قصة التَلمِيذِ الذي قَالَ للرب: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلًا وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ» (متى 8: 21-22) وقد قدم الرب النوعَيْن:
الموت الاول في «مَوْتَاهُمْ»: الموت المادي بمفارقة الروح عن الجسد.
والموت الثاني: في «الْمَوْتَى»: وتعني الموت الروحي بالبعد عن الله وَالحياة الشريرة، وهو الموت الأبدي (رؤيا 20: 14).
«بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَالْمَسِيحِ» (رؤيا 20: 6)
هذه الآية تثبت لاهوت المسيح؛ لأن كهنة الله هم كهنة المسيح، فالمسيح إذَن هو الله. والكاهن والذبيحة والمذبح والهيكل هذه كلها وحدة واحدة مرتبطةٌ تُنسب لله، فإذا نُسِبَت للمسيح يكون المسيح هو الله.
«وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ.» (رؤيا 20: 6)
«كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك.» (مزمور 45: 6-7) «إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه.» (2 تى 2: 12).
![]() |
«ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ» (رؤيا 20: 7)
هذه الآية يُمكن أن تَلِي الفقرة الأولى (رؤيا 20: 1-3) أي يأتي عدد 7 مكملًا لعدد (رؤيا 20: 3)، فالأعداد (رؤيا 20: 4-6) خارج تَتابُع الأحداث ويمكن تأجيلها.
مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ التي كان الشيطانُ مُقَيَّدًا فيها، وأبناء الله يملكون مُلكًا روحيًا مع المسيح، الَّذِي بدأه على خشبة الصليب، يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، في نهاية الألف سنة، قبيل يوم القيامة، ويُحَل الشيطان فيأخذ حريته، لعل الله يريد أن يعطيه فرصته الأخيرة قبل دينونته فيعمل بكل قوته وشرهِ، ويأتي ضد المسيح الَّذِي يعطيه إبليس كل سلطانِهِ وقوتهِ فيُضل ولو أمكن المختارين، «لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا» (متى 14: 14).
يُحَلُّ الشيطان زمانًا يسيرًا، قال عنه دانيال النبي: «إلى زمان وزمانين ونصف... وأنا سمعت وما فهمت... فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مَخْفية ومَخْتومة إلى وقت النهاية... ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يومًا» (دانيال 12: 7-12) «وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ.» (متى 24: 22)
«وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، «لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ.» (رؤيا 20: 8)
«وَيَخْرُجُ الشيطان من الجحيم لِيُضِلَّ الأُمَمَ: فلا زال مستمرًا في شَرِّهِ وعناده، ومنذ البداية وهو يحاول أن يُضِل جميع الأمم، وقد قُيِّد ألف سنة «لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا 20: 3) وعندما حُلَّ من سجنه قُبيل النهاية رجع إلى شَرِّهِ الأصيل وبدأ يُضل جميع الأمم.
«الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ»: مع أن الأرض كروية وليس لها أَرْبَعِ زَوَايَا، ولكن هذا وصف رمزي معنوي، فالمعروف أن رقم أربعة هو كمال المكان، أي الأمم في كل مكان من شمال المسكونة إلى جنوبها ومن مشارق الشمس إلى مغاربها، فالعبارةُ تعني أن الشيطان يعمل في كل اتجاه وَفِي كل أمة في أنحاء المسكونة كلها. ثُم يدخل في حرب:
«جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ.» (رؤيا 20: 8)
«جُوجَ وَمَاجُوجَ»: اِسمان عبريان، جُوجَ معناه مرتفع وهو من نسل رأوبين الابن البكر ليعقوب إسرائيل (1 أيام 5: 3-4)، أما مَاجُوجَ فهو الابن الثاني ليافث ابن نوح (تكوين 10: 2؛ 1 أيام 1: 5). أما أرض جُوجَ، وأرض مَاجُوجَ، فهناك رأيان:
1. استخدم حزقيال النبي هذا التعبير ليرمز إلى القوة القاسية التي تجمعت ضد شعب الله (حزقيال 38) وترمز للشعوب المتجمعة ضد الكنيسة (رؤيا 20: 8).
2. «جُوجَ وَمَاجُوجَ»: بلاد عربية أو تتارية، مَلِكُهم هو أحد الملوك العشرة. قال حزقيال النبي: «يا ابن آدم اجعل وجهك على «جُوجَ أرض مَاجُوجَ رئيس روش (روسيا)، ماشك (موسكو) وتوبال» (حز 38: 2) لذلك قيل أن جُوجَ وَمَاجُوجَ هم شعوب روسيا وَالصين والمعركة بينهما باسم «هَرْمَجَدُّونَ» (رؤيا 16: 16). أما القديس أوغسطينوس فاعتبرها حرب روحية لاختبار القديسين وصبرهم وأمانتهم، فضد المسيح يستخدم تابعيه بقوتهم القاسية العنيفة ليُضل القديسين عن الإيمان، ولكن الله يُرسل معونته نارًا من السماء تحرقهم، إما بالمعنى المادي أو الروحي. فالروح القدس الناري يحرق ضلالهم وينصر الإيمان المستقيم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
«لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ.» (رؤيا 20: 8)
أضل الشيطان الأمم ليجمعهم للحرب فسيجتمعون في أورشليم ويحاربون أبناء الله تحت قيادة النبيَّيْن. وكأن رحلة الشيطان خلال الثلاث سنوات والنصف منذ يُحَل إلى دينونته الأبدية في جهنم كما يلي:
1. يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ (رؤيا 20: 7)
2. يَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ (رؤيا 20: 8)
3. يَجْمَعَ الأمم الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ (رؤيا 20: 8)
4. يزحف بجيوشه ويحيط بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ وَبِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ (رؤ 20: 8)
5. تنزل نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَتأكُل الأشرار فتُنهي الحرب (رؤ 20: :9)
6. يُطرح إبْلِيسُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ للعذاب الأبدي (رؤ 20: 10)
«فَصَعِدُوا عَلَى عَرْضِ الأَرْضِ، وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ وَبِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ.» (رؤيا 20: 9)
صَعِدُوا عَلَى عَرْضِ الأَرْضِ: هو تعبير مساوٍ لعبارة «أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ»، فقد جمع الشيطان جيوش الأرض كرمل البحر ضد مُعَسْكَر الْقِدِّيسِين. وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ، أبناء الله الذين هربوا من ضد المسيح وشره، وعسكروا حول الشاهدين يستمعون إلى تعليمهم.
كما أَحَاطُوا «بِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ» أورشليم الأرضية أو الكنسية عروس المسيح، التي دعاها حزقيال النبي صُرة الأرض (حزقيال 38: 12) مقابل بابل رمز الأشرار والإمبراطورية الرومانية الشريرة.
«فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ.»: (رؤيا 20: 9)
إذ تدخل الله سريعًا «الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون» (خروج 14: 14)
فإذا كان الأشرار «جُوجَ وَمَاجُوجَ» بعددهم الكبير كرَمْلِ الْبَحْر تحت قيادة الشيطان قد أَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ وَبِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ أورشليم ليهلكوهم، لكن الرب لاَ بُدَّ أن يتدخل دفاعًا عن أبنائه، فَيُنزل نَارًا مِنْ السَّمَاءِ وَتأَكلهُمْ، مثلما حدث في قصة الشاهدَين «وَإنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا» (رؤيا 11: 5)، الفرق أنه في (رؤيا 20) تنزل النار مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وتأكلهم، أما في (رؤيا 11) فإن النَار تَخْرُجُ مِنْ فَمِ النبيين الشاهدين وَتَأْكُلهُم وَهِيَ نار الروح القدس التي تُلهب القلوب فيستمعون إليها كنار يوم الخمسين، وأن كان ضد المسيح في خداعه يريد دائمًا أن يُمثل الرب (رومية 11: 26). فالوحش الثاني أراد أن يجعل الناس يسجدون للوحش الأول، فصنع معجزة تشبه في مظهرها المعجزات الإلهية فـ«يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ» (رؤيا 13: 13) النار الإلهية حقيقية أكلت الاشرار، مثل النار التي أنزلها إيليا النبي مرتين وأكلت الخمسين وقائدهم (2 ملوك 1: 9-12)، أما نار الشيطان فظهرت فقط قدام الناس مجرد ظهور.
«وَإبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُم طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ» «حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 20: 10)
على الرغم أن سِفْر الرؤيا قال عن الشيطان: «فَالْوَحْشُ الصَّاعِدُ مِنَ الْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا حَرْبًا وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا.» (رؤيا 11: 7)، وقال «وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ.» (رؤيا 13: 7)، إلا أن المعركة بين إبليس والوحش والنبي الكذابوبين أبناء الله انتهت بهزيمة الشر والشرير وانتصار الله في قديسيه. فقد أكلت النارُ الإلهية الأشرارَ الذين أَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ وَبِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ أورشليم، والآن سيُنهي الله الشر بمجازاة إبليس ذاته فيقول:
«وَإبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ.» ونحن نعرف أن إبْلِيسُ طُرِحَ أولًا من السماء إلى الارض، ولكن الآن طُرِحَ إلى البحيرة المتقدة نارًا إلى الأبد (رؤ 20: 10).
وشرَحَ سِفْر الرؤيا هذا الموضوع بالتفصيل حينما قال: «وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ. وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوُوا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ. فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ طُرِحَ إلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ.» (رؤيا 12: 7-9)، وظل الشيطان يحارب الإنسان على الأرض حتى جاء الرب (ملاك العهد) متجسدًا ومصلوبًا «فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّين... وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ.» (رؤيا 20: 2-3). وعلى الرغم من تقييد الشيطان إلا أنه كان يعمل في الحدود التي يسمح بها الله، والآن يُحدثنا السِّفْر عن نهاية العالم حيث «طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ... إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.» (رؤيا 20: 10). وقال مار بولس الرسول: «فَإنَّ مُصَارَعَتَنَا...مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ» (أف 6: 11-12).
وعندما تنتهى الألف سنة قُبيل القيامة بقليل: «يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ- في كل الأرض- الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ» (رؤيا 20: 8). ثم يُدخِلهُم في حرب مع القديسين ولكن الله يتدخل سريعًا «فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ.» (رؤيا 20: 9) وطُرح إبليس في جهنم إلى الأبد مع الوحش والنبي الكذاب اللَّذَين كانا قد طُرحا من قَبله (رؤيا 19: 20).
«وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.» (رؤيا 20: 10)
هذا العذاب الدائم (نهارًا وليلًا)، الأبدي (إلى أبد الآباد). وكما صنع الإنسان الشر بالروح والعقل والنفس والجسد، هكذا سيكون عذاب الأشرار. وقد سبق أن تكلمنا عنه في الإصحاح السابق (رؤيا 19: 20).
ويقول الرب لهم: «اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (متى 25: 41)، وهناك تعبيرات كتابية تشرح هذا العذاب مثل: «الظلمة الخارجية، البكاء وصرير الأسنان، النار التي لا تُطفأ والدود الذي لا يموت»، كلها تشرح أنواع العذاب للإنسان كله روحًا وعقلًا ونفسًا وجسدًا.
![]() |
«ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!» (رؤيا 20: 11).
«ثُمَّ رَأَيْتُ» (رؤ 20: 11-12): تكررت مرتين وتدل على أنها رؤيا جديدة مستقلة، وهذا هو عرش الله، عرشٌ عَظِيمٌ يتناسب مع عظمة الله وجلاله. ووصفه أنه «عَرْشٌ عَظِيمٌ أَبْيَضٌ»، ليُفَرق بينه وبين العروش التي جلس عليها الآباء الرسل، وذُكرت في بداية الإصحاح: «وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا» (رؤيا 20: 4). كما وُصِف هكذا ليُقدم لنا الصورة المهيبة والرهيبة التي ستكون عليها الدينونة. «لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا.» (2 كورنثوس 5: 10).
وهو «عَرْشٌ عَظِيمٌ أَبْيَضٌ»: يتناسب مع الجالس عليه الَّذِي «لباسه أبيض كالثلج» (دانيال 7: 9) أو «ثيابه بيضاء كالنور» (متى 17: 2) رمزٌ للنقاء والقداسة، فالجالس عليه هو القدوس، ولِتُقدمَ لنا صورة القداسة التي عليها ستكون الدينونة، دينونةٌ تتناسب مع قداسة الله وعدالته.
«وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ (رؤيا 20: 11)
لا شكَّ أن الجالس عليه هو الرب يسوع الديان العادل، فقد قيل: «الآبُ لاَ يَدِينُ أَحَدًا بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ» (يوحنا 5: 22). ومار بولس يتكلم عن الرب الَّذِي: «يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ» (2 تي 4: 1)، ويصف هذه الدينونة القديس متى فيقول: «مَتَى جَاءَ ابْنُ الإنْسَان فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ... فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ... ثُمَّ يَقُولُ... تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (مت 25: 31).
وواضح أن الدينونة للجميع: الأحياء والأموات (2 تى 1: 4)،
الأبرار والأشرار (متى 25: 46).
«الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ» (رؤيا 20: 11).
فلا القديسون الذين انتقلوا إلى السماء، ولا الأحياء الذين على الأرض قادرون أن يتشفعوا للمغفرة والرحمة في وقت الدينونة العادلة.
«الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ»: من وجه الجالس على عرشه، من حضرته كالقاضي العادل، فرَهبته أرعبت الأرض والسماء، وقد ذُكرت الأرض قبل السماء، ليُظهِر أن السماء هنا تعني سماء هذه الأرض، سماء الجَلَد وسماء النجوم التي قيل عنها:
«السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ» (2 بط 3: 7).
«هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ»: «سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا.. يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ.» (2 بط 3: 10، 12).
«السَّمَاءُ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا 21: 1)، «وَكُلُّ جَزِيرَةٍ هَرَبَتْ، وَجِبَالٌ لَمْ تُوجَدْ.» (رؤيا 16: 20).
«السموات الجديدة والأرض الجديدة التي أنا صانع تثبت أمامي يقول الرب» (إشعيا 66: 22)، (متى 24: 35).
«هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ: وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ» (رؤيا 20: 11)
فستنتهي الأرض وما عليها، وتنتهي سماواتها (سماء الجلد وسماء النجوم)، كما يقول داود النبي: «من قِدَمٍ أسست الأرض، والسموات هي عمل يديك، هي تبيد وأنت تبقى، وكلها كثوب تبلى، كرِداء تُغيرهن فتتغير» (مزمور 102: 25-26).
«وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ،
وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ،
وَدِينَ الأَمْواتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.» (رؤيا 20: 12)
«وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ»: الذين ماتوا ثم قاموا ووقفوا أمام الديان العادل.
«صِغارًا وَكِبارًا» (رؤيا 11: 18؛ 13: 16، 18؛ 19: 5؛ 20: 12)
من حيث السن ومن حيث المركز، الكُل سيُدانون.
«وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ»: هؤلاء الذين قيل عنهم: «وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْحَمَلِ» (رؤيا 6: 15-16) وما استطاعوا أن يختبئوا، بل صاروا واقفين أمام الله.
«وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ»: يحدثنا القديس جيروم (إيرونيموس) عن هذه الأَسْفَار، كما يشير إليها دانيال النبي: «فَجَلَسَ الدِّينُ وَفُتِحَتِ الأَسْفَارُ» (دانيال 7: 10). ووصْفُ الأَسْفَار بالجمع معناه تسجيل الأعمال الصالحة والشريرة لكل فرد. وَقيل سِفْر الحياة بالمفرد وهو الَّذِي به أسماء القديسين، أما انفتاح الأسفار فهو انفتاح عقلي للبشر بالقوة الإلهية، فيروا كل أعمالهم بلا نسيان الأعمال والأفكار، فدينونة الله تشمل حياة الإنسان كلها، قيل قديمًا: «ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم» (تك 6: 10) بل سيدين الله أسرار الناس ففي «اليوم الأخير الذي فيه يدين الله سرائر الناس» (رو 2: 16) وكلماتهم «إنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ» (متى 12: 36). وفتْحُ الأَسْفَار يُعطي حزنًا وندما ويأسا للأشرار. كما يُعطي فرحًا وسلامًا ورجاءً للأبرار.
«وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ" (رؤيا 20: 12)
ودُعيّ سِفْر الحياة(133)(والحياة هي المسيح) نسبة لحياة الرب يسوع بالجسد التي هي المقياس الَّذِي ستُقاس به الأعمال.
«وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ (رؤ 20: 12)
«وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ (رؤ 20: 13)
«وَدِينَ الأَمْوَاتُ»: ستنكشف أعمال الناس أمامهم. وبالقدرة الإلهية يتذكر كل إنسان كل أعماله طول حياته في لحظة ويراها بدقة أمامه. فيخزى ويرتعب، ويتمنى أن يختفي من أمام الديان ولكن من يستطيع؟! وهكذا يوضع في جهنم النار الأبدية.
أما الأبرار فتبدأ سعادتهم بأن تنكشف حياتهم المقدسة وأعمالهم البارة بعد أن يكون الرب قد مسح كل خطاياهم التي تابوا عنها، وغَسَّلوها بدم الحمل بِسِرَّيِّ التوبة والاعتراف والإفخارستيا. فيدخلوا إلى المجد مع إكرام الرب لهم. هذه هي الدينونة العامة لكل البشر والتي قيل عنها «وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ.» (عب 9: 27)
«مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَار»: لذلك قال الرب: «افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ» (لوقا 10: 20).
«بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ»: هل يوجد دليل أعظم من هذا على أهمية الأعمال الصالحة، أن الدينونة ستكون حَسَبِ الأَعْمَالِ. «وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ.» (رؤيا 2: 23)(134)
«وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ.» (رؤيا 20: 12)
هذه هي القيامة التي يمكن تسميتها القيامة الثانية باعتبار أن القيامة الأولى هي المعمودية وامتدادها التوبة.
فمتى يمكن أن نرى الأَمْوَاتَ وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ؟ أليس في الدينونة العامة بعد القيامة العامة (للصِغَار وَالكِبَار)؛ ليحاسَبوا بما هو مكتوب في الأسفار؟ نعم فقد قيل عن القيامة العامة للأبرار والأشرار معًا: «فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.» (يوحنا 5: 29). كما قيل «كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي» (دانيال 12: 2).
إلا أن الحديث لاَ بُدَّ أن يتناول قيامة الأبرار على حِدَةٍ، وقيامة الأشرار على حِدَةٍ لأن الطريق الَّذِي سيسلك فيه كل فريق غير الآخَر.
ونُلَخِصُ الحديث عن قيامة الأشرار للدينونة كالآتي:
وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ.» (رؤ 20: 12)
وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.»
وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ.» (رؤ 20: 13)
وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ(135) الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا.» (رؤ 20: 13)
«وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ
فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ.» (رؤيا 20: 13)
هناك تعبيران عن الدينونة: جماعية وفردية.
«وَدِينَ الأَمْوَاتُ... بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.» (رؤيا 20: 12)
«وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِه.» (رؤيا 20: 13)
وهذا ما نراه في باقي الأسفار:
«اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ.» (متى 25: 41)
«لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ.» (2 كو 5: 10)
«بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ» (رؤيا 20: 12)، «بِحَسَبِ أَعْمَالِه» (رؤيا 20: 13).
فالشر مستويات:
«سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ.» (متى 10: 15) أفضل من المدينة التي تَرفُض رُسُل المسيح.
«إنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا يَوْمَ الدِّينِ مِمَّا لَكُمَا» (متى 11: 22) أي أكثر احتمالا من كورزين وبيت صيدا التي صنع فيهما الرب أكثر معجزاته (متى 11: 20) ولم تَتُب.
«وَسَلَّمَ الْبَحْر الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيه.» (رؤ 20: 13)
«وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا.» (رؤ 20: 13)
سَلَّمَ الْبَحْر أجساد من ماتوا فيه
سَلَّمَ الْمَوْتُ (قبور الموتى بكل نوع) الأجساد التي فيها.
سَلَّمَت الْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِا أي سلمت الأرواح التي فيها.
إذا كان الموت هو انفصال الروح عن الجسد،
فالقيامة هي عودة الروح إلى الجسد.
والقيامة تحدث كقول مار يوحنا الحبيب في إنجيله: «تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو 5: 38-39)
فالمسيح له المجد له «مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤيا 1: 18).
«وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ»: عبارة احتراسية لئلا يتشكك أحد من أن الذين ماتوا غرقًا وأكلتهم الحيتان الضخمة وهضمتها لن تقوم أجسادهم! وهكذا الذين دُفنوا في التراب وتحللت أجسادهم أو احترقوا بالنار. ولكن الله بقدرته سيقيم هؤلاء وأولئك، ويجمع أجسادهم سواء من البحار أو التراب وتعود أرواحهم من الهاوية أو الفردوس؛ فأرواح القديسين في الفردوس قائمة دائمًا، وهكذا تحدث القيامة العامة للأبرار والأشرار ليقفوا أمام الديان العادل.
الْبَحْرُ يمكن فهمه بالمعنى المادي فيصير معنى «وَسَلَّمَ الْبَحْر الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيه» أي الذين ماتوا غرقًا، والمعنى الثاني هو أن الْبَحْر إشارة للعالم.
«وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِه» (رؤيا 20: 13)
«وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي.» (رؤيا 12: 14)
«وَطُرِحَ الْمَوْتُ» أي ما في القبور والبحار من أجساد.
وَالْهَاوِيَةُ أي ما في الهاوية من أرواح. فقام الأشرار بأجسادهم وأرواحهم ودينوا وَطُرِحَوا فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ الأبدية أو جهنم. وهَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي أو الْمَوْتُ الأبدي والعذاب اللانهائي.
«وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.» (رؤيا 20: 15)
والآيات تُقدم الرب الجالس على عرشه كالديان العادل وقد بدأ دينونته:
«وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ... وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ (رؤ 20: 12)
«وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ.» (رؤيا 20: 13)
«وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.» (رؤيا 20: 14)
«وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.» (رؤيا 20: 15).
1. إسرائيل لها ملاك عظيم لخدمتها. قال الملاك لدانيال: «وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ» (دانيال 12: 1؛ 10: 21)
2. المسيح تكلم عن الملائكة: «لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 18: 10).
3. الملائكة لخدمة البشر: «أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!» (عب 1: 14)
4. أليشع لخادمه: «"لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ". وَصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ: "يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ". فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ.» (2 ملوك 6: 16-17).
5. «ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ. فَلَمَّا قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ الدِّهْلِيزِ جَاءَتْ جَارِيَةٌ اسْمُهَا رَوْدَا لِتَسْمَعَ. فَلَمَّا عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لَمْ تَفْتَحِ الْبَابَ مِنَ الْفَرَحِ، بَلْ رَكَضَتْ إلَى دَاخِل وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ. فَقَالُوا لَهَا: "أَنْتِ تَهْذِينَ"! وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ أَنَّ هكَذَا هُوَ. فَقَالُوا: "إنَّهُ مَلاَكُهُ"!» (أعمال 12: 12-15)
6. قال الرب لموسى: «هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكًا أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ، وَلِيَجِيءَ بِكَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ. اِحْتَرِزْ مِنْهُ وَاسْمَعْ لِصَوْتِهِ وَلاَ تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لاَ يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ، لأَنَّ اسْمِي فِيهِ» (خروج 23: 20-21)
7. «وَرَئِيسُ مَمْلَكَةِ فَارِسَ وَقَفَ مُقَابِلِي وَاحِدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهُوَذَا مِيخَائِيلُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ الأَوَّلِينَ جَاءَ لإعَانَتِي، وَأَنَا أُبْقِيتُ هُنَاكَ عِنْدَ مُلُوكِ فَارِسَ. [المتحدث ملاك أُرسل لدانيال (دا 10: 11)] (دانيال 10: 13-20) «فَالآنَ أَرْجعُ وَأُحَارِبُ رَئِيسَ فَارِسَ. فَإذَا خَرَجْتُ هُوَذَا رَئِيسُ الْيُونَانِ يَأْتِي.» (دانيال 10: 20).
وقَالَ الرَّبُّ في سِفْر حزقيال «يَا ابْنَ آدَمَ، ارْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى مَلِكِ صُورَ وَقُلْ لَهُ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ. كُنْتَ فِي عَدْنٍ جَنَّةِ اللهِ. كُلُّ حَجَرٍ كَرِيمٍ سِتَارَتُكَ، عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ وَزَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَبَهْرَمَانُ وَزُمُرُّدٌ وَذَهَبٌ. أَنْشَأُوا فِيكَ صَنْعَةَ صِيغَةِ الفُصُوصِ وَتَرْصِيعِهَا يَوْمَ خُلِقْتَ. أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ، وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ.» (حزقيال 28: 2-14). فأورشليم والشعوب الوثنية لها ملائكة لحراستها أو شياطين تحاربها. (رؤيا 1: 1؛ 22: 16)
8. «وَلَهَا مَلاَكُ الْهَاوِيَةِ مَلِكًا عَلَيْهَا، اسْمُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ "أَبَدُّونَ"، وَلَهُ بِالْيُونَانِيَّةِ اسْمُ "أَبُولِّيُّونَ".» (رؤيا 9: 11) مَلاَكَ الْمِيَاهِ يَقُولُ: «عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذَا» (رؤيا 16: 5) مَلاَكَ الشَّيْطَانِ (2 كو 12: 7).
9. السَّرَافِيمُ ملائكة نورانيون من أعلى طراز: «السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ.» (إشعيا 6: 2) والقداس الغريغوري يُقدم نفس الصورة بهيبة ورهبة.
_____
(129) القديس أوغسطينوس، مدينة الله: الكتاب 20: فصل 7.
(130) إمكانية أن الحية تتكلم مقبولة؛ لأن آدم يعرف لغة الحيوانات، والشيطان دخل الحية، فجعلها تتكلم، وهذا ليس عجيبًا. فقد تكلمت حمارة بلعام وقال عنها مار بطرس الرسول «إذ منع حماقة النبي حمارٌ أعجم ناطقًا بصوت إنسان» (2 بط 2: 16) وخضوع الحيوانات لله كخضوع الحوت وابتلاعه يونان وقذفه، وإطاعه السمكة وحملها للإستار ودخولها في صِنارة القديس بطرس الرسول.
(131)القديس أوغسطينوس، كتاب مدينة الله: ك 20: فصل 7.
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 21![]() |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
تفسير الرؤيا 19![]() |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/apocalypse/chapter-20.html
تقصير الرابط:
tak.la/2sy3mz3