محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22
«إلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ»
إلى |
المسيح |
مديح |
عتاب |
وَاكْتُبْ إلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ |
هذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ (رؤيا 3: 1) |
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ (رؤيا 3: 1) |
كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. (رؤيا 3: 2) |
توبيخ |
مديح |
للكل |
من يغلب |
فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإنِّي إنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ. (رؤيا 3: 3) |
عِندَكَ أَسْماءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيمْشُونَ مَعي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ. (رؤيا 3: 4) |
من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس (رؤ 3: 6) |
مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْترِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ |
«مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ»
![]() |
المسيح لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ.
يصِفُ الأسقف: أَنَّ لَه اسْمٌ أَنَّه حَيٌّ وَهو مَيْتٌ.
يُحَذِّره: كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ.
لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ.
يُوَبخه: لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ.
يُشَجِّعه: اذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ،
عندك أسماء قليلة لم يُنَجِّسُوا ثيابهم فسيمشون معي في ثياب بيض،
من يغلب سيلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحوا اسمه من سِفْر الحياة، سأعترف بِاسْمِهِ أمام أبي وملائكته.
«وَاكْتُبْ إلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ» (رؤيا 3: 1)
Καὶ τῷ ἀγγέλῳ τῆς ἐν Σάρδεσιν ἐκκλησίας γράψον
«سَارْدِس» مدينة كبيرة في آسيا الصغرى، جنوب شرق ثياتيرا. كانت عاصمة لقَارُون الملك المشهور. كانت مُحَصَّنة فوق جَبَل في زمن مار يوحنا، والآن صارت قرية "سارْتْ" التركية.
وكان شعب هذه الكنيسة في ركودٍ روحي حتى قيل لهم «لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ» (رؤيا 3: 1)، إذ ضعُفَتْ حياتهم الروحية، حذَّرَ أسقفهم «كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ» (رؤيا 3: 2). وهُنَّا يظهر الله الرحيم الذي لم يُضَحِّ بهذه البقية القليلة؛ لأنه «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ» (متى 12: 20).
وسَارْدِس كلمة يونانية تعني "البقية"، بقيةُ حياةٍ لم تنحرف يمينًا أو يسارًا. ولذلك قيل «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُم، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ» (رؤيا 3: 4)، فهذا عصر العبادة الشكلية.
أسقفها القديس ميليتُس أحد الرسل السبعين، اشتهر بالعلم والطهارة قيل له «لك اسم أنك حي وأنت ميت» (رؤيا 3: 1). والمقصود شعبه المرائي، فعبادته شكلية بلا حياه روحيه، وهو كراعٍ مسؤول وجهت له الرسالة «كن ساهرا وشدد ما بقي الذي هو عتيد أن يموت (رؤيا 3: 2).
«هذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤيا 3: 1)
Τάδε λέγει ὁ ἔχων τὰ ἑπτὰ πνεύματα τοῦ θεοῦ
«نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلَامٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ» (رؤ 1: 4)
«وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤ 4: 5)
«خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إلَى كُلِّ الْأَرْضِ» (رؤ 5: 6).
الجملة الثانية من كل رسالة: يُقَدِّم فيها الرب نفسه بما يناسب حالة شعب الكنيسة. فسَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ هنا ليست سبعة ملائكة كما يظن البعض، فقد نُسِبَتْ لله الآب في (رؤ 3: 1)، ولله الابن في (رؤ 4: 1؛ 4: 5؛ 5: 6). كما وُصِفَتْ أنها سبعة مصابيح نار، وسبعة أعين. كما جاءت في اليونانية مُعَرَّفَة: السبعة الأرواح. وهنا ينبغي أن نعرف أن:
«سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ» تعني روح الله ذا العمل السُّبَاعِي الكامل. فَرُوح الله القدوس يعمل في الكنيسة خلال الأسرار السبعة، والسبعة الأرواح التي أمام عرشه تعني ثبات الروح القدس في الابن، فعبارة «أمام عرشه» تماثل جلوس الابن عن يمين الآب، والحقيقة أنه لا يوجد مكان فارغ عن يمين الله مالئ الكل ليجلس فيه الابن، إنما يمين الآب تعني قوة الآب. فالابن الذي تجسد وأخذ صورة العبد يليق أن نَصِفَهُ أنه جلس في قوة الآب. هكذا الروح أمام عرشه؛ لأن الروح القدس هو العامل في الكنيسة، فقد صَعِدَ المسيح وأرسله ليعمل في الكنيسة.
ونحن نقول "موضوعك أمامي" أي سأعمله الآن، هكذا الروح القدس أمام عرشه. فالابن يعمل في الكنيسة من خلال روحه القدوس المُرسَل إلى كل الأرض.
والسبعة الأرواح تعني كمال العمل، فالروح يعمل في كل مكان وفي كل أحد وبكل موهبة. و«سبعة مصابيح نار متقدة» تشير للروح القدس الذي هو الله. والكتاب يقول «إلهَنَا نَارٌ آكِلَة» (عبرانين 12: 29). وقد حلَّ في يوم الخمسين على شكل ألْسنة نارية (أع 2: 1 - 4)
أما «سبع أعين هي سبعة أرواح الله»: السبع أعين تعني مِلْءَ المعرفة، والروح القدس هو روح المعرفة، كامل في معرفته، يعرف كل شيء عن كل شيء. وإجمالًا فالسبعة أرواح الله هي السبعة مصابيح نار والسبعة أعين أمام عرشه. وقد قدم المسيح نفسه لكنيسة ساردس شِبْهِ المَّيْتَة (بقية حياة) بأن له سبعة أرواح الله، لأنها تحتاج إلى مِلْءِ الحياة بروحة القدوس.
![]() |
«وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ καὶ τοὺς ἑπτὰ ἀστέρα» (رؤ 1: 16، 20؛ 3: 1)
في الرسالة إلى أفسس، وَصَف الرب نفسه أنه «الْمُمْسِكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ» (رؤيا 2: 1)، فهو الْمُمْسِكُ الأساقفة بيمينه، يحفظهم ويحركهم بإرادته، أما هنا فيقول «لَهُ...السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ».
فأسقف سَارْدِس ليس في يمينه يحركه كيفما يشاء، إنما هو مجرد «لَهُ». وهكذا يَظْهَرُ الربُّ لِأُسقفٍ له اسم أنه حي وهو ميت، وكنيسة هزيلة ضاع معظم شعبها، ولا يوجد إلا بقية صغيرة تحتاج إلى تثبيت وإلا سقطوا، بأن «له الروح القدس» المعطي حياة للإنسان، القادر أن يمسك هذه البقية بيمينه قبل أن تضيع ويعطيها الحياة.
«أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ» (رؤيا 3: 1)
عبارة مفرحة ومبهجة كما هي مخيفه ومرعبة، فالله يعرف كل شيء عنا فاحص القلوب ومختبر الكُلى، وهنا لا يمدح الرب ملاك كنيسة ساردس بعبارة واحدة، فضياع الرعية يوقف مدح الرب للراعي، حتى لو كانت حياته الخاصة مباركه ومرضية، وسبق شرح هذه العبارة في (رؤيا 2: 2)
«أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ» (رؤيا 3: 1)
ὅτι ὄνομα ἔχεις ὅτι ζῇς, καὶ νεκρὸς εἶ
هذا هو الرياء، فالإنسان أمام الناس غَيْرُه أمام الله، له اسْم مشهور بين الناس بالتقوى، والحقيقة أمام الله غير ذلك. له صورة التقوى ولكنه ينكر قوتها، كشجرة التين المورقة أمام الأعين وعندما تقترب منها لا تجد ثمرًا، لذلك لعنها رب المجد، وأنزل الويلات على الكتبة والفريسيين (متى 23: 28). أشجار خريفية بلا ثمر، هكذا وصفهم القديس يعقوب الرسول، لهم إيمان بلا أعمال، أحياء بالجسد أموات بالروح (يع 2: 26).
وهنا يعاتب الرب أسقف ساردس قائلا: "لقد اخترتُك وأقمتُك أسقفًا على رعيتي، فصار لك اسمًا حيًّا في كنيسة الله، ولكنك لم تهتم بخلاص نفسك ورعيتك، ولذلك فأنت ميت، تخدع الناس، فيرونك أسقفًا نشيطًا يهتم بصورة الكنيسة الخارجية وبشكليات العبادة ونظامها وممارستها، كما بمجاملة الشعب في أفراحهم وأتراحهم، أما خلاص النفس بالتوبة والاعتراف والاتحاد بالمسيح في الافخارستيا وروح الصلاة والفضائل الباطنية، وتقديم التعليم المستقيم ومحاربة الهرطقات واستئصالها فلا تهتم بها".
يقول القديس أُغُسطينُس: "حياة الجسد هي النفس، أما حياة الروح فهي الله". وفرق بين شعب الكنيسة ورعاتها، فأبناء الكنيسة يتبررون باستقامة عقيدتهم وسيرتهم، أما الرعاة فيتبررون ليس فقط باستقامة إيمانهم وحياتهم، بل وبعنايتهم بالرعية روحيًّا وحراستهم من الهراطقة.
حينما يهتم الراعي بعمارة الكنائس والخدمة الاجتماعية والمادية الخاصة برعيته، يصير له اسم أنه حي، وحينما يهتم بتوبة رعيته وحياتهم في الفضيلة والإيمان المستقيم، يكون حيًّا حياةً حقيقية أمام الله والناس. والراعي ينبغي أن يفعل هذا وتلك.
القديس مار بولس يقول لتلميذه الأسقف تيموثاوس «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا» (1 تي 4: 16).
![]() |
«كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ» (رؤ 3: 2)
«كُنْ سَاهِرًا γίνου γρηγορῶν»: يَقِظًا مُدْرِكًا خطاياك وخطايا شعبك، يَقِظًا لحياتك الأبدية وحياة الرعية التي ائتمنك الله عليها، وأَسْهرُ على تَوْبَتِكَ وتوبتهم واستقامة إيمانك وإيمانهم، وتَذَكَّرْ أن الله سيحاسبك عن كل واحد منهم، فالذي يهلك «يَمُوتُ بِإثْمِهِ أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ» (حز 3: 20). «كُنْ سَاهِرًا» في جهادك وصلاتك وقراءتك وتسبيحك. واعمل مع الراعي الأعظم الذي يقول «أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْلٍ» (حز 34: 15-16)
«وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ καὶ στήρισον τὰ λοιπὰ»: هذا يعني بَدْءَ الرجاء، فَبِيَقظتك تستيقظ الرعية وتقوم من بين الأموات، فَخَلاصُ الرعية وهلاكها يتأثر بيقظة الأسقف وبِغَفْلَته، وشَدِّدْ مَا بَقِيَ، فيوجد فيك بقايا صلاة وتأمل لا تتركها تموت، بل أَيْقظ مشاعر الحب وجددها، شدِّد مشاعر التوبة في داخلك، وما تبقى من الفضائل، لقد اختطف الشيطان كثير من أبناءك ورعيتك وأنت مزمع أن تقدم حسابا عن كل أحد. فلتستيقظ وتبحث عن الضال وَتُشَدِّدْ مَا بَقِيَ.
«الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ ἃ ἔμελλον ἀποθανεῖ»: ضاع كثيرون من خرافك، والآن تيقظ وانتبه لبقية الخراف الذين أهملتَهم، فساروا وصاروا في طريق الموت لعلك تلحق بهم وتُرجعهم إلى الحياة فتحيا أنت بحياتهم، فهذا عملك الأساسي. فالأسقف هو الناظر من فوق. وقد عاتب الرب رعاة إسرائيل لأنهم لم يسهروا على رعيتهم قائلًا «الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ.» (حزقيال 34: 4)
«لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ» (رؤ 3: 2)
لا يجب أن يهتم الإنسان ببعض الفضائل ويترك البعض الآخَر، فتصير أَعْمَاله غير كَامِلَةً. حسنًا قال الكتاب عن زكريا الكاهن وامرأته إليصابات «وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ» (لو 1: 6). كانت أعمالهما كاملة أمام الله إذ كانا يسلكان في جميع الفضائل، لا الإيجابية فقط، بل بلا لوم أيضًا.
وهنا إذ يقول الرب «لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً»، فالكمال الأول هو كمال الحياة، وهذا لجميع المؤمنين. أما الكمال الثاني فكمال الخدام والرعاة، فيضاف لكمال الحياة الروحية، كمال الخدمة. «وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهَذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ» (مت 5: 19).
«فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ» (رؤيا 3: 3)
تذكَّرْ أيها الأسقف بدء حياتك الروحية، والنعمة التي أخذتَها من الله، والتعاليم والوصايا التي استمعتَ إليها، واحفظْها.
كيف تُحفَظ النعمة؟ بالتجاوب معها بالجهاد. فالذي لا يستثمر النعمة المعطاة له، تؤخَذ منه؛ «لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ» (مت 25: 29). فمن تُثْمر النعمة في حياته يُعطَى أكثر، ومن يطمر الوزنة تؤخذ منه وتُعطَى لمن يُتاجر ويربح. لذلك فالروح القدس يُنذر أسقف ساردس أن يَذكر فيَشكُر، لأنه "ليست موهبة بلا زيادة إلا التي بلا شكر". ويحافظ على ما أخذ من نعمة باستخدامها، ويتوب عن إهمالها لئلا يفقدها.
«فَإنِّي إنْ لَمْ تَسْهَرْ أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ» (رؤ 3: 3)
في مَثَلِ العذارى، أقبل العريس كَلِصٍّ في نصف الليل، والمستعدات دخلن معه، بينما رُفِضَتْ المتأخرات. وفي مثل الغني ولعازر، أقبل الصوت الإلهي للغني كَلِصٍّ بينما انشغل هو بالعالميات. وهنا ندرك أن للتوبة وقت مقبول. قيل عن عيسو أنه «لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ» (عب 12: 17)، «لِأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.. أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هَكَذَا يَجِيءُ... وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْإخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمُ كَلِصٍّ... فَلَا نَنَمْ إذن كَالْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ» (1 تسالونيكي 5: 2، 6)
«وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ» (رؤيا 3: 3)
هذا هو ميعاد المجيء الثاني، وكيف ينبغي أن يبقي سِرًّا. وساعة الموت التي تأتي بغتةً.
«عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ» (رؤيا 3: 4)
سبَقَ قَوْلُ الرب «شَدِّدْ مَا بَقِيَ»، وهنا «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ». فالقديسون معروفون بِالِاسْمِ لدى الله. قال عنهم «هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ» (إش 49: 16). هؤلاء سبق فعرفهم وكتب أسماءهم في سِفْر الحياة، وقال لهم «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي» (إش 43: 1)
«لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ ἃ οὐκ ἐμόλυναν τὰ ἱμάτια αὐτῶν»
عندما أخطأ أبوانا آدم وحواء فقدا ثيابهما الأولى، ثياب البر التي بها خُلقا، «وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ» (تك 3: 7). وبهذه الصورة (عريانًا) ندخل إلى مياه المعمودية، فنستعيد ثياب البر الذي فقدناه، ونولد ولادة ثانية، ونلبس ثِيَابًا بِيضًا، يشير إلى حياة البر التي أخذناها بالمعمودية.
وبالخطية تتنجس ثيابنا البيضاء، ولذلك قال القديس يهوذا الرسول «مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ» (يه 1: 23).
ليست العلاقة الزواجية نجاسة، ولا الثياب التي تتسخ من آثارها نَجِسة، إنها مجرد فِطْر. أما العلاقات غير المقدسة، فتُنَجِّس الثياب والجسد معًا.
«اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ» (يع 1: 27). فكل خطية تُدَنِّس الإنسان وتُنجسه.
«فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ» (رؤيا 3: 4)
καὶ περιπατήσουσιν μετ’ ἐμοῦ ἐν λευκοῖς
يشير لموكب المنتصرين الذين أتَوا من الضيقة العظيمة، «وَإذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: الْخَلاَصُ لإلهِنَا» (رؤيا 7: 9-10).
والثياب البيض رمز للبر والبهاء وحُلَّة المجد كما في التجلي. فالذي يمشي مع الله على الأرض في طهارة وقداسة يستحق أن يمشي معه في الملكوت في موكب المجد. وقد قال سليمان الحكيم «لِتَكُنْ ثِيَابُكَ فِي كُلِّ حِينٍ بَيْضَاءَ» (جامعة 9: 8).
والثياب البيض لبسها الشهداء الذين قُتِلوا من أجل كلمة الله «فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَابًا بِيضًا» (رؤيا 6: 11). يقول القديس اِمبروسيوس: "بقدر ما يكون الجهاد مُتعِبا، بقدر ما يكون الانتصار ممجَّدًا". فالعروس امرأة الخروف «أُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا» (رؤيا 19: 8، 14).
«لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ ὅτι ἄξιοί εἰσιν»
هؤلاء جاهدوا وانتصروا واستحقوا أن ينضموا إلى موكب المنتصرين.
«مَنْ يَغْلِب Ὁ νικῶν» (رؤيا 2: 7، 11، 17، 26؛ 3: 5، 12، 21)
عبارة تتكرر في الجملة قبل الأخيرة من الرسائل السَّبْع.
من يغلب الخطية والرياء وشكليات العبادة.
من يغلب إهماله في خدمة الرعية فيكون ساهرًا على حياته وحياة شعبه، ذاكرًا نعمة الله عليه، حافظًا نفسه من الشر، تائبًا عن تكاسله (رؤ 3: 3).
«فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا» (رؤيا 3: 5)
οὕτως περιβαλεῖται ἐν ἱματίοις λευκοῖς
والثياب البيضاء يتكرر ذكرها في (رؤيا 3: 5؛ 4: 4؛ 6: 11؛ 7: 9)
«وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ» (رؤيا 3: 5)
καὶ οὐ μὴ ἐξαλείψω τὸ ὄνομα αὐτοῦ ἐκ τῆς βίβλου τῆς ζωῆς
هذه هبة الثبات في البِر. فاللباس الأبيض رمز لهذا الثبات إذ تصبح طبيعته متنافرة مع الشر. وعبارة «لَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ» تُظهر أن الإنسان اسمُه يُكتَب في سِفْر الحياة منذ المعمودية، فيصير ابنا لله، وارثًا الملكوت، «رَعِيَّةً مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ» (أفسس 2: 19)، وبحياته المقدسة يَثْبُت. أمَّا إذا عاش في الشر بلا توبة فيُمحَى اسمه من سِفْر الحياة (مزمور 68: 29). وعبارة «لَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ» تُبَيِّن أن هناك من يبدأون بالروح ويكملون بالجسد، فتُمحَى اسماؤهم. ولذلك فالمطلوب لا أن نتوب فقط، بل أن نستمر في حياة التوبة، لا أن نحيا حياة القداسة بل أن نثبُتَ فيها و«الَّذِي يَصْبِرُ إلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ» (مت 24: 13)؛ «لأن كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ» (رؤيا 20: 15)
«وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ» (رؤيا 3: 5)
καὶ ὁμολογήσω τὸ ὄνομα αὐτοῦ ἐνώπιον
τοῦ πατρός μου καὶ ἐνώπιον τῶν ἀγγέλων αὐτοῦ.
سيعلن السيد المسيح في الأبدية عن أبنائه الغالبين، فلربما رآهم الناس في أخطائهم القديمة وضعفهم أو سيرتهم وظنوهم أشرارًا، لكن الرب الإله إذ يعترف بهم كعبيده الغالبين المستحقين ملكوته، يصير لهم مجدٌ أمام الله وأمام ملائكته. «فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت 10: 32؛ لو 12: 8)، وفي هذه اللحظات سنرى عجبًا، كثيرين ممن نظن الآن في قداستهم سنراهم في الأبدية وقد انْزَوُوا خجلًا «يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ اسْقُطِي عَلَيْنَا وَلِلآكَامِ غَطِّينَا" (لو 23: 30). وكثيرون من غير المعروفين أو المحتقرين منا، سنرى الله يعترف بهم، وينالون المجد أمام الجميع.
«مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ» (رؤ 3: 6) هذه هي الجملة الأخيرة في كل رسالة، وتُظهِر أن الرسالة ليست لملاك الكنيسة، ولا لشعب كنيسة واحدة، بل لكل من له أذن في كل مكان وزمان، إنها موجهةٌ للكنيسة الجامعة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
«إلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا»
إلى |
المسيح (رؤ 3: 7) |
مديح (رؤ 3: 8) |
عتاب |
وَاكْتُبْ إلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا |
هذا يَقُولُه الْقدوسُ الْحَقُّ، الّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ |
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي. |
|
مديح (رؤ 3: 9-11) |
للكل |
من يغلب |
هَأَنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، مِنَ الْقَائِلِينَ إنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ. هَأَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ.10 لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ. هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إكْلِيلَكَ. |
مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ (رؤ 3: 13) |
مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِندِ إلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ. (رؤيا 3: 12) |
«مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ»
![]() |
يَظهَرُ المسيحُ القدوس ضابط الكل في يَدِه مفتاحُ داود، يفتح ويغلق، وقد جعل بابه مفتوحًا دائمًا أمام ملاك الكنيسة، الذي يصفه بأنه حفظ كلمته ولم ينكره رغم ضعفه. فيجب أن يتمسك بما عنده؛ لئلا يأخذ أحدٌ إكليله. وإن فعل فسيجعله عمودًا في هيكل الله، ويكتب عليه اسم الله، واسْمَ أورشليم السمائية، واسم الرب الجديد.
فِيلاَدَلْفِيَا (رؤيا 3: 7-13)
«وَاكْتُبْ إلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا» (رؤيا 3: 7)
Καὶ τῷ ἀγγέλῳ τῆς ἐν Φιλαδελφείᾳ ἐκκλησίας γράψον
«فِيلاَدَلْفِيَا Φιλαδελφείᾳ» من مقطعين (Φιλα) وتعني محبة، (δελφείᾳ) أي إخوة، فتكون فيلادلفيا المَحبة الأخوية. وتمثل عصر العمل المسكوني وتقارب الكنائس، وقد نجحنا في موضوع الخرستولوجي، وحدثت وحده بقدرٍ في مفهوم طبيعة المسيح الواحدة من طبيعتين.
وفِيلاَدَلْفِيَا: إحدى بلاد آسيا جنوب ساردس، سُمِّيَت باسم مؤسسها بطليموس فيلادلفوس، الذي في عهده تُرجِم العهدُ القديم الترجمةَ السبعينية من العبرية إلى اليونانية في القرن الثالث ق.م.
وهي تابعة لتركيا اشتهرت بأعمدتها الرخامية من العصر المسيحي الأول؛ ولذلك أُستخدم في الرسالة التعبير «فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إلهِي» (رؤ 3: 12)، وهى غير فيلادلفيا التابعة لسوريا.
وتشتهر فيلادلفيا بكثرة زلازلها وكرومها وعنبها، والعجيب أن الزلازل أنتجت المحبة الأخوية، والكروم دفعهم لعبادة باخوس إله الخمر، ودُعِيَ اسمها المدينة الحمراء لأن حولها جبال تربتها حمراء.
وأسقف هذه الكنيسة غير معروف.
رسالتان: لم يوبَّخ فيهما الرب ملاك الكنيسة:
كنيسة سميرنا، كنيسة الشهداء، الكنيسة الثانية من الأول،
كنيسة فيلادلفيا، كنيسة المحبة الأخوية، الكنيسة الثانية من الآخِر.
رسالتان...
ساردس التي لم يجد فيها الرب شيئا يمدحه،
وفيلادلفيا التي لم يجد فيها الرب شيئا يستوجب التأنيب.
![]() |
«هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ» (رؤيا 3: 7)
Τάδε λέγει ὁ ἅγιος, ὁ ἀληθινός, ὁ ἔχων τὴν κλεῖν Δαυίδ
هذه هي الجملة الثانية في كل رسالة، يُقَدِّم الرب نفسه بصفات تتناسب مع حالة الكنيسة. وهنا يُقَدِّم ذاته أنه الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، صفاته كإله. «وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَهَا وَمِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُوناً، وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلًا قَائِلَةً: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الْإلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤ 4: 8). «أَمَّا الرَّبُّ الإلهُ فَحَقٌّ» (أر 10: 10)، وهو القدوس الذي يرفض الشر، والحق الذي يرفض الإيمان الكاذب، وهذا اهتمام الله بالإيمان المستقيم والأعمال الصالحة.
«الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ» كان داود مَلِكًا، ومفتاحه يعني سلطانه، حينما يدخل الملك مدينة يعطونه مفتاحها أي السلطان عليها. هكذا الرب يسوع له مفتاح داود، فهو ملك الملوك ورب الأرباب، والصليب هو المفتاح الحقيقي الذي فتح لنا باب السماء التي أغلقتها خطية آدم أمام الإنسان.
وهذا الوصف الثلاثي للسيد المسيح، قدوس في طبيعته، وحق في عَمَلِهِ، وله مفتاح داود في سلطانه وقدرته.
مَلَكَ المسيح على الصليب «مِفْتَاحُ دَاوُدَ». ولأنه قدوس بلا خطية، حمَلَ خطايانا ومات عنا نحن الأثمة وأعطانا قداسته. والصليب هو الحق، عدل الله، لذلك مات المسيح على الصليب «مفتاح داود». وأمر شعبه «أَنَا الرَّبُّ إلَهُكُمْ فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لِأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (لا 11: 44). وقال لموسى «قُلْ لَهُمْ: تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ إلهُكُمْ» (لا 19: 1-2)، وقال مار بطرس «نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (1 بطرس 1: 15-16).
الْقُدُّوسُ لقب إلهي لُقِّب به المسيح. في ميلاده قال الملاك لأمنا العذراء «الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا 1: 35). وسجَّل مار بطرس نبوة داود عن المسيح «لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا» (أعمال 2: 27). والْحَقُّ لَقَبٌ إلَهي، فالإنسان يوصَف بأنه مُحِقٌّ، أو على حق، أما الله فهو الحق والعدل في ذاته.
«الذي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ» (رؤيا 3: 7)
ὁ ἀνοίγων καὶ οὐδεὶς κλείσει καὶ κλείων καὶ οὐδεὶς ἀνοίγει
يفتح أمامنا باب الكنيسة، إذ نصلي "يا رب اجعل باب كنيستك مفتوحًا أمامنا". والعجيب أن الله أشْرَك معه الآباء الرسل ثم الكهنة في كل جيل معطيًا لهم هذه المفاتيح قائلًا لهم في شخص القديس بطرس الرسول «وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ» (مت 16: 19).
ما أروع أن توصف أورشليم السمائية بأن «أَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَارًا، لأَنَّ لَيْلًا لاَ يَكُونُ هُنَاكَ» (رؤيا 21: 25). لقد أغلق الله باب الفُلْك فلم يستطيع أحد أن يفتح. وفتح الرب باب الجحيم من خلال صليبه، فقد كان الصليب هو المفتاح الذي أخرج آدم وحواء وهابيل وإبراهيم وإسحق والذين ماتوا على رجاء، وفتح باب الفردوس وأدخلهم، وما استطاع أحد ولا الشيطان أن يغلقه عليهم، وقال الرب «وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤيا 1: 18؛ 20: 1).
«أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ» (رؤيا 3: 8) انظر [رؤيا 3: 1].
«هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا» (رؤيا 3: 8)
ἰδοὺ δέδωκα ἐνώπιόν σου θύραν ἠνεῳγμένην
ما أروع هذا الصوت... يهمس في أُذُنِ كل واحد منا «هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا». ومن الذي يقول هذا؟ إنه الذي «يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ» (رؤيا 3: 7). ما أعذب صوتك ربي في أذُنَيَّ، هو صوت الرجاء المُريح. ففي وسط تعصُّب اليهود وظَنِّهم بأنهم وحدهم الشعب المختار يهمس الله في أُذُن الأمم، وكرنيليوس يُمَثِّلهم «هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا». هو صوتٌ سمعتْه الكنعانية في أعماقها ونطقت بلسانها الحكيم «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!» (مت 15: 27). عندما نَقَلَ لها الرب صوت اليهود لِتَرُدَّ عليه بحكمتها وعمق إيمانها «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب» (مت 15: 26). ليس هذا هو صوت الراعي الأعظم المملوء حُبًّا، بل هو صوت اليهود المتعصب. سمع هذا الصوت مار بولس الرسول فقال «انْفَتَحَ لِي بَابٌ عَظِيمٌ» (1 كو 16: 9).
ما أروعك ربي، تجعل بابك مفتوحًا أمامنا. أعط عيوننا أن تبصره فندخل. بل ما أروعك حينما تقول «أَنَا هُوَ الْبَابُ. إنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى» (يو 10: 9).
عَلِّمنا أن ندخل بك إليك، فأنت هو الباب، وأنت الطريق، وأنت حياتنا الأبدية، فدعنا نتذوقها الآن، ودعنا ندخل إلى أحضانك فَنَذوب فيك.
«وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ» (رؤيا 3: 8)
ἣν οὐδεὶς δύναται κλεῖσαι αὐτήν,
لا تستطيع خطاياي وآثامي أن تغلق بابك المفتوح أمامي، ولا يستطيع الشيطان بأفكاره المملوءة يأسًا أن يغلقه.
مسكينٌ يهوذا، أوهمه الشيطان أن باب الله مُغلَقًا في وجهه، وصوَّر له كذِبًا أن الله لن يقبل توبته، بينما الرب يردد بصوته الحلو «هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ» (رؤيا 3: 8).
رائع هو ديماس اللص الطوباوي الذي فهم هذا...
سَمع الرب في قمة الألم يقول «هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا»، «أَنَا هُوَ الْبَابُ. إنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى». واستطاع اللص الذكي أن يسرق آخِر سرقة في حياته، سرق ملكوت السماوات وفردوس النعيم، سرق الحياة الأبدية. ما أروعك لِصًّا. فَهِمَ ما قاله الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا قبل أن يقوله بنحو ستين سنة، ولم يستطع الشيطان ولا اليأس ولا الخطية أن تغلق باب الرب المفتوح.
بابك يا رب وبابي ها أنت يا رب تقول عن بابك «هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ» (رؤيا 3: 8)، أما بابي أنا فماذا قُلتَ أنت عنه؟؟ «هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤ 3: 20)، «اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي!» (نش 5: 2). بابك أنت يا رب مفتوح دائمًا، أما أنا فمسكين، بابي لا يزال مُغلقًا، وأنت تطلب فَتْحَه. فاحزني يا نفسي وافهمي مَنِ الذي يحتاج إلى فتح بابه!
«لِأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً» (رؤ 3: 8) ὅτι μικρὰν ἔχεις δύναμιν
الغريب أن الله يعمل مع القوة اليسيرة، لا مع الأقوياء. قديمًا أراد الله أن ينصُرَ جدعون قائد شعب الله على الميدانيين، فماذا حدث؟ تقدَّم للحرب اثنان وثلاثون ألفًا «وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: إنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لِأَدْفَعَ المِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلَّا يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إسْرَائِيلُ قَائِلًا: يَدِي خَلَّصَتْنِي. وَالْآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلًا: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجِعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ. فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلَافٍ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. وعندما شربوا الماء َكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إلَى فَمِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةِ رَجُل فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ «بِالثَّلَاثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ» (قضاة 7: 1-7)، فالله لا يَهُمُّه الكَمَّ بل الكيف. فالقوة اليسيرة القليلة وهبها الغلبة «لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ لِلَّهِ لاَ مِنَّا» (2 كو 4: 7)، وبهذه القوة اليسيرة عمِلَ الله، ونَصَرَ شعبه على أعدائه، لأنه «لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (زكريا 4: 6)
«وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي، وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي» (رؤيا 3: 8)
«وَأَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بِاسْمِي، وَلَمْ تُنْكِرْ إيمَانِي» (رؤيا 2: 13)
على الرغم أن قوة إيمانك وجهادك وخدمتك قليلة، إلا أنك «حَفِظْتَ كَلِمَتِي» فتمسكت بوصاياي. هذا من جهة الأعمال. «وَلَمْ تُنْكِرْ إيمَانِي»، هذا من جهة الإيمان. وبالإيمان والأعمال يُقبَلُ الإنسان، مهما كان إيمانه ضعيفًا وأعماله قليلة، «لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ لِلَّهِ لاَ مِنَّا» (2 كو 4: 7). فقد «اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ» (1 كو 1: 27). فالضعفاء يسمعون صوت الرب «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ» (2 كو 12: 9).
«وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي» καὶ ἐτήρησάς μου τὸν λόγον
نَفَّذْتَها في حياتك، وهذا ما قاله الرب «إنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا» (لو 14: 23)، «خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إلَيْكَ» (مز 119: 11).
«وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي» καὶ οὐκ ἠρνήσω τὸ ὄνομά μου.
اعترفتَ باسم الرب في كل مكان وزمان «لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أع 4: 12). فلم تخجل من اسمي، بل أعلنت إيمانك، لأنَّ «مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت 10: 33)، و«إنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا» (2 تي 2: 12). أما «حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي» (رؤ 3: 10) تَعني حفظتَ كلام الله في صَبْر؛ لأننا لا نَصِلُ إلى تنفيذ كلام الله إلا بالجهاد الطويل والصبر.
«هَأَنَذَا أجعَلُ الّذينَ مِنْ مَجمَعِ الشَّيطانِ
مِنَ القائلينَ إنهُم يَهودٌ ولَيسوا يَهودًا، بل يَكذِبونَ» (رؤ 3: 9)
«وَتَجْدِيفَ الْقَائِلِينَ: إنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ»
[كنيسة سميرنا (رؤيا 2: 9)]
عجيبٌ أن الرب يَصِفَ اليهود المخطئين في الفكر والعمل أنهم مجمع الشيطان! لماذا الهجوم القوي يا رب؟ أين حبُّك للمخطئين؟ أين لُطفُك؟!
هناك فرق بين أخطاء الأعمال وأخطاء التعليم. كان الرب لطيفا هادئًا مع السامرية التي كان لها خمسة أزواج يخطئون معها وهي لا تزال تخطئ مع السادس. وكان رقيقًا مع التي أُمسِكَتْ في ذات الفعل، أمَّا المخطئون في التعليم، فأخذ معهم موقفًا حازمًا، ووَبَّخهم بشدة أمام الجميع؛ لكيلا ينتشر تعليمهم الخاطئ، ويعرفَ الجميع كيف يُمَيِّزون بين التعليم الصحيح والهرطقة.
«الْقَائِلِينَ إنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ» (رؤيا 3: 9)
الْقَائِلِينَ إنَّهُمْ شعب الله وَلَيْسُوا شعب الله بَلْ يَكْذِبُونَ.
الْقَائِلِينَ إنَّهُمْ إنجيليون وَلَيْسُوا إنجيليين بل انتقلوا إلَى إنْجِيل آخَرَ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إنْجِيلَ الْمَسِيحِ بتفسير مغاير للتعليم الصحيح.
«إنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إلَى إنْجِيل آخَرَ.. وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إنْجِيلَ الْمَسِيحِ» (غلا 1: 6-7).
«هَأَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ» (رؤيا 3: 9)
العجيب أنه رغم ضعف ملاك كنيسة فيلادلفيا، إلا أن الرب يُخضِع جميع أعداء الكنيسة تحت قدميه سريعًا، فسيأتي بالأشرار الخادعين ساجدين أمام رجليه، وهذه هي صلاة الكنيسة الدائمة أمام الله في أوشية الاجتماعات، وهذا هو مصدرها الكتابي.
«وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ» هل هو سجود عبادة أم سجود إكرام؟؟
الله هو الذي جعلهم يسجدون، فهل يوافق الله أن يَعبُدَ الإنسانُ إنسانًا مهما كانت قداسته؟ إذن يعلمنا الرب سجود الإكرام للأساقفة. قال الرب
لأسقف كنيسة فيلادلفيا «هَأَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ... يَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ» (رؤ 3: 9)، مِثْل سجود إخوة يوسف المؤمنين بالله لأخيهم يوسف، وهو سجود بناء على رؤية إلَهية، وقَبِل دانيال النبي سجود نبوخذ نصر (دا 2: 46) وقَبِل إيليا سجود عوبديا (1 مل 18: 7)، وسجد لوط للملاكين (تك 19: 1).
«وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ» (رؤيا 3: 9)
καὶ γνῶσιν ὅτι ἐγὼ ἠγάπησά σε
عبارة تشجيع قوية... فالله يقول لملاك كنيسة لاودكية الضعيف «أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ»، فَيُلهِب مشاعر الحُبِّ فيه بعد أن أهمل رعيته. ألا تزال ربي تُحبُّني رغم إهمالي وضعفي، جعلتَ الأشرار يسجدون أمامي، أما أنا فسآتي لأسجد أمام رجليك في توبة ويقظة في شكر وحُبٍّ. وهنا يُعَلِّمنا الرب أنه يُكرم رجال الكهنوت كوكلاء له مهما كان ضعفهم وتقصيرهم، ويريدنا أن نُكْرِمَهم. فيعرف الجميع أنني أحببتُكَ ولا زِلتَ أُحِبُكَ.
«لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي» (رؤيا 3: 10)
ὅτι ἐτήρησας τὸν λόγον τῆς ὑπομονῆς μου
يمدح الرب ملاك فيلادلفيا من أجل صبره وطول أناته، سواء في احتمال الضيقات أو في جهاده ومثابرته، حتى يكتسب الفضائل أو يصبِر في الخدمة ومتاعبها وحروبها، حتى يُثمِرَ فيها، ويفرح بثمارها. «هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ وَإيمَانُهُمْ» (رؤيا 13: 10)، وفي (رؤ 14: 12).
«هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ، هُنَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ وَإيمَانَ يَسُوعَ».
«أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ» (رؤيا 3: 10)
سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ من «الضيقة العظيمة». الذي يجاهد ويحفظ كلمة صبره يحفظه الله بنعمته ويعطيه النصرة. فالنعمة الإلهية ثمرةٌ للجهاد الإنساني كما قال أغسطينوس الجهاد يسبق النعمة والنعمة تسبق الجهاد كلاهما يؤدي إلى الآخَر.
«الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ» (رؤ 3: 10)
على الرغم من ضخامة التجربة التي تؤثر في العالم كله إلا أن الله يعزينا بأنها ساعة، أي قصيرة، تمر بسرعة.
ذاق المؤمنون عذابات شديدة على أيدي مضطهديهم حرقًا بالنار وغليًا في الزيت ولهيبًا بالقطران، ثم تقطيعًا للأعضاء وتمشيطًا للجلد بأمشاط حديدية ساخنة ونشرًا بالمناشير وتسميرًا على صلبان ورميًا للأسود الجائعة والحيات السامة، وقتلًا بالسيف، ومع هذا احتملها القديسون، فَمرَّتْ كما لو كانت ساعة. ولعل ساعة التجربة هذه دُعِيَت في إنجيل القديس متى «مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ» (متى 24: 8).
لذلك فعبارة «لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ» في الصلاة الربانية يصير لها معنى جديد بأن يحفظنا من ساعة التجربة التي تأتي على العالم. ولذلك أوصانا رب المجد «اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (مت 26: 41)
«هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا.» (رؤيا 3: 11) ἔρχομαι ταχύ
إنها كلمات التشجيع من الرب لملاك الكنيسة، اِستَمِرِّ في جهادك، لا تتراجع، «هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا». وهي كلمات تحذير لنستعد، تكررَتْ ثلاث مرات في الإصحاح الأخير (رؤيا 22: 7، 12، 20)، فنهاية الحياة اقتربت، لا تضعُفْ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إكْلِيلَكَ. وهنا يُشَجِّعه: اِعلَمْ أن لك إكليل، فحافظ عليه؛ لئلا يضيع في اللحظات الأخيرة. وهذا معناه أن
الإنسان يمكن أن يبدأ حسنًا ويستمر حسنًا، ولكن إن توانى في نهاية حياته يُضَيِّع إكليله ويفقد أبديته.
«تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إكْلِيلَكَ» (رؤيا 3: 11)
هذه الآية تُعَلِّمنا دروسًا:
1. يظل الإنسان مُخَيَّرًا، يحيا حياة البر أو يسقط ولا يتوب فيهلك. فليس هناك من خُلِق للقداسة ومن خُلِق للشر، بل كل واحد بحريته يَثبُت أو يسقط. يتمسك بما عنده من إيمان وإكليل، أو لا يتمسك، فتضيع أبديته. فالله يعرف من الأزل مَن سيَثْبت بإرادته ومن يسقط.
2. ليس الله ولا معرفته سببًا في هذا الثبات أو السقوط.
3. هناك عددٌ معروفٌ تكتمل به السماء. ولذلك قال الرب «حَتَّى يَكْمَلَ الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ» (رؤيا 6: 10). فإذا سقط إنسان يأخذ آخَر إكليله.
«لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إكْلِيلَكَ» عجيبة هذه الفكرة نراها في فكر الله:
عندما سقط عددٌ من الكِروبيم خلق الله البشر عوضًا عنهم،
عندما سقط اليهود أقام الرب الأمم عِوضًا عنهم،
عندما سقط يهوذا أقام الرب متياس بدلًا منه،
عندما سقط شاول أقام داود ملكًا بدلا منه.
فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إلَى خَارِجٍ» (رؤ 3: 12)
هذه هي العبارة الأخيرة في الرسائل الأربعة الأولى،
والعبارة قبل الأخيرة في الرسائل الثلاثة الأخيرة.
وفي كل مرة يُعطِي الربُّ وعدًا يعني الثبات في البِر إلى الأبد.
«فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا» Ὁ νικῶν ποιήσω αὐτὸν στῦλον
قيل عن الآباء الرسل الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا «فَإذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أعْمِدَةٌ» (غلا 2: 9)، دليل الثبات والقوة.
«فِي هَيْكَلِ إلهِي» ἐν τῷ ναῷ τοῦ θεοῦ μου وهو السماء
«وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إلَى خَارِجٍ καὶ ἔξω οὐ μὴ ἐξέλθῃ ἔτι
فالملكوت أبدي لا ينتهي.
وهنا نسأل؟ كان سطَنائيل كِروبًا عظيمًا في السماء، وكان معه طغمة سمائية من أعلى طراز، ثم سقطوا في الكبرياء فسقطوا من السماء. فَهَلْ يُمكن لنا نحن بعدما نغلب وندخل السماء أن نسقط في الخطية فنسقط من السماء؟؟
يأتي هذا الرد في الرسائل السَّبْع بعد عبارة «مَنْ يَغْلِبُ»
«مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ» (رؤ 2: 7)
«سأعطيك إكليل الحياة» (رؤ 2: 10)
«مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى» (رؤ 2: 17)
«وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ» (رؤ 2: 28)
«سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ» (رؤ 3: 5)
«فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إلَى خَارِجٍ» (رؤ 3: 12)
«فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤ 3: 21).
وهذه الآيات تُعلِن أن الله سيُعطي الغالبين ثباتًا في البرِّ والحياة الأبدية.
«وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ» (رؤيا 3: 12)
καὶ γράψω ἐπ’ αὐτὸν τὸ ὄνομα τοῦ θεοῦ μου
καὶ τὸ ὄνομα τῆς πόλεως τοῦ θεοῦ μου
«وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إلهِي» العمود هو الإنسان الغالب الذي أعطاه الله الثبات في النُصرة، وقد اعتاد الناس أن يكتبوا أسماء المنتصرين على أعمدة كنُصْبٍ تذكاري لانتصاراتهم. وهنا المُنتصِر نفسه هو الذي يصير عمودًا ثابتًا في الملكوت فيُكتَب عليه اسم الله الذي به انتصر. كما قال إرميا النبي «أَنْتَ فِي وَسَطِنَا يَا رَبُّ وَقَدْ دُعِينَا بِاسْمِكَ» (إرميا 14: 9).
«اسْمَ إلَهِي» تكرر هذا التعبير أربع مرات، وقاله الرب للمجدلية في فجر القيامة «إنِّي أَصْعَدُ إلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإلهِي وَإلهِكُمْ» (يو 20: 17).
وهنا نسأل لماذا قال السيد المسيح «أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإلهِي وَإلهِكُمْ» (يو 20: 17)؟ ولم يقل أبينا وإلهنا؟ والإجابة ببساطة أنه يُفَرِّق بين أُبُوَّتِه بالطبع، فهو «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ» (يو 1: 18). الذي من جِنْس أبيه وطبيعته اللاهوتية. بُنُوَّةٌ طبيعية لا يشاركه فيها أحد. أما «أَبِيكُمْ» فهي أُبُوَّةٌ بالوَضْع بالتَّبَنِّي. شاء الله بمحبته وتواضعه أن يدعونا أبناء فأعطانا البنوة بالمعمودية.
هكذا «إلَهِي»، فقد أخذ صورة عبد وصار نائبًا عن البشرية، فدَعا الآب إلَهًا له نيابةً عن البشرية. ولَمَّا صُلِب نائِبًا عن البشر قال «إلَهِي إلَهِي» (مت 27: 46). وإلهكم بالمعنى الكامل فهو خالقنا ومُوجِدُنا وإلهنا.
«وَاسْمَ مَدِينَةِ إلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ» النازلة من السماء من عند إلهي. فيصير الغالبون منسوبين للسماء إلى الأبد.
العجيب أن السيد المسيح نائبًا عن البشرية كرر التعبير «إلهِي» عن الآب ثلاث مرات؛ ليُظهِر ذلك الحب الكامل الذي صنعه بفدائه ومصالحة الله مع البشرية فيه. لقد أحب الله العالم حبا لا نهائيا، وكان حُبُّه مُمَثَّلًا في بذله الابن الوحيد الحبيب، وأَحَبَّتِ البشرية الآب، وكان حبها ممثلا في المسيح إذ تقول:
«أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إلهِي» (رؤيا 3: 12)
τῆς καινῆς Ἰερουσαλὴμ ἡ καταβαίνουσα
ἐκ τοῦ οὐρανοῦ ἀπὸ τοῦ θεοῦ μου
توجد أورشليم المدينة المعروفة جغرافيا وتاريخيًّا، كما توجد أورشليم الجديدة النازلة من السماء (رؤيا 3: 12؛ 21: 2، 9-10) عروس المسيح امرأة الخروف، والمقصود بها جماعة الغالبين.
«واسْمِي الْجَدِيدَ» (رؤيا 3: 12) καὶ τὸ ὄνομά μου τὸ καινόν.
ما هو اسم الله؟ اسْمه الْجَدِيدَ يقترن «باسْمَ... أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ» (رؤ 3: 12) والسماء الجديدة والأرض الجديدة. وفي (رؤيا 19) يشير إلى هذا الاسم «وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إّلاَ هُوَ وَيُدْعَى اسْمُهُ: كَلِمَةَ اللهِ. وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ» (رؤيا 19: 12-13، 16). وكل هذه الأسماء مرتبطة بالتجسُّد أو الفداء، أما اسمُه الجديد القديم كالوصية الجديدة القديمة "المحبة"، فالله محبة «وَعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ» (نش 2: 4). المحبة هي الاسم المُرتبط بالخَلْقِ والفداء، وسيبقي مرتبطًا بالأبدية في ديمومة كاملة، «اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا» (1 كو 13: 8).
«مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ» (رؤيا 3: 13) شُرحَتْ.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(7) إلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ (رؤيا 3: 14-22)
إلى |
المسيح |
مديح |
عتاب |
(7) وَاكْتبْ إلَى مَلاَكِ كَنِيسَة الّلاَوُدِكِيِّينَ (رؤ 3: 14) |
هذَا يَقُوله الآمِينُ الشَّاهِد الأَمِينُ الصَّادِقُ بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ (رؤ 3: 14) |
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ أَنَّك لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بارِدًا أَوْ حَارًّا. (رؤ 3: 15) |
هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنّكَ تَقُولُ إنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ (رؤ 3: 16-17) |
عتاب |
مديح |
للكل |
من يغلب |
18أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ |
19 إنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي. (رؤ 3: 19-20) |
مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ (رؤ 3: 22) |
21مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ. (رؤ 3: 21) |
«مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ»
![]() |
يَظهَر المسيح كالشاهد الأمين، ويَصِف ملاكَ اللاذقية بأنه فاتر، ويمكن أن الرب يتقَيَّأَهُ من فَمِهِ، بينما يشعر الأسقف أنه غني وغير محتاج لِشَيْءٍ، مع أنه فقير ومحتاج وعريان، ويجب أن يشتري منه ذهبًا مُصَفَّى بالنار، ويلبس ثيابًا بِيضًا ويُكَحِّل عينيه، فإن فعَل وفتح بابه أمام الرب، سيجلس معه في عرشه.
«لاؤدكية Λαοδικείᾳ» (رؤيا 3: 14-22)
مدينة شرق أفسس، وتُدعَى اللاذقية. كانت مبنيةً على ثلاثة جبال، أخذَتْ اسمها من اسم زوجة أنطيوخوس فيلادلفوس ملك سوريا في القرن الثالث ق.م، إذ هدمها الزلزال سنة 60 م، فأعاد هو بناءَها، وأعطاها اسم زوجته، تلك التي قتلته بالسم فيما بعد.
وعلى نحو ما خانت لَاوُدُكَيَّة (الزوجة) زوجها وقتلته، خانت لاودكية (الشعب) عريسها المسيح.
شعبُها مُتَكبِّر، قال عنه الرب «تَقُولُ إنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إلَى شَيْءٍ». فقد رفضت معونة قيصر لإعادة بنائها، كما رفضت معونة الله ونعمته لتشتعل بحرارة الروح.
اشتهرت لاودكية بالطب، ففيها إله الطب اسكلابيوس على شكل حَيَّةٍ، ولاتزال صورة الحية رمزًا للدواء، وقد صنعوا الكُحْل لعلاج رَمَدِ العيون.
موقعها بالنسبة لسبع كنائس الرؤيا:
إذا صعدنا من أفسس إلى الشمال نجد سميرنا، ثم شمالًا إلى برغامس، ثُمَّ مِلْنَا شرقا وجنوبا إلى ثياتيرا، فجنوبا إلى ساردس وجنوبا أكثر إلى فيلادَلفيا، ثم آخِر الجنوب في آسيا الصغرى إلى لاَوُدِكِية.
لاودكية كلمة يونانية من مقطعين (لاؤس) بمعنى شعب، (دُكِيَّة)، أي حُكْم، وتعني حُكْمَ الشعب أو اختفاء سُلْطَة الكهنوت وظهور علمانية الكنيسة، وهذه أصعب حالة تَصِلُ إليها الكنيسة، الشعور بالاستغناء عن الكهنوت، وأن علاقتهم المباشرة بالله تغنيهم عن توسط الكهنة وشفاعة القديسين فيقولون «إنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ» (رؤيا 3: 17). وبينما يظنون أنهم متمسكون بالمسيح، لم يدركوا أن المسيح قد فارق كنيستهم وصار خارج الباب يطلب أن يدخل «هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ» (رؤ 3: 20)؛ لأن الرب قال لِرُسُلِه القديسين رؤساء الكهنة الأوائل «اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ (كرؤساء كهنة وسطاء) يَسْمَعُ مِنِّي وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ (يرفض كهنوتكم وشفاعتكم) يُرْذِلُنِي وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي» (لوقا 10: 16).
كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: تمثل عصر ما قبل المجيء الثاني، وينطبق عليها القول «وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإيمَانَ عَلَى الأَرْضِ» (لوقا 18: 8).
![]() |
كانت أَوَّلُّ رسالة لهم تلك التي كتبها مار بولس الرسول إلى أفسس، فقد ذكرها في رسالته إلى كولوسي، وأمر شعب الكنيستين أن يتبادلا الرسالتين قائلًا «وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضًا فِي كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضًا» (كو 4: 16) وضاعت رسالة لاَوُدِكِيَّةَ، وهكذا وصل اللاودكيين رسالتان من مار بولس رسالتهم ورسالة كولوسى. والآن مار يوحنا يكتب لهم رسالة ثالثة.
وقد اهتم بهم مار بولس وجاهد لأجلهم «إنِّي أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّ جِهَادٍ لِي لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ» (كولوسي 2: 1). وكان له أحباء منهم فقال «سَلِّمُوا عَلَى الإخْوَةِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ» (كولوسي 4: 15). كما أهتم بهم أبفراس أحد الرسل السبعين «فَإنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ» (كولوسي 4: 13).
«وَاكْتُبْ إلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ» (رؤيا 3: 14)
Καὶ τῷ ἀγγέλῳ τῆς ἐν Λαοδικείᾳ ἐκκλησίας γράψον·
كَنِيسَة اللَّاوُدِكِيِّينَ ليست مُضطَّهدةً كَسِميرنا، ولا مُضَلَّلة بالهرطقات والانحرافات كبرغامس وثياتي، فلا بلعام فيها ولا إيزابَل. إنما كنيسة فاتِرة امتزجت بالعالم. في الكنائس الستِّ الأُخرَى يقول الرب «وَاكْتُبْ إلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي...»، فالكنيسة شيء والمدينة شيء آخَر. نعم هي فيها، ولكن ليست جزءًا منها. فنحن نحيا في العالم، ولكننا لسنا منه، «لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ» (يو 15: 19). الكنيسة الجامعة متغربة في العالم «غرباء ونزلاء»، أما في هذه الكنيسة الأخيرة يقول كنيسة اللاودكيين منسوبةً للمدينة والعالم؛ لأنها امتزجت به. ولقَّبَها بولس الرسول بنفس اللقب (كو 4: 16).
مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ:
أَرْخِبُّس أحد السبعين رسولًا. ولعله ابن فليمون الذي ذُكِرَ في نهاية رسالة مار بولس الرسول إلى كولوسى «وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ انْظُرْ إلَى الْخِدْمَةِ الَّتِي قَبِلْتَهَا فِي الرَّبِّ لِكَيْ تُتَمِّمَهَا» (كو 4: 17)، فكولوسي ولاودكية متقاربتان.
«هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ» (رؤ 3: 14)
Τάδε λέγει ὁ ἀμήν, ὁ μάρτυς ὁ πιστὸς καὶ ἀληθινός
في كنيسة لا تشهد للمسيح، وأسقف فاتر في محبته وخدمته، يهدده الرب أن يتقيأه من فمه، يَظهر السيد المسيح بالصفات التي يحتاجها هذا الأسقف كـ«الآمِينُ الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ» الأمين ὁ ἀμήν في طبيعته والشاهد في خدمته، الصَّادِقُ في إيمانه ὁ πιστὸς وتعليمه.
كان ينبغي أن تكون الكنيسة هي الشاهدة الأمينة حيث قال رب المجد «وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع 1: 8). ولأن المسيح معلمها قال «لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ» (يو 18: 2).
«بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ» (رؤ 3: 14) ἡ ἀρχὴ τῆς κτίσεως τοῦ θεοῦ رأس الخليقة الجديدة، «بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ» (كو 1: 15)، فالمسيح له المجد هو رأس الخليقة (أم 8: 22-31)، وأصلها ورأس الكنيسة. عندما يقول أنا هو الأول يعني أول كل شيء، أصل كل شيء، مُوجِد كل شيء.
في آدَم الأول رأس الخليقة القديمة مات الجميع واحتجنا إلى الخليقة الجديدة، وفي آدم الثاني «الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ... وَإيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ» (أفسس 1: 20-23).
ففي المسيح أعاد الله خلقة الإنسانية المائتة ثانيةً، كما يقول مار بولس «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أف 2: 10)، «فَإنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى.. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ، الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ» (كو 1: 16-17)، «لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ» (رو 11: 36).
«لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ هَكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ» (1 كو 15: 22). فالمسيح بفدائه بدأ الخليقة الجديدة.
«أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ» (رؤيا 3: 15)
جاءت هذه العبارة بمعنى مزدوج، مطمئن ومرعب في معظم الكنائس. وجاءت كعبارة مشجِّعة مع ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا، بينما في كنيسة اللاودكيين نسمعها بصوت منذِر ومرعِب «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ».
«أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا» (رؤيا 3: 15)
البرودة بُعدٌ عن عمل الروح القدس الناري، والحرارة هي القرب من الله النار الآكِلة، النور الذي لا يدني منه، ولا يشاء أن يُخدِمه إلا السرافيم الملتهبون نارًا، ولذلك حلَّ الروح القدس على خُدامه الرُّسل في يوم الخمسين كألسِنة نار ليبدأوا خدمتهم النارية. فالذي يعمل فيه الروح يلتهب بحرارته حُبًّا في كلمة الله وشوقًا للصلاة، والذي لا يعمل فيه روح الله يصير باردًا. والكتاب يقول «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ إنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللَّهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ» (1 مل 18: 21). أما الفتور بين حرارة الروح وبرودة الخطية في عبادة شكلية وحياة مظهرية كالكتبة والفريسيين «لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هَؤُلَاءِ» (2 تي 3: 5) لذلك كان تهديد الرب لملاك كنيسة اللاودكيين:
«لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا... هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ» (رؤيا 3: 15-16)
هل حقا البرودة أعظم من الفتور؟ بالطبع لا، فالبرودة بُعدٌ كامل عن الله. إذن فلماذا يشاء الله أن يكون الإنسان باردًا أفضل من أن يكون فاترًا؟! لأن الإنسان البارد البعيد عن الله، يعرف أنه بعيد، فيشعر بحاجته إلى العودة إلى الله، فهو قريب من التوبة، توبته أسهل. أما الفاتر فله مظاهر القُرْب لله، فهو غافل عن الخطر الذي هو فيه فلا يشعر باحتياجه إليها، ولذلك يقول له الرب «وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ». هو كذلك ولكنه لا يعلم ولا يشعر باحتياجه إلى التوبة.
«هَكَذَا لِأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلَا حَارًّا» (رؤيا 3: 16)
تأتي حالة الفتور من:
1. يبدأ الإنسان حياة الروح حسنًا، ولا يكمل جهاده، فيكتفي بحياة سطحية دون الدخول إلى العمق، فيبقى في الحياة الفاترة.
2. يبدأ الإنسان حياة الروح، ويستمر حتى يلتهب روحيًّا، ثم يبتعد عن مصادر الحياة الروحية، فيفتُر بالتدريج.
3. يبدأ الإنسان حياة الروح ويلتهب بها، ثم يختلط بأبناء العالم فيفتُر.
وفي كل هذا يسمع صوت الله منذرًا «أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي»،
أو «أُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا» (رؤ 2: 5)
«أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَأَكَ مِنْ فَمي» (رؤيا 3: 16)
وهنا يهدد الرب ملاك الكنيسة أو أسقفها وراعيها،
عجيب أن الملائكة يسقطون. مهما كبُرَ الإنسان يمكن أن يخطئ وتفتُر محبته ويحتاج إلى توبة. فلنحترس إذن لئلا نسقط.
وعجيب أنه بدلًا من أن تنمو محبتنا ويصير لنا مع الله ذكريات حلوة، تفتر هذه المحبة ونحتاج أن نتذكر المحبة الأولى، والأشواق القديمة. وعجيب أن الله يعاتب برفق "أين محبتك الأولى؟". كان يمكن أن يعاتبه أين نُمُوُّك في المحبة؟ ليتنا نسأل أنفسنا عن عواطفنا القديمة في الصلاة، والحب الأول، حبٌّ يظهر في صوتنا وملامح الوجه، ورغبة البقاء أطول مدة في محضر الله، أخاف وأنا أصلى أن اسمع صوتك يَا رَبُّ يهمس في أعماقي أنت تُصَلِّي بشفتيك، أين محبتك الأولى؟!
المحبة: في قصة الابن الشاطر. كان الابن الأكبر يخدم أباه ولم يتركه. وقال «هَا أَنَا أَخْدِمُكَ سِنِينَ هَذَا عَدَدُهَا وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوَزْ وَصِيَّتَكَ» (لو 15: 26)، وكان الرب يقول له نعم «وَقَدِ احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ ، لَكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى» (رؤ 2: 3-4)، محبتك لأخيك الذي كان ينبغي أن تفرح بعودته إذ «كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ وَكَانَ ضَالًّا فَوُجِدَ» (لو 15: 32)، ومحبتك لأبيك تُشْرِكُكَ في الفرح بعودة أخيك.
صعبٌ علينا يا رب أن تقول «أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي!!».
إلى هذه الدرجة يا رب لا تحتمل الفتور «مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ» (إر 48: 10). تريدنا حارين في الروح، وفي الخدمة، جادين في حياتنا الروحية مصلين من القلب، نقرأ كتابك بفهم وتأمل، عاملين بوصاياك، تقول «اخذ من الروح الذي فيكم وأعطي السبعين» (عد 11: 22)
تتقيأنا يَا رَبُّ من فمك؟! لا تسمح بهذا! بل ألهبنا بنار حبك الإلهي وأضرم فينا عمل روحك القدوس ولا تتركنا نفتر أو نبرد.
العجيب أن هذه الكنيسة التي رفضت الكهنوت (كوكلاء سرائر الله)(12) (1 كورنثوس 4: 1) ونادت بالعلمانية (13)هي الكنيسة الوحيدة التي فارقها المسيح وخرج خارج بابها ولم يقل كلمة مدْح واحدةً لها، على الرغم أنه وبَّخ باقي الكنائس لأخطائها، لكنه مدحها وشجعها للتوبة، أما هذه فلا مديح ولا تشجيع. هذه الكنيسة ادَّعَتِ المعرفة، وهذا قادها إلى الكبرياء (رؤيا 3: 17) فصارت في نظر الله "شقية وبائسة وعمياء" (رؤيا 3: 17). لكن الرب المحب وهو خارج بابها لا يزال يطرق طالبًا الدخول «اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي لأَنَّ رَأْسِي امْتَلأَ مِنَ الطَّلِّ، وَقُصَصِي مِنْ نُدَى اللَّيْلِ.» (النشيد 5: 2)، «هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ» (رؤيا 3: 20)، ولا يفشل من عودتها.
«لأَنَّكَ تَقُولُ: إنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إلَى شَيْءٍ»
شتان الفرق بين كنيسة سميرنا الفقيرة وكنيسة اللاودكيين التي تشعر بغناها وربما تزدري بالفقراء، فكنيسة سميرنا الفقيرة قال عنها الرب أنها غنية بالروح أما كنيسة اللاودكيين:
في نظر الإنسان: تَقُولُ إنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إلَى شَيْءٍ،
في نظر المسيح: لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ.
أنت تحيا في ثلاثة أوهام: «أَنَا غَنِيٌّ (الحاضر)، وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ (الماضي)، وَلاَ حَاجَةَ لِي إلَى شَيْءٍ (المستقبل)» (رؤ 3: 17).
الله كان وسط كنيسة سميرنا، وخارج كنيسة اللاودكيين يطرق بابها.
«وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ» (رؤ 3: 17)
أنا أصِفُكَ بخمس صفات (الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ)، والمشكلة أنك تحيا في أوهامك ولا تعرف حقيقتك. ليس المُهم رأيك في نفسك وكيف تراها، ولكن المُهم كيف يراك الله؟ مَن أنتَ في نظره هو؟
علاجُ الكبرياء هو انسحاب النعمة، فيسقط الإنسان ويشعر باحتياجه لله، وهذا ما قصده داود النبي حينما قال «امْلَأْ وُجُوهَهُمْ خِزْيًا فَيَطْلُبُوا اسْمَكَ يَا رَبُّ» (مز 83: 16)، فـ«قَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ» (أمثال 16: 18). حينما يشعر الإنسان بأنه غني وقد استغنى ولا حاجة له إلى شيء تفارقه نعمة الله فيسقط.
عندما أحس القديس بطرس بذاته وأنه قوي وقال للرب «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» (مرقس 14: 31)، سمِع حُكْم الرب: «قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ» (مت 26: 34).
وعندما سقط وشعَر بضعفه، وبكى بكاءً مُرًّا كان أقرب للنعمة منه عندما كان شاعرًا بقوته. وهذا ما قاله مار بولس «لِأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (2 كو 12: 10)
أَنْتَ الشَّقِيُّ تكررَت هذه الكلمة ثلاث مرات في العهد الجديد (1 كو 15: 19؛ رؤ 3: 17؛ رو 7: 24)، وَالْبَئِسُ تكررت مرتين، وَفَقِيرٌ من الاحتياج، وَأَعْمَى هناك عِمْيان مُبصرين ومُبصرين عِميان. قال الرب للفريسيين «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلَكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إنَّنَا نُبْصِرُ فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ» (يوحنا 9: 41)، وَعُرْيَانٌ «طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ» (رؤيا 16: 15) ضَعفٌ يحتاج إلى نعمة الله.
«أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي» (رؤيا 3: 18)
هذه هي حرية الإرادة، الله لا يُجبِر أحدًا على السلوك في البِر، بل يُعطي المشورة، ويُعينُه بِنِعمتِه. وعلى الإنسان أن يجاهد فيشتري، ويتحمَّل بعضَ النفقة، ويُضاف إلى آية الجهاد. هذه آية أخرى تُبرز النعمة هي: «وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ» (رؤ 19: 8).
والنعمة تَظهر في كلمة «أُعْطِيَتْ»، فالفاعل هو الله والجهاد يظهر في عبارة «تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ» أي جهاداتهم في أعمال البر. وبالجهاد والنعمة نصل إلى علاج نقائصنا.
وهذا المرض الثلاثي يحتاج إلى علاج ثُلاثي:
«أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ» (رؤيا 3: 18)
أنت فقير تحتاج إلى الذَهَب المُصَفَّى بِالنَّارِ لتصير غنيًّا بالحقيقة، وهذه استقامة الإيمان، بواسطة عمل الروح القدس الناري (1 بط 1: 7). أنت عُريان تحتاج ثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ (رؤ 3: 8)
وهذه استقامة السيرة وطهارتها.
أنت أعمى تحتاج أن تُكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ، فتكون لك البصيرة (مت 6: 23)، وهنا يفارقك البؤس والشقاء وتكون سعيدًا بالله.
الذَهَب المُصَفَّى بِالنَّارِ هو التعليم النقي، والثياب البيض هي حياة التوبة التي تغطي عُرْيَ الخطية، وكُحْلُ العينَيْنِ هو المحبة الإلهية والإحساس الدائم بوجوده فلا تستغني عن المسيح بل تستغني به.
«ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ» (رؤيا 3: 18)
هذا هو الإيمان العامل بالمحبة، فالذهب يرمز للإيمان المستقيم النقي، والإيمان يُختبر بالنار فالشياطين يؤمنون ويقشعرون، إيمانهم ميت غير مثمر أما أبناء الله فإيمانهم عامل بنار المحبة، وبالإيمان والأعمال يسْتَغْنِيَ الإنسان.
«وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ» (رؤيا 3: 18)
أخطأ أبوانا الأولان فصارا عريانين. وعبثًا حاولا أن يُغطيا خزي عُرْيَتِهِمَا بأعمال أيديهما بأوراق الشجر. فاحتاجا إلى الثياب البِيضِ التي من الله، وهكذا تم الفداء. صعد الابن عريانًا على الصليب، وبدأ من حيث كان آدم مطرودًا وعريانًا، حتى كسانا بثوب بِرِّه، والآن يبدأ ابن آدم عريانًا في المعمودية حتى يلبس ثيابًا بيضًا رمزا للغفران بالصليب الذي نحصل عليه بدفننا مع المسيح في المعمودية وقيامتنا معه في الحياة الجديدة. هذا هو دَرْسُ المصالحة مع الآب الذي تذكرنا به الكنيسة في صلاة الصلح في القداس الإلهي حينما يُصَلِّي الكاهن ويداه عريانتان أمام الله. الكاهن يُغطِّي يديه باللفائف طوال القداس ماعدا صلاة الصلح وترمز يداه العريَانتان إلى الإنسان عندما أخطأ فتعرى. ثم تصالح مع الله بالصليب (قبلوا بعضكم بعضا)، إذ يقف الشماس مقابل الكاهن مُمسكًا الصليب الذي به تَمَّتْ المصالحة، بينما الكاهن يُمسِكُ اللفافة المُثَلثة الشكل ترسم سهمًا نازلًا من فوق يرمز إلى تجسد الابن لفدائنا، ثم تكسوا اللفائف يدَيّ الكاهن نائبًا عن الشعب أمام الله.
فقد أعطانا الرب بصليبه وفدائه ثياب البر؛ لكي نلبس فلا يظهر خزي عُرْي خطايانا، ونحن نأخذ هذا من خلال المعمودية المقدسة. «الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ» (روميه 13: 14).
«وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ» (رؤيا 3: 18)
اشتهرت لاودكية بالطب، وكان يُرمَز لها بالإله "اسكلابْيُس" Asclepius، وصورته ثعبان تجده مرسومًا على الصيدليات. وكما اشتهرت بصُنْع الكُحْل كعلاج أمراض العيون، ولذلك اسْتُخْدِمَ التشبيه بكُحْل العيون الروحية، «مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ» (أفسس 1: 18).
![]() |
«إنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ» (رؤيا 3: 19)
في شفقة عجيبة احتضن رب المجد أسقف لاودكية المخطئ والمهمل بعدما وبخه توبيخًا شديدًا وأدَّبَهُ. وبعبارة حُلْوة ولَمْسة حُبٍّ عميقة قال «إنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ»، فلا تأخذ كلمات التأديب الحاسمة كأنها بُغضةً لك أو رفضا، فـ«أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ» (أم 27: 6)، وهذا ما قاله سليمان الحكيم «الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ» (أمثال 3: 12)، ويكرره مار بولس الرسول «الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ» (عب 12: 6). داود النبي أحبه الرب وقال عنه «وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي» (أع 13: 22)، ولما أخطأ أرسل له ناثان النبي يُنَبِّهه قائلا «أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ!» (2 صم 12: 7)، ثم أدبه بالحُكْم «فَالابْنُ الْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ» (2 صم 12: 14)، ولم يتركه.
«فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ» (رؤيا 3: 19)
كن غيورا على أبديتك وأبدية رعيتك، وتُبْ عن خطاياك وعن إهمالك.
«هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ» (رؤيا 3: 20)
هَأَنَذَا Ἰδοὺ: واقفٌ على باب كل إنسان، أَطرِقُ على قلبه بالكتاب المقدس والعظات أحيانًا، وبالتجارب والضيقات أحيانًا، وبالأحداث من حوله والحوادث التي تُنَبهه أحيانًا أخرى. أَطرق طرقات داخل ضميره تُيْقِظه بأنواع وطُرق شَتَّى؟ لقد طرق الله على قلب يونان الهارب كثيرًا بالكلام أولًا ثم بالريح واضطراب السفينة ثم بالقرعة التي تحدده ثم بجوف الحوت، حتى ربِحَه.
«وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ» ἕστηκα ἐπὶ τὴν θύραν καὶ κρούω
ماذا حدث يا رب؟ من أخرجك خارج الباب؟ أهكذا تعمل خطاياي؟ تجعلك خارجًا! «وَيْحِي أَنا الإنسانُ الشَّقِي!». نعم حالة لاودكية جعلت الله خارج الباب.
لكني أشكرك ربي لوداعتك واتضاعك... فعندما خرجتَ إلى خارج لم تنفُض غُبار رجليك ولم تقل لنا «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِنكم» (مت 10: 15)
بل ظللتَ ربِّي تقول «هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ» (رؤيا 3: 20)
إذن عُدْ رَبِّي سريعًا وادخُلْ إلى قلبي. إنه مِلْكٌ لك، خلقتَه، عُلتَه، فَديتَه.
عجيب يَا رَبُّ أن تقف على الباب وتقرع، وأنت «الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلَا أَحَدٌ يَفْتَحُ» (رؤ 3: 7). إذن لماذا تقف خارجًا؟ لماذا تقرَعُ؟ المفتاح معك. أنت تفتح ولا يقدر أحدٌ أن يُغلِق. عجيبٌ أنت... رُغْمَ قدراتك لا تقتحمُ النفس البشرية، تحترمُ حرية إراداتها تطرق الباب وتنتظر، «إنْ سَمِعَ أَحَدٌ وَفَتَحَ الْبَابَ، تدْخُلُ إلَيْهِ»، تقول لنفسي «اِفْتَحِي لِي يَا حَبِيبَتِي يَا كَامِلَتِي» (نش 5: 2-8).
وغريبٌ أننا نغلق في وجهك، أما أنت فتقول لنا «هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا» (رؤيا 3: 8).
آه ربي... مُنذ متى وأنت واقفٌ على بابي تقرعه؟ أَسرِعِي يا نفسي لتفتحي، ولْتُسرعْ كل النفوس وتفتح أبوابها، إن صوته مملوء حُنُوًّا. أَخْشى أن نستهين بتواضعك، وطول أناتك فيأتي الوقت الذي يُقال فيه «حَبِيبِي تَحَوَّلَ وَعَبَرَ» (نش 5: 6).
«إنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ» (رؤيا 3: 20)
إنها الحرية... الله لا يُجبِر أحدًا على التوبة أو الحياة المقدسة، إنه يَطرِق فقط، ويجعل مِقبضَهُ ناحيتك. أنت تسمع أو تَصُمُّ أُذنيك، تفتح أو لا تفتح. و«طُوبَى... وَلِآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ» (مت 13: 16).
داود النبي أحبه الرب وقال عنه «وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي» (أع 13: 22)، ولما أخطأ أرسل له ناثان النبي يُنبهه قائلا «أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ» (2 صم 12: 7)، ثم أدبه بالحُكم «فَالابْنُ الْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ» (2 صم 12: 14)، ولم يتركه.
«أَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي»: في البداية يقول الرب «أَتَعَشَّى مَعَهُ»، فأنت تستضيف المسيح ليتعشى معك. أنت تعطيه، فيرد لك مئة ضعف، ويقول «وَهُوَ مَعِي»، ولكن فرق بين عطاياك للمسيح وعطايا المسيح لك. فكلٌ حسب غِناه.
عندما يقول «أَتَعَشَّى مَعَهُ» كأنه يقول هَذا هُوَ مَوْضِعُ راحتي إلَى أَبَدِ الأبَدِ، وعندما يقول «وَهُوَ مَعِي» فَامْلأْهُ من نعمتي. الإنسان يعطي الله قلبه أولًا، يعطيه العشور أولًا، فيفتح الله كُوَى السماء حتى يقول كفانا كفانا. ويظن الإنسان إنه هو الذي فتح للرب وأدخله وقدم له العشاء.
ظهر الربُّ للسامرية كأنه عطشان، يريد أن يشرب. ولكن الحقيقة أنه هو الذي رواها بالماء الحي الذي من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد.
ما أروعك ربي. تأتينا في شكل المحتاج، تطرق الباب تطلب العشاء، تطلب المبيت، وسرعان ما تتحول إلى المعطي بسخاء الذي يُشبِع كل حَيٍّ من رضاه.
أغلقَتِ السامرة أبوابها أمام الرب، ولكن السامرية فتحت وحدها. فدخل الرب السامرة كلها. وصارت امرأة واحدة بركة للمدينة كلها.
ولعل العشاء هو سر الافخارستيا، شجرة الحياة التي مَن يأكل منها يحيا إلى الأبد (يو 6: 58). وفَتح الباب، ليس أن نسمع صوته فقط بل أن نقوم ونفتح له. «لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ» (رو 2: 13). التجاوب العملي مع كلمة الله هو الإيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ» (غل 5: 6).
«مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي» (رؤيا 3: 21).
«مَنْ يَغْلِبُ Ὁ νικῶν»: ملاكُ كنيسة اللاودُكيين كان قد انهزم في بعض الأمور. انهزم أمام 1 الفتور، 2 والغرور فشعر أنه غَنِيٌّ مع أنه (3 الشَّقِيُّ 4وَالْبَئِسُ 5وَفَقِيرٌ 6وَأَعْمَى 7وَعُرْيَانٌ). هذه الهزيمة السُّبَاعِية هزيمة كاملة فرقم 7 كمال النقمة، فقَدَّم له الرب العلاج الثلاثي الإلهي فقال له «1تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، 2وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، 3وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ»، فرَقْمُ ثلاثة مرتبطٌ بالله، والعلاج يأتي من الله. فَعَمَلُه أن يستبدل الهزيمة السُّبَاعِية الكاملة، بالنصرة الإلهية الثلاثية الكاملة.
«فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي» (رؤيا 3: 21)
δώσω αὐτῷ καθίσαι μετ’ ἐμοῦ ἐν τῷ θρόνῳ μου,
عجيب أن الرب يعطي الغالبين أن يجلسوا معه في عرشه، كما غلب هو وجلس مع الآب في عرشه. «أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ» (أف 2: 6). أمَّا الجلوس في عرشه فماذا يعني؟ الثبات في الله؟ الثبات في المُلْك؟
أننا سنتمجد معه؟ سندين معه المسكونة؟ نعم يعني كل هذا.
«كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤيا 3: 21)
ὡς κἀγὼ ἐνίκησα καὶ ἐκάθισα
μετὰ τοῦ πατρός μου ἐν τῷ θρόνῳ αὐτοῦ.
المسيح له المجد غلب، لذلك قال «ثِقُوا أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يو 16: 33)، و«ارْتَفَعَ إلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ» (مر 16: 19)، وقال «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» (1 كو 15: 55)، غَلَبْ في حياته وفي مماته.
«يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا... جَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤ 3: 21)
يكفيني يَا رَبُّ عبارة «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ» (غل 2: 20)، فأنا أشتهي كرامة الصَلْب معك. فالصليب عرشُك المُقدس الذي عليه بدأَتْ مملكتُك. أم أن تُجلسني معك في عرشك؟ أيُّ جلالٍ هذا؟!
«مَنْ يَغْلِبُ... كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا»
«تَارِكًا لَنَا مِثَالًا لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ» (1 بط 2: 21). رسم لنا الرب طريق الغَلَبة، فدخل المعركة مع الشيطان في البرية بعدما أخفى لاهوته، ولم يستخدم لاهوته، بل استخدم نفس الأسلحة المتاحة للبشر. استخدم كلمات الله في العهد القديم التي يُمكن أن نستخدمها نحن ونغلب بها الشيطان، أخذ إنسانيتنا وغلب بها، فأعطى بشريتنا قدرة الانتصار. وقادنا في موكب نصرته.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
![]() |
«مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ: هذا الوعد الإلهي للإنسان وعدٌ متدرج:
1. الوعد الأول: للإنسان وقد فقد الفِرْدَوْس، «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ» (رؤيا 2: 7)
2. الوعد الثاني: للإنسان وقد حُكم عليه بالموت لأكْلِه من شجرة معرفة الخير والشر«مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي» (رؤيا 2: 11)
3. الوعد الثالث: إذ أكل بنو إسرائيل من المن وماتوا، «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَىَّ». فيحيا إلى الأبد (رؤيا 2: 16)
4. الوعد الرابع إذ نرى بني إسرائيل في عصر الملوك، وقد اختلطوا بالأمم فزال عنهم المُلْك على الأمم «مَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا (المُلك) عَلَى الأُمَمِ».
5. الوعد الخامس وقد وصلنا إلى عصر الأنبياء، نرى الثلاثة فتية يتمشون مع المسيح في الأتون، نَغلب فيُعطينا الْحَيَاةِ الأبدية «مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا».
6. الوعد السادس من يغلب فسأجعله عمودًا فِي... أورشليم الجديدة، نَغلب فيُعطينا الوصول إلى السماء والثبات فيها «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إلَى خَارِجٍ»
7. الوعد السابع وقد وصلنا إلى المجيء الثاني، «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي» (رؤ 3: 21) وهذا هو الوعد الأخير الدائم إلى الأبد.
«مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ» (رؤ 3: 22).
Ὁ ἔχων οὖς ἀκουσάτω τί τὸ πνεῦμα λέγει ταῖς ἐκκλησίαις.
هذه هي العبارة قبل الأخيرة في الرسائل الثلاث الأولى،
والأخيرة في الرسائل الأربع الأخيرة.
وقد سبق شرحها في (رؤ 2: 7، 11، 17، 29).
_____
(12) هم كهنة وسطاء مثلًا في تَقَبُّل التوبة وغفران الله للخطية «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يوحنا 20: 23).
(13) البروتستانت يرفضون الكهنوت وتوسط الكهنة بين الله والناس، وجماعة بَلَيْمُس خصوصًا. وينادون بعلمانية الكنيسة وحكم الشعب.
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 4![]() |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
تفسير الرؤيا 2![]() |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/apocalypse/chapter-03.html
تقصير الرابط:
tak.la/4n5pzgw