محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
الرؤيا السادسة (رؤيا 17- 19)
فرح السمائيين بدينونة الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ (رؤيا 19: 1-6)
الإصحاح التَّاسِعَ عَشَرَ
فرح السمائيين بالرب وبِعدله
فرح السمائيين بدينونة الزَّانِيَة الْعَظِيمَة (رؤيا 19: 1-6)
1 وَبَعْدَ هذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ قَائِلًا «هَلِّلُويَا الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إلهِنَا،
2 لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَق وَعَادِلَةٌ، إذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا».
3 وَقَالُوا ثَانِيَةً «هَلِّلُويَا. وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ».
4 وَخَرَّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتِ وَسَجَدُوا للهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ قَائِلِينَ: «آمِينَ هَلِّلُويَا».
5 وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلًا «سَبِّحُوا لإلهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ».
6 وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً «هَلِّلُويَا فَإنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
عُرْسَ الْخَرُوفِ (رؤيا 19: 7-10)
7 لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا.
8 وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ».
9 وَقَالَ لِيَ «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ».
وَقَالَ «هذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ». 10 فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ،
فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ
يَسُوعَ. اسْجُدْ ِللهِ فَإنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ».
المجيء الثاني للعريس المنتصر (رؤيا 19: 11-16)
11 ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. 12وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إلَّا هُوَ.
13 وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ».
14 وَالأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْل بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا.
15 وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
16وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ»
دينونة الأشرار (رؤيا 19: 17-18)
17 وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ «هَلُمَّ اجْتَمِعِي إلَى عَشَاءِ الإلهِ الْعَظِيمِ، 18 لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْل وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ الْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا».
دينونة الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ (رؤيا 19: 19-21)
19 وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. 20 فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ
مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. 21 وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ.
![]() |
فرح السمائيين وتهليلهم لله
أعلن الإصحاح السابق (رؤيا 18) سقوط بابل الشريرة عروس الشيطان، الزَّانِيَة الْعَظِيمَة، جماعة الأشرار، وقد كان أمرًا محزنًا.
وقد كان الإصحاحان (رؤيا 16-17) مؤلمين أيضًا.
لكننا نشكر الله الذي لم يُنْهِ السِّفْر بهذه الخاتمة المُحزنة بل نرى في هذا الإصحاح فرح السمائيين وتهليلهم لله من أجل:
1. إدانة الزَّانِيَة الْعَظِيمَة أو جماعة الأشرار. (رؤ 19: 1-6)
2. قُرب العُرْس الإلهي، عُرْس الْخَرُوفِ، فقد تهيأت العروس أو جماعة الأبرار لتُزَف لعريسها. (رؤ 19: 7-10)
3. السَّمَاء المَفْتُوحَة، والمسيح العريس راكبًا الفَرَس الأَبْيَضُ وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، واسْمُهُ مَكْتُوبٌ «كَلِمَةَ اللهِ»
«مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ»، ويَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ سَيْفٌ مَاضٍ ويَتْبَعهُ الملائكة عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ (رؤ 19: 11-16، 14)
4. وانتهت القصة بالقُبِض عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ وَطَرحهما حَيَّيْنِ إلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. (رؤ 19: 19-21)
«وَبَعْدَ هَذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ قَائِلًا: «هَلِّلُويَا الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إلَهِنَا.» (رؤيا 19: 1)
«وَبَعْدَ هَذَا» أي بعد عقوبة الأشرار في الإصحاح الثامن عشر.
«سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا» هو صوت الملائكة السمائيين يهتفون معًا بصوت عال، وما معنى الصوت العالي في العالم الروحاني؟ فالصوت اهتزاز المادة وعلوه اهتزازٌ أشد، فعبارة «سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا» تعني هنا كثرتهم وخروج الصوت من أعماقهم يسبحون الرب الإله بعاطفة وحب.
«مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ» فهؤلاء الملائكة ألوفَ ألوفٍ وربوات ربواتٍ يسبحون الله، ليس فقط من أجل محبتهم له، بل أيضًا يسبحونه بدلًا منا إذ خلصنا من يد الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها.
[وقد سمع مار يوحنا الجَمْع الكَثِير فِي السَّمَاءِ مرتين (رؤيا 19: 1-6) الأولى تتجِه إلى الماضي فتحتفل بدينونة الزانية (رؤيا 19: 1- 4)، بشكل حوار في جوقتين (رؤيا 19: 1- 3) يشارك فيها الشيوخ الـ 24، والكائنات الحية بسجودهم (رؤيا 19: 4). والثانية تتجِه نحو المستقبل فتحتفل بعُرس الحمل القريب (رؤيا 19: 5- 8). ونسمع النداء السماوي «سَبِّحُوا لإلهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ!» (رؤيا 19: 5)، ثم الصلاة «هَلِّلُويَا! فَإنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا.» (رؤيا 19: 6- 8). بعد هذا تأتي الطوبى الرابعة «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!» (رؤيا 19: 9)](113).
قَائِلًا: هَلِّلُويَا وهي كلمةٌ عبرية دخلت لغات كثيرة، وتعني هللوا لله أو سبحوا الله، فالمقطع الثاني مأخوذ من يهوه. وَهِيَ كلمة لم ترد في العهد الجديد إلا في سِفْر الرؤيا. وتكررت في هذا الإصحاح 4 مرات(114).
«الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إلَهِنَا»: ونحن نهلل ونفرح بالله لأنه خلصنا من الأشرار، ونمجده ونكرمه لأنه صانع الخيرات معنا ولأنه كلى القدرة، وقدرته تعطينا السلام فنحن تحت حمايته لا نخاف شيئًا، فالرَّبُ إلَهُنَا يعطينا النصرة على الشر والشرير (الشيطان).
وقد جاءت كلمات التسبيح أربعة: «الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ» (رؤيا 4: 11) كمال المكان، فالسمائيون يسبحون الله نيابةً عن الخليقة في كل مكان.
«لِلرَّبِّ إلَهِنَا»: عبارة رائعة، ليس الرب الإله، بل «إلَهنَا» فهو لنا أبونا.
«لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَق وَعَادِلَةٌ.» (رؤيا 19: 2)
«حَقٌّ وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ.» (رؤيا 16: 7)
«عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ.» (رؤيا 15: 3)
فالله هو الحق «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.» (يوحنا 14: 6)
و«أَحْكَامَهُ حَق وَعَادِلَةٌ»: «فالله لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ» (عبرانيين 6: 10).
تَهللوا وسَبحوا «إذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ»
«إذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا» (رؤيا 19: 2)
«هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ الزَّانِيَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَالِسَةِ عَلَى الْمِيَاهِ الكثيرة التي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا» (رؤ 17: 1-2)
«سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ،...، لأَنَّهُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ الأُمَمِ، وَمُلُوكُ الأَرْضِ زَنُوا مَعَهَا» (رؤ 18: 2-3).
«وَيْلٌ وَيْلٌ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْقَوِيَّةُ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ جَاءَتْ دَيْنُونَتُكِ» (رؤيا 18: 10).
والسمائيون لا يتَهللون ولا يفرحون بالانتقام بل بإقامة العدل. والعدل فضيلة تُفَرِح سُكان السماء.
والزنى له ثلاثة معاني:
1. الزنى بالمعنى الحرفي وهو العلاقة الآثمة بين رجل وامرأة ليست زوجته وهو درجات بين الزنى الكامل وبين «مَنْ يَنْظُرُ إلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (متى 5: 28).
2. الزنى بمعنى عبادة الأوثان: زنى وراء آلهة غريبة.
3. الزنى الروحي بمعنى أن النفس البشرية وهي عروس المسيح، إن اشتهت آخر أو التصقت بآخر غير عريسها السماوي رب المجد تصير زانية، فعندما تلتصق بالشيطان أو الخطيئة تصير زانية.
«إذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ»: (رؤيا 19: 2)
تمت دينونة بابل في (رؤيا 17). ثم طُرحت في البحر «وَرَفَعَ مَلاَكٌ وَاحِدٌ قَوِيٌّ حَجَرًا كَرَحىً عَظِيمَةٍ، وَرَمَاهُ فِي الْبَحْرِ قَائِلًا «هكَذَا بِدَفْعٍ سَتُرْمَى بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، وَلَنْ تُوجَدَ فِي مَا بَعْدُ.» (رؤيا 18: 21).
«وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا»: (رؤيا 19: 2)
قيل عن بابل أنها «سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ» (رؤيا 17: 6)، و[الدم الذي أُريق ظلمًا وبدا أن الله غير مهتمّ به، قد انتُقم له الآن (رؤ 6: 10؛ 16: 16؛ 18: 20، 24)](115).
«وَقَالُوا ثَانِيَةً هَلِّلُويَا» (رؤيا 19: 3)
تكررت هَلِّلُويَا معبرة عن فرح السمائيين أربع مرات (رؤ 19: 1، 3-4، 6)
«وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 19: 3).
«وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.» (رؤيا 14: 11).
هذه عقوبة الأشرار في جهنم النار الأبدية، حيث َيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ
«وَخَرَّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ، وَسَجَدُوا لِلَّهِ
الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ قَائِلِينَ: «آمِينَ. هَلِّلُويَا» (رؤيا 19: 4)
سبق الحديث عن الأَرْبَعَة وَالْعِشْرينَ كاهنًا، وَالأَرْبَعَة الْحَيَوَانَات غير المتجسدين@ في الإصحاحين الرابع والخامس من السِّفْر، وقيل:
• «وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ. وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا... قَائِلَةً «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ» (رؤيا 4: 4، 6)
• «يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ الْعَرْشِ» (رؤيا 4: 10)
• «فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ «لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ». وَرَأَيْتُ فَإذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ» (رؤيا 5: 5-6)
• «لَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَرُوفِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤيا 5: 8-9).
• «وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ... قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ «مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْخَروفُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ» (رؤ 5: 11-12).
• «كَانَتِ الْحَيَوَانَاتُ الأَرْبَعَةُ تَقُولُ «آمِينَ». وَالشُّيُوخِ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ
خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 5: 14).
• «جَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالشُّيُوخِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ الْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلَّهِ (رؤيا 7: 11).
• «أَجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ قَائِلًا لِي «هَؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟» (رؤ 7: 13).
• «وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا الْجَالِسُونَ أَمَامَ اللهِ عَلَى عُرُوشِهِمْ خَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا للهِ» (رؤيا 11: 16).
• «وَسَمِعْتُ صَوْتًا كَصَوْتِ ضَارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ يَضْرِبُونَ بِقِيثَارَاتِهِمْ، وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ» (رؤيا 14: 2-3). قَائِلِينَ: «آمِينَ. هَلِّلُويَا» (رؤيا 19: 4)(116)
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
«الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا»:
مَن هؤلاء الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا كما تقول الترجمة البيروتية أو الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ كاهنًا كما يقدمهم النص اليوناني؟؟
εἴκοσι τέσσαρας πρεσβυτέρους καθημένους
«الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ كاهنًا» هم طغمة عالية المستوى، وأصْل الكلمة πρεσβυτέρους، ومنها كلمة «شفاعة».
ولأن البروتستانت يرفضون الكهنوت ترجموها شيوخًا بينما في أماكن أُخرى يترجمونها قسوس (أع 20: 17)، وقد أشار القمص أنطونيوس فكري أنه: [لما سامت الكنيسة كهنة للخدمة الكهنوتية وجدت أن أنسب كلمة في اليونانية هي "πρεσβυτέρους" فاستعملتها، وصارت هذه الكلمة تَعني «كهنة» لمدة 15 قرنًا من الزمان، حتى ترجمها البروتستانت شيوخ، وهذا خطأ. فهناك كلمات كثيرة استُخدمت في المسيحية بمعنى اصطلاحي مثل كلمة «إكليسيا» بمعنى جماعة، ولكنها صارت بمعنى «كنيسة» بعد المسيحية. وكلمة «أسقف» في أصلها تعني «ناظر» ثم صارت درجة «الأسقف»، عمومًا فلا يصح أن يتم ترجمة نفس الكلمة مرة بمعنى شيوخ ومرة بمعنى قسوس.](117)
الأَرْبَعَة وَعِشْرِينَ شيخًا هُم ملائكة روحانيون من طراز سامي:
يقول الأنبا بولس البوشي أسقف مصر: هم [ملائكة روحانيون، سُمُّوا هكذا للخدمة التي هم قائمون بها، وعلى أيديهم تصعد صلوات القديسين، فيشفعون من أجل العالم. وقوله أنهم جلوس على كراسي يدل على كرامتهم. وهؤلاء هم أصحاب الكراسي الذين ذكرهم القديس باسيليوس في القداس(118) عندما ذكر التسع رتب الروحانيين القائمين أمام الله قائلًا: «الذي يقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة، والرؤساء والسلاطين والكراسي والأرباب والقوات.»، ثم ذكر بعدهم «الكروبيم الممتلئون أعينًا والسرافيم ذوو الستة الأجنحة». وقد أعلمنا حقيقة ذلك بُولُس الرَّسُول في رِسَالَته إلَى أَهْلِ كُولُوسي: إذ يقول: عن الابن الخاص: «فَإنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ. وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ» (كولوسي 1: 16- 18).](119)
ويقول القمص عبد المسيح ثاؤفيلس النخيلي:
[الأربعة والعشرون قسيسًا شُفعاء الكنيسة يصلون لأجلها ويسبحون الله لأجل عمله معها، والكلمة التي تُرْجِمَتْ في النسخة البيروتية شيوخ، تُرجمت في (أعمال 20: 17) قسوس، والذي رنم هذه الترنيمة الأربعة والعشرون قسيسًا لأن المسيح لم يُذْبَحْ لأجل الملائكة بل لأجل المؤمنين الذين ينوب عنهم هؤلاء الأربعة والعشرون قسيسًا](120).
ويقول القمص تادرس يعقوب في تفسيره لسِفْر الرؤيا:
[منذ القرون الأولى لم تختلف الكنيسة في أمر هؤلاء بل أدركت سمو مركزهم كطغمة سمائية كهنوتية.
رتبت الكنيسة عيدًا تذكاريًا، ذكصولوجية خاصة بهم، تضعهم في مقدمة السمائيين بعد الأربعة مخلوقات الحية.
دُعِيَ الملائكة شيوخًا: «وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ» (إشعيا 24: 23).
يقول كيرلس الأورشليمي: [لقد أمرنا الآباء أن يهتم كل المسيحيين بتذكارهم لما شاهدوه من كرامتهم وعلو مجدهم، هؤلاء غير المتجسدين، لأنهم قريبون من الله ضابط الكل، وهم أمامه في كل حين يشفعون في الخليقة جميعها، صارخين مع الأربعة مخلوقات الحية قائلين: قدوس، قدوس، قدوس.
عظيم هو مجدهم أمام الرب أكثر من الآباء والأنبياء والرسل والشهداء والقديسين، لأن أولئك جميعهم مولودون من زرع بشري، أما هؤلاء الكهنة الروحانيين فسمائيون، ليس لهم أجساد يمكن أن تتدنس بالخطايا كالبشر.
ما أشرف هذه المكانة التي استحقوها! لأن الملائكة وكل بقية الطغمات السمائيّة واقفون أمام الديان العادل، وهؤلاء جلوس على كراسي نورانيّة لابسون حللًا ملوكيّة، وعلى رؤوسهم أكاليل مكرَّمة، وفي أيديهم مجامر ذهبيّة مملوءة صلوات القديسين، وفي أحضانهم جامات ذهبيّة، ويسجدون أمام الحمل الحقيقي، يسألونه غفران ذنوب البشر](121)
وتقول الموسوعة الكنسية للتفسير: الأربعة وعشرون شيخًا من هم؟؟
[نفضل استخدام تعبير مخلوقات سمائية وهو تعبير يشمل كونهم ملائكة متميزين أو أعظم من الملائكة كما قال كثير من الآباء.
ويُرمز بالعدد أربعة وعشرون: اكتمال الكنيسة بعهديها أمام الله (اثنى عشر سبطًا من العهد القديم واثنى عشر رسولا فِي العهد الجديد)، ويمثل الأربعة والعشرون قسيسًا الكهنوت الماثل أمام الله والَّذِي يشفع فِي المؤمنين وينقل صلواتهم إلى الله (رؤ 5: 8)، وما يلبسونه من ثياب بيض يمثل نقاءهم (مثال تونية الكاهن) أما أكاليل الذهب فترمز لمجد وكرامة هذه الدرجة السامية أمام الله إذ جعلهم كالملوك، ويتميز الشعب القبطي بصفة عامة بإجلاله واحترامه للكهنوت ودرجاته وسمو عمله إذ هو السر المتمم لجميع أسرار الكنيسة، وله كرامته أمام الله.
وتعيد الكنيسة للأربعة وعشرين قسيسًا يوم 24 هاتور كما تطلب شفاعتهم وتذكرهم في تسبيحتها](122).
[من يتذوق الحياة مع الرب يسوع يدرك هذه الحقيقة الخالدة، أنه "لا أنانيّة في السماء"، فالقسوس غير المتجسدين بِحُبِّهم لنا لا يميزون بين أنفسهم وبيننا، فينطقون بالتسبيح عنا بلساننا ويفرحون لفرحنا، ويشعرون أننا إخوتهم وشركاؤهم في الحياة السماوية. وهكذا وحَّد الحمل بين السماء والأرض، فصارتا واحدًا.
هي تسبحة شكر كقول العلامة ترتليان، [موضوعها تجسد الرب وآلامه وقيامته وإحساناته الجديدة علينا في كل لحظة. لأن هذه الأمور كلها فوق حدود الزمن نرتبط بها ونعيش فيها وندركها إلى الأبد](123).
لكن الأب بولس فغالي له رأي آخر إذ يقول: [يُقدم مار يوحنا الحبيب الْعَرْش وسط الصورة، مع حروف الجر: «عَلَى الْعَرْشِ» (رؤيا 4: 2)، «حَوْلَ الْعَرْشِ» (رؤيا 4: 3-4)، «عَلَى الْعَرْشِ» (رؤيا 4: 9-10). «أَمَامَ الْعَرْشِ» (رؤيا 4: 10). وسيجمع الرائي في نظرة واحدة الأفق ويجعله «حَوْلَ الْعَرْشِ» ينطلق من الخارج فيعود إلى المركز، إلى المحور. يبدأ في الدائرة الخارجية فيرى: 24 عرشًا، وعَلَى الْعُرُوشِ 24 شيخًا (رؤيا 4: 4). فمن هم؟؟ ليسوا ملائكة، بل بشر. ففي الرؤيا يرتدي البشر وحدهم أكاليل (رؤيا 2: 10؛ 3: 11؛ 6: 2؛ 12: 1؛ 14: 4)، ولباسًا أبيض (رؤيا 3: 4-5، 18؛ 6: 11؛ 7: 9، 13، 14؛ 19: 8، 14). ويُوعَد المسيحيون بعروش سماوية (رؤيا 3: 21؛ مت 28: 19). واسم «الشيوخ» يدل على «الكهنة» (أو القسس: وقشيشا في السريانية يدل على الشيوخ.) وهم المسؤولون عن الجماعات اليهودية والمسيحية. ودورهم دور ليتورجي](124).
«وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلًا: «سَبِّحُوا لإلَهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ» (رؤيا 19: 5).
«خَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ»: نحن نعرف أن العرش الإلهي هو العرش الكروبيمي، وهذا صوت أحد الكروبيم ينادى الجميع أن يسَبِّحُوا الله.
«سَبِّحُوا لإلَهِنَا»: وما أروع الكروبيم أعلى طغمه ملائكية في تعليمهم لنا: «سَبِّحُوا لإلَهِنَا»: عبارة مليئة بالعاطفة، والفرح، «يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ»:
«يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَار»: فنحن في العهد الجديد
صغارًا وكبارًا، ينبغي أن نعلم أننا عَبِيدِهِ. وهذا لا يتعارض مع كوننا أبناء الله، ثم تعبير «الْخَائِفِيهِ» يعلمنا أننا لاَ بُدَّ أن نخاف الله، على الرغم أننا نحبه. فهذا هو تعليم الكروبيم العرش الإلهي في سِفْر الرؤيا، أما تعبير «الصِّغَارِ وَالْكِبَار» فهذا من حيث الدرجة الروحية.
«وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: «هَلِّلُويَا! فَإنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الْإلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْء» (رؤيا 19: 6)
هذا صوت الفرح والتهليل والهتاف للرب الإله.
هو صوت الملائكة والأبرار من البشر، صوت روحاني غير مادى عُبِّر عنه بتشبيهات: «كَصَوْتِ.. َكَصَوْتِ.. وَكَصَوْتِ.. قَائِلَةً: «هَلِّلُويَا!
أما التشبيه: «بالجَمْع الكَثِير، والمِيَاه الكَثِيرَة، والرُعُود الشَدِيدَة» فمأخوذٌ من الطبيعة. غير أن الرُعُود هي ملائكة تتكلم (رؤيا 10: 3-4).
«فَإنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الْإلَهُ»: عبارة بدأت بها ثلاث مزامير: «الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ» (مزمور 92؛ 96؛ 98).
«الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْء»: تعبير يستخدمه اللاهوت النظري في إثبات وحدانية الله. فالله لا يمكن أن يكون إلهًا ما لم يتصف بقُدرته عَلَى كُلِّ شَيْء، وهذه الصفة وحدها كافية لإثبات وحدانية الله.
فإذا افترضنا وجود إلهين فلاَ بُدَّ أن يكونا أحدهما أكثر قدرة من الآخر، وهذا هو الله. أما الأقل قدرة فلا يصلح أن يكون إلهًا. وإما أن يكون الإلهان متساويين في القدرة، وبذلك لا يصلح أيٌّ منهما أن يكون إلهًا. لماذا؟ لأن كُلٍ منهما سيكون قَادِرًا عَلَى كُلِّ شَيْء ما عدا الإله الآخر وهكذا يُمسي كُلٌ منهما ناقصًا في قُدرته، يحد قُدرتَه الإله الآخر، ومن هنا لا يصلح أيٌّ منهما أن يكون إلهًا. لأن قدرته ناقصة ومحدودة.
«لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ الْحَمَلِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا» (رؤيا 19: 7).
قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الْإلَهُ. إذن لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ، فهذا أعظم تهليل وهذه أعظم مناسبة، لحظة زفاف الكنيسة العروس لعريسها المسيح.
لأَنَّ عُرْسَ الْحَمَلِ قَدْ جَاءَ: والعُرْس هو زفاف الكنيسة الغالبة للعريس السماوي المسيح الحمل(125). «كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً» (أفسس 5: 25-27)
«وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا»: فالكنيسة العروس أعدت نَفْسَهَا بالفضائل وهذا هو جهادها، ولذلك استحقت نعمة إلهنا بأن أُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا:
«وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ.» (رؤيا 19: 8)
وَأُعْطِيَتْ مبنى للمجهول فقد أعطاها الله، أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، وهو الكتان الأبيض إشارة لبر المسيح، وهو النعمة غير المنظورة التي نأخذها في سر المعمودية، لذلك نلبس ثيابًا أبيض، «فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ... فَحَمَّمْتُكِ بِالْمَاءِ، وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ، وَمَسَحْتُكِ بِالزَّيْتِ، وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً،.. وَكَسَوْتُكِ بَزًّا، وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ،... وَتَاجَ جَمَال عَلَى رَأْسِكِ. فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ.» (حزقيال 16: 8-13).
وإذا تَلوثَت الثياب بخطايانا، نبيضها بسر التوبة والاعتراف. كجهاد وَسر الإفخارستيا كنعمة وأما: تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ: فبالجهاد والنعمة نلبس الرب يسوع، نلبس بِره.
وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ» (رؤ 19: 9)
ما أروع هذه الوليمة العظيمة وليمة عُرْسِ الخروف، فطُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ هذا العُرْس الَّذِي تبدأ أفراحه بالزفاف المقدس ولا تنتهي إلى الأبد. قال الرب: «هأنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20).
وهو «عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ» لأنه في نهاية حياتنا الأرضية، وقد وعد الرب يوم خميس العهد: «إنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ اللهِ» (مرقس 14: 25؛ لوقا 22: 18)، وهذا ما يحدث في «عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ» حيث اتحاد العريس وعروسه، في أُورُشَلِيمَ السمائية.
وَقَالَ: «هَذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ.» (رؤيا 19: 9)
تكررت هذه العبارة ثلاث مرات في سِفْر الرؤيا في: (رؤيا 19: 9؛ 21: 5؛ 22: 6). «لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إنْسَانٍ كَاذِبًا.» (رومية 3: 4)
«فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ:
"انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ.
اسْجُدْ ِللهِ فَإنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ".» (رؤيا 19: 10)
فرح القديس يوحنا عندما رأى فرح السمائيين.
فرح عندما سمع عن عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ.
فَخَرَّ أَمَامَ رِجْلَي الملاك الذي كان يرافقه ويشرح له ساجدًا شاكرًا على هذه الأخبار المفرحة. أما الملاك ففي اتضاعٍ أمام القديس يوحنا الرسول التلميذ الذي كان يسوع يحبه قال له: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ (الرسل) الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ» أي الذين يشهدون بكرازتهم للرب يسوع، وهذه شهادة من ذلك الملاك المتضع بارتفاع الدرجة الرسولية عمومًا وكرامة القديس يوحنا الحبيب خصوصًا.
وهذا تأكيد لِما قاله الرسول عن الملائكة: «أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ» (عبرانيين 1: 14).
«اسْجُدْ ِللهِ» فالآباء الرسل أعلى درجة في البشر، بعد أمنا العذراء، وهذا يتمشى مع قول الرب لهم: «لاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ.» (متى 23: 9)
«فَإنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ»: فرُوحُ النُّبُوَّةِ وجوهر ما تنبأ به الأَنْبِيَاءُ هو أن شَهَدَوا ليَسُوع كفاديٍ ومُخلص: «الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ، وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا.» (1 بطرس 1: 10-11)
![]() |
«ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً(126)، وَإذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا(127)، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ» (رؤيا 19: 11)
الْجَالِسُ عَلَى الفَرَس الأَبْيَض: هو الرب يسوع، الذي يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، والفَرَسُ الأَبْيَضُ هو كنيسته التي يقودها ويَحْكُمُ فيها بِالْعَدْلِ، كما يُحَارِبُ ويدافع عنها، وقد وعدها أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
«وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إلاَ هُوَ» (رؤيا 19: 12)
وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ: تخترقان أستار الظلام، تفحصان أعماق الإنسان.
وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ: فقد انتصر الرب على الصليب، ولبس لا تاج الشوك والألم- تاج الحب- فقط، بل تاج المُلك أيضًا؛ لأنه ملك على خشبة، إذ دخل في معركة مع الشيطان وقيده، وبدأ مملكته الألفية.
ولا يزال الرب يدخل كل معركة تدخلها الكنيسة، فهو يدافع عنا ونحن صامتون، يحارب ويغلب ويُكَلَّل.
وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إلَّا هُوَ: هو يعرف ذاته بذاته، ولا أحد يعرف الله في جوهره إلا هو، فلا يعرف الله إلا روح الله (1 كو 11: 2).
«وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ: كَلِمَةَ اللهِ» (رؤ 19: 13)
وُصِف الرب بأنه: «شِبْهُ ابْنِ إنْسَانٍ»، وهذا يرمز إلى ناسوت المسيح. كما وُصِف بأنه: «مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ إلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ»، وهذا يرمز إلى كهنوته. وقد صار جسد المسيح عند جَلده وصَلبه مَغْمُوسًا بِالدَمٍ، فهو ككاهن قَدَّم ذبيحة نفسه: مُتَسَرْبِلٌ «بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِالدَمٍ. وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ». فالمصلوب هو «كَلِمَةُ اللهِ» الإله المُتأنس، أقنوم الحكمة.
«والأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْل بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا» (رؤيا 19: 14).
«والأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ»: أي الملائكة، يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْل بِيضٍ، يخدمونه، ويُحاربون عن أبنائه، فجَمِيعُهُمْ «أَرْوَاحٌ خَادِمَةٌ مُرْسَلَةٌ لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ» (عب 1: 14).
«عَلَى خَيْل بِيضٍ»: يحاربون إبليس لأجلنا (رؤ 12: 7).
«لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا»: رمزًا لطهارتهم.
«وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.» (رؤيا 19: 15)
«وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ»: اُنظر شرح [رؤيا 1: 16؛ 2: 12].
«لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ»: ليُعاقب الأشرار وغير المؤمنين.
«وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ»: الرب يُؤَدِّب الأُمَمَ بحَزْمٍ، كما قال في المَزْمُور: «اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ... تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ» (مزمور 2: 8-9)، فالآب أعطى الابن هذا السلطان أن يَرْعَى الأُمَمَ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، والابن أعطى السلطان للغالبين: «مَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ، فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي» (رؤيا 2: 26-27)
وهذا ما تنبأ عنه إشعيا النبي قائلًا: «قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي... فَدُسْتُ شُعُوبًا بِغَضَبِي وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي، وَأَجْرَيْتُ عَلَى الأَرْضِ عَصِيرَهُمْ.» (مز 63: 3، 6). ولنلاحظ هنا أن الدم الذي تلطخت به ثياب المسيح، ليس دم المسيح بل دم الأشرار (فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي).
«وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ» (رؤيا 19: 15).
«فَأَلْقَى الْمَلاَكُ مِنْجَلَهُ... إلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ اللهِ الْعَظِيمَةِ. وَدِيسَتِ الْمَعْصَرَةُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ الْمَعْصَرَةِ حَتَّى إلَى لُجُمِ الْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ.» (رؤيا 14: 19-20)
«وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ.» (رؤيا 19: 16)
«وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ»: تشابه: وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ (رؤ 19: 13).
«وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ»:
والنصان يتحدثان عن تجسُّد المسيح، فالكلمتان: ثَوْبه، وَفَخْذه مرتبطان بالجسد، والفَخْذ مكان السلاح. فالرب حارب إبليس بتجسُّده، وصار: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ» (رؤيا 19: 16؛ 17: 14)(128).
في هذا الإصحاح دُعِيَ المسيح بخمسة ألقاب:
«يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا» (رؤيا 19: 11)، «لَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إلَّا هُوَ.» (رؤيا 19: 12)، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ» (رؤ 19: 13). اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ.» (رؤيا 19: 16).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
![]() |
«وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ.» (رؤيا 19: 17)
مَلاَكًا وَاحِدًا منفردًا في مُهِمَّتِه. كان المَلاك في (رؤيا 10: 1) «وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ»، وكانت أمُّنا العذراء «مُتَسَرْبِلَة بِالشَّمْسِ» (رؤيا 12: 1)، فهو السيد المسيح. أما المَلاَك هنا فـ«وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ»، وهذه صورة مخيفة للأشرار، مقابل صورة العريس وعروسه المفرحة للأبرار، وكلاهما مرتبط بالعَشَاءِ. فللأبرار قال «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!» (رؤيا 19: 9). لذلك قلنا: «لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا».
وللأشرار قال: «هَلُمَّ اجْتَمِعِي إلَى عَشَاءِ الإلهِ الْعَظِيمِ!» (رؤيا 19: 17)
«فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ هَلُمَّ اجْتَمِعِي إلَى عَشَاءِ الإلهِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْل وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ الْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا.» (رؤيا 19: 17-18)
«فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ»
كان لاَ بُدَّ أن يكون صَوْت الملاك عَظِيمًا، أولًا لتسمع جَمِيع الطُّيُورِ الجارحة الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، وثانيًا ليؤخَذ أمرُه بِهَيبَةٍ وجِدِّية، فالحديث موجه للشياطين، والأرواح الشريرة.
وهذه صورة هلاك الأشرار: مذبحة معركة هرمجدون (خر 39: 17-18)، بدأ بإهلاك العظماء: المُلُوك، وَالقُوَّاد، وَالأَقْوِيَاء، حتى وصل للْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا.
هذه وليمة لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الجارحة، الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ التي ترمز للشياطين، يأكلون فيها لحوم الأشرار، الذين سلَّموا أنفسهم للشيطان في حياتهم، فصاروا هم نَصيبَه في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ 19: 20).
وفي هذا الإصحاح عَشَاءان:
«عَشَاء عُرْسِ الْخَرُوفِ» (رؤيا 19: 9):
مرتبط بمُلك الرَّبّ الإله الْقَادِر عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وفرحنا لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا.
يجمع الله جميع المُطَوبين الْمَدْعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ.
فيه هَيَّأَتْ امْرَأَتُهُ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ».
«عَشَاء الإلهِ الْعَظِيمِ» (رؤيا 19: 17):
مرتبط بمذبحة معركة هرمجدون الحامية، وفيها تَأْكُل الشياطين لُحُومَ الأشرار وَيُبيد الرب بسَيْفِ فَمِهِ جميع أعدائه.
يجمع الله جَمِيع الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ.
فيه شَبِعَتْ جَمِيعُ الطُّيُورِ مِنْ لُحُومِ الأشرار.
![]() |
«وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ» (رؤيا 19: 19)
عجيب أن يجتمع الْوَحْشُ وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَأَجْنَادُهُمْ في اللحظات الأخيرة
لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ، مع رب المجد، ويَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ جُنْدِهِ مع كنيسته وأولاده، وبلا شك لا ينتصروا.
حرب هرمجدون: وهذه بدأَت بأن رَأَى مار يوحنا ثَلاَثَةَ أَرْوَاح شَيَاطِينَ خارجة مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَالْوَحْشِ، وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ، صَانِعَة آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ الْعَالَمِ وَكُلِّ الْمَسْكُونَةِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. (رؤيا 16: 13-14)، وهذا ما أشار إليه اَلْمَزْمُورُ: «لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ، وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ 2قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ» (مز 2: 1-2).
«فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ» (رؤ 19: 20) وهذا ما رأيناه في (رؤيا 13: 11-14).
«وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ» (رؤ 19: 20)
وبُحَيْرَةِ النَّارِ: ذُكرت 5 مرات على الأقل في سِفْر الرؤيا.
«وَإبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.» (رؤ 20: 10)
«وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي.» (رؤ 20: 14)
«وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.» (رؤ 20: 15)
«وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ... فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي.» (رؤ 21: 8).
«وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ.» (رؤيا 19: 21).
«وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ... فَمِهِ»: فبالأمر الإلهي ينتهي باقي الأشرار، وتشبع طيور السماء الجارحة من أجسادهم. هذا مصيرهم هنا على الأرض. أما مصيرهم الأبدي فتظهره النصوص التالية:
«إنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَيَقْبَلُ سِمَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ، 10فَهُوَ أَيْضًا سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ اللهِ، الْمَصْبُوبِ صِرْفًا فِي كَأْسِ غَضَبِهِ، وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ أَمَامَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ. 11وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَارًا وَلَيْلًا لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ اسْمِهِ.» (رؤيا 14: 9-11)
«وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. 13وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. 14وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي. 15وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.» (رؤيا 20: 12-15).
_____
(113)بولس فغالي، تفسير سِفْر الرؤيا، ص 247.
(114)(رؤ 19: 1، 3-4، 6) وفي بداية المزامير ونهايتها (مز 104- 106؛ 111- 113؛ 115-117)، مرتبط باسم الله.
(115) بولس فغالي، تفسير سِفْر الرؤيا، الفصل الثلاثين ص 248.
(116) وردت كلمة «آمِينَ» في العهد الجديد: 31 في متى، 13 في مرقس، 6 في لوقا، 50 في يوحنا. يسبق كلمات يسوع: آمين، أقول لكم، الحق أقول لكم). نتلفّظ بكلمة "آمين" في الليتورجيا (1 كو 14: 16) فنعلن أن مواعيد الله قد تمّت. وبما أن يسوع هو الذي أتمها، لهذا يسمّى «آمِينَ» (رؤ 3: 14؛ 1: 7؛ 5: 14؛ 7: 12؛ 19: 4، 11؛ 22: 20). بولس فغالي، تفسير سِفْر الرؤيا، الفصل الثلاثين.
(118)الخولاجي المقدس أي كتاب الثلاث قداسات، طبعة 1902 م، ص 315 و 316.
(119)بولس البوشي أسقف مصر، تفسير سِفْر الرؤيا، إعداد الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أنبا مقار، الطبعة الأولى 2017 م مطبعة دير أنبا مقار وادي النطرون، ص 68، 69.
(120)عبد المسيح ثاؤفيلس (القمص)، وضوح الرؤيا السماوية، شرح وتحليل لسِفْر الرؤيا، راجعه وقدمه المثلث الطوبى البابا شنوده الثالث، 1972 م، ص 183.
(121) تادرس يعقوب ملطي (القمص) من تفسير وتأملات الآباء الأولين: رؤيا يوحنا اللاهوتي، كنيسة مار جرجس باسبورتنج 1979 م، ص 59، 60، 61.
(123)Tertulian, On the Resurrection of the Flesh.
(124)بولس الفغالي (الخوري)، رؤيا القديس يوحنا، دراسات بيبلية 11، الرابطة الكتابية، ص 114، 115.
(125)(مز 45: 13؛ أش 54: 5؛ خر 16: 7-14، هو 2: 16؛ مت 9: 15؛ مت 22: 2-10، مت 25: 1-10، يو 3: 29؛ 2 كو 11: 2؛ أف 5: 32).
(126)تحركات مار يوحنا بين الأرض والسماء، الأبوكالبسيس: الجزء الثاني للمؤلف، الإصحاح العاشر.
(128)(دانيال 2: 47) ، (1 تي 6: 15)
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 20![]() |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
تفسير الرؤيا 18![]() |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/apocalypse/chapter-19.html
تقصير الرابط:
tak.la/27h2ks7