محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
الإصحاح الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ
وصف أورشليم السمائية (رؤيا 22: 1-5)
1. شَجَرَةُ حَيَاةٍ وثمارها:
1 وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ.2فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ. 3وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ.
2. عَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ:
3وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ. 4وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ. 5وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
كلمة الله (رؤيا 22: 6-19):
6 ثُمَّ قَالَ لِي: «هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرَّبُّ إلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا».
المجيء الثاني (رؤيا 22: 7، 10-15، 20):
7 «هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ».
يُوحَنَّا وَالْمَلاَكِ (رؤيا 22: 8-15):
8 وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا. 9فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ. اسْجُدْ ِللهِ!».
المجيء الثاني والمُجازاة (رؤيا 22: 7، 10-15، 20):
10 وَقَالَ لِي: «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.
11مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ».
12 «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ. 13أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ». 14طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إلَى الْمَدِينَةِ، 15 لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا.
المسيح أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُد (رؤيا 22: 16):
16 «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ.
أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ».
الرُّوحُ وَالْعَرُوسُ (رؤيا 22: 17):
17 وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا.
كلمة الله (رؤيا 22: 6، 18-19):
18 لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ.
19 وَإنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ
مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ.
المجيء الثاني وَالخاتمة (رؤيا 22: 20-21):
20 يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا».
آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ.
21 نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.
![]() |
في الإصحاح السابق قال الملاك لمار يوحنا:
«هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوف» (رؤ 21: 9).
فقال مار يوحنا: «وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِي.» (رؤيا 21: 10-11)
«وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا» (رؤيا 21: 2).
فالْعَرُوس امْرَأَة الْخَرُوف، إذَن هي الْمَدِينَة الْعَظِيمَة أُورُشَلِيم الْمُقَدَّسَة، الْمَدِينَة الْمُقَدَّسَة أُورُشَلِيم الْجَدِيدَة، عَرُوس مُزَيَّنَة لِرَجُلِهَا: كلها ألقاب للكنيسة المنتصرة، والتي بدأ هذا الإصحاح بوصفها:
1. شَجَرَةُ حَيَاةٍ مثمرة:
«وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ... وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ.» (رؤيا 22: 1-2)
بدأ الكتاب المقدس في العهد القديم بشَجَرَة الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ،... وَالنَهْر الَّذِي يَسْقِي الْجَنَّة. (تك 2: 9-10)
وانتهى الكتاب المقدس في العهد الجديد بشَجَرَة الْحَيَاةِ وَالنَهْر الصَافِي، وهذا يُظهر وحدانية العهدين القديم والجديد. وعلى الرغم من القرون الطويلة بين كتابة سِفْر التكوين وسِفْر الرؤيا، إلا أنهما يَظهران أنهما لكاتبٍ واحد، وكما لو كانا في زمنٍ واحد، لأن الروح القدس الواحد هو الَّذِي قاد موسى النبي، ومار يوحنا، كلًّا منهما لكتابة سِفْره.
«وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ» (رؤيا 22: 1)
قال الملاك لمار يوحنا: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوفِ» (رؤ 21: 10)، وهنا أَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ، وهذا النقاء يليق بالسماء، نقاء يتمثل في النهر الصافي اللاَمِع كَالبَلُّور، وتلك الحياة تتمثل في نهر مَاءِ الحَيَاةٍ(139). قال عنه الرب فِي عِيدِ الفصح: «إنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ.» (يوحنا 7: 37-39).
«مَاء حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ»: فإذا كان ماء الحَيَاة هو الرُّوح القدس فإن وصفه لاَمِعًا كَبَلُّورٍ يعني أنه مصدر نقاء الحَيَاة لكل من يعتمد بالماء والروح وهذا معنى: «مَاءِ حَيَاةٍ» (رؤيا 22: 1) أو «مَاءٍ حَيٍّ» (يو 7: 38).
«خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ» (رؤيا 22: 1)
أعطانا الله الآب حياة أبدية، وَالْخَرُوف (الابن) بفدائه أعاد لنا نقاء هذه الحياة. ولذلك قال عَرْش اللهِ وَالْخَرُوف، ونلاحظ أنه لم يقل عَرْشا الله وَالْخَرُوفِ بل عرشٌ واحدٌ. لأن الله وَالْخَرُوف إله واحد جالسٌ على عرشٍ واحدٍ، فـ«أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30). «أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ.» (يو 10: 38).
والولادة من الماء والروح، هي ولادة من الله، لذلك وُصف النَهْر الصَافِي مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ بأنه خَارِجٌ مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ، فهو المعمودية بالماء والروح التي بها نصل إلى الله، ولذلك وصفت بأنها مَاءُ حَيَاةٍ، تُعطي حياة جديدة للإنسان، ومن خلالها نصل إلى الجالس على العَرْشِ في السماء.
وهذا ما سبق أن قيل عنه في الإصحاح السادس من السِّفْر:
«وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ».
«وَقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ» (رؤيا 4: 5-6).
والتعبيران: أَمَامَ الْعَرْشِ، وَقُدَّامَ الْعَرْشِ، متساويان يشيران لنفس المكان إذن رْوَحِ اللهِ ذو العمل السُباعي، والماء الزُجَاجي الْبَلُّورِي، يُكَوِّنان المعمودية التي لاَ بُدَّ أن نجتازها لِنَصِل للجالس على العَرْشِ.
![]() |
«فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ.» (رؤ 22: 2)
هذا النَهْر يجري فِي وَسَطِ سُوقِهَا، سُوقِ المدينة التي يُحيطها سُورٌ عَظِيمٌ وَعَال، يحجز الآخرين من دخولها. «وَسُوقُ الْمَدِينَةُ ذَهَبٌ نَقِيٌّ شِبْهُ زُجَاجٍ نَقِيٍّ.» (رؤيا 21: 21)، فيُظهِر قيمة ونقاء البضائع والمُعاملات فيها.
«وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ»:
§ هذه الشَّجَرَة فِي وَسَطِ سُوقِهَا، أي مُقدمة لكل أحد.
§ هي شَجَرَةُ حَيَاةٍ عَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. شَجَرَةٌ واحدة ومع هذا موجودة عَلَى جانبي النَّهْرِ، فهي إذَن شَجَرَةٌ غير مادية، بل هي المسيح ذاته، والنهر عملٌ روحاني أيضًا.
§ وصورة المسيح له المجد، كَشَجَرَةٍ على مَجَارِي الْمِيَاهِ، تؤيد أن المزمور الأول هو نبوءة عنه: «طُوبَى لِلرَّجُلِ... كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ» (مزمور 1: 2).
§ لذلك فالإنسان يجب أن يتشبه بالرب القدوس ويصير كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، تشبه شَجَرَة الحَيَاةٍ المثَمَرَةً، المَغْرُوسَة «عَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ.» (رؤيا 22: 2). «فنَظِير الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ.» (1 بطرس 1: 15-16).
§ ويقدم إرْمِيَا النبي نفس الصورة فيقول: «مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ، وَكَانَ الرَّبُّ مُتَّكَلَهُ، فَإنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ، وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا، وَلاَ تَرَى إذَا جَاءَ الْحَرُّ، وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ، وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ، وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإثْمَارِ.» (إرميا 17: 7-8). وشَجَرَةُ الحَيَاة (تكوين2: 8) هي المسيح؛ لذلك قال الرسول «لي الحياة هي المسيح» (فيلبى 1: 21). وبأكثر دقة هو ثمرة شجرة الحياة، فالصليب هو الشجرة أو الخشبة. قال عنها داود النبي «ملعون كل من عُلق على خشبة.» (غلا 3: 13) وثمرتها جسد المسيح ودمه المسفوك. فهي:
«شَجَرَةُ الحَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ» (رؤيا 22: 2)
شَجَرَةُ الحَيَاةٍ هي المسيح تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، رقمٌ يُمثل الآباء الرسل، فهو غذاءٌ كافي للحياة كلها، للزمن كله، يُقدمه لنا رُسل المسيح: «من يأكلني فهو يحيا بي» (يو 6: 57). فالمسيح من خلال تلاميذه الرسل يُثمر ثمرًا جيدًا: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ الله.» (رؤيا 2: 7).
ومَنْ يَغْلِبُ لها معنيان: غلبة جزئية على الشيطان والخطية، فيعمل بوصايا الله في حياته الآن على الأرض، وهناك الغلبة النهائية: وتعني الاستمرار في الغلبة، فمن يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.
وقد تنبأت عذراء النشيد عن الصليب كشجرة، وجسده ودمه كثمرة عندما قالت: «تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ، وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي» (نشيد 2: 3). فتَحْتَ ظِلِّ الصليب اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ، وجسدُ المسيح ودمه الأقدسان هما الثمرة الحلوة الدائمة في كل زمان (12 شهر)(140)، وثَمَرَة شَجَرَةُ الحَيَاةٍ تُعطىَ لمغفرة الخطايا (متى 2: 28) وحياة أبدية لمن يتناول منه (يو 6: 54)، أما ورق الشجرة لِشِفَاءِ الأُمَمِ فالصليب والإفخارستيا يغفران الخطايا وهذا هو الشفاء.
هذه الصورة في سِفْر الرؤيا، تتشابه مع ما قدمه سِفْر حِزْقِيَال النبي: «وَعَلَى النَّهْرِ يَنْبُتُ عَلَى شَاطِئِهِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ كُلُّ شَجَرٍ لِلأَكْلِ، لاَ يَذْبُلُ وَرَقُهُ وَلاَ يَنْقَطِعُ ثَمَرُهُ. كُلَّ شَهْرٍ يُبَكِّرُ لأَنَّ مِيَاهَهُ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَقْدِسِ، وَيَكُونُ ثَمَرُهُ لِلأَكْلِ وَوَرَقُهُ لِلدَّوَاءِ.» (حزقيال 47: 12).
«وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا 3: 22)
مرة أخرى يتلاقى العهدان: فاللعنة التي دخلت إلى الأرض بسبب الخطية، في بداءة سِفْر التكوين حيث لُعنت الحية التي بواسطتها دخلت الخطية والموت إلى الأنسان (تكوين 3: 17)، إذ قَالَ الرَّبُّ الإلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ.» (تكوين 3: 14) وقَالَ الرب لآدَمَ: «مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ». ولُعنت الأرض مرة ثانية لأنها قبلت دم هابيل من أخيه (تكوين 4: 11).
وخرجت هذه اللعنة في الإصحاح الأخير من سِفْر الرؤيا آخر أسفار العهد الجديد: حيث قال: «وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا 3: 22).
«وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا» (رؤيا 22: 3):
نحن الآن في السماء حيث عَرْشُ اللهِ، فلاَ لَعْنَةٌ، بل كل البركة.
ويؤكد السِّفْر وحدانية الآب والابن فلَهُما عرش واحد هو «عَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ» (رؤيا 22: 1).
«يَكُونُ فِيهَا»: فعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ في الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ. ولنلاحظ أن أُورُشَلِيمَ هذه النَازِلَة مِنَ السَّمَاءِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا هي أبناء الله الغالبون (رؤ 21: 2)، ولذلك تُقدِّم الرؤيا عبارتين متساويتين: «وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا» (رؤيا 22: 3).
«وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ.» (رؤيا 7: 15).
«وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ» (رؤيا 3: 22): ما أسعدنا نحن عبيد الله عندما ننضم إلى العبيد رفقائنا، ونخدم الله في ملكوت السماوات. وهنا نسأل: ما رأيكم أيها البروتستانت أننا نُلقَّب بعبيد الله ليس في العهد القديم، بل في العهد الجديد، بل في سِفْر الرؤيا، وفي السماء عينها حيث يجلس الله على عرشه ونحيطه جميعًا في الفرح الأبدي. يقول الكتاب: «وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ» ألَسْنا إذن نحن عبيد في العهد الجديد؟ كيف إذن ترفضون كلمة عبيد.
«وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ» (رؤيا 22: 4)
في الملكوت الأبدي سنتمتع برؤية الله بطريقة كاملة، قال عنها القديس يوحنا: «سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ» كما يقول مار بولس الرسول: «فَإنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ» (1 كورنثوس 13: 12). ويشرح مار يوحنا الحبيب ذلك المستوى الروحاني، وتلك السعادة اللانهائية في الأبدية فيقول: «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ» (1 يوحنا 3: 2). وكلها تعبيرات مترادفة.
«وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ»: عرفنا من شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى فليمون(141) أنه كانت عادة السادة في الإمبراطورية الرومانية أن يَنقُشوا أسماءهم على جباه عبيدهم، إثباتًا لمِلكِيَّتهم لهم، لكثرة العبيد في ذلك الوقت، بالدرجة التي دفعت الإمبراطورية أن تخشى ثورة العبيد. واستعار سِفْر الرؤيا هذه الصورة، فذكر أن اسم الله على جباه عبيده إثباتًا لمِلكية الله لهم(142).
«وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ وَلاَ يَحْتَاجُونَ إلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ». «لأَنَّ الرَّبَّ الإلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ» (رؤيا 22: 5).
«لأَنَّ لَيْلًا لاَ يَكُونُ هُنَاكَ» (رؤيا 21: 25).
في ملكوت السماوات نورٌ دائم بلا ظلام، نهارٌ دائم بلا ليل، لذلك نقول مع الرسول: «قد تناهى الليل وتقارب النهار. فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور» (رو 13: 12)، فعالمنا الآن ليل وظلمة ويتناهى تدريجيًا، فيتقارب النهار الأبدي، الَّذِي لا ليل بعده ولا ظلمة. وهذه هي الأبدية السعيدة، حيث يشرق شمس البر ونكون معه كل حين.
قال داود النبي «بِنُورِكَ يا رب نعاين النُور» [(مز 36: 9) صلاة النوم]، والله هو النور الأعظم «ساكنًا في نور لا يدنى منه.» (1 تي 6: 16).
«وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 22: 5): الكلمة الأدق "الآباد"، أي الي ما لا نهاية. والحديث هنا عن ملكوت السموات، لا عن مُلكٍ أرضي منتهي كما يظن السبتيون وشهود يهوه، وبالمُلك الأبدي للقديسين ينتهي سِفْر الرؤيا. ثم تأتي:
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
«ثُمَّ قَالَ لِي هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرَّبُّ إلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِين
أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا.» (رؤيا 22: 6).
«ثُمَّ قَالَ لِي هذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ» (رؤيا 22: 6).
«وَ قَالَ لِيَ هذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ» (رؤيا 21: 5).
«وَ قَالَ لِيَ هذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ» (رؤيا 19: 9).
وهي عبارات تتناسب مع تسبيح الملائكة في السماء:
«عَادِلَةٌ وَحَق هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ.» (رؤيا 15: 3).
«حَق وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإلهُ.» (رؤيا 16: 7).
«حَق وَعَادِلَةٌ أَحْكَامَك.» (رؤيا 19: 2).
«نعم ليكن الله صادقًا وكل إنسان كاذبًا.» (رؤيا 3: 4).
فالأَقْوَالُ الأَمِينَة وَالصَادِقَة، تتناسب مع الطُرُق الحَق وَالعَادِلَة.
«وَالرَّبُّ إلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ» (رؤيا 22: 6)
ما أروع أن يُعَّرِفَ الرب نفسه بالأنبياء فيقول: «الرَّبُّ إلهُ الأَنْبِيَاءِ».
وما أروع أن يكرمهم فيقول عنهم الأَنْبِيَاء الْقِدِّيسِينَ، وهذا ما فعله في العهد القديم إذ لقَّبَ نفسه: «إله إبراهيم وإسحق ويعقوب» (خروج 3: 6) فالله يفرح بهذا، فماذا يقول البروتستانت؟ عندما يصرخون في وجه مُكَرِّمي القديسين وطالبي شفاعتهم قائلين: «الله يَغار على مجده، ولا يعطيه لآخر.» نعم إن مجد اللاهوت هو لله فقط، ولكن الرب قال للرسل القديسين: «من يكرمكم يكرمني». وقالت أُمُّنا العذراء بالروح القدس: «فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي» (لوقا 1: 48) ودُعي الرب بإله الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ.
«أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا.» (رؤيا 22: 6).
«لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِه (رؤ 1: 1)
هكذا تتشابه نهاية سِفْر الرؤيا ببدايته، فقد أَرْسَلَ الله مَلاَكِهِ ليعلن لنا نحن عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا، لنستعد للمجيء الثاني والدينونة العامة وها هو يختم السِّفْر كما افتتحه بذات الإنذار.
بدء سِفْر الرُؤْيَا بإعلان المجيء الثاني للسيد المسيح:
هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ (رؤيا 1: 7).
وفي منتصف السِّفْر عند البوق الأخير: أعلن السِّفْر مجيء الرب الثاني فقال: ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ السَّابِعُ، فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ قَائِلَةً: «قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 11: 15). وفي نهاية السِّفْر: يُفرحنا، ويُنذر الأشرار قائلًا:
«هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا (رؤيا 22: 7).
«وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ (رؤيا 22: 12).
«نَعَمْ أَنَا آتِي سَرِيعًا آمِينَ (رؤيا 22: 20).
وهذا هو صوت العريس السمائي يعلن سرعة مجيئه الثاني.(143)
وهو إنذار إلهي ثلاثي في إصحاحٍ واحد (رؤيا 22: 7، 12، 20)، به يُختم العهد الجديد، إنذارٌ يسمعه الأبرار المجاهدون فيفرحون، ويسمعه الأشرار فيحزنون ويرتعبون. أما العُقلاء منهم فيُجاهدون في طريق التوبة والقداسة
ويُختم السِّفْر: بصوت العريس الحُلو وفرح العروس بمجيئه:
يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». وتفرح العروس بمجيئه قائلةً: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا 22: 20).
«طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 7).
«طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ» (رؤيا 1: 3).
كما بدأ سِفْر الرؤيا يعلن سرعة النهاية: «لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ» (رؤيا 1: 3).
انتهى أيضًا بإعلان سرعة النهاية «هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا» (رؤيا 22: 7).
وكما بدأ بتطويب من «يَقْرَأُ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا» (رؤيا 1: 3) انتهى بتطويب مَنْ يَحْفَظُ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ (رؤ 22: 7).
والمقصود بحْفَظِ الوصية تنفيذها.
«وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا» (رؤيا 22: 8).
«وَأَنَا يُوحَنَّا: نلتقى بالقديس يُوحَنَّا الحبيب كاتب الرؤيا في بداية السِّفْر ثلاث مرات وَفِي نهايته مرتين، كأنه يختم السِّفْر بخاتمه في بدايته ونهايته
«إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ... مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعبدِهِ يُوحَنَّا» (رؤيا 1: 1) يُوحَنَّا، إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا..» (رؤيا 1: 4).
أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ» (رؤيا 1: 9).
وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ» (رؤيا 21: 2).
وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ» (رؤيا 22: 8).
وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا.» (رؤيا 22: 8).
يقدم مار يوحنا نفسه كشاهد على الرؤيا التي رآها وسمعها بنفسه فانبهر بما رأى وسمع، وخَرَ وسجد أمام الملاك، وهذه هي المرة الثانية التي سجد فيها مار يوحنا الحبيب أمام الملاك ومنعه الملاك.(رؤيا 19: 10).
«وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ: خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا. فَقَالَ لِيَ «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الأَنْبِيَاء وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ اسْجُدْ ِللهِ» (رؤيا 22: 9).
«فخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ اسْجُدْ لله» (رؤيا 19: 10).
أكان مار يوحنا لا يدرك أن هذا ملاك وظنه المسيح؟ لا سيما أنه في هذا الوقت سمع صوت المسيح يقول: «هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ.» (رؤيا 22: 7).
أما أنه في تواضعٍ سجد سجودًا إكراميًّا للملاك الَّذِي كان يرشده؟!
أما الملاك ففي معرفة للقديس يوحنا الحبيب ومكانته العالية قال له: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ» (رؤيا 22: 9).
مدركًا أن مار يوحنا، في أسمى المراتب الروحية، ولا ينبغي أن يسجد سجودًا إكراميًا له.
«لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الأَنْبِيَاء وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ»
وهنا يُظهر ثلاث فئات يطلق عليهم لقب عبيد: هم الْمَلاَئكِة، والرسل كيوحنا «لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ»، وَالأَنْبِيَاءِ، وَالأبرار «الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ».
وَقَالَ لِي:
«لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ» (رؤ 22: 10)
في رؤيا دانيال قال له الرب: «أَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ» (دانيال 12: 4) ولكن هنا في العهد الجديد قال الملاك لمار يوحنا «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ». فمار بولس يقول في رسالته إلى العبرانيين: «بَعْدَ قَلِيل جِدًّا سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ» (عب 10: 37) مٌشيرًا للمجيء الثاني وهذا ما قاله مار يوحنا: «لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ».
فعلى نحو ما بدأ سِفْر الرؤيا بعبارة «لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ» (رؤيا 1: 3).
انتهى السِّفْر بنفس العبارة «لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ» (رؤيا 22: 10).
«مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ.
وَمَنْ هُو بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ.» (رؤ 22: 11)
على كل إنسان الآن أن يحدد موقفه، وَفِي أي طريقٍ يسلك؟
فَقَدَّ قَال إيلِيَّا للشَّعْبِ: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ» (1 ملوك 18: 21)، «ليتك كنت باردًا أو حارًا هكذا لأنك فاترٌ ولست باردًا ولا حارًا انا مزمع أن أتقياك من فمي» (رؤيا 3: 15-16)، فما دام «الْوَقْتَ قَرِيبٌ» (رؤيا 22: 10)، والمسيح سيأتي سريعًا وأجرته معه ليجازي كل واحد حسب عمله (رؤيا 22: 12)، فلاَ بُدَّ أن يتميز أولاد الله عن أبناء إبليس: «لأن أولاد الله ظاهرون وأبناء إبليس ظاهرون»، فمن يريد أن يحيا في البر «فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ»، ومن يريد أن ينمو في القداسة أكثر «فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ»، ومن يريد أن يحيا في الظلم والنجاسة «فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ» ويسلك هذا الطريق. فهذا وذاك سيأتيان إلى الدينونة.
«وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا» (رؤيا 22: 12)
هذه هي المرة الثانية من الإنذار الثلاثي (رؤيا 22: 7، 12، 20).
«وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِد»: عبارة مشجعة للأبرار ومُنذِرة للأشرار فالدينونة لاَ بُدَّ أن تأتي.
«كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ»: فالدينونة حسب الأعمال، فماذا يقول البروتستانت عن ادعائهم بعدم أهمية الأعمال؟! مع أن الكتاب يقول: «كَأْسَ مَاءٍ بِاسْمِي... لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (متى 10: 42)، وأن المجازاة حسب الأعمال.
«أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤيا 22: 13)
«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤ 1: 8، 17)
مرة أخرى نلتقي بالتشابه بين الإصحاح الأول والأخير في سِفْر الرؤيا وقد شرحنا الآية في الإصحاح الأول، وهنا نقول أن المتكلم هو السيد المسيح له المجد فهو الَّذِي قال «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ. أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤيا 22: 12-13).
وهذا دليل على لاهوت المسيح لأن هذه الكلمات تُقدِّم لنا الإله السرمدي الأزلي الأبدي، وَهِيَ تتشابه مع قول الله في العهد القديم: «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إلهَ غَيْرِي» (إشعيا 44: 6) فالأول والآخِر صفات إلهية.
![]() |
«طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إلَى الْمَدِينَةِ» (رؤيا 22: 14)
من صفات الداخلين إلى أورشليم السمائية:
(1) «يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ»: فهذه هي الحياة العملية أن يتَحوَّل إيمانهم إلى إيمان مُثمِر بالمحبة؛ لأن الرب يقول: «إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ.» (يوحنا 14: 15)، وهذه أهمية الأعمال الصالحة.
(2) «لهم سُلْطَانٌ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ»: فالذين تمتلئ حياتهم بالأعمال الصالحة يكون له سلطان أن يأكلوا من شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أي جسد المسيح ودمه. فالصليب هو الشجرة وثمرها هو المسيح المصلوب بجسده المكسور ودمه المسفوك. لذلك قال «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنا 6: 54).
(3) «يَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ»: وهم «الاثْنَا عَشَرَ بَابًا، وَعَلَى الأَبْوَابِ اثْنَا عَشَرَ مَلاَكًا،... وَسُورُ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاسًا، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْخَرُوفِ الاثْنَيْ عَشَرَ» (رؤيا 21: 12، 14)، ورقم 12 رمز للكهنوت وقد وصفت الأبواب بأن عليها اثني عشر ملاكًا رمزٌ لأساقفة الكنائس؛ فملاك الكنيسة هو أسقفها. وهنا ندرك أن الأبواب الاثني عشر ترمز للآباء الرسل الذين من خلالهم دخلنا إلى الإيمان أو دخلنا إلى الكنيسة إذن فصفات الداخلين إلى المدينة أورشليم السمائية أنهم داخلون من خلال الإيمان الرسولي والكنائس الرسولية المستقيمة.
إذن شرط الداخلين إلى السماء: أن لهم الإيمان الرسولي، يتناولون من شجرة الحياة جسد المسيح ودمه، ويحيون حياة البر في أعمال صالحة أما صفات الأشرار: فأتت في الإصحاح السابق: «وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ» (رؤ 21: 8) وتأتي في العدد التالي أيضًا:
«لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا.» (رؤيا 22: 15).
«لأَنَّ خَارِجًا»: خارج أورشليم السمائية؛ لذلك سُمِّيَت جهنم «الظلمة الخارجية» (متى 8: 12). ثم ذكر 7 فئات من الأشرار؛ فالسبعة عدد الكمال، كمال النعمة، وأيضًا كمال النقمة، وهذا هو المقصود. فليس ممكنًا أن نحصر أسماء الشرور التي مَن يتصف بها، يصير خارج حظيرة الخراف، ويكون في الظلمة الخارجية، جهنم النار الأبدية. ولكن أُختير سبعة أمثلة رمزًا للأشرار المرفوضين من السماء.
«الْكِلاَب»: إننا نفهم مَعنَى هذه الكلمة من المثل اليهودي الذي استخدمه رب المجد في حديثه مع الكنعانية «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ» (متى 15: 26). فمعناها الأمميون أو غير المؤمنين، أما «السحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان» فهؤلاء هم الأشرار. «وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا»: هنا فئتان: كل من يحب الكذب، وكل من يصنع الكذب، وهذا يعطينا صورة عن أن الإنسان الشرير هو من يحب الشر، حتَّى لو لم يفعله، فرُبما لم يُعطَ إمكانية أو فرصة عمل الشر، لكنه يحبه ويشتهيه. وهذه الشرور السبعة رمز لكل الشرور التي تجلب غضب الله. فرقم 7 رمزٌ لكمال النقمة أيضًا.
«أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ».
«أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ» (رؤيا 22: 16)
اُفتُتِحَتِ الرؤيا بـ«إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ» (رؤ 1: 1)
واختُتِمت بـ: «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي» (رؤيا 22: 16).
وعلى الرغم أن عبارة «أنا يسوع» هي الاسم الناسوتي لرب المجد، فعبارة «أَرْسَلْتُ مَلاَكِي» تُبين لاهوته؛ لأنه رب الملائكة الَّذِي يُحركهم، وهذا يشير إلى الطبيعة الواحدة.
«لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ»:
«أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ»: فهو الإله المتأنس، هو أَصْلُ دَاوُدَ وخالق دَاوُدَ بلاهوته، وهو ذُرِّيَّةُ دَاوُدَ أو ابن دَاوُدَ بناسوته (انظر شرح رؤيا 5: 5).
لقد شهد داود عنه فقال: «قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ» (مزمور 110: 1)، الأمر الَّذِي شرحه الرب يسوع بنفسه وهو يُعَلم في الهيكل، عندما سأل الشعب «كَيْفَ يَقُولُ الْكَتَبَةُ إنَّ الْمَسِيحَ ابْن دَاوُدَ؟ لأَنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي، حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَدْعُوهُ رَبًّا. فَمِنْ أَيْنَ هُوَ ابْنُهُ؟» (مرقس 12: 35، 37). المسيح إذن هو الله (رب داود) المتأنس (بن داود) أي أصل وذريه داود».
«كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ» (رؤيا 22: 16؛ 2: 28):
نحن الآن على الأرض، منتظرين أن تشرق شمس البر. والرسول بولس يشرح «قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور» (رو 13: 12)، فالليل يتناهى بالتدريج ويتقارب النهار. «وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا.» (ملاخى 4: 2) حتى «يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ» (2 بطرس 1: 19) وهذا اللقب: «شمس البر»، «كوكب الصبح المنير» أحد ألقاب المسيح.
«وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ «تَعَالَ» (رؤيا 22: 17)
ما أروع اتحاد الروح القدس مع العروس أي الكنيسة، فالكنيسة عروس المسيح، والروح القدس العامل فيها من خلال الأسرار السبعة، فهي نورٌ يهدينا، تنادي كل أحد «تَعَالَ!» إلى الرب، وهذا عمل الروح فيها.
«تَعَالَ!»: رسالة الكنيسة أن تأتي كل يوم بِجُدُدٍ لرب المجد، كما فعلت السامرية عندما عرفت الرب. وهو عمل الآباء الرسل. عبارة رائعة قيلت عن الكنيسة الأولى بعد حلول الروح القدس في يوم الخمسين: «وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ» (اعمال 2: 41) «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» [(اعمال 2: 47) الآية الأخيرة)].
ويسجل يوحنا الحبيب: «وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى قِائِلًا «إنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إلَيَّ وَيَشْرَبْ» (يوحنا 7: 37).
والآن في نهاية سِفْر الرؤيا يعود الرب ينادي نفس النداء:
«وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا» (رؤيا 22: 17)
فالرب مستعد أن يعطي كلمته ونعمته مجانًا لمن يشعر باحتياجه وعطشه «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متى 5: 6)، «من يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجًا» (يو 6: 35).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وكما يبدأ سِفْر الرؤيا ينتهي أيضًا بالاهتمام بكلام الله:
«طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ» (رؤيا 1: 3)
«لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 18).
«إنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا،
يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ.
وَإنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ،
يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ» (رؤيا 22: 18-19)
وكما انتهى العهد الجديد عمومًا، وسِفْر الرؤيا خصوصًا بهذا «التحذير من الزيادة أو النقصان من كلمة الله، انتهى الناموس (أسفار موسى) بهذا التحذير أيضًا:
«لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ.» (تث 4: 2)
كُلُّ الْكَلاَمِ الَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ احْرِصُوا لِتَعْمَلُوهُ. لاَ تَزِدْ عَلَيْهِ وَلاَ تُنَقِّصْ مِنْهُ.» (تثنية 12: 32)
وهناك نوعان من الزيادة والنقصان، حذف سِفْر من الكتاب المقدس، مثلما حذف البروتستانت.
أما النوع الثاني: وهو الأكثر شيوعًا أن يَحذف البعض آيات من الكتاب حذفًا عمليًا من حياتهم. كحذف البروتستانت للآيات التي تتحدث عن سلطان الكهنة في مغفرة الخطايا، والتي تتحدث عن الشفاعة وتطويب العذراء وتحول الخبز والخمر إلى جسد ودم الرب وغيرها. إنهم لا يحذفونها من الكتاب المطبوع بل يحذفونها من التطبيق العملي لهذه الآيات في حياة كنائسهم وحياتهم.
هذا السِّفْر النبوي أعلن بركة: «طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 7)، ولعنة: «إنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ» (رؤ 22: 18-19).
«يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا:"نَعَمْ أَنَا آتِي سَرِيعًا". آمِينَ.» (رؤيا 22: 20).
كما بدأ سِفْر الرؤيا بالإعلان عن أن الرب يسوع هو صاحب السِّفْر الأصيل، وأنه سيأتي في مجيئه الثاني سريعًا، انتهى بهذا أيضًا.
«يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا (رؤيا 22: 20): إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.» (رؤيا 1: 1)
«نَعَمْ أَنَا آتِي سَرِيعًا (رؤيا 22: 20): هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ.» (رؤيا 1: 7)
هذه هي ثالث مرة في هذا الإصحاح يُعلِن فيها الرب مجيئه الثاني سريعًا (رؤيا 22: 7، 12، 20)، ولكن هذه المرة، في خاتِمة سِفْر الرؤيا، تطلب الكنيسة المقدسة في شخص مار يوحنا ككاهن ينوب عن الله أمام الكنيسة، وينوب عن الكنيسة أمام الله، فيقول بصوت الكنيسة العروس:
«آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ»: وهي عبارة يجب أن ترافقنا في كل مشهد من مشاهد سِفْر الرؤيا. فعندما نقرأ في بدايته «هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ»، ينبغي أن نرد جميعًا بأشواق قلوبنا: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ». وكلما نرى مشاهد محبته وعنايته أو جماله وعظمته، أو رحمته وعدله، يليق بنا أن نرد بنفس الكلمات.
«نَعَمْ أَنَا آتِي سَرِيعًا». آمِينَ (رؤيا 22: 20)
في (رؤيا 1: 7) تكررت الكلمتان «نعم، آمين»، وهما تأكيد للمجيء الثاني وتأكيد لانتظارنا بأشواق لهذا المجيء. ويتمم قول مار بولس: «لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيل جِدًّا سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ» (عبرانيين 10: 37).
ما أروع أن ينهي الرب كلماته هنا بإعلان مجيئه: «نَعَمْ أَنَا آتِي سَرِيعًا»
وما أروع أن تُنهي الكنيسة كلماتها أيضًا بإعلان انتظارها:
«آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ.»
وما أروع أن يلتفت إلينا مار يوحنا الحبيب ويرفع يده ويعطينا السلام الرسولي: «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ» (رؤيا 22: 21).
فما أحوجنا كبارًا وصغارًا، كهنة وعلمانيين، خُدامًا ومخدومين، أن نسمع صوت مار يوحنا الحبيب رسول الكنيسة الجامعة يعطينا هذا السلام.
ما أحوجنا أن نستمع إلى صوته، وهو الجالس في حضن الراعي الأعظم ربنا يسوع المسيح، يقول لنا «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ».
ما أحوجنا للنعمة الإلهية ترافق مسيرة جهادنا الروحي ضد قوات الشر وبناء حياتنا، وبناء الكنيسة.
«آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ».
_____
(139) (مز 46: 4).
(140)تكرر رقم 12 اثْنَتي عَشَر مرةَ : إكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا (رؤ 12 :1)، 12 بابًا للمدينة، 12 ملاكًا على الأبواب، 12 أساسًا، 12 هم رُسل الحمل، 12 لؤلؤة ، هؤلاء هم الرسل (رؤ 21: 12، 14، 21)، 12 سبطًا [كل سبط 12000 مختومًا (رؤ 7)] ، 12000 مقاييس المدينة، 12×12 سور المدينة، 12 ثمرة، 12 شهرًا (رؤ 21: 12، 16-17؛ 22: 2) وهي رمز لشعب الله في السماء.
(141) القمص يوحنا فايز، أُنسيموس العبد الهارب، طبعة ثانية 2017 م، ص 50.
(143)أعلن المجيء الثاني 318 مرة في العهد الجديد منها: (متى 24: 30؛ لو 21: 27؛ 17: 26).
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
الفهرس![]() |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
تفسير الرؤيا 21![]() |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/apocalypse/chapter-22.html
تقصير الرابط:
tak.la/8jbrgf9