محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20
Αποκαλυψισ Ιωαννου
رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ
مقدمة (رؤيا 1: 1-3)
1 إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيح الَّذي أَعْطَاهُ إيَّاهُ اللهُ
لِيرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ
وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعبدِهِ يُوحَنَّا
2 الَّذِي شَهدَ بِكَلِمَة اللهِ وَبِشَهادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُل مَا رَآهُ.
3 طُوبَى لِلَّذي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ،
وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا؛ لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.
السلام الرسولي (رؤيا 1: 4-6)
4 يُوحَنَّا إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي،
وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ،
5 وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ:
الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ،
6 وَجَعَلنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ،
لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إلَى أَبَد الآبِدِينَ. آمِينَ.
المجيء الثاني (رؤيا 1: 7-8)
7 هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ،
وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ.
8"أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ" يَقولُ الرَّبُّ. "الْكَائِنُ، وَالَّذِي كَانَ، وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
شركة الآلام والأمجاد (رؤيا 1: 9-11)
9 أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ،
وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ.
كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ، مِنْ أَجْل كَلِمةِ اللهِ،
وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
10 كُنتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ،
وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ
11 قَائِلًا: "أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ.
وَالَّذِي تَرَاهُ اكْتُبْ فِي كِتَابٍ، وَأَرْسِلْ إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا:
إلَى أَفَسُسَ، وَإلَى سِمِيرْنَا، وَإلَى بَرْغَامُسَ، وَإلَى ثِيَاتِيرَا،
وَإلَى سَارْدِسَ، وَإلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإلَى لاَوُدِكِيَّةَ".
المسيح وسط كنيسته (رؤيا 1: 12-15)
12 فَالْتَفَتُّ لأَنْظُر الصَّوتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي.
وَلَمَّا الْتفَتُّ رَأَيْتُ سَبْع مَنَايِرَ مِن ذَهَبٍ،
13 وَفِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إنْسَانٍ.
مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
14 وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ، فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ.
وَعَيْناهُ كَلَهِيبِ نَارٍ.
15 وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأنَّهُمَا مَحْمِيَّتانِ فِي أَتُونٍ.
وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ.
16 وَمَعَه فِي يَدهِ الْيُمنَى سَبْعَة كَواكِبَ.
وَسَيفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ.
وَوَجْهُه كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا.
سَقَطْتُ كَمَيِّتٍ (رؤيا 1: 17-18)
17 فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ.
فَوَضَعَ يَدهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلًا لِي:
"لاَ تَخَفْ. أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ،
18 وَالْحَيُّ، وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إلَى أَبدِ الآبدِين. آمِينَ.
وَلِي مَفَاتِيح الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ.
خاتمة (رؤيا 1: 19-20)
19 فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا. 20 سِرَّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ:
السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ،
وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ."
![]() |
«إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» Ἀποκάλυψις Ἰησοῦ Χριστοῦ
(رؤيا 1: 1)
سِفْر الرؤيا إعلانٌ نبوي، كتبه القديس يوحنا الرسول، ولكن الكاتب الحقيقي هو الرب يسوع المسيح الإله المتأنس(1).
إذن فهذه الرؤيا تسليم سيدي سلَّمه الرب للقديس يوحنا، وهي إعلان إلهي سُلِّم تسليمًا شفاهيًا له بيد ملاك، وهذا ما قصده الرب يسوع المسيح حينما قال «لأَنَّ الْكَلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ» (يو 17: 8)، استلمتُ من الآب وسلَّمتُهم، وهكذا نتعلم من معلمنا الأعظم إن كل من يتسلَّم كلام الله يجب أن يُسلِّمه لمن بعده. فلْيفهم خدام الكلمة، أن الكلمة كلمة الله، ونحن أداة مقدسة تأخذ من الله وتعطي الناس.
"إعْلاَن Ἀποκάλυψις": الله يكشف أسراره لأحبائه الخائفين اسمه؛ لأن «سِرّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ» (مز 25: 14) ، وترتبط الإعلانات دائمًا بالحب. فمار يوحنا الحبيب في العهد الجديد «التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ» (يو 21: 7) هو رجل الرؤى، كدانيال رجل الرؤى في العهد القديم الذي خاطبه الملاك «لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ. سَلاَمٌ لَكَ. تَشَدَّدْ. تَقَوَّ» (دا 10: 19) ودانيال الرجل المحبوب في العهد القديم تلقى أمرًا من الله «أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيالُ، فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. كَثِيرُونَ يَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ تَزْدَادُ» (دانيال 12: 4). أما مار يوحنا فتلقَّى أمرَ الله «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ» (رؤيا 22: 10)، فبدأ السِّفْر قائلًا: «إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ"، فالسيد المسيح أقنوم المعرفة والحكمة هو «قُوَّة اللهِ وَحِكْمَة اللهِ"(1 كو 1: 24)، «الْمُذَّخَر فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ» (كو 2: 3)
«الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ اللهُ» (رؤيا 1: 1) ἣν ἔδωκεν αὐτῷ ὁ θεὸς
عندما نلتقي بآية صعبة في موضوع علاقة الابن بالآب، علينا أن نسترجع فِكرة "التوحيد والتثليث". فالإنسان مخلوقٌ على صورة الله ومثاله، فهو "موجودٌ ناطقٌ حَيٌّ" على صورة الله الموجود بذاته، الناطق بكلمته، الحي بروحه. فما معنى «أَعْطَاهُ إيَّاهُ اللهُ»؟
الآب يعطي الابن... عندما يُحرِّك الإنسان يده، العقل يعطي إشارة لليد بالحركة، والروح تعطي اليد قوة التحرُّك، واليد والروح والعقل إنسان واحد. فالعقل حرَّك الوجود الإنساني بقوة الروح في ديناميكية داخل الوحدة الثالوثية. وما معنى أن الإنسان يعطش؟ تنقُصُ نسبة الماء في الدم، فهذا هو العطش الحقيقي، والدم كجُزء من الوجود الجسماني يعطي إشارة للعقل، فيتحرك الإنسان نحو الماء بقوة الروح ويشرب. كل هذا يحدث داخل الوحدة الثالوثية الإنسانية... هكذا الوحدة الثالوثية لله، يقول الابن للآب: «الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ» (يو 17: 4).
«إعْلاَن... الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ اللهُ» (رؤيا 1: 1)
قال السيد المسيح له المجد: «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إلاَّ الآبُ.» (مر 13: 32)، «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ» (أعمال 1: 7). فهل حقًّا المسيح لا يعرف؟! بالطبع الابن يعرف اليوم والساعة الأخيرة، ولكن معرفةً لا تُباح ولا تُعلَن للناس. ولذلك عندما سُؤِلَ لم يقل إن الآب جعلها في علمه وحده بل قال «جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ». في سلطانه أن يُعلِن أو لا يُعلِن.
«لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ.» (رؤيا 1: 1)
الله يُحِب أن يكشف لعبيده مشيئته وما سيعمله، فلنسمعْه يقول «هَلْ أُخْفِي عَنْ إبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ» (تكوين 18: 17). ومَن هو يا رب عبدك إبْرَاهِيمَ هذا؟! هو تراب ورماد، لا... هو حبيبي، و«سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ».
«لِيُرِيَ عَبِيدَهُ» δεῖξαι τοῖς δούλοις αὐτοῦ
هل نحن عبيدٌ في العهد الجديد؟ كثيرون يظنون أن الإنسان عبدُ الله في العهد القديم فقط، أما في العهد الجديد فقد حرَّره الله، وصار ابنًا، ولا يصِحُّ أن يُلقَّب عبدًا، وبالطبع هذا تفكيرٌ خاطئٌ ممزوجٌ بكبرياءٍ وجهل. فنحن في العهد الجديد نشكر الله الذي أعطانا بنعمته في سِرِّ المعمودية أنْ صِرْنا أبناءه، لكننا نتشرف ونتبارك بأن نكون عبيدًا لله، بل إن درجة عبدٍ لله مستوى نتَمنَّى مجاهدين أن نَصِلَ إليه، إنه تواضع كبير من الله أن يقبلنا كعبيد.
أولًا: لا فرق بين العهدين في هذا الأمر، ففي كليها دُعيّ الإنسان عبدًا وابنًا لله، فنحن نقرأ في العهد القديم «أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ» (تكوين 6: 2)، وأبناءُ الله هم أبناء شيث البار. وفي العهد الجديد قال الرب «لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 5: 45)، و"لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا... لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ.» (يو 15: 15). وفي اليوم الأخير سيقول الرب لمن سيُدخلهم الملكوت «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (مت 25: 21). بل إننا نقرأ في سِفْرِ الرؤيا، قِمَّة العهد الجديد ونهايته، بعد صَلْب السيد المسيح وقيامته وصعوده وحلول الروح القدس يقول «لِيُرِيَ عَبِيدَهُ... بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعبدِهِ يُوحَنَّا» (رؤيا 1: 1). فالنَّاس عبيدٌ لله، والقديس يوحنا الرسول، التلميذ الذي كان يسوع يحبه، وهو في أعلى درجة كهنوتية وأعلى درجة روحية أثناء الرؤيا والسماء مفتوحة أمامه وقد صعد إليها ورأى ما لم تره عين وسمع صوت الله هو "عَبْدٌ". وتكرر تلقيب أبناء الله بأنهم عبيد، فَقِيل «حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إلهِنَا» (رؤيا 7: 3)، وعن إيزابَل الشريرة قال الرب أنها «تُغْوِي عَبِيدِي» (رؤيا 2: 20)، «وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلاً: سَبِّحُوا لإلهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ!» (رؤيا 19: 5) وهكذا دُعيَّ الأنبياء عبيدًا (رؤيا 10: 7؛ 11: 18).
وليس القديسون فقط، بل الملائكة أيضًا. فمار يوحنا سجد أمام الملاك، فقال له الملاك «انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ» (رؤيا 19: 10)، وهذا معناه أن الملاك عبْد، ومار يوحنا الحبيب عبْد، وأبناء الله الذين عندهم شهادة يسوع كلّهم عبيد. وفي نهاية الرؤيا يقول مار يوحنا: «وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا. فَقَالَ لِيَ: انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هذَا الْكِتَابِ.» (رؤيا 22: 8 - 9)(2).
«مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ» (رؤ 1: 1) ἃ δεῖ γενέσθαι ἐν τάχε
فالله ضابط الكل ὁ παντοκράτωρ، لا بد أن تُنَفَّذَ إرادته وكلماته. عَنْ قَرِيبٍ ἐν τάχε: تعبيرٌ واحد، تُرجِم في الإصحاح الأول "عَنْ قَرِيبٍ" (رؤيا 1: 1)، وفي الإصحاح الأخير "سَرِيعًا" (رؤيا 22: 6). فالقُرْب والسُّرعة مسألة نسبية... فما هو سريع بالنسبة لله غير الزمني ليس كما هو سريع بالنسبة للإنسان الذي متوسط عمره «سَبْعُونَ سَنَةً، وَإنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً» (مزمور 90: 10). ومدلول كلمة "عن قريب" بالنسبة له يختلف عن مدلولها بالنسبة لله السرمدي الذي لا بداءة له ولا نهاية؛ لأن «يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ» (2 بطرس 3: 8). فالله عندما أخطأ آدم وعَده بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تكوين 3: 15)، وانتظر آدم أن يتم الوعد في هابيل ثم في شيث، وانتظر الآباء أن يأتي المسيح له المجد سريعا بمقاييسهم، ومرَّت الأيام، وأتى المسيح بعد خمسة آلاف وخمسمائة سنة تقريبًا، وكان هذا قريبًا جدًا بالنسبة لله، لذلك قال: «لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ» (لو 12: 35-36). «وَلَمَّا سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟ أَجَابَهُمْ وَقَالَ: لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ» (لو 17: 20).
«وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ» (رؤيا 1: 1)
ἀποστείλας διὰ τοῦ ἀγγέλου αὐτοῦ
سِفْر الرؤيا إعلان سماوي مُرسَل من ربنا يسوع المسيح إلى عبيده "بِيَدِ مَلاَكِه» وباليونانية ἀγγέλους أو رسوله(3). فالملائكة «أَرْوَاح خَادِمَة مُرْسَلَة لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ» (عبرانيين 1: 14)، لذلك كان الملاك يشرح لمار يوحنا معاني الرؤيا (رؤ 10: 9؛ 11: 1؛ 17: 1؛ 21: 9؛ 22: 1-10). «لأَنَّهُ إنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً» (عبرانيين 2: 2)، «أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ» (أع 7: 53). وكما ابتدأ السِّفْرُ بهذه العبارة، خُتِمَ بها أيضًا:
ففي الإصحاح الأخير من السِّفْر يقول «وَالرَّبُّ إلهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعًا» (رؤيا 22: 6)، «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ» (رؤ 22: 16)، وكأن الملاك يُرَحِّب بنا في بداية السِّفْر ويُوَدِّعنا في خاتِمته.
«لِعبدِهِ يُوحَنَّا» (رؤيا 1: 1) τῷ δούλῳ αὐτοῦ Ἰωάννῃ
كان القديس يوحنا أحد الرسل الاثني عشر، رئيسًا للكهنة، كما كان نبيًا. فهو كاتب السِّفْر النبوي (رؤيا 1: 2؛ 22: 7، 10) في العهد الجديد، وكان إنجيليًا ولاهوتيًا كتب إنجيله اللاهوتي، وكان شاهدًا ورسولًا لربنا يسوع المسيح له ثلاث رسائل، ومع هذا لم يصف نفسه بأي من هذه الصفات، فلم يقل رسوله أو حبيبه أو كاهنه أو ملاكه بل قال "عَبده يُوحَنَّا"، وقدم إنجيله «كَالَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ،... وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي اتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ الْعَشَاءِ" (يوحنا 21: 7، 20). أما في سِفْر الرؤيا، فقدَّم نفسه كعبد (رؤيا 1: 1)، وكإنسان يهاب الله «فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ» (رؤيا 1: 17) لماذا؟!
الإنجيل يُحَدِّثنا عن الرب الذي أخلى ذاته صائرًا في الهيئة كإنسان آخذًا صورة عبد، فقَدَّم القديس يوحنا نفسه كالتلميذ المحبوب الذي سمح له الرب أن يتكئ قريبًا منه في العشاء الأخير ليسمع دقات قلبه المُحِب، أما في سِفْر الرؤيا وقد تم الفداء وقام من الموت وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه كملك الملوك ورب الأرباب، رآه في صورة مجده فسقط عند رجليه كميت، مع أن الرب قد أخفى الكثير من بهاء مجده، لأن الرب في مجده الكامل لا يستطيع الإنسان أن يراه ويعيش (خروج 33: 2)؛ لذلك قدَّم مار يوحنا نفسه كعبد، مبتهجًا أن يجلس عند قدميه.
![]() |
«الَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤيا 1: 2)
«من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح» (رؤيا 1: 9)
نعم شاهد مار يوحنا كل ما شَهِدَ به. ففي سِفْر الرؤيا رأى ما لم تره عيْن. لذلك قال «الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا،... وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ... الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ» (1 يوحنا 1: 1-3). وقال عن نفسه: «هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا وَكَتَبَ هذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ» (يوحنا 21: 24).
شَهِد بِكَلِمَة اللهِ ἐμαρτύρησεν τὸν λόγον τοῦ θεοῦ
وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ καὶ τὴν μαρτυρίαν Ἰησοῦ Χριστοῦ
بِكُلِّ مَا رَآهُ.
فسِفْر الرؤيا مصادره ثلاثة:
شَهِد بِكَلِمَةِ اللهِ الموحى بها «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2 بطرس 1: 21).
شَهَادَة يَسُوعَ الْمَسِيحِ: فسِفْر الرؤيا هو «إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،... الشَّاهِد الأَمِين» (رؤيا 1: 5؛ 3: 14).
التقليد الشفاهي «بِكُلِّ مَا رَآهُ"، ثم كتبه في سِفْر الرؤيا والإنجيل بكل أمانة، «وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَق، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ.» (يوحنا 19: 35).
فشهد بكلمة الله، وهي شهادة الوعظ والتعليم، وشهادة يسوع المسيح بأن يحمل الإنسانُ في حياته الربَّ يسوع المسيح. فنحن نحتاج إلى التعليم بالكلمة، والتعليم بالحياة والقدوة؛ لأن «مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ» (متى 5: 19)، هؤلاء شَهد لهم مار يوحنا فقال: «رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ» (رؤيا 6: 9)، وأيضًا: «وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ» (رؤ 20: 4) وهؤلاء يُغضبون الشيطان فيحاربهم «فَغَضِبَ التِّنِّينُ... وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ... الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤ 12: 17).
«بِكُلِّ مَا رَآهُ» (رؤيا 1: 2) ὅ σα εἶδεν
يُخطِئ مَن يشهد للإيمان دون الأعمال، أو للعقيدة دون الروحيات، أو يشهد للنعمة مُهمِلًا الجهاد، فعلينا أن نشهد بكل ما رأينا أو سمعنا.
«طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ Μακάριος ὁ ἀναγινώσκων
وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ καὶ οἱ ἀκούοντες
وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا» (رؤيا 1: 3)
هذه الطوبى الثلاثية الخاصة بمحبة كلمة الله (القراءة والاستماع والحفظ)، حفظ ما قرأناه وسمعناه، فيها يؤكد سِفْر الرؤيا قول القديس بولس الرسول لتلميذه الأسقف تيموثاوس «اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ» (1 تيموثاوس 4: 13). وقد كانت الكنيسة اليهودية تقرأ الكُتب المقدسة عَلنًا داخل المجمع، ولذلك رأينا الرب «جَاءَ إلَى النَّاصِرَةِ... وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إلَيْهِ سِفْرُ إشَعْيَا النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي...» (لوقا 4: 16-20). وهكذا فعلت كنيسة العهد الجديد فقال مار بولس: «وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضًا فِي كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضًا» (كولوسى 4: 16). فليتنا نسمع ونعمل، لأن «كُلّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ.» (متى 7: 24)، و«اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي» (يوحنا 14: 21). فتطويب الذين يقرأون سِفْر الرؤيا ويسمعونه ويحفظونه يُظهر أهمية السِّفْر في نظر الله، فلا نعتبره سِفْرًا صعبًا، ونهمل قراءته.
أما كنيستنا المقدسة الأرثوذكسية الإنجيلية، فتُعَلم شعبها قراءة السِّفْر في طقس ليلة أبوغلمسيس. فيقرأ الأغنسطسيون السِّفْر في الكنيسة بينما يستمع الشعب كله، فلا يكون عذر لأحد بأنه لا يُجيد القراءة، وبهذا يأخذ الطوبى القارئ والسامع معًا، ويبقى علينا أن نحفظه في حياتنا. وفي حكمة بالغة قصد الله أن يقال في السِّفْر "طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ" بالمفرد، " وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ" بالجمع. وفي عصرنا ليس لنا عذر، فالسِّفْر مُسَجَّل على أشرطة ليستمع إليه كل من يريد أن ينال من الرب هذه الطوبى. وحسنًا قال الرب للمرأة التي طوَّبَتِ العذراء عندما قالت: «طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا. أَمَّا هُوَ فَقَالَ: بَلْ طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ وَيَحْفَظُونَهُ» (لوقا 11: 27-28) مُظهرًا أن تطويب العذراء لم يأتِ مجانا لأنه كان من حظها أن حبلت به وولدته وأرضعته، بل أعلن الرب إن تطويب العذراء جاء لأنها كانت منذ طفولتها ملتصقة بكلام الله حتى قيل «فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا» (لوقا 2: 19)، فارتقت روحياتُها، واختارها الله لأقدس مُهِمَّة قام بها إنسانٌ بشري.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
بين سباعيات سِفْر الرؤيا هذا التطويب في سبع آيات:
1. «طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا» (رؤيا 1: 3)
2. «طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ. نَعَمْ يَقُولُ الرُّوحُ: لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ» (رؤيا 14: 13)
3. «طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَّلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ» (رؤيا 16: 15)
4. «طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!» (رؤ 19: 9)
5. «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى (التوبة). هؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً ِللهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ.» (رؤ 20: 6)
6. «طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ.» (رؤ 22: 7)
7. «طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إلَى الْمَدِينَةِ.» (رؤيا 22: 14).
وهنا سِفْر الرؤيا يُطَوِّب:
1. الذين يقرؤونه ويسمعونه ويحفظونه،
2. المنتقلين في حياة التوبة والبر،
3.الذين يسهرون على أبديتهم،
4. المدعوين للسماء،
5. التائبين،
6.الذين يحفظون وصاياه،
7. الذين يعملون بها.
أي طوَّبَ الذين يقرأون كلمة الله أو يسمعونها ويعملون بها فيحيون حياة التوبة والسهر الروحي ويستمرون هكذا حتى الموت.
وسِفْر الرؤيا:
كما بدأ بتطويب الذين يقرأون ويسمعون كلام الله ويحفظونه (رؤيا 1: 3)،
انتهى بتطويب من يحفظ كلام الله وأقوال نبوة هذا الكتاب (رؤيا 22: 7).
وكما بدأ ببركة للذين يقرؤونه (رؤ 1: 3)،
انتهى بلعنة للذين يزيدون أو يحذفون منه (رؤ 22: 14).
«أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ» τοὺς λόγους τῆς προφητείας
دُعي سِفْر الرؤيا سفرًا نبويًا، وكلامه النبوي كلامٌ رمزي يحتاج إلى تفسير، لذلك فلنُصَلِّ ليكشف لنا الله غموض هذه النبوات المستقبلية.
وكما دُعي السِّفْر في بدايته "أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ" (رؤيا 1: 3)، دُعي في نهايته.
فيقول: «طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ» (رؤ 22: 7)، كما يقول: «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.» (رؤيا 22: 10)
«وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا» (رؤيا 1: 3)
καὶ τηροῦντες τὰ ἐν αὐτῇ γεγραμμέν
المعنى الأول: حفظ الوصية أي طاعتها، وبهذا المعنى مدح السيد المسيح «الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ.» (لوقا 8: 15). وقال الملاك الثالث في سِفْر الرؤيا: «هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ. هُنَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ وَإيمَانَ يَسُوعَ.» (رؤيا 14: 12). وذكر سِفْر الرؤيا حرب الشيطان مع القديسين قائلًا: «فَغَضِبَ التِّنِّينُ (الشيطان) عَلَى الْمَرْأَةِ (الكنيسة)، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ» (رؤيا 12: 17).
أما المعنى الثاني: فهو الحفظ بمعنى التذكر الدائم لوصايا الله. وفي هذا المعنى يردد البابا شنوده الثالث قولته المشهورة "احفظوا المزامير تحفظكم المزامير"، أي احفظوا كلام الله يحفظكم كلام الله.
«لأَنَّ الْوَقْتَ καιρὸς قَرِيبٌ ἐγγύς» (رؤيا 1: 3؛ 22: 10)
تلك عبارة بدأ بها سِفْر الرؤيا في إصحاحه الأول، وانتهى بها في إصحاحه الأخير. وكان هذا الشعور مسيطرًا على الكنيسة الأولى في عصر الرسل، حتى ظنوا أن مار يوحنا الرسول سيبقى إلى نهاية العالم(4). وعاش المسيحيون بهذا الإحساس في أعماقهم أن مجيء المسيح على الأبواب، فصارت تحيتهم التي يتبادلونها كُلَّما التقوا "ماران آثا. المسيح آتٍ". وكانت مشاعرهم هذه تساعدهم على السهر الروحي والاستعداد الدائم للأبدية. وهنا نؤكد أن الفضيلة وسطًا بين انحرافين، لذلك قال الله ليشوع بن نون: «لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً لِكَيْ تُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ» (يشوع 1: 7). وقال القديسون "الطريق الوُسطَى خلَّصت كثيرين". فلا نتصور أن مجيء السيد المسيح بين ليلة وضحاها، ولا نصير مثل قوم التَّبَاطُؤ «فلاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إلَى التَّوْبَةِ» (2 بطرس 3: 9). شهود يهوه والمجيءيون الأدڤنتست صوَّروا للناس أن مجيء المسيح على الأبواب، فباعوا كل شيء ووزعوا على الفقراء والمساكين وعاشوا في العراء يُصَلُّون ويُسبحون الله وينتظرون مجيئه، ولم يأتِ المسيح سريعًا بالطريقة التي صوَّرَها رَسِلْ زعيمهم، فصارت نكسة، وارتد الناس عن الاهتمام بمجيء الرب وبالحياة الأبدية، واستعد بعضهم لقتل رَسِلْ هذا، ولم تنقذه من أيديهم إلا إيلين هوايت بمكرها. ليس أسلوب الوعاظ البروتستانت الذين يثيرون الجماهير بطريقة عاطفية وانفعالات نحو التوبة مصورين لهم أن الموت قادم في عُجالة، وأنهم وشيكي الهلاك، فإذا انتهت العظة وانفعالاتها تحدث النكسة، وكأنهم يقولون «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ» (2 بطرس 3: 4)، ويصيروا من قوم التَّبَاطُؤ تاركين طريق التوبة.
فتوبتنا وحياتنا المقدسة ترتبط بمحبة الله لا بالخوف والانفعال، وإن كانت بداية الطريق تحتاج للخوف، لنحيا حياة الاستعداد.
![]() |
«يُوحَنَّا، إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا» (رؤيا 1: 4)
"يُوحَنَّا" Ἰωάννης: كتب القديس يوحنا الحبيب إنجيله في نهاية القرن الأول، ولم يكتب اسمه، وفي رسائله قال: «اَلشَّيْخُ، إلَى كِيرِيَّةَ الْمُخْتَارَةِ» (2 يوحنا 1)، أو «اَلشَّيْخُ، إلَى غَايُسَ الْحَبِيبِ» (3 يوحنا 1) ولم يذكر اسمه. أما في سِفْر الرؤيا فذكر اسمه قائلًا «يُوحَنَّا، إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ». فالرؤيا لا تُصَدَّق بسهولة، والنبوة تحتاج إلى إثبات ولذلك صَدَّر اسمه كشخص موثوق به كرسول المسيح ليعطي للسِفْر قانونيته.
تكرر رقم 7 في سِفْر الرؤيا 54 مرة:
فهناك السبع الكنائس (رؤ 1: 4، 11)، وهي السبع منائر (رؤ 1: 12، 20)، وتشير إلى الكنيسة الجامعة. وهناك السبعة مصابيح نار، وهي السبعة الأرواح التي أمام عرشه، والتي ترمز للروح القدس في عمله السُّبَاعِي (رؤيا 1: 4؛ 4: 5). ويوجد السبعة كواكب وهي سبع ملائكة الكنائس (رؤيا 1: 16، 20)، وتشير إلى الأساقفة والكهنة في الكنيسة الجامعة، وهم غير السبعة الملائكة في (رؤيا 8: 2) الخلائق الروحانية. والسبع رسائل إلى السبع الكنائس (رؤيا 1: 4) وتعني الرسالة الكاملة للكنيسة الجامعة، أي كلمة الله بطرقها المتنوعة.
كما أن هناك السبعة ختوم التي تروي تاريخ الكنيسة من بدايتها إلى صعودها (رؤيا 6، 8)، والسبعة أبواق (رؤيا 8-9؛ 11: 15) إنذارات الله الكاملة بالسبع ضربات أو جامات غضب الله الكاملة والأخيرة (رؤيا 15-16)، والقرون السبعة (رؤيا 5: 6) ترمز إلى القوة الكاملة كما في (رؤيا 13: 1). والأعين السبعة (رؤ 5: 6) ترمز إلى كمال المعرفة. والرعود السبعة تشير إلى هيبة الله. والجبال السبعة (رؤيا 17: 9)، والسبع مصابيح (رؤيا 4: 5).
كما يأتي رقم 7 في المعاني مثل:
7 أجزاء في وصف المسيح متجسدًا (رؤيا 1: 13-16)
الرجلان الرأس اليدان الوجه |
(رؤيا 1: 16) (رؤيا 1: 14) (رؤيا 1: 16) (رؤيا 1: 16) |
الثديان العينان الفم |
(رؤيا 1: 13) (رؤيا 1: 14) (رؤيا 1: 16)
|
7 تشبيهات في وصف المسيح متجسدًا (رؤيا 1: 13-16)
رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ وَعَيْنَاهُ وَرِجْلاَهُ
وَصَوْتُهُ وَوَجْهُهُ |
فَأَبْيَضَانِ
|
كَالصُّوفِ الأَبْيَض كَالثَّلْجِ كَلَهِيبِ نَارٍ. شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا |
(رؤيا 1: 14) (رؤيا 1: 14) (رؤيا 1: 14) (رؤيا 1: 15) (رؤيا 1: 15؛ 1: 16) (رؤيا 1: 16) |
«وَأَرْسِلْ إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إلَى أَفَسُسَ، وَإلَى سِمِيرْنَا، وَإلَى بَرْغَامُسَ، وَإلَى ثِيَاتِيرَا، وَإلَى سَارْدِسَ، وَإلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإلَى لاَوُدِكِيَّةَ» (رؤ 1: 11)
«وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ» (رؤيا 1: 20)
«السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا» (رؤيا 1: 4)
كان القديس يوحنا الرسول هو رئيس أساقفة آسيا. وكان بعض مؤمني آسيا حاضرين في يوم الخمسين أثناء حلول الروح القدس (أع 2: 5-9). وحاور الأسْيَوِيون القديس اسطفانوس رئيس الشمامسة، «وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُقَاوِمُوا الْحِكْمَةَ وَالرُّوحَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ.» (أعمال 6: 9). ومنع الروح القدس القديسَيْن بولس وتيموثاوس أن يتكلما بالكلمة في آسيا (أع 16: 6)، لكن مار بولس الرسول كان «يُحَاجُّ اليهود كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ إنْسَانٍ اسْمُهُ تِيرَانُّسُ، وَكَانَ ذلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا، مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ» (أع 9: 8-10)، فتأسستْ كنائس كثيرة أشار إليها مار بولس في رسالته إلى كورنثوس «تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ أَسِيَّا» (1 كو 16: 19).
وثمة كنائس أخرى غير هذه في آسيا الصُّغرى، ولكن الوحي اختار هذه الكنائس السَّبْع لتكون في عددها السُّباعي رمزًا للكنيسة الجامعة في كل زمان ومكان. وتكون في حالاتها وظروفها نبوءةً عن أحوال الكنيسة الجامعة خلال الأحقاب التاريخية المتتابعة، فتُقَدِّم تاريخ الكنيسة منذ تأسيسها إلى صعودها إلى السماء. فَسِفْر الرؤيا ليس لجيلٍ مُعَيَّن بل للكنيسة كلها. ولذلك فالرسائل موجهة إلى:
1. الكنائس السَّبْع المذكورة بمعناها الحرفي.
2. الكنيسة الجامعة في كل زمان ومكان أو في جميع الأجيال.
كل فرد في الكنيسة الجامعة.
الكنيسة |
معنى اسمها |
ترمز لعصر |
أسقفها |
الخَتم |
|
1 2
3 4
|
أفسس سميرنا
برغامس ثياتيرا
|
المحبوبة المر
الزواج بالعالم المسرح
|
العصر الرسولي عصر الاستشهاد
عصر الهراطقة العصر الإسلامي |
ق. تيموثاوس ق. بوليكاربوس تلميذ مار يوحنا كاربوس إيريناوس تلميذ بوليكاربوس |
ختم 1 فرس أبيض ختم 2 فرس أحمر
ختم 3 فرس أسود ختم 4 فرس أخضر |
5 6 7 |
ساردس فيلادلفيا لاودكية |
بقية حياة محبة أخوية قضاء على شعب |
شكليات العبادة قبل ضد المسيح عصر ضد المسيح |
الأسقف ميليتون كودراتسى
|
ختم 5 نفوس تحت المذبح الختم السادس الختم السابع |
«نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ» (رؤيا 1: 4) χάρις ὑμῖν καὶ εἰρήνη
عندما «عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ... وَأَرْسَلَهُمُ... قَالَ لَهُمْ... أَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلاً: سَلاَمٌ لِهذَا الْبَيْتِ» (لو 10: 1-5). وهكذا ظلت التحية المسيحية هي كلمة "سلام".
وبعد حلول الروح القدس عليهم صارت البركة الرسولية «نِعْمَةٌ وَسَلاَمٌ»، وهكذا بدأ القديس بولس الرسول رسائله بعبارة «نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ» (رومية 1: 7؛ 1 كورنثوس 1: 3؛ 2 كورنثوس 1: 2؛ غلاطية 1: 3؛ أفسس 1: 2؛ فيلبى 1: 2؛ كولوسى 1: 2؛ 1 تسالونيكي 1: 1؛ 2 تسالونيكي 1: 2؛ فيلبي 3).
ويبدأ القديس بطرس الرسول رسائله بعبارة «لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ» (1 بطرس 1: 2؛ 2 بطرس 1: 2). أما القديس يهوذا الرسول فيبدأ رسالته بعبارة «لِتَكْثُرْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلاَمُ وَالْمَحَبَّةُ» (يهوذا 2). واستخدم القديس يوحنا الحبيب هذه البركة الرسولية وقال:
«نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يأْتِي،
وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ،
وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ.» (رؤ 1: 4)
يبدأ القديس يوحنا رؤياه "بالنعمة والسلام" من الثالوث القدوس الآب والروح والابن. فالنعمة هي عمل الله، والسلام هو ثمرة النعمة فينا. ولذلك جاء الترتيب "نعمة وسلام". وإن كانت النعمة والسلام مصدرهما الثالوث القدوس، فمار يوحنا هو الوسيط الذي يهب نعمة الله وسلامه إلى السبع الكنائس باعتباره رئيس كهنة. وعلى الرغم أن مار يوحنا عبد يسوع المسيح لكنه لم ينسَ أنه رسول وكاهن وسيط يُوصِل سلام الله لشعبه، كما يعطي الكاهن سلام الله أثناء القداس للشعب "إيريني باسي"، ليست مجرد تحية، بل هِبة ونعمة معطاة للشعب. فسلام الله الحقيقي يعطيه الكاهن كوسيط أمينٍ على هبات الله لشعبه. وهذا يؤيد وساطة الكهنة بين الله والناس. لقد بارك إسحقُ أبُ الآباء يعقوبَ ابنَه، خطَأً وهو أعمى، ظانًا أنه يبارك عيسو، ولما اكتشف الخطأ، قال: «نَعَمْ وَيَكُونُ مُبَارَكًا» (تكوين 27: 33). فالبركة التي خرجت من فم إسحق خرجت من فم الله، لا يمكن الرجوع فيها، لأن هبات الله بلا ندامة. وهذا ما يحدث في خدمة الكهنوت، فالمغفرة من الله، خلال سر الاعتراف، بواسطة الكاهن، بفعل الروح القدس. ليست البركة فقط، بل واللعنة أيضًا. فقد لعَنَ نوح أب الآباء كنعانَ فصار ملعونًا، وبعد آلاف السنين جاءت الكنعانية للمسيح له المجد فقال لها: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب» (متى 15: 26). لماذا يا رب؟ لأن الكنعانيين لُعِنوا بواسطة نوح، لكنك يا رب أنت إله نوح! ولكنِ الرب يحترم كلمة الكهنوت، نوح قال كلمة بركة، تكون بركة، قال كلمة لعنة، تصير لعنة.
وهنا يَصِفُ الثالوث القدوس كل أقنوم بثلاث صفات:
فالآب وُصِف بأنه «الْكَائِن وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 1: 4)
ὁ ὢν καὶ ὁ ἦν καὶ ὁ ἐρχόμενος
"الْكَائِن" اسم الله بالعبرية "يهوه" أي "أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ"، الحاضر دائمًا، الاسم الذي أعلنه الله لموسى النبي «فَقَالَ مُوسَى ِللهِ هَا أَنَا آتِي إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ إلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ. فَإذَا قَالُوا لِي مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ، هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ» (خروج 3: 14)
«وَالَّذِي كَانَ» أي الأزلي. فعندما نرجع إلى الماضي السحيق، نجد أن الله (كَانَ) أسبق من هذا الماضي. ومهما رجعنا مليارات السنين، فسنجد الله "كَانَ" أي أسبق من كل هذا. على نحو تعبير القديس بولس الرسول «قَبْلَ الْأَزْمِنَةِ الْأَزَلِيَّةِ» (2 تيموثاوس 1: 9).
«وَالَّذِي يَأْتِي» أي المستقبل. فكلمة الذي كان تعني الأزل، والذى يأتي تعني الأبد، والكائن تعني الحاضر دائمًا في كل زمان، والثلاث كلمات هي أبعاد الزمن الثلاثة. وكأن العبارة «الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي» تعني السَّرْمَدِية.
καὶ ἀπὸ τῶν ἑπτὰ πνευμάτων ἃ ἐνώπιον τοῦ θρόνου αὐτοῦ |
«وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ» (رؤ 1: 4) |
«وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤ 4: 5)
«وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إلَى كُلِّ الأَرْضِ.» (رؤ 5: 6)
فالروح القدس وُصِف بثلاث صفات:
"السبعة" هذا هو الروح القدس في عمله السُّبَاعِي، فالروح يعمل في الكنيسة وفينا من خلال الأسرار السبعة.
"الأرواح" هذا هو الروح القدس في طبيعته الروحانية. أما أن الكلمة جمعٌ (الأرواح) فهي لتتناسب لُغويًا مع الرقم (سبعة). فاللغة البشرية لا تستطيع أن تصف الله غير المادي بدقة فهو غير الموصوف.
«الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ» هذا هو الروح القدس في ثباته في الآب. وهو مِثلُ تعبير "الابن عن يمين الآب" أي في قوة الآب. وأمام عرشه أي في مكانة الاهتمام والعمل، فيُقَدِّم سِفْر الرؤيا الروح القدس:
ثابت في الآب «السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ» (رؤيا 1: 4)،
ثابت في الابن «هذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤيا 3: 1).
كما قَدَّمَهُ في طبيعته النارية «أَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤيا 4: 5)،
وفي معرفته الكاملة «سَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤيا 5: 6).
والروح القدس هو الله في كمال عمله "سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ"، وفي كمال طبيعته النورانية "سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ"، وفي كمال معرفته "سَبْعُ أَعْيُنٍ".
«وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ» (رؤيا 1: 5).
«وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» Χριστοῦ καὶ ἀπὸ Ἰησοῦ
يَسُوع اسمٌ إنساني، والْمَسِيح لَقَبٌ إلهي، ويَسُوع الْمَسِيح الإله المتأنس وُصِفَ بثلاث صِفات النبي والكاهن والملك.
«الشَّاهِد الأَمِين» (رؤيا 1: 5؛ 3: 14) ὁ μάρτυς , ὁ πιστός
الشهادة هي عمل الأنبياء، فَهُمْ شهود عن الله بنبوءاتهم وتعاليمهم كما بحياتهم. أما المسيح فهو الشاهد الأمين أي النبي (بالألف واللام). حينما سألوا يوحنا المعمدان «أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟ فَأَجَابَ: لاَ" (يوحنا 1: 21) لماذا؟ مع أن يوحنا كان نبيًا، وشهد عنه أبوه زكريا: «وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلاً... وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ.» (لوقا 1: 67، 76). إذن لماذا أجاب لا؟! لأن الكهنة واللاويين سألوه «أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟ فَأَجَابَ: لاَ»؛ لأن النبي بالألف واللام تعني الرب يسوع المسيح، ولو سألوه أنبىٌ أنت؟ لأجاب نعم. أمَّا النبي (بالألف واللام) فهو المسيح فقط كلقبٌ إلهي، كالفرق بين رب والرب، ولذلك وصُف بالشَّاهِدِ الأَمِينِ وليس شاهد أمين، فهناك شهود أمناء كثيرين.
«الْبِكْرُ مِنَ الْأَمْوَاتِ» ὁ πρωτότοκος τῶν νεκρῶν
ومعناها القائم بكرًا من بين الأموات، فالمسيح باكورة الراقدين وقيامته غير قيامة الذين قاموا قبله أو بعده. فقد قام بجسد القيامة الذي صعد به، وقام قيامة لا موت بعدها. وأقام نفسه «قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ.. الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ» (1 كو 15: 20، 23). أما الذين أُقيموا بمعجزات فقاموا بالجسد الفاني، ثم ماتوا بعد ذلك، وسيقومون في القيامة العامة. أما عبارة "الْبِكْرُ مِنَ الْأَمْوَاتِ" فتُقَدِّم الابن باعتباره الكاهن الذي قَدَّم ذبيحة نفسه على الصليب، فهو الذبيحة والكاهن مُقدِّم الذبيحة، «أَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً لِلَّهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً» (أف 5: 2)، «أُظْهِرَ... لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ» (عب 9: 26). إذ بذل ذاته على الصليب بإرادته وحده عنا كلنا، فهو الكاهن الأعظم، البكر من الأموات (مُعَرَّفَة).
«رَئِيس مُلُوكِ الأَرْضِ» ὁ ἄρχων τῶν βασιλέων τῆς γῆς
المسيح هو «مَلِكُ الْمُلُوكِ» (رؤيا 17: 14؛ 19: 16)، (1 تي 6: 15). وقد قال على لسان سليمان الحكيم «بِي تَمْلِكُ الْمُلُوكِ» (أم 8: 5).
فالمسيح هو النبي والكاهن والملك، ولذلك قدَّم له المجوس ذهبًا رمزًا لمُلكه، ومملكته ليست من هذا العالم، ملكوتٌ أبدي لا ينتهي.
«مِنَ الْكَائِنِ... وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ... وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ»
أيْ من الثالوث القدوس الآب والروح القدس والابن.
عظيم أن نجد ترتيب الثالوث هكذا، فلو أن الكتاب المقدس كله يذكر الثالوث القدوس بترتيب واحد "الآب والابن والروح القدس" لكان هذا سببًا في الشك بأن الآب أعظم من الابن، والابن أعظم من الروح أو أسبق زمنًا، كما ظن الهراطقة مثل أريوس وسابيليوس ومقدونيوس.
ولكن الوحي الإلهي يُسَجل هنا وفي مواضع أخرى الثالوث القدوس ليس بالترتيب المعتاد، ليدل على مساواة الأقانيم ووحدانيتها. وهذا الترتيب موجود في طقس بناء الهيكل في العهد القديم.
قدس الأقداس فيه تابوت العهد يُمَثِّل عرش الله الآب،
القدس فيه المنائر السبع الذهبية وتشير إلى الروح،
خارج القدس يوجد المذبح والذبيحة وتشير إلى الابن الفادي.
فالترتيب الآب والابن والروح، هو ترتيب منطقي فكري وليس زمني ولا رُتَبِي (أنظر محاضرتنا في انبثاق الروح [عظة فيديو]).
لماذا جاء هذا الترتيب في الأناجيل أكثر، أما الترتيب الآخَر في الرؤيا والرسائل؟ لأن الإنجيل يُبَشر غير المؤمنين فيُقَدم لهم الآب خالقًا ثم الابن فاديًا، ثم الروح عاملا في الكنيسة، ورغم أن الثالوث يعمل كإلهٍ واحد كل الأعمال معًا، إلا أن الخِلقة بَرَزَتْ فيها صفة الوجود من العدم فتجلَّى الآبُ أصل الوجود. وفي الفداء يتجلَّى الابن الذي أتى بذبيحة نفسه على الصليب، ثم وعدنا أنه سيُرسل الروح القدس الذي يمكث معنا. أما سِفْر الرؤيا فيُقَدم الكنيسة والروح القدس العامل فيها، ثم الابن الديان العادل في نهاية العالم، لذلك قدَّم الآب ثم الروح القدس ثم الابن.
إنه الروح القدس وليس رؤساء الملائكة...
كثيرٌ من الكتب تشرح عبارة «وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ» بأنها سبعة ملائكة أو رؤساء الملائكة، ونحن نقول حاشا، لأننا لو افترضنا هذا يكون المعنى نعمة لكم وسلام من الله ثم الملائكة ثم يسوع المسيح، وهذا ليس صحيحًا. وفرقٌ بين «السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ» و«سَبْعَة أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤ 5: 6). فقد فرَّقنا بين كلمة رب والرب، أو مسيح والمسيح، وروح والروح. وهكذا الفارق بين "سَبْعَة أَرْوَاحِ" و"السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ"؛ لأن "السَّبْعَة الأَرْوَاحِ" تشير إلى الله مثل الرب والمسيح. أما الصفات إذا جاءت نكرة فلا تُشير إلى الله، فيوجد ربُّ البيت، وشاول الملك هو مسيح الرب. وقيل عن الملائكة «أَرْوَاح خَادِمَة مُرْسَلَة لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!» (عبرانيين 1: 14).
وأرواح الله المُرسَلة إلى الأرض تشير إلى الملائكة المرسلة من الله لخدمة البشر والله يعطيهم من قُوَّته ومعرفته وعنايته، ولذلك وصفهم بأنهم سبعة قرون الخروف أي قوته الكافية، وسَبْعُ أعينه أي معرفته الكاملة. وإذ قال «خَرُوفٌ قَائِمٌ... لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إلَى كُلِّ الأَرْضِ» (رؤيا 5: 6)، يكرر ما قاله زكريا النبي «هِيَ أَعْيُنُ الرَّبِّ الْجَائِلَةُ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا» (زكريا 4: 10). كما أشار سِفْر طوبيا «أنا رافائيل الملاك أحد السبعة الواقفين أمام الرب» (طوبيا 12: 15). إذن "سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ" المرسلة إلى الأرض للخدمة هي سبعة رؤساء الملائكة كما قال القديس إكليمندس الإسكندري مدير الإكليريكية، وهم: "ميخائيل، جبرائيل، رافائيل، سوريال، سداكِئيل، سراثِئيل، أنانِئيل". وهم يُرسَلون للخدمة بذواتهم، وبالملائكة الذين تحت رئاستهم.
«الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» (رؤيا 1: 5)
«الَّذِي أَحَبَّنَا» Τῷ ἀγαπῶντι ἡμᾶς
إنَّ محبة الله ظهرت في فدائه؛ «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ» (يوحنا 3: 16). وتَغَنَّى مار بولس الرسول بهذا الحُب قائلًا «الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية 2: 20). وتباهى مار يوحنا الحبيب بمحبة الله لنا قائلًا «أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ!» (1 يوحنا 3: 1)، «إذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إلَى الْمُنْتَهَى» (يو 13: 1).
«وقد غَسَّلَنَا λύσαντι ἡμᾶς من خَطَايَانا»
الأول: غَسْلٌ كامل للطبيعة الإنسانية، ويتم في سر المعمودية مرة واحدة. قال مار بولس لِسَجَّان فيلبي «قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ» (أع 16: 22).
الثاني: الغَسْل المُتكرر، غَسْلٌ للثياب المُتَّسخة بالخطية، في سِر التوبة والاعتراف مع سِر الِافخارستيا. لذا دُعِيَتْ دُموع التوبة معمودية ثانية.
وقد أشار الرب في خميس العهد إلى هذين النوعين من الغَسل عندما قال لمار بطرس الذي اعترض قائلًا «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!»
فأجاب يسوع «إنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ»، قال له سمعان بطرس «يَا سَيِّدُ لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي»، قال له يسوع «الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ (اِعْتَمَدَ) لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إلاَّ إلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ (التوبة)، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ» (يوحنا 13: 8-10).
ونحن نتعجب ما معنى قول الرب لبطرس «إنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ»! هل مُجَرَّد عدم غسل القدمين بالماء يَحْرِمُ الإنسان من نصيبه في الملكوت مع المسيح؟
الرب هنا يشرح أمورًا عميقة. "الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ" أي الغَسْل الأول الذي لا يتكرر وهو المعمودية. "لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إلاَّ إلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ" وهو الغَسْل الثاني المتكرر كلما اتسخت أقدامنا من تعاملاتنا مع الأرضيات، وهو غَسْل الثياب في سر التوبة والاعتراف.
فالمعنى إذن أن الذي نال سر المعمودية ثم أخطأ واتسخت أقدامه، لا تُعَاد معموديته، بل يحتاج إلى ممارسة سر التوبة والاعتراف فقط. وأن هذه الأمور مرتبطة بالحياة الأبدية، ولذلك قال الرب للقديس بطرس «إنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ"، «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ وَلَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا 13: 7-8).
"وقد غَسَّلَنَا من خَطَايَانا": صيغة مُبالغة تعني كثرة الغسيل وتكراره. فقد غفر لنا المسيح خطايانا بدمه على الصليب.
«مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» |
ἐκ τῶν ἁμαρτιῶν ἡμῶν ἐν τῷ αἵματι αὐτοῦ |
فما معنى "غَسَّلنَا مِنْ خَطَايَانا بِدَمِهِ؟"
أي غفر لنا خطايانا مرات عديدة بدمه، هذا هو سر الافخارستيا، امتداد ذبيحة الصليب، فَدَمُ المسيح يغسلنا من خطايانا عدة مرات بالافخارستيا «وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ» (رؤيا 7: 14).
«وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ» (رؤيا 1: 6) καὶ ἐποίησεν ἡμᾶς
βασιλείαν, ἱερεῖς τῷ θεῷ καὶ πατραὐ αὐτοῦ
«وَجَعَلْتَنَا لإلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ» (رؤ 5: 10)
كما يوجد ملوك بالمعنى العام، وملوك بالمعنى الحرفي، يوجد كهنوت بالمعنى العام للمؤمنين، ولا يلغي الكهنوت بمعناه الخاص.
فعلى الرغم أن الله "جعلنا ملوكا" بالمعنى العام لأن «مَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أم 16: 32) إلا أنه يوجد ملوك بالمعنى الحرفي، وقد طلب الرسول بولس الصلاة من أجلهم والخضوع لهم: «فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ» (1 تي 2: 1-2).
وهكذا يوجد كهنوت عام للمؤمنين، فيه يقدمون بخورا وذبائح ليس بالمعنى الحرفي كما يُقَدِّم الكهنة الحقيقيون، بل كما قال داود النبي «لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ، لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ» (مز 141: 2). كان داود النبي في العهد القديم كاهنًا بالمعنى العام يُقَدِّم بخورا هي صلواته الصاعدة إلى الله، كما كان يُقَدِّم ذبائحه المقبولة أمام الله ويقول «لَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ» (مز 116: 17)، فهل كان يجرؤ وهو النبي والملك مسيح الرب أن يُقدِّم ذبيحة كما يفعل أصغر كاهن من أبناء هارون؟! بالطبع لا. وهكذا في العهد الجديد طلب القديس بولس الرسول من المؤمنين: «قَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ» (رو 12: 1)، وأيضًا «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ» (عب 13: 15)، بل يقدموا ذبائح فعل الخير «لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ» (عب 13: 16)، ومع هذا فلا ننكر وجود الكهنة الحقيقيين المختارين من الله الذين قال عنهم بولس الرسول «وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا» (عب 5: 4).
المعنى الحرفي: وإذا أخذنا الآية بمعناها الحرفي، يكون القديس يوحنا الرسول وهو رئيس كهنة، يتحدث عن نفسه والرسل والأساقفة ملائكة الكنائس السَّبْع، فيقول «وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ» (رؤ 1: 6).
تسبحة «لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا 1: 6)
αὐτῷ ἡ δόξα καὶ τὸ κράτος εἰς τοὺς αἰῶνας τῶν αἰώνω ἀμήν
هذه تسبحة مار يوحنا، أضافها بعدما قدَّم سلامَ الثالوث القدوس. فمن الطبيعي بعدما ذكر الله بثالوثه والمسيح وفدائه أن يُمجِّد الله، وقد رأى وسمع تمجيد الكِروبيم والملائكة السمائيين، فتَعَلم منهم واشترك معهم ومجَّدَ الله بتمجيدات لا تنقطع.
وتتشابه إضافة هذه التسبيحة مع إضافة عبارة «نَعَمْ أَمِينْ» (رؤيا 1: 18) المتكررة، والتي يتجاوب بها مار يوحنا مع الإعلان الإلهي.
أما التسبيح في سِفْر الرؤيا فكثير، ومنه:
1. تسبحة الأربعة والعشرين كاهنًا في (رؤيا 4: 10-11)
2. تسبحة الملائكة حول العرش والحيوانات والكهنة (رؤيا 5: 12)
3. تسبحة جميع الخلائق (رؤيا 5: 13-14)
وهذه التسبيحات الثلاث تُظهِر وحدانية الآب والابن، ففي (رؤ 4: 10-11) يعلن المجد للآب، وفي (رؤيا 5: 12) يُعلن المجد للابن وفي (رؤيا 5: 13) يعلن المجد للآب والابن معًا، وهذا يعني أن مجد الآب هو مجد الابن. ففي النصان معًا تظهر مساواة الآب والابن لأن المجد لهما وفي الثالث تظهر وحدانيتهما لأن المجد لهما معًا.
الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ للآب الذي خلقنا وللاِبن الذي فدانا.
إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ فتسبيح الله دائمٌ أبديٌ، لأن قداسته وفضله دائمان وأبديان.
![]() |
«هُوَّذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ» (رؤيا 1: 7)
Ἰδοὺ ἔρχεται μετὰ τῶν νεφελῶν
هذا هو الموضوع الرئيسي في سِفْر الرؤيا، فهو سِفْر المجيء الثاني. بدأ إصحاحه الأول بعد المقدمة بعبارة «هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ» (رؤيا 1: 7)، وانتهى في إصحاحه الأخير بعبارة «أَنَا آتِي سَرِيعًا. آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا 22: 20). وسِفْر الرؤيا، السِّفْر النبوي الوحيد في العهد الجديد، فيه يُعلِن مار يوحنا الحبيب بروح النبوة أن المجيء الثاني قريب. فالزمن إلى مجيئه الثاني والقيامة العامة والدينونة قصير بالنظر إلى الأبدية اللانهائية. وعندما ارتفع السيد المسيح عن التلاميذ وهم مجتمعون معه في أورشليم «ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، وَقَالاَ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إلَى السَّمَاءِ؟ إنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إلَى السَّمَاءِ.» (أعمال 1: 9-11). ولهذا يُحَمِّسُنا مار بطرس الرسول قائلًا: «أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ.» (2 بط 3: 12)
لقد صعد رب المجد على سحاب السماء. (أعمال 1: 9)،
وسيأتي أيضًا مع سحاب السماء. (رؤيا 1: 7).
وبين سحابتي الصعود والمجيء الثاني، ينبغي أن نظل شاخصين إلى السماء، بعيون قلوبنا ومشاعرنا وأفكارنا، منتظرين وطالبين سرعة مجيئه. "هُوَذَا يَأْتِي": عبارة تُيْقِظ أشواقنا إلى الله، فنُجيب مع مار يوحنا بفرح: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا 22: 20). عبارة تُعَزِّي نفوسنا. فحينما تشتَدُّ نيران الضيق والآلام والاضطهادات، نسمع صوت مار يوحنا الحبيب يهمس في آذاننا "هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ"، فنصبر. وحينما تشتد حروب الشيطان والشهوة والخطية، نسمع صوت مار يوحنا يشجعنا "هُوَذَا يَأْتِي"، فنتقوى ونقاوم ونستمر في الحرب ويتجدد رجائنا، فنُكْمِل جهادنا ونُكلَّل، «إنْ كَانَ احَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا» (2 تي 2: 5). وعبارة "هُوَذَا يَأْتِي" كما هي مُعَزِّيَة ومُفرحة، فهي مخيفة ومُرعبة. مُعَزِّيَة للأبرار المستعدين فتُلهِب أشواقهم وتُيْقِظ حُبَّهم، ومرعبة للأشرار. فَلِمَجيء الرب وجهان:
هو يأتي ليُنقذَ الأبرار ويكللهم كما في (رؤيا 10: 7)،
وفي نفس الوقت ليدين الأشرار ويهلكهم كما في (رؤيا 8: 13).
يأتي ليجازي كل واحدٍ حسبما يكون عمله، إن كان خيرًا وإن كان شرًا. هل مجيء الرب قبل الضيقة العظيمة أم بعدها؟ والإجابة بسيطة جدًا. فالكتاب يقول «وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟» (لو 18: 8). وهذا معناه أن الكنيسة ستدخل إلى الضيقة العظيمة أولًا، ويرتَدُّ كثيرون عن الإيمان بالدرجة التي فيها يتساءل هكذا. فهذا هو الارتداد العظيم الذي أحدثته الضيقة العظيمة؟
عقب معجزة شفاء القديس بطرس للأعرج عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل تكلم مار بطرس مع الشعب قائلا «وَيُرْسِلَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ (إشارة للمجيء الثاني). الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ السَّمَاءَ تَقْبَلُهُ (الصعود)، إلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ (رَدِّ من يريد من الأمم وبنى إسرائيل إلى الإيمان بالمسيح)، الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ.» (أعمال 3: 20- 21).
ومِنَ الأنبياء الذين تكلموا عن زمن ردِّ كل شيء داود النبي، الذي قال بوضوح «قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي (الآب للابن): اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ (الشيطان وكل جنوده) مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ.» (مزمور 110: 1). ففي زمن ردِّ كل شيء يكون خضوع الشيطان والأشرار تحت قدمي الرب.
وهذا شرحه القديس بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين عندما قال «وَأَمَّا هذَا (ربنا يسوع المسيح) فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً (ذبيحة نفسه) جَلَسَ إلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ (صعد وجلس في قوة الآب) مُنْتَظِرًا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى تُوضَعَ أَعْدَاؤُهُ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْهِ» (عبرانيين 10: 12-13).
«ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ؟» (عبرانيين 1: 13).
وهناك معنى أخير لزمن ردِّ كل شيء وضَّحه سِفْر الرؤيا، بأن الرب يُخضِع الشيطان ومعاونيه تحت قدميه في مقرهم الأخير. إذ قال «فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ،... وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ» (رؤيا 19: 20). وتضاف آية أخرى تُكَمِّلها «وَإبْليس الَّذِي كَانَ يُضِلهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرةِ النَّارِ والكبريت، حَيْث الْوَحش وَالنَّبِي الْكذابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى أَبدِ الآبِدِينَ» (رؤيا 20: 10). لقد وَضع كل شيء في مكانه اللائق: الذين سيؤمنون آمنوا، والذين سيهلكون هلكوا، ووصل كل واحد إلى مكانه الذي يستحقه. إنه زمن رد كل شيء إلى نصابه الحقيقي.
«هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ» لماذا نسمع كثيرًا في الكتاب المقدس عن ظهور الرب على السحاب؟ فكان الرب يتجلى في خيمة الاجتماع على سحابة، والسحابة تظلل الخيمة دليل على وجود الله، وتظلل الناس في البرية رمزًا لوجود الله معهم، وقاد الله بنى إسرائيل بعمود السحاب في البرية (خروج 14؛ 19)، (عدد 20؛ 24). وعندما أعطى الله الشريعة لموسى النبي في سيناء ظللته الغمامة، بل إن السحاب أُطْلِقَ عليه عرش الله، إذ قال داود النبي «الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ، الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ» (مز 104: 3). فالسحاب يرمز لحضور الله في خيمة الاجتماع، وفي جبل التجلي (متى 17)، وهكذا في مجيء الرب للدينونة (دانيال 7: 13).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فالرب عندما تجلى فوق جبل طابور «سَحَابَةٌ... ظَلَّلَتْهُمْ» (متى 17: 5)،
وفي صعوده «أَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ» (أعمال 1: 9)،
وفي مجيئه الثاني «آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ» (متى 24: 27).
فالله يُظهِر جلاله بالسحاب، ويُخفيه أو يَحجِبه في السحاب. لذلك قال القديس إيرونيموس(5) إنَّ السحاب رمز لناسوت المسيح الذي فيه احتجب اللاهوت، وهذا ما قاله بولس الرسول «وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ،... الَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي» (1 تسالونيكي 1: 10)، وأيضًا «لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ... سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ» (1 تسالونيكي 4: 16-17).
ويكمل مار يوحنا ويقول: «وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ.» (رؤيا 1: 7)
«وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ» (رؤيا 1: 7) καὶ ὄψεται αὐτὸν πᾶς ὀφθαλμὸς
ليس مجيئًا سريًا كما تقول الين هوايت زعيمة السبتيين الأدڤنتست، بل سيراه الكل أبرار وأشرار، الأحياء على الأرض والقائمون من الموت، الذين يحبونه وينتظرون مجيئه والذين يبغضونه.
إنها عبارة مُعَزِّيَة ومُعَذِّبَة. فالذين يحبونه ينظروه فيتغيروا ويصعدوا إليه في شوق وبهجة، وهذا هو الاختطاف. والذين يبغضونه ينظرون إليه فيرتعبوا من مواجهته وينوحوا. فلنستعدْ لهذه اللحظة الرهيبة والمهيبة.
"سَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ" يحمِلُ سِمَاتِ صَلبِه وآلامِه. فعلى الرغم أن الناس في القيامة سيقومون بأجسادهم الحقيقية وقد أخذت صورة مُمَجَّدَة لا أثَرَ فيها لكسور أو جروح، لكن شاء الرب وقد مات مصلوبًا عنا ومن أجلنا أن تبقى آثار جروحه والطعنة وغيرها باقيةٌ ودائمةٌ في جسده المُمَجَّد القائم من بين الأموات على غير الطبيعي؛ ليحتفظ بآثار حُبِّهِ اللانهائي لنا. وهذا ما أظهره الرب القائم من الموت للقديس توما قائلًا «هَاتِ إصْبِعَكَ إلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا» (يوحنا 20: 27). تلك الجروح الباقية ستكون في الأبدية سِرَّ حُبِّنا وفرحنا كما قال القديس إيرونيموس، وسبب عذاب الأشرار الدائم واللانهائي.
ماذا قال البروتستانت في شرح عبارة "وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ"؟!
قال د. إبراهيم سعيد أستاذ العهد الجديد في كلية اللاهوت البروتستانتية "لعل المخترعات الحديثة المُسَمَّاة التلفزيون تصبح في ذلك الوقت خادمة للمسيح... فتُمَكِّن كل عين من رؤية سَنَاهِ"(6). ويقصد الدكتور إبراهيم سعيد أن التلفزيون سينقل صورة المسيح في مجيئه الثاني إلى نصف الكرة الأرضية الآخر باعتبار ظهوره في مجده يُغَطِّى نصف الكرة الأرضية فقط مثلما يري سكان الأرض الشمس، ونحن نتساءل، كيف وصلت الأمور بأستاذ العهد الجديد. الدكتور في كلية اللاهوت أن يتصور أن الرب يسوع الإله القدوس في مجده ومجد أبيه يقع في مشكلة ظهوره لكل إنسان على الأرض الكروية ويبدأ في حلها فيُقَدِّم حلًا لا يتفق مع العلم ولا يليق برب المجد؟!
إننا في حل المشكلة المزعومة سنفترضها مع ملاك لا مع الله تأدبًا، مع اعتذارنا للملاك الذي يمكنه حل مشكلات البشر ولا يحتاجنا لحل مشكلة ظهوره. أمَّا ظهور الرب فلا نتطاول لمجرد التفكير فيه. فإذا أراد الملاك أن يظهر في السماء ببهاءٍ ومجد وتنظره كل عين، كملاكٍ يمكنه أن يُرسِل بهاءَهُ للأرض كلها وإشعاعات بهائِه تخترق الأرض وتظهر في نصف الكرة الأرضية الثاني؛ لأن «مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ، وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ.» (1 كو 15: 40). فملاكٌ واحد «اسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ» (رؤيا 18: 1). ونحن نعرف أن سرعة الضوء كبيرة، وسرعة الملاك الروحاني أكبر بما لا يقاس، فيمكنه أن يَلِفَّ حول الكرة الأرضية ملايين المرات في ثانية واحدة الأمر الذي يجعله مرئيًا أمامنا بصفة مستمرة، وبالتالي أمام كل إنسان على نصفي الكرة الأرضية. إننا تجاسرنا لِحَلِّ مشكلة الملاك عندما يظهر للكرة الأرضية فيُرى في العُشر الأول من الثانية في نصف الكرة الأرضية وفي العشر الثاني من الثانية في النصف الآخر وتساعده سرعته أن يتحرك مئات المرات دورانًا حول الأرض فيراه كل أحد ثابتا أمامه كل الوقت، أما عن الله فليس شيئا غير ممكن. الفِلْمْ المتحرك فيه حوالي 25 صورة تتحرك أمامك في كل ثانية، فلا تدرك من سرعتها أن الصورة تتغير بل ترى الشخص يتحرك.
«وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ» καὶ οἵτινες αὐτὸν ἐξεκέντησαν
لماذا الذين طعنوه؟! هل الطَّعْن أصعب من إكليل الشوك، ومن المسامير الكبيرة النافذة؟ وأصعب من الجَلْد بالسياط وفقدان كمية كبيرة من الدم، ومن حمل الصليب؟ وقد جاءت هذه العبارة بالجمع هُنا، وأيضا في نبوة زكريا النبي في العهد القديم «فَيَنْظُرُونَ إلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ» (زكريا 12: 10)، مع أنَّ الذي طعَنَهُ واحدٌ فقط هو لُنْجِينُس الجُندي الروماني. ويربط الروح القدس في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (نبوة زكريا، سِفْر الرؤيا) بين هذا الجُندي، والذى سَلَّمَه لِلصَّلْب والذين قبضوا عليه واليهود الذين صرخوا اِصْلِبْهُ اِصْلِبْهُ والذين حكموا عليه. فكأنه طَعَنَهُ نيابةً عنهم أو تنفيذًا لإرادتهم. فَهُمْ طعنوه بالإرادة، وإن لم يطعنوه بأيديهم. ويربط القديس يوحنا الحبيب بين الطَّعْنة الجماعية التي ذكرها زكريا النبي، وبين طعنة لُنْجِينُس الذي انفرد بذكرها هو وحده في إنجيله فيقول «لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ... لِأَنَّ هذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ. وَأَيْضًا يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: سَيَنْظُرُونَ إلَى الَّذِي طَعَنُوهُ.» (يو 19: 34-37). فطَبَّق مار يوحنا الكلمة الجماعية "طَعَنُوهُ" على الجندي المفرد؛ لأنه طعنَهُ نيابةً عنهم جميعا. فَالَّذِينَ طَعَنُوهُ ليس لُنْجِينُس وحده، بلْ طَعَنْتُكَ أنَا بآثامي، أمَّا لُنْجِينُس فنظر إليكَ مُعلقًا على الصليب، وعندما انهمر منك دمٌ وماء نتيجة طعنتهِ، وتساقط دمُك القدوس على عينيه، أبصرت، وعلى فمِهِ تَطَهَّر، وصرخ قائلا «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!» (مت 27: 54)، وصار قديسًا وأُسْقُفًا لِشعبك.
أما أنا فبآثامي انطبقَ علىَّ القولُ «إذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ» (عب 6: 6). آه يا وَيْلِي هل ما زلتُ أطعنُك ربي بخطاياي؟ استَفِيقِي يا نفسي وانفُضِي عَنكِ جَهْلَكِ وقُبْحَك، وتوبي عن آثامِك وطعناتِك. كانت طعنات أريوس ونسطور وسابيليوس ولوثر وكالڤن أشد كثيرًا من طعنة لُنْجِينُس القديس الذي ندم وتاب.
καὶ κόψονται ἐπ’ αὐτὸν πᾶσαι αἱ φυλαὶ τῆς γῆς
«وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ» (رؤيا 1: 7)
«تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ» (متى 24: 30)
لمجيء الرب وجهان: وجهٌ يُفَرِّح الأبرار وآخر يُحزِن الأشرار. وعندما «يَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ» يظهر نوعان من البكاء والندم، ندم التوبة، وندم اليأس... كالقديس بطرس الرسول ويهوذا الخائن، تلميذان للسيد المسيح، أخطأ كلٌ منهما خطَأً فادحًا في أهم ساعات الوفاء، وتَنَكَّرَ كلٌ منهما لِمُعَلِّمه، ثم ندما، ولكن الفارق كان كبيرًا بين دموع مار بطرس التائب، وندم يهوذا اليائس الذي فقد رجائه. هكذا قبائل الأرض، حينما يواجهون الرب في مجيئه الثاني ويرون أثر المسامير والحربة في جسده القدوس الممجد ينوح عليه غير المؤمنين، لا نُواح التوبة، فقد ضاعت فرصتها، وجاءت الدينونة الرهيبة، بل بكاء اليائسين من الأشرار الهالكين. قال القديس متى «وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.» (متى 24: 30)
«جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ» πᾶσαι αἱ φυλαὶ τῆς γῆς
تُعتبَر (رؤيا 6: 15- 17) شرحًا لـ(رؤيا 1: 7)، فتوضَح عبارة «جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ» بعبارة «وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ». وبالطبع كل هؤلاء فيهم أشرار وأبرار، وجميع قبائل الأرض هنا تعني الأشرار منهم، وتوضَح عبارة «ينوح عليه» بعبارة «أَخْفَوْا أَنْفُسَهُم فِي الْمَغَايِر وَفِي صُخُورِ الجبال وهم يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الخروف لأنه قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ.» (رؤيا 6: 15- 17)
«نَعَمْ آمِينَ» (رؤيا 1: 7) ναί, ἀμήν
عبارة تأكيدية يمكن ترجمتها «أمين. أمين» أو «حقًّا حقًّا». فهي كلمة مكررة مرتين أحدهما يونانية والأخرى عبرية. وهي عبارة تَجاوَبَ بها مار يوحنا مع إعلانات السماء، فالقديسون كُلَّما سمعوا أو قرأوا عن مجيء الرب الثاني يقولون «نَعَمْ آمِينَ» (رؤيا 1: 7) أو «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا 22: 20). تلك العبارة التي نطق بها مار يوحنا من قلبه ردًا على إعلان الرب «أَنَا آتِي سَرِيعًا» (رؤيا 22: 20)، نائبًا عن كل أبناء الله الذين يحيون حياة الاستعداد والتوبة، تمامًا كما قال مار بطرس الرسول «يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ.» (2 بطرس 3: 11-12).
وعندما تأتى الكلمة باللغتين العبرية واليونانية إنما تشير إلى أن الدينونة
للكل، لليهود والأمم، الكلُّ سَينُوحون من كُل الأمم ومن كُل الشعوب.
Ἐγώ εἰμι τὸ ἄλφα καὶ τὸ ὦ λέγει κύριος
«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ يَقُولُ الرَّبُّ» (رؤيا 1: 8)
«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤيا 1: 11)
«أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ» (رؤ 1: 17-18)
«هذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ» (رؤيا 2: 8)
«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» (رؤيا 21: 6)
«أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤيا 22: 13)
«أَنَا هُوَ» تكررت هذه العبارة في سِفْر الرؤيا ستة مرات على الأقل.
"أَنَا هُوَ. الأَلِفُ وَالْيَاءُ - الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ - الأَوَّلُ وَالآخِرُ"
عبارات قالها الله في العهد القديم، وقالها الرب يسوع في العهد الجديد، وهذا يثبت أن الابن واحد مع الآب في الجوهر. فالله في العهد القديم يقول «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إلهَ غَيْرِي» (إشعيا 44: 6)، وأيضًا «أَنَا هُوَ. أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَيَدِي أَسَّسَتِ الأَرْضَ، وَيَمِينِي نَشَرَتِ السَّمَاوَاتِ.» (إشعيا 48: 12-13)، وواضح أن المتكلم هو الله الأوحد خالق السماوات والأرض وكل ما فيها. والسيد المسيح يقول نفس التعبير «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ» (رؤيا 1: 17)، «هذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ» (رؤيا 2: 8). إذن الذي قال «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤيا 1: 17) هو الذي قال «لاَ إلهَ غَيْرِي» (إشعيا 44: 6)، «وَيَدِي أَسَّسَتِ الأَرْضَ، وَيَمِينِي نَشَرَتِ السَّمَاوَاتِ.» (إشعيا 48: 13)، و«الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ» (رؤيا 2: 8)، وهذا دليل على لاهوت المسيح. وإشَعْيَا نفسه شرح هذه الآية بأن قال «أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إلهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ. أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ... وَأَنَا اللهُ. أَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ أَنَا هُوَ» (إشعيا 43: 11-13). فهو الأول الذي أوجد كل الكائنات بعده، وقبله لم يصوَّر إله، فهو الخالق الذي لم يخلقه أحد قبله «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3).
الله هو الأول في حياتنا، الأول في اهتماماتنا، فقد قال «أَنَا أُحِبُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَنِي، وَالَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إلَيَّ يَجِدُونَنِي.» (أم 8: 17)، وكان يطلب البكور «قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إنَّهُ لِي» (خروج 13: 2).
سأل أحدُهم كاهنًا يعِظُ عن العشور: "أَيّ عُشْرٍ أدفع، فمُرَتَّبي عشرة عشور؟" فأجاب المحيطون "أي عُشر، المهم أن تدفع". لكنِ الكاهن استوقفهم قائلا: "إن دفعتَ العُشْرَ الأول، يُبارك الله لك في التسعة أعشار وإن دفعتَ العُشْر الخامس يبارك الله في الخمسة أعشار الباقية، أما إن دفعتَ العُشْر الأخير ففيما يبارك الله؟!".
عظيم هو إيليا رجل الله الذي يعرف قَدْر خدمته كممثل لله فيقول لأرملة صِرْفة صيدا «لاَ تَخَافِي. ادْخُلِي وَاعْمَلِي كَقَوْلِكِ، وَلكِنِ اعْمَلِي لِي مِنْهَا كَعْكَةً صَغِيرَةً أَوَّلاً وَاخْرُجِي بِهَا إلَيَّ، ثُمَّ اعْمَلِي لَكِ وَلابْنِكِ أَخِيرًا.» (1 مل 17: 13). كيف أولًا يا رجل الله؟! أَقَبْلَ الأرملةِ الضعيفة وقبْل الصبي الصغير؟! نعم. كان إيليا يعرف قَدْر نفسِه كمُمَثِّلٍّ لله، والله أولًا، الله الذي أوصانا «اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (متى 6: 33). وعلَّم الرب بأنه هُوَ الأَوَّلُ حينما «قَالَ لَهُ واحدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلًا وَأَدْفِنَ أَبِي، فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ» (متى 8: 21-22). فالمسيح قبْلَ الأمور الهامة العاجلة قبْل دفْن الأب. وعندما قَالَ له آخَرُ: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلًا أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي. قَالَ لَهُ يَسُوعُ لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ» (لوقا 9: 61-62). فالمسيح قبْل العواطف البشرية المُعتادة. وفي مثل العَشَاءِ العَظِيم قَالَ أحد المدعوين «إنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلًا، وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ... وَقَالَ آخَرُ إنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ، وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا... وَقَالَ آخَرُ: إنِّي تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ، فَلِذلِكَ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ.» (لوقا 14: 18-20)، ولم يقبْلِ الربُّ اعتذاراتهم بل غضب عليهم ودَعَا غيرهم.
شهود يهوه يتكلمون عن السيد المسيح أنه أول خلق الله «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3). ففي نظرِهم الله خلق الابن، ثم الابن خلق كل شيء، وبهذا يكون الآب في عقيدتهم هو الأول أما الابن فهو الثاني. ونحن نسألهم كيف يقول السيد المسيح هنا «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ» وواضح أن الذي قال «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ» هو الذي «يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ» (رؤيا 1: 7)، وهو الذي أكمل قائلا: «وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ» (رؤ 1: 18)، و«هذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ» (رؤيا 2: 8). فهو المسيح إذن. ومن هنا نؤمن أن المسيح هو الأول والألف والبداية.
الألف أو البداية: بداية ومصدر كل شيء، والأول قبْل كل شيء.
الياء أو النهاية: نهاية وغاية كل شيء، والآخِر هدف كل شيء.
فالمسيح بداية ونهاية الشريعة، فالنبوات تتجه إليه، وهو الأول في صلواتنا «اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (مت 6: 33).
«الاله الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 1: 4، 8) أي السرمدي
ὁ θεός ὁ ὢν καὶ ὁ ἦν καὶ ὁ ἐρχόμενος
«الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (رؤيا 1: 8) ὁ παντοκράτωρ
عبارة تكررت 9 مرات في سِفْر الرؤيا، ومرَّة في (2 كورنثوس 6: 18)، وفي (تك 48: 3؛ 49: 25)، (إش 13: 6)، (يؤ 1: 15)
في (رؤيا 1: 8) شهد الابن عن نفسه،
وفي (رؤيا 4: 8) شهدت الحيوانات الأربعة للآب،
وفي (رؤيا 11: 17) شهد الأربعة والعشرون كاهنًا،
وفي (رؤيا 15: 2-3) شهد الغالبون على الوحش،
وفي (رؤيا 16: 7) شهد له صوت من المذبح،
وفي (رؤيا 19: 6) شهد له كصوت جمع كثير ومياه كثيرة ورعود شديدة،
أما يوحنا الحبيب فشهد له في (رؤيا 16: 14؛ 19: 15؛ 21: 22).
وفي العهد القديم «كَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا ظَهَرْتُ لإبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي يَهْوَهْ فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ» (خروج 6: 2-3).
«الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» عبارة معزية للضعفاء، فالله الذي معهم قادر على كل شيء، أقوى من أعدائهم قادر أن يحميهم، قال لأبينا إبراهيم قديمًا «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلًا» (تكوين 17: 1). وفي (رؤيا 1: 8) يقول «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ». فمَن هو القادر على كل شيء إلا الله وحده، ومَن هو السَّرْمدي «الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي» الحاضر والماضي والمستقبل إلا الله وحده.
نحن نثبت وحدانية الله في اللاهوت النظري بعبارة «الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» فمن المنطق أن يكون الله هو القادر على كل شيء، فهل يمكن أن يتصف بهذه الصفة اثنان ليكونا إلَهَيْن؟ بالطبع لا. لماذا؟
لأننا لو افترضنا وجود إلَهَيْن، فإما أن يكونا متساويين في القوة كل منهما قادر على كل شيء ما عدا الإله الآخَر. وإذا كان كذلك سيكون كل منهما محدود في قدرته يحُدُّه الإله الآخَر، فلا يصلُح أَيٌّ منهما أن يكون إلهًا؛ لأن الله قادر على كل شيء. وإما أن يكون أحدهما أقوى من الإله الآخَر فيكون الأقوى هو الله وهو «الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»، أما الآخَر الأضعف غير القادر على كل شيء فلا يصلح أن يكون إلهًا. إذن فالله واحدٌ وهو وحده «الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».
وهو يتصف أيضًا بالسرمدية فهو وحده يقال له:
«الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والأخر» وهذه الكلمات تعني الأزلي لأنه بداية كل شيء ليس قبله كائن.
الأبدي لأنه نهاية كل شيء ليس بعده كائن.
السرمدي الذي بلا بداية ولا نهاية.
جاء في سِفْر الرؤيا:
أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ... الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (رؤيا 1: 8)
أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالْحَيُّ وَكُنْتُ مَيْتًا وَهَا أَنَا حَيٌّ إلَى أَبَدِ الآبِدِين (رؤ 1: 17)
القادر على كل شيء هو نفسه الذي يقول «كُنْتُ مَيْتًا وَهَا أَنَا حَيٌّ» أي المسيح الذي صُلب ومات وقام من الموت وهذا يؤكد لاهوت المسيح المصلوب فهو الأول والآخِر والقادر على كل شيء.
مساواة الابن للآب هي في كل شيء: في الكينونة، في القدرة، في السرمدية. وهنا نتناول النقطة الثالثة أي السرمدية فسِفْر الرؤيا يقول:
«يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 1: 8)
«وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 1: 4)
«الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 4: 8)
هنا السيد المسيح الذي يأتي مع السحاب يقول
«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ... الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 1: 8)
نفس العبارة التي تقال عن الآب:
«الرَّبُّ الإلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي» (رؤ 4: 8). الأمر الذي يثبت أن الابن والآب واحد في الجوهر، واحد في السرمدية. فواضح أن عبارة الذي كان تعني أن المسيح في كل وقت يوصَف بأنه «الَّذِي كَانَ»، مهما رجعنا في الزمان إلى الأزل سيُقال عنه «الَّذِي كَانَ»، وهذه هي الأزلية أو كما قال القديس بولس الرسول «قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ» (2 تي 1: 9؛ تيطس 1: 2)، وهكذا عبارة «الَّذِي يَأْتِي» تعني الأبدية.
![]() |
«أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ،
وَفِي مَلَكُوتِ يَسوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ.» (رؤيا 1: 9)
«أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ» Ἐγὼ Ἰωάννης, ὁ ἀδελφὸς ὑμῶν
أَنَا يُوحَنَّا: القديس مار يوحنا لم يُرِدْ أن يَذكر اسمه في إنجيله ورسائله اتضاعًا وإخفاءً للذَّات، لكنه ذكر اسمه في الإصحاح الأول من سِفْر الرؤيا ثلاث مرات (رؤيا 1: 1، 4، 9). فإن طبيعة الإنجيل والرسائل تحمِل برهان صدْقِها فيها؛ لأن كثيرين من الناس الذين تلقوا الرسائل أو قرأوا الإنجيل قد رأوا أو سمعوا العديد من أحداثه وتعاليمه بأنفسهم، أو كانوا يعرفون ظروف هذه الرسائل، فضلًا عن أن التعاليم تحمِل سُمُوَّها فيها. أما الرؤيا وهى أخبارٌ رمزية، كثيرٌ منها يُحَدِّثنا عن المستقبل، فلا شيء يدل على صِدْقِها الآن، إلا لو كان كاتبها رسولًا معروفًا وموثوقًا به، كيوحنا حبيب المسيح الذي يُعتبَر اسمه بمثابة (الخَتْم) الذي تُعتمَد به الوثائق الصادقة.
اتضاعٌ عجيب من القديس يوحنا رسول المسيح وأحد الاثني عشر، التلميذ الذي كان يسوع يحبه، وأحد المعتبرين أعمدة وشفيع، الرسل عند الرب. بل الرسول الوحيد الباقي على الأرض، فليس له الآن مثيل يساويه، فهو أبٌ روحيٌ للكنيسة كلها يليق أن يخاطبنا كأبناء. هو أبٌ ليس روحيًا فقط، بل وسِنًّا فهو في سن الشيخوخة يناهز المائة سنة عُمرًا تقريبًا. قال في رسالته الثانية «اَلشَّيْخُ، إلَى كِيرِيَّةَ الْمُخْتَارَةِ» (2 يوحنا 1)، وفي رسالته الثالثة «اَلشَّيْخُ، إلَى غَايُسَ الْحَبِيبِ» (3 يوحنا 1). واتضاع مار يوحنا لا يمنع حقيقة الأبوة الروحية التي جعلته يقول في رسالته الأولى «يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا» (1 يو 2: 1)، وليس منطقيًا أن اتضاع مار يوحنا الرسول في مخاطبته لنا «أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ»، يجعلنا ندعوه أخًا لنا، حاشا. بل ينبغي أن يُثمِر اتضاع الرسول فينا اتضاعًا فندعوه أبًا، وقد رأيناه يقول «يَا أَوْلاَدِي»، كما قال الرسول بولس «لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإنْجِيلِ» (1 كو 4: 15).
«وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ» καὶ συγκοινωνὸς ἐν τῇ θλίψει
إنها كلماتٌ هادئة مُعزِّية، فالمسيحي الحقيقي يحيا في الضيق ويُعَزِّيه قول مار يوحنا حبيب المسيح «أَنَا يُوحَنَّا... شَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ». فإن كان رسولُ الحب، لم يفلِت من الضيق والألم، فكم يليق بنا أن نفرح بالألم الذي يجعلنا شرُكاء رسول المسيح. جيدٌ أن يقول مار بولس الرسول «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (في 3: 10) فالآلام والضيقات تجعلنا شركاء الآباء الرسل بل شركاء المسيح. حقًّا قيل عن الآباء الرسل «وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ» (أعمال 5: 41). فالذي يشترك في آلام المسيح يشترك مع المسيح في قوة قيامته «إنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ» (رو 8: 17)، «بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ» (1 بط 4: 13). فما استطاع مار يوحنا أن يرى أمجاد الرؤيا إلا بعدما دخل جزيرة الألم جزيرة بَطْمُس. وما استطاع دانيال النبي أن يرى ملاك الرب إلا بعدما أُلْقِيَ في جب الأسود وقال «إلَهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي لأَنِّي وُجِدْتُ بَرِيئًا قُدَّامَهُ وَقُدَّامَكَ أَيْضًا أَيُّهَا الْمَلِكُ. لَمْ أَفْعَلْ ذَنْبًا» (دا 6: 22). وما استطاع أن يرى الفِتيةُ الثلاثةُ المسيحَ له المجد «الرَّابِع شَبِيه بِابْنِ الآلِهَةِ» (تتمة دا 3: 92) إلا بعدما أُلقوا في النيران المتقدة والأتون المُحمَى أربعة أضعاف. وأيوب رجل الآلام الشهير الذي دخل أعماق التجربة وقال «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَانًا أَعُودُ إلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكاً» (أي 1: 21)، حسنًا قال «بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي» (اي 42: 5).
«شَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ»:
عاصر القديس يوحنا الحبيب عهد الإمبراطور الطاغية نيرون ونُفِيَ في عصر دومتيان أقسى عصور الاضطهاد، واختبر قول المسيح «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ وَلَكِنْ ثِقُوا أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يو 16: 33). وجاز الضيق وقال أنا شَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ، وفي جزيرة بَطْمُس لم يغلِبِ الضيقَ فقط بل غلب العالمَ، إذ سحبَتُه الرؤيا من الضيق ومن العالم، وعاش في السماء بينما هو في جزيرة الضيق.
لقد ذاق عبارة القديس بولس «بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (أعمال 14: 22). وحسنًا قِيل "لا تهرب من الضيقة؛ فمن يهرب من الضيقة يهرب من الله". يقول مار يوحنا للمتضايقين إن كنتم تتألمون وتُطرَدون وتُسجَنون وتُضطَهدون من أجل المسيح فأنا أخوكم وشريككم في الضيقة. هذا هو الراعي الحقيقي... لا يترك الخراف تتضايق وتتألم، بينما هو يتمتع في بُرجِه العالي. الراعي الحقيقي شريكُ الفقراء والمكروبين والمسجونين في ضِيقتهم. «فَالدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللَّهِ الآبِ هِيَ هَذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ» (يعقوب 1: 27). حسنًا قِيل عن ربنا يسوع «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ» (إش 63: 9). وحسنًا قال مار بولس «فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ. فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ... مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟» (2 كورنثوس 11: 23، 29).
«وَفِي مَلَكُوتِ يَسوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ.» (رؤيا 1: 9)
καὶ βασιλείᾳ καὶ ὑπομονῇ ἐν Ἰησοῦ Χριστοῦ
نقرأ هنا أن ملكوت الله محصورٌ بين الضيقة والصبر، فالطريق إلى الملكوت مليء بالضيقات، فهل كل المتضايقين يَصِلُونَ إلى الملكوت؟ بالطبع لا. بل الذين يصبرون في الضيق. لأن هناك من يتضجر ويثور، ومن يصبر ويفرح بالضيق، وقال الرسول «صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ» (رو 12: 12).
كلمة صَّبر جاءت 7 مرات في سِفْر الرؤيا (رؤ 1: 9؛ 2: 2؛ 2: 3؛ 2: 19؛ 3: 10؛ 13: 10؛ 14: 12) وحسنًا مدح الرب ملاك كنيسة فيلادلفيا قائلًا «لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي» (رؤيا 3: 10).
«كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ» (رؤيا 1: 9)
ἐγενόμην ἐν τῇ νήσῳ τῇ καλουμένῃ Πάτμῳ
جزيرة بَطْمُس جزيرة جبلية صغيرة مساحتها نحو 16 x 8 كم 2، شمال أورشليم وجنوب شاطئ أسيا الصغرى وماجوج (روسيا)، وشرق روما وغرب بابل أو غرب ميليتُس بنحو 45 ميلًا. أما الكنائس السَّبْع التي في أسيا فتقع على الشاطئ شرق هذه الجزيرة وتقع حاليًا في تركيا. ولعل أرض هذه الجزيرة غنية بالمعادن، ولذلك فقدِ استُخدِمَ المسجونون من كبار المجرمين المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة في حفر هذه الأرض الصخرية لاستخراج المعادن.
أما القديس يوحنا ففي وداعته المعهودة وحبه العميق وفرحه بالرب وبالألم من أجله لم يقل كنت مسجونًا أو مَنْفيًّا، بل كنت في الجزيرة التي تدعى بَطْمُس من أجل كلمه الله. فخُدام الله يفرحون بالألم ولا يشتكون أو يتضجرون. وبقدر ما كان مار يوحنا أسيرًا بالجسد كان طليقًا بالروح، بل انطلقت روحه بِحُرِّية أكثر لا على الأرض وحدها بل صعدت إلى السماوات العُليا ووصلت إلى عرش الله في سماء السماوات. فالذين يريدون أن يشتركوا مع القديس يوحنا الحبيب في مجد رؤيا الله والتَّمَتُّع بحضرته عليهم أن ينصتوا له جيدًا عندما يقول «أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ» قبل أن يقول «كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ» (رؤ 1: 9؛ 1: 2)؛ لأنه «إنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ» (رو 8: 17).
لم يصعد مار يوحنا إلى السماء إلا بعدما نزل إلى جزيرة بَطْمُس وتألم فيها. وما رأى يعقوب أبُ الآباء السُّلَمَ الصاعد إلى السماء (تك 28: 12) إلا بعدما هرب أمام أخيه عيسو خائفًا، وما رأى موسى الله في العليقة المشتعلة بالنار إلا بعدما هرب من وجه فرعون (خروج 3: 2). وما رأى حزقيال النبي الله جالسًا فوق المركبة الكِروبيمية إلا بعدما سُبِيَ إلى بابل عند نهر خوبار (حزقيال 1: 1) وما رأى القديس اسطفانوس الرب عن يمين القوة إلا والحجارة تتهاوى على رأسه حتى الموت (أع 7: 55).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
διὰ τὸν λόγον τοῦ θεοῦ καὶ τὴν μαρτυρίαν Ἰησοῦ Χριστοῦ
«مِنْ أَجْل كَلِمَةِ اللهِ وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤيا 1: 9)
«الَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤيا 1: 2)
وقد شرحنا هذين النصين معًا أثناء شرحنا لـ[رؤيا 1: 2].
ἐγενόμην ἐν πνεύματι ἐν τῇ κυριακῇ ἡμέρᾳ
«كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ» (رؤيا 1: 10)
هذه الحالة الروحية والروحانية، يشير إليها القديس يوحنا الحبيب، وقدِ انحل من الأرضيات والماديات واستُغرق في الروحانيات وغاب عن الحواس والمحسوسات وصار في روحانية عالية تسمح له بالصعود إلى السماء، فيرى ما لا يُرى ويسمع صوت الله ويفهم ما يقوله السمائيون. سُمُوٌّ أعلى مما قاله مار بولس «أَعْرِفُ إنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. أُخْتُطِفَ هَذَا إلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. وَأَعْرِفُ هَذَا الإنْسَانَ. أَفِي الْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. أَنَّهُ اخْتُطِفَ إلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لِإنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا» (2 كو 12: 1-4). وهي حالة اختطاف عقلي وروحي.
وتدرَّج مار يوحنا خلال سِفْر الرؤيا في حالته الروحانية فقال «كُنْتُ فِي الرُّوحِ" (رؤ 1: 10)، ثم ارتفع أكثر ودخل إلى عُمق روحاني أعلى فقال «صِرْتُ فِي الرُّوحِ» (رؤ 4: 2)، وهكذا قاده الروح فقال «فَمَضَى بِي بِالرُّوحِ» (رؤ 17: 3) «وذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ» (رؤ 21: 10). تمامًا كما حدث مع حزقيال النبي الذي قال «حَمَلَنِي الرُّوحُ» (حزقيال 3: 14). متدرجًا في حياته الروحية والروحانية.
«فِي يَوْمِ الرَّبِّ»
رأى القديس يوحنا رؤياه في يوم مُقَدَّس هو يوم الأحد يوم الرب. ففي الأحد كانت قيامة الرب، وظهوره لمريم المجدلية أول الأسبوع (مرقس 16: 9)، وظهوره للتلاميذ الأحد عشر في العِلِّيَّة في اليوم الثامن أي الأحد (يو 20: 19، 26)، وكَسْر الخبز (أعمال 20: 7)، وكانت الاجتماعات الروحية حيث يُجمَع للفقراء (1 كو 16: 2)، وحل الروح القدس في يوم الخمسين في يوم الأحد (أعمال 2: 1-4). وهو أول الأسبوع في بدء الخليقة حيث خَلق الله النور، وهذا يجعلنا نُدرك أن هناك أيام مقدسة جعلها الله لتُيْقِظ فينا الحماسة الروحية. وفي بَطْمُس في المنفى لا توجد كنيسة أو قداس، لذلك بدأ مار يوحنا يوم الأحد بالتأمُّل الروحي فقال «كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ»، هكذا ينبغي أن نُقدِّس يوم الرب فنجعله يوم صلاة يوم تأمل، خلق الله عالمنا في ستة أيام واستراح في اليوم السابع، وقال «اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ» (خر 20: 8؛ تث 5: 12)، وفسدت هذه الخليقة وما عاد الله مستريحًا، بل تجسد لكي يُجَدِّد خليقته ويُصلحها بموته على الصليب ويُعيد آدمَ الأول إلى الفردوس. ثم قام من الموت في فجر الأحد، وهنا استراح، ودعانا أن نفرح بالخليقة الجديدة التي بدأت بقيامته.
سِفْر الرؤيا هو سِفْر الفرح الحقيقي وليس سِفْر الألم، بل سِفْر بركات الألم. وبينما كان مار يوحنا الشيخ الوقور الأشيب منفيًا يكسر الحجارة ويتألم في ضيق ونفي وإهانات، أتخيله يعاتب الله قائلًا: "لماذا يا رب في آخِر أيامي وقد استشهد كلُّ إخوتي الرسل... لماذا هذه الآلام؟". وبينما ينظر إلى فوق معاتبًا الله، إذ تنفتح السماء، وصوتٌ يقول «اصْعَدْ إلَى هُنَا» (رؤ 4: 1). وإذ به يقول «كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ». ففي بَطْمُس نرى بأرواحنا ما لا نراه بعيوننا، نرى «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إنْسَانٍ» (1 كو 2: 9). في بَطْمُس ترى الرب يسوع يرفع معك الحجارة، ويُعينُ المُتعبين ويمسح الدموع، فإلهنا لا يُرَى في القصور بقدر ما يتراءى لطالبيه في بستان جثسيماني. نحن نطلب الله فوق جبل التجلي، وقليلًا ما نريده على جبل الجلجثة. والحقيقة أنَّ الله يُرَى في الآلام أكثر. على جبل التجلي رآه ثلاثة فقط، أما على جبل الجلجثة رآه الكل. وفي وسط الأتون المُحَمَّى سبعة أضعاف نرى الرابع الشبيه بابن الآلهة، وفي جُب الأسود التي تزأر في وحشية رأى دانيال ملاك الرب يسُد أفواه الأسود فلم تضره بشيء.
«وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ» (رؤيا 1: 10)
«وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبوقٍ يَتَكَلَّمُ مَعِي» (رؤيا 4: 1)
وُصِف صوتُ المسيح له المجد بثلاث صفات:
«وَرَائِي، صَوْتًا عَظِيمًا، كَصَوْتِ بُوقٍ»
«وَسَمِعْتُ وَرَائِي» καὶ ἤκουσα ὀπίσω μου
لماذا كان الصوت من وراء؟ لعل هذا لأن مار يوحنا الحبيب لم يرَ الرب بكامل لاهوته وجلاله بل رآه بدرجة محدودة.
φωνὴν μεγάλην ὡς σάλπιγγος«صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ»
لم يكن صوت المسيح غريبًا بالنسبة لمار يوحنا فقد كان يسمعه وهو مُتَّكئ في حضنه (يوحنا 13: 23)، وسمعه بعد القيامة حينما دخل إلى العِلِّيَّة «وَقَالَ لَهُمْ سَلاَمٌ لَكُمْ» (يوحنا 20: 19). نعم هو عظيم لأنه صوت رب المجد، عظيم في قوته وجلاله، عظيم في هيبته ورهبته، كصوت بوقٍ مُدَوِّي لا يمكن تجاهله.
هناك من يكلمهم الله ولا يسمعون، وهناك من يسرعون إلى سماع صوت الله. والله يتكلم بطرق متنوعة: يقول عنه مار بولس الرسول في افتتاحية رسالته إلى العبرانيين «اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآباء بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ» (عب 1: 1). قديمًا كَلَّم اللهُ يونانَ ولم يسمع بل هرب إلى ترشيش، ثم عاد فكلمه بالريح والعواصف ولم يسمع، وكلمه بالوثنيين من أهل السفينة الذين قالوا له «قُمِ اصْرُخْ إلَى إلهِكَ» (يون 1: 6) ولم يسمع، وكلَّمه بالقُرعة ولم يسمع، حتى أُلقِيَ في البحر وابتلعه الحوت، وهنا بدأ يسمع ويصرخ إلى الله.
لذلك يخاطب الكتاب بعض الناس «لَكُمْ آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُونَ» (مر 8: 18)
وتنبهنا الكنيسة قبل قراءة الإنجيل "أما أنتم فطوبي لآذانكم لأنها تسمع". هناك أُناسٌ صوتُ الله لهم كصوت بوق يهزهم هزًّا فيصرخون سريعًا مع صموئيل النبي «تَكَلَّمْ يَا رَبُّ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ» (1 صم 3: 9) (اُنظر شرح الآية رؤيا 4: 1). أما أنت يا أخي فما هو صوت الله بالنسبة لك؟ لقد أعطانا الناموس فوق جبل سيناء بصوت بُوق، وسيأتي المسيح في مجيئه الثاني بصوت بوق فيقوم الأموات لملاقاته في الهواء، وسمع مار يوحنا هذا الصوت مرة كصوت بوق وأخرى كصوت مياه كثيرة، وجعله هذا الصوت العظيم ينظر إلى وراءه إلى الكنائس السبع والرب وسطها.
وإذا به الابن «قَائِلًا:» λεγούσης
Ἐγώ εἰμι τὸ ἄλφα καὶ τὸ ὦ
«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِر» (رؤيا 1: 11)
«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» (رؤيا 1: 7)
نعود في شرح هذه الآية إلى (رؤيا 1: 8)
«وَالَّذِي تَرَاهُ اكْتُبْ فِي كِتَابٍ» ὃ βλέπεις γράψον εἰς βιβλίον
أمر الرب القديس يوحنا في سِفْر الرؤيا أن يكتب 12 مرة. بدأت بالآية السابقة في (رؤيا 1: 11)، ثم في (رؤيا 1: 19) «فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هَذَا»، وفي (رؤيا 2: 1، 8، 12، 18؛ 3: 1، 7، 14) «اُكْتُبْ إلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ»، وفي (رؤيا 14: 13) «وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِي اكْتُبْ»، وفي (رؤيا 19: 9؛ 21: 5) «وَقَالَ لِيَ اكْتُبْ». ومرة واحدة أمره الملاك أن لا يكتب جزءًا معينًا أراد الله أن يعلنه لمار يوحنا ولم يُرِدْ أن يعلنه لعامة المؤمنين «وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا كُنْتُ مُزْمِعًا أَنْ أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِيَ اخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ» (رؤيا 10: 4). فمستوي مار يوحنا الحبيب أعلى مِنَّا، فرَأَى المناظر السماوية، أما نحن فسمعنا عنها منه. هو ينظر بالعيان، أما نحن فننظر كما في مرآة. هو يُعلَن له كل شيء، أما نحن فبعض الأشياء. وأطاع مار يوحنا وكتب سِفْر الرؤيا، وردَّدَ في مقدمته «يُوحَنَّا، إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا» (رؤيا 1: 4)، وهى ترمز للكنيسة الجامعة الممتدة في الزمان منذ آدم إلى يوم القيامة، وفي المكان من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب.
«وَأَرْسِلْ إلَى السَّبْعِ الْكَنَائِس καὶ πέμψον ταῖς ἑπτὰ ἐκκλησίαις الَّتِي فِي أَسِيَّا إلَى أَفَسُسَ، وَإلَى سِمِيرْنَا، وَإلَى بَرْغَامُسَ،
وَإلَى ثَيَاتِيرَا، وَإلَى سَارْدِسَ، وَإلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإلَى لاَوُدِكِيَّةَ» (رؤيا 1: 11)
هذه الأسماء كغيرها من الأسماء في الكتاب المقدس نبوءة عن حالة الكنائس. فمعنى أَفَسُسَ المشتهاة، سِمِيرْنَا المرارة، بَرْغَامُسَ التزاوج ثَيَاتِيرَا المسرح، سَارْدِسَ البقية، فِيلاَدَلْفِيَا المحبة الأخوية، لاَوُدِكِيَّةَ حُكْم الشعب.
«الَّتِي فِي أَسِيَّا» (رؤيا 1: 4، 11)
يُحَدثنا سِفْر الأعمال، عن انتشار الإيمان المسيحي بِأَسيا. فمنذ تأسيس الكنيسة المسيحية يوم الخمسين نسمع أن الذين سمعوا كلمة الله كَانوا «مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ... وَأَسِيَّا» (أع 2: 5-9)، «فَنَهَضَ قَوْمٌ مِنَ... أسيا. يُحَاوِرُونَ اسطفانوس» (أعمال 6: 9). وقد مَنَعَ الرُّوحُ الْقُدُسُ القديسِينَ بولس الرسول وسيلا وتيموثاوس «أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا» (أعمال 16: 6). ثم بعد جهاد القديس بولس الرسول وتعليمه في مدرسة تيرانس لمدة سنتين محاجا اليهود «سَمِعَ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ» (أعمال 19: 10)، وهكذا تأسست كنائس كثيرة في آسيا اهتم برعايتها القديس بولس الرسول. ولما كتب رسالته الأولى إلى كورنثوس قال «تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ أَسِيَّا» (1 كو 16: 19). وبين كنائس أسيا كنيسة كولوسي التي لم تُذكَر ضِمن الرسائل السبع في سِفْر الرؤيا وكنيسة اللاودكيين التي أرسل إليها الرب رسالته السابعة في (رؤيا 3). فعندما تحدث القديس بولس عن أبفراس تلميذه في رسالته إلى كولوسي قال «اشْهَدُ فِيهِ أن لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ» (كولوسي 4: 13)، ثم أوصي كنيستي كولوسي ولاَوُدِكِيَّةَ وأرسل لكل منهما رسالة، وطلب أن يتبادلا الرسالتين فقال لأهل كولوسي «وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أيْضًا فِي كَنِيسَةِ اللاَّوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا انْتُمْ أيْضًا» (كولوسي 4: 16).
![]() |
«فالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي» (رؤ 1: 12)
هزَّ الصوت كيان القديس يوحنا وجذب انتباهه فقال:
«فالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ» Καὶ ἐπέστρεψα βλέπειν τὴ φωνὴν
والصوت لا يُنظَر بل يُسمع، فهو التفت لينظر صاحب الصوت المهيب، فمن يستطيع أن يقول «أَنَا هُوَ» غير الله؟ ومَن هو «الألف والياء، الأول والآخِر» غيره؟ لذلك ففي خشية ورهبة، في لهفة وشوق قال مار يوحنا «فالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي». فأشواق قلبي لك لا توصف. منذ سبعين سنة وأنت أمامي كل حين أقول عنك «الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا،... الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ» (1 يو 1: 1). ولكنى الآن أراك وجهًا لِوَجْه، ليتني جئتُ إلى بَطْمُس منذ زمن. آه ما أروع بَطْمُس وأعذب الألم... جعلني أراك. رائعة نيران الآتون المُحَمي سبعة أضعاف، ففيها رُؤى الرابع الشبيه بابن الآلهة (دا 3)، «يَا رَبُّ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا» (مت 17: 4) جيد أن أبقى معك في بَطْمُس مدى الحياة.
«فالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ»: وحينما نلتفت وننظر بتأمل نستطيع أن نستمع إلى صوت الله لنا في كل حدث، فالله يكلمنا في الطبيعة «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مز 19: 1). تكلم الله مع يونان النبي في هياج البحر، وفي صلاة ركاب السفينة الوثنيين، وفي تصرفات البحارة، وفي القرعة، ولو حاول النبي أن يلتفت لينظر ما حوله لَسَمِعَ صوت الله له. حقًّا «اَللهُ... كَلَّمَ الآباء بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ» (عب 1: 1)، ولكن قليلون الذين يلتفتون لينظروا. واحدٌ من هؤلاء القديس الأنبا أنطونيوس، كان أبوه غنيًا مرموقًا، ومات... ورأى الشاب أنطونيوس أباه محمولًا على الأعناق، فالتفت لينظر الصوت، ورأى صوتًا يدعوه إلى البرية فقال "خرجتَ منها يا أبى بدون إرادتك أما أنا فسأخرجُ بإرادتي" ومضى إلى البرية، وصار القديس العظيم أنطونيوس أب جميع الرهبان كوكب البرية. كم شابًا غنيًا رأى هذا المنظر؟! ولكن من يقول «فالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي»؟!
«الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي» ἥτις ἐλάλει μετ’ ἐμοῦ
والأعداد (رؤيا 1: 12-15) تحكي قصة التجسد باختصار:
12 رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، |
رأيتُ الكنيسةَ الجامعة الرسولية، |
13 وَفِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إنْسَانٍ، | وربنا يسوع المسيح متأنسًا على الأرض وسط كنيسته. |
مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. | وهو الكاهن الأعظم، تسلَّم كهنوت العهد القديم في المعمودية من يوحنا؛ لِيَصِلَهُ بكهنوت العهد الجديد فبدأ خدمته الكهنوتية. |
14 وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، | جاء القدوس الأزلي. |
وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. | العارف والفاحص أستار الظلام. |
15 وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. | وفي الفترة الأخيرة من تجسده جاز آلام الصليب العميقة. |
وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. (رؤيا 1: 12-15) | قام منتصرًا وكرز به رُسُلُهُ في كل الأرض (مز 19: 4). |
«وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ» (رؤيا 1: 12)
«وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ» (رؤ 1: 20)
في خيمة الاجتماع التي ترمز للكنيسة كانت منارة ذهبية واحدة ذات سبْعِ شُعَبٍ (خر 25: 31)، وهذه رآها زكريا النبي في رؤياه (زك 4: 2). وفي هيكل سليمان الذي يرمز للكنيسة كانت عشر مناير ذهبية (1 مل 7: 49)، والمناير في الخيمة وفي الهيكل كانت "منارة واحدة" في البداية لأنها كنيسة واحدة، ثم عشرة منائر لأن الكنيسة الواحدة الوحيدة في إيمانها ستنتشر في العالم كله لتنير المسكونة بوصايا الله. وعدد عشرة يعني كمال الوصية الإلهية. وفي العهد الجديد يتقدم التعليم خطوة للأمام فنرى سِفْر الرؤيا يُقَدِّم:
«سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ»: في عددها السُّبَاعِي تعني الكمال، وترمز إلى الكنيسة الجامعة التي تجمع أولاد الله في كل مكان، المجاهدين في كل المسكونة والمنتصرين في الفردوس، وفي كل زمان منذ آدم وإلى يوم القيامة. ووصْفُ الكنيسة بالمنارة معناه أن رسالتها هي أن تكون نورًا على الأرض «أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ» (مت 5: 15)، وهذا لا يكون إلا إذا حملَتْ داخلها السيد المسيح النور الحقيقي الآتي إلى العالم، تحمله على المذبح بجسده ودمه بلاهوته وناسوته.
«مِنْ ذَهَبٍ»: فالذهب رمز لِسُمُوِّ الكنيسة ونقاوة الإيمان والتعليم فيها، كما لنقاء الحياة، رمز للتعليم المستقيم الأرثوذكسي، التعليم الرسولي النقي وهكذا تصير عبارة «سَبْع مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ» هي نفس التعبير "كنيسة جامعة رسولية" التي نرددها في قانون الإيمان. فالمنارة هي الكنيسة، وسبعة تعني الجامعة، ومن ذهب أي رسولية.
«وَفِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ» (رؤ 1: 13) καὶ ἐν μέσῳ τῶν λυχνιῶν
في العهد القديم كانت خيمة الاجتماع وسط خيام بنى إسرائيل تشير إلى أن الله وسط شعبه. والسيد المسيح له المجد هنا في الوسط في مركز الدائرة بؤرة الشعور، في وسط الكنيسة فهو القائل «حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (مت 18: 20) يتمشى وسط شعبه يفتقدهم، «جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ» (أع 10: 38). ووصف نفسه لملاك كنيسة أفسس بأنه «الْمَاشِي فِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ» (رؤ 2: 1)، رآه القديس يوحنا في مركز الدائرة وسط العرش وسط الحيوانات الأربعة ووسط الكهنة الأربعة والعشرين وقال «وَرَأَيْتُ فَإذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ (الكهنة) خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ» (رؤ 5: 6)، فهو الذبيحة الدائمة الكائنة على المذبح «لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ» (رؤ 7: 17)، وفي وسط أورشليم السمائية «عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ فِي وَسَطِ سُوقِهَا» (رؤ 22: 1-2)، وحتى عندما صُلِب رب المجد «صَلَبُوهُ وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ» (يو 19: 18).
ووجود المسيح وسط كنيسته يملأنا طمأنينة. وكما بدأ السِّفْر بالرب وسط شعبه انتهى هكذا فقال «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إلهًا لَهُمْ» (رؤ 21: 3).
«شِبْهُ ابْنِ إنْسَانٍ» (رؤيا 1: 13) ὅμοιον υἱὸ ἀνθρώπου
«نَظَرْتُ وَإذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ
شِبْهُ ابْنِ إنْسَانٍ» (رؤ 14: 14)
ظهر الرب للقديس يوحنا الحبيب بالصورة التي يعرفها والتي تجسد بها إذ «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ، وَإذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإنْسَانٍ» (فيلبى 2: 7-8). وهكذا سيظهر في مجيئه الثاني «وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ
وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (مت 24: 30)
«يُبْصِرُونَ ابْنَ الإنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ» (مر 13: 26)،
«يُبْصِرُونَ ابْنَ الإنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (لوقا 21: 27).
وبِهذا اللقب «ابْن الإنْسَانِ» عاش رب المجد حُبًّا فينا، فكان يقول «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (متى 8: 20). وفي معجزة شفاء المفلوج الذي يحمله أربعة قال الرب «وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إلَى بَيْتِكَ، وقد جاء لقب «ابْن الإنْسَانِ» نحو 70 مرة في البشائر الأربعة، والعجيب أن الرب في مجيئه الثاني سيظهر بنفس الصورة «ابْن الإنْسَانِ»، ولذلك قيل «وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإنْسَانِ فِي السَّمَاءِ»، وهكذا تنبأ دانيال النبي (دانيال 7: 13). أما التعبير:
«شِبْه»: لأنه ليس «ابْن الإنْسَانِ» فقط، بلِ ابْنُ الله الظاهر في الجسد.
«مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إلَى الرِّجْلَيْنِ» (رؤ 1: 13) ἐνδεδυμένον ποδήρη
هناك نوعان من الثِّياب في سِفْر الرؤيا:
الثوب الأبيض الكتاني إلى الرجلين وهو الثوب الكهنوتي. والثوب الأبيض رمز النقاء والثبات في البر، وهو ثوب الغالبين.
وحديثنا هنا عن الثِّيَاب الكهنوتية التي يلبسها رب المجد إلى الرجلين كرئيس الكهنة الأعظم (عب 3: 1). ذلِك الثَّوب لبسه الرب مغموسًا في الدم. فقد أتى بذبيحة نفسه على الصليب وقال عنه سِفْر الرؤيا «وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ: كَلِمَةَ اللهِ» (رؤ 19: 13).
وقد وُصِف الأربعة والعشرون كاهنًا لابسين نفس الثياب، فيقول القديس يوحنا «وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا (كاهنا) جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ» (رؤ 4: 4). كما رأى القديس يوحنا السبعة الملائكة الذين يرمُزون إلى جميع الكهنة، ولذلك ذكرهم مُعرَّفِين فَهُمْ ملائكةُ الكنائس أو أساقفتُها وكهنتُها (رؤ 2-3). وهؤلاء قال عنهم «ثُمَّ بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإذَا قَدِ انْفَتَحَ هَيْكَلُ خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ فِي السَّمَاءِ، وَخَرَجَتِ السَّبْعَةُ الْمَلاَئِكَةُ... وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ وَبَهِيٍّ، وَمُتَمَنْطِقُونَ عِنْدَ صُدُورِهِمْ بِمَنَاطِقَ مِنْ ذَهَبٍ. وَوَاحِدٌ مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ أَعْطَى السَّبْعَةَ الْمَلاَئِكَةِ سَبْعَةَ جَامَاتٍ مِنْ ذَهَب» (رؤ 15: 5-7)
«وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ» (رؤ 1: 13)
يقول القديس إيرونيموس (چيروم) "إن هذه المنطقة الذهبية تُقَدِّمُه ككاهن كما تُظهِرُه كخادم، فقد كانت المنطقة الذهبية ضِمْنَ الزي الكهنوتي لهرون رئيس الكهنة ولِبَنِيه" (خر 28: 6-8؛ لا 8: 6-13)
وقد رأينا القديس يوحنا المعمدان الكاهن ابن الكاهن، كاهن ما بين العهدين الذي تسَلَّم الكهنوت من زكريا آخِر كهنة العهد القديم مُسَلِّمًا إياه للرب يسوع رئيس كهنة العهد الجديد، رأيناه يلبس على حقويه منطقة لا من ذهب بل من جلد باعتباره الكاهن الناسك في البرية وقال عنه الكتاب «وَكَانَ يُوحَنَّا يَلْبَسُ وَبَرَ الإبِلِ وَمِنْطَقَةً مِنْ جِلْدٍ عَلَى حَقَوَيْهِ وَيَأْكُلُ جَرَادًا وَعَسَلًا بَرِّيًّا» (مر 1: 6)، ولذلك يلبس البابا والأساقفة منطقة ذهبية رمْزَ خدمتِهِم النقية، كما يقدمون صورة المسيح غير المنظور.
«وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ» (رؤيا 1: 14)
«رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ» ἡ δὲ κεφαλὴ αὐτοῦ καὶ αἱ τρίχες λευκαὶ
عاش الرب متأنسًا على أرضنا ثلاثة وثلاثين سنة وثُلْثًا. فكيف شَعْرُهُ أَبْيَضَ؟ لعل هذا يشير إلى أن السيد المسيح لم تكن بدايتُه هي ميلاده بل كان موجودا قبل تجسده، فالشعر الأبيض رمزٌ لأزليته، وقد وصَف دانيال النبي الله الآب في رؤياه بنفس الوصف فقال «وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ» (دا 7: 9). فَوَصْفُ الآب هو وصف الابن مما يحقق قول المسيح «أَنَا وَالَآبُ وَاحِدٌ» (يو 10: 30)، «وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ» (ميخا 5: 2). وإذا كان بياض الشعر رمزًا لأزليته، فوجود الشعر يرمز لناسوته، فهو الإله المتأنس. وعبارة «شَعْرُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ» تُقَدِّم لنا الله المتأنس.
«أَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ» λευκαὶ ὡς ἔριον λευκὸν ὡς χιὼν
وفي وصف اللون الأبيض، استخدم القديس يوحنا أشياءً من الطبيعة مثل داود النبي الذي قال «يُعْطِي الثَّلْجَ كَالصُّوفِ» (مز 147: 16)، وكقول الرب على لسان إشَعْيَا النبي «إنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ» (إش 1: 18).
«رَأْسُهُ» إذا كان الشعر الأبيض رمزٌ للأزلية فما معنى أن رأسه بيضاء؟ الرأسُ البيضاء رمزٌ لنقاء الفكر وطهارته، رمزٌ إلى أنه قدوس بلا خطية، فالخطيئة تصدر عن العقل. فالطفل الصغير غير المُدرِك والإنسان غير العاقل لا تُحسَب عليهما خطية، وهكذا البر.
«وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ» (رؤ 1: 14؛ 2: 18؛ 19: 12)
καὶ οἱ ὀφθαλμοὶ αὐτοῦ ὡς φλὸξ πυρὸς
دليل على كمال المعرفة، فالله يعرف كل شيء عن كل شيء «وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذَلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا» (عب 4: 13)، لذلك استطاع أن يقول لملاك كل كنيسة «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ». ولذلك قال موسى النبي «لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ لِيَتَشَدَّدَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ كَامِلَةٌ نَحْوَهُ» (2 أيام 16: 9). وقال لإرميا النبي «إذَا اخْتَبَأَ إنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلَأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ يَقُولُ الرَّبُّ؟» (إر 23: 4)، ولذلك صلى إرميا النبي قائلا لله «عَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَانِ عَلَى كُلِّ طُرُقِ بَنِي آدَمَ لِتُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ وَحَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ» (إر 32: 19).
هاتان العَيْنَان الناريتان تكشفان أعمالنا الخفية والظاهرة، «عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ» (1 كو 3: 13).
عيوننا نحن لا ترى في الظلام، لكن عينَيَّ الرب تنير الظلمة فهما كلهيب نار تخترقان أستار الظلام، لذلك في كنيسة ثياتيرا التي امتلأت بفساد إيزابَل التي تغوي عبيد الله ظهر الرب «الَّذِي لَهُ عَيْنَانِ كَلَهِيبِ نَارٍ» (رؤ 2: 18) ليكشف شرورهم.
وهي عبارة تصف الله في غضبه على الشر لذلك رأى القديس يوحنا الرب الجالس على الفرس الأبيض، وقال «وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ،... وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ» (رؤ 19: 11-12).
حقًّا ما أرهب عينيْكَ، لا يستطيع أحد أن ينظر إليهما إلا ويُخفِض بَصَرَهُ حياءً وخِشيةً.
«وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ» (رؤيا 1: 15)
بهذه الصفات وُصِف السيد المسيح له المجد أكثر من مرة في الرؤيا. ففي الرسالة إلى كنيسة ثياتيرا وَصف الرب نفسه أنَّ «لَهُ عَيْنَانِ كَلَهِيبِ نَارٍ وَرِجْلاَهُ مِثْلُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ» (رؤ 2: 18)، ووصفه مار يوحنا بأن «وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ» (رؤيا 10: 1).
ولعل رجليه المَحْمِيَّتَيْنِ في آتون، أحرق بهما بابل العظيمة، ولذلك قال «وَتَحْتَرِقُ (بابل) بِالنَّارِ، لأَنَّ الرَّبَّ الْإلَهَ الَّذِي يَدِينُهَا قَوِيٌّ» (رؤ 18: 8)، نعم قويٌّ داسها بقدميه المَحْمِيَّتَيْنِ في آتونٍ كعمودي نار.
والرجلان يرمزان إلى الفترة الأخيرة من حياة السيد المسيح متأنسًا، وكَوْنَ أنهما شبه النحاس النقي رمزٌ للرب الذي لم يعرف خطيئة، وأنهما محميتان في آتون رمزٌ لآلام الصليب، لأن «الرَّبّ وَضَعَ عَلَيْهِ إثْمَ جَمِيعِنَا» (إش 53: 6). ولذلك فإن مذبح النحاس النقي هو الذي كانت تتَّقِدُ عليه ذبيحة المحرقة إلى نهايتها والتي ترمز إلى ذبيحة المسيح الذي تألم بآتون الخطية حتى الموت. فالعدل الإلهي ظل يستوفي حقه من المحرقة إلى نهايتها على مذبح النحاس، وظلَّ عدل الله يأخذ حقه من المسيح حتى «قَالَ: قَدْ أُكْمِلَ» (يو 19: 30).
καὶ ἡ φωνὴ αὐτοῦ ὡς φωνὴ ὑδάτων πολλῶν
«وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ.» (رؤ 1: 15)
«وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ» (رؤ 14: 2)
«وَسَمِعْتُ....... كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ» (رؤ 19: 6)
«كَصَوْتِ بُوقٍ... كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ» (رؤ 1: 10، 15)
ومع هذا فهو صوت مفرح لأحبائه. قال عنه المعمدان أن «صَدِيقُ الْعَرِيسِ... يَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ» (يو 3: 29).
صوتٌ جذاب... قال عنه الرب لملاك كنيسة اللاودكيين «إنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤ 3: 20). وحزقيال النبي وصف صوت الله بنفس وصف سِفْر الرؤيا فقال «وَإذَا بِمَجْدِ إلهِ إسْرَائِيلَ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْقِ وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَالأَرْضُ أَضَاءَتْ مِنْ مَجْدِهِ» (حز 43: 2)، مشيرًا إلى تجسده، فالرب جاء إلى عالمنا من طريق الشرق، فظهر نجمه في المشرق، ووُلد في بيت لحم في بلاد المشرق، ولذلك فنحن نتَّجه إلى الشرق في صلواتنا. وصوت المسيح هو كلام الله، والمياه الكثيرة هي النعمة الخارجة من فمه. وقد انتشر صوته في الأرض بواسطة رُسُلِه القديسين الذين «لاَ قَوْلَ وَلاَ كَلاَمَ لاَ يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ، فِي كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ» (مز 19: 3-4)، فصار «صَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ» رَوَتِ العالمَ كله، وكل من شرب منها لم يعطش. وصوته تُمَيِّزه الخراف و«تَتْبَعُهُ لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ» (يو 10: 4-5)
هذا الصوت العالي القوي «كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ» يرمز إلى القيامة. ثم يأتي عدد 16 «وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ»، هم الأساقفة والكهنة، والمِيَاه الكَثِيرَة هي حلول الروح القدس على الآباء الرسل ليعطيهم الكهنوت، والسَيْف المَاضي ذُو الحَدَّيْنِ الذي يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ يرمز إلى انتشار كلمة الله بواسطتهم إلى أقصى الأرض.
καὶ ἔχων ἐν τῇ δεξιᾷ χειρὶ αὐτοῦ ἀστέρας ἑπτὰ
«وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ» (رؤ 1: 16)
«الْمُمْسِكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ» (رؤ 2: 1)
«الَّذِي لَهُ السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ» (رؤ 3: 1)
«سِرّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ... على يَمِينِي...،
السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ» (رؤ 1: 20)
ما أروع الشعور أننا مَمْسُوكُون في يمينه، إذ يقول «خِرَافِي...لاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي.. وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي» (يو 10: 28). وفي يده يحمينا من إبليس ومن الذئاب، لكنه لا يُوقف حُريتنا. فنحن نَقْدر بحُريتنا أن نفارق يده ونذهب حيث نشاء. هو يحمينا فلا يقدر أحد أن يخطفنا ما دمنا نحن مُتَمسِّكين بيمينه، ولكن إن تركناها بإرادتنا فأقل شيطان يقدر أن يغلبنا.
كلمة كوكب لها أكثر من معنى في سِفْر الرؤيا، وهي:
1. الرب يسوع: «وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ.» (رؤ 2: 28)
«أَنَا يَسُوعُ.... كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ» (رؤ 22: 16)
2. الآباء الرسل «وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ... وَعَلَى رَأْسِهَا إكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا» (رؤ 12: 1)
3. الأساقفة والكهنة «السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ» (رؤ 1: 20)
4. الملائكة «فَسَقَطَ... كَوْكَبٌ عَظِيمٌ مُتَّقِدٌ... وَاسْمُ الْكَوْكَبِ يُدْعَى الأَفْسَنْتِينُ» (رؤ 8: 10-11)، «فَرَأَيْتُ كَوْكَبًا قَدْ سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأَرْضِ» (رؤ 9: 1)
5. الكواكب بالمعنى المادي «وَنُجُومُ السَّمَاءِ سَقَطَتْ» (رؤ 6: 13)
«فَضُرِبَ ثُلْثُ الشَّمْسِ وَثُلْثُ الْقَمَرِ وَثُلْثُ النُّجُومِ» (رؤ 8: 12)
ويمكن أن نتأمل فنعتبر القديسين نجوم السماء، وإذا سقطوا بالهرطقة أو بالفساد الروحي، يصيروا كَواكَب سَاقَطَة مِنَ السَّمَاءِ.
«وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ» (رؤ 1: 16)
«هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين» (رؤيا 2: 12)
«وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ» (رؤيا 19: 15)
«فَتُبْ وَإلَّا فَإنِّي آتِيكَ سَرِيعًا وَأُحَارِبُهُمْ بِسَيْفِ فَمِي» (رؤيا 2: 16)
«وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ» (رؤ 19: 12)
وُصِف السيد المسيح بأن له «سَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ»، فهكذا ظهر لملاك كنيسة برغامس التي تمثل عصر ظهور الهراطقة الكبار وانعقاد المجامع المسكونية «هذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ السَّيْفُ الْمَاضِي ذُو الْحَدَّيْنِ» (رؤيا 2: 12).
فما هذا السيف ذو الحدين الخارج من فم الرب؟ له معنيان.
المعنى الأول هو كلمة الله التي قال عنها مار بولس «سَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ» (أفسس 6: 17)، «لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين 4: 12).
وله حدان، حَدٌّ يؤثر في المتكلم وآخَر في السامعين. فحينما نعِظ لا نعِظُ الآخَرين بل إن كلمة الله تُعَلِّمُنا وتُعَلِّمُهم، تَعِظُنا وتَعِظُهم، وهكذا ينبغي أن يكون الواعظ هو أول المستمعين.
والمعنى الثاني هو السلطان الكهنوتي فهو سيفٌ ذو حدين لأنه يَحِلُّ ويربط (متى 18: 18)، يغفر ويُمسِك (يوحنا 20: 23). وإذا استخدم الكاهن سلطان الرَّبْط (السيف الحاد) استخدامًا خاطئًا، يخرج الحرمان من فمه ويسقط عليه.
الفصل بين التعليم الصحيح والهرطقة:
والحديث هنا عن موقف الرب من الهراطقة... فقد انتشرت تعاليم بلعام وهرطقة النيقولاويين (رؤيا 2: 15) بين شعب برغامس، وكان على أسقف الكنيسة أن يُنَقِّي كنيسته من تعاليمهم، فأرسل الرب هذه الرسالة لِيُشَدد هذا الأسقف، ويُهَدِّد الهراطقة بمجيئه سريعًا ليحاربهم بسيف فمه. فللرب حربٌ مع الهراطقة من دُورٍ إلى دُورٍ. أما الحرب، فسلاحُها الحوار بالآيات الكتابية، فإن ارتدعوا قَبِلَتْهم الكنيسة، وإلا فالسيف الخارج من فم الرب يقطع الهراطقة ومن يتبعهم، وهذا ما نسميه بالحرمان الكنسي «أُحَارِبُهُمْ بِسَيْفِ فَمِي» (رؤيا 2: 16).
وقد أشار سِفْر الرؤيا لهذا السيف في الأيام الأخيرة حيث يُلقَى ضد المسيح في جهنم النار الأبدية «فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ... وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ» (رؤيا 19: 20-21)، وهذا هو الحكم بالموت الخارج من فم الديان، الأمر الذي تنبأ عنه إشَعْيَا النبي «وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ» (إشعيا 11: 4)
«وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا» (رؤ 1: 16)
لم يجد القديس يوحنا الحبيب وصفًا يفهمه البشر في ذلك الوقت أكثر من هذا، فالشمس لُقِّبَت «النُّورَ الأَكْبَرَ» (تك 1: 6)، ولا يوجد لدينا ما ينير أكثر، فعندما تشرق تختفى الأنوار أمامها، لذلك صارت كلمة «وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ» καὶ ἡ ὄψις αὐτοῦ ὡς ὁ ἥλιος هي التشبيه الأعظم في لغة البشر، ولكن مار يوحنا رأى نورَ وجْه المسيح أعظم من هذا بكثير فلم يجد إضافة أكثر من التعبير «وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا» ἐν τῇ δυνάμει αὐτοῦ φαίνει
في التجلي قِيل «وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ» (متى 17: 2)، وعندما ظهر لمار بولس وهو في طريقة إلى دمشق قال «رَأَيْتُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ... نُورًا مِنَ السَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ الشَّمْسِ قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي" (أعمال 26: 13). والشمس دائمًا ترمز إلى نور المسيح له المجد، فعندما نلتقي بالملاك الذي وجهه كالشمس في (رؤيا 10: 1) نجد أنه ملاك العهد أي السيد المسيح نفسه.
![]() |
«فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ» (رؤيا 1: 17)
Καὶ ὅτε εἶδον αὐτόν , ἔπεσα πρὸς τοὺς πόδας αὐτοῦ ὡς νεκρός
لِعلها هيبةُ الرب أمام القديس يوحنا الحبيب مثل دانيال «وَإذْ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كُنْتُ مُسَبَّخًا عَلَى وَجْهِي إلَى الأَرْضِ فَلَمَسَنِي وَأَوْقَفَنِي عَلَى مَقَامِي» (دانيال 8: 18).
عجبًا... إذا كان القديس يوحنا الحبيب التلميذ الذي كان يسوع يحبه، والذي اتكأ على صدره، ورأى مجده على جبل التجلي، وانفتحت له السماء وسمع صوته قائلًا «اصْعَدْ إلَى هُنَا» (رؤ 4: 1)، يقول «فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ»، فماذا أعمل أنا أمامك يا ربي؟!
إشَعْيَا النبي عندما رآك قال «وَيْلٌ لِي! إنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ» (إشعيا 6: 5). فماذا أفعل أنا المملوء بالخطايا والآثام؟!
عندما ظهر الرب لشاول الطرسوسي قال «فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى الأَرْضِ سَمِعْتُ صَوْتًا يُكَلِّمُنِي... شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» (أعمال 26: 14). دعني إذن يا ربي أسقط عند رجليك كَمَيتٍ، وأَذْرِف دموعًا سَخِيَّة على خطاياي وآثامي وشروري وضعفي وتقصيراتي. ربي سوف لا أهرب منك، بل سأهرب إليك وأبكي؛ لتُصْلِحَ حياتي، فأقدر أن أراك.
لابد أن تجلي الرب في سِفْر الرؤيا أعظم من تَجَلِّيه على الجبل، فعلى الجبل رَآهُ الآباء الرسل بطرس ويعقوب ويوحنا وفرحوا وقال مار بطرس «يَا رَبُّ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا» (متى 17: 4)، أما في الرؤيا فيقول مار يوحنا «فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ» (رؤيا 1: 17)، مع أن حادثة الرؤيا كانت الثانية، والمفروض أن التجلي الأول هو الذي يَهُزُّ الإنسان، ولكن الذي رأى تجلي الرب بفرح يراه الآن فيسقط عند رجليه كميت دليلٌ أن هذا التجلي أقوى بكثير من تجليه الأول.
نعم يحقُّ للسرافيم، وهم ملائكة من أعلى طراز، أنْ «بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ.» (إشعيا 6: 2) في هيبة ورهبة.
«سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ» نعم، فللوداعة والدَّالة وقت، وللهيبة والمخافة وقت. فوداعة الله ومحبته لا تُوقِفان هيبته ورهبته. فعلى الرغم أن القديس يوحنا رأى الرب أكثر من مرة، رآه مُتَجليًا على جبل طابور، واتكأ على صدره، لكن هيبة الرب ما قَلَّتْ ولا ضَعُفَتْ. وإذا كان الرب وقد أخفى لاهوته في شبه ابن الإنسان، ورآه يوحنا فسقط عند رجليه كَمَيْت. فماذا نعمل نحن؟ نعم يا رب إنني خائف ومرتعد أمامك. وماذا عندما يأتي رب المجد ثانية «بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ أَبيِه» (لوقا 9: 26؛ مت 16: 27) ماذا سيحدث؟ لا شَكَّ أن الموقف رهيب ومهيب حتى للقديسين. فماذا عن الأشرار؟! مُخيف ومرعِب ومُرعِد حتى أنهم «يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْخَرُوفِ» (رؤ 6: 16). (لو 23: 30).
καὶ ἔθηκεν τὴν δεξιὰν αὐτοῦ ἐπ’ ἐμὲ
«فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ» (رؤيا 1: 17)
«وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ» (رؤيا 1: 16)
«الْمُمْسِكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ» (رؤيا 2: 1)
مار يوحنا هو المتكلم، وهو ضمن السبعة الكواكب، أو الكهنة بكل رُتَبِهِم في كل زمان ومكان، وعبارة «فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ» تُضِيف معنى حُنُو الرب وعطفه على ذلك التِّلْمِيذَ «الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ»، والآن «سَقَطْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ»، إذ أحس بهيبة الرب.
في رؤيا دانيال النبي قال «خِفْتُ وَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي... وَإذْ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كُنْتُ مُسَبَّخًا عَلَى وَجْهِي إلَى الأَرْضِ، فَلَمَسَنِي وَأَوْقَفَنِي عَلَى مَقَامِي... وَأَنَا دانيال ضَعُفْتُ وَنَحَلْتُ أَيَّامًا... وَكُنْتُ مُتَحَيِّرًا مِنَ الرُّؤْيَا وَلاَ فَاهِمَ» (دانيال 8: 17-27)، ولم يفهم دانيال قوة الرؤيا.
أما مار يوحنا فبدأ الرب يُفْهِمُه ويُهَدِّئ من رَوعه. ما أروعك ربي تُرَّبت عليَّ بيمينك في حنان وتُسمِعُني صوتك الوديع «لا تَخَفْ». وفي ساعة التجلي حدثت نفس القصة ولمسهم وبدَّد خوفهم. وفي قصة إشَعْيَا النبي «طَارَ إليه وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ وَمَسَّ بِهَا فمه وَقَالَ إنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ» (إش 6: 6-7).
أما هنا فاحتاج الأمر لا إلى لمسةٍ فقط، بل وضَع الرب يمينه على مار يوحنا في حُبٍّ وَحُنو قائلًا له «لا تَخَفْ». هذا حنوك يا رب عزاءٌ ولُطف، كم كانت يدك حانية، رآها مار يوحنا تلمس الأبرص فتشفيه (متى 8: 3)، والأعميَيْن فيبصران (متى 9: 29)، والأصَم الأعقد فيتكلم مستقيمًا (مرقس 7: 33)، أما نحن الأشرار فأمسكنا هذه اليد القدوسة الحانية وسمرناها على الصليب بشرورنا وتركنا فيها أثر المسامير حتى كُلَّما امتدت إلينا نُقَبِّلها ونبكي على خطايانا وما فعلنا بها.
«قَائِلًا لِي لاَ تَخَفْ» (رؤيا 1: 17) μὴ φοβοῦ λέγων
لا تخف يا يوحنا. أحقًّا كان يوحنا خائفًا، وهو مع رب المجد؟ يقولون «الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إلَى خَارِجٍ» (1 يو 4: 18)، ويتباهى البعض أنهم لا يخافون الله! ولكنني عمليًّا أمام القديس الأول مار يوحنا الذي وصفه الكتاب «التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ» حتى لقبناه يوحنا الحبيب، وندرس رسائله فنُسَمِّيه رسول المحبة، لا يستطيع أحد أن يقول أنه يحب الله أكثر من يوحنا، ومع هذا يسقط عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ ويقول له الرب لاَ تَخَفْ. إنني أهمس لجميع الناس في آذانهم «لا تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ!» (رو 11: 20)، فمار يوحنا خاف وقال له الرب هامسًا «لاَ تَخَفْ». عندما نواجه العالم لا نخاف شرًّا لأنك أنت معنا. نسمع صوتك لإبراهيم أبينا «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ» (تك 15: 1)، ولإسحق «لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ، وَأُبَارِكُكَ» (تك 26: 24)، وعلى الرغم من هيبته إلا أنَّ صوته الحاني يهمس «لاَ تَخَفْ» 366 مرة بعدد أيام السنة فنطمئن.
أمَّا أمامك يا رب يوحنا يقول «سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْه كَمَيِّتٍ» وأنت تقول «لاَ تَخَفْ». فماذا نعمل؟ إنني خائف ومرتعد أمامك وأشعر بخطاياي.
«أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤيا 1: 17)
ἐγώ εἰμι ὁ πρῶτος καὶ ὁ ἔσχατος
سبق شرحها [رؤيا 1: 8، 11]. ولكننا نؤكد أن هذه الآية تُثبِت لاهوت المسيح، فمن يجرؤ على هذا القول إلا الله: «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ»، ثم نرى أن المتكلم هو السيد المسيح لأنه يقول «وَالْحَيُّ وَكُنْتُ مَيْتًا» (رؤيا 1: 18)، فالمسيح إذن هو الله.
«لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ» تُذَكِّرُنا بعبارة «أَنَا هُوَ لاَ تَخَافْوا»، وكلمات إليشع النبي «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ» (2 ملوك 6: 16).
«وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ (وأصبحت) مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ» (رؤيا 1: 18)
καὶ ὁ ζῶν, καὶ ἐγενόμην νεκρὸς καὶ ἰδοὺ ζῶν
مسيحنا هو «الْحَيُّ»، فقبره فارغ. حقًّا أنه مات وقام وَهَا هو حَيٌّ. وفي تذكار موته يوم الجمعة الكبيرة تهتف الكنيسة مع نيقوديموس ذلك اللحن الرائع "قدوس الحي الذي لا يموت" ففيما كان ميتًا، كان حيًا. مات على الصليب موتًا حقيقيًا، وانفصلت روحه الإنسانية عن جسده، ولكن ماذا عن اللاهوت؟ لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. فلاهوته لم ينفصل قط لا عن نفسه (روحه) ولا عن جسده. كان اللاهوت متحدًا بالجسد المائت على الصليب، لذلك عندما طُعِن بالحربة جرى منه دم وماء، فالجسد المائت بانفصال روحه الإنسانية حي باللاهوت، ولذلك لم يرَ فسادًا، كان اللاهوت متحدًا بالروح الإنسانية للمسيح عندما نزل إلى الجحيم من قِبَل الصليب، فقبض على الشيطان وقيده، وأخرج الذين ماتوا على رجاء وفتح لهم باب الفردوس، وبدأ مملكته.
كان الرب ميتًا بانفصال الجسد الإنساني عن الروح الإنسانية،
وكان الرب حيًّا باتحاد اللاهوت بالجسد واتحاد اللاهوت بالروح.
ولذلك نقول "يا من ذاق الموت بالجسد" أي بانفصال الروح عن الجسد.
«وَكُنْتُ مَيْتًا» على الرغم أنه الحي بذاته، الحي الذي لا يموت والذي ليس للموت سلطان عليه، لكنه بإرادته وحده بذل ذاته عنا كلنا ومات من أجلنا، إذ «أَسْلَمَ الرُّوحَ» (مت 27: 5؛ مر 15: 37؛ لو 23: 46؛ يو 19: 30) بإرادته قائلًا «لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا» (يو 10: 18)، وعندما أراد أن يموت قال «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لو 23: 46)، ثم أسلم الروح، و«مَاتَ... حَسَبَ الْكُتُبِ» (1 كو 15: 3)، فهذا الموت كان في الخطة الإلهية، وأخبرتنا عنه النبوات، مات ليحمل الموت عنا ويعطينا حياة أبدية.
«وَهَا أَنَا حَيٌّ إلَى أَبَدِ الآبِدِينَ آمين» (رؤيا 1: 18)
καὶ ἰδοὺ ζῶν εἰμι εἰς τοὺς αἰῶνας τῶν αἰώνων
هذه هي النُصرة، أنه اجتاز الموت بإرادته، ثم قام بذاته، ولم يُقِمْهُ أحد، كاسرًا شوكة الموت، معطيًا الحياة لمن يؤمن به. «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» (1 كو 15: 55).
«أَنَا حَيٌّ»: حي بطبيعته، أبدي بطبيعته، نحن كَبَشَرٍ موعودون بالحياة الأبدية كَمِنْحة؛ لأن ما له بداية له نهاية، فالخلود إذن مِنْحة من الله لنا. أما المسيح فهو «الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يو 14: 6)، «وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ» (أعمال 3: 15)، فهو «حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ» (عب 7: 25).
«وَلِي مَفَاتِيحُ الْمَوْتِ والْهَاوِيَةِ» (رؤيا 1: 18؛ 3: 7؛ 20: 1، 14)
καὶ ἔχω τὰς κλεῖς τοῦ θανάτου καὶ τοῦ ᾅδου.
في سلطان الرب الديان أن يحكم على الإنسان بأن يمضي إلى الهاوية أو الجحيم، ثم إلى الموت الأبدي في جهنم بعد الدينونة، كما أن له الآن سلطان أن يغفر خطايا التائبين فينقذهم من الموت الأبدي، لذلك نحن لا نهاب الموت. فإن كان مضطهدونا يقتلوننا، كأبناء المسيح الذي له «مَفَاتِيحُ الْمَوْتِ والْهَاوِيَةِ» لنا رجاء، فاستشهادنا من أجله ينقلنا إلى مجد السماء والحياة الأبدية.
«والْهَاوِيَة» حالة انتظار الأرواح الشريرة، و«الْمَوْت» هو ما يحدث للجسد بانفصاله عن الروح، وعبارة «لِي مَفَاتِيحُ الْمَوْتِ» أي أن الرب هو الذي يُحيي ويُميت، فمن يستطيع أن يقول هذا غير الله وحده؟ فالمسيح إذن هو الله. والْمَوْت بمعنى الموت الأبدي كامتداد الهاوية بعد الدينونة.
1. «مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ»: هي سلطان المغفرة الذي أعطاه الرب للآباء الرسل والكهنة من بعدهم إذ قال لمار بطرس «مَن غَفَرْتُمْ خطاياه تغفر لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو 20: 23). والسلطان التشريعي لتحديد الحلال والحرام «وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ» (مت 16: 18-19)، ثم قال للآباء الرسل جميعًا «كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ» (مت 18: 18). ومارس الآباء الرسل هذا السلطان، ففتح مار بطرس باب الإيمان للأمم (أعمال 10)، وربط حنانيا وسفيرة فوقعا على الأرض وماتا لأنهما كذبا عليه (أع 5: 5، 10). واستخدم مار بولس هذا السلطان مع خاطئ كورنثوس حينما حرمه.
2. «مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤ 1: 18) وهو «مِفْتَاح بِئْرِ الْهَاوِيَةِ» (رؤ 9: 1) الذي أعطاه الرب للشيطان الكوكب الساقط من السماء وبه فتح بئر الهاوية، فخرج الجراد الذي عذب الناس خمسة أشهر (رؤ 9: 3- 5). ولأن الرب له مفاتيح الهاوية فبعدما مات على خشبة الصليب نزل إلى الجحيم أو الهاوية من قِبَل الصليب، «فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ» (رؤ 20: 1- 3). ومفاتيح الهاوية هذه تعني سلطان الرب على الأرواح التي في الهاوية. وَالْمَوْت يعني سلطانه على الأجساد المائتة في القبور، فهو سيقيمها في اليوم الأخير مهما تحللت وصارت ترابًا تناثر في العالم كله.
3. مفتاح داود ذُكِر بطريقة رمزية في «وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ» (إش 22: 22)، «الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ» (رؤ 3: 7).
![]() |
«فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا»
γράψον οὖν ἃ εἶδες καὶ ἃ εἰσὶν
καὶ ἃ μέλλει γενέσθαι μετὰ ταῦτα
1. مَا رَأَيْتَ: هذه هي الصورة الأولى الرب وسط كنيسته (رؤ 1)
2. وَمَا هُوَ كَائِنٌ: هذه هي الكنائس السبع والرسائل إليها، وهو تاريخ الكنيسة خلال عصورها من نشأتها إلى نهايتها على الأرض (رؤ 2-3)
3. وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ: هذا باقي سِفْر الرؤيا (رؤ 4-11، 13-22)
وفعلًا ابتدأ الإصحاح الرابع بقول الرب لمار يوحنا «اصْعَدْ إلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا» (رؤ 4: 1)، فما هو كائن رآه مار يوحنا على الأرض وما هو عتيد أن يكون رآه في السماء.
τὸ μυστήριον τῶν ἑπτὰ ἀστέρων οὓς εἶδες ἐπὶ τῆς δεξιᾶς μου
«سِرُّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي،
السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ» (رؤيا 1: 20)
يتنازل رب المجد فيشرح لمار يوحنا الرؤيا فيقول له «السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ» (رؤيا 1: 20)، «وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ» (رؤيا 1: 16)، (رؤيا 2: 1).
ملاك الكنيسة هو أسقفها، وقد ذَكَرْنا ملائكة الكنائس السبعة في عصر مار يوحنا وَمن هم، والسبعة أساقفة يرمزون بعددهم الكامل إلى كل الكهنة. وملاك هنا ليس بالمعنى العام، فهل يرسل الله رسالة إلى الملاك بواسطة القديس يوحنا الحبيب الموجود على الأرض؟! وهل ينطبق على الملاك بالمعنى العام تلك الكلمات «تُبْ وإلا»؟
إذن ملائكة الكنائس ليسوا ملائكة، لماذا؟
1. من يستطيع أن يُصَدِّق أن الله يكلم الملائكة بواسطة بني البشر؟
2. حالة الملاك قريبة من حالة الكنيسة مما يشير إلى أنه واحد منها.
3. توجد أخطاء للملائكة، وفي السبع رسائل يحذرهم الرب منها ويقول لهم «تُبْ وإلا» إذن هُم أساقفتها وكهنتها.
«وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ καὶ τὰς ἑπτὰ λυχνίας τὰς χρυσᾶς
«والمنائر السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ» (رؤيا 1: 20)
καὶ αἱ λυχνίαι αἱ ἑπτὰ ἑπτὰ ἐκκλησίαι εἰσίν
سنتكلم بالتفصيل عن المناير (الكنائس) في الإصحاح الثاني.
_____
(1) انظر كتابنا «الكلمة صار جسدًا». الباب الأول الذي يشرح ديباجة البشائر الأربعة.
(2) أنظر كتابنا "عبدٌ أم ابنٌ".
(3) ولأن كلمة ملاك باليونانية تعني رسول دُعِيَ يوحنا المعمدان المرسل من الله (يوحنا 1: 6) الملاك الذي يهيئ الطريق أمام الرب (ملاخي 3: 1).
(4) فَذَاعَ هذَا الْقَوْلُ بَيْنَ الإخْوَةِ: إنَّ ذلِكَ التِّلْمِيذَ لاَ يَمُوتُ. وَلكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إنَّهُ لاَ يَمُوتُ، بَلْ: إنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ (يوحنا 21: 23).
(5)يوسف القس الحلبي الماروني. كتاب العنوان العجيب في رؤيا الحبيب بيروت 1870 ص 81.
(6)الدكتور إبراهيم سعيد في كتاب فتح السر المختوم طبعة 1969 ص 66.
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
← تفاسير أصحاحات السفر: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرؤيا 2![]() |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
مقدمة سفر الرؤيا![]() |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/apocalypse/chapter-01.html
تقصير الرابط:
tak.la/jf59kgk