لأول وهلة نفهم، من هذه الآية، أن يهوشافاط، بعد رجوعه من حربه، التي تحالف فيها مع آخاب ضد الآراميين، قد عاد إلى أورشليم، لكن الحقيقة - كما أوضحنا - أن عودة يهوشافاط إلى أورشليم في هذه الآية، هي بعد حربه، التي تحالف فيها مع يورام ضد موآب، وقد فهمنا هذا من الآيات التالية، التي توضح توبيخ الله له وتوبته، حتى نهاية حياته وابتعاده عن التحالف مع مملكة إسرائيل.

عند عودة يهوشافاط إلى أورشليم، بعد تحالفه مع آخاب، ثم يورام حفيده، خرج إليه ياهو بن حنانى الرائى بتوبيخ من الله، فقال له، كيف تساعد آخاب ويورام حفيده الشريرين وكيف تتجاسر وتحب مبغضى الرب، الذين عبدوا الأوثان ورفضوا الله؟ لذلك، غضب الله عليك. وقد حدث هذا فعلًا؛ لأنه رغم توبة يهوشافاط وعودته لله وإصلاحاته، لكن غضب الله كان على نسل يهوشافاط، أي ابنه يهورام. الذي سار في الشر؛ إذ قتل اخوته ورؤساء شعبه، ثم أتت عثليا زوجة يهورام، ابن يهوشافاط، وساعدت ابنها أخزيا في الشر وملكت بعد مقتله، وقتلت جميع النسل الملكى، ما عدا يوآش الذي هرب. ولأن الله قبل توبة وصلاح يهوشافاط، فلم يعاقبه في حياته.

نرى هنا اهتمام الله بيهوشافاط، فهو ملك صالح ولكنه انزلق في التحالف مع الأشرار، فلم يتركه الله، بل أرسل له نبيًا يوبخه، حتى يتوب.

ع3: استكمل ياهو كلامه مع يهوشافاط واستدرج قائلًا، أن الله لم ينس محبتك له وإزالتك لعبادة الأوثان، أي المذابح والسوارى، واهتمامك بعبادة الله. ونرى هنا تشجيع الله لأولاده؛ حتى وهو يوبخهم؛ ليعطيهم رجاء في التوبة. فرغم توبيخ يهوشافاط على تحالفه مع الأشرار يقول له، أن فيك أمرٌ حسنٌ، وهو محبتك لله ورفضك لعبادة الأوثان.

 

St-Takla.org Image: He appointed judges in each of the fortified cities of Judah to settle disputes by God’s laws in fairness and justice and ban any bribery. (2 Chronicles 19: 5-7) - "Jehoshaphat and Ahab ignore God's message" images set (1 Kings 22:1-40, 2 Chronicles 18:1-34): image (27) - 1 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وأقام قضاة في الأرض في كل مدن يهوذا المحصنة في كل مدينة فمدينة. وقال للقضاة: «انظروا ما أنتم فاعلون، لأنكم لا تقضون للإنسان بل للرب، وهو معكم في أمر القضاء. والآن لتكن هيبة الرب عليكم. احذروا وافعلوا. لأنه ليس عند الرب إلهنا ظلم ولا محاباة ولا ارتشاء»" (أخبار أيام الثاني 19: 5-7) - مجموعة "يهوشافاط وآخاب يتجاهلان رسالة الله" (ملوك الأول 22: 1-40, أخبار الأيام الثاني 18: 1-34) - صورة (27) - صور سفر الملوك الأول، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

ع5: كان يهوشافاط قد أرسل رؤساء وكهنة ولاويين لتعليم الشعب (2 أخ 17: 7-9) ولكن زيغان الشعب عن الشريعة، جعل يهوشافاط يقيم قضاة في كل مدن يهوذا؛ ليقضوا بشريعة الله في كل المنازعات، ويحكموا على المخطئين، الذين يرفضون الرجوع للرب؛ لأن عدد القضاة الذي كان موجودًا قبلًا كان قليلًا، فاهتمامًا من يهوشافاط، أقام قضاة كثيرين في كل مكان.

ع6-11: أوصى يهوشافاط القضاة بمجموعة توصيات، عندما أرسلهم ليقضوا لبني إسرائيل، هي:

1. أن عملهم في القضاء هو لله وليس لإنسان، وهذا يجعل عملهم في غاية الأهمية والخطورة؛ لأنه مقدم لله قبل أن يقدم لإنسان، فيلزم أن يعملوه باستقامة قلب وكل تدقيق (ع6).

2. وعدهم أن الله سيساندهم ويرشدهم في كل مشكلة ويشجعهم ويقويهم (ع6).

3. وعدهم أن يعطيهم الله مهابة في أعين الشعب، فيحترمونهم ويخضعون لهم (ع7).

4. حذرهم من أن يظلموا أحد، أو يحابوا لأحد، أو يأخذوا رشوة (إرتشاء)، فيجب عليهم أن يكونوا ممثلين لله، الذي يرفض الظلم والمحاباة والرشوة (ع7).

5. بعد أن افتقد يهوشافاط مدن يهوذا وأقام فيها قضاة (ع5)، أقام محكمة عليا في أورشليم من الكهنة واللاويين ورؤوس الآباء؛ لفض المنازعات الكبرى، وأمر القضاة أن يرجعوا إلى المملكة العليا في كل ما يصعب عليهم حله في مدن يهوذا (ع8).

6. أمرهم أن يقوموا بعملهم وفى قلبهم مخافة الله، فيعملوا بكل أمانة (ع9).

7. على القضاة أن يحذروا الشعب من مخالفة شريعة الله؛ حتى لا يخطئوا في حقه، فيأتى عليهم غضب الله، خاصة وأن يهوشافاط قد اختبر خطورة الخطية، التي جلبت عليه غضب الله (ع2)، لذا فهو يحذر شعبه، حتى لا يسقطوا، مثلما سقط هو (ع10).

8. عين اثنين لإدارة هذه المحاكم؛ سواء في أورشليم، أو مدن يهوذا وهما أمريا الكاهن وزبديا الرئيس المدنى، ويساعد الكاهن والرئيس المدنى العرفاء، أي الضباط واللاويون، العارفون بالشريعة. وهكذا عضد المحاكم بالسلطة المدنية، إلى جانب السلطة الدينية، التي يمثلها الكهنة واللاويون؛ حتى يكون الانضباط كاملًا في مملكته.

من الأدلة على توبة يهوشافاط ورجوعه للرب، أنه كرر كلمة الرب تسعة مرات في هذه الآيات (ع4-11).

نرى في هذه التوصيات حكمة يهوشافاط وتدقيقه وتنظيمه للمحاكم، في تخصيص كل شخص في مسئوليته، سواء المدنيين، أو الكهنة واللاويين، وسواء في أورشليم، أو في كل مدن يهوذا، وتظهر إدراته السليمة ومساندة الله له.