* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42
الأَصْحَاحُ التَّاسِعُ عَشَرَ
(1) استمرار المحاكمة أمام بيلاطس (ع 1 - 16)
(2) رحلة الصلب (ع 17- 24)
(3) كلمات الصلب والموت (ع 25-37)
(4) الدفن (ع 38 - 42)
1 فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. 2 وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ، 3 وَكَانُوا يَقُولُونَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. 4 فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا خَارِجًا وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». 5 فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجًا وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ!». 6 فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِلِينَ: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». 7 أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ». 8 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفًا. 9 فَدَخَلَ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟». وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا. 10 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟» 11 أَجَابَ يَسُوعُ: « لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ». 12 مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!». 13 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبَلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». 14 وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». 15 فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». 16 فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ.
ع1-4: تأرجح بيلاطس بين صوت الحق (الضمير)، وبين ضعف اليهود وشراسة ندائهم بصلب المسيح، فأسلمه أولًا للجلد لعله يهدئ من ثورة اليهود؛ ويؤكد القديس لوقا هذا في (لو 23: 16): "أنا أؤدبه ثم أطلقه". وقد أورد كل من متى ومرقس الجلد والصلب معا (مت 27: 26؛ مر 15: 15)، ولكن القديس يوحنا فصل بينهما، وكذلك محاولات بيلاطس الضعيفة لتبرئة المسيح. وينتقل القديس يوحنا لمنظر استهزاء الجند الرومان بالمسيح أثناء الجلد، فسخروا منه وألبسوه ثوب يمثل في لونه ثياب الملوك، وكذلك ضفروا إكليلًا من شوك وتوجوه به (راجع إش 53: 5).
"كانوا يلطمونه": ويضيف متى (مت 27: 30) ضربوه على رأسه، ولا نعتقد أن هناك لسان أو كاتب يستطيع أن يصف أو يعبّر عن هذا المشهد الأثيم...
† ولكن نكتفي بسؤال رب المجد: لماذا يا إلهي احتملت يد الخطاة الأثمة تمتد على وجهك البار القدّوس، وكيف يحدث هذا؟!
فتأتى إجابته: من أجل خلاصك يا بنى!!!
وفي محاولة لتبرئة ضميره، يخرج بيلاطس ويعلن مرة ثانية براءة المسيح، ولكنه إعلان دون الحكم بذلك.
ع5-6: أخرج بيلاطس يسوع بعد الجلد، وهو لابس الأرجوان وعلى رأسه الشوك، في محاولة أخيرة يتلمس بها عطف اليهود فيطلق المسيح. ولكنهم ازدادوا قساوة وطالبوا بصلبه، فشهد بيلاطس شهادته الثالثة ببراءة يسوع (راجع يو 18: 38؛ 19: 4-6). وفي محاولة تنبيه اليهود، أراد بيلاطس إخلاء يده من المسئولية، فقال لهم: "خذوه أنتم واصلبوه" دون إشراكي في جريمتكم.
ع7: قدم اليهود اتهامهم الأول بأن المسيح فاعل شر (ص 18: 30)، وعند فشلهم، قدموا الاتهام الثاني بأنه خائن لقيصر، ودفع المسيح هذا الاتهام عنه عندما أجاب بأن مملكته ليست من هذا العالم (يو 8: 36). وهنا، أتى اليهود باتهام ثالث بأنه مجدف على الناموس، أي دينهم، وبحسب ذلك يجب أن يموت، وبهذا يبطلون دفاع بيلاطس عن المسيح في أنه لا يجد فيه علة.
ع8: وقد ارتعب بيلاطس عند ذكر اليهود أن المسيح "ابن الله"، ولنا أن نفهم، فهو مرعوب لإصدار حكم على برئ لا يدينه في شيء، ولكنه يشعر بمكيدة وقسوة اليهود اللتين تقودانه في تيار الحكم عليه، ومرعوب أيضًا لكلمة "ابن الله"، إذ كان الرومان واليونانيون يعتقدون في إمكانية ظهور الآلهة وتجسدهم أو التناسل منهم... ولعل المسيح أحد أبناء الآلهة، فهل يوقع بيلاطس نفسه في خصومة مع الآلهة؟ نضيف إلى ذلك أيضًا سببا لرعبه، وهو الحلم الذي حلمته زوجته وأخبرته به، قائلة له: "إياك وذاك البار" (مت 27: 19).
ع9-11: في محاولة للانتصار على رعبه وخوفه، أخذ بيلاطس يسوع إلى داخل ليستفسر منه: "من أين أنت؟"، هل من السماء؟! هل أنت ابن للآلهة كما سمعت؟! وعدم إجابة المسيح هي قناعة شخصه المبارك بأن ما يقوله لن يغير من الوضع شيء، وكان كافيا على بيلاطس ما سمعه منه لتبرئته. ولدفع المسيح للكلام، هدده بيلاطس بسلطانه أن يقتله أو يطلقه.
فجاءت إجابة المسيح القوية والتي أرعبت بيلاطس: "ليس لك سلطان علىّ أبدا ما لم يكن أبى سمح لك بذلك." فالصلب إذن هو إرادة الآب وموافقة وخضوع الابن، وليس لسلطان أرضى أو زمني أن يتحكم فيه، وفي نفس الوقت، لم يَعْفِ بيلاطس من المسئولية لأنه متردد وسلبي، ولم يعلن براءته. ولكن الذي أسلمني أي يهوذا واليهود -حسدًا- خطيتهم أعظم من خطيتك؛ ولعل سبب تخفيف خطية بيلاطس أنه أممي لا يعرف الكتب ولا المواعيد كما يعرفها هؤلاء.
ع12: لا نعرف كيف كان بيلاطس يطلب أن يطلق المسيح، هل بأحاديث مع الجمع أو بعض رؤساء الكهنة؟ ولكن، من المؤكد أن رعبه وحيرته زادا أمام ضميره وفحصه ليسوع من جهة، وأمام صراخ اليهود وتهديدهم من جهة أخرى، فهدَّدوه بما لم يكن في حسابه، وهو أنه إن أطلق من يدعى أنه مَلك لليهود، فإنه يوافق ضمنا على وجود ملك بخلاف قيصر، وهذا ما لا نرتضيه نحن، ويجعلك أيضًا خائنا لقيصر. ونجح اليهود بذلك في إدخال نوع جديد من الخوف على قلبه، وهو الخوف على المنصب السياسي ومعاداته لقيصر نفسه.
ع13: أخرج بيلاطس الرب يسوع من دار الولاية إلى الساحة حيث ينتظر اليهود، وجلس على كرسيه الذي يستخدمه الولاة الرومان عند إصدار أحكامهم. ويضيف القديس يوحنا، لإشراكنا في المشهد، مكان ووضع الكرسي، فهو كان على ربوة مرتفعة (جباثا גַּבְּתָא) بالنسبة للساحة التي تجمع فيها اليهود، ويقال لها أيضًا (البلاط) لأنه كان مبلطا برخام ومرمر.
ع14:
وإذ اقترب من الساعة السادسة، ولم يبق إلا ثلاث ساعات على تقديم الفصح (في التاسعة)، كان لزاما على بيلاطس أن يأخذ قرارا بالنسبة للمسيح، فحاول للمرة الأخيرة التخلص من القرار وترك اليهود يحكمون عليه قائلًا: "هوذا ملككم".
ع15-16: استفز قول بيلاطس "هوذا ملككم" اليهود وازدادت عصبيتهم، وأجابوه: "خذه أنت، لماذا تعطينا إياه؟ خذه واصلبه." وعندما سألهم: "أأصلِب ملككم؟" صرخوا: "ليس لنا ملك إلا قيصر." وهذا إنكار وتنازل... فاليهود يعلمون أنهم ليس لهم ملك سوى الله، وأن الرومان يحتلونهم، وكانوا ينتظرون الخلاص منهم.
أما أن يُصَرِّحُوا الآن بأن ملكهم هو قيصر، فهم بذلك مثل للإنسان الذي يغيّر كل مبادئه في لحظة من أجل خبث في قلبه، وبذلك طبقوا مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". وجاءت نهاية مشهد المحاكمة الهزيلة بخضوع من خاف على مركزه من الشغب، فواحد يموت حتى لو كان بريئا لأنجو أنا بنفسي؛ ويا له من مبدأ!!!
† أيها القارئ الحبيب، من السهل علينا هنا أن ننتقد بيلاطس على سوء استخدام سلطانه، وكذلك خوفه وجبنه. ولكن، في مواقف أخرى في حياتنا اليومية، ألعلنا نكذب لننجو من فعلة نستحق عليها توبيخا، أو نتهرب من مسئولية إعلان الحق، محاولين نفض أيدينا وإلقاء المسئولية على آخرين كما صنع بيلاطس، أو نفعل مثل اليهود؛ نجد تبريرا لشرورنا نخدّر به ضمائرنا؟! ارحمنا يا رب.
17 فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ»، 18 حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ. 19 وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ». 20 فَقَرَأَ هذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَالّلاَتِينِيَّةِ. 21 فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!». 22 أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». 23 ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمًا. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضًا. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجًا كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. 24 فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ.
ع17:
أي من دار الولاية أولا، ثم من أورشليم ثانيا، ليصلب خارج المحلة (الجلجثة). ويتأمل في ذلك القديس بولس: "لذلك يسوع أيضا، لكي يقدّس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب، فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 12- 13).† ولتلاحظ أيها القارئ العزيز أن كنيستنا، في إبراز هذا المعنى الروحي، راعت في طقس أسبوع الآلام ترك الهيكل وخورس الشمامسة، والصلاة في صحن الكنيسة، للخروج مع المسيح خارج أورشليم.
"جمجمة - جلجثة": كان التقليد الموروث عند اليهود يقول أنها المكان الذي دُفنت فيه جمجمة آدم. أما العلماء فيصفونها أنها ربوة متوسطة الارتفاع، شكلها الصخري يشبه الجمجمة في تكوينها، وكان هذا المكان يستخدم للرجم وقريبا من المدينة.
ع18: أشار القديس يوحنا للصلب إشارة سريعة، وذكر اللصين دون أن يذكر الحوار مع المسيح. ولهذا، لمراجعة أحداث الصلب، انظر النصوص (مت 27؛ مر 15؛ لو 23) في الأجزاء المتعلقة بأحداث الصلب لاستكمال الصورة كلها.
ع19-22: كان يُكتب على الصليب اسم المصلوب وسبب صلبه. ويذكر القديس يوحنا هنا أن ما كُتب كان أولًا بأمر بيلاطس شخصيا، وثانيا بلغة اليهود العبرانية، ولغة الفكر والعلم اليونانية، ولغة الدولة الرسمية اللاتينية. ولأن المكان كان مرتفعا، وقرأ ذلك كثير من الشعب، اعترض رؤساء الكهنة على التصريح بأن المسيح ملكهم، لأن في هذا إدانة لهم على قتلهم ملكهم. ولكن هذا الاعتراض قوبل بجفاء من بيلاطس، وأصر على كلامه في أن المسيح هو ملك اليهود. ولا نعلم إن كان هذا بدافع النكاية في رؤساء الكهنة، أو توقيرا لشخص لم ير فيه شرا.
ع23-24: كان القديس يوحنا أكثر مَنْ أوضح لنا قصة اقتسام الثياب، فنفهم أنهم كانوا أربعة من العسكر كل منهم أخذ جزءا. ولكن القميص كان منسوجا غير قابل للاقتسام، فألقوا عليه قرعة فيما بينهم لمن يكون. ويذكّرنا القديس يوحنا، كما فعل أيضًا متى (مت 27: 35)، بما قاله داود في نبواته عن آلام الصليب: "يقسمون ثيابى بينهم، وعلى لباسى يقترعون" (مز 22: 18).
25 وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. 26 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». 27 ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ. 28 بَعْدَ هذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ». 29 وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعًا مَمْلُوًّا خَلًا، فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ، وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. 30 فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 31 ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ، فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ، لأَنَّ يَوْمَ ذلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيمًا، سَأَلَ الْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا. 32 فَأَتَى الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبِ مَعَهُ. 33 وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. 34 لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. 35 وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. 36 لأَنَّ هذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». 37 وَأَيْضًا يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: «سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ».
ع25: من هن النساء اللواتى ذكرهن الكتاب المقدس عند الصليب؟! بمراجعة نصوص البشائر كلها نخلص بأنهن العذراء مريم أولا، و"سالومة" ابنة خالتها ثانيًا كما ذكرها مرقس في إنجيله (مر 15: 40، 16: 1)، و كما أشار لها متى (مت 20: 20) أم ابنى زبدى وهي أم القديس يوحنا، وثالث النساء هي مريم زوجة كلوبا أم يعقوب الصغير ويوسى، وآخرهن هي مريم المجدلية التي ذكرها متى في بشارته أولًا نظرا لتقواها بعد توبتها (مت 27: 56).
ويلاحظ أن القديس يوحنا لم يذكر اسم أمه، حتى لا يخرج عن منهجه الذي اعتاده في عدم ذكر اسمه.
ع26-27: لم ينس وسط آلامه وصلبه، وفي أصعب لحظاته، أمه بالجسد القديسة العذراء مريم. وإذ لم يكن لها أبناء بالجسد سواه، قدّم المسيح لها يوحنا ابنا، وَحَمَّلَ المسيح يوحنا مسئولية رعاية أمه؛ ويوضح استجابة الطرفين لوصية المسيح، إذ أخذها التلميذ المحب إلى خاصته.
† ولكن، لماذا يوحنا الذي نال هذا الشرف؟ أليس أيها العزيز هو الوحيد المتبقي وسط كل الآلام بينما هرب آخرون؟!
يا صديقى، نال القديس يوحنا كرامة استضافة والدة الإله في منزله، لأنه لم يترك صليب رب المجد، فهناك عطية خاصة لكل من لا يهرب من صليبه، بل يقبله من الله بفرح.
تفيد أكثر من معنى:
الأول: أي بعد ثلاث ساعات الظلمة.
الثاني: أي بعد كل الحوارات أو الكلمات التي حدثت على الصليب، سواء ذكرها يوحنا أو لم يذكرها.
الثالث: أي بعدما اطمأن على تسليم القديسة مريم إلى يوحنا.
وقد أشار القديس يوحنا أن هناك نبوتين أخيرتين عن آلام المسيح: "لَصِقَ لساني بحنكي" (مز 22: 15)، "وفي عطشى يسقوني خلًا" (مز 69: 21).
كان لا بُد لهاتين النبوتين أن تتما، لذلك صرخ راوي البشرية كلها بدماء حبه: "أنا عطشان". ولم يذكر إناء الخل هذا سوى يوحنا، وهذا الخل هو نبيذ أُخِذَ في الفساد، ولهذا يدعى خلا. وكان الحراس يتناولونه لرخص ثمنه، أو بدلًا من التخلص منه فيعتبر خمرا مجانيا، وأخذ الحراس ساق نبات الزوفا (
كانت غصونه تستعمل لرش المياه المقدسة حسب الطقوس اليهودية) لتوصيل الإسفنجة المشبعة بالخل إلى فم المسيح. وهذا الخل كان غير الخل الأول الممزوج بالمر، والذي كان يستخدم لتخدير الحواس لمن هم قادمون على آلام الصلب؛ وهذا الأول رفض المسيح شربه ليجوز الآلام كاملة بلا تخفيف."قَدْ أُكْمِلَ": أي أتم ما جاء من أجله من تقديم ذاته ذبيحة إثم وكفارة عن خطايانا، وكلمة "قَدْ أُكْمِلَ" هي الكلمة السادسة في ترتيب الكلمات التي قالها المسيح على الصليب، وهي بالترتيب التالي:
(1) "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 24).
(2) "يا امرأة هوذا ابنك... هوذا أمك" (ع26، 27).
(3) "أنا عطشان" (ع28).
(4) "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43).
(5) "إيلي إيلي لما شبقتني" (مت 27: 46).
(6) "قَدْ أُكْمِلَ" (ع30).
(7) "يا أبتاه في يدك أستودع روحي" (لو 23: 46).
ع31-34: "إذ كان استعداد": أي حالة الاهتمام القصوى باحتفالات الفصح. وأول سبوت أسبوع الفصح كان أقدس سبوت العام عند اليهود، وكان هذا لا يتناسب مع وجود الأجساد معلقة على الصلبان. فاستأذن اليهود بيلاطس في كسر السيقان، وهو تقليد كان معروفا للقضاء على المصلوب بسرعة، وذلك بزيادة نزف الدم بعد تحطيم الأرجل، وهذا حتى لا يُدَنَّسُ السبت ببقاء المصلوبين على أرضهم, وأتم الجنود المهمة في الأول والأخير، أما يسوع فلم يقترب أحد منه، وتعجبوا إذ أسلم الروح هكذا سريعا (راجع مر 15: 44)، وزيادة في التأكد، طعن أحد الجنود جنبه فخرج منه دم وماء.
خروج الدم والماء: وقف كل آباء الكنيسة القدامى أمام "ظاهرة" خروج الدم والماء من جنب المخلص المطعون وقفة كان فيها الكثير من التأملات، نورد منها القليل التالي:
يرى ذهبي الفم: "إننا ولدنا من الماء وأُطْعِمْنَا من الدم. ولهذا، فإننا عندما نقترب من كأس الأفخارستيا، نشرب من الجنب المطعون ذاته."
ويقترب القديس ترتليان في تأمله من ذهبي الفم فيقول: "نحن نعتمد بالماء ونتمجد بالدم، نُدعَى بالماء ونُختار بالدم، لهذا كان جنبه المجروح؛ فالذي يغتسل بالماء يستعد لشرب الدم."
أما القديس أمبروسيوس والعلامة أوريجانوس فقد اتفقا تقريبا على معنى واحد: "إنه بعد الموت يتجمد الدم ولا يخرج ماء من جسد، ولكن كان لا بُد أن يحدث هذا، لنعلم أنه من جسد المسيح المائت خرجت كل الحياة."
ع35-37: يشير القديس يوحنا إلى نفسه كالعادة بإشارة مستترة، ويوضح سبب عدم كسر رجلى الرب يسوع، وطعن جنبه بالحربة وخروج الدم والماء، لنؤمن بالمسيح الذي تحققت فيه النبوات التالية:
(1) عظمٌ لا يكسر منه: كانت هذه الوصية متعلقة بخروف الفصح والذي يرمز مباشرة إلى شخص المسيح، وجاءت في (خر 12: 46)، وأشار القديس بولس أيضًا لها في (1 كو 5: 7) عندما قال: "لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا"، وأيضا النبوة التي ذكرها داود في (مز 34: 20) "يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر".
(2) فينظرون إلىَّ الذي طعنوه: (زك 12: 10): "وأفيض على بيت داود وسكان أورشليم... فينظرون إلىَّ (المسيح) الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له يكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره"، أي كما سبق وقال يوحنا أن الموت قد تم، ولكن يد الله هي التي حركت يد الجندي لطعن جنب المسيح، حتى يتم ما سبق وأعلنه الآب بالروح القدس في مسيحه.
ولنا هنا وقفة أيها الحبيب، فجنب المسيح المطعون ليس إثباتا للنبوة فقط، بل هو علامة حب يحمله المسيح في جسده، بجانب المسامير، فصار الجنب المطعون منبعا للرجاء والحماية بداخله من كل حروب المشاكس الشرير. فإذا شككت يوما بأنه ليس لك مكان في حضن المسيح، تذكر ماء المعمودية الذي اغتسلت به، والدم المتدفق الخارج الذي ينتظرك على المذبح، فتتجدد آمالك، ويلتهب قلبك برجاء في حب من وأحبك.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
38 ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، سَأَلَ بِيلاَطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَأَذِنَ بِيلاَطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ. 39 وَجَاءَ أَيْضًا نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي أَتَى أَوَّلًا إِلَى يَسُوعَ لَيْلًا، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا. 40 فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. 41 وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. 42 فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيبًا.
ع38: لماذا اختار المسيح يوسف الرامي من ضمن تابعيه (تلاميذه) ليدفن جسده؟
(1) كان غنيا ويملك قبرا جديدا في نفس موضع الصلب حسب النبوة: "وجُعل مع الأشرار قبره ومع غنى عند موته" (إش 53: 9)؛ (مت 27: 57-60).
(2) كان مشيرا شريفا ذا مكانة مرموقة، فاستطاع الدخول إلى بيلاطس (مر 15: 43).
ع39-40: "وجاء نيقوديموس... وأخذ جسد يسوع": تشير الأحداث وتتابعها إلى توزيع المهام، ثم مقابلتها سويا للتكفين. فيوسف ذهب إلى بيلاطس وأحضر نيقوديموس متطلبات التكفين، وأخذا سويا الجسد. ويشير القديس يوحنا إلى نيقوديموس بأنه الذي أتى أولًا إلى يسوع (راجع يو 3)، وهو نفسه الذي حاول الدفاع عن يسوع أمام مجلس رؤساء اليهود في (يو 7: 50). أما ما حمله نيقوديموس فكان مرا، وهو عصارة إحدى الأشجار المعروفة، وكان يستخدم للتطهير أو تقليل الألم، وكان من مواد التحنيط التي استخدمها الفراعنة ونقلها عنهم اليهود. أما العود، فهو مسحوق أساسه شجر عطر وله رائحة طيبة... ومقدار ما أتى به نيقوديموس هو مائة مَنًا، وألمنا مقياس حجم ووزن روماني مأخوذ عن اليونانيين، وهو يبلغ حجما نصف لتر تقريبا، ووزنا يعادل 340 جرامًا.
"لفاه بأكفان": قاما بخلط مزيج من الأطياب والزيوت العطرة ووضعاه على الجسد، ثم لفاه بالكتان.
"كما لليهود عادة": تعني ما أخذوه عن المصريين من عادات التحنيط.
القبر الذي دفن فيه المسيح كان جديدًا ومنحوتًا في صخرة داخل بستان مملوك ليوسف الرامي بالقرب من مكان الصلب، مما ساعد على إنهاء إجراءات التكفين والدفن بسرعة قبل الثانية عشر، وهي السادسة مساء بتوقيتنا، حتى لا يدخلوا في السبت العظيم.
ولعل استسلام جسد المخلص بين يدي مكفناه آخر مشاهد اتضاع الإله الذي سوف نراه بعد ذلك في أمجاد قيامته.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 20 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 18 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-19.html
تقصير الرابط:
tak.la/2b5gh2c