* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57
الأَصْحَاحُ الحَادِي عَشَرَ
(1) موت لعازر (ع 1-7)
(2) خوف التلاميذ من زيارة اليهودية (ع 8-16)
(3) المسيح هو القيامة والحياة (ع 17-29)
(4) إقامة لعازر (ع 30-46)
(5) التآمر بعد المعجزة (ع 47-57)
1 وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضًا وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. 2 وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضًا، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. 3 فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». 4 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ». 5 وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. 6 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ. 7 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضًا».
تمهيد:
معجزة إقامة لعازر من بين الأموات، هي معجزة انفرد بها إنجيل يوحنا. ولعل القارئ العزيز يسأل: ما سر هذا الانفراد للقديس يوحنا؟! والإجابة: إن القديس يوحنا كتب إنجيله في نهاية القرن الأول، وبعد حوالي 50 عامًا من كتابة باقي الأناجيل. وبالتالي، اختار أحداثا أخرى لم يركز عليها باقي الإنجيليين، مثل: شفاء مريض بيت حسدا، وخلق عينين للمولود أعمى. واختيار القديس يوحنا لهذه المعجزات بالذات له مدلول آخر، وهو ليس إبراز شخص المسيح كإنسان له قدرة، بل كإله له سلطان؛ وهو أسلوب تميز به إنجيل يوحنا منذ أول كلماته. أما سؤال: لماذا ذكر مرقس شيئًا لم يذكره يوحنا، أو ذكر لوقا شيئًا لم يذكره متى؟ فإجابته: إن كل ما كتبه الإنجيليين الأربعة، لم يكن على سبيل الحصر، بدليل ما قاله القديس يوحنا نفسه: "وأشياء أُخَرُ كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (يو 21: 25).
ع1-2: لعازر شخصية محبوبة للرب، له المجد، مع أختاه. وكان منزله بمثابة محطة، يستريح فيها المسيح أثناء تجواله. واسم "لعازر" معناه: "الله الذي آزر". وقرية "بيت عَنْيَا" معناها: "بيت العناء"، وتبعد عن أورشليم حوالي 3 كم.
والإشارة إلى مرض لعازر هنا، هي مقدمة لباقى أحداث الأصحاح.
وقصة دهن مريم بالطيب للمسيح، تأتي بالتفصيل في (يو 12: 3-8).
ع3: كان المسيح في عبر الأردن، عندما أرسلت إليه الأختان، بدالة الحب والصداقة الأسرية، برجاء شفاء أخوهما. ولم يكن المسيح محتاجا لمن يذكره بأنه يحب لعازر. ولكن، ما ذكرته الأختان، وهذه الكلمات هي نوع من الترجى الشفاعى، ليأتى المسيح بسرعة أكثر.
† ونتعلم من مريم ومرثا، مما صنعتاه بإرسال رسول إلى المسيح، أن نرسل صلواتنا إليه من أجل أحبائنا المرضى، ليس فقط الذين نعرفهم على وجه الخصوص، ولكن لكل المرضى على وجه العموم.
ع4:
"ليس للموت": إجابة المسيح هنا دليل على لاهوته، فهو يجيب صاحب الرسالة العاجلة، على مسمع من تلاميذه، بأن "هذا المرض ليس للموت"، ودليل أيضًا على علمه السابق بكل ما سيأتي من أحداث هذه القصة. بل يكرر السيد ما قاله سابقًا في (ص9: 3) قبل شفاء المولود أعمى؛ وهو أن كلا المرضين كانا بترتيب إلهي يُستعلن من خلاله قدرة الابن على خلق العينين والإقامة من الأموات."كان يسوع يحب": هو مثال لحب المسيح لكل خليقته، وخاصة هذه القلوب والاعين المتعلقة به.
† وقد ذكر القديس يوحنا هنا هذا الحب، ويؤكده، حتى لا يسرع القارئ ويقول: كيف يهمل السيد المسيح رسالة الرسول الهامة بمرض حبيبه لعازر، ويمكث لمدة يومين بعيدا ومتباطئا؟! فالمسيح يحب، وهذه حقيقة. وعلينا أن نتعلم أمورا روحية حسنة، وهي حكمة الله في تدبير الأوقات؛ فصلواتنا مرفوعة لديه فور النطق بها. ولكن الاستجابة وتوقيتها، تتوقف على حكمة الله في تدبير الأوقات "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت" (جا 3: 1)، والتأخر أحيانا يأتي بفوائد أكثر... وقد يكون اختبارا لإيمان وثقة الإنسان في الله...
ونتعلم أيضًا ألا ندين الناس إذا تأخروا في السؤال عنا، لعل كان لديهم من الأمور الهامة ما يشغلهم عنا، بل نلتمس لهم الأعذار.
ع7
: واستجاب قلب المسيح المحب، في الوقت الذي رآه مناسبا. فبعد اليومين، توجه إلى بيت عَنْيَا في اليهودية، تاركا بيت عبرة في عبر الأردن، آخذا معه تلاميذه الذين سيصبحون شهودا لهذا الحدث العظيم.
8 قَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ: «يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضًا إِلَى هُنَاكَ». 9 أَجَابَ يَسُوعُ: «أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي النَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هذَا الْعَالَمِ، 10 وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ». 11 قَالَ هذَا وَبَعْدَ ذلِكَ قَالَ لَهُمْ: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ». 12 فَقَالَ تَلاَمِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». 13 وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ. 14 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلاَنِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ. 15 وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ!». 16 فَقَالَ تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ لِلتَّلاَمِيذِ رُفَقَائِهِ: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!».
ع8:
لا زالت أحداث عيد التجديد، وحديث السيد عن الرعية والراعى، ومحاولة اليهود رجم الرب يسوع أو القبض عليه، ماثلة أمام أعين التلاميذ. ولهذا، جاء استفسارهم الاعتراضى عن الذهاب لليهودية، وخوفهم على المسيح، وعلى أنفسهم، من بطش اليهود.
ع11: "لعازر حبيبنا":
يعبر المسيح هنا عن علاقة الحب التي تربطه بلعازر، وقد ضم لها التلاميذ أيضًا.† ولكن المعنى الروحي، أن المقصود لم يكن لعازر وحده، فالمسيح يحبك أنت، ويحبنى أنا أيضا، ويحب كل أولاده. ألم ينادنا جميعا في سفر نشيد الأناشيد باسم "حبيبتي"؟ قد تدعو الله في صلاتك "حبيبى". ولكن، هل تسمعه أيضًا وهو يدعوك حبيبا، وكم يكون صداها في نفسك؟ بل هو أيضًا يدعوك حبيبا أمام تلاميذه وكل قديسيه.
"قد نام": استخدم المسيح هذا التعبير، ليعلمنا أن الموت الذي يأتي على أبنائه بالجسد، ليس هو موتا، بل نوما هادئا يعقبه قيامة وحياة أبدية.
† ولهذا، فالكنيسة في الصلاة على الراقدين تقول: "ليس موتا لعبيدك بل هو انتقال." ولكن الموت عند المسيح، يعني الهلاك نتيجة عدم الإيمان به، أو رفض وصاياه، أو كبرياء الإنسان، أو رفض الأسرار الكنسية، فهذا هو الموت الحقيقي الذي لا يعقبه حياة، بل دينونة.
"أذهب لأوقظه": إشارة لعمله اللاهوتي في إقامة لعازر من الموت. وهذه الإشارة لم يفهمها التلاميذ، لكنهم سيدركون معناها بعد معجزة القيامة.
فهم التلاميذ كلام المسيح حرفيا، دون الوصول لقصده. ولما كانت رغبتهم القلبية، لا زالت لا تريد الذهاب إلى اليهودية، قدموا نومه كدليل على بداية شفائه... وهو ما يحدث فعلا في كثير من الأمراض، مثل الحمى، فبداية النوم لفترة طويلة تسبق الشفاء... وأمام هذا الابتعاد عن الفهم، أعلن المسيح صراحة قصده السابق، وهو إعلان موت لعازر بالجسد.
ع15: "أنا افرح لأجلكم":
لم يفرح السيد بموت لعازر، بل من أجل علمه بما سيحدث، فإن إقامة لعازر ستكون سببا كبيرا في تدعيم إيمان التلاميذ أمام أحداث الصليب، والتي اقتربت جدًا. كذلك، فهناك الكثيرين، بجانب التلاميذ، سوف يؤمنون بالمسيح بعد هذه المعجزة... ويوضح أيضًا سبب فرحه... بانه لم يكن هناك وقت مرضه، وذلك لأن المعجزة كانت ستكون أقل شأنا، وشاهد التلاميذ أمثلة متكررة لها... ولكن التأثير سيصير أعظم عندما يقام من مات له أربعة أيام.
ع16:
الحديث هنا جانبى بصوت خفيض من توما - الذي يُعرف بشكه وقلقه - للتلاميذ. وكأن توما يقول إن المعلم لم يسمع لنصحنا، وتوسلنا إليه. وبالتالي، فالنتيجة الحتمية هي قبض اليهود عليه وعلينا، وموتنا جميعا معا.† وما فعله توما حينذاك، يفعله كثيرين أيضًا من هؤلاء الذين يسبق عقلهم إيمانهم. وبدلًا من أن يصدقوا خبر الإيمان، يشككون البسطاء في إيمانهم، بسخريتهم مثلا من المعجزات، أو قدرة الله، أو سلطان القديسين.
يا إلهي، لا تجعل من عقولنا موانعا وسدودا تمنع تيار الإيمان، بل افتح قلوبنا، فنقبل ونُخبر أيضًا بعظيم أعمالك.
17 فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ. 18 وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَلْوَةً. 19 وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا. 20 فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاَقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي الْبَيْتِ. 21 فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي! 22 لكِنِّي الآنَ أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللهِ يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ». 23 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «سَيَقُومُ أَخُوكِ». 24 قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ». 25 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، 26 وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟» 27 قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ». 28 وَلَمَّا قَالَتْ هذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرًّا، قَائِلَةً: «الْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ». 29 أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعًا وَجَاءَتْ إِلَيْهِ.
هى المدة ما بين إبلاغ المسيح لتلاميذه بنوم لعازر، وتركه عبر الأردن إلى اليهودية. وبيت عَنْيَا تبعد عن أورشليم حوالي 45 دقيقة سيرًا على الأقدام. ومثل عادة معظم المجتمعات حتى الآن، فقد اجتمع العديد من أهل القرية لعزاء مريم ومرثا في بيتهما.
ع20:
يُفهم من النص أن المسيح لم يذهب إلى بيت لعازر، بل إن هناك رسولًا أخبر مرثا، التي خرجت مسرعة لمقابلة المسيح خارجا، وتركت مريم بين المعزّين، ومريم لم تعرف، وإلا كانت قد خرجت هي الأخرى معها. وتتضح عدم معرفتها من (ع28)، عندما أخبرتها مرثا لاحقا "المعلم قد حضر".بتلقائية وببساطة، تكلمت مرثا بما تشعر به، فقد عبّرت عن أسفها بعدم وجود المسيح وقت مرض أخوها، فهي تعلم أن حبه لشخص لعازر من جهة، واعتباره نبيا بارا صنع معجزات شفاء كثيرة قبلًا، وأن كل ما يطلبه من الله يستجاب له من جهة أخرى، كان كفيلا بشفائه ومنع موته. وقولها: "الآن أيضًا"، كان يعني انتظارها شيئًا من المسيح، وهو غالبًا إقامة أخيها، ولكنها غير واثقة من ذلك، بدليل باقي حديثها.
† ولعل أهم ما نتعلمه هنا من مرثا، بساطة الحديث وصراحته، وهي عناصر هامة كثيرًا ما تخلو منها صلواتنا. فيجب علينا أن نتحدث مع الله بكل ما نشعر به، سواء ضيقا أو طلب معونة، أو شكر على ما جاد به علينا؛ فالصدق والصراحة أساس للصلاة المقبولة.
مقابلة جديدة يقدمها القديس يوحنا، كما اعتاد على إبراز الفرق الكبير بين ما يقصده الله، وبين ما يفهمه الإنسان. فالمسيح هنا يوضح أن لعازر سيقوم بالحقيقة، لأن القيامة والحياة هي من خصائص وسلطان الابن الوحيد، اللتين يمنحهما لمن يريد من ذاته. أما مرثا، فلم تفهم هذا البعد اللاهوتي في شخص المسيح بعد. ولهذا إجابته، بما هو راسخ في أذهان كل الناس، بأن أخوها "سيقوم" أيضًا كما الجميع، "في اليوم الاخير"، أي يوم القيامة العامة لكل الناس.
30 وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. 31 ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي الْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلًا وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: «إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى الْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ». 32 فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!». 33 فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، 34 وَقَالَ: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ». 35 بَكَى يَسُوعُ. 36 فَقَالَ الْيَهُودُ: «انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ!». 37 وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: «أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟». 38 فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. 39 قَالَ يَسُوعُ: «ارْفَعُوا الْحَجَرَ!». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ». 40 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟». 41 فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42 وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». 43 وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!» 44 فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ». 45 فَكَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ، وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ. 46 وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ.
ع25:
يجيب المسيح هنا مصححا للمفاهيم، ومعلنا عن لاهوته في قدرته الذاتية، إنه هو "القيامة" ومصدر "الحياة". والقيامة ممكنة في أي وقت بحسب مشيئته وقدرته، وليست في اليوم الأخير فقط كما هو في أذهان الناس، وكل من يموت بالجسد، مثل لعازر، ولكنه "آمن" به "فسيحيا"، أي تكون له الحياة الأبدية. فالموت الجسدي لا يمس الروح بشئ، ولكن موت الروح - بالخطية - يعتبر عدم إيمان بالمسيح. وبالتالي، لن تكون له قيامة الحياة، بل الدينونة الأبدية.† وهذا الإيمان، يجعلنا ندرك سر عدم خوف آباؤنا الشهداء من الموت. فالموت من أجل اسم المسيح، اعتبروه بداية للحياة، وعربونا للقيامة الحقيقية.
"أنا هو القيامة والحياة": تعبير مملوء رجاء لكل نفس لا زالت تئن من موت الخطية. فالمسيح يعلن لها أنه سر قيامتها وحياتها، إن أرادت القيامة من موتها.
تعالوا إذن نقدم هذا المسيح المقيم لكل نفس بعيدة عن كنيسته فنتمتع بمعجزات قيامة يومية في كنيسته بعودة كل من "كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد" (لو 15: 24، 32).
ع26
: يضيف الإيمان بالمسيح ميزة أخرى لمن آمن به، وهي عدم الموت الأبدي، وذلك في استكمال لمعنى الآية السابقة. فليس فقط من كان ميتا سيحيا، بل إن من هو حى "فلن يموت إلى الأبد". وهذه التكملة، تجعلنا ندرك الفرق بين مفهوم الموت عند العالم من جهة، وعند الله وأولاده من جهة أخرى، كما سبق إيضاحه في (ع25)."أتؤمنين بهذا؟": نفس السؤال سأله المسيح للمولود أعمى (ص 9: 35). وكان المسيح يؤكد، مرارًا وتِكرارًا، أن الإيمان بشخص المخلّص، هو أساس الخلاص والشفاء والعطايا، التي أهمها جميعًا، القيامة وعدم الموت.
ع27:
يأتي إعلان إيمان مرثا هنا، مقابلا لإعلان بطرس في (مت 16: 16) في أن المسيح هو الابن المتجسد، والآتي إلى العالم من أجل خلاصه.ويعلق القديس يوحنا ذهبي الفم أن مرثا مثل بطرس، لا تستطيع وحدها أن ترقى إلى هذا المستوى من الإعلان، بل إن الروح القدس أعلن على لسان مرثا، كما أعلن على لسان بطرس. أما الإيمان اليقينى بشخص ربنا يسوع المسيح، كابن الله المخلّص، فقد استُكمل بعد القيامة، واستُعلن بعد حلول الروح القدس على التلاميذ.
ع28-29: "دعت مريم أختها سرا": أي أن مرثا عادت إلى المنزل، وأبلغت أختها بحضور المسيح. وكلمة "سرا"، فلعلها لم ترد إزعاج المعزّين. وفي رأي آخر، خشت أن يكون هناك أعداء للمسيح وسط المعزّين لم تشأ أن تخبرهم بقدومه. أما مريم، فلما سمعت، كانت استجابتها سريعة.
† وهذا ما نحتاجه جميعا، أن تكون استجابتنا سريعة لنداءات المسيح لنا، فكثيرا ما نخطئ بتأجيل الاستجابة، فتضيع العديد من فرص التمتع بلقاء شخص المسيح الحبيب.
ع30-32: لم يدخل المسيح القرية أو بيت لعازر، فقد كان هدفه واضحا، وهو إقامة لعازر، وليس التعزية في موته. وخروج مريم مع مرثا من البيت، كان ملفتا لنظر اليهود والمعزّين، فقاموا هم بدورهم تابعين لهما، ظانين ذهابهما للقبر مثل عادة الكثيرين في البكاء عند القبور. ولعل هذا كان تدبيرا إلهيا أن يخرج المعزّين ورائهما، حتى يشاهدوا هذه المعجزة الفريدة. وعندما قابلت مريم المسيح، تحدثت بمثل ما قالت مرثا قبلا (ع21). ولكن سجودها عند رجليه، هو دليل على إكرامها جدًا لشخص المسيح، وأيضا انسحاقها بالحزن على عدم وجوده قبل وفاة أخيها.
كان منظر بكاء مريم والمعزّين المجتمعين معها منظرا مؤثرا للغاية، خاصة وأنه كان يمس إنسانا قريبا من قلب المسيح. ولما كان المسيح إلها كاملا، بقدرته أن يقيم لعازر، إلا أنه أيضًا إنسانا كامل،ا يحمل كل المشاعر الرقيقة بداخله. وتعبير "انزعج بالروح"، يفيد باليونانية لم يكن راضيا أو مرتاحا. وكلمة "اضطرب"، تفيد باليونانية أيضًا معنى القشعريرة.
† وهي صورة توضح معنى إحساس المسيح بنا، فهو رقيق القلب، يشعر بآلام أولاده، يتألم ويتضايق ويشاركهم أحزانهم (إش 63: 9). وهذا في حد ذاته، يعطى عزاءً لكل من هو في تجربة أو ضيق.
ولعلنا نتعلم أيضًا من هذا الموقف، المشاركة الإيجابية المسيحية لمن هم في ضيقة أو حزن شديد "بكاء مع الباكين" (رو 12: 15)، ولا نستهين أو نقلل من مشاعر الناس عند بكائهم، بل بكائنا نحن أيضًا ليس خطأ، طالما لم يتعد حدود إيماننا ورجائنا في القيامة بعد الموت. فالحزن الخاطئ، والذي يحذرنا منه الله، هو حزن من لا رجاء لهم (1 تس 4: 13).
"بكى يسوع": جاءت تعبيرا عن كل ما جاش في قلبه، وحنو مشاعره.
† ولعلنا نذكر الكلمات التي تصلى بها الكنيسة في أوشية المرضى: "رجاء من ليس له رجاء، معين من ليس له معين، عزاء صغيرى القلوب، ميناء الذين في العاصف."
ع36-38: يستكمل القديس يوحنا وصف المشهد لنا، فينقل تعليقات الجمع. فالبعض، عندما رأوا دموع الرب يسوع، تأثروا بدرجة حب الرب لشخص لعازر. والبعض الآخر، حمل كلامه تشكيكًا في قدرة المسيح، بمعنى أنه لو كان صحيحا ما سمعوه عن تفتيحه لعينى أعمى، أفلم يكن قادرا أيضًا على إنقاذ وشفاء صديقه بالأولى؟!
"انزعج يسوع أيضًا": شعر بعدم ارتياح، نتيجة المناخ المحيط بصفة عامة، وبسبب اقترابه من مكان القبر، وكذلك أحاديث اليهود في (ع36، 37). وكان القبر عبارة عن مغارة في الصخر، كاعيتاد الناس في دفن موتاهم، إما في مغائر طبيعية أو منحوتة، ويغلقونها بعد ذلك بحجارة.
ع39: "ارفعوا الحجر":
هل الذي استطاع أن يقيم الميت بالكلمة، لم يكن في مقدوره أيضًا أن يحرك الحجر؟! ولكن، هذا هو أسلوب الله الذي يسمح للإنسان بالمشاركة في العمل. فما هو في قدرة الإنسان، لا يفعله الله. وإشراك الإنسان حدث أيضًا في ملء الأجران بالماء في عُرس قانا الجليل (ص 2: 7)، وحدث أيضًا في جمع السلال في معجزة إشباع الجموع (مت 15: 37؛ مر 8: 8).† وإشراك الله للإنسان، تجعل منه شاهدا لعمل الله وتدابيره. وهي ميزة يتمتع بها من يعمل في حقل خدمة الرب، إذ يعاين أعماله عن قرب، ويشترك فيها. كذلك نتعلم، وإن كان الخلاص عملا إلهيا في المقام الأول، إلا أن الإنسان أيضًا له دور في هذا الخلاص بأعماله، ومشاركة نعمة الله المخلصة بجهاده.
"له أربعة أيام": أي استحالة القيامة بعد التحلل والتعفن. وما جدوى رفع الحجر إلا إثارة أحزان لا داعى لها؟
† أما المعنى الروحي، فالحديث هنا عن الإنسان الذي مات في الخطية، حتى تحللت إرادته أمامها، وصارت أعمال شهوات الجسد نتنة؛ فحتى هذا الإنسان الذي يظن الجميع إنه لا قيامة له، له قيامة بالتوبة التي تحوّل عفن ونتن الخطية إلى طيب غالى الثمن.
ع40:
في (ع4)، يشير السيد إلى أن مرض لعازر ليس للموت، بل لمجد الله. وهنا، يعلن السيد المسيح، وبقوة، هذا المجد، أو على الأقل أحد صور مجد الله في القدرة المطلقة، وانتصار الابن على الموت، في مقدمة لقيامته هو. وأما تعبير "إن آمنت"، فإن المسيح يربط معاينة المجد بشرط الإيمان. فبدون إيمان، لا يمكن إرضاؤه. ولهذا يقول القديس متى: "ولم يصنع هناك - الناصرة - قوات كثيرة لعدم إيمانهم" (مت 13: 58).
ع41-42: قاموا برفع الحجر، ومشاعر الفضول تغلبهم فيما هو مُزْمَع أن يتم؛ فتأرجح المشاعر هنا بين الشك واليقين عند الناس، نكاد نقول شيئًا طبيعيا، مع عدم الإعلان النهائى للاهوت المسيح، ووجود مؤيدين مؤمنين ومعارضين في الجمع المحيط. يتوجه المسيح بعد ذلك لحديث مع الله الآب، والغرض من هذه الصلاة أو الحديث المسموع، هو "ليؤمنوا أنك أرسلتنى". فالمسيح يريد استغلال هذا الحدث الفريد، لإعلان ما سبق إعلانه كثيرًا في إنجيل يوحنا، في أنه من الآب وفي الآب، والإرادة واحدة بينهما، وليرد على من قالوا سابقا إنه ببعلزبول يصنع معجزاته (مت 12: 24؛ مر 3: 22؛ لو 11: 15). فهنا، يعلن أن الأساس هو الله وإرادته العاملة في ابنه.
† وهناك غرض آخر لنا نحن، وهو أن المسيح يعلمنا مبدأ الصلاة الدائمة، وخاصة قبل الشروع في أي عمل. والمسيح يقدم أيضًا في صلاته عنصر الشكر، الذي تعلمنا الكنيسة دائما أن نبدأ به كل صلواتنا.
"سمعت لى... كل حين تسمع لى": يبرز هذا القول التوافق الدائم والمستمر بين طِلبة الابن واستجابة الآب، فعمل الابن الأول هو الطلب من أجل خليقته، من خلال دمه المبذول، والآب الواحد مع الابن في الإرادة والجوهر، يقبل دائما طلبته. ويؤكد المسيح هذا المعنى في حديثه مع تلاميذه "مهما سألتم باسمى، فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن، إن سألتم شيئًا باسمى فإنى أفعله" (ص 14: 13، 14).
ع43: "صرخ بصوت عظيم":
خرج صوت المسيح عظيما مدويا، يزلزل أركان الهاوية، ويأمرها بفتح أبوابها لخروج روح لعازر منها، ويهزم الموت الجاثم على كل البشر. وأمر لعازر بالقيامة، ولم يأمره أن يقوم باسم الآب، ليبيّن أن ما يفعله الآب، يفعله الابن أيضًا بنفس القدرة والسلطان.
ع44:
يا ترى، كم كانت دهشة وذهول الحاضرين أمام هذا الميت القائم، بعد عفن وتحلل دام "أربعة أيام"؟! إلا أن المسيح يتدخل بصوته مرة أخرى لإفاقة الجمع من ذهوله، ويأمر بعضا منهم أن يحلّوه ويدعوه يمضى.† وكما سبق وأعطى المسيح دورا للإنسان في رفع الحجر، فها هو أيضًا يتعهد النفس القائمة من موت الخطية في عهدة الكنيسة كهنة وخداما. فقد قام بعمله الكفارى معها، ومنحها مغفرة الخطايا والقيامة، ولكنه ترك جزء من العمل على عاتق الكنيسة، التي تتابع في رعايتها إتمام عمل الطبيب الشافى. فعند إقامته الصبية، أمر أن تُعطَى لتأكل (لو 8: 55). وقد أودع المسيح كل طعامه الروحي في كنيسته، فمن تاب ولم يتناول باستمرار من طعام الحياة، يموت إلى الأبد (يو 6: 53).
لا زال الموقف كما هو بين من يقبل عمل الله ويؤمن به، وبين من يشاهد وينكر. وهو ما قاله المسيح في إنجيل معلمنا لوقا: "ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون" (لو 16: 31). فالمجموعة الأولى، سرت قيامة لعازر كالتيار في أجسادهم، فعظم إيمانهم بالمسيح. أما الآخرون، فكان انتمائهم الأرضى وخوفهم على مصالحهم، حائلا وقف دون إيمانهم بهذا الحدث العظيم.
† يا إلهي، افتح بصيرتى وقلبى لأرى أعمالك، ولا تجعل من عقلى أو أهواء قلبى عائقا يقلل من إيماني بكل أعمالك.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
47 فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. 48 إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». 49 فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، 50 وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!». 51 وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، 52 وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ. 53 فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. 54 فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضًا يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ عَلاَنِيَةً، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْكُورَةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ. 55 وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ. 56 فَكَانُوا يَطْلُبُونَ يَسُوعَ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي الْهَيْكَلِ: «مَاذَا تَظُنُّونَ؟ هَلْ هُوَ لاَ يَأْتِي إِلَى الْعِيدِ؟» 57 وَكَانَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْرًا أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدُلَّ عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ.
ع47-48: كان هدف الكهنة والفريسيون واضحا في التخلص من شخص الرب يسوع، الذي جذب إليه الجميع، وانحسرت بسببه شهرتهم وسطوتهم على الشعب. فلهذا، وبسبب قوة هذه المعجزة، جمعوا مجمعا والنية مسبقة في التخلص من المسيح (راجع يو 5: 18؛ 7: 1، 25، 30، 44؛ 8: 40، 59؛ 10: 31-33، 39).
ولم يكن أمامهم سوى صياغة الأسباب التي تعضد قرارهم، وتبرره أمام أنفسهم وأمام الشعب. فتفتق ذهنهم إلى سبب سياسى واهٍ جدا، وهو أن تبعية الجموع للمسيح، ستستفز الرومان وتثير القلاقل، فتكون النهاية هي إبادة الأمة اليهودية. إلا أن أكثر ما يدينهم، هو اعترافهم نفسه بأن السيد يصنع آيات كثيرة. وبدلًا من أن يقودهم هذا إلى الإيمان به، طلبوا أن يقتلوه.
† ولعل خطية تبرير الأحكام والتصرفات، نقع نحن فيها أيضا، كما صنع الكهنة والفريسيون، ونهتم بما نخدّر به ضمائرنا ويحسّن من صورتنا أمام الناس، متناسيين الله الديّان الحقيقي، فاحص قلوب وأفكار كل البشر... طوباهم الذين اهتموا بتبرير ضمائرهم أمام الله فقط... "طوبى لمن لم يقض عليه ضميره ولم يسقط من رجائه" (سيراخ 14: 2).
كان قيافا رئيسا للكهنة، وكان قريبا بالجسد لحنّان رئيس الكهنة الأسبق. وكانت مدة رئاسة قيافا للكهنوت 11 عاما، عاصر فيها كل أحداث السيد المسيح، وكان معروفا في التاريخ اليهودي إنه جاهل وقاس القلب.
"أنتم لستم تعرفون شيئًا": هكذا بدأ قيافا حديثه، محتميا في منصبه السامى في أعين الباقين، وكمقدمة إيحائية أن ما سوف يدلى به هو رأى الله، لأنه من فم الكاهن تطلب الشريعة. فتقدم، كرجل دين وسياسة، مقدما ما يريح الضمائر "إنه خير أن يموت إنسان واحد -حتى لو كان بارًا- عن الأمة بأسرها." وما قدمه قيافا هنا، كان الصيغة التي يبحث عنها الجميع من أجل إراحة ضمائرهم.
ع53:
هذه كانت نهاية جلسة الكهنة والفريسيون، فالقرار صار واضحا، وما تبقى هو التشاور في كيفية التنفيذ والقبض على المسيح.
ع54: انتهت الجلسة، وتناقلت الأخبار، وعلم الكثيرون بقرار المجمع السرّي. ولما كانت ساعة المسيح لم تأت بعد، وهو العالم الوحيد لوقتها، آثر السيد الحكمة عن إعلان نفسه، فمضى بعيدا عن مكان الأحداث الملتهبة، وذهب إلى مدينة أفرايم، وهي مدينة تُعرف باسم "الطيبة" الآن، وتبعد نحو 20 كم. شرق أورشليم ونواحى برية الأردن.
ع55:
يبدأ القديس يوحنا هنا في نقلنا إلى الفصل الأخير من إنجيله، فهو يعد القارئ بالمشهد الأول للفصح الأخير، بتدفّق اليهود من جميع أنحاء اليهودية إلى أورشليم، قبل الفصح نفسه بأيام، وذلك حتى يستعدون للفصح بتقديم ذبائح التطهير، لأن الناموس منع المنجسين من لمس خروف الفصح أو أكله، فالتطهير كان لازما، وخاصة لكل من تنجس.† أخي الحبيب... كان اليهود حريصين على طاعة الله بوجوب التطهير قبل الاقتراب من خروف الفصح، الذي هو رمز لذبيحة المسيح الحقيقية... فماذا عن أناس منا يقتربون لجسد إلهنا الحقيقي، والتناول منه، دون أن يتطهروا أيضًا بالتوبة الحقيقية الروحانية، وبممارسة سر الاعتراف الذين ينالون فيه حلا وغفرانا وتطهيرا، ليس بماء أو برش دم حيوان، بل بالروح القدس الله المحى والمطهر؟!
في هذين العددين فريقان يطلبان الرب يسوع، وإن اختلفت النوايا والمقاصد؛ فالفريق الأول: هو الشعب البسيط، الذي يتلهف لرؤية هذا البار الذي صنع كل هذه الآيات، وخاصة آية إقامة لعازر من الأموات. أما الفريق الثاني: فكان دافعه هو التربص من أجل القبض عليه، تمهيدا لمحاكمته وقتله. وهذه الآية توضح الحكم الذي استقر عليه المجمع في (ع53).
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 12 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 10 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-11.html
تقصير الرابط:
tak.la/cx424mf