* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59
الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ
(1) المرأة الممسكة في ذات الفعل (ع 1-11)
(2) المسيح نور العالم (ع 12-20)
(3) دينونة عدم الإيمان بالمسيح (ع 21-29)
(4) ذرية إبراهيم ومفهوم الحرية (ع 30-41)
(5) أبناء إبليس وصِفاتهم (ع 42- 47)
(6) اتهام المسيح أن به شيطان (ع 48-59)
1 أَمَّا يَسُوعُ فَمَضَى إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. 2 ثُمَّ حَضَرَ أَيْضًا إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3 وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ 4 قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، 5 وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6 قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. 7 وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!» 8 ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. 9 وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ. 10 فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» 11 فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».
ع1: "أما يسوع.. جبل الزيتون": لم يشر القديس يوحنا لماذا مضى الرب إلى جبل الزيتون. ولكن، يمكن الاستنتاج، مما قاله القديس لوقا في (لو 6: 12)، إنه كان يخرج إلى الجبل، ويقضى الليل كله يصلي. أما جبل الزيتون، فيقع شرق أورشليم.
ع2: "في الصبح":
أي ثاني أيام انقضاء العيد. وذهب إلى الهيكل ليكمل تعليمه للجموع، وجلس ككبار معلمي اليهود، يحدثهم عن كرازة الملكوت.† أخي الحبيب... ألا تلاحظ معي كيف كان أسلوب حياة السيد المسيح.. ليس هناك وقتا لإضاعته، فبعد خدمة شاقة 4 أيام في العيد مع الجموع، ثم سهر في الصلاة، عاد للتعليم من جديد.. إنه العمل الإيجابى الذي ينقصنا جميعا في حياتنا، فنحن نهدر الكثير من أوقاتنا في أشياء لا جدوى منها.. أما الأشياء الأخرى، الباقية في نفعها، واللازمة لخلاص نفوسنا، فلا نعطيها سوى الفتات..
أيها الحبيب... ليتنا نتذكر أن كل لحظة وكل دقيقة، سوف نعطي عنها حسابًا..
ع3-5: قصة المرأة الزانية من القصص الشهيرة، والتي اهتم بذكرها القديس يوحنا. وقبل البدء في الدخول إلى أحداثها، ننوه أن مفتاح القصة كلها في (ع6)، حيث يوضح أن الغرض والدافع كانا شيئًا واحدا، وهو الإيقاع بيسوع، وإيجاد سببا يشتكون به عليه، بصرف النظر عن المرأة وقصتها. أما ما حدث، فيمكن ايجازه في الآتي.
(1) لم يكونوا في حاجة لسؤال المسيح فالشريعة واضحة في (لا 20: 10) و(تث 22: 22)، بأن الزانى والزانية، كلاهما يرجم حتى الموت، خاصة وأن هذه المرأة كانت في "حالة تلبس". فما الحاجة لسؤال المسيح إذن؟
(2) قدموا للمسيح نص ما قاله موسى، فهل يخالف الناموس، ويصبح كاسرا ومتعديا، مفضوحا أمام الشعب؟ أم يصدر حكما برجمها، وهو ليس له سلطان مدنى، إذ أن أحكام الإعدام من سلطان الدولة الرومانية، والتي كانت لا تجيز موت الزانية رجما في القانون الروماني. وبالتالي، إذا صرح المسيح برجمها، صار متعديا لسلطان قيصر؛ وهذا هو المأزق الذي دبره المشتكون.
(3) غلب الدهاء عليهم، وأرادوا استدراج السيد، ملقبين إياه "يا معلم"، وهو لقب كبير جدا، قاصر على طائفة معلمي الناموس المعتمدين (الربيين). فكان استخدامهم للفظ "معلم"، لا يعني احترامهم، أو أنهم يعنوه، بل للايقاع به.
ع6: "انحنى إلى أسفل، وكان يكتب":
انحنى بهدوء، وكأن الأمر لا يعنيه.† وهذا الهدوء هو درس لنا في سلوكيتنا من السيد المسيح، فالشر لا يواجَه بالردود السريعة المنفعلة، فهو أراد أن يمتص ثورتهم ومكيدتهم، ويقلل من غليانهم نحوه. فليتنا نتعلم كيف نقابل المكائد بالهدوء والصلاة، قبل الإدلاء بأي رأي...
أما ما كتبه المسيح على الأرض، فلم يذكره يوحنا، واختلف فيه الآباء المفسرون. وفيما يلي بعض الآراء:
(1) قد يكون كتب "من أخطأ في وصية واحدة، صار متعديا لكل الوصايا. وهذا كتمهيد لما سوف يقوله لهم في أنهم ليس لهم حق الحكم على أحد."
(2) قد يكون كتب بعض الوصايا، التي كسرها معظمهم، وذلك بقصد التوبيخ لهم على غلاظة قلوبهم.
(3) قد يكون كتب ما سبق وقاله في الموعظة على الجبل، ألا تدين حتى لا تدان..
(4) قد يكون كتب ما نطق به، أي: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولًا بحجر."
وكل هذه الآراء، تقبلها الكنيسة من باب التأمل والاستنتاج، وليس هناك رأيا قاطعا يمكن الأخذ به وحده.
ع7: استمر الإلحاح والسؤال، وقطع السيد ما كان يكتبه، وانتصب. وجاءت إجابته تمثل عمق الحكمة الإلهية، مقابل دهاء وخبث الشياطين. فالمسيح لم يبرئ المرأة ولم يدينها، بل أضاف على الناموس عمق وروح الوصية؛ إن كاسر الناموس لا يحق له أن يدين آخر بالناموس. فإذا لم يكن فيكم كاسرا للناموس، فليبدأ برجمها..
هذا ما قاله أيضًا القديس بولس: "لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها " (رو2: 1).
† وهكذا يعطينا السيد درسا جديدا جميلا في كيف تنجى الحكمة صاحبها من المكائد. ولكن علينا أولًا الصلاة للروح القدس معطى هذه الحكمة، وثانيا الهدوء والتريث قبل الإجابة.
ع8:
انحناء الرب يسوع هذه المرة، كان هدنة أعطاها كفرصة لانصراف الجمع، متفكرين فيما قاله، دون مواجهة جديدة. أما ما كان يكتبه، فقد أشرنا له في (ع6).
ع9:
يصور القديس يوحنا هنا، كيف كانت كلمات المسيح القليلة، مؤثرة وعاملة في القلوب والضمائر. وكيف لا، وهي كلمة الله الحية الفعالة، المخترقة للنفس والمفاصل والعظام؟ وجاءت الاستجابة من الشيوخ أولا، لأن إدراكهم الروحي أعلى، ثم تبعهم الشباب تاركين الحجارة من أيديهم، متذكرين تعدياتهم وخطاياهم فقط. وخلا المشهد من الجميع، عدا السيد وحده والمرأة الزانية.بدأ هنا السيد الحديث مع المرأة، وهي في حالة لم تكن تسمح لها أن تبدأ الكلام أبدا، من خزيها وإحراجها..
† ولكن، أليس هذا قلب المسيح، الذي نصلي له في أوشية المرضى: "يا رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين، عزاء صغيرى القلوب"؟
إنه قلب الحب والمغفرة، ودائما يمد يده لمنكسرى القلوب.
وبدأ يسألها عن المشتكين الذين انصرفوا، وهو العالم بانصرافهم، ولكنه يريد أن يشيع فيها الاطمئنان. إن من أرادوا موتها، لم يعودوا يطلبونها. وعندما أجابته، قال لها: وإن كنت أنا الإله الديان، وإن كنت الوحيد الذي بلا خطية، فأنا أيضًا لا أدينك. ولكن، لا تعودى تخطئى. فليس معنى غفران الله هو الاستباحة والعودة للخطية، بل معناه أن مراحم الله تفتح فرصة للتوبة أمام الخاطئ الذي عليه أن يستغلها.
† أخي الحبيب... لعلنا نخرج من هذه القصة، بكل أحداثها، بدرس واحد هام، هو ألا ندين أحدا، واضعين قول المسيح أمام أعيننا، إن كان أحد منا بلا خطية، فليدن أخوه أولًا.. فلنلق إذن بحجارة الإدانة التي في أيدينا بعيدا، لأننا تحت الحكم عينه، ولنطلب من أجل إخوتنا، بدلًا من إدانتهم، لعل الله يرحمنا أيضًا معهم.
12 ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». 13 فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا». 14 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَقٌ، لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. 15 أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَدًا. 16 وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَقٌ، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 17 وَأَيْضًا فِي نَامُوسِكُمْ مَكْتُوبٌ أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حَقٌ: 18 أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». 19 فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلاَ أَبِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا». 20 هذَا الْكَلاَمُ قَالَهُ يَسُوعُ فِي الْخِزَانَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ. وَلَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ.
مقدمة:
حتى لا نفقد تتابع الأحداث، فإن الحديث هنا لا زال مرتبطا بنهاية عيد المظال. ففى اليوم الأخير للعيد، استخدم المسيح طقس الماء، وعبّر عن نفسه بأنه هو الماء الحي ومصدره. وعرض القديس يوحنا بعض الأحداث العرضية، مثل: انقسام اليهود، محاولة القبض على يسوع، ثم المرأة الخاطئة والحديث القادم في ثاني يوم بعد انتهاء عيد المظال، ولا زال العيد ماثلا وراسخا في أذهان مستمعى تعليم السيد، فأخذ مثلا جديدا من طقوس العيد، واستكمل حديثه.
ع12:
أيضًا يربط السيد هنا كلامه بما سبق وقاله، أنه الماء الحي (يو 7: 38). فكما نادى عن نفسه حينذاك، ينادى اليوم، مقدما نفسه كنور العالم، مستخدما أيضًا أحد طقوس ورموز العيد، وهو طقس النور. فكان في الهيكل - الرواق الخارجي - أربعة أعمدة عالية جدا، وكل عمود يحمل أربعة فتائل تضاء في عيد المظال، فتعطى نورا عظيما. وكان هذا الطقس يرمز إلى الله، نور العالم، وإلى تذكار عمود النور الذي أرسله الله في البرية لقيادة شعبه ليلا في برية سيناء.فينادى المسيح مرة أخرى معلنا نفسه: "أنا هو نور العالم".. لاحظ أيها القارئ العزيز، أنه عندما كان الكلام عن المن، قدم المسيح نفسه على أنه: الخبز الحقيقي، وخبز الحياة، والخبز الحي (ص 6: 32 و35 و48 و51). والآن، الحديث عن نور العيد، فيقدم نفسه كنور حقيقي للعالم. وكأن المسيح يقول أن كل رموز الماضى الباهتة، قد صارت اليوم حقيقة لامعة في ابن الإنسان بتجسده الذي تمت فيه كل الرموز. ولنلاحظ بعض المعاني الروحية في هذه الكلمات:
(1) بكونه نور العالم: صار كل ما عداه أو خارجه ظلاما.
(2) بكونه نور العالم: صار مصدر الإرشاد الوحيد للنفس التائهة في الخطايا.
(3) بكونه نور العالم: منح أولاده أن يكون لهم نور حياة بداخلهم يميزوا به الأشياء، يعكس نوره لكل من حولهم.
(4) مع أنه نور العالم: ترك للإنسان الحرية في أن يتبعه أو لا يتبعه بإرادته.
† والكنيسة، أيها الحبيب، حرصت على أن تذكّر أبنائها دائما بكل هذه المعاني في صلاة باكر اليومية من الأجبية، فنقرأ الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا، الذي يصف المسيح بأنه النور الذي أضاء في الظلمة. وكذلك نصلي في القطع والتسبحة الصباحية: "أيها النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان آت إلى العالم." فليتك تتذكر دائما هذه الصفة في إلهك، فتشرق نفسك بنوره الإلهي..
ع13:
استند الفريسيون إلى أن شريعة موسى تطلب شاهدين لإثبات الدعوى، ولا تقبل شهادة الإنسان عن نفسه. وبهذا، عللوا رفضهم لقبول فكر المسيح، وقوله بأنه نور العالم.
ع14:
في (ص 5: 31)، يقول المسيح: "إن كنت أشهد لنفسى فشهادتى ليست حق.. الذي يشهد لى هو آخر.." قاصدا شهادة الآب للابن.أما هنا، وقد قربت أيام تجسد المسيح، ولم يبق إلا زمنا يسيرا، بدأ يعلن عن نفسه بقوة ووضوح، ويوضح أن شهادته لنفسه هي حق، لأنه هو نفسه الحق، وليس للظلمة أن تحكم على النور، فلقد سبق وشهد المعمدان لى، كذلك الآب يشهد لى، وأيضا أعمالى. أما الآن، فأنا أشهد لنفسى، وشهادتى حق، ولن تقبلوها أو تفهموها، لأنكم لا تدركون سر التجسد، فلا تعلمون من أين أتيت، ولا تعلمون إلى أين أذهب بعد ذلك، قاصدا وجوده الأزلي في حضن الآب، ثم صعوده للسماء.
ع15:
"أنتم حسب الجسد تدينون": لها معنيان:المعنى الأول: إنكم تدينون حسب أهوائكم الجسدية وميولكم. وذلك لأنهم أدانوا المسيح، واعتبروه كاذبا، عندما قالوا لا نقبل شهادتك.
المعنى الثاني: إنهم يحكموا بحسب رؤيتهم الجسدية لشخص المسيح، ومعرفة نسبه ووطنه الأرضى. وهي رؤية قاصرة بحسب الظاهر، تخلو من البصيرة الروحية التي تدرك حقيقة جوهر المسيح الإلهي.
"أما أنا فلست أدين أحدا": وذلك لأنه لم يأت ليدين العالم، بل ليخلصه (ص3: 17)؛ وقد دلل المسيح على ذلك أيضًا بعدم إدانته للمرأة الزانية التي قدموها إليه.
ع16:
أي وإن كنت لا أدين الآن، فإن المهمة الحالية هي تقديم الخلاص، لكن الدينونة من صفاتى اللاهوتية. ودينونته حق، لأنه هو الحق. ويعود ثانية السيد المسيح لربط نفسه بالآب في وحدانية اللاهوت، فالدينونة هي حق الله، وقد أعطاها الآب للابن (ص5: 22) الذي سيدين كل من لا يقبل عمل خلاصه، أو يرفض وصيته ولا يعمل بها.يقدم المسيح للفريسيين الرد على اعتراضهم عن عدم قبول شهادته في (ع13) بأنه، وإن كانت شهادته لنفسه حقًا، إلا أن هناك من يشهد ويؤكد ذلك، وهو الآب السماوي الذي أرسله، وبذله خلاصًا للعالم (تث 17: 6).
ع19:
سأل اليهود بخبث لإيقاع المسيح، فعندما تكلم عن أبيه السماوي في (ص5: 18)، طلبوا أن يقتلوه. وهنا أيضًا أرادوا اصطياده بكلمة، ولكن المسيح لم يجبهم بما سألوا، بل أظهر أن سبب عدم معرفتهم للآب جهلهم لشخصه، إذ هو الصورة المنظورة للآب غير المنظور؛ ولنراجع قولا للمسيح في مكان آخر: "لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالا لم يعملها أحد غيرى لم تكن لهم خطية، وأما الآن فقد رأوا وأبغضونى أنا وأبى" (يو 15: 24 و25).
ع20:
الخزانة أحد الأماكن في الهيكل في رواق النساء. واستخدم السيد هذا المكان، لأنه كان أكثر الأماكن ازدحاما بالناس، لسبب تقديم النذور وما شابه. وبالرغم من شدة كلام المسيح مع اليهود، فلم يستطع أحد القبض عليه، لأنه وحده المحدد لساعته، وليس بحسب رأي أو مشورة إنسان.† يا إلهي... لعل كان لليهود عذرا لعماهم الروحي، وعدم تعرفهم عليك. ولكن، ما عذرى أنا الممسوح بالروح القدس. ما اقبح ذنبى عندما أتركك أيها النور الحقيقي، وأسقط في ظلمة الخطية. نعم، أنا بلا عذر. ولكنى أعود وأشكرك، لأنك جعلت في كنيستك من يسندنى ويقيمنى، ويقرأ لى حِلا بالمغفرة، فتنفتح الأعين ثانية على بهاء نورك الذي لا يُحد..
يا إلهي... لا تجعل معرفتى لك على مستوى العقل والنظريات، بل أريد معرفة الاستنارة الكاملة، أيها النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان آت إلى العالم.
21 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «أَنَا أَمْضِي وَسَتَطْلُبُونَنِي، وَتَمُوتُونَ فِي خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا» 22 فَقَالَ الْيَهُودُ: «أَلَعَلَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ حَتَّى يَقُولُ: حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا؟». 23 فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. 24 فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ». 25 فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضًا بِهِ. 26 إِنَّ لِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَتَكَلَّمُ وَأَحْكُمُ بِهَا مِنْ نَحْوِكُمْ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌ. وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَهذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ». 27 وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ عَنِ الآبِ. 28 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي. 29 وَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ».
الحوار المتكرر يعود مرة أخرى، من ناحية قصد المسيح شيء وفهم اليهود شيء آخر. والآية 21، تطابق في معناها ما جاء في (يو 7: 33-34)، والمعنى هو أنكم سوف تموتون في خطية عدم الإيمان بالابن، وستطلبون وتنتظرون مسيحا أرضيا بحسب هواكم، ولن تجدوا. وبسبب عدم إيمانكم، فلن تقدروا أن تدخلوا ملكوت السموات (ع22). أما اليهود، فبنفس السخرية المعهودة، وانغلاق الرؤية الروحية، لم يفهموا القصد الإلهي، بل عبروا عن عماهم الروحي، وبغضهم للمسيح، بأن الحل الوحيد لفهم كلامه، هو إنه مزمع أن يقتل نفسه، وهو المكان الوحيد الذي لا يستطيعوا الذهاب إليه، أي "الجحيم".
ع23-24: يوضح السيد المسيح هنا السبب والداء والفرق بين كلمتى "أنا" و"أنتم" في الآية السابقة، وهو الخلاف بين كل ما هو سمائى روحي، وبين ما هو أرضى زمني مرتبط بأمجاد العالم التي لا أطلبها. و(ع23) يكمل المعنى في (ع14) من نفس الأصحاح: "أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب"، وكلتا الآيتين إشارة واضحة لتجسد المسيح ونزوله من السماء وطبيعته اللاهوتية الأزلية. ويقدم المسيح مرة أخرى سبب هلاكهم، وهو عدم إيمانهم به!!!
† سيدى الحبيب... أثار حديثك مع اليهود في نفسى سؤالا محيرا ومخيفا: هل أنا أرضى؟ أم أنا سماوي؟ هل أستطيع أن أكون معك حيثما تكون، هناك في بيت أبيك، أم لا أستطيع؟ لقد أعطيتنى، مجانا، نعمة الميلاد السمائى في سر المعمودية. ولكن، لا زلت أجد أن ما بداخلي متجها إلى أسفل، حيث أمجاد العالم وزيفه، ناسيا عظم دعوتك لى، أن أكون من فوق كما أنت.. إلهي، أخاف من نفسي على نفسى، فلا تسمح يا سيدى أن أنزلق لأسفل بل اجذبنى إلى فوق كما وعدت: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض، أجذب إلىّ الجميع"، واجعل كل اشتياق قلبى نحوك أنت وحدك.
ع25:
لم يكن غرض الفريسيين من سؤالهم: "من أنت؟" هو الاستيضاح، بل الاصطياد. أما المسيح، فأجاب: "أنا من البدء ما أكلمكم أيضًا به".. أي سبق وأعلنت من أكون: "أنا الخبز النازل من السماء".. "أنا الماء الحى".. "أنا نور العالم".. "أنا من تشهد لى أعمالى".. "أنا من يشهد لى الآب".. وهكذا.. أي أنا المسيح مخلص العالم. ولكن، هل هناك من يفهم، أو يقبل، أو يؤمن؟!يعلن المسيح أنه وحده العالِم، ووحده الديان. فإذا كنت أتكلم من جهتكم بأشياء، فكلها حق، لأننى الوحيد العالِم بما في قلوبكم. وإن كنت أحكم عليكم، فحكمى حقيقي وعادل. ولكنى أيضًا لا أحكم ولا أتكلم من نفسى، فإنى أقول ما يقوله الآب أيضا، لأنى أنا والآب واحد، وهو الذي أرسلنى. ويضيف القديس يوحنا في (ع27) إيضاحا أن المسيح كان يشير للآب هنا، دون أن يفهم اليهود قصده.
ع28:
ينفى المسيح هنا أي احتمال لليهود في التعرف عليه قبل أن يرفعوه على الصليب. واستخدم المسيح كلمة "رفعتم"، ليؤكد مسئولية خاصته التي رفضته في صلبه، وبعضهم سيفهم عند صلبه، لما سيصاحبه من أحداث وعلامات، مثل: "الظلمة"، و"خروج كثيرين من القبور". وكلمة "رفعتم" أيضًا تحمل هوان الصليب، والألم، ومجد الرفعة الذي تم بالفداء. وإشارة واضحة جدًا لرمز الحية النحاسية التي رفعها موسى على خشبة لكي لا يموت كل من ينظر إليها (عد 21: 9). ويعود المسيح مرة أخرى ليؤكد طبيعة علاقته الوثيقة الفريدة بالآب، في وحدة العِلم والاتصال، وسبق وأشار السيد إلى هذا كثيرًا.
ع29: "الذي أرسلنى":
أي الآب، هو معي ولم يتركنى. وهذا يكشف لنا سر الاتصال الدائم بين الآب والابن على مستوى الجوهر الواحد. فالابن، بتجسده، لم يترك حضن الآب ولم يفارقه، وكذلك الآب أيضًا.. وينهى المسيح بإضافة حقيقة لاهوتية جديدة، وهي الاتحاد أيضًا على مستوى الإرادة؛ فكل ما يفعله الابن هو إرادة الآب، وكل ما يريده الآب، فهو معمول بالابن.← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
30 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِهذَا آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ. 31 فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: «إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، 32 وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ». 33 أَجَابُوهُ: «إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ لأَحَدٍ قَطُّ! كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَارًا؟» 34 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. 35 وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. 36 فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا. 37 أَنَا عَالِمٌ أَنَّكُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ. لكِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي لأَنَّ كَلاَمِي لاَ مَوْضِعَ لَهُ فِيكُمْ. 38 أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ». 39 أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ! 40 وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. 41 أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا. لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ».
"آمن به كثيرون": ولكن إيمانهم لم يكن كافيا، بل يعتبر مجرد قبول، بدليل حث المسيح إياهم في الآية 31 بالثبات في كلامه. وتدل الأعداد القادمة من نفس الأصحاح على انقلابهم السريع على المسيح.
"تعرفون الحق": تدركون من أنا، فأنا هو "الطريق والحق والحياة" (ص 14: 6). وهذا الحق - أي أنا - هو الوحيد المحرر من عبودية الشهوات والخطية، بل المخلص الوحيد من عقوبة الخطية..
† ما أحلى ألقابك أيها الحبيب المخلص... فأنت الحق، وكل ما سواك هو باطل. وأنت الحرية، وكل ما عداك، هو سجن حتى لو بأسوار ذهبية. فما أحلى أن تحررنا من ذواتنا واهتماماتها البالية الفانية، وتدعونا إلى الانطلاق والتمتع بحرية الحياة معك، حيث تصغر كل الأشياء، بل تنعدم، فلا يعود ينغص على النفس شيء، أو يسجنها في شهواتها أو رغباتها المتدنية والبعيدة عنك.
ع33
: أي إننا أبناء لإبراهيم الحر، والذي لم يكن عبدا لأحد، وبالتالي نحن أحرار.. نلاحظ الآتي:أولًا: أنهم لم يفهموا ما قصده المسيح روحيا، بل انصرفوا لمعنى الحرية السياسى بأنهم ليسوا عبيدا لأحد، وكانت بنوتهم لإبراهيم موضع فخرهم الجسدي أمام الأمم.
ثانيا: أنهم، حتى على مستوى الفهم السياسى المادي، وقعوا في مغالطة تاريخية، وهي أنهم كانوا مستعبدين بالفعل لممالك كثيرة، مثل بابل وأشور وبلاد اليونان وكذلك الحكم الروماني المواكب لعصر المسيح. ولهذا الفهم القاصر والمغلوط، استنكروا على المسيح كيف يدعوهم للحرية.. غير مدركين دعوة خلاصه؟!
ع34: "الحق الحق":
أسلوب تكرار للتأكيد، استخدمه المسيح كثيرًا. والمعنى هنا، إنكم لا تدركون ما عنيته: بالحق يحرركم. ولهذا، في إيضاح جديد، يواجه المسيح اليهود بما قصده، وهو أن كل إنسان غير تائب ويحيا حياة الخطية، هو عبد وليس حرا، بصرف النظر عن نسبه أو انتسابه أو وصفه السياسى؛ فالمعمودية والحرية مقياسها عند الله بخلاف الناس، فهي إما الخطية أو التوبة. وبالتالي، كم من قديسين سُجنوا وتم نفيهم، ولكن حياة البر والتوبة جعلت منهم أحرارا.."عبد للخطية": هذه الكلمة تصور لنا بشاعة سلطان الخطية، كسيد شرير، يتحكم في إرادة الإنسان، الذي لا يملك حولا ولا قوة أمام هذا السيد. والتوبة الصادقة، والعودة إلى حضن الله، هما طريق الحرية الحقيقي من نير هذه العبودية.
ع35: أما النتيجة، فإن العبد المستعبَد لهذا السيد الشرير، لا يبقى في البيت طالما الخطية هي سيده، فلا مكان للعبيد بين الأبناء. أما الابن، أي المسيح، فبقائه شيء طبيعي، فهو الوارث لكل بيت أبيه..
وإن كان المسيح هو مصدر الحرية الحقيقية الوحيد، إلا أنه وضعها في أسلوب شرطى: "إن حرركم". وهذا الشرط لا يعود على مشيئة المسيح في منح الحرية، لكن يعود على اليهود في قبولهم لهذا الخلاص من عدمه، بمعنى آخر: لديكم الحرية الحقيقية الممنوحة من الابن، فهل تقبلوها؟
أما من الناحية الجسدية (ع37)، فأنا أعلم أنكم ذرية إبراهيم. ولكن هذه البنوة الجسدية صارت قاصرة جدا، ولا تعني شيئًا عند الله، بدليل عدم قبولكم لكلامى وإيمانكم به، بل بدلًا من هذا - وأنا العالم لفكر قلوبكم - تطلبون موتى؛ وقد كرر المسيح هذا الكلام في (ص 7: 19) من حيث رغبتهم في قتله، وعبارة "كلامى لا موضع له فيكم"، تقابل ما قاله في (ع31) "إن ثبتم في كلامى"، وهذا معناه أن المسيح كان يعلم أولًا أنهم لم ولن يثبتوا في كلامه!
ع38: "أنا أتكلم بما رأيت عند أبى":
(راجع يو 5: 19-20) "وأنتم تعملون": أي أن المسيح هنا ينكر بنوتهم لإبراهيم، وينسب بنوتهم للشيطان، فطلبهم قتله هو مشيئة الشيطان نفسه, وبالتالي، ليس لهم أن يدّعوا إنهم أبناء إبراهيم، طالما أن عملهم يتمشى مع مشيئة أب آخر، وهو إبليس.يلفت السيد المسيح نظرنا هنا إلى مبدأ هام، وهو أن الإنسان لا يُقَيّم بما يدعيه عن نفسه، ولكن بالأعمال التي يعملها. فمثلا، ليس كافيا أن نقول: إننا كنيسة تذخر بالقديسين. ولكن، هل لنا جهاد وأعمال آبائنا القديسين؟ ولهذا، فالمسيح ينكر على اليهود ثانية ادعاء بنوتهم لإبراهيم، بسبب أعمالهم التي تتنافى مع هذا الانتساب. والخلاف هنا، هو أن إبراهيم آمن ووثق في كلام الله، وتبعه بكل قلبه. أما من يدعون إنهم أبنائه، فإنهم يرفضون كلمات الحق والحياة من فم الإله نفسه، بل يطلبون قتله.
ع41:
إذ نفى المسيح على محدثيه بنوتهم لإبراهيم، مما أغاظهم جدا، لافتخارهم بهذا النسب، جاء ردهم في نقطتين:الأولى: إننا لسنا أولاد زنا، أي أنسابنا محفوظة إلى إبراهيم، بل إلى آدم، ولم نختلط بالأمم ولم نتزاوج منهم؛ وكان اليهود يعتزون دائما بحفظ سجلات أنسابهم عن ظهر قلب.
الثانية: إنهم رفعوا بنوتهم إلى الله مباشرة، وهو الأعلى من إبراهيم، وهو الآب الواحد لنا جميعا.
ملاحظة: بالرغم من هذا الافتخار بالبنوة الكاذبة، ونفى تهمة الزنا، إلا أن تاريخ الكتاب المقدس يخبرنا أن هذا الشعب كثيرا ما زاغ وزنا جسديا مع بنات الأمم وتزاوج منهم، وكذلك زنا روحيا بترك الله، وعبادة آلهة الأمم على المرتفعات وتقديم ذبائح لها (راجع نح 13: 23؛ إر 3: 6-10)، مما عرضهم لعقوبات الله التي كانت أصعبها أسرهم وتشتيتهم.
† إلهي الحبيب... أخشى أن أعتقد في نفسي باطلا إنى أدعَى لك ابنا، مشاركا اليهود فيما نسبوه لأنفسهم. فإن كانت حياتى حتى هذه اللحظة لا تخلو من خطايا، فلا تطفئ روحك القدوس وعطية الحياة بالمعمودية بداخلي. وإن كانت بنوتى لك قاصرة، فلتدم أبوتك لى كاملة.. ولا تتركنى أبدا لنفسى.
42 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ اللهِ وَأَتَيْتُ. لأَنِّي لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، بَلْ ذَاكَ أَرْسَلَنِي. 43 لِمَاذَا لاَ تَفْهَمُونَ كَلاَمِي؟ لأَنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي. 44 أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ. 45 وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي. 46 مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ 47 اَلَّذِي مِنَ اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ».
كما نفى المسيح بنوة اليهود لإبراهيم، يعود وينفى بنوتهم الروحية لله، مقدما الدليل على ذلك، وهو رفض اليهود للمسيح نفسه. ويقدم المسيح نفسه هنا، كما سبق وقدم أيضًا أنه كلمة الله المتجسدة، فهو الخارج من عند الله - المتجسد - وبإرادة الآب لخلاص البشر. فعندما يرفض اليهود المسيح المتجسد، يرفضون الله نفسه. ويزيد المسيح لحديثه سببا آخر لرفض اليهود الإيمان به، وهو أن اليهود سمعوا كلمات المسيح بآذانهم الجسدية، فلم يفهموا قصده من البداية، وكان ينبغي أن يسمعوا حديثه بقلوبهم، فكلام الله يُقبل بالإيمان، وليس بالعقل القاصر أو الأذن الجسدية.
ع44: تعتبر هذه الآية من أقوى المواجهات التي واجه فيها السيد المسيح اليهود. ولم يكن الغرض هو التعدى على مشاعرهم، بقدر تبرئة الله وإبراهيم من هذا الشعب الغليظ القلب. وقصد بشهوات أبيكم إبليس هنا، هى رغبتهم في قتله، فعادة ما يجتمع الأشرار مع الشيطان في إرادة واحدة، فيصيروا بذلك أبناءا لإرادته. ويستطرد السيد حديثه في وصف الشيطان بصفاته التالية:
(1) "قتّالا": أي منذ دخول الشر قلبه، كانت غاية الشيطان الوحيدة هي الفتك بالناس وتضليلهم، من أجل هلاك نفوسهم. بل هو المصدر الوحيد لكل الصراعات والحروب، وإثارة الكثيرين على قتل إخوتهم وشعوبهم. واستخدم المسيح كلمة "قتّالا"، وليس قاتلا، ليوضح أن هلاك الناس هو عمل مستمر للشيطان، بل هدفه الوحيد من كل أعماله.
(2) "لم يثبت في الحق": عندما خلق الله الشيطان، كان ملاكا عظيما ذو رئاسة، أي أن الله خلقه في النور والحق. أما هو، فبإرادته، لم يثبت في هذا الحق، وتدنى إلى كل الشر بانفصاله عن الله. راجع قصة سقوط الشيطان (إش 14؛ حز 28: 12-19).
(3) "كذاب": من أهم صفات الشيطان التي يضل بها الناس، كما أضل بكذبه أبوينا الأولين. وهذه الصفة تنتقل بالتبعية لأولاده الذين يحملون صفاته.
† وهذا يوضح لنا جميعا خطورة خطية الكذب التي لا يهتم بها الكثيرون، بل لا يعتبروها خطية كبيرة، وأنها صارت من لوازم الحياة اليومية.. ليتنا نراجع أنفسنا، ونتذكر كلمات المسيح المخيفة في هذا الموضوع.
ع45:
يعود السيد المسيح مرة أخرى لسبب عدم إيمان اليهود بكلامه، فهو يتكلم بالحق، ولكنهم أبناء الكذاب، فلا يفهمون ولا يصدقون كلماته.† ونأخذ هنا درسا جديدا من المسيح، أن الإنسان المسيحي لا يتكلم بغير الحق، بصرف النظر عن تصديق أو عدم تصديق سامعيه. ألم يكن هكذا الأنبياء الذين قتلهم اليهود؟ ألم يكن هكذا أيضًا آباءنا الشهداء والقديسين الذين قدموا أرواحهم من أجل الحق؟
ع46:
يقدم السيد هنا دليلا قويا على كل ما قاله سابقا، وخروجه من عند الآب وتجسده. وهذا الدليل قدمه في صورة سؤال لليهود، وهو: من يمسك علىّ تعديًا واحدًا، سواء للناموس أو بأية خطية أخرى؟† وهذا دليل على سلوك السيد بالبر والطهارة والوداعة في حياته، ودرسا لنا نحن أيضًا أن نسلك كما سلك هو بتدقيق وحساب مستمر للنفس. فالإنسان ليس بما يدعى لنفسه، بل بسلوكه المطابق لما يعلنه من حق، كما سبق الشرح (ع 39-40).
ع47:
يأتي المسيح هنا لنهاية جزء من حواره مع اليهود، ردًا على الآية 41: "لنا أب واحد هو الله". فبعد أن أثبت لهم عدم بنوتهم لإبراهيم بسبب أعمالهم، وأنهم أبناء الشيطان بإرادتهم الشريرة لمحاولة قتله، وكذبهم؛ يأتي لنهاية هذا الجزء، نافيا تمامًا بنوتهم لله أبيه، ومقدما هذا سببا لعدم سماع كلامه والإيمان به.
48 فَأَجَاب الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَنًا: إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ؟» 49 أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنَا لَيْسَ بِي شَيْطَانٌ، لكِنِّي أُكْرِمُ أَبِي وَأَنْتُمْ تُهِينُونَنِي. 50 أَنَا لَسْتُ أَطْلُبُ مَجْدِي. يُوجَدُ مَنْ يَطْلُبُ وَيَدِينُ. 51 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ». 52 فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: الآنَ عَلِمْنَا أَنَّ بِكَ شَيْطَانًا. قَدْ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَالأَنْبِيَاءُ، وَأَنْتَ تَقُولُ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَذُوقَ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ. 53 أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي مَاتَ؟ وَالأَنْبِيَاءُ مَاتُوا. مَنْ تَجْعَلُ نَفْسَكَ؟» 54 أَجَابَ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ أُمَجِّدُ نَفْسِي فَلَيْسَ مَجْدِي شَيْئًا. أَبِي هُوَ الَّذِي يُمَجِّدُنِي، الَّذِي تَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُ إِلهُكُمْ، 55 وَلَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. وَأَمَّا أَنَا فَأَعْرِفُهُ. وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُهُ أَكُونُ مِثْلَكُمْ كَاذِبًا، لكِنِّي أَعْرِفُهُ وَأَحْفَظُ قَوْلَهُ. 56 أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ». 57 فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: «لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ، أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ؟» 58 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ». 59 فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازًا فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هكَذَا.
ع48: لم يجد اليهود تهمة يوجهونها للمسيح أشد من أنه سامرى، وكانت العداوة بين الفريقين كبيرة (راجع يو 4). وأضافوا أيضًا أن به شيطان، وكأنهم يردون عليه فيما اتهمهم به.. وذلك غيظا منهم لما قاله عنهم. ولم يدللوا على هذه التهمة بشئ، لأنهم يعلمون جيدا إنه يهودي، ولم يمسكوا عليه خطية واحدة. ولهذا، فإن ما قاله اليهود عن المسيح، يعتبر في عداد الشتيمة والإهانة.
ع49: أما المسيح، فلم ينشغل بالدفاع عن أصله ونسبه اليهودي، بل اهتم بدفع ورفض الاتهام الثاني، الذي يمس جوهر لاهوته وقداسة أبيه، معبرا أن ادعاء اليهود أن به شيطان، هو إهانة لكرامة أبيه السماوي التي لا يمكن قبولها، أو التغاضى عنها، لأن الذي في المسيح هو الآب، فكيف يقولون عن الآب إنه شيطان؟!
ع50: "لست أطلب مجدى": ليست مهمتى أن أنادى بمجدى الذي هو لى. فقد أتيت لاحتمال المهانة والعار، وليس للدفاع عن نفسى، فتلك مهمة أبى الذي يرى ويفحص كل شيء، وهو الذي يغير على مجدى ويطلبه، بل يدين أيضًا كل من أهان مجد الابن الوحيد.
†
وما قاله المسيح هنا، هو تعزية لكل أبنائه الذين يعانون من اضطهاد أو إهانة من أجل اسمه. فكل ما يتحمله الإنسان من أجل المسيح، يعتبر مجدا مدخرا له، بل أيضًا الله العادل يدين الأشرار بحسب صلاحه ودينونته العادلة.
ع51: يؤكد المسيح على حقيقة إيمانية، وهي أن كل من يسمع ويعمل بوصيته، لن يؤذيه الموت الثاني، بل له حياة أبدية. وقد سبق وقال نفس المعنى في (يو 5: 24).
ع52-53: يعود القديس يوحنا ويبرز استمرار الفهم المادي الجسدي الحرفي من اليهود لكلمات المسيح، بدلًا من الفهم الروحي لها. ودللوا، بفهمهم الخاطئ، على صحة اتهامهم السابق له بأن به شيطان. وكلمة "علمنا" معناها تأكيد، وهي تشبه تعبير رئيس الكهنة في المحاكمة: "ما حاجاتنا بعد إلى شهود" (مت 26: 65). واستمروا في تأكيد رأيهم بأن إبراهيم وكل الأنبياء والآباء قد ماتوا؛ فمن أنت حتى تُعطَى الحياة وعدم الموت؟ لأنهم لم يدركوا بالطبع أنه كان يتكلم عن العتق من الموت الأبدي، وليس الموت الجسدي.
ع54-55: يطابق (ع54) في معناه ما جاء في (ص5: 31)، ويضيف إن ادعاء اليهود بأن الله أبيهم، لم ينقلهم للمعرفة الحقيقية لله، الذي يعرفه هو معرفة ذاتية، من خلال وحدة الطبيعة والجوهر. ويؤكد المسيح أنه لو ادعى عدم معرفة الآب، يكون كاليهود كاذبا في ادعائهم المعرفة به. والبرهان الذي يقدمه المسيح على معرفته بالآب، هو حفظ أقواله وطاعة مشيئته، وهي أبسط المبادئ الإيمانية التي لم يفعلها اليهود مع الله نفسه، وهي سبب دينونتهم، وعدم تعرفهم على شخص المسيح.
†
لاحظ أيها القارئ العزيز، أن السيد المسيح لم يزل يكرر أن الإيمان الحقيقي ليس هو الموروث، كإيمان اليهود‘ أو المتفاخَر به. ولكن الإيمان في مفهوم الله، هو حفظ أقواله ووصاياه والعمل بها في الحياة التي نحياها... فكم من أناس يدعون الإيمان، وبأعمالهم ينكرونه؟!
ع56: جاءت هذه الآية ردا على تهكم اليهود على المسيح في (ع53) "ألعلك أعظم من أبينا إبراهيم؟"
أما المعنى: فهو أنه بالحقيقة أعظم من إبراهيم، فإبراهيم -مع مكانته عند اليهود- لم يكن أكثر من شاهدا لمواعيد الله.. وهو بخلافكم، صدق الوعد، بل اشتهى أن يكون معاصرا لأحداث التجسد والفداء، فرآها بالإيمان، وصدق ففرح، وتهلل بالروح.. وهذا ما عبر عنه القديس بولس في (عب 11: 13) عندما قال: "في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد، بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها."
ع57-58: كالمعتاد، لم يفهم اليهود قصد المسيح، بل فسروا كلامه بأنه رأى إبراهيم بالجسد. ولهذا، تهكم اليهود ثانية قائلين: إنك لم تبلغ مبلغ الشيوخ - وهو خمسون سنة عند اليهود - فكيف تدعى رؤياك لمن مات منذ الفى عام؟! أما إجابة المسيح، فكانت تحمل الجانب اللاهوتي في الإعلان عن نفسه، وتؤكد ما جاء في (ص 1: 1) "في البدء كان الكلمة". والمعنى المقصود: وإن كنتم تتعجبون وتهزئون من أنى معاصر لإبراهيم، فالحقيقة، والتي سوف لا تقبلونها أيضا، أننى كائن قبل أن يكون إبراهيم؛ وكلمة "كائن" هذه، هي نفسها الكلمة التي استخدمها الله في تقديم نفسه لشعبه، عندما قال في (خر 3: 14) "أَهْيَهْ" كاسم له، ومعناها: "أنا كائن". فالمسيح هنا يستخدم اسم الله المعروف عند اليهود. وقوله: "قبل أن يكون إبراهيم"، إشارة واضحة للاهوته الأزلي.
ع59:
اعتبر اليهود ما قاله المسيح تجديف عقوبته الرجم. ولكن، لأن ساعته لم تأت بعد، خرج من الهيكل، واجتاز واختفى عن عيونهم، دون أن يتمموا قصدهم في رجمه.† وهكذا يذكرنا المسيح ثانية أنه، في كثير من الأحيان، يكون من الحكمة الهروب من الغضب، وليس مواجهته..
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 9 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 7 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-08.html
تقصير الرابط:
tak.la/8bx8n7y