* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47
الأَصْحَاحُ الخَامِسُ
(1) بركة بيت حسدا (ع 1-4)
(2) شفاء مريض بيت حسدا (ع 5-9)
(3) التعرف على المسيح (ع 10-15)
(4) لاهوت الابن (ع 16-23)
(5) سلطان الابن (ع 24-30)
(6) الشهادة للابن (31-40)
(7) أسباب عدم الإيمان (ع 41-47)
1 وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2 وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3 فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. 4 لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلًا بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ.
ع1:
"وبعد هذا": أي بعد معجزة شفاء ابن خادم الملك، صعد المسيح إلى أورشليم في عيد الفصح للمرة الثانية. ولم يذكر نوع العيد، لأن تركيزه كان على خدمة النفوس والتبشير، ولم يأت بعد الوقت ليحضر الفصح الذي سيقدم فيه نفسه على الصليب.
ع2-4: "باب الضأن": أقرب أبواب المدينة للهيكل. وسمى بهذا الاسم، لأنهم كانوا يأتون منه بغنم الذبيحة.
"بيت حسدا": بركة أبعادها حوالي مائة متر طولا، وعرضها تراوح بين 50-70 مترًا، وعلى جوانبها صفوف من الأعمدة قسمتها لخمس ساحات انتظار، وبنيت هذه الأروقة لاستقبال الزائرين بغرض الشفاء. أما اسم "بيت حسدا"، فمعناه: بيت الرحمة، وكان يأتي إليها المرضى بكل أنواع المرض المزمن، لنوال الشفاء متى تحرك الماء الراكد بفعل أحد الملائكة. وكلمة "عسم"، معناها: يابسى المفاصل.
ويظهر في هذه المعجزة الفرق بين بركة العهد القديم، فهي مؤقتة وليست دائمة، ولشفاء الأجساد بالنزول فيها. أما في العهد الجديد، فشفاء دائم للروح والجسد، كما يحدث في سر المعمودية.
5 وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 6 هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» 7 أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9 فَحَالًا بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ.
الغرض من ذكر هذه المعجزة، ليس شفاء المقعد في حد ذاته، ولكن إبراز سلطان المسيح الفائق. ولهذا، ذكر القديس يوحنا زمن المرض الطويل، وحالة اليأس المرة التي يمر بها المريض، ليبرز بذلك افتقاد الله للإنسان بمراحمه.
ويظهر في هذه المعجزة:
(1) أن المسيح هو الذي رآه وبدأ الحديث معه، فالله هو المفتقد والباحث عن كل نفس في تعب أو ضيق، ولا ينسى أحد.
(2) مع أن المسيح هو البادئ، وهو يريد الخلاص لكل أحد، لكن نعمة الخلاص تقتضى أيضًا إرادة الإنسان في خلاص نفسه. ولهذا، سأله المسيح هذا السؤال الذي يبدو غريبا لإنسان مريض: "أتريد أن تبرأ؟"
(3) رحمة الله وقدرته غير المحدودة التي تحطم كل يأس. فرغم أن المريض له مدة 38 سنة مُقْعَدًا، أمره أن يقوم ويمشى، فبرئ في الحال.
ع9: كلمة: "حالا"، تفيد قوة المعجزة، وسلطان السيد المسيح على المرض. أما أن يحمل الإنسان سريره، ويستطيع السير بعد هذه السنوات الطويلة من الرقاد، فهو أمر يفوق التصور العقلى، أن تشتد هذه العضلات المرتخية فجأة، وبدون علاجات مكملة، فلا يترك للمشاهد مجالا سوى أن هذه هى يد الله.
† إلهي الحبيب، سعيتَ نحو المريض الراقد، وأنا لازلت مربوطا بخطاياى... أريد الإبراء، ولكن الإرادة ضعيفة... فتعال أيها الحبيب، وقل كلمة تشدد عزيمتى، وتجعلنى أقوم طارحا كل سنوات الكسل والضعف خلفى، تاركا يأسى، متمسكا برجائى فيك.
10 فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: «إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ». 11 أَجَابَهُمْ: «إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 12 فَسَأَلُوهُ: «مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟». 13 أَمَّا الَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ، لأَنَّ يَسُوعَ اعْتَزَلَ، إِذْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ جَمْعٌ. 14 بَعْدَ ذلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ». 15 فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ.
يقول إرميا النبي: "اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم، الذين لهم أعين ولا يبصرون" (إر 5: 21).
ويقول القديس كيرلس الكبير أن هذه الآية تنطبق على موقف اليهود تجاه هذه المعجزة.. فنسوا قوة الشافى، وعمل الرحمة المقدم من الله، وتمسكوا بحرفية الوصية الخالية من روح الله.
† هكذا أيها الأحباء، فنحن أيضًا في عنادنا، كثيرًا ما لا نرى إرادة الله الصالحة. ليتك يا إلهي تفتح عيوننا وقلوبنا وأفهامنا، حتى نفهم ونبصر أعمالك وحكمتك، ونترك شرورنا، وإدانتنا للآخرين.
ع13:لم يكن من طبع السيد الإعلان عن نفسه، وهو الذي لم يقبل مجدا من الناس.
† فليتنا نحن أيضًا نتعلم ألا نتباهى بما نصنع أمام الناس، متعلمين من إلهنا الاتضاع، وعدم السعى لقبول مديح الناس، متذكرين أن أبانا الذي يرى في الخفاء يجازينا علانية.
ع14: تقابل الرجل مع المسيح مرة أخرى في الهيكل؛ وفي حديث المسيح الجديد معه، نجد المعاني التالية:
أولًا: أن هذا المرض كان نتيجة خطية سابقة، فعبارة: "لا تخطئ أيضًا"، بمعنى: "لا تخطئ ثانية"، وقد عرف المسيح، بلاهوته، هذه الخطية.
ثانيا: على الإنسان أن يتذكر دائما عمل الله معه ومعروفه، فيشكر الله. والأهم، ألا ينسى، ويعود مرة أخرى لما قد تركه.
ثالثا: أن الإنسان الذي يتجاهل مراحم الله المتكررة، يعرض نفسه لعقوبة أكبر، يكون له أشر.
ع15: أما غرض إبلاغ الرجل لليهود، فكان تبرئة نفسه من تهمة حمل السرير، خوفا من اليهود، وقتلهم إياه تنفيذا للوصية الناموسية. وهذا يظهر ضعف إيمان هذا الرجل، فقد اهتم بإرضاء اليهود، أكثر من تمسكه بتعاليم المسيح.
16 وَلِهذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي سَبْتٍ. 17 فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». 18 فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ. 19 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ. 20 لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالًا أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. 21 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. 22 لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، 23 لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ.
يوضح القديس يوحنا هنا، مدى كراهية اليهود لشخص المسيح، لدرجة طلب قتله. وأوعز هذه الكراهية الشديدة لسببين؛ الأول: هو كسر السبت، متناسين المعجزة الكبيرة. والثانى: بسبب الأسلوب الذي كان يصف به المسيح العلاقة مع الله بأنه أبوه، ولكن، من زاوية أخرى، غير أبوة الله للجميع، فالمسيح يركز على أبوة الآب الطبيعية للابن، والقاصرة عليه وحده، مساويا نفسه بالآب من جهة الجوهر، وفي أن عملهما واحد ومستمر. ولهذا، طلب اليهود قتله بتهمة التجديف، لأنهم فهموا تمامًا قصد المسيح، ولكنهم رفضوه.
ع17: "أبى يعمل... أنا أعمل ...": هذه الآية، يوضح بها المسيح لليهود أنه، حتى في السبت، يعمل الآب، ولا يتوقف عن رعاية خليقته. وبالتالي، الابن، الواحد معه في الجوهر، يشاركه عمله.
† فإذا كان الله هكذا، فعلينا أيضًا أن لا نتوقف عن خدمة الله وخليقته كل الأيام. وبهذا، ينتقل السبت من حرفية الوصية إلى روحها ومضمونها.
ع19-20: يسحبنا السيد في إجابته على اليهود إلى عمق اللاهوتيات بالتدريج، موضحا هذه العلاقة السرية بين الآب والابن في الجوهر الواحد... مثبتا لاهوته من خلال:
(1) وحدة المشيئة:
فلا يقدر الابن أن تكون له إرادة منفصلة في العمل عن إرادة أبيه، لأنهما واحد في الجوهر(2) عدم الانفصال: فإذا كان الكلمة قد أخذ جسدا إلا أنه، من خلال الجوهر الإلهي، في اتصال دائم مع الآب، ناظرا ومتطلعا على كل ما يفعله، فالاثنين واحد.
(3) وحدة القدرة: في أن كل ما يفعله الآب، يفعله الابن أيضا، فهو لا يقل شيئًا عن الآب في القدرة، لأنه واحد معه في المشيئة وعدم الانفصال.
(4) وحدة الحب: في انفتاح الآب على الابن بكل الحب، حتى أن الابن يعرف كل أسرار الآب وأعماله ومقاصده. وهذا دليل على لاهوت الابن أيضا، الذي لا بُد أن يتمتع بعلم ومعرفة غير محدودة، ليدرك كل أعمال الله ومقاصده.
"أعمالا أعظم": ينبئ المسيح هنا بالمعجزات القادمة والعجيبة، والتي سيوضَّح بعضها في الأعداد القادمة، أو التي سيذكرها القديس يوحنا في الأصحاحات التالية. ونلاحظ أن اليهود يتعجبون، لكنهم لا يؤمنون.
† إلهي الحبيب ومخلصى الصالح... كما كنت أنت في كمال الحب واحد مع أبيك الصالح في المشيئة وعدم الانفصال... نشتاق نحن أيضًا شعبك أن نخضع بكل قلوبنا وإرادتنا لحبك ولصوتك في حياتنا. أعطنا يا رب أن نكون واحدا معك، كما طلبت أنت عنا، فنترك كل شيء يعطلنا، ونتجه نحوك ونتبعك بكل قلوبنا.
ع21-22: إثبات آخر ومباشر عن لاهوت المسيح في قدرته المساوية للآب في إقامة الأموات، وهي الشئ الذي يعجز عنه أي إنسان. وعبارة "يحيى من يشاء"، خصَّ المسيح بها نفسه، تمييزا عن بعض الأنبياء الذين أقاموا موتى، مثل إيليا وأليشع، من خلال صلاتهم لله. أما قدرة المسيح، فمصدرها ذاته ومشيئته الإلهية وحدها. ويقدم المسيح إثباتا آخر للاهوته في أنه هو الديان، وهي صفة قاصرة على الله وحده، العالم بأفعال الناس وخبايا قلوبهم.
ع23: إثبات آخر للاهوت المسيح، إذ جعل إكرام الآب وإكرام الابن شيئًا واحدًا لا يتجزأ. فإذا كانت كرامة الله وإكرامه لا يضاهيها كرامة، ولا يقترب منها إنسان؛ ففى الوقت نفسه، يعلن المسيح أن إكرام الابن مساويا ومرتبطا بإكرام الآب فهذه شهادة أخرى لمساواة الابن للآب في التمجيد والسجود والألوهية.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
24 «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. 25 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. 26 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، 27 وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. 28 لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، 29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. 30 أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.
ع24:
يؤكد المسيح مرة أخرى على الوحدة بين الابن والآب: في سماع كلام الابن، والإيمان بالله الآب. فكلام الابن هو وصية الآب نفسه؛ وبدون الإيمان بالله الآب، وطاعة وصية الله الابن، لن يكون لأحد حياة أبدية، ولن ينجو من الدينونة. أما من فعل هذا، فقد انتقل من الموت الروحي إلى الحياة في المسيح، وذلك بالإيمان والتوبة وإطاعة وصايا المسيح.† أخي الحبيب، إن الحياة الأبدية أعدها الله لك انت بسابق حبه العظيم. فتعال سويا نخضع لوصيته، فتكون لنا الراحة هنا، والحياة الأبدية هناك.
ع25: "تأتي ساعة وهي الآن": استخدم السيد المسيح كلمة "الآن"، تمهيدا لما سوف يتحدث عنه في الآية 28 والتي لم يذكرها فيها. فالآن هنا، تعني القيامة الروحية بالتوبة، لكل من يسمع كلام ابن الله، ويقبله ويعمل به. أما رافض التوبة، والمتجاهل لنداء السيد المسيح، فهو ميت بخطاياه لهلاك أبدي. وهذه الآية تذكرنا بما قاله الوحى الإلهي في العهد القديم على لسان إشعياء النبي: "... في وقت القبول استجبتك، وفي يوم الخلاص أعنتك..." (إش 49: 8). وفي العهد الجديد، يؤكد الوحى الإلهي أن زمن التوبة هو الآن، وليس غدا، ولا يحتمل أي تأجيل، عندما قال على لسان بولس الرسول: "في وقت مقبول سمعتك، وفي يوم خلاص أعنتك. هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن وقت خلاص" (2 كو 6: 2).
† إذا كانت مراحم الله قد فتحت ذراعيها لقبولك بالتوبة والاعتراف الآن، فلماذا لا تُقبل، ولماذا تفضل البقاء في الموت عن الحياة بالاستجابة لنداء المسيح لك؟!
ع26: هذه الآية إثبات جديد للاهوت المسيح. فصفة الحياة الذاتية، غير المخلوقة، هي من صفات الله وحده، فهو مصدرها ومانحها، والابن أيضًا - لأنه الله - له هذه الصفة عينها:
أولًا: إنه غير مخلوق.
ثانيا: أن له سلطان الآب نفسه في منح هذه الحياة لمن يريد، فهو مصدرها كما سبق وقال يوحنا: "فيه كانت الحياة" (يو 1: 4).
ع27: أي أن الذات الإلهية أعطت حق الدينونة للابن، كما أنها من حق الآب (ع22)، ومن حق الروح القدس (يو 16: 8). وذلك لأن الطبيعة الإلهية واحدة في الجوهر، ولكن تعطى الدينونة للابن الذى، بتجسده، عاش حياتنا، وتألم مجرَّبا في كل شيء عدا الخطية وحدها. فالعدل والرحمة الإلهية وحدهما، هما اللذان جعلا من المسيح المتجسد والمتأنس قاضيًا للبشرية كلها. فهو الديان من جهة، وهو المحامى عن الإنسان من جهة أخرى، فهو يدافع عنا بفدائه ويقضى ببراءتنا.
ع28-29: "لا تتعجبوا من هذا": أي ما سبق وقاله، وما سوف يقوله بعد ذلك، فالمسيح يعلم صعوبة قبول ما يقوله على العقل البشرى غير المستعد للتعامل مع الحقائق الإلهية.
أما الساعة التي يتحدث عنها السيد، فهي ساعة المجيء الثاني والدينونة، والتي يسمع فيها الجميع صوته، أبرارا وأشرارا، إما يذهبون إلى حياة أبدية، أو إلى هلاك أبدي...
† ولا يفوتنا هنا أيها القارئ الحبيب، وضوح الآية في أن المجازاة والدينونة على الأعمال التي صنعها الإنسان طوال حياته، سواء كانت صالحة أو سيئة. ومع وضوح الآية هنا، نتعجب ممن يُعَلِّم بأنه لا علاقة للأعمال بالدينونة (راجع مع مت 25: 31-46).
ليتنى أنتهز يا إلهي فرصة هذه الحياة لأصنع خيرا كما كنت تفعل أنت (راجع مع أع 10: 38)، ولا أبعثر أوقاتى هنا وهناك.
إلهي... اجعل دائما فكر الدينونة في قلبى، فتتحرك أشواقى للأبدية من جهة، وأشعر أن كل لحظة وكل عمل سوف أقدّم عنه حسابا، فتتشدَّد نفسي الضعيفة من جهة أخرى.
ع30: يكرر السيد المسيح هنا ما سبق وقاله في (ع19) عن اتحاد الإرادة والعمل مع الآب، فلا يمكن أن يكون هناك انفصال للحظة واحدة. ولهذا، فكل ما يفعله، هو إرادة الآب ذاته ومشيئته. وهذا يؤكد تمام الاتفاق بينهما، ويكون معنى "لا أقدر" هنا: "لا أريد"، كما نقول: "الله لا يقدر أن يكذب..."
وتعبير "كما أسمع"، يماثل أيضًا ما جاء في (ع19) في أن الابن يعمل ما يفعله الآب، وهي تؤكد نفس المعنى السابق، وهو وحدة الاتصال بين الآب والابن.
31 «إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا. 32 الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَقٌ. 33 أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ. 34 وَأَنَا لاَ أَقْبَلُ شَهَادَةً مِنْ إِنْسَانٍ، وَلكِنِّي أَقُولُ هذَا لِتَخْلُصُوا أَنْتُمْ. 35 كَانَ هُوَ السِّرَاجَ الْمُوقَدَ الْمُنِيرَ، وَأَنْتُمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَبْتَهِجُوا بِنُورِهِ سَاعَةً. 36 وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي. 37 وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ، 38 وَلَيْسَتْ لَكُمْ كَلِمَتُهُ ثَابِتَةً فِيكُمْ، لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ لَسْتُمْ أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِهِ. 39 فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. 40 وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ.
تتحدث هذه الأعداد عن شهادة الآب للابن، وشهادة يوحنا المعمدان كذلك. وقد أعلن المسيح الغرض من هذه الشهادة، فهو ليس في احتياج، ولكنه يذكرها من أجل خلاص اليهود أنفسهم (ع 34).
ع31-32: يبدأ المسيح كلامه هنا عالما ما في أذهان اليهود وناموسهم، والعرف العام، والشريعة، بأن شهادة الإنسان لنفسه ليست مقبولة، وذلك تمهيدا لتقديم الشاهد الأعظم، وهو الله الآب نفسه (الشاهد الآخر). ومن المعلوم أن قوة وقيمة الشهادة تستمد من مركز الشاهد، فلهذا قدم المسيح شهادة الآب التي لا تحتمل مجالا للشك أو النقض، بالرغم أنه لو شهد لنفسه، فشهادته حق (ص 8: 14).
ع33-34: ينتقل المسيح هنا إلى شهادة يوحنا، الذي هو شاهد ثان له مكانته عند اليهود، بل هم الذين سعوا إليه لسؤاله، فجاءت شهادته معلنة أن المسيح هو الحق. أما عدم قبول المسيح لشهادة المعمدان فليس معناه رفضها، بل هي إشارة خفية للاهوته. فبالرغم من عظمة الشاهد، فإنه من غير المقبول أن يتوقف صدق الله على شهادة إنسان. ولكن السيد يضيف شهادة المعمدان إلى شهادة الآب حتى يؤمن اليهود، فالإيمان بشخص المسيح هو الشرط الأول للخلاص، ولا يريد المسيح شيئًا سوى خلاص شعبه.
ع35: شهادة ثانية يقدمها المسيح للمعمدان بأنه السراج المنير، بعد أن وصفه بأنه أعظم مواليد النساء، وهذه آية عرضية في سياق الكلام. ولكن المسيح قالها لسببين؛ الأول: أنه يعطى لكل إنسان حقه ولا ينسى تعب أحد. الثاني: أنه يبكت اليهود الذين التفوا حول المعمدان ساعة -فترة قصيرة أي 6 شهور- وبعد سجنه، عادوا إلى سيرتهم الأولى، دون أن يستمر تأثير كلام المعمدان في حياتهم.
† إلهي وسيدى، كان المعمدان أمينا في رسالته، شاهدا وشهيدا للحق الإلهي، فجاء مدحه من فمك القدوس.. أعطنى يا إلهي روح المعمدان وبعضا من قوته، حتى أشهد لك أنا أيضًا بأعمالى، كما فعل هو بكلامه وأفعاله، فأكون مصباحا منيرا، نورا للعالم، لأتمم مشيئتك الصالحة في حياتى.
ع36: شهادة ثالثة يقدمها السيد المسيح، وهي أعظم من شهادة أي إنسان، وأكثر يقينية، وهي تلك الأعمال الإعجازية، كشفاء المرضى، وفتح أعين العميان، وإقامة الموتى، وهي أعمال لم يسبقه اليها أحد في قوتها وعظمتها وكثرتها وتنوعها، حتى تشهد لألوهيته. أما تعبير "أعطانى الآب لأكملها"، فمعناه أن الابن ينفذ مشيئة الآب كما جاء في (ص 1: 18): "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر"، ويضيف المسيح أيضًا أنه صوت الآب وهيئته.
ع37-40: شهادة الآب نفسه التي شهدها للابن من خلال نبوات العهد القديم ورموز الناموس، وهي كلمات الآب التي تمثل صوته وهيئته. ولكن، بالرغم من هذا، ضل اليهود؛ وبدلًا من قبول الحياة الأبدية، رفضوها برفضهم للمسيح ذاته.
41 «مَجْدًا مِنَ النَّاسِ لَسْتُ أَقْبَلُ، 42 وَلكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللهِ فِي أَنْفُسِكُمْ. 43 أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ. 44 كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟ 45 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي أَشْكُوكُمْ إِلَى الآبِ. يُوجَدُ الَّذِي يَشْكُوكُمْ وَهُوَ مُوسَى، الَّذِي عَلَيْهِ رَجَاؤُكُمْ. 46 لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي. 47 فَإِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ تُصَدِّقُونَ كُتُبَ ذَاكَ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلاَمِي؟»
ع41:
إذا كان المسيح سبق ورفض شهادة الناس له، وقدّم شهادات أخرى لا تخضع لمعايير أو مقاييس بشرية، فهو يرفض أيضًا قبول المجد المقدم له من الناس، بل يريد اجتذابهم إلى الإيمان به، وبالتالي خلاص نفوسهم.
ع42-43: أما أول أسباب عدم قبول اليهود للمسيح، فهو اختفاء محبة الله عن قلوبهم، والتي بدونها لا يستطيع الإنسان التعرف على الابن. والدليل على عدم محبتهم لله، أنه أتى باسم أبيه الذي يدّعون حبه ولم يقبلوه. أما إذا أتى آخر باسم نفسه، والإ شارة هنا إلى المسحاء الكذبة، الذين كانوا يظهرون بين الحين والآخر، مقدمين أنفسهم، طالبين الكرامة لذواتهم، كان يقبلهم اليهود؛ فالمسيح هنا يتعجب من تصرفاتهم.
ع44: أما السبب الثاني لعدم قبول المسيح، فهو انحراف اليهود، ورغبتهم في المجد الدنيوى عوضا عن المجد الذي يعطيه الله لأبنائه باتضاعهم، فخطيئة الافتخار وطلب المجد الباطل من الناس، تصرف قلب الإنسان عن الله فلا يقبله، بل يكتفى بالانحصار في ذاته. فالحقيقة إذن واضحة، إما أن يطلب الإنسان مجده على حساب مجد الله، أو يطلب مجد الله على حساب ذاته.
† إلهي ومخلصى... اتضعتَ، ولم تطلب مجد نفسك وأنت هو كلى المجد. وأنا الشقى، لا زلت أبحث عن مديح هنا وهناك. ساعدنى يا إلهي على أن أنتهر هذه الذات اللعينة التي تقف حائلا دون التمتع بحبك الكامل، والنمو في معرفتك، ومعرفة كل أسرارك.
ع45-47: إن من تظنونه شفيعا ووسيطا لكم، وهو موسى النبي، هو نفسه المشتكى عليكم لدى الله. فكل ما كتبه موسى، كان غايته المسيح. فعدم إيمان اليهود بالمسيح، معناه رفض الناموس الذي كتبه موسى. فإن كانوا لا يؤمنون بأقوال أعظم أنبيائهم، فكيف يؤمنون بالمسيح إذن؟!
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 6 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 4 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-05.html
تقصير الرابط:
tak.la/kxkt6dc