* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ
(1) المسيح يطمئن تلاميذه (ع 1-4)
(2) أنا هو الطريق... أنا في الآب (ع 5-14)
(3) الوعد بالروح القدس (ع 15-26)
(4) سلام المسيح (ع 27-31)
1 «لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَآمِنُوا بِي. 2 فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، 3 وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا، 4 وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ».
مقدمة:
يشمل هذا الأصحاح والأصحاحان 15، 16 الحديث الأخير للمسيح مع تلاميذه، وتناولت مواضيع عدة، أبرزها دور الروح القدس، وتشجيع التلاميذ على الفترات الصعبة المقبلة.
ع1:
"لا تضطرب": كان الحديث في الأصحاح السابق مقلقًا ومُخيفًا للتلاميذ، فهناك الخيانة والموت والإنكار، وبسبب كل هذا ساءت حالتهم النفسية.ولهذا، بدأ المسيح في تعزيتهم وتشجيعهم بكلام طيب لينزع عنهم الاضطراب، ويقدم لهم علاجًا، وهو الإيمان به وبكل ما قاله، وألا يقل إيمانهم به عن إيمانهم بالله ذاته.
"أنتم تؤمنون بالله": يقدم السيد المسيح هنا أول علاج نافع للقلق والاضطراب، وهو مقدَّم لنا جميعًا وليس للتلاميذ فقط، وهو الإيمان بالله، أي به، وبكل وعوده الصادقة التي وعدنا بها في شخص تلاميذه.
† الإيمان بالله، المدبّر القوىّ والمحبّ لأولاده، هو أول وأهم علاج للقلق؛ فليتنا نحتمى به في وقت الضيقة والتجربة.
ع2: يقدم المسيح جانبا مشرقا لتلاميذه، وهو أنه إن فارقهم إلى حين، فهذا من أجلهم -ومن أجلنا- ليعد مكانا في السماء حيث المجد غير المنظور. وكلمتى "منازل كثيرة"، تعني اتساع السماء غير المتناهى، وتعنى أيضا أن هناك منزلة تعلو عن أخرى، كما أشار القديس بولس في (1 كو 15: 41). فإن كان الله، في حبه، قبل أبنائه المؤمنين في ملكوته، فإنه أيضا، في عدله، يكافئ كل إنسان بحسب تعبه وجهاده.
ع3: فراقى عنكم ليس أبديا، بل سوف آتى أيضًا - في مجدى - وأضمكم إلىَّ، فتتمتعون بالوجود الدائم معى، الذي ليس بعده فراق، فأينما كنت تكونون أيضًا معي.
وهذا الوعد جعل القديسين، في كل الأجيال، لا يهتمون بهذه الحياة الأرضية، بل إن كل قلوبهم كانت معلقة على حضن المسيح، فلا يوجد شعور في العالم كله يعادل هذا الشعور الروحي في سعادته.
ع4:
"وتعلمون حيث أنا أذهب": المقصود به الذهاب إلى السماء، ولكن مرورا بطريق الصليب.
5 قَالَ لَهُ تُومَا: «يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟» 6 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي. 7 لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ». 8 قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا». 9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ 10 أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. 11 صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا. 12 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي. 13 وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ. 14 إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ.
ع5: كأن ما قاله السيد المسيح في الأعداد السابقة لم يُشبع توما -التلميذ العقلاني- بل ربما زاده حيرة، فنجده في حالة استفسار، فقد أقر بأنه لا يعرف المكان، وبالتالي، لا يعرف الطريق إليه، وقد قال سؤاله بصورة جمع فيها التلاميذ معه.
ع6: كالعادة، يجيب السيد المسيح على سؤال زمني ومكانى محدود بإجابة روحية عميقة، فهو الطريق لكل تائه في غربة العالم متخبط في خطاياه، وهو الحق، أي كل ما عداه وخارج الإيمان به هو باطل؟ وهو الحياة، فيتمتع به كل من يحيا معه على الأرض، ولا ينزعج من تقلبات العالم، حتى يصل إليه في السماء، فهو الحياة الأبدية "وليس بأحد غيره الخلاص" (أع 4: 12).
†
ليتنا نتعلم من توما أن نسأل الله ومرشدينا في الرب في كل ما نجهل، فيكشف لنا الله ما هو أبعد وأعمق مما كانت ستصل إليه عقولنا.
ع7-9: يربط المسيح هنا بين معرفة التلاميذ له ومعرفة الآب نفسه، فالاثنان واحد في الجوهر، ورؤية الابن في سلطانه ومعجزاته ووصيته، هي رؤية جوهر الله ذاته. ولأن الكلام كان صعبا، لم يفهم فيلبس قصد المسيح، وخاصة كلمة "رأيتموه"، فطالب برؤية الآب بالعيان، إن كان هذا في مقدور المسيح، ناسيا ما أعلنه المسيح سابقا: "أنا والآب واحد" (يو 10: 30)، فتأتى إجابة السيد المسيح معاتبة... أبعد كل هذه السنوات والمعجزات والأعمال والأمثال، لم تعرفنى بعد يا فيلبس؟! فـ "الذي رآنى، قد رأى الآب".
وتعتبر هذه الآية إعلانا مباشرا واضحا، يضاف لما سبقه من إعلانات، عن لاهوت المسيح، وقد حرص القديس يوحنا على ذكرها.
ع10: يستكمل السيد المسيح حديثه مع فيلبس بسؤال، يدعوه فيه لمراجعة نفسه، في مدى الإيمان به، بعد أن عاتبه في (ع9)، ثم ينقل كلامه إلى باقي التلاميذ، معلنا بوضوح أنه في الآب والآب فيه؛ والمسيح هنا يؤكد على مساواته بالآب، وأن كل الأعمال التي يعملها مصدرها الآب.
† ولكي نقرّب لأذهاننا هذه الحقيقة، نقول أن العلاقة بين الآب والابن كعلاقة العقل بالفكر، فالفكر مصدره العقل، والعقل جوهره الفكر، فلا يوجد عقل بلا فكر ولا فكر بلا عقل.
ع11: ما زال الكلام موجها للتلاميذ بوجوب الإيمان بأن المسيح هو الله، كما أن الآب هو الله، ولأن المسيح يعلم أن الإيمان الكامل للتلاميذ لم يأت زمنه بعد، يقدّم لهم دليلا على وحدانيته بالآب، وهو كَمُّ المعجزات والأعمال التي صنعها، ولا يستطيع أحد القيام بها سوى الله.
ع12: وعد غالٍ وثمين ومشجع جدًا للتلاميذ القديسين، ومن خلفهم كل من له إيمان صادق بالرب المسيح، في أن يعمل أعمال المسيح ذاتها، ولكن من خلال المسيح نفسه، فليس لنا قوة في ذاتنا، بل هي قوته الممنوحة لنا بالروح القدس (أع 1: 8).
"يعمل أعظم منها": من المحال أن يأتي المخلوق بأعمال أعظم من خالقه. ولكن، ما يقصده المسيح هنا، أن المعجزات الروحية مثل إشباع النفوس بكلام الله، أعظم من إشباعهم بالخبز والسمك، وإحياء النفوس الميتة في خطاياها بالدعوة للتوبة، أفضل من إقامة الأموات جسديا.
† ولهذا، لا تستهن أيها الحبيب بما يستطيع أن يفعله المسيح من خلالنا نحن كنيسته، إذ أودع بها كل قوته، ليس من أجل الافتخار، بل من أجل خلاص الآخرين، وتمجيد اسمه القدّوس.
يقدم السيد المسيح هنا كرامة اسمه القدّوس، وفاعلية وشفاعة استخدام هذا الاسم في إجابة كل سائليه بإيمان... وكلمة "مهما"، تعني اتساع دائرة الطلب من التلاميذ المؤمنين، والقدرة غير المتناهية، لاستخدام اسم المسيح في الاستجابة. وهو ما جعل كنيستنا، المرشَدة بالروح القدس، تستخدم اسم الرب في كل صلواتها، فتختم الصلاة الربانية باسم المسيح يسوع ربنا، وتردد اسمه القدّوس في كل تسابيحها وصلواتها.
15 «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، 16 وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، 17 رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. 18 لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. 19 بَعْدَ قَلِيل لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. 20 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ. 21 اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي». 22 قَالَ لَهُ يَهُوذَا لَيْسَ الإِسْخَرْيُوطِيَّ: «يَا سَيِّدُ، مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟» 23 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا. 24 اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كَلاَمِي. وَالْكَلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 25 بِهذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. 26 وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.
ع15:
المحبة الحقيقية للمسيح ليست انفعالًا عاطفيًّا، بل هي طاعة والتزام وعمل بوصاياه؛ فالطاعة الكاملة والإيمان، هما دليل الحب وبرهانه.
ع16: "أطلب من الآب": أي بعد إتمام الفداء وصعودى، وكأن أقنوم الابن يسلم لأقنوم الروح القدس رعاية الكنيسة في عهدها الجديد، الذي بدأه الابن بدمه.
"معزيا": في اليونانية تعني "معزيا ومعينا وشفيعا ومحاميا"، والترجمة العربية أفقدتها معانيها. وهذه المعاني توضح لمحة سريعة لعمل الروح القدس في حياتنا، وفي الكنيسة عموما.
"يمكث معكم للأبد": أي أن الكلام ليس قاصرا على الكنيسة في عصر الرسل فقط، ولكنه عامل فيها وفي حياة أبنائها إلى نهاية الأزمان... وهذه الآية من الآيات التي يتلاقى فيها الثالوث الأقدس: فالابن طالب، والآب مجيب، والروح القدس مرسَل، لأن الإرادة في الجوهر الإلهي واحدة.
ع17:
"روح الحق": الله هو الحق المطلق. ولهذا، لا يستطع كل من لم يولد بالمعمودية من هذا الروح أن يقبله، فالعالم مادي حسى يغرق في الباطل، لهذا فهو لا يقبل الله، الروح والحق، ولا يعرفه. أما من عرف الروح القدس وأسكنه قلبه، فهو الذي يتمتع بمعرفة الله الحقيقية."معكم... فيكم...":
لم يعد الروح القدس يحيط فقط بأبناء الله، بل يسكن بداخلهم، وهي عطية أخذها كل واحد منا في مسحة الميرون المقدس؛ وهذا ما يذكرنا به القديس بولس عندما يقول: "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (1 كو 6: 19).
ع18-19: إذ دنت ساعة الفراق بالموت، أراد المسيح أن يطمئن تلاميذه، بعدم تركهم يتامى بعد موته، بل سوف يأتي إليهم ويروه، في إشارة مباشرة لظهوره لتلاميذه طوال أربعين يوما بعد القيامة من جهة، ومن جهة أخرى، يتكلم عن إرسال الروح القدس ووجوده الدائم فيهم ومعهم، مما سوف يستعلن فيهم شخص المسيح دائما، من خلال تذكيرهم بكل ما علّمهم، وبكل ما أوصاهم به. وبالتالي، لن يكونوا يتامى، طالما الروح القدس حال بداخلهم ومعهم.
ع20:
"في ذلك اليوم": تحتمل معنيين: إما بعد إعلان قيامته، أو يوم حلول الروح القدس. وكلمة "تعلمون"، تأتي هنا بمعنى تتأكدون دون أي شك. فالبرغم من كثرة الإعلانات السابقة عن وحدانيته مع الآب، إلا أن الكلام كان مبهما وغير مفهوم. ولكن، سيأتي يوم التأكد التام واستكمال المعرفة الناقصة، إما بأحاديثه معهم خلال الـ40 يوما، بعد قيامته من بين الأموات، أو من خلال الروح القدس الذي يعلمهم أسرار لا ينطق بها.
ع21: تزيد الآية هنا عما جاء في (ع15) بأن هناك مكافأة إلهية، تتعلق وتتمتع بها قلوب أبناء الله المحبة له والعاملة بوصاياه، وهي إعلان الله لذاته في حياتهم، حتى أنهم يتمتعون بوجوده وصداقته أكثر من غيرهم؛ فالله يحب البشر جميعا بدعوته لهم، أما من يعمل بوصاياه فله شأن آخر، إذ يرى الله كل يوم في حياته.
"يهوذا": هو تداوس أخو يعقوب بن حلفى، وكاتب رسالة يهوذا.لم يفهم قصد الرب هنا، إذ ظن أن المسيح سوف يُظهر نفسه للتلاميذ فقط، دون أن يراه الآخرون. وهذا ما جعله يسأل متعجبًا... فأجابه المسيح ثانية بما سبق وقاله في ارتباط حبنا لله بعملنا بوصاياه، وأضاف وأوضح بالأكثر مجازاة ذلك، في أنه وأبوه سوف يكون لهما الحضور، والسكنى الدائمة بالروح القدس في قلوب أبنائه العاملين بوصاياه، وهي عطية تفوق كل العطايا التي يتمناها الإنسان الروحي، فهي ليست استضافة لزيارة وقتية، بل هي إقامة وصحبة وصداقة ووجود دائم.
† ألا يشجعنا هذا يا صديقى أن نترك أعذارنا وكسلنا جانبا، ونجتهد في الخروج بوصية المسيح إلى مجال التنفيذ والجهاد فيها، حتى نتمتع برؤية يد الله تعمل في حياتنا بقوة ملموسة ومدرَكة.
وينسب المسيح الكلام الذي قاله للآب، ليوضح السلطان الإلهي في هذا الكلام، ويؤكد أيضًا أنه الابن الوحيد الذي خَبَّرَ (ص 1: 18).
ع25: أي كأنه يُودِعُ كلامه أمانة في قلوبهم قبل انتقاله من العالم.
ع26: العودة هنا لما بدأ وتكلم عنه السيد المسيح عن الروح القدس في (ع16)، ويوضح دوره مع التلاميذ والكنيسة في كل أجيالها... فهو يعلمنا ويرشدنا لطريق خلاصنا، وهو الذي يذكّرنا دائما ويُحْضِرُ لأذهاننا كل كلام وتعاليم المسيح الرب، بل ويحثنا أيضًا على تنفيذها والحياة بها وسط العالم، ويعطينا القوة اللازمة لذلك.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
27 «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ. 28 سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ، لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي. 29 وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ. 30 لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. 31 وَلكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ، وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا.
ع27:
إن كان الحديث هنا موجها للتلاميذ، إلا أنه يتجاوزهم للكنيسة كلها في كل زمان ومكان، فميراث الآباء لأبنائهم قد يكون مالا أو جاها، أما ميراث المسيح وعطيته، فهو سلام يفوق العقل ولا يفهمه العالم، فالعالم كله لا يستطيع أن يعطى بعضا من هذا السلام، ومنْح المسيح هذا السلام كهبة منه، هو إشارة واضحة للاهوته كما تنبأ عنه إشعياء: "ويدعى اسمه عجيبا، مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا رئيس السلام" (إش 9: 6).والنتيجة الطبيعية لهذا السلام، هي ثبات القلب وعدم خوفه مهما كانت الأهوال. ولعل أزهى برهان على ذلك، هو حالة آبائنا الشهداء في وقت عذاباتهم، فقد كان سلامهم وهدوءهم محيرا وغير مفهوم للذين كانوا يعذبونهم.
ع28: "لو كنتم تحبوننى...": أي المحبة الروحية وليست العاطفية، فالعاطفة تحزن للفراق، ولكن المحبة الروحية تتعداها، لأنها تفهم وتعى نتائج ما يحدث بعد فراق المسيح للتلاميذ بالجسد، مثل: إعداد المكان (ع2)، إرسال الروح القدس (ع16)، المتعة الدائمة مع الآب والابن سواء في الأرض (ع23) أو السماء بعد ذلك (ع3). ولعلنا نشعر بهذا أيضًا ونفهمه في حياتنا عند انتقال أحد أحبائنا القديسين إلى السماء، فنحن نفتقده بالعاطفة الإنسانية، ولكن بالروح نفرح، إذ صار لنا شفيعا يطلب عنا أمام عرش النعمة، إلى أن نلقاه نحن هناك أيضًا.
"أبى أعظم منى...": ليس في الطبيعة، لأنهما متساويان في الجوهر. ولكنه يتكلم عن مجد لاهوته المُخْفَى خلال رحلة الألم والصلب، بينما مجد الآب لا يُخْفَى، فصورة الابن المنظورة، خلال الأيام القادمة، خالية من كل عظمة بمفهوم البشر. وهنا، يقول القديس بولس عن المسيح: "أخلى نفسه آخذا صورة عبد" (في 2: 7)، أي ترك إظهار مجده اللاهوتي، لكي يفدى البشر بجسده. ولما كانت هذه الآية من الآيات التي استخدمها الكثير من الهراطقة (المنشقين وأصحاب البدع) للإقلال من شأن مساواة الابن بالآب، فإليك أيها الحبيب ما قاله أيضًا المسيح في نفس الإنجيل، وفي هذا الشأن:
(1) "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (ص 5: 17).
(2) "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (ص 5: 23).
(3) "أنا والآب واحد" (ص 10: 30).
(4) "الذي رآني، فقد رأى الآب" (ع9).
(5) "أنا في الآب والآب فىّ" (ع10).
(6) "كل ما هو لى فهو لك، وما هو لك فهو لى" (ص 17: 10).
(7) "أنت أيها الآب فىّ وأنا فيك" (ص17: 21).
ع29: أي كل ما يتعلق بالآلام ورحلة الصليب والأوقات الصعبة، فمتى أتت إذن تتذكرون أننى تنبأت لكم بكل هذا، فلا يخور إيمانكم بل يثبت ويزداد.
† أيها الحبيب، ما أحوجنا أن نتذكر وعود وأقوال السيد المسيح عن تعزياته، وعنايته بنا في الأوقات الصعبة. فبقدر إيماننا وتمسكنا بوجوده، بقدر ما ننال من ثبات وسلام وسط الضيقات.
ع30: "لا أتكلم أيضًا معكم كثيرًا": أي لم يتبق للتلاميذ مع المسيح سوى ساعات قليلة، وقد مضى زمن الكلام والتعليم، ولم يبق سوى زمن الفداء والصليب.
"رئيس هذا العالم": أي أنها الحرب الأخيرة المزمع أن يقوم بها الشيطان... من تهييج الكهنة والشعب، وإتمام خيانة يهوذا، وكل المحاكمات والمؤامرات المصاحبة، وهذا ما أعلنه المسيح في (لو 22: 53) "هذه ساعتكم وسلطان الظلمة".
"ليس له فىّ شيء": أي أن الشيطان، بكل قوته، ليس له سلطان أمام بر وعظمة وسلطان المسيح.
† وأيضا يا أحبائى... نفس هذا السلطان أعطى لأبناء الله، فالشيطان يجيد المؤامرات ويسبب الكثير من الحروب الخارجية، ولكنه لا يستطيع الانتصار على أحد من أبناء الله، الذين لهم وحدهم السلطان أن يسحقوه، إن لم يستسلموا لأهوائهم ورغبات العالم الشريرة من حولهم.
ع31:
ترتبط هذه الآية بما قبلها، أي أنه بالرغم من أن رئيس هذا العالم ليس له فىّ شيء، ولكن، لأننى أحب الآب، فإننى أبذل نفسي كإرادته لخلاص العالم.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 15 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 13 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-14.html
تقصير الرابط:
tak.la/kywg7r2