* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54
الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ
(1) زيارة السامرة (ع 1-6)
(2) اللقاء بالمرأة السامرية (ع 7-15)
(3) المسيح يعلن عن ذاته للمرأة السامرية (ع 16-26)
(4) السامرية تبشر بالمسيح (ع 27-30)
(5) أهمية الخدمة (ع 31-38)
(6) إيمان أهل السامرة (ع 39-42)
(7) بداية خدمة المسيح في الجليل (ع 43-54)
1 فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تَلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا، 2 مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تَلاَمِيذُهُ، 3 تَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ وَمَضَى أَيْضًا إِلَى الْجَلِيلِ. 4 وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ. 5 فَأَتَى إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ يُقَالُ لَهَا سُوخَارُ، بِقُرْبِ الضَّيْعَةِ الَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ابْنِهِ. 6 وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ، وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ.
السامرة:
انقسمت مملكة اليهود منذ أيام "رحبعام" بن سليمان إلى جزئين؛ شمالى: ويسمى إسرائيل أو السامرة، وجنوبى: ويسمى يهوذا أو اليهودية. وتقع السامرة شمالَىْ أراضي اليهودية وجنوبَىْ الجليل، في مساحة ليست بقليلة (47 ميلا طولا و40 ميلا عرضا). وكانت العداوة بين اليهود والسامريين شديدة جدا، لأن يربعام، الذي قسّم المملكة وملك على إسرائيل (القسم الشمالى)، خاف أن يذهب الشعب إلى أورشليم، التي تقع في المملكة الثانية (الجنوبية)، ولذا أقام تماثيل في مدينتين من مدن مملكة إسرائيل ليقدموا الذبائح لها، وبهذا جعل شعبه يعبد الأوثان، فاحتقر يهود المملكة الجنوبية اليهود الساكنين في المملكة الشمالية وقاطعوهم، وبالمثل فعل يهود المملكة الشمالية. وكان كثير من اليهود يتعرضون للقتل عند ذهابهم إلى جليل الأمم مرورا بأراضي السامرة.
تمهيد:
تعتبر الأعداد (1-6) مقدمة للأصحاح كله والذي يتحدث عن لقاء السيد المسيح مع المرأة السامرية... فيهتم القديس يوحنا بأن يوضح لنا ظروف وملابسات هذا اللقاء الهام جدًا كما سنرى.
ع1-4: يوضح لنا أن سبب ترك الرب لأراضي اليهودية، هي المشاكل والمقارنات التي بدأ الفرّيسيّون في إثارتها بين معمودية وأتباع يوحنا من جهة، ومعمودية وتلاميذ المسيح من جهة أخرى (يو 3).
† ويعلمنا السيد المسيح هنا درسًا روحيًا، أن المناقشات التي لا طائل منها ينبغي على الإنسان أن يتجنبها، بل ويهرب منها، لئلا يضيع وقته وجهده، ويفقد سلامه بلا فائدة...
"لا بُد له أن يجتاز السامرة": تحمل هذه العبارة معنيين، الأول بسيط: وهو المعنى الجغرافى أن السامرة في طريقه إلى الجليل. أما المعنى الأعمق فهو روحي: أي "تعب" الله في خلاص المرأة السامرية، فلهذا كان لا بُد أن يجتاز السامرة حتى يتقابل معها ويحدثها.
† ما أعجب تدبيرك يا رب من أجل خلاص نفسى!
"تعب من السفر": وقف كل آباء الكنيسة المفسرين عند هذه الآية وقفات تأملية، فها هو الإله أخذ جسدنا وعاش حياتنا، وتعب من أجلنا لكي يقدم لنا الخلاص... اختبر الألم والتعب كإنسان، حتى لا يكون لنا عذر في ألا نتعب نحن أيضًا في خدمة الآخرين، فالمسافة التي قطعها منذ تحركه من اليهودية حتى هذه البلدة 40 ميلًا (الميل = 35,1609 مترا)، أي حوالي 64 كيلومترًا، محتملًا مشقة السير في الحر من أجل خلاص نفس واحدة!
ومن المقابلات الرائعة بين ما تشير إليه هذه القصة وببين أحداث الصليب، هو ما نراه من العطش والتعب والساعة السادسة، والهدف هو الخلاص، سواء للسامرية أو للعالم أجمع، وفي كلتا القصتين تركه التلاميذ وحده (ع8).
فيا تَرَى، هل هي مصادفة، أم إشارة نبوية واضحة، كمقدمة لأحداث الصليب؟ ولا نغفل أيضًا أن الساعة السادسة هنا تشير إلى حال المرأة السامرية، إذ أنها، بسبب خطيئتها وسوء سمعتها، خرجت لتستقى في وقت يندر فيه وجود غيرها من النساء معها، حتى تتجنب تعييراتهن ونظراتهن إليها... أما المسيح فيحبها ويسعى إليها!
7 فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَعْطِينِي لأَشْرَبَ» 8 لأَنَّ تَلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَامًا. 9 فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ. 10 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا». 11 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟ 12 أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟» 13 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. 14 وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». 15 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ».
إذ كان في ترتيب الله السابق ومعرفته لقاؤه بالمرأة السامرية، فقد أرسل تلاميذه كلهم ليبتاعوا طعاما، حتى يتسنى له لقاء المرأة السامرية منفردا، ليعلّمنا أنه، بجانب خدمة التعليم والوعظ للجموع، فالاهتمام بالعمل الفردى والنفس الواحدة لا يقل في الأهمية عن العمل الجماهيرى، وحتى لا يخجلها عند اعترافها بخطاياها، كما يحدث الآن في سر الاعتراف.
طلب المسيح من السامرية ماء ليشرب رغم أنه "ينبوع المياه الحية" (إر 2: 13، 17: 13)، وهو "ينبوع ماء الحياة" (رؤ 21: 6)، وكان جالسا عند البئر كأنه محتاج للماء؛ كل هذا ليدخل بالاتضاع إلى قلبها.
† الاتضاع يسهّل لك كسب قلوب الآخرينٍ وتوصيل كلمة الله لهم.
أما إجابة المرأة السامرية فتذكرنا بحديث السيد مع نيقوديموس (ص 3)، فالإنسان يتحدث عن الماديات الملموسة، والمسيح يتحدث عن بعد روحي أعمق... فما قالته المرأة السامرية كان محصورا في العداوة القائمة بين اليهود والسامريين، وكان رفضها بأسلوب استنكارى لتخفى أو تتناسى خطيتها.
"لو كنت تعلمين عطية الله": يخاطب المسيح هنا السامرية وكل نفس، فهو الذي يريد، ويبدأ الحديث معها في حوار.
† ونحن للأسف لا ندرك أبعاد هذه العطية العظيمة، وإلا ما كان هذا حالنا. فنحن لا زلنا نبحث عن ماء العالم ومادياته وشهواته، بالرغم من إدراكنا بأنه لا شبع ولا ارتواء منه، متناسين مصدر الغنى الحقيقي الذي يسد كل عطش واحتياج مادي ونفسى وروحي، إنه الله الحقيقي الذي يريد أن يعطيك كل شيء... ومن يقبل عطية الله يرتفع فوق كل العالم، ولن يعطش إلى الأبد.
إن عطية الله لا تجعل الإنسان مكتفيا به فقط، بل يصير نبعا يروى احتياجات الآخرين، كقناة تحمل تيار ماء نهر عظيم، فترتوى هي أولا، ويستقى منها كل عطشان... وهذا هو مصدر غنى الإنسان الروحي الذي رأيناه في كل القديسين الأوّلين والمعاصرين... والأعجب أن هذا التيار الإلهي الذي يعطيه الله -وهو سكنى الروح القدس في الإنسان- لا يفارقه أبدًا حتى الحياة الأبدية.
أما المرأة السامرية، فما زالت لا تستوعب حديث السيد، فتارة تتعجب من أين له هذا الماء وهو لا يملك دلوا (ع11)، وتارة أخرى تريد هذا الماء بصورته المادية، حتى لا تعود وتأتى لهذا البئر متحملة عناء الطريق، بل وصلت بها الحال إلى أن تستهزئ به، لأنه ليس بالطبع أفضل من يعقوب وبنيه الذين شربوا منها، فكيف يحصل على ماء أفضل من هذه البئر؟!
ع15:
وهي بهذا تعود بنا مرة أخرى إلى ما بدأنا به، وهو طبيعة الإنسان البشرى الذي لا يدرك عطية الله بسكنى وفيض الروح القدس.
16 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا» 17 أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالتْ: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، 18 لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ». 19 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! 20 آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ». 21 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. 22 أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. 23 وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. 24 اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». 25 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». 26 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».
† أيها العزيز... في الحديث في السابق نرى لمحة لعلنا نتعلمها من شخص إلهنا الحبيب، وهي رقته العجيبة في اقتحام هذه النفس الخاطئة، فهو العالم بحالها وخطيئتها، ولكن انظر إليه وهو يمدحها مرتين، مرة قبل أن يعلن معرفته بخطيتها، ومرة أخرى بعد أن أعلن هذه المعرفة، فيبدأ كلامه بعبارة: "حسنا قلت"، وينهى كلامه بعبارة: "هذا قلت بالصدق". ومع هذه الرقة، لم يتهاون في إعلان الحق حتى تتوب هذه المرأة عن خطيتها... ليتنا نتعلم جميعا هذا الأسلوب، فالله لم يدنها وهو الديّان، بل كشف عن الخطأ من أجل توبتها وليس هلاكها.
فهل نتعامل مع الخطاة بهذه الرقة، مع الفارق أننا خطاة وتحت الحكم؟ فلنأخذ هذا التدريب لحياتنا: أن نمدح شعاع النور الباهت في كل إنسان قبل توجيهه.
عندما أدركت السامرية أن الرب ليس شخصًا عاديًّا -نبيًّا- تحول حديثها لوجهة أخرى، إذ شغلها الخلاف الدينى بين اليهود والسامريين، وادعاء كل طرف صحة إيمانه، وكأنها، بعد إدراكها لشخصه المميز، نست قصة المياه والبئر واهتمت بخلاص نفسها. ولما وجد الرب أن المرأة صارت مهيأة، بدأ يحدثها عن السجود الحقيقي ومفهومه الذي لا يرتبط بالمكان بل بالطريقة، فالله لا يقبل سجود الجسد دون الروح.
"بالروح والحق ينبغي أن يسجدوا": تعني السجود بالانسحاق والإحساس بحضرة الله. أما السجود الجسدي والعددى فقط لا يقبله الله، بل ينخدع به الإنسان في ممارساته الروحية. وبالرغم من هذا الإفصاح الروحي عن السجود لله في كل مكان، لم يغفل السيد أن يوضح أن الإيمان اليهودي في جوهره هو الإيمان السليم وليس إيمان السامريين، وأن الخلاص المنتظر مصدره اليهود (ع22).
"تأتي ساعة، وهي الآن": إشارة واضحة إلى ظهور المسيا المنتظر، وانتهاء العبادتين اليهودية والسامرية، والانتقال للسجود الروحي الحقيقي.
يلاحظ أيضًا أن السيد المسيح صحح شكل وأسلوب السجود دون أن يلغيه، فالسجود واجب لله، فهو تقدمة حب واحترام وانسحاق وشعور قلبى يعكس إحساس الإنسان بالوجود في حضرة الله الحقيقية. والكنيسة تعلم أبناءها السجود، سواء في العبادات الجماهيرية كالقداس الإلهي، أو على المستوى الشخصى والفردى للإنسان في صلواته اليومية.
ع25-26: استمرت المرأة في حديثها الروحي، وأشارت إلى المسيح الآتي والعالِم بكل الأمور. وإذ وصلت إلى هذه المرحلة التي تحمل فيها رجاءها بانتظار المخلّص -رجاء اليهود والسامريين- أجابها المسيح معلنا عن ذاته، وكاشفا عن نفسه: "أنا... هو".
† إن شخص المسيح هو الوحيد الذي يستطيع أن يذيب الفوارق والنزاعات والعداوة، ويصير فيه الجميع واحدا... فكثير من المشاكل والخلافات، وخاصة الزوجية، لا نجد لها حلا لإصرار الطرفين على إبعاد المسيح عن حياتهما. أما إذا دخل، فلن تكون هناك سامرة أو يهودية، بل اتضاع وانسحاق وإحساس بحضرة الرب وطاعة وصيته... ليتك أيها الرب الحبيب تكون داخل كل بيت.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
27 وَعِنْدَ ذلِكَ جَاءَ تَلاَمِيذُهُ، وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَلكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: «مَاذَا تَطْلُبُ؟» أَوْ «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا؟» 28 فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: 29 «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟» 30 فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ.
ع27: لماذا تعجب التلاميذ؟ لأن التعليم اليهودي كان يمنع أن يتحدث الرجل مع امرأة في مكان عام، حتى ولو كانت زوجته، ولم يفهموا اهتمام المسيح بالتبشير والخلاص.
"لم يقل أحد": دلالة واضحة على احترام التلاميذ لمعلمهم، وهي من الآداب المسيحية التي ذكرها السيد: "ليس التلميذ أفضل من المعلم" (مت 10: 24)؛ "ليس التلميذ أفضل من معلمه، بل كل من صار كاملا يكون مثل معلمه" (لو 6: 40).
† وهذه الروح تسلمتها كنيستنا فيما يسمى بحياة التلمذة... وهي تتطلب اتضاعا قلبيا حقيقيا أمام معلمي الكنيسة من كهنة وخدام...
آمنت السامرية، وعبّرت عن إيمانها إيجابيا بالانطلاق إلى قريتها لتكرز به، وكلمة "ألعل" هنا لا تحمل شكا في إيمانها، بل تحفيزا للناس أن يخرجوا ويتأكدوا بأنفسهم.
"تركت المرأة جرتها": لها معنى روحي جميل، وهو أن النفس التي تحب المسيح لا تملك إلا إبلاغ الآخرين عنه، حتى لو تركت اهتماماتها المختلفة التي تعيق مسيرتها عن خدمة الله، مثل محبة المال والمنصب...
31 وَفِي أَثْنَاءِ ذلِكَ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، كُلْ» 32 فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ». 33 فَقَالَ التَّلاَمِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَلَعَلَّ أَحَدًا أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟» 34 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ. 35 أَمَا تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. 36 وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا. 37 لأَنَّهُ فِي هذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِدًا يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ. 38 أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ».
حوار حول الطعام، أخذ فيه التلاميذ موقف المرأة السامرية السابق، فالسيد المسيح يتكلم عن طعام روحي "لستم تعرفونه"، أما هم، فاعتقدوا أنه أكل بصورة ما... وهذا ليس معناه أن المسيح لم يكن محتاجا لطعام وهو إنسان كامل مثلنا، بل هو اختلاف في الأولويات، فالجوع والعطش لخلاص النفس البشرية له الأولوية.
ع34-35: بالرغم من الإعياء بعد طول السفر، واحتياجه الجسدي للماء والطعام، إلا أن إتمام مشيئة أبيه في دعوة الإنسان للخلاص، وإكمال عمله بالفداء على عود الصليب، اعتبره السيد المسيح هو طعامه الحقيقي، بل هو شهوة قلبه، مقدما دليلا جديدا على حبه واشتياقه لخلاص النفس البشرية.
ثم انتقل المسيح إلى مشهد حقيقي عندما قال: "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول"... فبالرغم من أن موسم الحصاد بعد أربعة أشهر، فهناك حصاد من نوع آخر، إذ خرج كل أهالى السامرة من قرية سوخار بملابسهم البيضاء في جماعات كبيرة بعد بشارة المرأة، فامتلأت الحقول بهم، فاعتبرهم السيد المسيح حصادا روحيا جاهزا للحصاد بمنجل الإيمان.
الله ليس بظالم حتى ينسى تعب إنسان، فكل من يجمع نفوسا لملكوت الله، يأخذ أجرًا أرضيًّا وسمائيًّا بالفرح، ومشاركة كل من سبقوه. والمسيح، في أمانته، يذكر تعب كل من سبق في إعداد هذا الزرع للحصاد، وإن كان هو الزارع الحقيقي المنمى لكلمته.
إلا أنه يشير هنا إلى أنبياء العهد القديم في تعبهم وإعدادهم للشعب طوال أربعة آلاف عام، وهو درس للتلاميذ أيضا، يحفظ لهم اتضاعهم في أن ما سوف يجنوه من ثمر في الكرازة، هو نتيجة لتعب آخرين، والحق يقال هنا أنه في حقل الخدمة، لا يمكن الفصل بين الزارع والحاصد، فمن يحصد الآن لتعب من سبقه في الزرع، هو أيضا يزرع لحاصد آخر بعده، وهذا ما قصده السيد في (ع37) مستخدما أحد الأمثلة اليهودية المعروفة، أنه ليس بالضرورة للخادم أن يرى ثمار خدمته، فالمسيح نفسه، بالرغم من كمال تعبه وفدائه، إلا أن ثمار المسيحية أتت بعد صعوده إلى السماء.
† أيها الحبيب... ألا يغريك هذا على أن تشترك في هذه الأفراح... أفراح تعب الخدمة... أفراح الحصاد... أفراح دعوة الآخرين لملكوت الله، فتكون زارعا وحاصدا لك أجرة سمائية؟ طوباك إن فعلت.
39 فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كَلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». 40 فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. 41 فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدًّا بِسَبَبِ كَلاَمِهِ. 42 وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ».
توضح هذه الأعداد كيف آمن السامريون كنموذج لكل من يؤمن. فأولا يحتاج الإنسان لمن يحدثه ويشهد له عن المسيح، وهو عمل الخادم الذي تمثله المرأة السامرية، ثم يكون الاتصال المباشر بين الإنسان والمسيح في كنيسته، فيأخذ بنفسه وينمو إيمانه، ليس من خلال شهادة الآخرين أو اختباراتهم، بل من خلال حياته وخبراته السرية وممارساته الروحية والسرائرية (الكنيسة).
يلاحظ هنا أن المسيح لم يرفض دعوة السامريين في أن يمكث عندهم، مهما كان سوء حالهم الروحي أو انحراف عبادتهم، وبالتالي، فهو لا يرفض بالأولى دعوة أي ابن من أبنائه، إذ ينتظر على الباب قارعا...
† فهيا أيها الحبيب... قم وافتح فلبك لكلامه، وفمك لجسده ودمه، وسيأتي ويمكث ولن يتركك ما لم تتركه أنت.
ونرى أن الإيمان نشأ وقوى خلال يومين فقط، فعمق الإيمان لا يحتاج مدة، بل رغبة وجهاد.
43 وَبَعْدَ الْيَوْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى الْجَلِيلِ، 44 لأَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ شَهِدَ أَنْ: «لَيْسَ لِنَبِيٍّ كَرَامَةٌ فِي وَطَنِهِ». 45 فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْجَلِيلِ قَبِلَهُ الْجَلِيلِيُّونَ، إِذْ كَانُوا قَدْ عَايَنُوا كُلَّ مَا فَعَلَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْعِيدِ، لأَنَّهُمْ هُمْ أَيْضًا جَاءُوا إِلَى الْعِيدِ. 46 فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضًا إِلَى قَانَا الْجَلِيلِ، حَيْثُ صَنَعَ الْمَاءَ خَمْرًا. وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ابْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ. 47 هذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ، انْطَلَقَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ابْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ. 48 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ» 49 قَالَ لَهُ خَادِمُ الْمَلِكِ: «يَا سَيِّدُ، انْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي». 50 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ». فَآمَنَ الرَّجُلُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ. 51 وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ اسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ». 52 فَاسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى، فَقَالُوا لَهُ: «أَمْسِ فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ الْحُمَّى». 53 فَفَهِمَ الأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ: «إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ». فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ. 54 هذِهِ أَيْضًا آيَةٌ ثَانِيَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ لَمَّا جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ.
في استكماله الرحلة إلى الجليل -بعد توقفه في السامرة- لم يمكث الرب في الناصرة، مكان نشأته الأولى، التي لم تؤمن به ولم تقبل كرازته. ولأن هذا التصرف من الرب قد يثير التساؤل، أشار القديس يوحنا لسبب عدم دخول المسيح إليها بقوله نفسه عنها: "أنْ ليس لنبى كرامة في وطنه". أما الجليليون، فقد قبلوا المسيح ورحبوا به، إذ قد رأوه أثناء زيارتهم لأورشليم وقت العيد، وتناقلوا الأحاديث عنه...
ع46-49: "خادم للملك": الملك هنا هو هيرودس أنتيباس، وهو الحاكم المسئول عن هذه المنطقة (الجليل)، وكان اليهود يدعونه ملكًا. والمسافة التي قطعها هذا الخادم من كَفْرَنَاحُومَ حتى الجليل حوالي 25 كيلومترا، وهذا يوضح شدة تعلقه بشفاء ابنه وطَرْقِ كل الأبواب الممكنة...
† أما إجابة السيد المسيح (ع48) فتستحق منا التفكير والتأمل، فهو يوجه فكرنا إلى الإيمان الحقيقي الذي لا يتطلب معجزات لإثباته، إذ هو راسخ وأعمق من عمل المعجزات أو العجائب، ولا يحتاج لأدلة مادية لبرهنته.
ع50: ومع هذا، لم يخيّب المسيح رجاء الرجل، فهو القائل: "من يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجًا" (ص 6: 37)، فجاءت إجابته تحمل كل السلطان الإلهي في الشفاء، وحتى الإقامة من الموت، وأمن الرجل بقوة كلمة المسيح، ولم يصر على اصطحابه إلى كَفْرَنَاحُومَ.
ع51-54: يعلن هنا أتمام المعجزة، وإبراز أن ساعة شفاء الابن تقابل ساعة حديث الرجل مع المسيح.
"آية ثانية": إشارة إلى أن الآية الأولى كانت في عُرس قانا الجليل.
† لعلنا أيها القارئ العزيز نجد أن الإيمان هو محور المعجزة السابقة، فإيمان الرجل ورجاؤه هما اللذان دفعاه أولًا إلى السير 25 كيلومترًا لمقابلة المسيح، وطلبه من السيد شفاء ابنه، واثقا في قدرته على ذلك، فحصل على شفاء غلامه.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 5 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-04.html
تقصير الرابط:
tak.la/6vh8yt6