* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
الأَصْحَاحُ العِشْرُونَ
زيارة القبر الفارغ | ظهورات المسيح بعد قيامته
(1) زيارة المجدلية وبطرس ويوحنا للقبر الفارغ (ع 1-10)
(2) ظهور السيد المسيح للمجدلية (ع 11-18)
(3) الظهور الأول للتلاميذ (ع 19-25)
(4) الظهور الثاني للتلاميذ (ع 26-31)
1 وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ. 2 فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَإِلَى التِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!». 3 فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. 4 وَكَانَ الاثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلًا إِلَى الْقَبْرِ، 5 وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. 6 ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، 7 وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. 8 فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضًا التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي جَاءَ أَوَّلًا إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ، 9 لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الأَمْوَاتِ. 10 فَمَضَى التِّلْمِيذَانِ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِهِمَا.
ع1:
"أول الأسبوع": وهو الأحد، يوم إعلان النصرة وانكسار سلطان الموت، وقد صار يوم الرب بدلًا من السبت لكل المسيحيين منذ الكنيسة الأولى في العصر الرسولي."والظلام باقٍ": ما أروع حب المجدلية للرب، فمع أول خيوط الفجر، عند فتح أبواب أورشليم، خرجت من المدينة لتزور القبر، وكان الظلام ما زال يغطى الجهة الغربية تمامًا.. ولم تبالِ بأنها امرأة.. كان كل ما تمنته أن تلقى نظرة على القبر من الخارج، ولكنها عاينت القبر الفارغ، إذ أن الملاك كان قد دحرج الحجر كما ذُكِرَ في (مت 28: 2).
ع2-4: أسرعت في خروجها كأول مبشرة بالقيامة، وسبقتها لهفتها لبيت بطرس أولًا الأكبر والأكثر شهرة، ثم بيت يوحنا حيث تقيم العذراء مريم. وإذ لم تدرك بعد أبعاد القيامة، أبلغتهم، بحسب رؤيتها، أنهم أخذوا الرب إلى مكان مجهول. وظهرت أيضًا لهفة بطرس ويوحنا في جريهما نحو القبر، وسبق يوحنا لصغر سنه.
ع5-7: كان جسد الميت يُلَفُّ كله بأكفان، أما رأسه فكانت تغطى بمنديل أكبر يشملها كلها، وهو قطعة منفصلة. والغرض من ذكر هذه التفاصيل إثبات شيء واحد، وهو أن الجسد لم يسرق، وذلك لأن الذي يريد سرقة الجسد، لن يكون لديه الوقت لفك كل هذه الأكفان الملفوفة، بل سيأخذ الجسد كله ثم يتخلص من الأكفان بعيدا.
ولا يفوت القديس يوحنا ذكر بعض التفاصيل ليشركنا معه في المشهد، فانحناؤه يوضح انخفاض باب القبر، وعدم دخوله -بعد نظر الأكفان- يظهر رهبة الموقف. أما دخول بطرس، فيؤكد طبعه الجريء وإقدامه اللذين اعتدنا عليهما.
ع8: ثم جاءت شجاعة يوحنا بعد بطرس فدخل أيضا، وتحوّل التعجب إلى إيمان، وهو إيمان بما قالته لهما المجدلية وشكا فيه. إيمان يعجز أمامه العقل واللسان، إيمان بأن المسيح قام وخرج بذاته من هذا القبر المعتم.
ع9-10: كان موت المسيح صدمة للتلاميذ لأنهم لم يفهموا نبوات العهد القديم عن قيامته.. وينتهى هذا المشهد بعودة التلميذان إلى أورشليم حيث منزليهما.
11 أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ الْقَبْرِ خَارِجًا تَبْكِي. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ، 12 فَنَظَرَتْ مَلاَكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ جَالِسَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ، حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوْضُوعًا. 13 فَقَالاَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟» قَالَتْ لَهُمَا: «إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!» 14 وَلَمَّا قَالَتْ هذَا الْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ. 15 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟» فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ». 16 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي!» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ. 17 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ». 18 فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ التَّلاَمِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هذَا.
رجع التلميذان، ولكن حب مريم ربطها بالقبر فلم تستطع أن تتركه، بل انحنت، لانخفاض باب القبر، وأطلّت داخلا فنظرت ملاكين ظهرا في صورة الناس، وقد وصفهما كل من مرقس "شابًا" (مر 16: 5)، ولوقا "رجلان" (لو 24: 4)، ويوضح القديس يوحنا أيضًا وضع جلوسهما.
ع13-14: العجيب أن مريم لم تخف من وجود هذين الملاكين، واللذين لم يسبق وجودهما.
"لماذا تبكين؟": لم يَعْنِ هذا السؤال عدم معرفتهما سبب بكائها، بل استنكاره، إذ ينبغي الفرح لقيامة السيد من الأموات. وتأتى إجابتها لتعبر بالفعل عن عدم قناعتها، أو لِنَقُلْ عدم إدراكها لهذه القيامة، فهي لا زالت تعتقد أن الجسد أُخِذَ ولا تعلم مكانه.
ولما فرغت من إجابتها، "التفتت إلى الوراء، فنظرت يسوع واقفا". ولأنها في حيرة وحزن، لم تعلم من هو، لأنه كان بعيدا عن خيالها وتوقعاتها أن يكون هذا هو شخص الرب يسوع.
ع15: كان القبر منحوتا في جدار داخل بستان، ولذلك كان أسرع احتمال قفز إلى عقل المجدلية أن المتكلم، والمستيقظ في هذا الوقت المبكر من الصباح، لا بُد أن يكون البستانى. ولم تلتفت أو تدقق في هيئته أو صوته، لأن حدث القيامة لم يكن واردا في حسبانها. أما سؤال المسيح لها، فبالطبع لم يكن من باب الاستفسار، وهو العالم بأفكار القلوب، ولكن لتنبيهها وتقديم نفسه لها.
ع16: ناداها الرب باسمها، فكانت استجابتها كالحمل الذي يعرف صوت راعيه، وبدت وكأنها تفيق من حلم وغفلة، إلى يقظة القيامة غير مصدقة، فأجابت:
" رَبُّونِى"، أي يا معلم، وهو التعبير واللقب الذي كان ينادَى به المسيح. ولهذا، فهي تعلن لنا بهذه الإجابة معرفتها لشخص القائم من الأموات.
ع17: "لا تلمسينى": في (مت 28: 9)، نعلم أن مريم المجدلية ومريم الأخرى أمسكتا بقدميه، فلماذا قال السيد هنا لا تلمسينى؟
يذهب البعض في تفسيره لهذا الموقف أن مريم، في المرة الأولى، لمست المسيح بالفعل، ولكن عاودتها بعض الشكوك في القيامة، ولهذا منعها المسيح من لمسه، كنوع من التأديب الروحي على شكها في القيامة.
أما القديس ذهبي الفم، فيقول إن السيد أراد أن ينقل المجدلية من حال التعلق العاطفى بشخصه، إلى حقيقة القيامة ومجد لاهوته الجديد، وكأنه يتدرج بها في النضوج، فاطما إياها من مشاعرها الجسدية إلى مشاعر روحية أرقى.
وهناك رأيا ثالثا يذهب بأن ما قصده المسيح هو: لا تعيقينى ولا تبطئى من إعلان القيامة، فهناك عمل الإخبار للتلاميذ الذي عليك القيام به، ثم "أنى لم أصعد بعد إلى أبى"، أي لست صاعدا سريعا، بل سأبقى أربعين يوما، فليست هذه هي الفرصة الوحيدة التي سوف ترينى فيها.
"أبى وأبيكم": أبى خاصة وأبوكم عامة، أي أبى الأقنومى الذي أنا ابنه - الكلمة - وأبوكم، أي الأبوة العامة لله لكل أبنائه المؤمنين.
"إلهي وإلهكم": إلهي لأن الآب في مجده أعظم من الابن المتجسد على الأرض ومجده مخفى وإن كان الاثنان واحدا، أما إلهكم فلأنكم خلقته.
ع18: فأسرعت المجدلية لتخبر التلاميذ برؤيتها للمسيح القائم، وكل الحديث الذي دار بينهما، وأنه سيصعد إلى السماء بعد فترة يظهر فيها لهم.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
19 وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» 20 وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ. 21 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». 22 وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. 23 مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». 24 أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. 25 فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: «قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ!». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ».
ع19: في مساء أحد القيامة، يصور القديس يوحنا كيف كان حال التلاميذ العشرة (لاختفاء يهوذا وغياب توما) من خوف، وكيف كانت الأبواب مغلقة بإحكام من الداخل عليهم، ولكن في إثبات لعقيدة جسد القيامة الممجد والغير خاضع للقوانين المادية.
فوجئ التلاميذ بالسيد المسيح في وسطهم، ملقيا عليهم سلامه الإلهي لِيُطَمْئِنَ قلوبهم ويحررهم من الخوف الذي حبسوا أنفسهم داخله.
† هكذا نحن جميعا... لدينا أبواب مغلقة وأسوار مرتفعة من مخاوف أو قلق... وكلنا نطلب سلامك وإشراق نورك الإلهي علينا، حتى تطمئن قلوبنا ونطرح الخوف خارجا.
ع20: قدم المسيح برهان قيامة جسده، فهو إذن ليس روحا أو خيالا، ولكنه جسد قائم يحمل جراحات الصليب... ولهذا كان فرح التلاميذ عجيبا إذ رأوا الرب وتحققوا من قيامته... ولا يوجد شيء في الوجود يعادل الفرح برؤية الرب.
† والله أعطانا أن نراه بأعين الإيمان في حياتنا اليومية، وهي عطية حرم نفسه منها كل إنسان لا يعترف به، أو يحيا خارج كنيسته. وهذه العطية بمثابة عربون لمن يثبت في حبه لله، فنراه هناك في السماء فيكمل فرحنا به، فرح بلا هم ولا كآبة ولا تنهد ولا قلق كما تصلى الكنيسة في أوشية الراقدين.
ع21: كرر المسيح التحية بسلامه الممنوح لهم مرة ثانية ليزيد من إحساسهم بالطمأنينة، ثم انتقل إلى شيء آخر، وهو عمل التلاميذ المقبل. فكما أرسلنى الآب من أجل عمل الفداء الذي لا يقدمه آخر سواى، هكذا أرسلكم أنتم مبشرين وشهودا لهذا الفداء الذي تم.
ع22: "نفخ... الروح القدس":
قال السيد المسيح سابقًا عن الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمه. وهنا، يمنح التلاميذ هبة الروح القدس بالنفخة في وجوههم، لأن سلطانه هو سلطان الآب ذاته. ونشير هنا لشيئين:أن هذه النفخة كانت تأسيسا لسر الكهنوت في العهد الجديد.
أن هذه النفخة، في التقليد الرسولي، صارت مثل الخميرة التي استلمها الرسل من السيد المسيح وأودعوها داخل أسرار الكنيسة، فالكاهن أيضًا في سر المعمودية ينفخ في وجه المعمد قائلًا: "اقبل الروح القدس." وكذلك في سر الكهنوت ينفخ الأسقف في وجه القس ويردد ذات العبارة... ويستخدمها أيضًا الكثير من الكهنة في سر الاعتراف كنفخة لمغفرة الخطايا... وهكذا...
ع23: آية توضح، دون أي لبس أو شك، سلطان الروح القدس الكائن في سر الكهنوت، والذي منحه السيد المسيح في الآية السابقة لرسله، الذين أودعوه الكنيسة.
ونكتفى هنا بما أورده القديس كيرلس الكبير في شرحها: "إن المغفرة تليق بطبيعة الله وحده، ولكن الذين وهبهم روحه القدّوس أعطاهم أن يحوزوا قوة المغفرة، لأنه كيفما صنعوا، يكون الروح القدس الساكن فيهم -من خلال سر الكهنوت- هو الذي يغفر أو يُمسك الخطايا. على أن العمل يكون بواسطة الإنسان - الكاهن - وهذا السلطان مرجعه الروح القدس وليس قداسة الإنسان (راجع حادثة بطرس مع سَفِّيرة وحنّانيا، أع 5: 1-10)، وقول بطرس: "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟"(ع3)، ولم يقل: لتكذب علىّ؟ أما سر مغفرة الخطايا - التوبة الاعتراف - فهو الإقرار أمام الروح القدس، الذي يستخدم يد الكاهن، في نقل خطايا المعترف إلى حساب دم المسيح الكفارى. ويعلن أيضًا الروح القدس، من خلال الكاهن، مغفرة الله لهذه الخطية. ولهذا كان سر الاعتراف من أكثر الأسرار المفرحة والمعزية للإنسان، وخاصة التي يمارسها بفهم ووعى.
ع24-25: كان توما يمثل الشخصية العقلانية التي تعرقل الإيمان القلبى البسيط، حتى أنه رفض تصديق باقي الرسل الأطهار وشهادة نساء القيامة، وكان له أيضًا سابقة (راجع يو
14: 5)، بل أعلن، في تحد غير خفى، أنه لن يؤمن ما لم يرى ويحس جراحات الصليب ماديا. وذكر القديس يوحنا موقف توما الرسول هنا، لأنه يعتبره مقدمة لأحداث الظهور القادم للمسيح وسط تلاميذه.
26 وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلًا وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!». 27 ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». 28 أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: «رَبِّي وَإِلهِي!». 29 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا». 30 وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. 31 وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.
في الأحد التالي تكرر الظهور بنفس ملابساته، والاختلاف الوحيد هو وجود توما الغائب سابقا. وبعد أن ألقى السيد سلامه على التلاميذ، وَجَّهَ كلامه مباشرة إلى توما، وغاية كلمات المسيح كلها: "ولا تكن غير مؤمن، بل مؤمنا".
† وأسلوب المسيح مع توما يعطينا مثلًا لاتساع القلب واللطف وطول الأناة، حتى لمن شك واشترط على الله أن يستجيب لطلباته حتى يؤمن بقيامته، ليعلّمنا بذلك المعنى الحقيقي للاتضاع والتنازل والإشفاق على الناس في ضعفاتهم الروحية.
ويذهب البعض أيضًا أن كلام المسيح لم يخلو من العتاب الرقيق.
ع28:
"ربى وإلهي": جاءت إجابة توما "إعلانًا واعتذارًا"، إعلانًا إيمانيًّا قويًّا، واعتذارًا أيضًا لخجله من عتاب المسيح الرقيق لعدم إيمانه الصارخ، ولم يقل توما فقط: "ربي"، بل قال أيضًا: "وإلهي"، وهو تعبير قوى يعبّر به عن إدراكه لسر القيامة، وأنه أمام الإله المتجسد كاسر شوكة وسلطان الموت بلاهوته.
ع29: هنا يعاتب السيد المسيح بلطف أيضًا توما على شكه، فما كان جدير بتلميذ عاش مع المسيح أكثر من ثلاث سنوات رأى فيها المعجزات وسمع التعاليم، أن يكون موقفه هكذا مطالبا بالرؤية المادية للمسيح القائم. ولهذا، يعلن أيضًا السيد المسيح عن طوباوية، أي البركات، التي ينالها كل من يؤمن به في كل العصور دون أن يقف عقله عائقا أمام إيمانه.
ع30-31: يوضح القديس يوحنا هنا غاية كتابة إنجيله كله، وهو أنه لم يكن كتابا لحصر المعجزات والعجائب التي لن تسعها كل كتب العالم (يو 21: 25)، بل كان له غرض واحد فقط، هو الإيمان أن يسوع الإنسان هو المسيح الإله، وهو أقنوم الكلمة ابن الله الأزلي والمساوى. وكأن يوحنا، وهو يختم إنجيله، يذكّرنا بما سبق وأعلنه عن شخص السيد المسيح في أصحاحه الأول، أن الكلمة هو ابن الله، وأن الكلمة كان الله، ويعطى لكل القارئين خلاصة كل إنجيله والغرض منه، وهو أنه لا حياة ولا أبدية خارج اسم المسيح؛ فالذين قبلوه هم فقط الذين صاروا أبناء الله.
† إلهنا الحبيب، أعطنا أن يكون لنا هذا الإيمان الحي والعامل الذي هو سر غلبة العالم، كما قال القديس يوحنا في رسالته الأولى: "من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله؟" (يو 5: 5).
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 21 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 19 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-20.html
تقصير الرابط:
tak.la/rr8by9s