* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41
الأَصْحَاحُ التَّاسِعُ
(1) شفاء المولود أعمى (ع 1-7)
(2) اندهاش الجمع (ع 8-12)
(3) الفريسيون يحققون في واقعة الشفاء (ع13-23)
(4) المولود أعمى يشهد للمسيح (ع 24-34)
(5) الفرق بين العمى الجسدي والعمى الروحي (ع 35-41)
1 وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، 2 فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟». 3 أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ. 4 يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. 5 مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ». 6 قَالَ هذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى. 7 وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: مُرْسَلٌ، فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيرًا.
مقدمة:
أحداث الأصحاحين التاسع والعاشر تقع في الشتاء، أي بعد 3 أشهر من عيد المظال؛ فنحن الآن في عيد يهودي آخر -عيد التجديد- والمكان هو هيكل سليمان، في أحد الأروقة التي يتجمع فيها المسئولين.
ع1-2: "أعمى منذ ولادته": أي لم تكن له عينان أصلا. وهذا يجعل المعجزة القادمة لا تندرج تحت معجزات الشفاء، بل معجزات الخلق. أما السؤال الذي سأله التلاميذ للسيد المسيح، مستفسرين عن سبب عمى هذا الإنسان، فيعبر عن اعتقاد اليهود، وإيمانهم بما جاء في الشريعة، افتقاد الله لذنوب الآباء في الأبناء، أو أن المرض نتيجة مباشرة للخطية. ولكن الله يسمح أيضًا بالتجارب والأمراض لأبنائه الأبرار والقديسين، لإظهار فضائل مثل الشكر والاحتمال، ويسمح بأمراض أخرى لخطاة لغرض توبتهم ورجوعهم.
ع3-5: "لا هذا أخطأ ولا أبواه":
هذه الإجابة من السيد المسيح لتلاميذه، كانت لصرفهم عن البحث عن الأسباب، وإعدادهم لتقبل عمل الله الآتي. فالأعمى هنا يمثل مجالا لظهور، ليس فقط عملا محددا يقوم به - الله الكلمة - بل يكشف لنا عن صفات وتدبير الابن نحو خليقته كلها؛ فنجد صفة الحنو والحب الأبوي في الله المفتقد لخليقته الضعيفة، فالمسيح هو الذي ذهب للأعمى والسامرية والمشلول، ولم يأتوا هم إليه. كذلك صفة الخلق، وهي عمل يعلن فيه المسيح لاهوته وقدرته الذاتية على خلق عين من العدم، بكل ما تشمله من أنسجة وأعصاب وقدرة على الإبصار. وأخيرا، يعلن الابن أيضًا عن العلاقة بينه وبين الآب في الإرادة والعمل في (ع4). أما آخر الاغراض من هذه المعجزة، فهو إيمان كل من رآها بالمسيح، نظرا لصعوبتها."ما دام نهار": إشارة إلى حياته الجسدية على الأرض، والليل هو نهاية الحياة والموت.
† وهذه الرسالة موجهة لنا جميعا أيها الحبيب، فالمسيح يتحدث عنا كلنا، لأن النهار هو حياتى وحياتك. ونحن مدعوون لاستخدام هذا النهار، قبل أن تمضى حياتنا، في عمل الخير. فهو فرصة عظيمة لنا لأن نعمل فيها أعمال الله، لأنه يأتي الموت، ولا يوجد عندئذ نفع فينا بعد ضياع الفرصة، بل إن الندم على إهدار حياتنا في أشياء أخرى، كالملذات أو الانشغال بأمور العالم، لن يفيد شيئًا. فلنستغل إذن هذه الفرصة الثمينة في العمل الإيجابى، والخير، وخدمة الرب.
"أنا نور العالم": أي أن المسيح هو مصدر الإنارة الوحيدة لكل من يعيش في عمى وظلمة الخطية، وليس سواه نورا ومخلّصا. وقد سبق الحديث في (يو 8) عن المسيح بكونه نور العالم. أما التمتع بهذا النور، فمدخله الوحيد هو حياة التوبة، والعشرة مع المسيح في كنيسته.
"اذهب واغتسل": أي أن الشفاء يبدأ بالاغتسال، والاغتسال هو فعل التوبة. وفي إيماننا أن المعمودية هي اغتسال من الخطية "مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف 5: 26). ولهذا كانت المعمودية هي باب المسيحية، لأنها مدخل الخلاص..
كذلك التعامل مع الكتاب المقدس وكلام الله هو مصدر ثان للاغتسال الروحي وتنقية النفس.
والمصدر الثالث، هو التوبة وسر الاعتراف. فالتوبة والاعتراف، هما معمودية يومية، يغتسل فيها الإنسان من خطاياه، ويأخذ بهما عطية الشفاء وخلاص النفس. أما كلمة "اذهب"، وكلمتا "مضى واغتسل"، فهي إشارة واضحة للدور الإنساني؛ فهو أعمى. وكان أسهل على المسيح أن يشفيه دون أن يكبده عناء الطريق إلى البركة - وهو ما زال لا يبصر - والرجوع منها بصيرا. ولكن المسيح يريد أن يعلن، وإن كانت عطيتا الشفاء (المعمودية) والخلاص مجانيتين، إلا أن هناك دورا ومسئولية على الإنسان في الذهاب والعودة. وهذا ما نطلق عليه تعبير "الجهاد الروحي في الحياة مع الله". أما بركات الطاعة، والإيمان، ومعمودية الاغتسال، وجهاد الإنسان، فقد كللت بالإبصار والاستنارة.
† وهذا أيضًا متاح لكل إنسان فينا، لو قبل وعمل بمثل ما عمل هذا الإنسان، وأطاع المسيح، وتمسك بوسائط النعمة في كنيسته.
8 فَالْجِيرَانُ وَالَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَهُ قَبْلًا أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى، قَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟» 9 آخَرُونَ قَالُوا: «هذَا هُوَ». وَآخَرُونَ: «إِنَّهُ يُشْبِهُهُ». وَأَمَّا هُوَ فَقَالَ: «إِنِّي أَنَا هُوَ». 10 فَقَالُوا لَهُ: «كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟» 11 أَجَابَ ذَاكَ وقَالَ: «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِينًا وَطَلَى عَيْنَيَّ، وَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ». 12 فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» قَالَ: «لاَ أَعْلَمُ».
إذ فوجئ الجميع بشفاء المولود أعمى، أعلنوا عن دهشتهم، غير مصدقين أنه نفس الإنسان. ولهم الحق في تشككهم، فلم يُعرف على الإطلاق أن مولودا بلا عينين، تُخلق له عينان وهورجل بالغ. كما أنها إضافة تُغيّر من ملامح وجه الإنسان، فيتشكك، ولو قليلا، من يراه في تحديد هويته. ولولا شهادته القاطعة عن نفسه "إنى أنا هو"، لصار هناك كثير من الجدل، لصعوبة تصديق هذه المعجزة. وفي إجابته، شَرَحَ أيضًا خطوات الشفاء، ولقائه بالرب يسوع.
"يجلس ويستعطى":
† أخي الحبيب... أليس هذا هو حال كل إنسان جالس في ظلمة الخطية، يجلس ويستعطى، من أجل إشباع شهواته ولذاته دون شبع؟
أما من أضيئت نفسه بمعرفة المسيح المخلّص، ومعمودية التطهير، فهو يتحول إلى إنسان آخر، عاملا في كَرْمٍ المسيح، معطيا أكثر مما يأخذ، وتزداد يوما بعد يوم بصيرته الروحية، ويراه الناس، فيمجدوا إلهه، سر البهاء والضياء والنور لكل أولاده.
13 فَأَتَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ بِالَّذِي كَانَ قَبْلًا أَعْمَى. 14 وَكَانَ سَبْتٌ حِينَ صَنَعَ يَسُوعُ الطِّينَ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. 15 فَسَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضًا كَيْفَ أَبْصَرَ، فَقَالَ لَهُمْ: «وَضَعَ طِينًا عَلَى عَيْنَيَّ وَاغْتَسَلْتُ، فَأَنَا أُبْصِرُ». 16 فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: «هذَا الإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ اللهِ، لأَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ السَّبْتَ». آخَرُونَ قَالُوا: «كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هذِهِ الآيَاتِ؟» وَكَانَ بَيْنَهُمُ انْشِقَاقٌ. 17 قَالُوا أَيْضًا لِلأَعْمَى: «مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ!». 18 فَلَمْ يُصَدِّقِ الْيَهُودُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ حَتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذِي أَبْصَرَ. 19 فَسَأَلُوهُمَا قَائِلِينَ: «أَهذَا ابْنُكُمَا الَّذِي تَقُولاَنِ إِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى؟ فَكَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ؟» 20 أَجَابَهُمْ أَبَوَاهُ وَقَالاَ: «نَعْلَمُ أَنَّ هذَا ابْنُنَا، وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى. 21 وَأَمَّا كَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ فَلاَ نَعْلَمُ. أَوْ مَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَلاَ نَعْلَمُ. هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ». 22 قَالَ أَبَوَاهُ هذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ. 23 لِذلِكَ قَالَ أَبَوَاهُ: «إِنَّهُ كَامِلُ السِّنِّ، اسْأَلُوهُ».
ع13-15: اصطحب الجمع المولود أعمى للفريسيين، الذين هم في أعين اليهود أكثر الناس علمًا وتعليمًا للشريعة، باحثين عن تفسير لهذه الأعجوبة الفريدة. وذكر القديس يوحنا أن المعجزة حدثت يوم سبت، تمهيدا لما سيقوله الفريسيون في (ع16) من جهة، وتثبيت تعليم المسيح بأن السبت لا يبطل عمل الرحمة من جهة أخرى؛ وهو ما سبق المسيح وعمله وعلّم به في كل معجزات الشفاء السابقة.
"سأله الفريسيون أيضًا": تعني أن القصة سمعها الفريسيون من الجمع. ولكن، لمزيد من التحقيق والاستيضاح، سألوا صاحب الشأن نفسه، ودافعهم هو الغيرة والحقد على السيد المسيح، ومحاولة لإيجاد علة عليه، وليس للإيمان بالواقع والاعتراف به.
† وكثيرا أيها الحبيب ما تقودنا أحكامنا المسبقة على الناس إلى الحيدة عن الحق، بالرغم من وضوحه، بسبب ما تمتلئ به نفوسنا من مشاعر لا ترضى الله من نحوهم.
ع16: انقسم الفريسيون في رأيهم، فالأكثرية الراغبة في إدانة المسيح، أغمضت عينيها عن المعجزة وقوتها، ولم تر سوى أن المسيح كاسرا لوصية حفظ السبت. أما البعض القليل منهم، فلم يستطيعوا سوى إعلان رفضهم للرأى الأول؛ فهل من المعقول أن يقوم رجل خاطئ بما لا يستطيع عمله سوى الله؟
ولهذا، حدث الانشقاق، ولم يخرج مجمع الفريسيين برأى واحد.
ع17: ومع هذا الانشقاق، طرحوا سؤالا على الأعمى نفسه عن رأيه الشخصى فيما حدث، لعلهم يجدون علة في أقواله يتهموا بها المسيح بالسحر، أو ما يوقع في الشك بحدوث معجزة.
أما إجابة الأعمى، المعترف بالفضل لمن أدخل النور إلى حياته، فجاءت مخيّبة لكل آمالهم، إذ أعلن عن إيمانه بأنه نبي، مُظْهِرًا بذلك شجاعه وحبا للحق، فهو يشهد للمسيح أمام مجلس يعلم أن أغلبه ضد المسيح.
ع18-20: إذ جاءت شهادة الأعمى على غير هوى الفريسيين، استدعوا أبويه، كآخر أمل في إنكار هذه المعجزة، ووضعوا سؤالهم بصورة استنكارية، حتى يرفضوا قول ابنهم. أما إجابة أبويه، فكانت مختصرة وحاسمة، فأقرا بأن الرجل هو ابنهما، وإنه ولد أعمى.
ع21-23: ولكنهما في الوقت نفسه، أعلنا عدم معرفتهما بأحداث المعجزة، وهذا لسببين؛ الأول: أنهما لم يرياها بالفعل. والثانى: وهو الأوقع، ما يذكره القديس يوحنا أنهما كانا يخافان من أن يطردهما اليهود من المجمع، مما ينتج عنه حرمانهما من الحقوق الدينية وممارسة العبادة. وكانت عقوبة الخروج من المجمع، في أحيان كثيرة، مقدمة لعقوبة أخرى، هي القتل. ولهذا، أعاداه إلى الفريسين لاستكمال استجوابه، على أنه رجل مسئول عن إجابته.
"كامل السن": معناها أنه تجاوز الثلاثين من عمره.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
24 فَدَعَوْا ثَانِيَةً الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى، وَقَالُوا لَهُ: «أَعْطِ مَجْدًا للهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هذَا الإِنْسَانَ خَاطِئٌ». 25 فَأَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ». 26 فَقَالُوا لَهُ أَيْضًا: «مَاذَا صَنَعَ بِكَ؟ كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» 27 أَجَابَهُمْ: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضًا؟ أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تَلاَمِيذَ؟» 28 فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: «أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تَلاَمِيذُ مُوسَى. 29 نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللهُ، وَأَمَّا هذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ». 30 أَجَابَ الرَّجُلُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ فِي هذَا عَجَبًا! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. 31 وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ، فَلِهذَا يَسْمَعُ. 32 مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. 33 لَوْ لَمْ يَكُنْ هذَا مِنَ اللهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا». 34 أجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «فِي الْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ، وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا!» فَأَخْرَجُوهُ خَارِجًا.
كان إجراءً قانونيا ودينيا، يشبه نوع من الاستحلاف، يُلزم صاحبه بقول الحق. وهو تعبير مخيف في نفس كل يهودي، فكان عادة يسبق المحاكمات الدينية التي تنتهي بحرمان اليهودي من المجمع، أو تقديمه إلى الموت... راجع قصة "عخان بن كرمى" (يش 7: 19). إلا أن هذا الاستجواب كان غير محايد، وليس الغرض منه الاستماع للقصة لغرض الوصول للحقيقة، بل إدانة المسيح المسبقة والواضحة في كلامهم الإيحائى للرجل، عندما قالوا: "نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ".
أما إجابة الرجل، فجاءت صريحة وبسيطة: إننى لا أهتم بحكمكم على هذا الإنسان، فأنتم ترونه خاطئا، ولكنى أعيش واقعًا لا أستطيع أن أنكره، وهو أننى بالأمس كنت أحيا في الظلام، واليوم أنا في النور.
"كنت أعمى، والآن أبصر":
† ما أحلاها من كلمات رنانة، يُسمع صداها في النفس المتأملة. فكثيرا ما يفتح الله أعيننا وأذهاننا وقلوبنا على أخطاء كنا نفعلها، واعتدناها اعتياد الأعمى على الظلام. ولكن، بعد دخول النور الإلهي، واستنارة النفس بحب المسيح، لا يستطيع الإنسان قبول ظلام الخطية مرة أخرى. وبقدر نمو الإنسان في الحياة مع الله، واكتشاف أبعاد جديدة في الحب الإلهي، لا يسعه إلا ترديد: "كنت أعمى، والآن أبصر."
: مرة أخرى يعود الفريسيون لاستجواب جديد، لعلهم يجدوا ما ينقضوا به شهادته. ولكن الرجل استبد به الضيق من محاولة الضغط عليه، وإعادة شهادته مرارا، وعبّر عن هذا الضيق بشئ من السخرية اللاذعة، عندما قال لهم: لعل كثرة اسئلتكم الغرض منها الإيمان به، وأن تصيروا له تلاميذ؟! فجاءت إجابتهم مزيح من الخطية والغطرسة، فالخطية إنهم شتموه‘ أما الغطرسة، فهي فخرهم الباطل بأنهم تلاميذ موسى، واعتبار التلمذة للمسيح إهانة، نسبوها للرجل المولود أعمى.
: تعجب الرجل، وفي عجبه هذا سخرية جديدة، وكأنه يقول: كيف لا تعلمون، وأنتم تدعون إنكم أهل المعرفة، وخاصة أن الحدث والمعجزة فوق المقدرة الإنسانية، فإن موسى كلمه الله (ع29)، ولكنه لم يصنع مثل هذه الأعمال، أفلا يكون هذا أفضل من موسى موضع افتخاركم؟!
وقدم الرجل أيضًا دفاعًا جديدًا ضد مجلس الفريسين، وهو: هل الله يستجيب للخطاه؟! أم من يعمل هذه الأعمال، ويسمع له الله، هو إنسان بار وتقى، ويفعل مشيئة الله ويتممها في حياته.
ويقدم الرجل دليلا أخيرا يختم به حديثه، وهو إنه لم يُسمع في تاريخ الإنسانية كلها، منذ الخليقة، أن رجلا مولود أعمى، خُلقت له عينان. وبالتالي، فصانع هذه المعجزة ليس إنسانا بارا فحسب، بل هو من الله؛ وكأن هذه الشهادة قد وضعها الروح القدس على فمه.
ع34:
أما الشهادة بالحق، فكان جزاؤها الشتم والإخراج من أمام مجلس التحقيق، دون إدانة أكبر، حتى لا يثور الشعب المؤمن بالمعجزة.† ونتعلم من المولود أعمى أن الشهادة بالحق، يكون لها أحيانا ثمنا باهظا، ولا يقدر عليها إلا الإنسان المؤمن بقدرة الله ومساندة الروح القدس له، كسائر شهداء الكنيسة الذين لم يثنهم ألم ولا خوف عن إعلان الحق، حتى لو دفعوا حياتهم ثمنا لها.
35 فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجًا، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟» 36 أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟» 37 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ!». 38 فَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ!». وَسَجَدَ لَهُ. 39 فَقَالَ يَسُوعُ: «لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». 40 فَسَمِعَ هذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ: «أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيَانٌ؟» 41 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ.
ع35-38: من فهمنا لهذه الآيات، نجد أن المسيح، له المجد، هو الذي سعى نحو الرجل "فوجده". والرجل كان يحمل روح البشارة من جهة، وألم الطرد من جهة أخرى. لكن إدراكه لم يكن كاملا، فأقصى ما يصل إليه كإنسان، هو أن المسيح نبي. ولهذا، كان لا بُد أن يسعى إليه الرب، ليكمل إنارة قلبه، كما أنار عينيه.
والمسيح هنا يستخدم تعبيرا كالذى استخدمه قبلا، فكما قال: "أنا هو نور العالم"، "أنا هو خبز الحياة"، وهي تعبيرات تتميز بالإعلان عن لاهوته، يقول هنا: "هو هو"، وهو نفس الأسلوب الذي وصف به الله نفسه لموسى، عندما سأله موسى عن اسمه، فقال له الله: "أَهْيَهِ الذي أَهْيَهْ"، أي الكائن الذي يكون. وهذا الإعلان من جانب المسيح، ارتبط بسؤال مباشر للرجل: "أتؤمن بابن الله؟"، ولهذا جاءت إجابة الرجل، بعد استفسار، وإعلان المسيح عن نفسه: "أومن يا سيد"، وعبّر عن إيمانه بالمسيح بالسجود له. وهكذا انفتحت بصيرته الداخلية، ورأى الله بقلبه بعد أن رآه بعينيه.
ع39: "لدينونة أتيت":
معناها إننى أتيت لإعلان ما في قلوب الناس، ومن منهم يقبل الله ويستنير بمعرفته، أو يرفضه ويبقى في الظلام. فالفريسيون كانوا أكثر الناس معرفة بالناموس، ولكنهم لم يقبلوا إله الفداء والمواعيد الذي تكلم عنه ناموسهم. فجاء المسيح، النور الحقيقي، يكشف عماهم الروحي. أما البسطاء الذين لم تكن لهم معرفة الناموس والأنبياء، صاروا بالإيمان يتمتعون ببصيرة روحية أعلى شأنا من أي بصيرة أو معرفة جسدية. وهنا نتذكر ما جاء في (ص 3: 19) "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة."فهم الفريسيون مغزى كلام المسيح وتلميحه، فسألوه مباشرة: ألعلك تقول علينا نحن أيضًا (علماء الشريعة وفاحصيها ومعلميها) إننا عميان؟ وذلك في محاولة لاصطياده بكلمة. إلا أن إجابة المسيح جاءت أقوى وأشد مما كان يتوقعه الفريسيون، وهي: لو كنتم عميانا لجهلكم بالشريعة، ولا قدرة لكم على تمييز الحلال من الحرام، أو تمييز المرسل من الله دونه, لكان لكم عذرا، وما حُسبت عليكم خطية. لكن ادعائكم المعرفة هو الذي يدينكم، فقد أصررتم على عنادكم ولم تؤمنوا، بالرغم من النبوات المحققة فىّ، والأعمال التي لا يقدر عليها سوى الإله الخالق. ولهذا، فدينونة رفضكم لى باقية عليكم.
† يا إلهي... أعطنى هذه البصيرة الروحية النوارنية، فلا أريد لعقلى أو معرفتى أو ذاتى، أن يكونوا عوائق تمنعنى عن التعرف على آثارك وأعمالك وصوتك في حياتى... فأنا لا أريد أن أكون فريسيا يدعى الإبصار، بل أعمى يريد أن يبصر، واثقا في إلهه، نور العالم الوحيد.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 10 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 8 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-09.html
تقصير الرابط:
tak.la/y9fvcgq