* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40
الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ
(1) القبض على يسوع (ع 1-12)
(2) مقابلة حنّان وإنكار بطرس (ع 13-27)
(3) بدء المحاكمة أمام بيلاطس (ع 28-40)
1 قَالَ يَسُوعُ هذَا وَخَرَجَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ إِلَى عَبْرِ وَادِي قَدْرُونَ، حَيْثُ كَانَ بُسْتَانٌ دَخَلَهُ هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ. 2 وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ يَعْرِفُ الْمَوْضِعَ، لأَنَّ يَسُوعَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ كَثِيرًا مَعَ تَلاَمِيذِهِ. 3 فَأَخَذَ يَهُوذَا الْجُنْدَ وَخُدَّامًا مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ، وَجَاءَ إِلَى هُنَاكَ بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلاَحٍ. 4 فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» 5 أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضًا وَاقِفًا مَعَهُمْ. 6 فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ. 7 فَسَأَلَهُمْ أَيْضًا: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» فَقَالُوا: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». 8 أَجَابَ يَسُوع: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ». 9 لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ: «إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا». 10 ثُمَّ إِنَّ سِمْعَانَ بُطْرُسَ كَانَ مَعَهُ سَيْفٌ، فَاسْتَلَّهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى. وَكَانَ اسْمُ الْعَبْدِ مَلْخُسَ. 11 فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: «اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟». 12 ثُمَّ إِنَّ الْجُنْدَ وَالْقَائِدَ وَخُدَّامَ الْيَهُودِ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ،
ع1: انتهى الحديث الختامى الفصحى الذي شغل الأصحاحات 14، 15، 16، وكذلك صلاة الرب يسوع إلى الآب في (يو 17)، وبدأت أحداث المشهد الأخير في حياة الرب يسوع على الأرض، بخروجه إلى بستان جَثْسَيْمَانِي في وادي قدرون شرق أورشليم ناحية جبل الزيتون، وصحب معه تلاميذه.
ع2-3: نلاحظ أن القديس يوحنا لم يذكر تفاصيل اتفاق يهوذا مع الكهنة، أو ثمن تسليم الرب، مكتفيا بما جاء في البشائر الثلاث الأخرى، مشيرا إلى معرفة يهوذا للمكان الذي جمع المسيح مع التلاميذ في خلوات عديدة، ويصور أيضًا مشهد خروج الجمع للقبض على الرب يسوع.
ع4-6: "خرج... عالم...": أي ذهب للموت بنفسه لمواجتهه، ولم يدخلوا هم إليه. وأشار القديس يوحنا لعلم المسيح بإشارة جديدة لتأكيد لاهوته، وسألهم عن مرادهم الذي يعرفه جيدا، فإجابة السيد المسيح "أنا هو"، توضح لنا رد فعل مملكة الظلمة بأكملها أمام الله وكلمته، فهم جنود وخدام وجموع، والمسيح وحده، ومع هذا، تراجعوا وسقطوا، وكأن المسيح يقول ليس لكم أن تقبضوا علىَّ، ما لم أسلِّم أنا لكم ذاتي للموت.
ع7-9: أعاد المسيح السؤال، وأعادوا نفس الإجابة، فقدّم نفسه هذه المرة لِما أتى من أجله، ولم يَفُتْهُ أن يفتدى تلاميذه، بل طلب إطلاقهم. ويشير القديس يوحنا إلى ما سبق وقاله السيد المسيح في (يو 17: 12) في صلاته للآب، بألا يهلك منهم أحد.
ع10: راجع (مت 26: 51؛ مر 14: 47؛ لو 22: 50)، ولكن لاحظ أن القديس يوحنا ذكر اسم بطرس واسم العبد، وهما لم يذكرا في البشائر الثلاث الأخرى.
ع11: راجع (تمت 26: 52 و54)، ولاحظ أن السيد المسيح رفض الأسلوب البشرى الانفعالى الذي قام به بطرس، موضحا أن هناك عملا أعظم يجب على المسيح إنجازه، وهو قبول كأس الألم، أي إتمام الفداء على الصليب.
ع12: "الجند والقائد": أي الرومان. وبالرغم من أنهم مع خدام اليهود يمثلون جماعة، والمسيح كان وحيدا، إلا أنهم أوثقوه، ربما خوفا من هروبه في الظلام، أو إمعانا في وضعه في شكل المتهم المذنب، إذ كان الحقد أخذ منهم نصيبا. وفي وثق المسيح أيضًا تطابق مع قصة إسحاق، الذي أوثقه إبراهيم ليقدمه ذبيحة.
† يا جابل الخليقة كلها وفاديها ومحررها، أوثقوك طوعا، وأنت القادر أن تأمر جيوش الملائكة... أىّ حب هذا أن يطلَق المذنب حرا ويؤخذ البرئ موثقا... افهمى يا نفسى، ويا ليتك تفهمين.
13 وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلًا، لأَنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا الَّذِي كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. 14 وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ. 15 وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ، وَكَانَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 16 وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا. فَخَرَجَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَكَلَّمَ الْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ. 17 فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟» قَالَ ذَاكَ: «لَسْتُ أَنَا!». 18 وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْرًا لأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفًا مَعَهُمْ يَصْطَلِي. 19 فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. 20 أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. 21 لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا». 22 وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفًا، قَائِلًا: «أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟» 23 أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟» 24 وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقًا إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 25 وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفًا يَصْطَلِي. فَقَالُوا لَهُ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِهِ؟» فَأَنْكَرَ ذَاكَ وَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا!». 26 قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: «أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟» 27 فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ.
ع13-14: كان قَيَافَا رئيسا للكهنة، وكان حماه حنّان رئيسا أيضًا أسبق للكهنة، ويحتفظ كل رئيس كهنة بعد مدة رئاسته بلقبه. والمقابلة مع حنّان لم يذكرها سوى يوحنا، أما باقي البشائر، فاكتفت بذكر اللقاء مع قَيَافَا. ويذهب البعض أن اللقاء بحنّان كان لقاءً عابرا في الطريق إلى قَيَافَا، ولكن حَرِصَ الخدام على هذا اللقاء السريع بحنّان لكبر سنه، وتقدمه في الكرامة كرئيس كهنة سابق. أما قَيَافَا، صهره، فقد أراد القديس يوحنا أن يذكّرنا به، فهو صاحب الرأى بأن يموت إنسان عن الشعب (ص 11: 49 و50)؛ وهذه الإشارة لها أهميتها في توضيح أن المحاكمة اليهودية صورية، وأن القرار بموت الرب يسوع كان مُبَيّتا.
ع15-18: لم يشر يوحنا إلى هروب التلاميذ كما فعل متى (مت 26: 56)، ولكنه اكتفى بأن يذكر أنه، مع بطرس، تبعا يسوع. ولعلاقة يوحنا بالوسط الكهنوتى، استطاع أن يدخل داخل البيت. أما بطرس فوقف خارجا إلى أن أدخله. ولكن، قبل إدخاله، إذ وقف بطرس مع الخدام والحراس يستدفئون خارجا، يذكر القديس يوحنا حادثة إنكار بطرس الأولى أمام الجارية التي سألته، فأنكر بسبب خوفه أمام الجمع.
ع19-21: السائل هنا هو حنّان، والغرض من السؤال أنه ربما يجد شكاية على المسيح يقدمها إلى قَيَافَا والمجلس من بعده. وكان موضوع السؤال عن تعاليم المسيح للجموع، وعن تعاليمه الخاصة لتلاميذه. أما إجابة يسوع، فجاءت مبددة تمامًا لآمال حنّان، فهو لم يعلّم شيئًا سرا أو في الخفاء، فكل تعاليمه سمعها الجميع، سواء في الهيكل أو المجامع أو الأماكن الأخرى. ولهذا أيضا، يرد المسيح بسؤال: "لماذا تسألنى أنا؟!"، اسأل بالحرى كل الجموع التي سمعتنى!
ع22-23: احتد أحد الخدام، معتبرا أنها إجابة غير لائقة، فلطمت يد الأثيم وجه البار، وكانت هذه اللطمة تحمل مجاملة لرئيس الكهنة على حساب الحق والعدل. ولهذا، علّق السيد المسيح، مونجا من لطمه، فالمسيح لم يخطئ في حق رئيس الكهنة بحسب ناموس موسى (خر 22: 28): فلماذا لطمتنى؟! أي أنك صرت أنت أيها العبد الشرير كاسرا للشريعة التي لم أكسرها أنا...
† وفي هذا النص دروس مستفادة:
الأول: ماذا احتمل المسيح من أجل خلاصي أنا؟ فها هوذا الإله قد صار مشهدا لكل متشفٍ، ملطوما من يد الخادم. فهل أحتمل أنا إساءة الناس لى؟!
الثاني: أنه لا مانع من أن يوضح المظلوم للظالم بيان ظلمه عليه، حتى يبيّن له أي شيء هو واقع فيه، طالما كان ذلك بحُلم ومحبة.
وفي هذا الصدد، كتب القديس أغسطينوس تأملا رائعا عن هذه اللطمة، إذ يقول: "إن المسيح لم يحوّل خده الآخر فقط للطم، بل سلم جسده كله للصلب، ليتم بذلك أكثر مما علّم به في (مت 5: 39).
ع24: كانت المحاكمة أمام قَيَافَا، هي المحاكمة الرسمية اليهودية للمسيح. ومع هذا، لم يركز عليها يوحنا، مكتفيا بما أورده كل من متى ومرقس في تفاصيلها. لكنه ذكر ما لم يذكره الاثنان عن المقابلة الأولى مع حنّان، ثم أشار إلى قَيَافَا، وتعدّاه، عابرا بالمسيح إلى المحاكمة الرومانية الرسمية أمام بيلاطس.
ع25-27: يذكر القديس يوحنا هنا الإنكارين الثاني والثالث لبطرس، وحادثة صياح الديك، وقد كان عرضه أكثر تفصيلا، فقد أبرز الإنكار الأول عند حنّان، والثاني والثالث عند قَيَافَا. أما كل من متى (مت 26: 69-73) ومرقس (مر 14: 66-71) ولوقا (لو 22: 55-62)، فقد أجملوا الإنكارات الثلاثة بعد المحاكمة، حتى لا يقطعوا الكلام، ويظل حوار المحاكمة متصلا.
ويلاحظ أيضًا أن القديس يوحنا لم يذكر هنا أقسام بطرس بالنفى، أو نظر المسيح إليه، أو بكائه المر وتوبته كما جاء في البشائر الثلاث الأخرى.
† يتعجب الكثيرون كيف أنكرك بطرس بعد هذه السنوات، وما رآه وسمعه فيها...؟!
ولكن، لعل كان لبطرس عذرا أمام خوفه، وعدم استعلان لاهوتك بقيامتك، أو حلول الروح القدس عليه. فما عذر الكثيرون اليوم، الذين يعلنون بألسنتهم إيمانهم وتبعيتهم. أما بقلوبهم وأعمالهم، ينكرونك، ويصيروا سببا لتجديف الآخرين على اسمك؟! نعم يا إلهي... سامحنا وارحمنا؛ فما أحوجنا لدموع بطرس المُرّة.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
28 ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. 29 فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هذَا الإِنْسَانِ؟» 30 أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!» 31 فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: «لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا». 32 لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ. 33 ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: «أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» 34 أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟» 35 أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: «أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟» 36 أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا». 37 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي». 38 قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟». وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. 39 وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 40 فَصَرَخُوا أَيْضًا جَمِيعُهُمْ قَائِلِينَ: «لَيْسَ هذَا بَلْ بَارَابَاسَ!». وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصًّا.
كما قلنا، لم يذكر القديس يوحنا تفاصيل محاكمة المسيح أمام قَيَافَا، والتي أعلن فيها بوضوح أنه المسيح ابن الله، والذي اعتبره اليهود تجديفا (مت 26: 65؛ مر 14: 64؛ لو 22: 71). ولم يذكر أيضًا اجتماع الرؤساء صباحا - مجلس اليهود - وأخْذ القرار، بل نقلنا مباشرة إلى المحاكمة أمام بيلاطس.
"دار الولاية": مبنى بناه هيرودس الكبير، مخصص لنزول وإقامة الوالي الروماني أثناء زياراته لأورشليم. واعتُبرت عند اليهود نجسة، لأنها من ديار الأمم، ولهذا لم يدخلوها، بل خرج بيلاطس إليهم في الساحة التي أمام الدار، وسألهم عن سبب تجمهرهم، وسبب شكواهم على الرب يسوع.
"فيأكلون الفصح": أي استمرارية احتفالات الفصح. ولكن، ما نتعجب له حقا، هو تمسك قادة اليهود بالطهارة الجسدية الشكلية، بينما قلوبهم أضمرت تسليم دما طاهرا بريئا؟!
ع30-31: لم يقدم رؤساء اليهود اتهاما على الرب يسوع، بل أرادوا قرارا بموته فحسب، ولهذا قالوا لبيلاطس: "لو لم يكن فاعل شر."
أي أننا حققنا وتأكدنا من وجوب موته، وما عليك سوى القرار، أي الأمر بصلبه، وهو ما ليس لنا سلطان عليه كيهود، بل من سلطانك أنت وحدك (كان الصلب من سلطان الحاكم الروماني). ولكن، يلاحظ تمهل بيلاطس، وعدم الاندفاع وراء رأيهم.
ع32: "ليتم": أي ما تنبأ به المسيح، له المجد، بأن موته سيكون بواسطة الصليب كما جاء صراحة في (مت 20: 19)، وضمنا في (مر10: 21؛ لو 9: 23، 14: 27)، وذلك لأنه لو حكم اليهود على المسيح دون بيلاطس، لكان موته رجما بالحجارة. ولكن، كل ما تنبأ به المسيح، كان ينبغي أن يتم بالحرف الواحد. ولهذا، سعى اليهود بحقدهم إلى بيلاطس ليصلبه، وهم لا يعلمون أنهم بهذا يتممون المشيئة الإلهية العليا.
ع33-34: انفرد بيلاطس بالمسيح، وسأله عما أثير من الكهنة وخدامهم، في ادعاء المسيح عن نفسه أنه ملك اليهود، عالمين أن مثل هذا الاتهام وحده كافٍ لصلب المسيح، فالمُلك لقيصر وحده، وأية محاولة لنسب المُلك لغيره، تعتبر تمردا وانقلابا. إلا أن المسيح لم يُجِبْ، بل رد بسؤال جديد، يعتبر تحذيرا وإيقاظا لضمير بيلاطس. ومعنى سؤال المسيح: هل هذا رأيك، أم أنك تردد الوشايات التي أبلغك بها هؤلاء عنى، حتى تجد سببا تحاكمنى عليه؟
ع35: "أَلَعَلِّى أنا يهودي؟!": سؤال استنكارى، يوضح فيه بيلاطس موقفه بأنه لا يعتبر المسيح ملكا، فهو ليس بيهودي؛ وكأنه يقول: لا شأن لى بكل هذا، فهذه أقوال اليهود. ويرى البعض أن القول: "أَلَعَلِّى أنا يهودي؟!" تعني استنكارا واستنفارا من الكبرياء الروماني نحو أمة اليهود في أن يكون له ملكا سوى قيصر، ملك العالم القديم كله. ويستكمل بيلاطس استفساره من المسيح بخبرته كمحقق: "ماذا فعلت؟"، خاصة وأن كل الأمة اليهودية - أي الجماهير الكثيرة خارج دار الولاية - قد أسلمتك مشتكية عليك؟!
ع36: يدفع المسيح عن نفسه ما ألصقه به رؤساء الكهنة من اتهام.
† ولكن هذا الدفاع ليس الغرض منه إبعاد الصليب الذي أتى وتجسد من أجله، بل ليعلّمنا جميعا قانونا ودستورا روحيا. فإذا كان المسيح ملكنا يعلن لنا أنه لا ينتمى إلى هذا العالم، بل له ملكوتا آخر سمائيا أبديا، فكيف يكون إذن حال رعاياه، سوى ارتفاعهم أيضًا عن هذا العالم بكل شهواته، بل يقولون، كما قال المسيح قبلا: "نحن من فوق، ولسنا من هذا العالم" (راجع يو 8: 23)، ولا يسود علينا العالم في شيء، بل نبغى ملكوت إلهنا السمائى.
ويضيف المسيح قرينة لكلامه، أنه لو كان ملكا أرضيا، لاهتم أن يكون له خداما - حراسا - يدافعون عنه، فلا يمسكه اليهود، بل على العكس تماما، طلب أن يسلم نفسه بوداعة في مقابل إطلاق التلاميذ.
ع37: "أفا أنت إذًا ملك؟": سؤال يعبر عن الحيرة والتعجب. فالمسيح يعلن أنه ملك، وينكر الملكوت الأرضى الذي يفهمه بيلاطس. أما إجابته، فجاءت مؤكدة للمعنى الروحي لملكوته، فهو لم ينكر كونه ملكا، بل يضيف أنه تجسد ليفدى البشرية، ويملك على قلبها.
"كل من هو من الحق": أي كل من قبل كلامى، وعمل الروح القدس بداخله، أو كل من هو خاضع لله الذي هو الحق، وعرف المسيح كما تعرف الخراف صوت الراعى وتتبعه (يو 10: 4).
ع38: "ما هو الحق؟": لم يفهم بيلاطس الكلام الذي قاله المسيح. ولهذا، سأل سؤلا، ولم ينتظر حتى يسمع إجابته، وكأنه في الحقيقة غير مهتم بأن يفهم... ولكنه كان مجرد سؤال. ومما لا شك فيه، لم يجد بيلاطس في المسيح علة تستوجب الموت. ولهذا، خرج ثانية لليهود المنتظرين بالخارج، معلنا حكم البراءة الأولى بأنه ليس فيه علة واحدة. ولعل الله جعل بيلاطس بنطق بهذه الجملة بالذات لبيان شيء واحد، فالمسيح هو الفصح الحقيقي الذي بلا عيب واحد، وهو ذبيحة الإتم التي افتضت أيضًا أن تكون بلا عيب... فما نطق به بيلاطس، ما هو إلا تأكيد لكمال ذبيحة المسيح المقدمة.
ع39-40: أخطأ بيلاطس عندما تخلى عن مهام منصبه، كقاضٍ للحق، في إطلاق من رآه بريئا، بل تنازل عن سلطانه في القضاء، وأعطى الحق في الاختيار للشعب، وهو ما لم يُسمع عنه، واعتقد أن إعلانه براءة المسيح، يعفيه من المسئولية التي تركها للشعب. ولعله اعتقد أنه يفتح باب الاختيار، سيطلبون إطلاق من ليس علة فيه، ولكن المفاجأة كانت في طلبهم إطلاق من هو معلوم عنه أنه لص وصاحب فتنة.
† عجبا لشعب أطلق لصا وصلب بارا!!
إن خطأ بيلاطس الفاحش، يعطى لنا جميعا درسا في الشهادة للحق. فقد يساوم السياسيون، أو يعقدوا الصفقات، وتصير حدود الحق واسعة جدًا. أما أبناء الله فليسوا كذلك، بل الحق هو الحق، فإن "مُبَرِّئُ المذنب ومذنِّب البريء، كلاهما مكرهة الرب" (أم 17: 15).
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 19 |
قسم
تفاسير العهد الجديد الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير يوحنا 17 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/church-encyclopedia/john/chapter-18.html
تقصير الرابط:
tak.la/ctn3g7f