← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37
اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ
إن كان يوشيا هو آخِر ملك صالح في يهوذا، فلماذا أورد الكاتب إصلاحاته قبل موته؟ مع تأكيد أن "الرب لم يرجع عن حمو غضبه العظيم، لأن غضبه حمي على يهوذا من أجل جميع الإغاظات التي أغاظه إياها منسى" [26]؟
لقد بدأ إرميا خدمته في السنة الثالثة عشرة لملك يوشيا (626 ق.م)، أي قبل حوالي خمس سنوات من حركة الإصلاح الدينية العظيمة الواردة في (2 مل 23)[1]، واستمر في عمله النبوي حتى حوالي سنة 586 ق.م، أي لمدة حوالي 40 عامًا. بالرغم من مقاومة يوشيا الملك للوثنية بكل طاقاته، لكن تيار الفساد كان متغلغلاً في النفوس. لم يهتم الرؤساء المدنيون والدينيون والشعب أيضًا بإصلاح قلوبهم، مكتفين بترميم الهيكل وممارسة العبادة في شكليات بلا روح، ممتزجة بالرجاسات الوثنية، لذلك كانت دعوة إرميا النبي تتركز في الإصلاح القلبي.
لقد سمح الله بقيام المُصلِح العظيم يوشيا الملك بعد منسى وآمون الملكين الشريرين، لكي لا يجد القادة والشعب عذرًا لأنفسهم. فإن كانوا قد تجاوبوا مع منسى الشرير وأيضًا ابنه آمون، فقد أرسل المُصلِح المستقيم في عمله، ومع هذا بقوا في قلوبهم أشرارًا. تجاوبوا في المظهر الخارجي، أما قلوبهم فبقيت في شرها. وكأن قيام يوشيا يُعتبر أخِر فرصة للقادة والشعب أن يرجعوا بقلوبهم للرب، فلم يرجعوا.
|
1-3. |
|
|
4-6. |
|
|
7. |
|
|
8-9. |
|
|
10. |
|
|
11. |
|
|
12-20. |
|
|
21-25. |
|
|
26-27. |
|
|
28-30. |
|
|
31-33. |
|
|
34-37. |
* من وحي 2 مل 23: لتنزع عني كل فسادٍ، ولتملأ قلبي بفرحك السماوي!
1 وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ، فَجَمَعُوا إِلَيْهِ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. 2 وَصَعِدَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَجَمِيعُ رِجَالِ يَهُوذَا وَكُلُّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ، وَالْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 3 وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ، وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَكُلِّ النَّفْسِ، لإِقَامَةِ كَلاَمِ هذَا الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا السِّفْرِ. وَوَقَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ عِنْدَ الْعَهْدِ.
وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ،
فَجَمَعُوا إِلَيْهِ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. [1]
وَصَعِدَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ،
وَجَمِيعُ رِجَالِ يَهُوذَا وَكُلُّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ،
وَالْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ،
وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [2]
عندما أبلغ رئيس الكهنة الملك بوجود سفر الشريعة في بيت الرب، وقدَّمه لشافان كاتب الملك، قام الكاتب بقراءته أمام الملك (2 مل 22: 10). الآن يقوم الملك بنفسه بقراءة السفر، وهذا أمر غريب، إذ كان غالبًا ما تُترَك القراءة لرئيس الكهنة أو أحد الأنبياء مثل إرميا وصفينا وغيرهما متى كانوا حاضرين، لكن بسبب غيرة الملك واشتياقه أن يدخل الكل في تجديد العهد مع الله قام الملك نفسه بقراءته.
رأينا في الأصحاح السابق كيف أهمل الكل كلمة الله حتى لم يكن أحد يعرف أين توجد نسخة سفر الشريعة الخاصة بالهيكل. لاحظنا أن الملك وهو يسمع ما ورد في النسخة كان كمن يسمعها لأول مرة. الآن اشتاق الملك أن تكون الشريعة المقدسة هي الأساس الذي تُبنى عليه كل المملكة، من الملك ورجال قصره إلى رئيس الكهنة والقادة الدينيين والمدنيين.
القول: "جميع رجال يهوذا وكل سكان أورشليم" لا يستلزم حضور كل شخصٍ، بل نواب الشعب على اختلاف رتبهم. ويُقصَد بالأنبياء جميع الذين يتكلمون عن الرب، مثل المُعَلِّمين والمُصْلِحين لحياة الشعب الروحية.
"قرأ كلام سفر الشريعة" مثل موسى (خر 24: 3-8) ويشوع (يش 8: 34- 35). سار يوشيا على منهج القادة الأتقياء القدامى (تث 17: 18-20؛ 31: 9-13)، واجتمع بالشعب لتجديد العهد مع الله (يش 24). بقوله: "قرأ كل كلام سفر الشريعة" لا يعني أنه قرأ أسفار موسى الخمسة كلها، إنما قرأ الوصايا وكل ما يختص بواجبات الشعب نحو الرب.
يبدأ الإصلاح الحقيقي بالالتقاء معًا حول كلمة الله، فمع التزامنا بالعلاقة الشخصية مع الله خلال كلمته، يليق أن نجتمع معًا بروح الحب والوحدة. فكلمة الله هي أساس كل إصلاح على مستوى شخصي كما على مستوى كنسي أو جماعي.
هذا ومن جانب آخر، فإن اجتماع الكل معًا إنما يحمل دعوة للحب الأخوي في الرب، بدونه لا ننعم ببركات الكلمة الإلهية. وكما يقول القديس مار يعقوب السروجي بأنه يليق بالمتكلم والسامع كلاهما أن يتسما بالحب.
v اسمعوني أنتم إذًا بالمحبة، كما أتكلم (بالمحبة)، فبدون المحبة لا تُسمَع الكلمة العجيبة.
من يحب يجد الكثير من التعليم، لأن المحبة تفتح الباب لقبول الكلمة[2].
v ليجلبك الحب، كما أن الحب يحركني أنا أيضًا لأتكلم، لأن الفائدة لا تُجمَع إلا بالمحبة[3].
v يلزم أن تقوم المحبة مثل الوسيط، لأنه من يسمع بلا محبة لا يفهم[4].
وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى الْمِنْبَرِ،
وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ،
وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَكُلِّ النَّفْسِ،
لإِقَامَةِ كَلاَمِ هَذَا الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا السِّفْرِ.
وَوَقَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ عِنْدَ الْعَهْدِ. [3]
وقف الملك على المنبر أو المنصة النحاسية التي صنعها سليمان، وقد اعتاد الملوك أن يقفوا عليها عندما كانوا يوجهون حديثًا للشعب (2 أي 6: 13).
غاية الله دخولنا في عهد مع الله. قيل: "الكلام الذي صار إلى إرميا من قِبَل الرب قائلاً: اسمعوا كلام هذا العهد، وكلموا رجال يهوذا وسكان أورشليم" (إر 11: 1-2). يرى البعض أن النبي يشير هنا إلى الملك يوشيا والشيوخ الذين أكدوا ولاءهم للعهد المُقام بين الله وشعبه على جبل حوريب بسيناء، العهد الذي سُجِّل في درج (كتاب)، وُوجِدَ في الهيكل أثناء الإصلاح، وقد ارتبطوا به وتعهدوا أن يتمموا كلماته المكتوبة (2 مل 23: 3). فالحديث هنا موجه إلى مندوبين من قِبَل الملك.
يرى العلامة أوريجينوس أن الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب هو الكلمة الإلهي، إذ يقول:
[إذا تأملنا في قصة مجيء ربنا يسوع المسيح كما وصفتها الكتب التاريخية، كان مجيئه في الجسد مرة واحدة فقط خلالها أنار العالم كله: "والكلمة صار جسدًا، وحل بيننا". كان بالفعل "النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسانٍ آتيًا إلى العالم، كان في العالم، وكوِّن العالم به، ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء، وخاصته لم تَقْبله".
مع ذلك يجب أن نعرف أنه جاء أيضًا قبل ذلك، وإن لم يكن بالجسد. جاء في كل واحدٍ من القديسين! كما أنه بعد مجيئه المنظور بالجسد يأتي إلينا أيضًا الآن.
إن كنتَ تريدُ دليلاً على هذا، أنصت إلى هذه الكلمات: "الكلام (الكلمة) الذي صار إلى إرميا من قِبل الرب قائلاً: اسمعوا".
ما هي إذًا تلك الكلمة التي صارت إلى إرميا أو إلى إشعياء أو حزقيال أو إلى غيرهم من الأنبياء، من قِبَل الرب، إلا الكلمة الذي كان عند الله منذ البدء؟ بالنسبة لي، لا أعرف كلمة أخرى للرب إلا التي قال عنها يوحنا الإنجيلي: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله".]
يلزمنا أن نعرف هذا: كان مجيء الكلمة أيضًا على مستوى شخصي. لأنه ماذا يفيدني إن كان الكلمة قد جاء إلى العالم، بينما أنا لا أحمله؟ لكن على العكس، حتى لو لم يكن قد جاء بعد إلى العالم كله، وكنت أنا مثل الأنبياء، يجيء إليَّ الكلمة. أقول مؤكِدًا أن السيد المسيح جاء إلى موسى وإلى إرميا وإلى إشعياء وإلى كل واحدٍ من الأبرار، وأن الكلمة التي قالها لتلاميذه: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"، تحققت بالفعل قبل مجيئه. كيف كان لهؤلاء الأنبياء أن ينطقوا بكلام الله إن لم يكن كلمة الله قد جاء إليهم؟... ماذا نسمع نحن أيضًا من هذا (الكلمة) الكلام؟
رجال يهوذا هم نحن، لأننا مسيحيون، وجاء المسيح من سبط يهوذا. إذا كنت قد أوضحت من خلال الكتاب المقدس أن كلمة "يهوذا" يُقصَد بها السيد المسيح، فإن رجال يهوذا في هذه الحالة لن يكونوا اليهود الذين لا يؤمنون بالسيد المسيح، وإنما نحن كلنا الذين نؤمن به.
يتعلَّق الأمر هنا بالكنيسة، لأن الكنيسة هي مدينة الله، ومدينة السلام، وفيها يتراءى ويعظم سلام الله المُعطي لنا، إذا كنا نحن أيضًا أبناء سلام.
يقول العلامة أوريجينوس: [مَن الذي يسمع أفضل لكلام العهد الذي أمر الله به الآباء؟ هل الذين يؤمنون به، أم الذين - بحسب الأدلة الموجودة عندنا - لا يؤمنون حتى بموسى حيث أنهم لم يؤمنوا بالرب؟ يقول لهم المخلص: "لو كنتم آمنتم بموسى لآمنتم بي أنا أيضًا، لأنه تكلم عني في كتبه، ولكن إن كنتم لا تؤمنون بكتاباته، فكيف تؤمنون بكلامي؟" إذًا لم يؤمن هؤلاء الناس بموسى، أما نحن، فبإيماننا بالسيد المسيح، نؤمن أيضًا بالعهد الذي أُقيم بواسطة موسى، أي "العهد الذي أمرت به آباءكم"[5].]
لم يظهر هنا أن الرب تكلم أو وعد شعبه بشيءٍ جديدٍ، بل كان الحديث كله من جانب الشعب وكان عهدهم أن يرجعوا إلى الله، ويحفظوا الشريعة التي أهملوها، فلم يكن العهد مع الرب، بل أمام الرب [3].
كيف نجلب شعب الله للتجديد؟ بالاستماع إلى كلمة الله، وتعلمها. لقد جمع يوشيا الشيوخ والشعب لسماع كلمة الله، فالكل قادة وشعبًا في حاجة أن يعيشوا خلال إعلان الله.
v يبدو أن العهود واستلام الناموس هما ذات الشيء، لكنني أظن أنه يوجد فارق بينهما. فالناموس أُعطي مرة واحدة بواسطة موسى، وأن العهد أُعطي مرارًا (مثل تك 9: 8–17؛ 15: 18؛ 2 صم 23: 5). ففي كل مرة يخطئ الشعب يُطرَح، ويفقدون الميراث. وفي كل مرة يستعطفون الله يدعوهم مرة أخرى لميراث ممتلكاتهم. إنه يُجَدِّد العهود، ويُعلِن أنهم ورثة مرة أخرى[6].
وقوف الشعب علامة تقديرهم وتوقيرهم لكلمة الله، وقبولهم كل ما قرأه الملك في آذانهم.
4 وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ، وَكَهَنَةَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ جَمِيعَ الآنِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِلْبَعْلِ وَلِلسَّارِيَةِ وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ، وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ أُورُشَلِيمَ فِي حُقُولِ قَدْرُونَ، وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتِ إِيلَ. 5 وَلاَشَى كَهَنَةَ الأَصْنَامِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا لِيُوقِدُوا عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمَا يُحِيطُ بِأُورُشَلِيمَ، وَالَّذِينَ يُوقِدُونَ: لِلْبَعْلِ، لِلشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالْمَنَازِلِ، وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ. 6 وَأَخْرَجَ السَّارِيَةَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ وَأَحْرَقَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَدَقَّهَا إِلَى أَنْ صَارَتْ غُبَارًا، وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ.
وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ وَكَهَنَةَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَحُرَّاسَ الْبَابِ،
أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ جَمِيعَ الآنِيَةِ
الْمَصْنُوعَةِ لِلْبَعْلِ وَلِلسَّارِيَةِ وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ،
وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ أُورُشَلِيمَ فِي حُقُولِ قَدْرُونَ،
وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتِ إِيلَ. [4]
إذ كانت كلمة الله مفقودة، ولا موضع لها في قلوب الجميع، فلا ندهش إن كانت العبادة الوثنية ورجاساتها تسللت إلى بيت الرب وإلى كل أرض الموعد في يهوذا كما في إسرائيل، وعلى كل المرتفعات والبقاع. لذلك كان أول عمل للجميع بعد الاستماع لكلمة الله، هو الخلاص من هذا الوباء الخطير.
يرى البعض أن كهنة الفرقة الثانية تعني نواب رئيس الكهنة وليس نائبًا واحدًا. ويرى آخرون أن رئيس الكهنة يُعتبَر الفرقة الأولى، وجميع الكهنة دونه يُحسَبون الفرقة الثانية.
كان يوشيا على علاقة وثيقة مع الله، وكان مُصلحًا مثل جده حزقيا، طهَّر الهيكل وأحيا الطاعة للشريعة الإلهية، فقد أكد يوشيا إيمانه بأعماله (يع20:2؛ إر15:22-16).
يُقصَد بالآنية هنا جميع ما يختص بعبادة الأصنام كالمذابح وحلل الكهنة والتماثيل والأوعية والأدوات.
حُملتْ الآنية التي كانت تستخدم في العبادة الوثنية إلى حقول قدرون في إصلاحات آسا (1 مل 15: 13)، وإصلاحات حزقيا (2 أي 29: 16؛ 30: 14)، وإلى بيت إيل وحُمِل رماد الآنية الدينية كإدانة علنية وجريئة ضد الطقوس الوثنية وإدانة للموضع الذي ارتبط بها (1 مل 12: 28-30؛ عا 4: 4-5). تأثرت المملكة الشمالية أيضًا بإصلاحات يوشيا.
حرقها خارج أورشليم، حتى لا تتدنس المدينة برمادها.
يرى[7] R.E. Clements أن إقامة السواري مرتبط بطقوس خاصة بالخصوبة، إذ كانوا يتطلعون إلى الخصوبة والممارسات الجسدية كأمرين يمسان قوة الحياة السرية، لهما آثارهما حتى على محاصيل النباتات وإخصاب الحيوانات. هذه القوة تصدر عن ممارسات بين الآلهة والإلهات، وإن ممارسة الرجال والنساء ومشاركتهم في هذه الطقوس تعطيهم قوة الحياة.
لعله لهذا السبب كانت الرجاسات تُمارس بجوار مذابح مُقامة تحت كل شجرة خضراء على أكمة مرتفعة، لكي تقدم الآلهة الخصوبة للنباتات والحيوانات كما للإنسان.
لا يقف الأمر عند خصوبة النباتات والحيوانات، وإنما هذه الممارسات - في ذهنهم - تهبهم قوة للصراع ضد قوى الموت السرية غير المنظورة. وكأن الخصوبة والجنس يمثلان حياةً أو موتًا، بقاءً أو دمارًا! لهذا لا نعجب إن ارتبطت المذابح والسواري بالممارسات الدنسة والرجاسات كطقس ديني.
حقول قدرون: هي وادي قدرون إلى جهة الشرق من أورشليم، تفصل بين المدينة وجبل الزيتون. كان في هذا المكان مقبرة لعامة الشعب، وكان في هذه الناحية وادي ابن هنوم.
وَلاَشَى كَهَنَةَ الأَصْنَامِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا لِيُوقِدُوا عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ،
فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمَا يُحِيطُ بِأُورُشَلِيمَ،
وَالَّذِينَ يُوقِدُونَ لِلْبَعْلِ:
لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْمَنَازِلِ،
وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ. [5]
ما ورد هنا بخصوص كهنة الأوثان ذكره أيضًا صفينا (صف 1: 4). هؤلاء الكهنة سبق فعيَّنهم بعض ملوك يهوذا السابقين. تحدث أيضًا هوشع عن إدانة الكهنة الوثنيين الذين كانوا يقودون عبادة العجل في بيت إيل (هو 10: 5).
لا يقصد بقوله "لاشى" أنه قتلهم، بل طردهم من خدمتهم الوثنية. الخطوة التالية للتجديد هي نزع كل ما هو غريب عن هيكل الرب. فمن يريد أن يتبع الرب يليق به أن ينصت إلى كلمته ويطيعها، ويرفض بكل قلبه الظلمة وأعمالها.
وَأَخْرَجَ السَّارِيَةَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ،
وَأَحْرَقَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ،
وَدَقَّهَا إِلَى أَنْ صَارَتْ غُبَارًا،
وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. [6]
السارية: هي تمثال عشتروث (جمعها عشتاروت).
بالنسبة للسواري الخشبية المرتبطة بعبادة Asherah سبق أن حطَّمها الملك حزقيا (2 مل 18: 4)، لكن عاد منسى فأدخلها (2 مل 21: 7) وأيضًا آمون (2 مل 21: 21؛ 13: 6).
وَهَدَمَ بُيُوتَ الْمَأْبُونِينَ الَّتِي عِنْدَ بَيْتِ الرَّبِّ،
حَيْثُ كَانَتِ النِّسَاءُ يَنْسِجْنَ بُيُوتًا لِلسَّارِيَةِ. [7]
بلغ الفساد أنه وجدت ممارسات قبيحة كجزءٍ من عبادة الكنعانيين (1 مل 14: 24؛ 15: 12؛ 22: 46). ما هو أخطر أن هؤلاء الأشخاص المنحرفين ليس فقط يتاجرون بالقبائح في أورشليم، وإنما أدخلوها إلى هيكل الرب.
كانت الأعمال القبيحة التي يمارسها المأبونون تُحسَب خدمة للآلهة، فكانت بيوتهم بجوار بيت الآلهة.
8 وَجَاءَ بِجَمِيعِ الْكَهَنَةِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا، وَنَجَّسَ الْمُرْتَفَعَاتِ حَيْثُ كَانَ الْكَهَنَةُ يُوقِدُونَ، مِنْ جَبْعَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، وَهَدَمَ مُرْتَفَعَاتِ الأَبْوَابِ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ يَشُوعَ رَئِيسِ الْمَدِينَةِ الَّتِي عَنِ الْيَسَارِ فِي بَابِ الْمَدِينَةِ. 9 إِلاَّ أَنَّ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ لَمْ يَصْعَدُوا إِلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ بَلْ أَكَلُوا فَطِيرًا بَيْنَ إِخْوَتِهِمْ.
وَجَاءَ بِجَمِيعِ الْكَهَنَةِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا،
وَنَجَّسَ الْمُرْتَفَعَاتِ، حَيْثُ كَانَ الْكَهَنَةُ يُوقِدُونَ مِنْ جَبْعَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ،
وَهَدَمَ مُرْتَفَعَاتِ الأَبْوَابِ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ يَشُوعَ رَئِيسِ الْمَدِينَةِ الَّتِي عَنِ الْيَسَارِ فِي بَابِ الْمَدِينَةِ. [8]
من جبع إلى بئر سبع، تعني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
مرتفعات الأبواب: كانوا يوقدون على سطوح البيوت (إر 19: 13). وكان عند أبواب المدينة أبراج، ربما كانت سطوحها هي المرتفعات المشار إليها كالمكان الذي أصعد فيه ميشع ابنه مُحرَقة (2 مل 3: 27).
يرى البعض أن هذه المرتفعات هي معابد وثنية، كانوا قد بنوها عند أبواب المدينة لكونها أماكن اجتماعات.
v كيف يخدم الملوك الرب بخوفٍ إلا بمنع كل الأعمال المرتكبة ضد وصايا الرب في صرامة ورفضها؟
يخدم الملك الله، بطريق بكونه إنسانًا، وبطريق آخر بكونه ملكًا. يخدم كإنسانٍ، بأن يسلك حسب الإيمان، ويخدمه كملكٍ بأن يبذل كل الجهد بقوةٍ ضرورية أن يصدر قوانين تأمر بالصلاح وتمنع ما يضاد ذلك.
هكذا خدمه حزقيا بتحطيم البساتين وهياكل الأوثان والمرتفعات التي أُقيمتْ ضد وصايا الله (2 مل 18: 4). وهكذا خدمه يوشيا إذ فعل نفس التصرُّفات...
هكذا يخدم الملوك الرب كملوكٍ عندما يُتمِّمون أعمالاً في خدمته لا يستطيع أحد أن يُتَمِّمها غير الملوك[8].
باب يشوع رئيس المدينة: على شمال باب المدينة؛ الموضع الذي كان فيه رئيس المدينة يتحدث مع الشعب ويأخذ قرارات. بجوار هذا الموضع كانت توجد مذابح عامة، حيث كان يُقدَّم عليها تقدِّمات لله وأحيانًا للآلهة الباطلة.
إِلاَّ أَنَّ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ لَمْ يَصْعَدُوا إِلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ،
بَلْ أَكَلُوا فَطِيرًا بَيْنَ إِخْوَتِهِمْ. [9]
دُعوا كهنة مع أنهم لم يمارسوا خدمة الكهنوت في الهيكل، لأنهم كانوا سابقًا كهنة المرتفعات، ولكنهم أكلوا من التقدمات لكونهم من بني هرون، فكانوا كالكهنة الذين فيهم عيوب (لا 21: 21-23)، وكان خبز التقدمات فطيرًا (لا 6: 16-18).
كانوا ككهنة قد قدَّموا ذبائح في المرتفعات، ومع أنها قُدِّمتْ باسم الله الحي، غير أنه إذ قدَّموها في المرتفعات لا في بيت الرب صاروا غير أهلٍ للخدمة في الهيكل. ولكنهم إذ ينتمون إلى الكهنوت كان يُقدَّم لهم بعض الأنصبة من العشور والتقدمات والفطير وخبز التقدمة[9].
وَنَجَّسَ تُوفَةَ الَّتِي فِي وَادِي بَنِي هِنُّومَ،
لِكَيْ لاَ يُعَبِّرَ أَحَدٌ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ لِمُولَكَ. [10]
يقول القديس جيروم أن توفة كانت موضعًا مبهجًا، به مياه عذبة للسقي مع ينابيع، وكانت مُزَيَّنة بالحدائق.
يرى بعض الدارسين أن مولك مرتبط بالآلهة الوثنية مثل إله العمونيين الذي يُسمَّى "مولوك" أو "ملكوم" (1 مل 11: 5) أو الإله الكنعاني (لا 20: 1-5)، وقد نُقِلَتْ هذه العبادات إلى أورشليم. يرى دارسون آخرون أن ملكوم هو اسم نوع من تقديم ذبيحة بشرية لطفلٍ مرتبطة بالبعل (إر 7: 31، 32؛ 19: 5-6؛ 32: 35). توجد شهادة لذبيحة الطفل وجدت في حفريات مدينة فينيقية لقرطاجة.
كلمة "جهنّم" تتركّب من كلمتين عبريّتين: "جه، هنوم" أي "داخل هنوم". هنوم هو وادي فيه كانت تُلقَى مخلّفات الذبائح بميازيب خاصة، فكانت دائمًا مملوءة دودًا من مخلّفات الذبائح الحيوانية التي كانت تُقدَّم في الهيكل. ويُقَال إن هذا المكان استُخدِمَ بعد ذلك لإلقاء القاذورات، وكانت النار مشتعلة فيها بلا انقطاع، لحرق النفايات ولمنع انتشار الأمراض.
ومن هنا نفهم التعبير الذي استخدمه المسيح ثلاث مرات في بشارة القديس مرقس البشير عن عذاب الأشرار في جهنم: "حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفَأ" (مر 9: 44، 46، 48). هكذا يتَّضح كيف صار هذا الوادي، بما فيه من قذارة ونفايات ودود ونار بشكلٍ دائمٍ، صالحًا ليكون تشبيهًا تصويريًّا للمكان الأخير لاستقرار الأشرار بعد دينونتهم، حتى أن اسم هذا الوادي أُطلِقَ على هذا المكان. في هذا الوادي أجاز أحاز ومنسى أولادهما بالنار (2 مل 16: 3؛ 2 أي 28: 3؛ 33: 6). وعندما جاء يوشيا أحد ملوك يهوذا الصالحين أبطل هذه العبادات، ونجَّس ذلك الوادي ليصير مزبلة لأورشليم (2 مل 23: 10).
تُوفة: معناها موقدة أو مكان الإحراق، لأن فيها كانوا يحرقون الذبائح، ويجيزون أولادهم في النار، وهي الجزء الجنوبي الشرقي من وادي هنوم. وهو جنوب أورشليم وغربها، وينحدر من باب الخليل إلى بئر أيوب، ويُسمَّى أيضًا وادي ابن هنوم أو بني هنوم، وهم قبيلة من الكنعانيين (إش 30: 33). وكان لمولك إله بني عمون تمثال مجوَّف من نحاسٍ، كانوا يوقدون في جوفه نارًا حامية، ثم يضعون أولادهم بين يديه.
وَأَبَادَ الْخَيْلَ الَّتِي أَعْطَاهَا مُلُوكُ يَهُوذَا لِلشَّمْسِ،
عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ الرَّبِّ عِنْدَ مِخْدَعِ نَثْنَمْلَكَ الْخَصِيِّ الَّذِي فِي الأَرْوِقَةِ،
وَمَرْكَبَاتِ الشَّمْسِ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ. [11]
كانت الخيول في الشرق مُكرَّسة لعبادة الشمس، وذلك بسبب سرعتها ومنافعها الكثيرة.
وُجدتْ حفريات في أورشليم تكشف عن مقدس خاص بعبادة الشمس، يرجع إلى عهد يهوشافاط. وُجدت خيول صغيرة عليها أقراص الشمس على جباهها في أورشليم وفي هازور Hazor.
شبَّه اليونانيون والرومانيون وغيرهم الشمس براكبٍ في مركبة يسير من المشرق إلى المغرب، وكانوا يستخدمون في احتفالاتهم الدينية مركبات الشمس. فأحرق يوشيا هذه المركبات، وأباد الخيل، أي امتنع من إعطائها لمركبات الشمس كأسلافه من ملوك يهوذا.
الخيول التي أبادها يوشيا الملك، يُقصَد بها إما خيول حية كانت تقود المركبات الخاصة بعبادة الشمس أو تماثيل للخيول المنحوتة؛ غالبًا ما يُقصَد بها المنحوتات[10]. كان هناك اعتقاد بأن الخيول كانت تسحب الشمس نفسها. أحيانًا كانت هذه الخيول تُقدَّم كذبائح للشمس، والبعض كان يستخدمها في المواكب الخاصة بتكريم الشمس. وكان عابدو الشمس أحيانًا يركبون الخيول في كل صباح لاستقبال شروق الشمس. يبدو أن الملوك الذين عبدوا الشمس مثل آحاز ومنسى أو قادتهم العظماء يركبون الخيول باكرًا كل صباح من الباب الشرقي للهيكل، ويُحَيُّون الشمس ويعبدونها عند ظهورها في الأفق[11].
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
12 وَالْمَذَابحُ الَّتِي عَلَى سَطْحِ عُلِّيَّةِ آحَازَ الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا، وَالْمَذَابحُ الَّتِي عَمِلَهَا مَنَسَّى فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ، هَدَمَهَا الْمَلِكُ، وَرَكَضَ مِنْ هُنَاكَ وَذَرَّى غُبَارَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. 13 وَالْمُرْتَفَعَاتُ الَّتِي قُبَالَةَ أُورُشَلِيمَ، الَّتِي عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاَكِ، الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتُورَثَ رَجَاسَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَلِكَمُوشَ رَجَاسَةِ الْمُوآبِيِّينَ، وَلِمَلْكُومَ كَرَاهَةِ بَنِي عَمُّونَ، نَجَّسَهَا الْمَلِكُ. 14 وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ وَمَلأَ مَكَانَهَا مِنْ عِظَامِ النَّاسِ. 15 وَكَذلِكَ الْمَذْبَحُ الَّذِي فِي بَيْتِ إِيلَ فِي الْمُرْتَفَعَةِ الَّتِي عَمِلَهَا يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ، فَذَانِكَ الْمَذْبَحُ وَالْمُرْتَفَعَةُ هَدَمَهُمَا وَأَحْرَقَ الْمُرْتَفَعَةَ وَسَحَقَهَا حَتَّى صَارَتْ غُبَارًا، وَأَحْرَقَ السَّارِيَةَ. 16 وَالْتَفَتَ يُوشِيَّا فَرَأَى الْقُبُورَ الَّتِي هُنَاكَ فِي الْجَبَلِ، فَأَرْسَلَ وَأَخَذَ الْعِظَامَ مِنَ الْقُبُورِ وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ، وَنَجَّسَهُ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي نَادَى بِهِ رَجُلُ اللهِ الَّذِي نَادَى بِهذَا الْكَلاَمِ. 17 وَقَالَ: «مَا هذِهِ الصُّوَّةُ الَّتِي أَرَى؟» فَقَالَ لَهُ رِجَالُ الْمَدِينَةِ: «هِيَ قَبْرُ رَجُلِ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا وَنَادَى بِهذِهِ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلْتَ عَلَى مَذْبَحِ بَيْتِ إِيلَ». 18 فَقَالَ: «دَعُوهُ. لاَ يُحَرِّكَنَّ أَحَدٌ عِظَامَهُ». فَتَرَكُوا عِظَامَهُ وَعِظَامَ النَّبِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنَ السَّامِرَةِ. 19 وَكَذَا جَمِيعُ بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ إِسْرَائِيلَ لِلإِغَاظَةِ، أَزَالَهَا يُوشِيَّا، وَعَمِلَ بِهَا حَسَبَ جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي بَيْتِ إِيلَ. 20 وَذَبَحَ جَمِيعَ كَهَنَةِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هُنَاكَ عَلَى الْمَذَابحِ، وَأَحْرَقَ عِظَامَ النَّاسِ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
وَالْمَذَابِحُ الَّتِي عَلَى سَطْحِ عُلِّيَّةِ آحَازَ الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا،
وَالْمَذَابِحُ الَّتِي عَمِلَهَا مَنَسَّى فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ،
هَدَمَهَا الْمَلِكُ.
وَرَكَضَ مِنْ هُنَاكَ وَذَرَّى، غُبَارَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. [12]
كان الذين يعبدون الشمس والقمر والكواكب يقيمون المذابح على الأسطح.
واضح أن آحاز كان قد بَنَى عُليَّة على أحد أبنية الهيكل، ومن سطوحها كانوا يرصدون الأجرام السماوية ويعبدونها (إر 19: 13)، وقد أقام ملوك يهوذا مذابح على هذا السطح.
وَالْمُرْتَفَعَاتُ الَّتِي قُبَالَةَ أُورُشَلِيمَ، الَّتِي عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاَكِ،
الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتُورَثَ رَجَاسَةِ الصَّيْدُونِيِّينَ،
وَلِكَمُوشَ رَجَاسَةِ الْمُوآبِيِّينَ،
وَلِمَلْكُومَ كَرَاهَةِ بَنِي عَمُّونَ،
نَجَّسَهَا الْمَلِكُ. [13]
جبل الهلاك: قبالة أورشليم أي إلى جهة الشرق، وعن اليمين أي إلى جهة الجنوب، فهو القسم الجنوبي من جبل الزيتون. دُعي جبل الهلاك، لكونه مكان معابد الأصنام التي بناها سليمان لأجل نسائه الغريبات (1 مل 11).
كان تمثال عشتاروت الفاضح قد أقامه الملك الشرير منسى في هيكل الله (2 مل 7:21)، وكثيرًا ما توصف عشتاروت بأنها إلهة من إلاهات البحر، وأم للعديد من الآلهة بما في ذلك البعل.
يُسمَّى جبل الهلاك، لأنه أصبح بقعة مثيرة لبناء المعابد الوثنية التي قضى الله بتدميرها. هدم الملوك الأتقياء هذه المراكز، وفي العهد الجديد كثيرًا ما جلس ربنا يسوع على جبل الزيتون وعلَّم تلاميذه كموش: عن العبادة الحقيقية (مت 3:24).
دُعي الموآبيون أمة كموش (عد 21: 29) وشعب كموش ( إر 48: 46)، كما دُعي كموش "رجس الموآبيين". أدخل سليمان الملك عبادته إلى أورشليم (1 مل 11: 7)، وأبطلها يوشيا الملك حاسبًا إياها رجاسة. وكان الملوك الموآبيون ينسبون نصراتهم إلى كموش، كما يظهر في الحجر الموآبي أن الملك ميشع فعل ذلك (2 مل 3: 4).
ملكوم: كانت هناك صلة وثيقة بين كموش إله الموآبيين وملكوم إله العمونيين، وفي كلا العبادتين كان الأطفال يُقدَّمون ذبائح بإجازتهم في النار (2 مل 3: 27).
وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ،
وَمَلأَ مَكَانَهَا مِنْ عِظَامِ النَّاسِ. [14]
ينظر إلى ملء مكانها من عظام الناس أنها نجاسة بذاتها عند اليهود كما عند الوثنيين، لأنها علامة الموت والفساد، بينما زعم الوثنيون أن الآلهة التي يعبدونها هي مصدر الحياة والخصوبة وكثرة التوليد (2 مل 21: 7).
وَكَذَلِكَ الْمَذْبَحُ الَّذِي فِي بَيْتِ إِيلَ فِي الْمُرْتَفَعَةِ الَّتِي عَمِلَهَا يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ،
فَذَانِكَ الْمَذْبَحُ وَالْمُرْتَفَعَةُ هَدَمَهُمَا،
وَأَحْرَقَ الْمُرْتَفَعَةَ وَسَحَقَهَا حَتَّى صَارَتْ غُبَارًا،
وَأَحْرَقَ السَّارِيَةَ. [15]
تنبأ نبي منذ زمن بعيد عن تصرفات يوشيا التي تشجب مذبح يربعام الأول في بيت إيل (1 مل 13: 26-32) تحقيق هذه النبوة حرفيًا يؤكد أن إنسان الله القديم هذا هو نبي حقيقي (تث 18: 22).
كانت بيت إيل موضع عبادة العجلين (1 مل 12: 32). واضح أن سلطان أشور على أرض إسرائيل في ذلك الحين (2 مل 17: 24) كان ضعيفًا، لأن ملك يهوذا جاء وهدم وذبح أناسًا وأصلح دون عائق من المسئولين. هذا يطابق ما ورد في تواريخ الممالك في زمانه، لأن مملكة أشور كانت قد أوشكت أن تسقط.
وَالْتَفَتَ يُوشِيَّا، فَرَأَى الْقُبُورَ الَّتِي هُنَاكَ فِي الْجَبَلِ،
فَأَرْسَلَ وَأَخَذَ الْعِظَامَ مِنَ الْقُبُورِ،
وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ وَنَجَّسَهُ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ.
الَّذِي نَادَى بِهِ رَجُلُ اللَّهِ الَّذِي نَادَى بِهَذَا الْكَلاَمِ. [16]
كان قد أتى من الشمال جماعة من السكيثيين، ودخلوا آسيا الصغرى، وقام البابليون والماديون على أشور، فانشغل الملك بهذه الحروب، وغضَّ النظر عما فعله يوشيا. وربما تسلَّط يوشيا وقتيًا على أرض إسرائيل.
انحرف الشعب إلى العبادة الوثنية، لذا هددهم الرب على لسان النبي بحلول الشر في كل موضع اُستخدم للشر، سواء كان جبلاً أو تلاً، واديًا أو نهرًا. يمتد السيف إلى صانعي الشر، فيُقتَلون وتُمحَى أعمالهم، وتصير مدنهم خرابًا وقفرًا، وتُباد مرتفعاتهم، وتُخرب مذابحهم، وتنكسر شمساتهم، وتذرى عظامهم حول مذابحهم علامة تدنيسها (2 مل 23: 16). هكذا يتحطم العابدون وموضوع عبادتهم ومكان العبادة نفسه.
ربما أحرق العظام على المذبح قبل هدمه، أو أحرقها في موضع المذبح ونجَّس حتى الموضع.
نادى رجل الله بهذا (1 مل 13: 2)، الذي تنبأ عن هذه الحادثة قبل حدوثها بثلاثمائة سنة، وسُمَّى يوشيا باسمه، ولم يعرف يوشيا ذلك إلا بعد أن تمت النبوة.
وَقَالَ: مَا هَذِهِ الصُّوَّةُ الَّتِي أَرَى؟
فَقَالَ لَهُ رِجَالُ الْمَدِينَةِ:
هِيَ قَبْرُ رَجُلِ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا
وَنَادَى بِهَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلْتَ عَلَى مَذْبَحِ بَيْتِ إِيلَ. [17]
يقول القديس أغسطينوس أن ما حدث هنا هو تحقيق النبوة الواردة (1 مل 13: 2، 32) التي ذكرت اسم الملك وعمله معه قبل النبوة بأكثر من 300 عام من النبوة[12].
فَقَالَ: دَعُوهُ. لاَ يُحَرِّكَنَّ أَحَدٌ عِظَامَهُ.
فَتَرَكُوا عِظَامَهُ وَعِظَامَ النَّبِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنَ السَّامِرَةِ. [18]
النبي الذي جاء من السامرة كان نبي قديم لبيت إيل (1 مل 13: 11) اسم السامرة هنا يُقصَد بها كل المنطقة، وليس مجرد المدينة التي صارت فيما بعد عاصمة مملكة الشمال (1 مل 13: 32؛ 16: 23-24).
بعد موت رجل الله الذي شجب مذبح يربعام الأول في بيت إيل طلب أن يُدفَن في بيت إيل بجانب نبي يهوذا هذا (1 مل 13: 2، 32).
وَكَذَا جَمِيعُ بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ،
الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ إِسْرَائِيلَ لِلإِغَاظَةِ أَزَالَهَا يُوشِيَّا،
وَعَمِلَ بِهَا حَسَبَ جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي بَيْتِ إِيلَ. [19]
وَذَبَحَ جَمِيعَ كَهَنَةِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هُنَاكَ عَلَى الْمَذَابِحِ،
وَأَحْرَقَ عِظَامَ النَّاسِ عَلَيْهَا،
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. [20]
إذ لم يكن كهنة المرتفعات من اللاويين اُستبعدوا حسب شريعة الله (تث 17: 2-7). أما الكهنة الحقيقيون للرب الذين كانوا يقدسون في المرتفعات بقوا. وإذ أزيلت المقدسات [8-9]. أخيرًا لم يستطع هؤلاء الكهنة أن يخدموا في الهيكل بأورشليم، فصاروا ككهنة بهم عيوب جسدية (لا 21: 17-23).
لقد أطال الله أناته عليهم لمدة 300 عامًا، وبسبب الكهنة هلك الكثيرون، لذلك وإن بدا هذا العمل فيه قسوة، فإن النبي لم يفعل عن نقمة شخصية، وإنما بسماح من الله لإنقاذ النفوس. هذا ما فعله إيليا في ذبح كهنة البعل (1 مل 18: 40). أما الآن في عهد النعمة، فلم يعد يجوز هذا الفعل.
21 وَأَمَرَ الْمَلِكُ جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلًا: «اعْمَلُوا فِصْحًا لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْعَهْدِ هذَا». 22 إِنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُ هذَا الْفِصْحِ مُنْذُ أَيَّامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ حَكَمُوا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَلاَ فِي كُلِّ أَيَّامِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ يَهُوذَا. 23 وَلكِنْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا، عُمِلَ هذَا الْفِصْحُ لِلرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ. 24 وَكَذلِكَ السَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالتَّرَافِيمُ وَالأَصْنَامُ وَجَمِيعُ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي رُئِيَتْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ، أَبَادَهَا يُوشِيَّا لِيُقِيمَ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ الْمَكْتُوبَ فِي السِّفْرِ الَّذِي وَجَدَهُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 25 وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَلِكٌ مِثْلُهُ قَدْ رَجَعَ إِلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ وَكُلِّ قُوَّتِهِ حَسَبَ كُلِّ شَرِيعَةِ مُوسَى، وَبَعْدَهُ لَمْ يَقُمْ مِثْلُهُ.
وَأَمَرَ الْمَلِكُ جَمِيعَ الشَّعْبِ:
اعْمَلُوا فِصْحًا لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْعَهْدِ هَذَا. [21]
إذ أزالوا كل أثر للعبادة الوثنية ورجاساتها، أي أزالوا عن المملكة الخميرة القديمة، تأهلوا للاحتفال بعيد الفصح أي عيد العبور.
يليق بالمؤمن ليس فقط أن يطلب من الله أن يُطَهِّرَه من الفساد، وإنما أن يعبر به من عبودية إبليس إلى مجد حرية أولاد الله. يحمل عيد الفصح اليهودي رمزًا للعبور، لا إلى أرض الموعد، بل إلى كنعان السماوية.
قام حزقيا بالاحتفال بالفصح (2 أي 30) لكن مع بعض تعديلات (2 أي 30: 13-20). أما يوشيا فالتزم بالشريعة في الاحتفال بكل دقةٍ (2 أي 35: 1-19)، الأمر الذي لم يحدث منذ عصر القضاة. هذا وقد التزم الشعب من يهوذا وإسرائيل بحفظ الشريعة (2 أي 35: 18).
يدعونا القديس أمبروسيوس أن نقتدي بالملك يوشيا من حيث غيرته المتّقدة التي اشتعلت في قلبه.
v أحبُّوا الإيمان، فإن يوشيا بتقواه وإيمانه كسب لنفسه حبًا عظيمًا من أعدائه، إذ احتفل بفصح الرب حين كان في الثامنة عشرة من عمره (حكمه)، الأمر الذي لم يفعله أحد من قبله. بغيرة فاق فيها الذين جاءوا قبله. هكذا يا أبنائي لتُظهروا غيرة على الله تلتهمكم، فيقول كل واحدٍ منكم: "غيرة بيتك أكلتني" (مز 69: 9). دُعي تلميذ المسيح "الغيور" (لو 6: 15). ولماذا أتكلم عن رسولٍ؟ فإن الرب نفسه قال: "غيرة بيتك أكلتني" (يو2: 17). لتكن لكم إذن غيرة حقيقية على الله، لا أقصد غيرة أرضية، فإن هذه تُولِّد حسدًا[13].
إِنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُ هَذَا الْفِصْحِ مُنْذُ أَيَّامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ حَكَمُوا عَلَى إِسْرَائِيلَ،
وَلاَ فِي كُلِّ أَيَّامِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ يَهُوذَا. [22]
وَلَكِنْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا،
عُمِلَ هَذَا الْفِصْحُ لِلرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ. [23]
من المفاهيم الخاطئة أن الله يريد أن ينزع عن الحياة الاحتفالات وروح البهجة، لكن الواقع أن الله يريدنا أن نمارس الحياة الفضلى في ملئها (يو10:10)، والذين يحبونه تتحول حياتهم إلى عيدٍ دائمٍ واحتفالٍ لا ينقطع.
في هذه السنة كان ترميم بيت الرب، والاجتماع العظيم في أورشليم، لأجل قراءة سفر الشريعة وتجديد العهد، وهدم المذابح الوثنية في أورشليم ويهوذا ومدن السامرة، وكان هذا كله يُعد لممارسة الاحتفال الفصح.
وَكَذَلِكَ السَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالتَّرَافِيمُ وَالأَصْنَامُ،
وَجَمِيعُ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي رُئِيَتْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ،
أَبَادَهَا يُوشِيَّا لِيُقِيمَ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ الْمَكْتُوبَ فِي السِّفْرِ،
الَّذِي وَجَدَهُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [24]
"ترافيم" كلمة عبرية تعني "مسعدات"، وهي أصنام أو آلهة رب البيت، صغيرة الحجم جدًا لسهولة حملها في الهروب بسرعة، يَعتقد الناس أنها مجلبة للفأل الحسن، وكانت تستشار في كل المقترحات (زك 10: 2). بحسب القانون البابلي كان لمن عنده الترافيم الحق في أن يرث لصيب البكر. وقد أباد يوشيا الترافيم مع غيرها من الأصنام.
وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَلِكٌ مِثْلُهُ قَدْ رَجَعَ إِلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ وَكُلِّ قُوَّتِهِ حَسَبَ كُلِّ شَرِيعَةِ مُوسَى،
وَبَعْدَهُ لَمْ يَقُمْ مِثْلُهُ. [25]
يُمتدَح كل من يوشيا وحزقيا على تقواهما؛ يوشيا بكونه أعظم من تمسك بالشريعة الإلهية في طاعة لله، فاق كل ملوك يهوذا وإسرائيل. وحزقيا بكونه أعظم من اتكل على الله في الإيمان (2 مل 18: 5).
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
26 وَلكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَرْجعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ الْعَظِيمِ، لأَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ عَلَى يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ جَمِيعِ الإِغَاظَاتِ الَّتِي أَغَاظَهُ إِيَّاهَا مَنَسَّى. 27 فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَنْزِعُ يَهُوذَا أَيْضًا مِنْ أَمَامِي كَمَا نَزَعْتُ إِسْرَائِيلَ، وَأَرْفُضُ هذِهِ الْمَدِينَةَ الَّتِي اخْتَرْتُهَا أُورُشَلِيمَ وَالْبَيْتَ الَّذِي قُلْتُ يَكُونُ اسْمِي فِيهِ».
وَلَكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ الْعَظِيمِ،
لأَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ عَلَى يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ جَمِيعِ الإِغَاظَاتِ الَّتِي أَغَاظَهُ إِيَّاهَا مَنَسَّى. [26]
بالرغم من الجهود المبذولة، فإن خطية يهوذا قد أحدقت بهم، وصار الحُكْم الإلهي بالتأديب لا مفر منه (2 مل 17: 18-19؛ 23: 26-27؛ مرا 1: 5). إن كان منسى قد تاب، لكنه بقي يجني ثمرة خطاياه، لأن توبته كانت مؤقتة.
تلخصت مشكلة مملكة يهوذا ككلٍ في السنوات الأخيرة قبل السبي البابلي في أمرين:
أولاً: لم يهتم الرؤساء المدنيون والدينيون والشعب بإصلاح قلوبهم، مكتفين بترميم الهيكل، وممارسة العبادة في شكليات بلا روح.
ثانيًا: كان الحُكَّام والشعب في صراع بين التحالف مع فرعون مصر أم مع أشور وفيما بعد مع بابل. فالغالبية لا تطيق بابل وتتوقع هجومها بين الحين والآخر، مما دفعهم للارتماء في أحضان فرعون مصر، وإن كانت خبرتهم مع الفراعنة كما مع بابل ليست بطيبة. ويمكننا إدراك ذلك الصراع مما حدث مع الملوك الخمسة الذين عاصرهم إرميا أثناء نبوته:
§ يوشيا الملك (626-609 ق.م): قتله المصريون في معركة مجدو.
§ يهوآحاز: خلعه فرعون بعد 3 شهور (2 أي 2:36).
§ يهوياقيم: أقامه فرعون عوض أخيه، وبقى مواليًا له لمدة 4 سنوات، وإذ غلب نبوخذناصَّر فرعون خضع لبابل، وكان موته غامضًا.
§ يهوياكين: بعد إقامته ملكًا عوض والده بـ3 شهور أسره نبوخذناصَّر.
§ صدقيا: أقامه نبوخذناصَّر عوض ابن أخيه. وكان في صراع بين ولائه لسيده في بابل وبين محاولته إرضاء الشعب الذي مال إلى فرعون مصر لحمايته من بابل، متطلعين إلى يهوياكين الأسير في بابل كملكٍ شرعي. تحالف صدقيا قلبيًا مع فرعون، فسباه ملك بابل بعد أن فقأ عينيه وسَبَى أورشليم ويهوذا (2 مل 1:39-7).
هكذا كان يهوذا بين حجري رحى، وعوضًا عن الالتجاء إلى الله بالتوبة للتمتع بالخلاص، اتكأ على هذا أو ذاك.
فَقَالَ الرَّبُّ: إِنِّي أَنْزِعُ يَهُوذَا أَيْضًا مِنْ أَمَامِي كَمَا نَزَعْتُ إِسْرَائِيلَ،
وَأَرْفُضُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ الَّتِي اخْتَرْتُهَا أُورُشَلِيمَ،
وَالْبَيْتَ الَّذِي قُلْتُ يَكُونُ اسْمِي فِيهِ. [27]
قد يتساءل البعض: كيف يرفض الله المدينة التي اختارها الله لنفسه، وأقام بيته فيها؟ ألم يقم يوشيا بكل هذه الإصلاحات الجبارة، مع إطاعة القادة والشعب في كل ما أمر به؟
لقد مزق يوشيا ثيابه عند سماعه كلام سفر الشريعة (2 مل 22: 11)، وأقام هذا الاجتماع الشعبي العظيم، واحتفل بعيد الفصح الذي كاد الشعب أن ينساه، وأزال العبادة الوثنية ورجاساتها لا في بيت الرب وحده، بل وفي كل المدينة وفي أرجاء المملكة كلها، بل وبلغ أثره حتى على مملكة إسرائيل التي انهارت بسببها بواسطة أشور، لكن هذا كله تم في طاعة للملك الصالح وليس في توبة ورجوع إلى الله. غالبًا ما أُعجب الكثيرون إن لم يكن الكل بالملك، لكن لا يُطلَب مجرد الإعجاب بالملك التقي، ولا الطاعة لأوامره الصادقة، إنما يُطلَب صدق نقاوة قلب الشعب والتصاقه بالرب. لهذا لم يرجع الله عن حمو غضبه.
28 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَكُلُّ مَا عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ 29 فِي أَيَّامِهِ صَعِدَ فِرْعَوْنُ نَخْوُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ. فَصَعِدَ الْمَلِكُ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ، فَقَتَلَهُ فِي مَجِدُّو حِينَ رَآهُ. 30 وَأَرْكَبَهُ عَبِيدُهُ مَيْتًا مِنْ مَجِدُّو، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ. فَأَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا وَمَسَحُوهُ وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ.
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَكُلُّ مَا عَمِلَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. [28]
لم يذكر الكتاب شيئًا عن الأحداث من السنة الثامنة عشرة ليوشيا إلى آخر حياته، أي مدة 13 سنة، ويبدو أنه حكم بحكمةٍ وفي سلام.
يذكر التاريخ أن السيكثيين هجموا على آسيا الصغرى، وانتصر ملك مصر على فينيقية، وسقطت نينوى ومملكة أشور، وقامت مملكة بابل.
فِي أَيَّامِهِ صَعِدَ فِرْعَوْنُ نَخُو مَلِكُ مِصْرَ عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ.
فَصَعِدَ الْمَلِكُ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ،
فَقَتَلَهُ فِي مَجِدُّو حِينَ رَآهُ. [29]
يتساءل البعض: إن كان فرعون نخو ملك مصر قد صعد ضد أشور، فلماذا صعد الملك يوشيا لمقاتلة نخو، وبهذا دخل في معركة انتهت بقتل الملك الصالح يوشيا؟
توجد آراء كثيرة بخصوص هذا الموقف:
أ. في خلال السنوات الطويلة ليوشيا (640-609 ق. م) بدأت قوة أشور تتدهور حتى سقطت نينوى عام 612 ق. م، وذلك كما تنبأ ناحوم. وإذ كانت مصر في تحالف مع أشور، انطلق نخو شمالاً لمساعدة الأشوريين المُحاصرين. إذ تقدَّمتْ قوة يوشيا إلى وادي مجدو لمحاولة منع المصريين من مساندة الأشوريين في حاران؛ تأخر نخو بما فيه الكفاية حتى سقطت حاران من أيدي الأشوريين. غير أن تصرُّف يوشيا كلَّفه حياته ذاتها (2 أي 35: 20-25).
كان نخو فرعون مصر يزحف عبر مملكة إسرائيل إلى أشور متحالفًا مع أشور لمحاربة بابل التي صارت تهددها، إذ أوشكت أن تصير القوة العظمى المتسلطة في العالم. وقد خشي يوشيا أن تنقلب الدولتان ضده بعد أن يعترض جيش مصر مع بابل، لذلك حاول أن يعترض جيش مصر ويمنعه من المرور في أرضه، لكن يوشيا قُتِلَ وهُزم جيشه، وخضعت يهوذا لمصر سنة 609 ق.م (2 أي 20:35-25).
v نحن نعلم أن القديسين يُصابون بأمراض ومآسٍ وعوزٍ، وربما يُجرَّبون حتى يقولوا: "حقًا، قد زكيت قلبي باطلاً، وغسلت بالنقاوة يديَّ" (مز 73: 13)...
إن ظننتَ أن عماك سببه الخطية، وأن المرض الذي غالبًا ما يستطيع الأطباء إبراءه هو شهادة على غضب الله، فإنك تحسب اسحق خاطئًا، لأنه صار غير مُبصِرٍ تمامًا، حتى خُدِعَ عندما بارك إنسانًا لم تكن في نيته أن يباركه (تك 27).
وستتهم يعقوب بالخطية، إذ صار بصره عاجزًا، حتى لم يستطع أن يرى أفرايم ومنسى (تك 48: 10)، مع أنه ببصيرته الداخلية وروح النبوة استطاع أن يرى مقدمًا الأحداث المقبلة، وإن المسيح يأتي من النسل الملوكي (تك 49: 10).
هل من ملك أكثر قداسة من يوشيا؟ لقد ذُبح بسيف المصريين (2 مل 23: 29).
هل يوجد قديسون أسمى من بطرس وبولس؟ مع هذا سُفِكَ دمهما بسيف نيرون.
*لا نتكلم بعد عن بشرٍ، ألم يحتمل ابن الله عار الصليب؟[14]
v يوشيا أيضًا اُضطهد كما أن يسوع اُضطهد. يوشيا اُضطهد وفرعون الكسيح[15] قتله (2 مل 23: 29)، والشعب الذي صار كسيحًا قتلوا (يسوع) بخطاياهم.
طهَّر يوشيا أرض إسرائيل من الدنس، ويسوع طهَّر ونزع الدنس من كل الأرض.
بجَّل يوشيا اسم إلهه ومجَّده، ويسوع قال: "مجَّدت وسأُمجد (اسمك)" (يو 12: 28).
مزَّق يوشيا ثيابه بسبب آثام إسرائيل (2 مل 22: 11، 13)، ويسوع بسبب آثام الشعب شقَّ حجاب الهيكل المقدس (مت 27: 51).
يوشيا قال: "عظيم هو غضب الرب الذي اشتعل على هذا الشعب، (2 مل 22: 13). ويسوع قال إنه يكون سخط على هذا الشعب ويقعون بفم السيف.
نزع يوشيا الدنس من الهيكل المقدس، ويسوع طرد التجَّار الدنسين من بيت أبيه.
حزنت بنات إسرائيل وولولنَّ على يوشيا، وذلك كقول إرميا: "يا بنات إسرائيل أبكين على يوشيا" (2 أي 35: 25؛ مرا 4: 20). وبكين بنات إسرائيل وحزن على يسوع، كقول زكريا: "تنوح الأرض عشائر على حدَّتها" (زك 12:12؛ لو 23: 27-28)[16].
ب. ارتكب يوشيا الملك هذا الخطأ، مع أنه عمل المستقيم في عيني الرب (2 مل 22: 2)، إلا أنه إذ صعد فرعون نخو ملك مصر لمحاربة أشور، صعد يوشيا الملك لمحاربته، مع أنه لم يصعد فرعون لمحاربة يوشيا. دخل في معركة في مجدو انتهت بقتله (2 مل 23: 29-30).
يليق بالمؤمن ألا يلقي نفسه بنفسه في معارك كان يمكنه أن يتجنبها. لهذا طلب ربنا منا أنه متى حلّ اضطهاد في مدينة، نهرب إلى أخرى، ليس خوفًا من الموت، ولا في جبنٍ وخنوعٍ، ولكن لكي لا ندفع أنفسنا بأنفسنا في تجربةٍ.
v إنه يترك لنا سلامًا وهو راحل، وسيُقدِّم لنا سلامه عندما يأتي في النهاية. سلامًا يتركه لنا في هذا العالم، وسلامه سيهبنا في العالم الآتي. يترك لنا سلامه، وإذ نسكن فيه نهزم العدو.
سيهبنا سلامه عندما لا يوجد بعد أعداء نحاربهم، فنملك كملوك.
سلامًا يترك لنا حتى نحب أيضًا بعضنا البعض هنا، وسيعطينا سلامه حين نكون فوق إمكانية حدوث نزاع.
سلامًا يتركه لنا حتى لا يدين الواحد الآخر فيما هو سرّ لكل منهما ونحن على الأرض؛ سيهبنا سلامه عندما "يُظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحدٍ من الله" (1 كو 4: 5). ومع هذا ففيه ومنه ننال السلام سواء الذي يتركه لنا وهو ذاهب عند الآب أو ما سيمنحنا إياه عندما يُحضرنا إلى الآب.
وماذا يترك لنا عندما يصعد من عندنا سوى حضوره الذي لن يسحبه منا؟ فإنه هو سلامنا الذي يجعل كلاهما واحدًا (أف 2: 14). لذلك يصير هو سلامنا، سواء عندما نؤمن بأنه هو، أو عندما نراه كما هو (1 يو 3: 2).
لأنه إن كان ونحن بعد في هذا الجسد الفاسد الذي يُثقِّل على النفس ونسير بالإيمان لا بالعيان لا يترك الذين يرحلون وهم بعيدون عنه (2 كو 5: 6–7)، كم بالأكثر عندما نبلغ تلك الرؤية، سيملأنا بنفسه[17].
v السلام الذي يتركه لنا في هذا العالم يمكن بالأكثر لياقة أن يُدعَى سلامنا لا سلامه. إذ إنه بلا خطية تمامًا، ليس فيه أي عنصر من الخلاف في نفسه. أما السلام الذي لنا هو الذي في وسطه لا نزال نقول: "اغفرْ لنا ما علينا" (مت 6: 12)... إنه ليس بالسلام الكامل، إذ نرى ناموسًا آخر في أعضائنا ضد ناموس ذهننا (رو 7:22–23)[18].
ج. أخطأ يوشيا، إذ انطلق لمحاربة نخو دون طلب مشورة الله. فإن كان نخو في صعوده كان منطلقًا لمساندة أشور في تحالف معها أو ضد أشور، فالخطأ ليس في اتجاه يوشيا السياسي، إنما بالأكثر في عدم اتكاله على الله وطلب مشورته.
جاء في سلسة "تفسير الكتاب القدس"[19]:
[عندما اتجه نخو للشمال "على ملك أشور" في عام 609 ق. م، لم يكن هذا سوى حجة ليستولي على ما يريد. ورغم أنه تظاهر بأنه ذاهب لمعونة ملك أشور، إلا أن الكتاب المقدس يوضح بواطن الأمور، لا مجرد الادعاءات الظاهرية. أما الإشارة إلى كركميش في (2 أي 35: 20) لا تتحدث عن هزيمة نخو الأخيرة في عام 605 ق. م (قارن إر 46: 2)، بل تشير بالحري إلى الهدف الذي كان يرمي إليه نخو في الغزو الاستعماري.. وهو أن يصل إلى كركميش.
وهنا رأى يوشيا أن استقلاله الذي حصل عليه حديثًا يزمع أن يأفل. ولهذا عزم بغباوة أن يعترض سير نخو، رغم أن الأخير كان عنده ما هو أهم من تلال اليهودية ليستولي عليها (2 أي 35: 21). أما الإشارة إلى ولاء يوشيا لتحالفه مع أشور أو بابل فلا أساس لها...
والأمر العجيب الغامض الذي أعطاه الله لنخو يوحي لنا بأن هذه الحرب لم يوافق عليها بعض الأنبياء كإرميا. ولكن يوشيا -كما فعل أخآب- استمع لأنبياء البلاط بدلاً من الأنبياء الآخرين.
أما اختصار كاتب سفر الملوك عن يوشيا يرينا أنه لم يكن من السهل عليه أن يُسَجِّل موت ملكٍ صالحٍ كيوشيا، سمح لنفسه أن يضل بسبب ثقته في نفسه. أما كون المعركة تمت في "مجدو"، فدليل على أن نخو لم يكن يقصد غزو يهوذا، وأنه كان يسير في الطريق العادي تجاه الشمال.]
وَأَرْكَبَهُ عَبِيدُهُ مَيِّتًا مِنْ مَجِدُّو،
وَجَاءُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ.
فَأَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا،
وَمَسَحُوهُ وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ. [30]
تذكر هذه الآية أن يوشيا مات في مدينة مجدو، لكن ذُكر في موضع آخر، إنه مات في أورشليم (2 أي 35: 24)، كيف؟
الإجابة: ذكر سفر أخبار الأيام موته فقط، أما سفر الملوك الثاني فيذكر بالتفصيل أين مات. وذكر بوضوح: "في أيامه صعد فرعون نخو ملك مصر على ملك أشور إلى نهر الفرات، فصعد الملك يوشيا للقائه فقتله في مجدو حين رآه. وأركبه عبيده ميتًا من مجدو، وجاءوا به إلى أورشليم، ودفنوه في قبره" (2 مل 23: 29-30)[20].
لا نعجب إن كان الله قد سمح لجده منسى الشرير أن يملك لمدة 55 سنة، بينما سمح بقتل يوشيا الصالح وهو صغير السن نسبيًا كما بموتٍ سريعٍ.
v لا يليق بأحدٍ أن يظن أن الموت السريع يُقلِّل من شأن الإنسان، وذلك بسبب استحقاقه. أخنوخ اُختطف (تك 5: 24) حتى لا يُفسِد المكر قلبه. يوشيا الذي احتفل بفصح الرب في السنة الثامنة عشر من حكمه بطريقة فاقت في التقوى كل الملوك السابقين، لم يعش كثيرًا باستحقاق إيمانه. إنما بالحري، إذ حلَّ تهديد بدمارٍ خطير للشعب اليهودي أُخِذ الملك البار مُقدَّمًا[21].
يقول إرميا النبي عن موت يوشيا الملك: "لا تبكوا ميتًا، ولا تندبوه. ابكوا، ابكوا من يمضي، لأنه لا يرجع بعد فيرى أرض ميلاده. لأنه هكذا قال الرب عن شلوم (يهوآحاز) بن يوشيا ملك يهوذا المالك عوضًا عن يوشيا أبيه الذي خرج من هذا الموضع لا يرجع إليه بعد؛ بل في الموضع الذي سبوه إليه يموت، وهذه الأرض لا يراها بعد" (إر 22: 10-12).
الميت المذكور هنا هو يوشيا الذي قُتِلَ في معركة مجدو عام 609 ق.م. بعد حياةٍ صالحةٍ، مما يستوجب اشتداد الحزن والحداد. ولكن إرميا يقول هنا إنه يجب ألا يشتد البكاء على يوشيا، بل يلزم البكاء على الملك الجديد الشاب يهوآحاز بن يوشيا، الذي سُبِي بعد ثلاثة شهور وعشرة أيام بواسطة فرعون مصر نخو ولم يرجع منها فيما بعد.
يدعوه إرميا النبي باسمه قبل تولِّيه الحكم "شلوم"، وليس بالاسم الملكي "يهوآحاز"، ربما لأنه يُحسب كمغتصبٍ للحكم أو كمن لا يستحق الملوكية بسبب شره وفساد حياته.
تولّى يهوآحاز الحكم مع أنه لم يكن الابن البكر (2 مل 23: 34). بل الابن الثالث ليوشيا (2 مل 24: 18؛ 1 أي 3: 15). كان الابن الأكبر ليوشيا قد مات، والثاني ألياقيم أو يهوياقيم لم يكن له ثقل، والرابع متنيا (صدقيا) جلس على العرش كآخر ملك على يهوذا. لعلّه اُختير، لأن الشعب ظنوا أنه أقوى من أخيه البكر. لقد تولَّى الحُكْم ظلمًا، لذا لم يبقَ فيه، بل سُبي إلى مصر كما جاء في سفر التثنية: "ويردك الرب إلى مصر في سُفن في الطريق التي قُلت لك لا تعد تراها، فتُباعون هناك لأعدائك عبيدًا وإماءً وليس من يشتري" (تث 28: 68). يبدو أنه لم يُسبَى معه أحد (2 أي 26: 4).
يطلب الله من الشعب أن يبكوا يهوآحاز أكثر مما بكوا والده.
ذهب يوشيا إلى القبر في سلامٍ وبكرامةٍ، لا يحتاج إلى من يبكيه، أما ابنه الشقي فتُحسَب حياته كموته بلا كرامة، يعيش في السبي في مهانة.
حقًا لقد جُرِحَ يوشيا جرحًا مميتًا في موقعة مجدو، لكن مركبته حملته إلى بلده ليُسلِّم أنفاسه في مدينته المحبوبة لديه والمُحِبة جدًا له، يلتف حوله الشعب الذي خدمه لمدة ثلاثين سنة من حياته التي بلغت الثمانية والثلاثين.
ليتنا نحن أيضًا نُسلِّم أنفاسنا الأخيرة في مدينتنا المحبوبة لدينا، أي ونحن قاطنون في ملكوت السماوات، نُسلِّم نفوسنا في يد إلهنا الذي نُكَرِّس كل طاقتنا وحياتنا لحساب ملكوته. فنقول مع الرسول بولس: "إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، إن عشنا وإن متنا فللرب نحن" (رو 14: 8).
يلزمنا أن نكرم موت الصديقين ونشتهيه، بينما نشعر ببؤس حياة الأشرار. استطاع القديس بولس أن يقول عن موته: "أخيرًا، قد وُضع لي إكليل البرّ الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل، وليس لي فقط، بل ولجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تي 4: 8). لم يكن موته مثيرًا للحزن بل للبهجة والفرح، لأنه يترقب المكافأة التي أُعدَّتْ له عن جهاده الحسن.
31 كَانَ يَهُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. 32 فَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَهُ آبَاؤُهُ. 33 وَأَسَرَهُ فِرْعَوْنُ نَخْوُ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ لِئَلاَّ يَمْلِكَ فِي أُورُشَلِيمَ، وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ.
كَانَ يَهُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ،
وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. [31]
ملك يهوآحاز لمدة ثلاثة أشهر، انتهت برجوع نخو من حاران.
يُقدِّم لنا التاريخ البابلي قصة سبي يهوآحاز، ففي عام 609 ق.م سقط آخر ملوك أشور Ashur-uballit تحت ضيقٍ شديدٍ في حاران بواسطة الجيوش الكلدانية[22]، فأسرعت مصر لمساندته خشية الخطر الكلداني الذي بدأ يظهر على مسرح التاريخ. جاء فرعون نخو إلى إسرائيل وصارت منطقة إسرائيل وسوريا في قبضته، وأقام قائده في ربلة على بعد 47 ميلاً جنوب حامة. استدعى يهوآحاز لمقابلته في ربلة كمركز قيادي لنخو في سوريا، حينئذ قيَّده وأُقتيد إلى مصر وأرسله إلى مصر[23]، ولم يرجع إلى بلده كما كان هو وشعبه يتوقعون (إر 22: 10-12).
فَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَهُ آبَاؤُهُ. [32]
يبدأ هذا الأصحاح بإصلاحات يوشيا بقوة، ومع ذلك نجد أن أولاده وشعبه قد رجعوا إلى الشرور حتى في نهاية حياته كما يظهر في سفر إرميا. ويُعَلِّل البعض ذلك بأن يوشيا استخدم العنف في الإصلاح والقوة القهرية، فكان أولاده وشعبه في حالة كبتٍ، ما أن وُجدتْ فرصة للخلاص منه، حتى ارتدوا إلى ممارسة الشر الذي كان له مكان خاص في قلوبهم. ويرى آخرون ما أن مات يوشيا الملك حتى ظهر شر الشعب، مما يدل على أن إصلاحات يوشيا كانت صادرة منه، لكن كان عموم الشعب في أعماقهم لا يقبلونها.
وَأَسَرَهُ فِرْعَوْنُ نَخُو فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ لِئَلاَّ يَمْلِكَ فِي أُورُشَلِيمَ،
وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ. [33]
يقول عنه إرميا النبي إنه لا يعود الملك من السبي (إر 22: 11-12). وقد أكَّد لهم الله أنه لن يعود ولن يرى أرضه بعد، لأنه لم يتمثّل بأبيه الصالح كما اعتدى على حق أخيه الأكبر.
34 وَمَلَّكَ فِرْعَوْنُ نَخْوُ أَلِيَاقِيمَ بْنَ يُوشِيَّا عِوَضًا عَنْ يُوشِيَّا أَبِيهِ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ، وَأَخَذَ يَهُوآحَازَ وَجَاءَ إِلَى مِصْرَ فَمَاتَ هُنَاكَ. 35 وَدَفَعَ يَهُويَاقِيمُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ لِفِرْعَوْنَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَوَّمَ الأَرْضَ لِدَفْعِ الْفِضَّةِ بِأَمْرِ فِرْعَوْنَ. كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ تَقْوِيمِهِ. فَطَالَبَ شَعْبَ الأَرْضِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لِيَدْفَعَ لِفِرْعَوْنَ نَخْوٍ. 36 كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ زَبِيدَةُ بِنْتُ فِدَايَةَ مِنْ رُومَةَ. 37 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ آبَاؤُهُ.
وَمَلَّكَ فِرْعَوْنُ نَخُو أَلِيَاقِيمَ بْنَ يُوشِيَّا عِوَضًا عَنْ يُوشِيَّا أَبِيهِ،
وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ،
وَأَخَذَ يَهُوآحَازَ، وَجَاءَ إِلَى مِصْرَ فَمَاتَ هُنَاكَ. [34]
أقام فرعون مصر الابن الآخر يهوياقيم الذي صار ألعوبة في يده، وفي عام 605 ق.م انهزمت مصر أمام بابل، وأصبحت يهوذا خاضعة لبابل (2 مل 1:24).
وَدَفَعَ يَهُويَاقِيمُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ لِفِرْعَوْنَ،
إِلاَّ أَنَّهُ قَوَّمَ الأَرْضَ لِدَفْعِ الْفِضَّةِ بِأَمْرِ فِرْعَوْنَ.
كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ تَقْوِيمِهِ.
فَطَالَبَ شَعْبَ الأَرْضِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لِيَدْفَعَ لِفِرْعَوْنَ نَخُو. [35]
أرهق يهوياقيم الشعب بالضرائب ليدفع الجزية لسيده المصري، وكان يدفعها لمدة أربع سنوات (2 مل 23: 31-35)، وقد عبد الأوثان وصنع الشر.
في السنة الرابعة من حكمه سجَّل إرميا النبوات التي نطق بها خلال السنوات السابقة، وقام باروخ بنسخها في درج، وإذ مُنِعَ إرميا من الدخول إلى بيت الله زمانًا طويلاً أمر باروخ أن يأخذ الدرج إلى الهيكل، ويقرأه أمام الشعب الحاضر بمناسبة الصوم. وصل الدرج إلى يد الملك، فاستمع إلى بعض فقراته، وعندئذ مزَّقه وأحرقه بالنار. قام إرميا بكتابة درجين كالدرج الأول مع إضافات (إر 36: 27-32) بتوجيه إلهي، ولكن الكاهن فشحور الناظر الأول للهيكل وأحد أعداء النبي وضعه في مقطرة ثم أطلقه في اليوم التالي (إر 20: 1-3).
في 605 ق.م تغلَّب نبوخذناصَّر على نخو فرعون مصر في معركة كركميش Carchemish (إر 46: 1-2)، فاضطر يهوياقيم أن يحوِّل ولاءه وخضوعه لمصر إلى بابل، لكن ظل قسم ليس بقليل من الشعب يُفَضِّل الخضوع لمصر للجهاد معها ضد بابل، ويبدو أن يهوياقيم نفسه كان يميل إلى هذا، لكن إرميا حذَّر من ذلك.
كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ.
وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ زَبِيدَةُ بِنْتُ فِدَايَةَ مِنْ رُومَةَ. [36]
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ آبَاؤُهُ. [37]
ملك يهوياقيم لفترة قصيرة (608-598 ق. م)، اتَّسمتْ بالشر المتزايد (2 أي 36: 5، 8)، ملأ الأرض بكل نوع من الشرور والعنف (إر 18: 18-20).
لا نسمع عن علاقة إرميا النبي بيوشيا الملك وابنه يهوآحاز، لكننا نسمع كثيرًا عن علاقته بالملك يهوياقيم. قال عنه: "ويل لمن يبني بيته بغير عدلٍ... يستخدم صاحبه مجانًا... عينيك وقلبك ليست إلا على خطفك وعلى سفك الدم الذكي... تُدفَن دفن حمارٍ مسحوبًا ومطروحًا بعيدًا عن أبواب أورشليم" (إر 22: 13-19)، بل ويُقتَل وتُطرَح جثته على الأرض.
فمن شروره الآتي:
أ. كان عدوًا لإرميا النبي: عنَّفه إرميا النبي على كبريائه وظلمِه خلافًا لأبيه يوشيا الرجل الصالح، ورَفضِه للعدل والبرّ (2 مل 23: 36-37). كما واجه إيليا النبي أخآب الملك، هكذا واجه إرميا النبي يهوياقيم. وقف إرميا في دار بيت الرب يُعلِنُ محاكمة الله لشعبه مُقدِّمًا لهم الرجاء الحيّ في العفو إن أعلنوا توبتهم وذلك عوض النظرة التفاؤلية التي قدَّمها الأنبياء الكذبة في رجاءٍ باطلٍ وخداعٍ. في ابتداء مُلْكِ يهوياقيم بن يوشيا مَلِك يهوذا صار الكلام من قبل الرب قائلاً:
"هكذا قال الرب: قف في دار بيت الرب وتكلم على كل مدن يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي أوصيتك أن تتكلم به إليهم. لا تنقص كلمة.
لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحدٍ عن طريقه الشرير، فأندم عن الشر الذي قصدتُ أن أصنعه بهم من أجل شر أعمالهم.
وتقول لهم هكذا قال الرب: إن لم تسمعوا لي لتسلكوا في شريعتي التي جعلتها أمامكم، لتسمعوا لكلام عبيدي الأنبياء الذين أرسلتهم أنا إليكم مبكرًا ومرسلاً إياهم فلم تسمعوا، أجعل هذا البيت كشيلوه، وهذه المدينة أجعلها لعنة لكل شعوب الأرض.
وسمع الكهنة والأنبياء وكل الشعب إرميا يتكلم بهذا الكلام في بيت الرب" (إر 26: 1-7).
كما وصفه يوسيفوس أنه لم يكن يخاف الله، ولا يهاب إنسانًا، وكان لزوجته نحوشتا أثرها عليه، هذه التي اشترك أبوها الناثان في جريمة قتل أوريّا.
ب. مزق درج الكتاب المقدس وأحرقه (إر 36: 27-32).
ج. قتل النبي أوريا بن شمعيا رجل الله، الذي نطق بكلمات قاسية ضد أورشليم وسكانها كتلك التي نطق بها إرميا، فغضب الملك حتى اضطر أوريا إلى الهروب إلى مصر، لكن الملك جاء به وضربه بحد السيف، وطرح جثته في قبور عامة الشعب انتقامًا منه لجرأته. وقد حاول الملك أن يفعل ذلك بإرميا لولا تدخل أخيقام بن شافان وغيره لإنقاذه (2 مل 26: 20-24).
د. كان يهوياقيم الملك المستبد الدكتاتور، رافضًا لإصلاحك أبيه الملك يوشيا، وكان منحازًا لفرعون مصر ومتكلاً عليه (2 مل 23: 34).
ه. كان خائنًا طماعًا وظالمًا لشعبه (إر13:22-19)، عندما أُقيم مَلِكًا في ظروف قاسية، إذ كان الملك ملتزمًا بدفع جزية باهظة لفرعون مصر (2 مل 23: 33-35)، عوض الاهتمام باحتياجات الشعب، ألزم الشعب ببناء قصره بطريقة مُبالَغ فيها.
هذا الشعب الذي كان يجب أن يُدعَى صاحبه تحوَّل إلى عبيد للملك، يعملون لحسابه بلا أجر، الأمر الذي حذَّرتْ منه الشريعة (لا 19: 13، تث 24: 14-15). كان يليق بالملك أن يحفظ هذه الشريعة، ويحميها وسط شعبه، فلا يكون بينهم مستغلاً، فإذا به هو أول كاسرٍ لها. بهذا صار مثلاً سيئًا لشعبه وقدوة فاسدة.
و. بَنَى مرتفعات توفة في وادي هنوم (جهنم) جنوب أورشليم. وكانت النيران فيها لا تنقطع، حيث يلقي الناس البقايا والعوادم.
في هذه المرتفعات كانت تُقدَّم ذبائح بشرية (2 مل 23: 10). يُقدِّم الناس أبناءهم وبناتهم ويحرقونهم بالنار تقدمة للإله مولوك. لذا يهدد الرب أورشليم انه يجعل منها "توفة" التي تعني بالعبرية أي "موضع نار" تُحرق فيها أجساد الكثيرين (2 مل 19: 13، 30: 33).
ز. تمرَّد على بابل بتحالفه مع مصر، فأخذه نبوخذناصر أسيرًا إلى بابل (2 أي 6:36)، لكنه عاد فسمح له بالعودة إلى أورشليم حيث مات.
v يا له من منظر بديع أن يجتمع الكل معًا في حضورك.
يجتمع في داخلي الملك مع كل شيوخ يهوذا وسكان أورشليم والكهنة والأنبياء،
بحضورك أتمتع بسلطانٍ روحي، فأصير كملكٍ أتحدى إبليس وكل قواته.
تهبني الحكمة السماوية، فأصير كأحد الشيوخ المقدسين.
أسكن كما في السماء، فأصير من سكان أورشليم العليا أمنا.
تقبل صلواتي وكل عبادتي، ذبيحة تسبيح أقدمها ككاهنٍ.
تنير أعماقي وأتعرف على أسرار حبك، كنبيٍ روحيٍ.
v يجتمع كل كياني حول شريعتك المقدسة.
لكي يُجَدِّد الجميع العهد معك!
لتجتمع كل طاقاتي معًا في حضورك الإلهي.
يجتمع العقل مع القلب وكل الحواس والعواطف.
تتقدس كل أعضاء جسمي مع نفسي بك، يا أيها القدوس!
لتعمل كلمتك فيّ، فأصير بالحق هيكلك المقدس.
لتتجلي في داخلي، وتسكب بهاءك في أعماقي.
v من ينزع عني كل بصمات الفساد إلا نعمتك؟!
من يطرد كل لذة شريرة إلا حلولك في داخلي؟
من يُكَرِّس كل طاقاتي لحساب مملكتك،
إلا روحك القدوس الساكن فيّ!
v لتعلن يا رب سكناك فيَّ!
ولتُقم ملكوتك الإلهي في داخلي!
ليملأ سلامك وفرحك وبهاؤك أعماقي!
لتصير نفسي وكالة السماء!
v أدخل معك في عهدٍ جديدٍ،
فاحتفل بفصحٍ روحيٍ يَعْبُرُ بي إلى أحضانك.
ويصير ناموسك دستور حياتي!
لتصرخ أعماقي: أنت لي، وأنا لك يا حبيب نفسي!
v قد أُعجَب بقادة روحيين وأقتدى بهم.
قد أُمارِس أعمالاً مقدسة،
لكن من يمس قلبي ويلهبه بالحب سواك؟!
من يهبني نقاوته وإخلاصه واتساعه للحق غيرك؟
توبني فأتوب، اشفني فُأشفَي!
رُدِّني إليك، فالتصق بك!
_____
[1] Unger's Survey of the Bible, 1981, p. 191.
[2] الميمر 6 على النجم الذي ظهر للمجوس وعلى قتل الأطفال (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سوني).
[3] الميمر 19 على سؤال ربنا وعلى التجلي الذي قبله سمعان من الآب (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سوني).
[4] الميمر 79 على البرقع الذي على وجه موسى (خر 34: 33-35) (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سوني).
[5] In Jer. hom. 9: 1, 2.
[6] Commentary on Rom 9: 4.
[7] R.E. Clements: Interpretation, Jeremiah, Atlanta 1988, p.104.
[8] Letter 185:19.
[9] Cf. Adam Clarke Commentary.
[10] Cf. Adam Clarke Commentary.
[11] Cf. Jamieson, Fausset and Brouin Commentary.
[12] City of God, Book 17:14.
[13] Duties of the Clergy, 2:30:154.
[14] Letter 68, to Castrutius 1.
[15] فرعون نخو. يفسر الربِّيين اسمه العائلي بالكسيح.
[16] Demonstration 21:17.
[17] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 77: 3.
[18] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 77: 4.
[19] مركز المطبوعات المسيحية، الجزء الثاني، بيروت 1966، ص 250-251.
[20] When Critics ask: A popular handbook on Bible difficulties. Wheaton، III.: Victor Books. Geisler، N. L.، & Howe، T. A. (1992).
[21] Consolation o the Death of Emperor Valentinian, 57.
[22] D.J. Wiseman: Chronicle of Chaldaean Kings, p. 63.
[23] See J. Bright: A History of Israel, p. 303, Thompson, p. 476.
← تفاسير أصحاحات الملوك ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير ملوك الثاني 24 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير ملوك الثاني 22 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bp9msqp