← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36
اَلأَصْحَاحُ الْعَاشِرُ
بلا شك قام ياهو بمجهود ضخم لإبادة كل بيت أخاب أينما وُجدوا، فتحققت نبوة إيليا النبي بأنه لن يبقى أحد من نسل أخاب الذكور (1 مل 17:21-24). كما قام بتحطيم عبادة البعل. لكن الخلاص من هذا الشر لم يتبعه عمل إيجابي لبناء عبادة الرب، فإنه لم يسلك في شريعة الرب من كل قلبه، كما لم يحد عن خطايا يربعام الذي جعل إسرائيل يُخطئ. وكأنه جعل إسرائيل بيتًا فارغًا.
ياهو يُمَثِّل الإنسان الغيور على كنيسة الله، لكنه مُستعبَد من خطايا أو شهوات لا يسعى للخلاص منها، أو يشبه الإنسان الجاد في الخلاص من السلبيات دون التحرُّك بالنعمة الإلهية للتمتُّع بالإيجابيات.
لقد كافأه الرب من أجل أعماله، بأن يجلس أبناؤه على كرسي إسرائيل إلى الجيل الرابع فقط.
هنا يتنقل الكاتب من الحديث عن إسرائيل إلى الحديث عن يهوذا. كانت عثليا ابنة أخاب وإيزابل، زوجة يورام ملك يهوذا لمدة ست سنوات (831-835 ق. م؛ 2 أي 22: 10، 23: 21)، تحب الشر وتتسم بالعنف، تبطش بالأتقياء.
|
1-10. |
|
|
11. |
|
|
12-14. |
|
|
15-17. |
|
|
18-28. |
|
|
29-31. |
|
|
32-36. |
1 وَكَانَ لأَخْآبَ سَبْعُونَ ابْنًا فِي السَّامِرَةِ. فَكَتَبَ يَاهُو رَسَائِلَ وَأَرْسَلَهَا إِلَى السَّامِرَةِ، إِلَى رُؤَسَاءِ يَزْرَعِيلَ الشُّيُوخِ وَإِلَى مُرَبِّي أَخْآبَ قَائِلًا: 2 «فَالآنَ عِنْدَ وُصُولِ هذِهِ الرِّسَالَةِ إِلَيْكُمْ، إِذْ عِنْدَكُمْ بَنُو سَيِّدِكُمْ، وَعِنْدَكُمْ مَرْكَبَاتٌ وَخَيْلٌ وَمَدِينَةٌ مُحَصَّنَةٌ وَسِلاَحٌ، 3 انْظُرُوا الأَفْضَلَ وَالأَصْلَحَ مِنْ بَنِي سَيِّدِكُمْ وَاجْعَلُوهُ عَلَى كُرْسِيِّ أَبِيهِ، وَحَارِبُوا عَنْ بَيْتِ سَيِّدِكُمْ». 4 فَخَافُوا جِدًّا جِدًّا وَقَالُوا: «هُوَذَا مَلِكَانِ لَمْ يَقِفَا أَمَامَهُ، فَكَيْفَ نَقِفُ نَحْنُ؟» 5 فَأَرْسَلَ الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَالَّذِي عَلَى الْمَدِينَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمُرَبُّونَ إِلَى يَاهُو قَائِلِينَ: «عَبِيدُكَ نَحْنُ، وَكُلَّ مَا قُلْتَ لَنَا نَفْعَلُهُ. لاَ نُمَلِّكُ أَحَدًا. مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ فَافْعَلْهُ». 6 فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً قَائِلًا: «إِنْ كُنْتُمْ لِي وَسَمِعْتُمْ لِقَوْلِي، فَخُذُوا رُؤُوسَ الرِّجَالِ بَنِي سَيِّدِكُمْ، وَتَعَالَوْا إِلَيَّ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا إِلَى يَزْرَعِيلَ». وَبَنُو الْمَلِكِ سَبْعُونَ رَجُلًا كَانُوا مَعَ عُظَمَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ رَبَّوْهُمْ. 7 فَلَمَّا وَصَلَتِ الرِّسَالَةُ إِلَيْهِمْ أَخَذُوا بَنِي الْمَلِكِ وَقَتَلُوا سَبْعِينَ رَجُلًا وَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فِي سِلاَل وَأَرْسَلُوهَا إِلَيْهِ إِلَى يَزْرَعِيلَ. 8 فَجَاءَ الرَّسُولُ وَأَخْبَرَهُ قَائِلًا: «قَدْ أَتَوْا بِرُؤُوسِ بَنِي الْمَلِكِ». فَقَالَ: «اجْعَلُوهَا كُومَتَيْنِ فِي مَدْخَلِ الْبَابِ إِلَى الصَّبَاحِ». 9 وَفِي الصَّبَاحِ خَرَجَ وَوَقَفَ وَقَالَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «أَنْتُمْ أَبْرِيَاءُ. هأَنَذَا قَدْ عَصَيْتُ عَلَى سَيِّدِي وَقَتَلْتُهُ، وَلكِنْ مَنْ قَتَلَ كُلَّ هؤُلاَءِ؟ 10 فَاعْلَمُوا الآنَ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ مِنْ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى الأَرْضِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَى بَيْتِ أَخْآبَ، وَقَدْ فَعَلَ الرَّبُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ إِيلِيَّا».
وَكَانَ لأخاب سَبْعُونَ ابْنًا فِي السَّامِرَةِ.
فَكَتَبَ يَاهُو رَسَائِلَ،
وَأَرْسَلَهَا إِلَى السَّامِرَةِ إِلَى رُؤَسَاءِ يَزْرَعِيلَ الشُّيُوخِ،
وَإِلَى مُرَبِّي أخاب قَائِلاً: [1]
كان أبناء أخاب وأحفاده في السامرة يبلغون 70 شخصًا، إذ كان له أكثر من زوجة. اجتمعوا في العاصمة، بينما رحل الملك إلى راموت جلعاد للشفاء من جراحاته والاستجمام. اجتمعوا في حصن بالمدينة على أثر سماعهم أخبار مؤامرة ياهو ضد الملك واغتصابه العرش.
إلى رؤساء يزرعيل: ربما كان رؤساء يزرعيل قد هربوا من يزرعيل إلى السامرة. جاء في الترجمة اليسوعية "إلى رؤساء إسرائيل". وفي ترجمة أخرى: "أرسلها من يزرعيل إلى رؤساء السامرة والشيوخ".
فَالآنَ عِنْدَ وُصُولِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ إِلَيْكُمْ،
إِذْ عِنْدَكُمْ بَنُو سَيِّدِكُمْ،
وَعِنْدَكُمْ مَرْكَبَاتٌ وَخَيْلٌ وَمَدِينَةٌ مُحَصَّنَةٌ وَسِلاَحٌ، [2]
غاية هذه الرسالة استكشاف ما في قلب هؤلاء الرؤساء، هل سيأخذون منه موقف الخضوع له وقبوله ملكًا، أم موقف العداء والدفاع عن بيت أخاب، حتى بعد قتل ابنه يورام ووالدته إيزابل.
بقوله: "عندكم مركبات" في تهكُّم يقول لهم ما معناه: "إن كان عندكم أمراء وقادة حرب ومركبات وحصون وأسلحة الخ"، فأقيموا أحد أبناء أو أحفاد أخاب لتقيموه ملكًا فتعالوا نتحارب، وقد عرف تمامًا أنهم لا يفعلون هذا.
v امتطى فرعون خيله، فسقط في نومٍ وهلك. كان للمصريِّين أيضًا خيولهم وهلكوا. لهذا السبب فإن الشريعة قدَّمت دواء ألاَّ يملك عبراني خيلاً. تذكَّر أن سليمان لم يكن له حصان من أورشليم أو من اليهوديَّة، إنَّما اشترى بعض الخيل من مصر. كانت الخيول تُبَاع في مصر. "هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أمَّا نحن فباسم الرب إلهنا نذكر" (مز 19: 8). هؤلاء بالحق الذين يمتطون خيولاً ينامون ويهلكون. ربَّنا له خيول أيضًا، لكن له بجانب ذلك جبال مُشرِقة، أمَّا جبال الشيطان فمملوءة ظلامًا[1].
انْظُرُوا الأَفْضَلَ وَالأَصْلَحَ مِنْ بَنِي سَيِّدِكُمْ،
وَاجْعَلُوهُ عَلَى كُرْسِيِّ أَبِيهِ،
وَحَارِبُوا عَنْ بَيْتِ سَيِّدِكُمْ. [3]
كشفت هذه الرسالة عن شخصية ياهو، فهو رجل عسكري شجاع وجريء، يحقق أهدافه دون أن يفقد فرصة أو يؤجِّل. وضع في قلبه أن يبدأ بالسامرة، لأنه إن حدث تمرُّد عليه ستقتفي بعض مدن إسرائيل بها، فلا يستطيع التحكُّم في الموقف بسهولة.
كتب للقيادات والنبلاء الذين قاموا بتربية أبناء الملك كما كانت عادة ذلك الزمان، إذ خشي أن يتعاطفوا معهم بسبب تربيتهم لهم.
لم يطلب معهم الدخول في حوارٍ أو جدالٍ، فالأمر لا يحتاج إلى مناقشات؛ إما قبوله ملكًا أو الدخول في معركة حربية. تركهم يأخذون قرارهم فيها بينهم، أما هو فلن يتنازل عن قراره.
فَخَافُوا جِدًّا جِدًّا وَقَالُوا:
هُوَذَا مَلِكَانِ لَمْ يَقِفَا أَمَامَهُ،
فَكَيْفَ نَقِفُ نَحْنُ؟ [4]
ارتعبت كل القيادات في إسرائيل، وخضعوا لياهو الذي قتل ملكي إسرائيل ويهوذا.
لقد عرفوا أنه بعث إليهم هذه الرسالة يتهكم عليهم ولا يخاف منهم، فهو يعلم أنهم بلا ملكٍ، وأنهم مرتبكون، إذ كانوا سابقًا عبيدًا للملك، اعتادوا الطاعة لأوامره بلا نقاشٍ، ولا دور لهم في التدبير.
فَأَرْسَلَ الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَالَّذِي عَلَى الْمَدِينَةِ،
وَالشُّيُوخُ وَالْمُرَبُّونَ إِلَى يَاهُو قَائِلِينَ:
عَبِيدُكَ نَحْنُ، وَكُلَّ مَا قُلْتَ لَنَا نَفْعَلُهُ.
لاَ نُمَلِّكُ أَحَدًا.
مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ فَافْعَلْهُ. [5]
كتب إليه "الذي على البيت" أي الياور أو القائم على البلاط الملكي (1 مل 4: 6)، وفي نفس الوقت يُعتَبَر حاكم المدينة، وكان يُناط إليه بالكتابة للحكام. اشترك في الرسالة القيادات الرئيسية ليعلن الجميع خضوعهم له، دون أية شروط، ودون الدخول في معاركٍ، وبغير سفك أية دماء.
فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً قَائِلاً:
إِنْ كُنْتُمْ لِي وَسَمِعْتُمْ لِقَوْلِي،
فَخُذُوا رُؤُوسَ الرِّجَالِ بَنِي سَيِّدِكُمْ، وَتَعَالُوا إِلَيَّ،
فِي نَحْوِ هَذَا الْوَقْتِ غَدًا إِلَى يَزْرَعِيلَ.
وَبَنُو الْمَلِكِ سَبْعُونَ رَجُلاً،
كَانُوا مَعَ عُظَمَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ رَبُّوهُمْ. [6]
لم يعطهم وقتًا للتفكير، إنما طلب أن يأتوا برؤوس الرجال في اليوم التالي لتأكيد أنهم قتلوهم دون أن يقوموا بتهريب أحد منهم.
لكي يطمأن ياهو من استقرار مملكته، طلب رؤوس المنافسين له، فلا يكون له أعداء، كما لا يعطي فرصة لأحد سواء في الجيش أو خارجه المناداة بأحد أبناء أخاب أو أحفاده ملكًا. في النقوش والتماثيل الأشورية كثيرًا ما نرى جنودًا يبعثون رؤوس أناس من مكان إلى آخر، لا في سلالٍ، بل يمسكون بشعر الرأس[2].
كان من العادات الشرقية التي يمارسها مغتصبو العرش أن يُمارَس عمل بربري خاص بقتل كل من يمكن أن يكون له حق اعتلاء العرش.
إذ طلب منهم الحضور إليه في يزرعيل، واضح أنه بدأ ممارسة عمله كملكٍ في قصر الملك بيزرعيل، وأن رسائله التي كتبها للقيادات في السامرة، كتبها من القصر.
فَلَمَّا وَصَلَتِ الرِّسَالَةُ إِلَيْهِمْ أَخَذُوا بَنِي الْمَلِكِ،
وَقَتَلُوا سَبْعِينَ رَجُلاً،
وَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فِي سِلاَلٍ،
وَأَرْسَلُوهَا إِلَيْهِ إِلَى يَزْرَعِيلَ. [7]
لم يذهبوا إليه، لأنهم ربما خافوا أن يقتلهم هم أيضًا؛ إنما أرسلوا إليه رؤوس الرجال، ولعلهم خجلوا من هذا الفعل كيف يقتلون من قاموا بتربيتهم، وقد كانوا عبيدًا للملك يظهرون كأشخاص مخلصين له ولأسرته.
لعب قطع الرأس دورًا كبيرًا في تحطيم الجيوش حتى القوية، فقد ارتبطت الجيوش قديمًا في نصرتها أو هزيمتها بقائد الجيش أو الملك. فلما قطع الصبي داود رأس جليات الجبار انكسر جيش الفلسطينيين في الحال (1 صم 17: 54). لذات الهدف علَّق سكان يابيش جلعاد جسد شاول الملك ويديه على السور بالمسامير (1 صم 31: 9-12)، وعائلة أخاب (2 مل 10: 7-8). كذلك علَّق اليهود رأس نكانور Nicanor القائد السلوقي (السوري) وذراعه اليمين على السور قبالة أورشليم (1 مك 7: 37؛ 2 مك 15: 35)، وطلبت يهوديت تعليق رأس أليفانا رئيس جيش أشور التي قامت بقطعها.
فَجَاءَ الرَّسُولُ وَأَخْبَرَهُ:
قَدْ أَتُوا بِرُؤُوسِ بَنِي الْمَلِكِ. فَقَالَ:
اجْعَلُوهَا كُومَتَيْنِ فِي مَدْخَلِ الْبَابِ إِلَى الصَّبَاحِ. [8]
كومتان: وضع الرؤوس في كومتين واحدة عن اليمين، والأخرى عن اليسار في مدخل الباب ليراها جميع الداخلين والخارجين، فيهابون ياهو، ويخضعون له، خاصة الذين كانوا يناصرون بيت أخاب.
هذا العرض الذي تم ليلاً بمجرد وصول رؤوس بني الملك بقي حتى الصباح، لكي ينتشر الخبر ليس في يزرعيل وحدها، بل على مستوى البلاد جميعًا، إذ غالبًا ما جاء القادة من كل البلاد يعلنون روح الطاعة والخضوع له.
هذا المنظر يُحَطِّم كل فكرٍ أو محاولةٍ للثورة أو للمقاومة ضد ياهو.
وُجدتْ هذه العادة قديمًا في بلاد كثيرة، مثل تركيا وفارس وبغداد. كان عرض رؤوس الأعداء قديمًا يُعَبِّر عن مجد النصرة. كانوا أحيانًا يُشَيِّدون كومة من رؤوس الأعداء عند باب القصر الملكي على شكل هرم. وكان المصريون يجمعون الأيادي ليحصوا بها عن القتلى من الأعداء، أما شاول فطلب من داود جمع جزء آخر من أجسام القتلى (1 صم 8: 25، 27).
لا نعجب من ذلك فإنه حتى بداية القرن العشرين كانت بعض البلاد تقوم باستعراض جثث المجرمين[3].
وَفِي الصَّبَاحِ خَرَجَ وَوَقَفَ، وَقَالَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ:
أَنْتُمْ أَبْرِيَاءُ.
هَئَنَذَا قَدْ عَصَيْتُ عَلَى سَيِّدِي وَقَتَلْتُهُ،
وَلَكِنْ مَنْ قَتَلَ كُلَّ هَؤُلاَءِ؟ [9]
في خطاب ياهو للشعب تظاهر أن أبناء وأحفاد الملك قتلهم الشيوخ والقادة بسبب عدم فهمهم لرسالته، وأنه على أي الأحوال ما حدث هو حكم إلهي عادل بسبب شر بيت الملك.
ما قاله حق، لأن الأمر صدر من قبل الرب على فم إيليا النبي (1 مل 21: 21). غير أن قوله أنه لم يقتل بني الملك لم يكن صادقًا تمامًا، لأن القتل تم بُنَاء على أمرٍ منه.
ربما شعر البعض بالذنب، كيف كانوا مخلصين لبيت أخاب، وفجأة ينضمون إلى قاتله، لذا أراد إراحة ضمائرهم:
1. من جهةٍ لم يرتكب أحد من الشعب أية خيانة أو جريمة ضد بيت أخاب.
2. جاء قتل أبناء أخاب عن سوء فهم لرسالته.
3. أن ما حدث إنما حدث بناء على كلام الرب نفسه هذا الذي لن تسقط كلمة من كلماته.
احتشد جمعٌ عظيم، الكل يود أن يسمع ما راء هذه القصة. حتمًا كان البعض يحمل نوعًا من الولاء لأخاب وأهل بيته، والبعض كان في ثورة داخلية ضدهم. وكان لياهو أن يخبرهم ما وراء اغتيال الملكين وإيزابل، والمذبحة التي تمت في السامرة. كان الموقف حرجًا! حقًا لدى ياهو إمكانيات عسكرية لن يقف أمامها أحد في المملكة، لكن كان يلزم أن يُقنِع الشعب والقادة بتصرفاته الجريئة السريعة دون التشاور مع أحد.
إنه يواجه أصدقاء موالين لبيت أخاب ولو في الخفاء، ويواجه رجال البلاط الملكي الذين يشعرون بفضل بيت أخاب عليهم.
فَاعْلَمُوا الآنَ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ مِنْ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلَى الأَرْضِ،
الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَى بَيْتِ أخاب،
وَقَدْ فَعَلَ الرَّبُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ إِيلِيَّا. [10]
يصعب تقييم شخصية ياهو، فهو من جانب يحترم كلمة الرب على ألسنة الأنبياء، ويحسب نفسه آلة في يد الله لتحقيق أحكامه. قاوم عبادة البعل وبذل كل الجهد لاقتلاعها. ومن جانب آخر عبد عجول الذهب التي في بيت إيل ودان (2 مل 10: 29). لقد استخدم تحقيقه لأحكام الله لحساب أغراضه الخاصة في نوعٍ من الأنانية.
v فوق كل شيء، كلمات الرب كافية لتثبت قلوبنا في الروح القدس، قائدنا، فتبقى ثابتة لا تتزعزع في قبول كل كلمة تصدر من فم الله (تث 8: 3)... يقول داود: "كل وصاياه أمينة، ثابتة مدى الدهر والأبد، مصنوعة بالحق والاستقامة" (مز 111: 7-8)... يقول ياهو في سفر الملوك: "فاعلموا الآن أنه لا يسقط من كلام الرب إلى الأرض الذي تكلم به" (2 مل 10: 10)[4].
وَقَتَلَ يَاهُو كُلَّ الَّذِينَ بَقُوا لِبَيْتِ أخاب فِي يَزْرَعِيلَ،
وَكُلَّ عُظَمَائِهِ وَمَعَارِفِهِ وَكَهَنَتِهِ،
حَتَّى لَمْ يُبْقِ لَهُ شَارِدًا. [11]
بقتله كل عظمائه ومعارفه وكهنته، غالبًا ما قتل بعضًا ممن قطعوا رؤوس أبناء أو أحفاد أخاب السبعين. لم يقف عند إبادة أخاب وبيته كأمر الرب، وإنما قتل كل أصحاب السلطة الذين يمكن أن يتحالفوا أو يتعاطفوا مع بيت أخاب ضده حتى بعد قتلهم.
لم يقصد هنا جميع كهنة البعل، إذ قام فيما بعد بتدبير مؤامرة لقتلهم جميعًا (2 مل 10: 19)، إنما يقصد هنا كهنة البعل المرتبطين بالبلاط الملكي، إذ لهم دور سياسي وسلطان.
تجاوز ياهو في غيرته الأمر الإلهي. وقد أعلن هوشع النبي بعد ذلك القصاص على أسرة ياهو من أجل هذا التهور العنيف (هو 4:1-5).
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
12 ثُمَّ قَامَ وَجَاءَ سَائِرًا إِلَى السَّامِرَةِ. وَإِذْ كَانَ عِنْدَ بَيْتِ عَقْدِ الرُّعَاةِ فِي الطَّرِيقِ، 13 صَادَفَ يَاهُو إِخْوَةَ أَخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا، فَقَالَ: «مَنْ أَنْتُمْ؟» فَقَالُوا: «نَحْنُ إِخْوَةُ أَخَزْيَا، وَنَحْنُ نَازِلُونَ لِنُسَلِّمَ عَلَى بَنِي الْمَلِكِ وَبَنِي الْمَلِكَةِ». 14 فَقَالَ: «أَمْسِكُوهُمْ أَحْيَاءً». فَأَمْسَكُوهُمْ أَحْيَاءً وَقَتَلُوهُمْ عِنْدَ بِئْرِ بَيْتِ عَقْدٍ، اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رَجُلًا وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا.
ثُمَّ قَامَ وَجَاءَ سَائِرًا إِلَى السَّامِرَةِ.
وَإِذْ كَانَ عِنْدَ بَيْتِ عَقْدِ الرُّعَاةِ فِي الطَّرِيق [12]
"بيت عقد الرعاة" جاءت في الترجمة اليسوعية "بيت مجمع الرعاة"، وفي الترجمة الإنجليزية "بيت الجز للرعاة"، أي المكان الذي كان الرعاة يجزون غنمهم فيه كل عامٍ. ربما كلمة "عقد" تشير إلى ربط الغنم عند جزها.
"بيت عقد" تعني بيت الرباط المعقود، وهو موضع بجوار جبل جلبوع Gilboa.
صَادَفَ يَاهُو إِخْوَةَ أَخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا.
فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟
فَقَالُوا: نَحْنُ إِخْوَةُ أَخَزْيَا،
وَنَحْنُ نَازِلُونَ لِنُسَلِّمَ عَلَى بَنِي الْمَلِكِ وَبَنِي الْمَلِكَةِ. [13]
بقولهم "إخوته" هنا يقصدون أقرباءه، خاصة أولاد إخوته، لأن إخوته كانوا قد قتلوا (2 أي 21: 17؛ 22: 8).
تحرك ياهو السريع مع الحزم الشديد، جعل الكل يخشون الحديث في هذه الأحداث الذي أطفى عليها نوعًا من الكتمان إلى حدٍ ما، لأن أقرباء الملكين كما نرى هنا جاءوا للسلام على بني الملك وبني الملكة، ولم يكونوا يدرون بما حدث، فتعرضوا هم أنفسهم للقتل.
هؤلاء التقوا بياهو وهم في طريقهم إلى السامرة حيث يتوقعون اللقاء مع بني الملك وبني الملكة، إذ كان البعض مقيمين في القصر الملكي بيزرعيل، وآخرون في القصر الملكي بالسامرة.
فَقَالَ: أَمْسِكُوهُمْ أَحْيَاءً.
فَأَمْسَكُوهُمْ أَحْيَاءً،
وَقَتَلُوهُمْ عِنْدَ بِئْرِ بَيْتِ عَقْدٍ،
اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رَجُلاً،
وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. [14]
ربما افتكر أولاً أن يأسرهم، لكنه عاد فاستحسن أن يقتلهم؛ أو أمر أن يمسكوهم حتى لا يهربوا قبل أن يتمكن من قتلهم.
15 ثُمَّ انْطَلَقَ مِنْ هُنَاكَ فَصَادَفَ يَهُونَادَابَ بْنَ رَكَابٍ يُلاَقِيهِ، فَبَارَكَهُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ قَلْبُكَ مُسْتَقِيمٌ نَظِيرُ قَلْبِي مَعَ قَلْبِكَ؟» فَقَالَ يَهُونَادَابُ: «نَعَمْ وَنَعَمْ». «هَاتِ يَدَكَ». فَأَعْطَاهُ يَدَهُ، فَأَصْعَدَهُ إِلَيْهِ إِلَى الْمَرْكَبَةِ. 16 وَقَالَ: «هَلُمَّ مَعِي وَانْظُرْ غَيْرَتِي لِلرَّبِّ». وَأَرْكَبَهُ مَعَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ. 17 وَجَاءَ إِلَى السَّامِرَةِ، وَقَتَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ بَقُوا لأَخْآبَ فِي السَّامِرَةِ حَتَّى أَفْنَاهُ، حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ إِيلِيَّا.
ثُمَّ انْطَلَقَ مِنْ هُنَاكَ، فَصَادَفَ يَهُونَادَابَ بْنَ رَكَابٍ يُلاَقِيهِ،
فَبَارَكَهُ وَقَالَ لَهُ:
هَلْ قَلْبُكَ مُسْتَقِيمٌ نَظِيرُ قَلْبِي مَعَ قَلْبِكَ؟
فَقَالَ يَهُونَادَابُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ.
فَأَعْطَاهُ يَدَهُ، فَأَصْعَدَهُ إِلَيْهِ إِلَى الْمَرْكَبَةِ. [15]
"يهوناداب" معناها "الرب نبيل أو كريم". كان قريب ياهو، وهو ابن ركاب القيني، ناسك تقي مخلص في علاقته مع الله. أسس جماعة "الركابيين" على اسم أبيه ركاب. أوصاهم أن يهيموا في البرية، لا يبنون بيوتًا، ولا يغرسون زرعًا، بل يسكنون في خيامٍ (إر 35: 1-16). أوصى بنيه ألا يشربوا خمرًا هم وبنوهم إلى الأبد.
أظهر غيرته بانفصاله هو وأسرته عن عبادة الأوثان، حاولوا الانفصال في حياتهم عن ضغوط المجتمع ومغرياته، ويرسم لنا إرميا في الأصحاح الخامس والثلاثين صورة رائعة لتكريسهم لله لهذا جاء الوعد الإلهي: "لا ينقرض من ذرية يوناداب بن ركاب رجل يمثل أمامي كل الأيام" (إر 18:35-19).
أشار إليهم إرميا النبي ومدحهم، كما جاء تاريخهم يبرز تقواهم. هذا يكشف عن وجود أناس أتقياء في إسرائيل (الأسباط العشرة)، وإن كانوا قلة قليلة.
كان يهوناداب رئيس قبيلة القينيين (إر 35: 6-9) وهو من مقاومي عبادة البعل. أعطت شجاعة يوناداب بن ركاب الركابيين مكانة ممتازة. كان مثل ياهو رجلاً غيورًا في السير وراء الرب. خرج لملاقاة ياهو بن نمشى بعد مسحه ملكًا على إسرائيل حيث أباد ياهو بيت أخاب الشرير إذ رآه ياهو باركه، أي حيَّاه. كان مستعدًا للاتحاد مع ياهو، هذا وقد رأى ياهو أن بالاتحاد معه يكسب كل القبيلة. رافق حوباب القيني بني إسرائيل في رحلتهم من مصر، وبعد دخولهم كنعان، سكن القينيون في جنوب يهوذا.
قال له ياهو: هل قلبك مستقيم نظير قلبي مع قلبك؟ فقال يهوناداب: نعم، نعم (2 مل 10: 15)، فهتف ياهو فجأة: "هات يدك"، فناوله إيَّاها وأصعده إلى المركبة قائلاً: هلمَّ معي وانظر غيرتي للرب. من هنا نستنتج أن ياهو كان يعرف يهوناداب جيدًا باعتباره رجلاً مُكرَّسًا لعبادة الرب، وكارهًا لعبادة الأوثان، لأنه لم يختلط بعبدة البعل في هيكل السامرة قبل قتلهم.
"هات يدك": هذا قول ياهو ليهوناداب. هذا التعبير يحمل من جانب مساعدة ياهو ليهوناداب ليصعد إليه في المركبة، ومن جانب آخر علامة قيام معاهدة بينهما. وجوده معه في المركبة علامة ظاهرة أمام الشعب أن الاثنين متفقان معًا في الفكر.
أما يهوناداب فلما رأى ياهو يسير في طريق بيت يربعام انسحقت روحه فيه بسبب هذه الإهانات الموجهة إلى الرب، وقاده ذلك إلى أن يلزم نفسه بلون من الحياة يشهد بحكمه الأدبي على الشر وعلى رفضه أن يُمَتِّع نفسه بمباهج الحياة أو حتى أن يكون مواطنًا في تلك الأرض التي جعلت عبادة الرب مستحيلة بدون النعمة الإلهية.
وَقَالَ: هَلُمَّ مَعِي، وَانْظُرْ غَيْرَتِي لِلرَّبِّ.
وَأَرْكَبَهُ مَعَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ. [16]
يروى لنا سفر مكابيين الأول أمانة بيت ركاب الذين جاء المكابيون من نسلهم في حفظ ناموس الرب، والتمسُّك بعبادة الله الحي، وغيرتهم على الإيمان في أيام أبيفانوس. وقد جاء عنوان المزمور 71 في الترجمة السبعينية: "عن بيت يهوناداب بن ركاب والذين أقتيدوا أولاً إلى السبي". جاء في المزمور: "صرت كآبة لكثيرين، وأما أنت فملجأي القوي، يمتلئ فمي من تسبيحك اليوم كله من مجدك" ( مز 7:71-8). "أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة ورديئة تعود فتحيينا، ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنا، تزيد عظمتي وترجع فتعزيني" ( مز 20:71-21).
أما أن يفتخر ياهو أمام يهوناداب، قائلاً: انظر غيرتي للرب"، فكان في حقيقته مخادعًا، ربما حتى لنفسه!
يا لك من مراءٍ متشامخ وقاتل! هل لك غيرة ليهوه وديانته النقية؟! هوذا عجليْ دان وبيت إيل وسلوكك المتهور، كل هذا يكشف عن أعماقك! إنك تدعو الغير ليشهدوا لغيرتك للرب ولتقواك وأعمال محبتك، وفي الحقيقة في أنانية تحقق مصالحك الخاصة![5]
حقًا لقد أباد بيت أخاب، لكنه استخدم العنف بلا حدود. لم يقف عند بيت أخاب، بل وقتل أصدقاءه والقيادات المشكوك فيها وتجاوز كل حدود.
لقد أباد عبادة البعل، لكنه ترك العجلين في دان وبيت إيل.
تشبَّه بيربعام الذي لم يرفض عبادة الله، ولا حسبه إلهًا كاذبًا، كما لم يرفض شريعة موسى، لكنه مزج عبادة الله بالعبادات الغريبة، وحرم الشعب من دخول هيكل الرب في أورشليم، والاحتفال بالأعياد في أورشليم!
وَقَتَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ بَقُوا لأخاب فِي السَّامِرَةِ حَتَّى أَفْنَاهُ،
حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ إِيلِيَّا. [17]
تمم كلام الرب الذي كلم به إيليا حرفيًا، لكن قلبه كان منحرفًا، غاية تصرفاته كرامته الذاتية، يعمل لحساب مجده الزمني، لا مجد الرب. لذلك شرب من كأس أعماله حتى بالنسبة لدم يزرعيل، إذ قيل: "أعاقب بيت ياهو على دم يزرعيل، وأبيد مملكة بيت إسرائيل. ويكون في ذلك اليوم أكسر قوس إسرائيل في وادي يزرعيل" (هو 1: 4-5).
18 ثُمَّ جَمَعَ يَاهُو كُلَّ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ أَخْآبَ قَدْ عَبَدَ الْبَعْلَ قَلِيلًا، وَأَمَّا يَاهُو فَإِنَّهُ يَعْبُدُهُ كَثِيرًا. 19 وَالآنَ فَادْعُوا إِلَيَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ وَكُلَّ عَابِدِيهِ وَكُلَّ كَهَنَتِهِ. لاَ يُفْقَدْ أَحَدٌ، لأَنَّ لِي ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِلْبَعْلِ. كُلُّ مَنْ فُقِدَ لاَ يَعِيشُ». وَقَدْ فَعَلَ يَاهُو بِمَكْرٍ لِكَيْ يُفْنِيَ عَبَدَةَ الْبَعْلِ. 20 وَقَالَ يَاهُو: «قَدِّسُوا اعْتِكَافًا لِلْبَعْلِ». فَنَادَوْا بِهِ. 21 وَأَرْسَلَ يَاهُو فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، فَأَتَى جَمِيعُ عَبَدَةِ الْبَعْلِ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ أَتَى، وَدَخَلُوا بَيْتَ الْبَعْلِ، فَامْتَلأَ بَيْتُ الْبَعْلِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. 22 فَقَالَ لِلَّذِي عَلَى الْمَلاَبِسِ: «أَخْرِجْ مَلاَبِسَ لِكُلِّ عَبَدَةِ الْبَعْلِ». فَأَخْرَجَ لَهُمْ مَلاَبِسَ. 23 وَدَخَلَ يَاهُو وَيَهُونَادَابُ بْنُ رَكَابٍ إِلَى بَيْتِ الْبَعْلِ. فَقَالَ لِعَبَدَةِ الْبَعْلِ: «فَتِّشُوا وَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَكُونَ مَعَكُمْ ههُنَا أَحَدٌ مِنْ عَبِيدِ الرَّبِّ، وَلكِنَّ عَبَدَةَ الْبَعْلِ وَحْدَهُمْ». 24 وَدَخَلُوا لِيُقَرِّبُوا ذَبَائِحَ وَمُحْرَقَاتٍ. وَأَمَّا يَاهُو فَأَقَامَ خَارِجًا ثَمَانِينَ رَجُلًا وَقَالَ: «الرَّجُلُ الَّذِي يَنْجُو مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَيْدِيكُمْ تَكُونُ أَنْفُسُكُمْ بَدَلَ نَفْسِهِ». 25 وَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ تَقْرِيبِ الْمُحْرَقَةِ قَالَ يَاهُو لِلسُّعَاةِ وَالثَّوَالِثِ: «ادْخُلُوا اضْرِبُوهُمْ. لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ». فَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَطَرَحَهُمُ السُّعَاةُ وَالثَّوَالِثُ. وَسَارُوا إِلَى مَدِينَةِ بَيْتِ الْبَعْلِ، 26 وَأَخْرَجُوا تَمَاثِيلَ بَيْتِ الْبَعْلِ وَأَحْرَقُوهَا، 27 وَكَسَّرُوا تِمْثَالَ الْبَعْلِ، وَهَدَمُوا بَيْتَ الْبَعْلِ، وَجَعَلُوهُ مَزْبَلَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 28 وَاسْتَأْصَلَ يَاهُو الْبَعْلَ مِنْ إِسْرَائِيلَ.
ثُمَّ جَمَعَ يَاهُو كُلَّ الشَّعْبِ، وَقَالَ لَهُمْ:
إِنَّ أخاب قَدْ عَبَدَ الْبَعْلَ قَلِيلاً،
وَأَمَّا يَاهُو فَإِنَّهُ يَعْبُدُهُ كَثِيرًا. [18]
صمم ياهو ألا تقوم أية عبادة في إسرائيل إلا للعجلين في دان وبيت لحم، لذا بمكر ادَّعى أنه يُقدِّم ذبيحة للبعل، حتى يجمع كل عبيد البعل في مكانٍ واحدٍ، ويذبحهم جميعًا دفعة واحدة، دون أن يفلت أحد منهم.
وَالآنَ فَادْعُوا إِلَيَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ وَكُلَّ عَابِدِيهِ وَكُلَّ كَهَنَتِهِ.
لاَ يُفْقَدْ أَحَدٌ،
لأَنَّ لِي ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِلْبَعْلِ.
كُلُّ مَنْ فُقِدَ لاَ يَعِيشُ.
وَقَدْ فَعَلَ يَاهُو بِمَكْرٍ لِيُفْنِيَ عَبَدَةَ الْبَعْلِ. [19]
بروح الخداع أمر أن من لا يُظهِر غيرة في عبادته للبعل يُعَرِّض حياته للخطر.
يُمَيِّز النص بين ثلاث فئات من المرتبطين بعبادة البعل: أنبياء البعل، وكهنة البعل، وعامة الشعب المتعبِّدين للبعل.
كان من السهل أن تجتمع كل الفئات الثلاثة في مبنى واحد، وذلك لأن عددهم كان يتناقص بفضل خدمة إيليا النبي وأليشع النبي، كما أهمل يورام عبادة البعل.
وَقَالَ يَاهُو: قَدِّسُوا اعْتِكَافًا لِلْبَعْلِ.
فَنَادُوا بِهِ. [20]
استخدم ياهو عبارة وردت في الشريعة خاصة بالاحتفال بالأعياد الكبرى ليهوه: "نادوا باعتكاف" (راجع لا 23: 36؛ عد 29: 35؛ تث 16: 8).
وَأَرْسَلَ يَاهُو فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ
فَأَتَى جَمِيعُ عَبَدَةِ الْبَعْلِ،
وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ أَتَى،
وَدَخَلُوا بَيْتَ الْبَعْلِ،
فَامْتَلأَ بَيْتُ الْبَعْلِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. [21]
هيكل البعل أقامه الملك أخاب (1 مل 16-32). وقد اتسم المعبد بوجود دارٍ محيطة بالمعبد تتسع لعدة آلاف.
فَقَالَ لِلَّذِي عَلَى الْمَلاَبِسِ:
أَخْرِجْ مَلاَبِسَ لِكُلِّ عَبَدَةِ الْبَعْلِ.
فَأَخْرَجَ لَهُمْ مَلاَبِسَ. [22]
كان لعبدة البعل ملابس خاصة تُوزَّع عليهم يرتدونها حتى يتقدموا للعبادة، مثل كهنة كل الأمم تقريبًا والمتعبدين أيضًا، يحسبونها مقدسة، يستخدمونها أثناء الخدمة فقط. غالبًا ما كانت من أقمشة بيضاء ناعمة، وتحفظ في حجرة مخصصة للملابس في الهيكل تحت رعاية شخص مُعيَّن لهذا العمل[6]. وقد طلب ياهو هذا لا للكهنة فقط، بل ولكل المتعبدين، حتى يتأكد ألا يكون أحد ممن يعبدون الرب بينهم.
وَدَخَلَ يَاهُو وَيَهُونَادَابُ بْنُ رَكَابٍ إِلَى بَيْتِ الْبَعْلِ.
فَقَالَ لِعَبَدَةِ الْبَعْلِ:
فَتِّشُوا وَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَكُونَ مَعَكُمْ هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ عَبِيدِ الرَّبِّ،
وَلَكِنَّ عَبَدَةَ الْبَعْلِ وَحْدَهُمْ. [23]
يبدو أنه بعد فترة من انتشار عبادة البعل، كان كهنة البعل يجتمعون مع كهنة الرب لكن ليس في وقت تقديم الذبائح، وذلك للتمويه أمام الشعب. لكن ما كان يُميِّزهم هو الملابس التي يرتدونها داخل الهيكل.
لم يكن بالأمر الجديد أو الغريب أن يطلب ياهو من كهنة وأنبياء البعل أن يفتشوا وينظروا إن كان أحد من الغرباء عن هذه العبادة حاضرًا هذا المحفل. فقد كانت كثير من الديانات تعتبر حضور إنسانٍ لا ينتمي للعبادة هو نوع من تدنيس للطقس. في بعض العبادات الإغريقية كانوا يحسبون من يُقحِم نفسه بين المتعبدين يتعرض لعقوبة الموت. لهذا عندما أصدر ياهو هذا الأمر لم يتشكك أحد في نيّته[7].
وَدَخَلُوا لِيُقَرِّبُوا ذَبَائِحَ وَمُحْرَقَاتٍ.
وَأَمَّا يَاهُو فَأَقَامَ خَارِجًا ثَمَانِينَ رَجُلاً، وَقَالَ:
الرَّجُلُ الَّذِي يَنْجُو مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَيْدِيكُمْ،
تَكُونُ أَنْفُسُكُمْ بَدَلَ نَفْسِهِ. [24]
لم يكن هناك مهادنة مع العبادة الوثنية التي قامت على الارتداد عن الله الحق، مع ممارسة الإباحية الجنسية والطمع إلخ. هكذا لا يجوز لنا التسامح مع الخطية التي تدمر الحياة نفسها.
وَلَمَّا انْتَهُوا مِنْ تَقْرِيبِ الْمُحْرَقَةِ،
قَالَ يَاهُو لِلسُّعَاةِ وَالثَّوَالِثِ:
ادْخُلُوا اضْرِبُوهُمْ. لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ.
فَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ،
وَطَرَحَهُمُ السُّعَاةُ وَالثَّوَالِثُ.
وَسَارُوا إِلَى مَدِينَةِ بَيْتِ الْبَعْلِ [25]
لم يوضح النص من الذي قام بتقديم الذبيحة هل ياهو أم رئيس كهنة البعل. غالبًا تبرَّع ياهو بالذبائح، وقام الكهنة بتقديمها[8]. أراد ياهو أن يطمئن كهنة البعل أنه لا يدبر شيئًا ضدهم فيجمعهم ولا يفلت أحد منهم، ويقوم بقلتهم.
جاء في ملوك الأول "ثم أن الملك وجميع إسرائيل معه ذبحوا ذبائح أمام الرب" (1 مل 8: 62). لا يُفهَم من ذلك أن الملك أو الشعب قاموا بالذبح، هكذا قدَّم ياهو الذبيحة أو الذبائح وقام كهنة البعل بذبحها وتقديمها على مذبح البعل.
السعاة: هم الذين يحيطون، يجرون حوله لحمايته، لئلا يتعرض الملك لأي اغتيال.
الثوالث: هم قادة دفاع، يسمون الثوالث، لأنهم يأتون في الرتبة الثالثة بعد الملك والنبلاء، تُترجَم أحيانًا Captains.
وَأَخْرَجُوا تَمَاثِيلَ بَيْتِ الْبَعْلِ وَأَحْرَقُوهَا، [26]
كانت التماثيل أو الصور التي في بيت البعل غالبًا مجرد أعمدة أو مسلات أو سواري خالية من أي شكل، تُمثِّل البشرية. كانت من الخشب (تث 16: 21)، أما تمثال البعل [27] فكان من الحجارة أو من المعدن.
وَكَسَّرُوا تِمْثَالَ الْبَعْلِ،
وَهَدَمُوا بَيْتَ الْبَعْلِ،
وَجَعَلُوهُ مَزْبَلَةً إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [27]
الصور أو التماثيل في بيت البعل لم تكن صورًا للبعل، إنما تشير إلى آلهة أقل من البعل، أما تمثال البعل الذي كُسر، فكان غالبًا في مدخل الهيكل.
وَاسْتَأْصَلَ يَاهُو الْبَعْلَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. [28]
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
29 وَلكِنَّ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ لَمْ يَحِدْ يَاهُو عَنْهَا، أَيْ عُجُولِ الذَّهَبِ الَّتِي فِي بَيْتِ إِيلَ وَالَّتِي فِي دَانَ. 30 وَقَالَ الرَّبُّ لِيَاهُو: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ بِعَمَلِ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، وَحَسَبَ كُلِّ مَا بِقَلْبِي فَعَلْتَ بِبَيْتِ أَخْآبَ، فَأَبْنَاؤُكَ إِلَى الْجِيلِ الرَّابعِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ». 31 وَلكِنْ يَاهُو لَمْ يَتَحَفَّظْ لِلسُّلُوكِ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ. لَمْ يَحِدْ عَنْ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ.
وَلَكِنَّ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ،
لَمْ يَحِدْ يَاهُو عَنْهَا،
أَيْ عُجُولِ الذَّهَبِ الَّتِي فِي بَيْتِ إِيلَ وَالَّتِي فِي دَانَ. [29]
سار جميع ملوك إسرائيل في طريق يربعام (1 مل 12: 25-33)، إذ فرض عبادة مُخالِفة لوصايا الرب بشان استخدام التماثيل في العبادة، وبشأن الكهنة والأعياد ومكان العبادة.
كان مشغولاً بإبادة البعل، لكن بلا غيرة على عبادة الله في قداسة ونقاوة! يقول يعقوب الرسول: "لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل" (يع 2: 10)، خاصة إن كانت هذه الخطية ليست عن ضعفٍ، بل عن عمدٍ لتحقيق مصلحة شخصية. لقد أخطأ ياهو في حق الله والناس، لأنه لم يحد عن عجول الذهب التي في بيت إيل ودان، ولأنه في إبادة بيت أخاب الشرير تحرك بروح العنف نحو كثيرين ليسوا من بيت أخاب، ففقد طبيعة الحب.
v من أجل أنك لا ترحم الآخرين فلا يصنع بك رحمة. ولأنك أغلقت باب بيتك إزاء المساكين فلا يفتح لك الله باب ملكوته، وكما أمسكت بالخبز عن البائسين حينما كانوا يطلبونه منك، هكذا يمسك الله عنك الحياة الأبديّة التي تطلبها. إنكم ستحصدون ما زرعتم. فإن كنتم قد زرعتم المرارة فستحصدون المرارة، وإن زرعتم القسوة، فلا تحصدون سوى الأتعاب القاسية والعذابات الهائلة. وإن كنتم قد هربتم من الرحمة، تهرب الرحمة منكم، وإن رذلتم الفقراء يرذلكم ذاك الذي صار فقيرًا حبًا فيكم[9].
من لا يرحم لا يستحق مراحم الله، ولا يحصّل على أي نصيب من العطف الإلهي بصلواته![10]
v من يرحم إنسانًا يصير باب الرب مفتوحًا لطلباته في كل ساعة[11].
مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ بِعَمَلِ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ،
وَحَسَبَ كُلِّ مَا بِقَلْبِي فَعَلْتَ بِبَيْتِ أخاب،
فَأَبْنَاؤُكَ إِلَى الْجِيلِ الرَّابِعِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ. [30]
مدح الرب ياهو على استئصاله عبادة البعل، وجعله يملك على إسرائيل هو وأبناؤه إلى الجيل الرابع، أي يهوآحاز ويوآش ويربعام وزكريا، لكن جازاه على خطاياه.
وَلَكِنْ يَاهُو لَمْ يَتَحَفَّظْ لِلسُّلُوكِ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ.
لَمْ يَحِدْ عَنْ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ. [31]
أما غاية ياهو فكانت التخلُّص من كل الذين يعترضون مطامعه فقط، فتعامل مع الشر حسبما يناسب مطامع قلبه، لذلك نراه يقضي على بيت أخاب وخطاياه، ولا يتعرض مطلقًا لخطايا بيت يربعام. لقد هدم بيت البعل، لكنه أبقى عجول الذهب. لقد أشهر حربه ضد أعداء الرب مندفعًا بميوله الشخصية، ولم يكن يُبالي بشريعة الرب، لذلك نقرأ: "ولكن ياهو لم يتحفظ للسلوك في شريعة الرب إله إسرائيل من كل قلبه، لم يحد عن خطايا يربعام الذي جعل إسرائيل يخطئ" (2 مل 10: 31).
خطية ياهو ليس فقط أنه تمم عملاً صالحًا ولم يتمم عملاً آخر، وإنما لم يبالِ بنقاوة قلبه؛ يؤكد الكتاب: "لم يتحفَّظ للسلوك... من كل قلبه". يؤكد الكتاب المقدس الاهتمام بالقلب:
"يا ابني لا تنس شريعتي، بل ليحفظ قلبك وصاياي". (أم 3: 1)
"لا تدع الرحمة والحق يتركانك، تقلدهما على عنقك، اكتبهما على لوح قلبك". (أم 3: 3)
"توكل على الرب بكل قلبك". (أم 3: 5)
"لا تبرح عن عينيك، احفظها في وسط قلبك". (أم 4: 21)
"فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة". (أم 4: 23)
"اربطها على قلبك دائمًا، قلد بها عنقك". (أم 6: 21)
"أمل أذنك واسمع كلام الحكماء، ووجه قلبك إلى معرفتي" (أم 22: 17)
"يا ابني إن كان قلبك حكيمًا، يفرح قلبي أنا أيضًا". (أم 23: 15)
"اسمع أنت يا ابني، وكن حكيما، وأرشد قلبك في الطريق". (أم 23: 19)
"يا ابني، أعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي". (أم 23: 26)
v "احفظ قلبك بكل اجتهاد" (راجع أم 4: 23)، حتى لا يدخل شيئًا من الطبيعة الشيطانية إلى عقولنا، أو أي روح من المضادين يحول تصوراتنا كيفما يشاء. إنما نصلي لكي ما يشرق نور معرفة مجد الله في قلوبنا، ويسكن روح الله في تصوراتنا، ويقودها للتأمل في الأمور الإلهية، فإن كثيرين إذ يقودهم روح الله هم أولاد الله[12].
v لنحيا هكذا: لنلاحظ باستمرار كما هو مكتوب: احفظ قلبك بكل اجتهادٍ، إذ لنا أعداء مرعبون وماكرون، الشياطين الأشرار، نصارع معهم، كقول الرسول: "فإن مصارعتنا ليست مع لحمٍ ودمٍ، بل ضد الرئاسات والقوات، ضد رؤساء العالم في هذه الظلمة، ضد قوات الشر في العلى" (راجع أف 6: 12)[13].
v "قلبًا نقيًا اخلقه فيّ يا الله" (مز 51: 10). إنه يطلب مثل هذه الخلقة، ليس كمن ليس له قلب، وإنما إذ أفسده يشتهي أن يرجع ويكون نقيًا[14].
v أما عن ياهو هذا، بالكذب غير النقي والذبيحة المُدنَّسة قام بالاستعلام عن أناس غير أتقياء دنسين لكي يقتلهم، لم يُرِدْ الكتاب المقدس أن نتمثل به. لا، فإنه لم يصمت بخصوص شخصيته. إنما كُتب عنه أن قلبه لم يكن مستقيمًا مع الله (2 مل 10: 31). ماذا ينفعه إن كان قد مارس نوعًا من الطاعة بخصوص الإبادة التامة لبيت أخاب، إذ أظهر شهوة للسيطرة، فنال شيئًا من الأجرة الزائلة في مملكة مؤقتة؟[15]
v إنه ليس دَنَس الجسد، بل دَنَس النفس الذي ينفر الله منه... ماذا يقول النبي؟ "قلبًا نقيًا أخلقه فيّ يا الله" (مز 51: 10). وأيضًا: "اغسلي من الشر قلبكِ" (إر 4: 14)[16].
32 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ يَقُصُّ إِسْرَائِيلَ، فَضَرَبَهُمْ حَزَائِيلُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ 33 مِنَ الأُرْدُنِّ لِجِهَةِ مَشْرِقِ الشَّمْسِ، جَمِيعَ أَرْضِ جِلْعَادَ الْجَادِيِّينَ وَالرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْمَنَسِّيِّينَ، مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى وَادِي أَرْنُونَ وَجِلْعَادَ وَبَاشَانَ. 34 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَاهُو وَكُلُّ مَا عَمَلَ وَكُلُّ جَبَرُوتِهِ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ؟ 35 وَاضْطَجَعَ يَاهُو مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي السَّامِرَةِ، وَمَلَكَ يَهُوأَحَازُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. 36 وَكَانَتِ الأَيَّامُ الَّتِي مَلَكَ فِيهَا يَاهُو عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً.
فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ يَقُصُّ إِسْرَائِيلَ.
فَضَرَبَهُمْ حَزَائِيلُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ [32]
جعل الله حزائيل آلة كمقصٍ به قصَّ من مملكة إسرائيل كل ما كان شرق الأردن من عروعير التي كانت على تخم موآب في أقصى الجنوب إلى باشان التي كانت على تخم أرام في أقصى الشمال. وكانت تلك المناطق خصبة جدًا.
لكن الرب غضب على حزائيل، لأنه عمل هذا بطمعٍ وقسوةٍ.
مِنَ الأُرْدُنِّ لِجِهَةِ مَشْرِقِ الشَّمْسِ،
جَمِيعَ أَرْضِ جِلْعَادَ الْجَادِيِّينَ وَالرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْمَنَسِّيِّينَ
مِنْ عَرُوعِيرَ الَّتِي عَلَى وَادِي أَرْنُونَ وَجِلْعَادَ وَبَاشَانَ. [33]
كتأديب إلهي فقدت إسرائيل كل منطقة الضفة الشرقية من الأردن، فحلّ دمار كامل وخراب للمنطقة الخاصة بسبطيّ رأوبين وجاد ونصف سبط منسَّى (يش 22: 1-9)، على يد حزائيل ملك أرام. هذه المنطقة تبلغ إليها جيوش دمشق بسهولة عن الضفة الغربية.
عروعير: اسم موآبي وعبري معناه "عارية أو عري". توجد مناطق كثيرة تحمل ذات الاسم. عروعير المذكورة هنا هي أشهر هذه المناطق. وهي بلدة إلى الشمال من نهر أرنون في موآب، جنوب مملكة سيحون العمورية. استولى عليها حزائيل بعد أن احتلها وحصَّنها الجاديون. حاليًا تُدعَى عراعير، على بعد اثني عشر ميلاً شرقي البحر الميِّت، جنوبي ذيبان بقليل.
جلعاد وباشان: كانت كل هذه المنطقة تُدعَى جلعاد، هنا يميز بين جلعاد في الجنوب، وباشان في الشمال (1 مل 4: 13، 19).
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَاهُو وَكُلُّ مَا عَمَلَ وَكُلُّ جَبَرُوتِهِ،
مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. [34]
كان ياهو جبار حرب، وإن كان قد انكسر وخسر.
تعبير "جبروته" ينطبق على شخصية ياهو العنيفة وشجاعته أكثر من سلطانه، لأنه انهزم أمام حزائيل ملك أرام.
كانت مدة حكمه طويلة، تبلغ ثمانية وعشرين عامًا، لا نعرف عنها سوى فترة بداية حكمه.
ورد ذكر ياهو على عمود أثري قديم يُسمَّى "المسلَّة السوداء"، أقامها الملك شلمنأسر الثالث ملك أشور. يظهر ياهو على هذه المسلَّة راكعًا في مذلة أمام ملك أشور. لقد دفع الجزية للأراميين في أوائل عهده بالحكم (سنة 841 ق.م)، ولم يُسَجِّل الكتاب المقدس علاقة ياهو بأشور، الأمة التي كانت على وشك أن تصبح قوة عالمية.
وَاضْطَجَعَ يَاهُو مَعَ آبَائِهِ،
فَدَفَنُوهُ فِي السَّامِرَةِ،
وَمَلَكَ يَهُوآحَازُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [35]
بعد موت ياهو مَلَكَ ابنه يهوآحاز (2 مل 13: 1-9) ثم يوآش والذي يُدعَى أيضًا يهوأش (2 مل 13: 10-13) ثم يربعام الثاني (2 مل 14: 23-29) ثم فترة صغيرة زكريا (2 مل 15: 8-12). بعد ستة شهور اغتاله شالوم وبهذا انتهى خط ياهو في الجيل الرابع كقول الرب (2 مل 10: 30).
وَكَانَتِ الأَيَّامُ الَّتِي مَلَكَ فِيهَا يَاهُو عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ،
ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. [36]
جعلت أسرة أخاب مِنْ يزرعيل أشبه بعاصمة ثانية لإسرائيل، وكانت على الأقل تُمَثِّل جزئيًا مركزًا للحكم (2 مل 9: 14-30). أما ياهو وخلفاؤه من نسله، فيبدو أنهم ركَّزوا كل إقامتهم على السامرة كعاصمة للمملكة (2 مل 13: 10؛ 14: 23؛ 15: 8).
لم يملك أحد من ملوك إسرائيل أكثر منه إلا يربعام الثاني الذي كان من نسله، فقد مَلَكَ أربعين سنة.
كان يمكن للملك ياهو أن يكون موضع سرور الله، فقد بدأ الطريق باستقامة، لكن قلبه لم يكن مستقيمًا تمامًا، ولا معتدلاً.
أزال أسرة أخاب الشرير وقضى عليها.
قضى على عبادة البعل، لكنه تمسَّك بشكلِ آخر من أشكال الوثنية، إذ استمر في عبادة العجلين اللذين أقامهما يربعام.
مسحه إيليا النبي وثبَّت ذلك تلميذه أليشع النبي.
كان يمكن أن يكون ملكًا مرْضيًّا لدى الله، يُتمِّم إرادته الإلهية، لكنه بسبب نظرته المتهورة للحياة كان جسورًا مُعَرَّضًا للخطأ. ظلَّت أسرته على العرش مدة أطول من أي أسرة أخرى.
لم يكن قلبه كاملاً أمام الله، فكان يطيع الله حسبما يخدم أغراضه الشخصية.
لقد قاوم عبادة البعل، ولعل الدافع إلى ذلك كان سياسيًّا، فقد ارتبطت هذه العبادة بأسرة أخاب فكان في تحطيمها تثبيت لعرشه. أما بالنسبة للعجليْن الذهبييْن فتركهما، لأنه في تحطيمهما عودة الشعب إلى الهيكل في أورشليم في المملكة الجنوبية المُعادِية له ليعبدوا هناك.
v هبْ لي يا رب أن يعمل روحك القدوس فيَّ.
يقود حياتي كلها: سلوكي وفكري وقلبي وكل مشاعري.
كثيرًا ما أخدع نفسي،
أحسب في نفسي، إني أتمم مشيئتك.
روحك هو القائد لأعماقي،
يشرق فيَّ بنوره، فأدرك حقيقة أعماقي.
يقودني فيك، ويحملني إليك.
v هبْ لي أن أكون آلة برَّ لحساب ملكوتك.
لا أدَّعي إني أدافع عن الحق.
فأُستعبد للنقد والإدانة والغضب.
أُدافع عن الحق، وأفقد الحب،
فليس للحق وجود بدون الحب!
v يبدو لي أن السلوك بالتقوى سهل، لكن من يضبط عيني وأفكاري؟
من يُقدِّس أحاسيسي الخفية وعواطفي؟
من يهبني الحق المقدس سواك أيها القدوس.
قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله،
وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي.
_____
[1] On Ps. hom. 9.
[2] Barnes’ Notes.
[3] Jamieson, Fausset and Brown Commentary.
[4] Concerning Baptism.
[5] Cf. Adam Clarke’s Commentary.
[6] CF. James M. Freeman: Manners and Customs of the Bible, 1972, , article 344.
[7] Barnes’ Notes.
[8] Bares' Notes.
[9] للمؤلف: الحب الأخوي، ص 153.
[10] للمؤلف الحب الأخوي، 1964 م، ص 153.
[11] للمؤلف الحب الأخوي، 1964 م، ص 158.
[13] Vita Antoii,21
[14] Commentary on the Proverbs of Solomon, Fragment 8: 22.
[15] To Consentius, Against Lying, 3.
[16] Homilies on 2 Timothy, 6.
← تفاسير أصحاحات الملوك ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير ملوك الثاني 11 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير ملوك الثاني 9 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2t7f277