← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20
اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ
سمح الله بقيام ملك صالح "يوشيا" بعد منسى وآمون، ليُعلن أنه مع قيام آخِر ملك صالح، بقي القادة والشعب يقومون بتنفيذ أوامره، لكن قلوبهم كانت مُنْحَلَّة وغير نقية. إذ مات منسى سرعان ما توالى سلسلة من الملوك الضعفاء الأشرار يسلكون بروح منسى، وصار علاج الموقف مع طول أناة الله كل هذه الأزمنة أن تلحق مملكة يهوذا بأختها إسرائيل فتسقط في السبي البابلي.
لقد بدأ الانحدار السريع:
أ. يهوياقيم: كان في طبيعته من أسوأ ملوك يهوذا، صعد نبوخذناصر ملك بابل واستعبده لمدة ثلاث سنوات. تمرَّد على ملك بابل، ربما بتشجيع نخو فرعون مصر. فأرسل الرب عليه غزاة الكلدانيين والأراميين والموآبيين وبني عمون، وغالبًا ما جُرِحَ، وإذ اقتيد إلى بابل (2 أي 36: 6). مات في الطريق بسبب الجروح وطُرِحَتْ جثته، ومات كحمارٍ بدون دفنٍ (إر 22: 19).
ب. يهوياكين: اسمه الحقيقي يكنيا (2 أي 3: 16) أو كُنيا (إر 22: 24)، استلم العرش عوض والده يهوياقيم. عزله نبوخذناصر، وإن كان الشعب حسبه الملك الرسمي رغم إقامة صدقيا عوضًا عنه، معتبرين الأخير عميلاً لبابل.
ج. صدقيا: أقيم ملكًا أو نائبًا لملك بابل في يهوذا لمدة 11 سنة واستمر في شره، وإذ تمرَّد على بابل بتحريض من ملك مصر، حوصرت أورشليم وحاول صدقيا الهروب، فقبض عليه جيش بابل، وقدَّمه لملك بابل الذي قتل ابنيه أمام عينيه، ثم فقأ عينيه، واقتاده وهو أعمى إلى بابل في مذلةٍ في السجن حتى مات.
|
1 - 5. |
|
|
6 - 16. |
|
|
17 - 20. |
1 فِي أَيَّامِهِ صَعِدَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ، فَكَانَ لَهُ يَهُويَاقِيمُ عَبْدًا ثَلاَثَ سِنِينَ. ثُمَّ عَادَ فَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ. 2 فَأَرْسَلَ الرَّبُّ عَلَيْهِ غُزَاةَ الْكِلْدَانِيِّينَ، وَغُزَاةَ الأَرَامِيِّينَ، وَغُزَاةَ الْمُوآبِيِّينَ، وَغُزَاةَ بَنِي عَمُّونَ وَأَرْسَلَهُمْ عَلَى يَهُوذَا لِيُبِيدَهَا حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. 3 إِنَّ ذلِكَ كَانَ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَلَى يَهُوذَا لِيَنْزِعَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ لأَجْلِ خَطَايَا مَنَسَّى حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ. 4 وَكَذلِكَ لأَجْلِ الدَّمِ الْبَرِيءِ الَّذِي سَفَكَهُ، لأَنَّهُ مَلأَ أُورُشَلِيمَ دَمًا بَرِيئًا، وَلَمْ يَشَإِ الرَّبُّ أَنْ يَغْفِرَ. 5 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَهُويَاقِيمَ وَكُلُّ مَا عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟
فِي أَيَّامِهِ صَعِدَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ،
فَكَانَ لَهُ يَهُويَاقِيمُ عَبْداً ثَلاَثَ سِنِينَ.
ثُمَّ عَادَ فَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ. [1]
أصبحت بابل القوة العالمية الجديدة بعد القضاء على أشور في عام 612 ق.م.
يقول إرميا النبي إن السنة الرابعة ليهوياقيم هي السنة الأولى لنبوخذناصَّر وسنة معركة كركميش عام 605 ق. م التي فيها انتصر على ملك مصر، وأخذ ما كان له من الفرات إلى مصر، أي وادي العريش الفاصل بين إسرائيل ومصر (إر 25: 1؛ 46: 2). نتيجة هذه المعركة تم طرْد المصريين، واستولت بابل على يهوذا لتصبح جزءًا من إمبراطوريتها (2 مل 24: 1). وكان هذا هو الغزو البابلي الأول ليهوذا من بين ثلاث غزوات في مدى عشرين عامًا. وكان دانيال أحد الأسرى في هذا الغزو. أما الغزوان الأخيران فكانا في عام 597 ق.م و587 ق.م.
كان نبوخذناصَّر قائدًا للجيش ونائبًا عن أبيه الملك، وقد سُمِّى ملكًا. خلفت مملكة بابل مملكة أشور من جهة أرضها ومن جهة سياستها أيضًا.
صار يهوياقيم عبدًا له لمدة ثلاث سنوات، وبعد ذلك تمرَّد عليه، ربما بتشجيع من فرعون نخو الذي نجح في ردّ البابليين عن الحدود المصرية عام 601 ق. م.، وكان هذا التمرُّد ضد مشورات إرميا.
فَأَرْسَلَ الرَّبُّ عَلَيْهِ غُزَاةَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَغُزَاةَ الأَرَامِيِّينَ وَغُزَاةَ الْمُوآبِيِّينَ وَغُزَاةَ بَنِي عَمُّونَ،
وَأَرْسَلَهُمْ عَلَى يَهُوذَا لِيُبِيدَهَا حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. [2]
عصى نبوبولاسر والي بابل سيده ملك أشور، وأسَّس مملكة بابل في أيام يوشيا، واتحد مع سياكسرس ملك مادي، وحاربا نينوى وأخذها.
أرسل نبوبولاسر ابنه نبوخذناصَّر لمقاومة فرعون نخو الذي كان قد زحف إلى كركميش، فضربه وأخذ كل ما كان في سوريا، ونزع يهوآحاز ملك يهوذا، وملّك يهوياقيم، ثم مات نبوبولاسر وتبوَّأ ابنه نبوخذناصر العرش.
خضع يهوياقيم لملك بابل نبوبولاسر لمدة ثلاث سنين ثم تمرَّد عليه، أي على ابنه في السنة الرابعة ليهوياقيم، وهي السنة الأولى لنبوخذناصَّر. وكان الأخير منهمكًا في أمور في حروبه بعيدًا، أرسل على يهوياقيم جيشًا من الأراميين والموآبيين والعمونيين، فهو يعرف عداوتهم ليهوذا وكانوا بقيادة غزاة الكلدانيين الذين من جنوب ما بين النهرين. وفي هذه المعركة أخذوا سبايا 3023 أسيرًا إلى بابل (إر 28:52). ولقد حفظ الله شعبه من هؤلاء الغزاة بل ونصرهم عليهم مرارًا.
بعد ذلك صعد نبوخذناصَّر نفسه عليه، وأخذه وقيَّده بسلاسل من نحاس ليذهب به إلى بابل، ولكنه عدل عن قصده هذا. ومات يهوياقيم أو قُتل في وسط الطريق، وطُرِحَتْ جثته على الأرض كجثة حمار (إر 22: 19).
الكلدانيون: يُطلَق تعبير "الكلدانيين" على البابليين (2 مل 24-25). هم شعب قطن جنوب بابل، في جنوب المصيصة أو ما بين النهرين، بين مدينة بابل والخليج الفارسي. كانت هذه القبائل هي مركز القوى المضادة للأشوريين. لقد ضمَّ الجيش البابلي جنسيات كثيرة بجوار الكلدانيين (2 مل 34: 1)، لكن حينما يُشار إلى الكلدانيين يُعنَى القوة البابلية التي حطَّمت الأشوريين.
في فترة بابل الجديدة صار اسم الكلدانيين يُعرَف بالبابليين، ودُعيت بابل كلديا Chaldea. بعد سقوط الإمبراطورية الكلدانية أو البابلية الجديدة صار اسم "الكلدانيون يُستخدم للعرَّافة" (دا 2: 2).
الموآبيون: يرى القديس جيروم أن كلمة "موآب" التي تعني "من الأب" تشير إلى الشيطان والخارجين عن الله أبيهم، والذين لا يفكرون فيه[1]. ويشير موآب إلى "روح عدم التمييز"، فقد ظنوا أنه لا فرق بين الله الحيّ والآلهة الوثنية، وحسبوا بهلاك يهوذا وتدمير أورشليم أن لا خلاص للشعب مرة أخرى. "يقولون هوذا بيت يهوذا مثل كل الأمم" (حز 25: 8). يقول القديس مار افرام السرياني: [إنه بغير طين لا يبُنَى البرج وبغير معرفة لا تقوم فضيلة[2].]
بعد موت سليمان صارت موآب جزءًا من المملكة الشمالية، وفي أيام يهوشافاط هجموا على اليهودية لكنهم انهزموا أمامهم (2 مل 3)، بعد ذلك صارت موآب تارة خاضعة وأخرى مستقلة. في أواخر القرن الثامن ق.م. هزمهم الأشوريون، وإذ تدهور حال الإمبراطورية الأشورية استعاد موآب استقلاله. وفي أيام الملك يهوياقيم تحالف موآب مع الكلدانيين ضد يهوذا (2 مل 24: 2). وبعد سنة 582 ق.م. انهار موآب أمام نبوخذناصَّر؛ بعد ذلك خضع موآب لفارس والعرب.
إِنَّ ذَلِكَ كَانَ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ عَلَى يَهُوذَا لِيَنْزِعَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ،
لأَجْلِ خَطَايَا مَنَسَّى حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ. [3]
"لأجل خطايا منسى"، أي من أجل الخطايا التي علَّمهم إياها منسى. لكنهم لو تابوا عنها لقبلهم الله بالتأكيد. فالله طويل الأناة، لكنه لا يَقْبَلُ الخطية، ويؤدب ما دام الإنسان متمسكًا بها.
يروي لنا هذا السفر قصة العبودية في كثير من التفاصيل للأسباب التالية:
أولاً: لأنها تُمَثِّل قصة عبوديتنا للخطية، التي من أجلها جاء السيِّد المسيح لتحريرنا.
ثانيًا: لأن هذه التفاصيل تُمَثِّل جوانب حيَّة تمس حياتنا وعلاقتنا مع الله.
ثالثًا: لأننا كثيرًا ما ننسى أو نتناسى هذه العبودية، فعندما أعلن السيِّد المسيح رسالته، قائلاً: "تعرفون الحق، والحق يحرركم" (يو 8: 32)، أجابه اليهود: "إننا ذرية إبراهيم ولم نُستعبَد لأحد قط. كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحرارًا؟!" والعجيب أنهم ينطقون بهذا في الوقت الذي فيه كانوا مُستعبَدين للحكم الروماني، فإن هذه هي طبيعة الإنسان، يستسلم للعبودية، ويخضع خانعًا لها، ويظن أنه في حرية. لذا سُجِّلَتْ عبودية هذا الشعب وتحريرهم، حتى نذكر دومًا حاجتنا إلى السيِّد المسيح كمُحَرِّر لنفوسنا من أَسْرِ الخطية.يُعَلِّق القديس أغسطينوس على هذه الإجابة قائلاً:
v حتى إن نظرنا إلى الحرية التي في العالم، فأين الحق في قولهم إننا ذرية إبراهيم ولم نُستعبَد لأحد قط (يو 8: 31-36)؟ ألم يُبَع يوسف (تك 37: 28)؟ ألم يؤخذ الأنبياء القدِّيسون إلى السبي (2 مل 24، حزقيال 1: 1)؟ وأيضًا أليسوا هم تلك الأمة التي كانت تخضع لحكام قساة فيصنعون اللَبْن في مصر، يخدمون ليس فقط في الذهب والفضة، وإنما في الطين (خر 1: 14)؟ حتى في أيام السيِّد المسيح كانوا خاضعين للجزية للدولة الرومانية (مت 22: 15-21). لو أنكم لم تُستعبَدوا لأحدٍ قط، فلماذا يُذكِّركم الله على الدوام أنه هو الذي خلّصكم من بيت العبودية؟! ما أراده السيِّد المسيح هو أن يُحَرِّرهم من عبودية الأنا، الكبرياء الفارغ، لكنهم فهموا الحرية بمفهوم جسداني[3].
وَكَذَلِكَ لأَجْلِ الدَّمِ الْبَرِيءِ الَّذِي سَفَكَهُ،
لأَنَّهُ مَلأَ أُورُشَلِيمَ دَماً بَرِيئاً،
وَلَمْ يَشَأ الرَّبُّ أَنْ يَغْفِرَ. [4]
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَهُويَاقِيمَ وَكُلُّ مَا عَمِلَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. [5]
6 ثُمَّ اضْطَجَعَ يَهُويَاقِيمُ مَعَ آبَائِهِ، وَمَلَكَ يَهُويَاكِينُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. 7 وَلَمْ يَعُدْ أَيْضًا مَلِكُ مِصْرَ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِهِ، لأَنَّ مَلِكَ بَابِلَ أَخَذَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ كُلَّ مَا كَانَ لِمَلِكِ مِصْرَ. 8 كَانَ يَهُويَاكِينُ ابْنَ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ نَحُوشْتَا بِنْتُ أَلِنَاثَانَ مِنْ أُورُشَلِيمَ. 9 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَبُوهُ. 10 فِي ذلِكَ الزَّمَانِ صَعِدَ عَبِيدُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ تَحْتَ الْحِصَارِ. 11 وَجَاءَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ عَبِيدُهُ يُحَاصِرُونَهَا. 12 فَخَرَجَ يَهُويَاكِينُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَعَبِيدُهُ وَرُؤَسَاؤُهُ وَخِصْيَانُهُ، وَأَخَذَهُ مَلِكُ بَابِلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ. 13 وَأَخْرَجَ مِنْ هُنَاكَ جَمِيعَ خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ، وَخَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَكَسَّرَ كُلَّ آنِيَةِ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ. 14 وَسَبَى كُلَّ أُورُشَلِيمَ وَكُلَّ الرُّؤَسَاءِ وَجَمِيعَ جَبَابِرَةِ الْبَأْسِ، عَشَرَةَ آلاَفِ مَسْبِيٍّ، وَجَمِيعَ الصُّنَّاعِ وَالأَقْيَانِ. لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ مَسَاكِينُ شَعْبِ الأَرْضِ. 15 وَسَبَى يَهُويَاكِينَ إِلَى بَابِلَ. وَأُمَّ الْمَلِكِ وَنِسَاءَ الْمَلِكِ وَخِصْيَانَهُ وَأَقْوِيَاءَ الأَرْضِ، سَبَاهُمْ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ. 16 وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْبَأْسِ، سَبْعَةُ آلاَفٍ، وَالصُّنَّاعُ وَالأَقْيَانُ أَلْفٌ، وَجَمِيعُ الأَبْطَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، سَبَاهُمْ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ.
ثُمَّ اضْطَجَعَ يَهُويَاقِيمُ مَعَ آبَائِهِ،
وَمَلَكَ يَهُويَاكِينُ ابْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ. [6]
ما ورد هنا يشير أن يهوياقيم رقد بسلام في مسكنه. وقد جاء في (2 أي 36: 6) وصف لأَسْرِه وترحيله إلى بابل بواسطة نبوخذناصَّر، مما يشير أن يهوياقيم مات ميتة بشعة في أرض غريبة. في الحقيقة لم تحدد الفقرتان أين مات يهوياقيم. الترحيل الوارد في (2 مل 24: 10-16) ليس هو ما جاء في (2 أي 36: 5-8). يوجد اختلاف فيما عمله نبوخذناصَّر. حيث أن (2 أي 36: 7) تشير أنه أخذ فقط يهوياقيم وبعض آنية بيت الرب، أما في (2 مل 24: 13) فيشير أن نبوخذناصَّر أخذ جميع خزائن بيت الرب، وسَبَى كل أورشليم. وهذا يوضح أن الحدثين مختلفان، لذلك من المُحتمَل أنه بعد السبي الأول عندما أُخذ يهوياقيم إلى بابل بحسب ما ورد في (2 أي 36)، سُمِحَ ليهوياقيم أن يعود إلى أورشليم في وقتٍ لاحق ومات هناك. ومن المُحتمَل أيضًا أن يكون يهوياقيم قد مات في السبي. واضح أن الأسفار صمتت عن هذه النقطة[4].
جاء في سفر إرميا: "قال الرب عن يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا: لا يندبونه قائلين: آه يا أخي، أو آه يا أخت. لا يندبونه قائلين: آه يا سيد، أو آه يا جلالهُ. يُدفن دفن حمارٍ، مسحوبًا ومطروحًا بعيدًا عن أبواب أورشليم" (إر 22: 18-19). سبق فقال عنه "ويل لهذا الرجل" راجع [13]... وعلامة الويل الخارجية أنه بنى قصرًا فخمًا بمال الظلم، ولم يجد جثمانه قبرًا يُدفَن فيه، ولا من يبكيه. فكما لم يسمع لدموع المظلومين والمحتاجين، لا يجد من يسكب دمعة واحدة عليه.
ليس من يندب قائلاً: "آه يا أخي، أو آه يا أخت؛ آه يا سيد أو آه يا جلالهُ." ماذا يعني بهذه الأسماء الأربعة (الأخ، الأخت، السيد، الجلالة)؟
أولاً: يرى البعض أن العبارة الأولى تصدر عن الحاضرين في الجنازة، ليس منهم من يقول للذين حوله: آه يا أخي، أو آه يا أختي، لأنه لا يشعر الرجال ولا النساء بالحزن على موت الملك. أما العبارة الثانية فيوجهها المشتركون في الجنازة نحو الميت، ليس منهم من يندب الملك كسيدٍ أو صاحب جلاله.
ثانيًا: يرى البعض[5] أن العبارة الثانية تعني بالسيد الأب، وبالجلالة الأم أو السيدة. وقد وُجدتْ في بعض النقوش الفينيقية عن الملك Azitawadda العبارة: [جعلني البعل أبًا وأمًا]. وكأن الملك في اللغة التقليدية يُتَمِّم كل دور الأسرة كأبٍ وأمٍ وأخٍ وأختٍ. هنا لا يندب الحاضرون الملك، لأنه لم يحقق شيئًا في حياته. لم يقم بدور الأخ أو الأخت أو الأب أو الأم.
يُدفن دفن حمار، أي لا توجد له مقبرة لدفنه، بل يُسحَب جثمانه إلى موضع القمامة خارج أبواب المدينة. يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس بأن نبوخذناصَّر قتله في أورشليم وترك جثمانه بلا دفن بعيدًا خارج أبواب المدينة.
كيف يمكن التوافق بين ما ورد هنا عن موت يهوياقيم وعدم دفنه، وبين ما ورد في (2 مل 24: 6)، أنه رقد مع آبائه، مما يُشتَّم منه أنه قد دفن في مقبرة آبائه. يرى البعض أن ما ورد في (2 مل 24: 6) لا يعني بها دفنه، إنما هي عبارة مستخدمة للتعبير عن الموت أيَّا كانت ظروفه. ويرى آخرون أن عبارة إرميا "يُدفَن دفن حمار، مسحوبًا ومطروحًا بعيدًا عن أبواب أورشليم" (إر 22: 18-19) تعبير مجازي عن حال الملك، فإنه وإن كان قد دُفِنَ رسميًا، لكنه كان في عيني شعبه كحمارٍ ميتٍ لا يستحق إلا إلقائه خارج أسوار المدينة. هذه هي مشاعر شعبه!
وَلَمْ يَعُدْ أَيْضاً مَلِكُ مِصْرَ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِهِ،
لأَنَّ مَلِكَ بَابِلَ أَخَذَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ،
كُلَّ مَا كَانَ لِمَلِكِ مِصْرَ. [7]
إذ تنحني أنفسنا فلا نتطلع إلى الساكن في السماء، بل نطلب عونًا من الأرض نفشل. فقد تظاهر المصريون أنهم حلفاء لهم، لكنهم كانوا عاجزين عن مساندتهم، وغير راغبين في ذلك. قيل: "ولم يعد أيضًا ملك مصر يخرج من أرضه، لأن ملك بابل أخذ من نهر مصر إلى نهر الفرات كل ما كان لملك مصر" (2 مل 24: 7). "فإن مصر تعين باطلاً وعبثًا، لذاك دعوتُها رهب الجلوس" (إش 30: 7).
كان قادة يهوذا يتطلّعون إلى مصر والتحالف معها كمصدر رجاء للخلاص من الكلدانيين (إر 37: 3-10). وكان ذلك موضوع خلاف بين إرميا والملك، بل ومع مشيري الملك ورجال الدولة ورجال الدين والشعب. الكل حسبوا التحالف مع مصر ضد الكلدانيين، وليس التوبة، هو الرجاء في الخلاص من هجوم الكلدانيين. وعندما حذَّر إرميا النبي صدقيا من ذلك، أودعه في دار السجن (إر 37: 5-21).
كَانَ يَهُويَاكِينُ ابْنَ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ نَحُوشْتَا بِنْتُ أَلْنَاثَانَ مِنْ أُورُشَلِيمَ. [8]
"يهوياكين" معناها "الرب يعيِّن". يصف الكتاب المقدس يهوياكين كشابٍ ناضجٍ (إر 22: 24-30؛ حز 19: 6).
"ابن ثماني عشرة سنة" وجاء في 2 أي 9:36 "كان ابن ثماني سنين". وهناك حلان لهذه المشكلة: الأول أنه جلس مع أبيه على العرش وملك معهُ وكان عمره ثماني سنين كما هي عادة ملوك هذا الزمان. والثاني مدة الثماني سنين محسوبة من مدة السبي الأول أو من جلوس نبوخذناصَّر على العرش.
الأرجح أن عُمر يهوياكين كان 18 سنة حين ملك وليس ثماني سنين، لأنه كان لهُ نساء [15]. كذلك وُصِف بأنه "عمل الشر في عيني الرب حسب كل ما عمله أبوه" (2 مل 24: 9)، وهذا وصف لشاب كبير أكثر منه وصف لفتى. بالإضافة إلى ذلك، يشير حُكم الكلدانيين عليه بالسجن عام 597 ق.م إنهم عاملوه كرجلٍ كبيرٍ مسئول[6].
تنبأ إرميا في أيام يهوياكين الذي لم يدم ملكه سوى ثلاثة شهور، وجاء نبوخذناصر إلى أورشليم وأخذه هو وعائلته ورؤساء الشعب مع خزائن بيت الرب إلى بابل (2 مل 8:24-16)، وعاش أسيرًا في السبي.
مما يجدر ملاحظته أن السلطات اليهودية تطلعت إلى نبوات إرميا وكلماته أثناء حصار أورشليم بمنظار سياسي حربي لا ديني، فرأت فيها تحطيمًا لمعنويات الجيش ونفسية الشعب، فحسبته خائنًا وطنيًا.
في هذه المرة عالج نبوخذناصَّر الموقف بطريقة لطيفة غير متوقعة، إذ لم يقم بتدمير المدينة ولا الهيكل ولا المنشآت العامة ولا حتى أسوارها الحربية، إنما اكتفي بأخذ الملك الشرير يهوياكين الذي لم يدم ملكه سوى ثلاثة شهور، كما أخذ عائلته ورؤساء الشعب وخزائن بيت الرب إلى بابل (2 مل 24: 8-16).
لقد انكسر قلب حزقيال الذي رأى الهيكل المحبوب لديه وقد نُهِبَتْ أدواته التي يرجع عمرها إلى حوالي 300 عامٍ منذ أيام سليمان وصُهرت، ووُضعت في زكائب البابليين، وقد قام الملك الجديد صدقيا ابن أخ يهوياكين (2 مل 24: 17) بتدنيس الهيكل، وصار الوثنيون الغرل يُنجِّسون المواضع المقدسة. هذا وقد نصب نبوخذناصَّر شباكه في بلاد يهوذا ليصطاد كل شابٍ له قدرة أو موهبة أو مركز وحملهم إلى بابل، وكان من بينهم حزقيال نفسه، لكي يضمن عدم حدوث أية ثورات ضده في يهوذا، تاركًا الفلاحين والمُعدَمين جدًا غير القادرين على الثورة (2 مل 25: 12).
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَبُوهُ. [9]
كان يهوياكين مثل أبيه يهوياقيم شريرًا (2 مل 24: 8-17)، خلفه في المُلْكِ، وكان في بلده أورشليم. كان يمكن بالبرّ أن يعيش آمنًا كخاتمٍ ثمينٍ في يد الله، لا يقرب إليه أحد، لكنه بسبب شره انتزعه الله بعد ثلاثة شهور من مُلْكِه، وهو بعد في الثامنة عشر من عمره مع أهل بيته، وسُبي عام 597 ق.م إلى بابل، ليعيش غريبًا مسبيًا في حالة رعبٍ!
حُرِمَ الملك من وطنه ومن شعبه، فصار في مذلةٍ داخليةٍ مهما قُدِّم له من كرامة أو إمكانيات.
جاء في سفر الملوك (2 مل 24، 25) عن يهوياكين أنه قد رُفع شأنه في بابل في أواخر حياته، لكنه بقى مسبيًا ولم يرجع إلى وطنه.
ومع أنه كان له عدة أبناء (1 أي 3: 17)، فإن أحدًا منهم لم يجلس على عرش إسرائيل، لذلك حُسب عقيمًا.
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ صَعِدَ عَبِيدُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
فَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ تَحْتَ الْحِصَارِ. [10]
خلف يهوياكين أباه يهوياقيم ليواجه أقوى جيش على وجه الأرض في ذلك الحين. بعد اعتلائه العرش بأسابيع قليلة تم الغزو الثاني حيث نهب البابليون الهيكل وأسروا غالبية القادة بما فيهم الملك. واضح هنا أن حصار أورشليم قد تمَّ. فسُجن الملك وعائلته ورجال القصر [12]. وسُلب الهيكل وقصر الملك [13]، وسُبي الجيش [14].
أقام نبوخذناصَّر صدقيا، أحد أبناء يوشيا، ملكًا على يهوذا، لكن اليهود لم يقبلوه حاسبين ملكهم هو يهوياكين.
وَجَاءَ نبوخذناصَّر مَلِكُ بَابِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ،
وَكَانَ عَبِيدُهُ يُحَاصِرُونَهَا. [11]
صعد عبيد نبوخذناصَّر أولاً ليحاصروا المدينة، ثم جاء نبوخذناصَّر بنفسه. غالباً كان آتيًا من صور التي كان يحاصرها في نفس الوقت.
جاء صدقيا خلفًا للملك يكنيا أو كنياهو (2 مل 24)، وقد رأى في سلفه ثمار رفض الكلمة الإلهية، لكنه لم يتَّعظ هو ورجاله وشعبه. اُستخدم اسم كنياهو اختصارًا لكلمة "يكنيا"، وفيه نوع من التوبيخ.
رفض الملك وعبيده وشعبه أن يسمعوا لكلام الله على لسان إرميا، ففقدوا سلامهم الداخلي. ظنوا أن في حبس إرميا إراحة لضمائرهم، ونُصرَة لأفكارهم، لكن بقي النبي المُفتَرَى عليه يحمل قوة وحرية داخلية داخل السجن، لأنه ملتصق بالكلمة الإلهية، بينما شعر الملك بالضعف، يطلب كلمة من شفتي إرميا لعله يستريح.
لعل إرميا النبي كان في أعماقه يُرَدِّد كلمات داود الملك: "تكلمتُ بشهاداتك قدام الملوك ولم أخزَ" (مز 119: 46)، ويُعَلِّق الأب أنثيموس أسقف أورشليم على هذه العبارة، قائلاً: [علامة محبة الله... هي أن تتكلم بشهاداته قدام الملوك جهرًا وبشجاعة، كما تَكلَّم الرسل والشهداء... لا نخزى إن كانت أعمالنا وأقوالنا لائقة بملك الملوك المُتكلِّم فينا، وأن نهذّ بوصاياه بالمحبة والثقة، لا بضجر أو تهاون[7].]
v يُعطَى للشر سلطان ضدنا حسب خطايانا كما هو مكتوب:" من دفع يعقوب إلى السلب وإسرائيل إلى الناهبين؟! أليس الرب الذي أخطأنا إليه، ولم يشاءوا أن يسلكوا في طرقه، ولم يسمعوا لشريعته، فسكب عليه حمو غضبه" (أش 24:42-25). مرة أخرى عندما أخطأ سليمان، وترك وصايا الرب وطرقه، كُتِبَ: "وأثار الرب الشيطان ضد سليمان نفسه" (ا مل 14:11)...
يحثنا الرب أن نقول في الصلاة: "ولا تدخلنا في تجربة"، إذ بهذه الكلمات يظهر أن العدو لا يقدر أن يفعل شيئًا ضدنا ما لم يسمح له الله بذلك مقدمًا، حتى تتحول مخافتنا وتقوانا وطاعتنا نحو الله. إذ في تجاربنا لا يُسمَح بالشر ما لم يُعطَ سلطان من الله. هذا يتحقق من قول الكتاب المقدس: "وجاء نبوخذناصر ملك بابل على المدينة وكان عبيده يحاصرونها، وسلَّمها الرب ليده" (راجع 2 مل 24: 11)[8] LXX.
فَخَرَجَ يَهُويَاكِينُ مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ،
هُوَ وَأُمُّهُ وَعَبِيدُهُ وَرُؤَسَاؤُهُ وَخِصْيَانُهُ،
وَأَخَذَهُ مَلِكُ بَابِلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ. [12]
مات يهوياقيم قبل وصول نبوخذناصَّر إلى أورشليم، لذلك سُبي يهوياكين مع بقية قادة يهوذا مثل حزقيال (حز 1: 1). ملك لمدة ثلاثة أشهر فقط [8] في عام 598 ق. م. سلَّم يهوياكين نفسه وكل أهل بيته حتى يحفظ المدينة من الهدم.
جاء في إرميا: "كل رعاتك ترعاهم الريح، ومُحبُّوكِ يذهبون إلى السبي، فحينئذٍ تخزين وتخجلين لأجل كل شركِ" (إر 22: 22). ربما قصد بـ"رعاتك" ملوك يهوذا ورجالهم الذين كان يجب أن يرعوا الشعب، فصاروا في حاجة إلى رعاية من الخارج. لقد سقطوا تحت السبي عام 597 ق.م، فصارت أورشليم في خزي وعارٍ بلا رعاية، يرعاها الريح الباطل.
لعله أيضًا يقصد بالرعاة هنا أولئك الذين كانت تظنهم رعاة لها، سواء ملوك الأمم المتحالفة معهم أو آلهتهم، فإنهم هم أنفسهم يحتاجون إلى رعاة، وقد صارت الريح هي راعية لهم، لا تُقدِّم لهم إلا رياحًا مُهلِكة! إنها رياح شرقية تبدد الشعب (إر 18: 17). باتكالها على ملوك الأمم وآلهتهم قبلت الرياح المُحطِّمة عوض روح الله القدوس الواهب الحياة والنصرة والنجاح، يهب على النفس، فيحوِّلها إلى مقدسٍ سماويٍ لا تستطيع كل قوات الظلمة أن تفسده.
هكذا دفعها شرها إلى الاتكال على الذراع البشري والآلهة الكاذبة فتحطَّمتْ معهم!
وَأَخْرَجَ مِنْ هُنَاكَ جَمِيعَ خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ،
وَكَسَّرَ كُلَّ آنِيَةِ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ،
كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ. [13]
غالباً في هجومه الأول [12] أخذ الآنية الخفيفة، وفي هذا الهجوم [13] كسر الأواني الكبيرة والمذابح (مذبح البخور والموائد) ليأخذ الذهب الذي فيها، لأن بيلشاصر شرب في آنية الهيكل.
"كما تكلم الرب" أي كما ذكر إشعياء لحزقيا الملك.
هاجم نبوخذناصَّر الهيكل 3 مرات:
أ. أخذ الآنية ووضعها في هيكل إلهه، وهذه أعادها كورش مع عزرا عند الرجوع من السبي.
ب. حين كسر الأواني الكبيرة وحملها معه.
ج. حين هدم الهيكل وأخذ كل النحاس.
v يلزمنا أن نعترف ونكرر مرارًا أنه من الأفضل بكثير أن نحفظ النفوس عن حفظ الذهب للرب. لأن ذاك الذي أرسل الرسل بدون ذهب (مت 10: 9) يطلب أن يُحضر الكنائس بدون ذهب فلا لتقوم بتخزينه، وإنما تنفقه وتستخدمه دائمًا للمحتاجين. ما هي الضرورة أن نحتفظ بما هو ليس صالحًا (في ذاته)؟
ألسنا نعرف كيف أخذ الأشوريون الكثير من الذهب والفضة من هيكل الرب؟
أليس من الأفضل للكهنة أن يستخدموه في مساندة الفقراء، عوض أن يسلبه الأعداء الدنسين ويدنِّسوه؟[9]
وَسَبَى كُلَّ أُورُشَلِيمَ وَكُلَّ الرُّؤَسَاءِ وَجَمِيعَ جَبَابِرَةِ الْبَأْسِ.
عَشَرَةَ آلاَفِ مَسْبِيٍّ،
وَجَمِيعَ الصُّنَّاعِ وَالأَقْيَانِ.
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ مَسَاكِينُ شَعْبِ الأَرْضِ. [14]
تضم المملكة الجنوبية (يهوذا) سبطي يهوذا وبنيامين، سباهم البابليون عام 586 ق.م. قيل عن نبوخذناصَّر: "وسبى كل أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس عشرة آلاف مسبي وجميع الصناع والأقيان. لم يبقَ أحد إلا مساكين شعب الأرض... سباهم ملك بابل إلى بابل" (2 مل 24: 14-15).
رقم عشرة آلاف غالبًا هو رقم تقريبي عن المرَّحلين من كل صنف من يهوذا وأورشليم، من فئات كثيرة مثل أولئك الذين أشير إليهم في عدد 16.
اختلفت سياسة البابليين عن الأشوريين في التعامل مع المسبيين، فالأشوريون يجلون غالبية السكان، ويعمرون البلاد بجنسيات أخرى تختلط بالقلة القليلة من أهل البلد، أما البابليون فكانوا يأخذون العظماء والقادة والصناع الماهرين ويتركون المساكين والضعفاء لحُكْمِ البلاد. يقيمون منهم حكامًا يخضعون لهم. أما الأسرى إلى بابل، فيُسمَح لهم أن يعيشوا معًا، ليصبحوا جزءًا هامًا من المجتمع في بابل. هذا ما ساعد اليهود أن يلتحموا معًا في السبي إلى حين عودتهم في أيام عزرا وزربابل الخ.
لكي يذل أورشليم ترك المساكين فقط، وأخذ الرؤساء وأصحاب البأس والصنَّاع المهرة مثل الأقيان أي الحدادين والمهرة.
يتطلع المرتل إلى ما حلَّ بمدينة الله، ويصرخ قائلاً:
"اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك، نجَّسوا هيكل قدسك،
جعلوا أورشليم أكوامًا.
دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء. لحم أتقيائك لوحوش الأرض.
سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم، وليس من يرفق.
صرنا عارًا عند جيراننا، هزءًا وسخرة للذين حولنا.
إلى متى يا رب تغضب كل الغضب، وتتقد كالنار غيرتك؟ّ" (مز 79: 1-5).
لعل البابليين أدركوا أن هؤلاء الفقراء لم يكن لهم دور في القرار الخاص بعدم الاستسلام أثناء الحصار، لذا تركوهم في أرضهم. ومن جانب آخر، فإنه من الحكمة أن يرضوا الفقراء حتى متى عاد الكلدانيون إلى بابل ورحلت الجيوش عن أورشليم لا تحدث ثورة ضد بابل. ليس فقط تُرَد ممتلكات هؤلاء الفقراء الذين نهبهم أغنياء بني جنسهم واستغلوهم، وإنما ينالون ما كان للأغنياء.
v يقودني نبوخذناصَّر الحقيقي مربوطًا بالسلاسل إلى بابل، أي إلى بابل الفكر المرتبك.
هناك يضع عليَّ نير العبودية،
هناك يضع خزامة من حديد في أنفي،
ويأمرني أن أُرَنِّمَ بتسبحة من تسابيح صهيون (2 مل 19: 28، مز 136: 3)[10].
v إنها خطايانا التي تجعل البرابرة أقوياء، إنها رذائلنا التي تقهر جنود روما...
يا لبؤس الإسرائيليين الذين عندما قورنوا بنبوخذناصر دُعي هو عبد الله (إر 27: 6).
يا لبؤسنا نحن أيضًا الذين إذ نُغضِب الله، يستخدم غضب البرابرة ليصب غضبه علينا.
ومع هذا عندما تاب حزقيا هلك 185000 جندي أشوري بواسطة ملاكٍ واحدٍ (2 مل 19: 35).
وعندما رنَّم يهوشافاط للرب تسابيح وهب الله ذاك الذي تعبَّد له النصرة (2 أي 20: 5-25).
أيضًا عندما حارب موسى ضد عماليق، غلب لا بالسيف، بل بالصلاة. لهذا إن أردنا أن نرتفع يلزمنا أولاً أن ننبطح![11]
v تنبأ النبي القديس إرميا أنه بعد سبعين عامًا سيعود الشعب من السبي، ويبنون مدينة أورشليم نفسها، التي بكوا عليها، التي دمَّرها الأعداء. لكن في ذلك الوقت وُجد أنبياء في السبي بين الشعب الساكن في بابل، من بينهم حزقيال النبي. هؤلاء كانوا ينتظرون تحقيق الوعد الخاص بالسبعين عامًا حسب نبوة إرميا (إر 25: 11؛ 29: 11). حدث هذا عندما تمت السبعين سنة، فأُصلح الهيكل الذي دُمِّر، وعاد من السبي عددٌ كبيرٌ من الشعب[12].
وَسَبَى يَهُويَاكِينَ إِلَى بَابِلَ.
وَأُمَّ الْمَلِكِ وَنِسَاءَ الْمَلِكِ وَخِصْيَانَهُ وَأَقْوِيَاءَ الأَرْضِ سَبَاهُمْ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ. [15]
مرَّتْ بيهوذا فترة هدوء نسبي، شجعت يهوذا على الثورة ضد بابل، لكن الأخيرة أرسلت فرقًا من الجيش إلى فلسطين. وفي عام 598 ق.م وصل جيشها إلى يهوذا، وفي هذا الوقت مات يهوياقيم بطريقة غامضة، وتوِّج ابنه يهوياكين (يكينا) الذي كان في الثامنة عشرة من عمره وكان مملوءًا شرًا. لم يدم ملكه سوى ثلاثة شهور، وجاء نبوخذناصَّر إلى أورشليم وأخذه هو وعائلته ورؤساء الشعب مع خزائن بيت الرب إلى بابل (2 مل 24: 8-16)، وعاش أسيرًا في السبي.
بعد سنوات (سنة 562 ق.م) حُرِّر لكن لم يُسمَح له بالعودة إلى بلاده (إر 52: 31-34؛ 2 مل 25: 27-30). سقط التاج عن رأسه وعن رأس أمه، وضاع من بين أيديهما المُلك. واضح هنا أنه كان للملكة الأم دور رئيسي في إدارة المملكة في يهوذا، وكان لها سلطانها في أيام الملك آسا حتى تخلَّص منها (1 مل 15: 13).
حين حلَّت الكارثة لم يجد الملك وأيضًا الملكة لهما ملجأ في منطقة الجنوب أو مدن نجب Negeb (القسم الجنوبي من يهوذا) المعروفة بخصوبتها ومدنها الكثيرة، لأن جيوش الغازين عزلت أورشليم عن مدن الجنوب حتى لا يجد سكان أورشليم مجالاً للهروب؛ أو لأن هذه المدن إذ أدركت الخطر الذي حلَّ بأورشليم أغلقت أبوابها وخشت أن تفتحها حتى لقيادات يهوذا عند هروبهم.
من الجانب التاريخي هدَّدتْ أدوم مدن نجب ألا تقبل اللاجئين من أورشليم حتى يملك الغازون تمامًا. فعلت هذا إما لمصلحتها الشخصية حيث أرادت خراب يهوذا، أو لحساب البابليين، وقد وُجِدَتْ نقوش تؤكد ذلك[13]. يرى البعض أن هذه المدن كانت مخازن للملك، لذلك حاصرها الأعداء لمنع وصول مؤونة إلى أورشليم أثناء حصارها.
سبي يهوياكين ورد في (2 أي 36: 9-10)، تنبأ عنه إرميا النبي (إر 22: 24-27). على خلاف يهوآحاز الذي حُمِلَ إلى مصر ثم اختفى، إذ لا يذكر التاريخ المقدس عنه شيئًا. أما يهوياكين فقد سجَّل موضوع تحرره مرتين (2 مل 25: 27-30؛ إر 52: 31-34).
"وأسلمك إلى يد طالبي نفسك، وليد الذين تخاف منهم وليد نبوخذراصر ملك بابل وليد الكلدانيين. وأطرحك وأمك التي ولدتك إلى أرض أخرى لم تُولدا فيها، وهناك تموتان. أما الأرض التي يشتاقان إلى الرجوع إليها، فلا يرجعان إليها" (إر 22: 25-27).
عوض أن يكون مكانه في يد الله حيث الحرية والمجد، يصير موضعه هو وأمه في السبي حيث العبودية والذُل. لقد سُبيت نحوشتا بنت ألناثان (2 مل 24: 8، 15) مع ابنها الملك يهوياكين إلى بابل. فقد الملك عرشه، وأُلقي في أرض السبي كما في موضع القمامة خارج أبواب أورشليم، وصار كبواقي إناء خزفي مكسور لا قيمة له.
لقد نادى الأنبياء الكذبة[14] بأنه سيرجع من السبي، وذلك لكي يعطوا رجاءً لرجال الدولة والشعب ويسرونهم، فكان كثيرون يعتبرونه الملك الرسمي بالرغم من سبيه، لكن إرميا النبي في جرأة نطق بما تكلم به الرب.
بقي يهوياكين في بابل إلى أيام مردوخ بن نبوخذناصَّر، أي أكثر من 37 سنة.
وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْبَأْسِ، سَبْعَةُ آلاَفٍ،
وَالصُّنَّاعُ وَالأَقْيَانُ أَلْفٌ،
وَجَمِيعُ الأَبْطَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ،
سَبَاهُمْ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ. [16]
نجد في آية 14 أنه سبى 10,000 وفي آية 16 نجده سبى 7,000.
فجميع أصحاب البأس سبعة ألاف وكل الرؤساء ألفان والصناع والأقيان ألف. لقد سبى ملك بابل جميع الأبطال أهل الحرب إلى بابل.
إذ اقترب موعد سفر القديس غريغوريوس العجائبي من قيصرية فلسطين بعد أن قضى عدة سنوات، تتلمذ على يدي العلامة أوريجينوس حوالي عام 238م، ألقى خطابا وجهه إلى مُعلِّمه شبَّه نفسه فيه بآدم وهو يرحل من الفردوس، والابن الضال الذي يهجر بيت أبيه، وترحيل اليهود إلى بابل. جاء في هذا الخطاب الآتي:
v إنني كأحد هؤلاء (المُرَحَّلين إلى بابل) بالحق تبدو لي نفسي، كمن يُطرَد من مدينته، ومن أرض أبيه المقدسة التي عليها تُعلق الشرائع المقدسة نهارًا وليلاً، وتُسمَع فيها التسبيح والأغاني والكلمات الروحية. فيها أيضا نور الشمس الدائم وفي النهار نتمتع برؤية ونحن في يقظة نقترب من أسرار الله. وفي الليل في الأحلام لا نزال ننشغل بما رأته النفس ولمسته في النهار. ويسيطر إعلان الإلهيات على الكل باستمرار .
أقول من هذه المدينة أنا مطرود، وأُحْمَل أسيرا إلى بلدٍ غريبٍ، حيث لا قدرة لي على التزمير، وذلك مثل الرجال القدامى، أُعَلِّق قيثاراتي على الصفصاف، وتكون الأنهار هي مكان غربتي. أعمل في الوحل، وليس لي قلب ينشد التسابيح حتى إن تذكرتها . نعم فإنني إذ أنشغل على الدوام بأمور أخرى أنساها كمن فسدت ذاكرته...
إنني إذ التزم أن أرحل، إنما بغير إرادتي كأسير أفعل هذا، لكنني أرحل أيضًا بإرادتي، وليس تحت ضغط من آخرين. وبتصرفي أترك هذه المدينة حين تُعطَى لي فرصة اختيار البقاء فيها . ربما أيضا بتركي هذا الموضع أبلغ رحلة بلا أمان كما يحدث أن نسير في صحبة شخص يترك السلام ومدينة آمنة. وهذه حقيقة، لكنها تشبه من في رحلته أُسقط في أيدي لصوص وأُخذ سجينًا، وأُجلد وأُجرح بضرباتٍ كثيرة وطُرِحَ بين حي وميت[15].
v بائسون هم الإسرائيليون متى قورنوا بنبوخذناصَّر الذي دعي خادم الله ( إر 27:6). نحن أيضًا نصير تعساء إذ لم نسر الله، فيستخدم عنف البرابرة ليحل بغضبه علينا[16].
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
17 وَمَلَّكَ مَلِكُ بَابِلَ مَتَّنِيَّا عَمَّهُ عِوَضًا عَنْهُ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى صِدْقِيَّا. 18 كَانَ صِدْقِيَّا ابْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَمِّيطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. 19 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ يَهُويَاقِيمُ. 20 لأَنَّهُ لأَجْلِ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَعَلَى يَهُوذَا حَتَّى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ، كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ.
وَمَلَّكَ مَلِكُ بَابِلَ مَتَّنِيَّا عَمَّهُ عِوَضاً عَنْهُ،
وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى صِدْقِيَّا. [17]
في اليوم العاشر من الشهر العاشر في السنة التاسعة لملكه، عسكر ملك بابل أمام أورشليم، وأخذ يبني حصونًا حولها، لكن قوَّتها حالت دون اقتحامها، فحاصرها البابليون، إلا أن تقدُّم المصريين أرغمهم على الانسحاب إلى حين (إر 37: 5)، لكنهم ما لبثوا أن عادوا.
وفي اليوم التاسع من الشهر الرابع في السنة الحادية عشرة لملكه نفذ القوت من العاصمة المحاصرة. في تلك الليلة غادر صدقيا الموقع مع كل رجاله، وتسلل بين القلاع البابلية، وهرب شرقًا نحو الأردن. لكن الجيش البابلي طارده وأدركه في سهل أريحا، فأُلقي القبض عليه، وجاءوا به أسيرًا إلى نبوخذناصَّر إلى ربلة في شمال فلسطين. هناك حُوكم، فقُتل أولاده أمامه، واُقتلعت عيناه، ورُبط بسلاسل من نحاس، وسيق إلى بابل (2 مل 24: 17-20، 25: 1-7؛ 2 أي 36: 11-21؛ إر 39: 1-14)، وحُبس حتى موته (2 مل 52: 11).
فيما يلي نص طلب صدقيا الملك من إرميا لسؤال الرب، وإجابة إرميا النبي عليه، وكان ذلك في عام 588 أو بداية 587 ق.م.
جاء في إرميا: "قل للملك وللملكة: اتضعا واجلسا، لأنه قد هبط على رأسيكما تاج مجدكما، أُغلقت مدن الجنوب، وليس من يفتح. سُبيت يهوذا كلها، سُبيت بالتمام" (إر 13: 18-19).
ملَّك نبوخذناصر الملك صدقيا عوضًا عن أخيه يهوياكين (2 مل 24: 17)، وكان شريرًا، لم يبالِ بكلمات إرميا بل ونجَّس الهيكل. في بداية حكمه كان بعض رجال يهوذا يتطلعون إلى يهوياكين المسبي كملكٍ شرعيٍ، يأملون في رجوعه واستعادته العرش (إر 17-29)؛ لذا كان صدقيًا في صراع بين رغبته في الظهور بالخضوع لسيده البابلي وبين إظهار روح الوطنية أمام الشعب ومضاداته لبابل المستعمر.
"فتبعت جيوش الكلدانيين الملك، فأدركوا صدقيا في برية أريحا، وتفرَّق كل جيشه عنه. فأخذوا الملك وأصعدوه إلى ملك بابل إلى ربلة في أرض حماة، فكلمه بالقضاء عليه. فقتل ملك بابل بني صدقيا أمام عينيه، وقتل أيضًا كل رؤساء يهوذا في ربلة. وأعمى عيني صدقيا، وقيَّده بسلسلتين من نحاس، وجاء به ملك بابل إلى بابل وجعله في السجن إلى يوم وفاته" (إر 52: 8-11).
جاء ما ورد هنا مطابقًا كلمة بكلمة مع (2 مل 24: 18-20)، ويطابق ما جاء في إرميا (2 مل 39: 1-7).
لم يشر النص هنا إلى هروب الملك، وإن كان بقية الأصحاح يُلَمِّح إلى هروبه. ربما كان هروبه من بابٍ كان يُعرَف باسم "بين الحائطين"، وكان يظن أنه قادر أن يخترق الحصار الكلداني حول المنطقة، لكن استطاع الجيش الكلداني أن يدركه في برية أريحا (راجع إر 39: 5-7؛ 2 مل 25: 5-7).
قُدِّم صدقيا الملك للمحاكمة أمام نبوخذناصَّر الذي كان ينتظر في ربلة بأرض حماة، وهي مدينة سريانية جنوب قادش على نهر العاصي Orontes. وكان لموقعها أهمية إستراتيجية، إذ تقع في ملتقى الطرق بين مصر وما بين النهرين. كان المصريون مرابطين فيها عندما أُتي بيهوذا أسيرًا. اختار نبوخذناصَّر هذا الموقع ليمنع أية معونة أجنبية تتقدم لمساندة يهوذا أثناء اقتحام جيشه أورشليم.
قُتل أبناء الملك وكل رؤساء يهوذا المقبوض عليهم، أما الذين هربوا، فرجعوا فيما بعد والتفوا حول جدليا الوالي.
أُلقي صدقيا في "السجن"، وكما يرى Hitzig أن النص العبري يعني "بيت العقوبة" أو "بيت الإصلاح"، حيث أُلزم صدقيا أن يدور بالطاحونة كبقية المجرمين، وكما أُلزم شمشون بذلك (قض 16: 21)[17]. يرى Ewald ذلك متطلعًا إلى ما جاء في المراثي: "أخذوا الشبان للطحن" (مرا 5: 13) إشارة إلى الملك المسجون ومن معه[18].
بسبب التشابه بين ما ورد في (إرميا 52) وما جاء في (2 مل 24) ظن البعض أن (إرميا 52) مقتبس من ملوك الثاني، لكن توجد دلائل لها وزنها تناقض هذا[19]:
أ. ورد اسم ملك بابل هنا "نبوخذراصر"، الاسم الذي كثيرًا ما استخدمه إرميا النبي، بينما استخدم سفر الملوك اسم "نبوخذناصَّر".
ب. جاء في (إرميا 52) ملاحظات لم ترد في 2 مل 24، 25، وهي:
· جاء في (إر 52: 10) أن نبوخذراصر أمر بقتل كل رؤساء يهوذا في ربلة بينما حُمِلَ صدقيا إلى بابل وسُجِنَ إلى يوم وفاته.
· جاء في (إر 52: 19-23) تفاصيل عن أدوات الهيكل المسلوبة لم ترد في ملوك الثاني ولا في وصف مبنى الهيكل في (1 ملوك 7).
· ذُكِرَت في إر 52: 28-30 الترحيلات الثلاث إلى السبي واعدادها بدقة، الأمر الذي لم يرد هكذا في كل الأسفار التاريخية في العهد القديم.
جاء الأصحاح 52 من سفر إرميا كملحق للسفر لتأكيد أن ما تنبأ عنه إرميا قد تحقق فعلاً. كثيرًا ما تحدث إرميا عن خراب أورشليم والهيكل وسبي يهوذا، الأمور التي قاومها بشدة الأنبياء الكذبة، وسخر منها الكل فيما عدا قلة قليلة جدًا، وحسبها الكثيرون أحاديث بشرية تُحَطِّم نفسية الشعب والجيش، الآن يعلن الكاتب أن ما كانوا يظنونه خيالاً صار واقعًا. لقد تحققت، وبدأ السبي القاسي، لكن مع نسمات الرجاء الحيّ في عمل الله وسط شعبه بأن يردهم إلى بلادهم بعد تأديبهم. أما بالنسبة لأحاديثه عن العودة من السبي، فقد قدَّم سفر إرميا ما تم مع الملك يهوياكين (إر 52: 31-34) كأول علامة رجاء من أجل المستقبل[20].
جاء في (2 أي 10:36) أن ملك بابل خلع يهوياكين وملَّك صدقيا أخاه. صدقيا هو نفسه متينا، وهو عم يهوياكين فعلاً وعند العبرانيين يسمون الأقرباء إخوة، إبراهيم دُعي أخاً للوط وهو عمه، ويهوياقيم له ابن اسمه صدقيا وليس هو الملك صدقيا. غيَّر ملك بابل اسمه إلى صدقيا عند تجليسه (2 مل 24: 17)، وهو اسم عبري معناه "يهوه برّ" أو "برّ يهوه".
هو آخر ملوك يهوذا، اسم والدته حميطل بنت إرميا من لبنة (2 مل 24: 18). أقامه نبوخذناصَّر بعد السبي الأول حاكمًا على يهوذا. وكان عمره إحدى وعشرين سنة حين ملك، وملك إحدى عشرة سنة في أورشليم (597-587 ق.م).
صنع صدقيا الشر في عينيْ الرب، وإن كان ليس هو أشر ملوك يهوذا. أما أسباب دفعه بشعبه إلى الهلاك فهي:
أ. أفقدته خطاياه العون الإلهي. كان يسأل إرميا لكي يستشير الرب، لكنه لم يصغِ إليه، لأنه كان ينتظر إجابة حسب هواه (2 أي 36: 12؛ إر 37: 2) ولأنه كان بالأكثر معتمدًا على وعود فرعون مصر القوية؛ كأن سؤاله الرب كان أمرًا ثانويًا أو شكليًا. من جهة علاقته بالله، نجَّس الهيكل بالوثنية (2 أي 36: 14)، ولم يقضِ بالعدل.
ليس فقط من الجانب الروحي أو الإيماني قد أخطأ صدقيا في اتكاله على ذراعٍ بشري، أي على فرعون مصر، وإنما كانت نظرته خاطئة حتى من الجانب السياسي. فإنه قبل ذلك بحوالي قرن ونصف في أيام إشعياء النبي تقبلت يهوذا ينبوعًا لا ينقطع من الوعود المصرية عن المساندات العسكرية لتقف أمام الأشوريين (وبعد ذلك البابليين). إذ خشي المصريون على أنفسهم من خطر تدخُّل منطقة ما بين النهرين، وكانوا يودون استخدام يهوذا وإسرائيل كخط دفاعٍ لهم من الجانب الشمالي لمصر. كل هذه الوعود لم تُجدِ شيئًا ولا قدَّمت حصانة ليهوذا أو إسرائيل، وكان يليق بالملك أن يضع ذلك في اعتباره.
ب. في البداية بعث صدقيا سفارة إلى نبوخذناصَّر غالبًا ليؤكد له ولاءه (إر 29: 3)، وفي السنة الرابعة لملكه ذهب هو إلى بابل (إر 51: 59)، وأخيرًا جسر على التمرُّد. وقد شجَّع عظماء يهوذا الملك على الثورة ضد بابل.
جاء إليه رسل من أدوم وموآب وعمون وصور وصيدا ليرسموا خطة موحدة للثورة على ملك بابل، لكنهم كانوا حلفاء غير أمناء. خطَّط مع رجاله كيف يتخلص من دفع الجزية لبابل[22]. تمرُّده على ملك بابل، حانثًا بقسمٍ أن يبقى مواليًا له (2 أي 36: 13؛ حز 17: 15، 16، 18) أفقدت الملك ثقته في القيادات اليهودية، إن لم يكن كلها فعلى الأقل أغلبها، خاصة الأسرة الملكية. كان الباعث على هذه الثورة هو جلوس ملكٍ جديدٍ على عرش مصر أراد أن يناهض بابل، فيسترد لنفسه بعض الأراضي التي كانت قبلاً خاضعة لمصر واغتصبتها بابل منها.
ج. غباؤه وعدم حكمته في التصرُّف.
د. ضعف شخصيته: سبق أن التقينا مع صدقيا الملك في الأصحاحات (إر 34؛ 37؛ 38) كشخصية غير مستقرة، لا يصلح كقائدٍ وطني، ولا كوكيلٍ لنبوخذناصَّر، وضع نفسه في المطرقة بين نبوخذناصَّر وشعبه، ولم يكسب أحدًا منهم. يذهب إلى بابل ليُجَدِّد ولاءه للملك ثم يعود ليتمرَّد عليه حانثًا بوعده (إر 24: 9). تارة يطالب بتحرير العبيد العبرانيين لكي يرفع الله غضبه عنه، وإذ يُرفَع الحصار عن أورشليم يستعبدهم من جديد (إر 34: 18، 16، 21). يحكم على إرميا بالسجن منقادًا لرجال قصره، ثم يذهب إليه ليطلب مشورته أكثر من مرة، مُقدِّمًا له كل وقارٍ!
كَانَ صِدْقِيَّا ابْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ.
وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ،
وَاسْمُ أُمِّهِ حَمِّيطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. [18]
ملَّك نبوخذناصر الملك صدقيا عوضًا عن أخيه يهوياكين (2 مل 17:24)، وكان شريرًا، لم يبالِ بكلمات إرميا بل ونجَّس الهيكل. في بداية حكمه كان بعض رجال يهوذا يتطلعون إلى يهوياكين المسبي كملك شرعي، يأملون في رجوعه واستعادته العرش (إر 17-29)؛ لذا كان صدقيًا في صراع بين رغبته في الظهور بالخضوع لسيده البابلي وبين إظهار روح الوطنية أمام الشعب ومضاداته لبابل المستعمر.
متنيا الذي حكم باسم صدقيا جلس على العرش عام 598 ق. م.، وكان ذلك في سنة وفاة يواقيم وأسر يهوياكين. صدقيا حكم حتى سقوط أورشليم سنة 586 ق. م.
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ يَهُويَاقِيمُ. [19]
لأَنَّهُ لأَجْلِ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَعَلَى يَهُوذَا،
حَتَّى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ. [20]
تمرَّد صدقيا: في غباوة اعتمد ملك يهوذا على المصريين في عهد فرعون Apries أو Hophra (إر 44: 30). طلب العون (حز 17: 15-18) وكان Apries قد خلف حديثًا Psacmtik الثاني (594-588 ق. م) على العرش. كانت لديه خطة كبرى لتجديد مجد مصر. لكن للأسف لم تتحقق خطته. بالرغم من أن Apries تحدى نبوخذناصر بهجومه على فينيقية ومجيئه لمساعدة صدقيا (إر 37: 5) لكنه لم يستطع أن ينقذ يهوذا (إر 37: 7-8). انتهى حكمه وكانت التكلفة هي حياته نفسها.
v في مرارة أتأمل طول أناتك إلى أجيال طويلة.
الشعب الذي اخترته لك، التصق بالآلهة الغريبة.
البيت الذي قدَّسته لك، تسلّلت إليه الأصنام.
الملوك الذين أقمتهم لكي يقودوا شعبك إلى السماء،
صاروا عثرة يدفعون الشعب إلى جهنم!
v حاصر العدو مدينتك التي تعتز بها.
سمحت لهم أن يقتحموها ويدنسوا الهيكل.
سمحت لهم أن يسلبوا الأواني المقدسة،
ويحملوا كنوز الهيكل من ذهبٍ وفضةٍ!
رأى الملك صدقيا ابنيه يُقتلان.
فقأ العدو عينيه، وقاده بسلاسل من نحاسٍ.
سخر العدو به، فصار أضحوكة أمام الوثنيين!
v أصرخ إليك حتى لا يحاصرني العدو ويسبيني.
توِّبني فأتوب، وأرجع إليك، وأرتمي في أحضانك.
روحك الناري يحرق كل فسادٍ في قلبي.
يهبني البصيرة الداخلية، فأرى أمجادك الفائقة.
تُقدِّس كل كياني، وتُجَمِّلني ببهائك.
من يقدر أن يسلبك يا رب القوات السماوية؟!
v اقتحمت بابل أورشليم المدينة المقدسة.
لكن هل يقدر العدو أن يتسلل إلى أورشليم الداخلية؟!
هب لي كمال الحرية، فلا تستعيدني الخطية!
أشرق بنورك في أعماقي؟
فلا تحتمل قوات الظلمة أن تلتصق بي!
حضورك الإلهي هو نصرتي ومجدي وفرحي الأبدي!
_____
[1] On Ps. hom. 34.
[2] بستان الرهبان، ص 441.
[3] St. Augustine: On the Gospel of St. John, trac. 41:2.
[4] When Critics ask: A popular handbook on Bible difficulties. Wheaton، III.: Victor Books. Geisler، N. L.، & Howe، T. A. (1992).
[5] Ibid, 597.
[6] When Critics ask: A popular handbook on Bible difficulties. Wheaton، III.: Victor Books. Geisler، N. L.، & Howe، T. A. (1992).
[7] للمؤلف: مز 119 [غنى كلمة الله ولذتها].
[8] Treatise 4 on the Lord's Prayer, 25.
[9] Duties of the Clergy, Book 2, ch. 28:136.
[10] Letter 7.
[11] Ep. 60: 17.
[12] On Ps.65 (64).
[13] Holladay, p. 409.
[14] John guest, p. 167.
[15] St. Gregory Thaumaturgus: The Oration and Panegyric addressed to Origen, 16.
[16] St. Jerome: Letter 60:17.
[17] Keil, p. 324.
[18] History of the People of Israel III, p. 748, (edition2).
[19] Keil: Jeremiah, p.322.
[20] Thompson: Jeremiah, p. 774.
[21] راجع قاموس الكتاب المقدس، ص 540-541 .
[22] R.C. Clements: Jeremiah, Atlanta Georgia, 1988, p. 125-6.
← تفاسير أصحاحات الملوك ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير ملوك الثاني 25 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير ملوك الثاني 23 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/jjs54xz