← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27
الأَصْحَاحُ الخَامِسُ
(1) إرسال نعمان إلى ملك إسرائيل ليشفيه (ع1-7)
(2) أليشع يشفي نعمان (ع8-19)
(3) خيانة جيحزي ومعاقبته (ع20-27)
1 وَكَانَ نُعْمَانُ رَئِيسُ جَيْشِ مَلِكِ أَرَامَ رَجُلًا عَظِيمًا عِنْدَ سَيِّدِهِ مَرْفُوعَ الْوَجْهِ، لأَنَّهُ عَنْ يَدِهِ أَعْطَى الرَّبُّ خَلاَصًا لأَرَامَ. وَكَانَ الرَّجُلُ جَبَّارَ بَأْسٍ، أَبْرَصَ. 2 وَكَانَ الأَرَامِيُّونَ قَدْ خَرَجُوا غُزَاةً فَسَبَوْا مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَتَاةً صَغِيرَةً، فَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيِ امْرَأَةِ نُعْمَانَ. 3 فَقَالَتْ لِمَوْلاَتِهَا: «يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ النَّبِيِّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ». 4 فَدَخَلَ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ قَائِلًا: «كَذَا وَكَذَا قَالَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ». 5 فَقَالَ مَلِكُ أَرَامَ: «انْطَلِقْ ذَاهِبًا، فَأُرْسِلَ كِتَابًا إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ». فَذَهَبَ وَأَخَذَ بِيَدِهِ عَشَرَ وَزَنَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَسِتَّةَ آلاَفِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشَرَ حُلَل مِنَ الثِّيَابِ. 6 وَأَتَى بِالْكِتَابِ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ فِيهِ: «فَالآنَ عِنْدَ وُصُولِ هذَا الْكِتَابِ إِلَيْكَ، هُوَذَا قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ نُعْمَانَ عَبْدِي فَاشْفِهِ مِنْ بَرَصِهِ». 7 فَلَمَّا قَرَأَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «هَلْ أَنَا اللهُ لِكَيْ أُمِيتَ وَأُحْيِيَ، حَتَّى إِنَّ هذَا يُرْسِلُ إِلَيَّ أَنْ أَشْفِيَ رَجُلًا مِنْ بَرَصِهِ؟ فَاعْلَمُوا وَانْظُرُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِي».
ع1: ملك أرام
: التي هى سوريا كان يسمى بنهدد.مرفوع الوجه: له مكانة كبيرة عند الملك.
أبرص: مصاب بمرض البرص وهو مرض جلدى يظهر بشكل بقع مختلفة عن لون الجلد وهو أقرب ما يكون لمرض الجذام ولكنه كان موجودًا في العهد القديم فقط وكان نتيجة الخطية.
كان لجيش آرام قائدًا هو نعمان. كان رجلًا محبوبًا من الكل ذو مكانة رفيعة وتقدير بالغ وسط شعبه؛ لأنه كان بطلًا، إذ حرر شعب آرام من الغزاة، فقد كان محاربًا قويًا وشجاعًا، إلا أنه كان أبرصًا. فكانت إصابته بمرض البرص دليل على خطيته، فهو يمثل الأمم الساقطة في الخطية، لكنها ستؤمن بالمسيح، كما آمن نعمان السريانى بعد شفائه على يد أليشع، فتخلص من خطاياها.
ع2: فى إحدى الغزوات التي سبق أن قام بها الآراميون ضد شعب إسرائيل، أسروا فتاة إسرائيلية صغيرة، أعطيت لامرأة نعمان لتخدمها.
ع3: أخبرت الفتاة سيدتها بأن في السامرة نبيًا يقدر على إبراء المرض، اسمه اليشع وتمنت أن سيدها نعمان يقابل أليشع ليبرأ من مرضه. فهذه الفتاة - رغم صغر سنها - تعلمت الإيمان على يد والديها منذ طفولتها. وشهدت بقوة الله في نبيه أليشع وبشرت سيدتها وزوجها؛ ليؤمنوا بالله بطريقة مقنعة، إذ ستحل لهم مشكلتهم وهي مرض البرص، فهي قوية بإيمانها، رغم أنها أسيرة، على عكس نعمان القوى في المركز ولكنه ضعيف؛ بسبب خطاياه التي سببت له هذا المرض؛ لأن مرض البرص مرتبط بالخطية. وكان إيمانها قويًا، فهي متأكدة من شفاء نعمان؛ إن قابل أليشع؛ لأنها عرفت معجزات أليشع وقوة الله التي فيه.
وإذا قارنا إيمان هذه الفتاة نجده عظيمًا جدًا بالقياس بيورام ملك إسرائيل، الذي لم يؤمن بقوة الله التي معه في أليشع النبي وخاف جدًا، عندما أتى إليه نعمان، كما سنرى في (ع7).
نفهم من هذه الآية أن اليشع كان له منزلًا في السامرة يقيم فيه وينتقل؛ ليفتقد شعبه، ثم يعود إليه وذلك على عكس إيليا معلمه، الذي كان يعيش في البرارى ويظهر أحيانًا؛ ليعلن صوت الله، ثم يعود للبرية، فالله له طرقه الكثيرة، يعمل في أولاده الذين يعيشون وسط الناس، أو الذين يعيشون حياة الوحدة في البرية.
† كن شجاعًا، مثل هذه الفتاة الصغيرة ولا يستهن أحد بحداثتك، أو ضعفك، بل إعلن الحق وسط الناس وتمسك بوصايا الله، فيرى الكل المسيح الساكن فيك.
: تتراوح الوزنة ما بين 17-40 كجم فضة.
شاقل ذهب: يتراوح ما بين 11.3 - 11.5 جرام ذهب.
حلل ثياب: غالبًا ثياب مزركشة ثمينة وهي التي يلبسها الملوك والأغنياء.
قص نعمان على ملك آرام ما قالته الجارية اليهودية لسيدتها. فأعطاه الملك كتاب توصية إلى ملك يهورام ملك بني إسرائيل، فذهب نعمان وأخذ معه عشر وزنات فضة وستة آلاف شاقل ذهب وعشر حلل من الثياب، كل ذلك كهدايا.
أرسل ملك أرام التوصية إلى ملك إسرائيل، فالملك لا يخاطب إلا الملك الذي مثله، كنوع من الكرامة والكبرياء ومن ناحية أخرى، لأنه لا يعرف إله إسرائيل ولا نبيه أليشع، ففى نظره أعظم شخصية هو الملك، لكن عند الفتاة المؤمنة، التي تعمل عند نعمان، كان أليشع هو أعظم شخصية في نظرها.
ع6: وصل نعمان إلى السامرة وقابل ملك إسرائيل وأعطاه الرسالة، التي خاطبه فيها ملك آرام قائلًا: عند استلامك خطابى هذا من يد نعمان، أحد رجالى المخلصين، أرجو أن تشفيه من مرضه.
ع7: عندما وصل نعمان السريانى إلى يورام ملك إسرائيل وأعطاه الرسالة وقرأها، إنزعج جدًا وخاف؛ لأنه عاجز عن شفاء هذا المرض الصعب ولم يلتفت إلى قوة الله التي عنده، في أليشع النبي، فعدم إيمانه جعله يخاف ويرتعب وييأس، لدرجة أنه مزق ثيابه علامة اليأس الكامل. بل إنه شعر أن إرسال نعمان إليه، هو وسيلة لاصطياد سببًا لمهاجمة إسرائيل.
كان أليشع بجوار يورام في السامرة ولم يؤمن يورام بقوة الله التي في أليشع وفى نفس الوقت آمنت الفتاة الصغيرة التي تعيش بعيدًا في أرام وأشفقت على سيدها وحركته بالإيمان؛ ليذهب ويشفى من رجل الله أليشع.
8 وَلَمَّا سَمِعَ أَلِيشَعُ رَجُلُ اللهِ أَنَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ قَدْ مَزَّقَ ثِيَابَهُ، أَرْسَلَ إِلَى الْمَلِكِ يَقُولُ: «لِمَاذَا مَزَّقْتَ ثِيَابَكَ؟ لِيَأْتِ إِلَيَّ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ يُوجَدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ». 9 فَجَاءَ نُعْمَانُ بِخَيْلِهِ وَمَرْكَبَاتِهِ وَوَقَفَ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ أَلِيشَعَ. 10 فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَلِيشَعُ رَسُولًا يَقُولُ: «اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الأُرْدُنِّ، فَيَرْجعَ لَحْمُكَ إِلَيْكَ وَتَطْهُرَ». 11 فَغَضِبَ نُعْمَانُ وَمَضَى وَقَالَ: «هُوَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَيَّ، وَيَقِفُ وَيَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَيُرَدِّدُ يَدَهُ فَوْقَ الْمَوْضِعِ فَيَشْفِي الأَبْرَصَ. 12 أَلَيْسَ أَبَانَةُ وَفَرْفَرُ نَهْرَا دِمَشْقَ أَحْسَنَ مِنْ جَمِيعِ مِيَاهِ إِسْرَائِيلَ؟ أَمَا كُنْتُ أَغْتَسِلُ بِهِمَا فَأَطْهُرَ؟» وَرَجَعَ وَمَضَى بِغَيْظٍ. 13 فَتَقَدَّمَ عَبِيدُهُ وَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا: «يَا أَبَانَا، لَوْ قَالَ لَكَ النَّبِيُّ أَمْرًا عَظِيمًا، أَمَا كُنْتَ تَعْمَلُهُ؟ فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِذْ قَالَ لَكَ: اغْتَسِلْ وَاطْهُرْ؟». 14 فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، حَسَبَ قَوْلِ رَجُلِ اللهِ، فَرَجَعَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَطَهُرَ. 15 فَرَجَعَ إِلَى رَجُلِ اللهِ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ وَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَهُ وَقَالَ: «هُوَذَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلهٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ إِلاَّ فِي إِسْرَائِيلَ، وَالآنَ فَخُذْ بَرَكَةً مِنْ عَبْدِكَ». 16 فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ، إِنِّي لاَ آخُذُ». وَأَلَحَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فَأَبَى. 17 فَقَالَ نُعْمَانُ: «أَمَا يُعْطَى لِعَبْدِكَ حِمْلُ بَغْلَيْنِ مِنَ التُّرَابِ، لأَنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ بَعْدُ عَبْدُكَ مُحْرَقَةً وَلاَ ذَبِيحَةً لآلِهَةٍ أُخْرَى بَلْ لِلرَّبِّ. 18 عَنْ هذَا الأَمْرِ يَصْفَحُ الرَّبُّ لِعَبْدِكَ: عِنْدَ دُخُولِ سَيِّدِي إِلَى بَيْتِ رِمُّونَ لِيَسْجُدَ هُنَاكَ، وَيَسْتَنِدُ عَلَى يَدِي فَأَسْجُدُ فِي بَيْتِ رِمُّونَ، فَعِنْدَ سُجُودِي فِي بَيْتِ رِمُّونَ يَصْفَحُ الرَّبُّ لِعَبْدِكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ». 19 فَقَالَ لَهُ: «امْضِ بِسَلاَمٍ». وَلَمَّا مَضَى مِنْ عِنْدِهِ مَسَافَةً مِنَ الأَرْضِ،
ع8: عندما ظهر عجز الإنسان الكامل، في شخص ملك إسرائيل، الذي مزق ثيابه، تدخل الله. إذ عندما سمع أليشع بيأس الملك، أرسل إليه، ليوبخه على عدم إيمانه بقوة الله التي معه، في شخص نبى الله. وطلب منه أن يرسل إليه نعمان، فينال الشفاء ويعلم ويتأكد من قوة الله التي في إسرائيل وليت ملك إسرائيل حينئذ يؤمن هو أيضًا.
هنا يظهر أليشع كقائد روحي يحل المشاكل، عندما يعجز القائد المدنى، أي أن الله هو قائد المملكة وليس الملك.
† ليت الله يكون قائد حياتك، فترجع إليه في كل شيء وتطيع تعاليم الكنيسة، فلا تتعرض للاضطرابات التي يعانيها العالم، بل تحيا في سلام دائم.
ع9: وجد ملك إسرائيل في رسول أليشع حلًا لمشكلته، فأخبر نعمان بأن أليشع النبي قادر على شفائه وليته يذهب إليه ليشفيه، فذهب نعمان بعظمته ومركباته وخيله إلى بيت أليشع البسيط. وهذا يظهر أمرين:
اتضاع نعمان، فلم يطلب أن يأتي أليشع إليه.
يظهر أن العظمة المادية لا شيء أمام قوة الله، فرغم قوة نعمان لكنه محتاج للشفاء على يد نبى الله أليشع الرجل البسيط.
ع10: لم يخرج أليشع للقاء نعمان، بل أرسل له رسولًا يخبره بأمر أليشع له، أن يذهب إلى نهر الأردن، فيغتسل سبع مرات، فينال الشفاء ويطهر من البرص، الذي يمثل النجاسة.
وقد طلب منه أليشع طلبًا يتنافى مع العقل ويعلو عليه وهو الاغتسال في نهر الأردن؛ لأن الكثيرين يغتسلون فيه، فليس معروفًا عن نهر الأردن أنه يشفى البرص، خاصة وأن أليشع أمره أن يغتسل سبع مرات، تأكيدًا لأهمية الطاعة لكلام الله، فلا يغتسل مرة واحدة، بل سبع مرات؛ لأن الطاعة أساس نوال عطايا الله.
† إن كنت تريد حل مشاكلك والخروج من ضيقاتك؛ فلا تكتفِ بطلب الله لينقذك منها، بل أطع أولًا وصاياه، مهما بدت غريبة في عينيك؛ أو كنت تشعر بعدم أهميتها، فهي أساس خلاصك من كل أتعابك.
ع11: يردد
: يحرك يديه فوق مواضع البرص.غضب نعمان لعدم خروج أليشع إليه وشعر أنه استهان به، عندما أرسل إليه رسولًا ومن شدة غضبه مضى راجعًا إلى بلاده، إذ لم يؤمن بكلام أليشع، أي الاغتسال في الأردن، لنوال الشفاء.
وما حدث مع نعمان كان مخالفًا لكل توقعاته، فقد ظن أن أليشع سيأتى إليه عند الملك وأنه سيضع يديه على أماكن البرص ويصلى، فينال الشفاء؛ لأن هذا هو ما يحدث في الطقوس الوثنية في المعابد الموجودة في بلاده؛ لذا غضب ومضى.
ع12: أبانة وفرفر
: نهران يمران بمدينة دمشق ويجعلا الأراضي المحيطة خصبة، بل من أفخر أراضي العالم ويطلق على هذان النهران حاليًا البردى والأعوج.إستكمل نعمان حديثه متعجبًا غاضبًا من كلام أليشع، الذي أمره بالاغتسال في الأردن، فقال إن مياه نهرًا أبانة وفرفر غزيرة وقوية، فإن كان الاغتسال من مياه النهر يشفى، فكان الأجدر به أن يغتسل في نهر أبانة وفرفر. ومضى عائدًا إلى بلاده بغضب وغيظ؛ لأنه لم يصدق ويفهم أوامر أليشع له.
ع13: تدخل الله هنا عن طريق عبيده المحبين له ولهم دالة عنده، إذ نادوه، يا أبانا وقالوا له، إنه قد تعب في السفر هذه المسافة الطويلة وكان مستعدًا أن يعمل أي شيء يطلبه أليشع؛ لينال الشفاء، فلماذا يغضب، مع أن النبي لم يطلب إلا شيئًا سهلًا فماذا يضيره إن أطاع كلامه؟ ويظهر اتضاع نعمان في استماعه لكلامهم رغم غضبه، بل طاعته لهم، كما سيظهر في العدد التالى. وهكذا يؤكد الله أن المهم هو طاعته وليس عظمة الأعمال التي نعملها، فطاعة وصيته، مهما بدت بسيطة تعطينا الخلاص الكامل.
ع14: أطاع نعمان أوامر أليشع أخيرًا، بتشجيع عبيده، ونزل باتضاع إلى مياه الأردن وغطس فيها سبع مرات، فذهب عنه برصه وعاد جلده صحيحًا، مثل جلد طفل، ليس فيه أي عيب، فنعمة الله تفوق طلب الإنسان؛ لأن نعمان كان أقصى ما يطلب هو أن يصير جلده مثل باقي الرجال ولكنه نال ما هو أعظم، أى جلد الطفل الغض وفى نضارة ونعومة لم يتوقعها، كما يعدنا الله أن ننال أكثر مما نطلب، أو نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا (أف3: 20).
وتظهر هنا طاعة نعمان في غطسه سبع مرات، فحتى المرة السادسة لم ينل الشفاء ولكن في المرة السابعة نال شفاءً كاملًا، فلابد أن يطيع الإنسان أوامر الله بالكامل.
والغطس في نهر الأردن يرمز للمعمودية، التي يغطس فيها الإنسان، فينال الشفاء من خطاياه.
ع15: تظهر هنا فضيلة جديدة في نعمان وهي فضيلة الشكر؛ إذ بعدما شفى عاد إلى السامرة؛ ليشكر رجل الله، مع أن الطريق إلا بلاده أسهل وأسرع، لو أنطلق من الأردن إلى أرام. وهذا يذكرنا بعودة الأبرص؛ ليشكر المسيح دون التسعة الآخرين وهذا الشكر يفرح قلب الله جدًا (لو17: 12-19).
ونلاحظ اتضاع نعمان في عودته ليشكر أليشع، رغم أنه يعرف أنه سيرسل إليه رسولًا كما (ع8، 10) ولكن إذ آمن نعمان وطهر من نجاسته، أصبح مستعدًا لنوال بركة أليشع فسمح له أليشع بالدخول إليه.
أعلن نعمان أمام أليشع إيمانه بإله إسرائيل، أنه الإله الوحيد، الذي هو أقوى من كل الآلهة الوثنية، التي لم تستطع أن تشفيه في بلاده.
وإن كان نعمان حاملًا هدايا عند مجيئه من بلاده، ثمنًا للشفاء ولكن الآن يريد أن يقدمها تعبيرًا عن شكره، باتضاع وإيمان بالله.
ع16: أقسم أليشع بالله، أنه لن يأخذ شيئًا من هدايا نعمان. ولكن نعمان حاول -بمحبة- أن يقدم شيئًا من الهدايا لأليشع وألح كثيرًا ولكن النبي أصر على عدم أخذ شيء، حتى يؤكد لنعمان قوة الله، التي لا تحتاج لمادياته وهداياه، فزاد هذا إيمان نعمان واتضاعه أمام رجل الله المتعفف عن كل غنى العالم ومراكزه.
ع17: يؤكد نعمان إيمانه بالله، الذي يريد أن يعبده وحده طوال حياته ولا يعبد أية إلهة وثنية أخرى. وإذ شعر ببركة رجل الله، الذي بارك نهر الأردن وكل أرض إسرائيل، إستأذن منه أن يأخذ حمل بغلين من تراب أرض إسرائيل، أي ما يستطيع البغلين حمله من التراب، فقد شعر أن الأرض كلها مقدسة وأراد أن يأخذ من هذا التراب ليضعه على أية أحجار، أو تراب في بلاده، ليقدم عليها ذبائح لإله إسرائيل. واستئذان نعمان لأخذ التراب يعلن:
إيمانه القوي بالله، الذي يسكن وسط شعبه ويبارك حتى تراب الأرض.
تأدبه واتضاعه في الاستئذان لأخذ التراب، الذي يملأ كل أرض إسرائيل.
† وكما اهتم نعمان أن يأخذ بركة تراب الأرض المقدسة، فبالأحرى ينبغي أن نهتم نحن لا أن ننال بركة فقط، بل أن نتناول من جسد الرب ودمه، فنتحد به، وهذا يعلق قلوبنا بملكوت السموات، حيث نرى المسيح وجهًا لوجه ونتمتع بعشرته إلى الأبد.
فكر نعمان في الموقف الذي سيقابله حتمًا وهو دخوله إلى معبد رمون الإله الوثني مع الملك واضطراره للسجود مع الملك أمام هذا الإله وهذا يتنافى مع رغبة وإيمان نعمان. فاستأذن أليشع، أن يطلب عنه، ليسامحه الله، فهو لا يقصد بهذا السجود عبادة الأوثان؛ لأنه يعبد الله فقط. فأجاب أليشع نعمان أن يمضى بسلام أي مسموح له أن يأخذ من تراب الأرض ولم يعترض على سجوده أمام الإله رمون ولكنه في نفس الوقت لم يوافق، إذ ترك نعمان ليثبت في إيمانه بالله وحينئذ سيساعده الله على عدم السجود لرمون.
وهكذا نرى أن الشفاء والخلاص يمكن أن يناله الإنسان بطاعة وصايا الله، حتى لو ارتفعت عن عقل الإنسان وأمانته وتدقيقه في الطاعة، أي الغطس سبع مرات. وأن هذا الخلاص مجاني من الله وليس مقابل أية هدايا ولكن الله ينتظر ممن ينال هذا الخلاص في الكنيسة أن يستمر في عبادة الله ولا يعبد غيره من آلهة العالم مثل المال والمركز.
ونرى أيضًا كيف ترك نعمان وثنيته وآمن بالله في:
طاعته لأوامر أليشع بالغطس سبع مرات في الأردن، فشفى.
عودته ليشكر أليشع.
إعلانه أن الله هو الإله الوحيد.
استئذانه أن يأخذ من تراب الأرض المقدسة؛ ليقدم عليه ذبائح وحده.
طلبه غفران خطية سجوده أمام رمون، فهو سجود ظاهرى وليس من قلبه؛ لأنه سيعبد الله وحده.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
20 قَالَ جِيحْزِي غُلاَمُ أَلِيشَعَ رَجُلِ اللهِ: «هُوَذَا سَيِّدِي قَدِ امْتَنَعَ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ نُعْمَانَ الأَرَامِيِّ هذَا مَا أَحْضَرَهُ. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنِّي أَجْرِي وَرَاءَهُ وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئًا». 21 فَسَارَ جِيحْزِي وَرَاءَ نُعْمَانَ. وَلَمَّا رَآهُ نُعْمَانُ رَاكِضًا وَرَاءَهُ نَزَلَ عَنِ الْمَرْكَبَةِ لِلِقَائِهِ وَقَالَ: «أَسَلاَمٌ؟». 22 فَقَالَ: «سَلاَمٌ. إِنَّ سَيِّدِي قَدْ أَرْسَلَنِي قَائِلًا: هُوَذَا فِي هذَا الْوَقْتِ قَدْ جَاءَ إِلَيَّ غُلاَمَانِ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ، فَأَعْطِهِمَا وَزْنَةَ فِضَّةٍ وَحُلَّتَيْ ثِيَابٍ». 23 فَقَالَ نُعْمَانُ: «اقْبَلْ وَخُذْ وَزْنَتَيْنِ». وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، وَصَرَّ وَزْنَتَيْ فِضَّةٍ فِي كِيسَيْنِ، وَحُلَّتَيِ الثِّيَابِ، وَدَفَعَهَا لِغُلاَمَيْهِ فَحَمَلاَهَا قُدَّامَهُ. 24 وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الأَكَمَةِ أَخَذَهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا وَأَوْدَعَهَا فِي الْبَيْتِ وَأَطْلَقَ الرَّجُلَيْنِ فَانْطَلَقَا. 25 وَأَمَّا هُوَ فَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَ سَيِّدِهِ. فَقَالَ لَهُ أَلِيشَعُ: «مِنْ أَيْنَ يَا جِيحْزِي؟» فَقَالَ: «لَمْ يَذْهَبْ عَبْدُكَ إِلَى هُنَا أَوْ هُنَاكَ». 26 فَقَالَ لَهُ: «أَلَمْ يَذْهَبْ قَلْبِي حِينَ رَجَعَ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ لِلِقَائِكَ؟ أَهُوَ وَقْتٌ لأَخْذِ الْفِضَّةِ وَلأَخْذِ ثِيَابٍ وَزَيْتُونٍ وَكُرُومٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ؟ 27 فَبَرَصُ نُعْمَانَ يَلْصَقُ بِكَ وَبِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ». فَخَرَجَ مِنْ أَمَامِهِ أَبْرَصَ كَالثَّلْجِ.
ع20: بعد انصراف نعمان من عند أليشع وسيره مسافة في طريق عودته إلى بلاده، فكر جيحزى تلميذ أليشع في غنى نعمان وهداياه، التي لم يأخذ منها سيده أليشع شيئًا وامتلأ قلبه بشهوة التملك والطمع، فقرر أن ينفذ مؤامرة؛ ليأخذ شيئًا من هذه الهدايا.
والغريب أن جيحزى لم يتعلم من المعجزات التي رآها أمام عينيه من أليشع معلمه ولم يتعلم من تعفف معلمه وفكر في الماديات وترك عنه الغنى الروحي الآتي من نعمة الله. إن أليشع تتلمذ بالحق على يد إيليا، أما جيحزى فظل الشر في قلبه، رغم مصاحبته الدائمة لأليشع.
ومن العجب أن يستخدم جيحزى الكلمات الروحية التي استخدمها أليشع وهي القسم بالله، إذ قال حى هو الرب ولكن للأسف استخدمها لتأكيد تمسكه بالشهوات المادية، فجيحزى يمثل السطحية والرياء.
إنه يذكرنا بيهوذا الاسخريوطى، الذي تتلمذ على يد المسيح ولم يستفد شيئًا؛ لأن قلبه انشغل بالماديات، حتى أن باع سيده في النهاية.
بهذا تظهر خطية الطمع في جيحزى، التي جعلته يستهين بهذا الإيمان الجديد في قلب نعمان، فشوه صورة الله بطلبه الماديات وشوه صورة معلمه المتعفف فالخطية تخرب في كل اتجاه.
†
إن كنت قد ذقت نعمة الله وتمتعت بعشرته، فلماذا تعود تسقط في الشهوة وتترك عنك الله. إن كل الشهوات زائلة وهي لا شيء أمام نعمة الله، لذا اهتم بالتعفف، عندما تمارس حياتك مع الله، فالصلاة والتعفف لا يفترقان؛ لتنال الخلاص.
ع21: تنفيذًا لخطة جيحزى الشريرة أسرع وهو يجرى وراء نعمان؛ ليطلب منه الماديات. ولما لاحظ نعمان هذا، أوقف مركبته ونزل باتضاع ومحبة؛ ليستقبل تلميذ أليشع ويسأله؛ ليطمئن على سلامة أليشع وهذا يؤكد اتضاعه ومحبة نعمان.
ع22: طمأن جيحزى نعمان على سلامة أليشع، ثم بخداع ألف قصة وهمية، قالها لنعمان، وهي وصول إثنان من بنى الأنبياء إلى أليشع، بعد انصراف نعمان ويبدو أن شهرة أليشع وأبوته واهتمامه باستضافة بنى الأنبياء قد وصلت إلى نعمان، فاستمع باهتمام إلى كلام جيحزى، الذي ادعى أن معلمه أليشع يطلب من نعمان وزنة فضة وحلتى ثياب لبنى الأنبياء الذين استضافهما.
وهكذا نرى أن خطية الطمع تجر وراءها خطايا أخرى، مثل الكذب، أما المتعفف فيحمى نفسه من كل شيء.
† لا تستهن وتكذب لتنال رغباتك العالمية، فلا تغضب الله بسبب أمور زائلة، بل إنك إن شبعت بالله، سيسهل عليك أن تتعفف عن كل شئ.
ع23: صرَّ
: وضع وزنتين الفضة في صرتين، أي كيسين.رحب نعمان بطلب أليشع وصدق كلام جيحزى وكان هذا بنعمة الله، حتى لا يعثر نعمان، المؤمن الجديد من جيحزى، التلميذ المخادع الكذاب. ثم ظهرت فضيلة جديدة في نعمان وهي الكرم، إذ لم يعطه كطلبه وزنة فضة، بل وزنتين بالإضافة إلى حلتى الثياب. ومن محبته أرسل إثنين من عبيده؛ ليحملا الفضة والحلل أمام جيحزى إلى بيت أليشع.
ع24: الأكمة
: تل.عندما وصل جيحزى والغلامين إلى الأكمة القريبة من بيت أليشع، شكر جيحزى الغلامين وأعادهما إلى سيدهما نعمان وأخذ منهما الفضة والحلل ليخفيها؛ حتى لا يراه أليشع، فجيحزى يعرف أن ما يفعله خطية ولكن للأسف أصر عليه.
† إن نبهك الله إلى أن كلامك، أو تصرفاتك خاطئة، فلا تتمادى، بل إرجع بالتوبة إلى الله واعترف بخطاياك، فيصفح عنك.
ع25: علم أليشع -بروح الله الذي فيه- بما فعله جيحزى، فحاول مساعدته على التوبة فسأله من أين أتيت ليعترف بخطاياه، كما سأل الله آدم في الجنة بعدما سقط وقال له "أين أنت" (تك3: 9) ولكن للأسف كذب جيحزى وقال لأليشع، لم أذهب إلى أي مكان، أي أنه أصر على خطاياه ولم يتب.
ع26: إضطر أخيرًا أليشع أن يكشف لجيحزى خطيته، فأعلن له، أنه كان مهتمًا بنعمان المؤمن الجديد وصلى حتى لا يعثر من خطية جيحزى، لأنه عرف بروح الله طمعه في الماديات، لذا وبخه على تعلقه بشهوة الفضة والثياب واهتمامه أن يشترى بالفضة زيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجوارى. أى أن أليشع -بروح الله- اكتشف أفكار جيحزى الشريرة ووبخه بأن هذا الوقت، أي العمر الذي نحياه على الأرض، مخصص للحياة مع الله وخدمة النفوس، لجذبها للإيمان. فكيف يترك جيحزى أهدافًا روحية وينشغل بالماديات؟ إن هذا ضد كل ما تعلمه من أليشع، فكان ينبغى أن يهتم بإيمان نعمان وليس بأخذ هداياه.
ع27: فى النهاية أعلن أليشع لجيحزى عقابًا على خطاياه وهو أن يصاب هو ونسله بالبرص؛ لأنه أحب الخطية، فجاءت عليه نجاستها، أى مرض البرص. وهكذا بالإيمان يخلص الإنسان ويطهر من خطاياه ونتائجها وإن لم يحفظ إيمانه مثل جيحزى، يسقط في الخطية وتأتى عليه نتائجها وهو البرص. وقد جاء البرص على نسل جيحزى، لعل هذا يدفع جيحزى إلى التوبة ويجعل نسله يبتعدون عن الخطية، التي سببت هذا البرص، فالأبرص يخلص، إن تاب عن خطاياه ولا يعطله البرص عن دخول ملكوت السموات.
إن نعمان السريانى وإيمانه وطهارته من البرص إعلان أمام اليهود عن قبول الأمم، الذي أتمه المسيح في ملء الزمان على الصليب وبشّر به رسله الأطهار.
وظهرت في جيحزى مجموعة من الخطايا التي سببت هذا العقاب:
تفكيره في شهوة الماديات والطمع.
كذبه على نعمان، ثم على معلمه أليشع.
بتصرفه هذا كاد يعثر نعمان، لولا صلاة أليشع.
عدم اهتمامه بتثبيت إيمان نعمان.
إصراره على الخطية، بإخفائه المسروقات؛ لأنه أخذ هدايا بدون وجه حق.
نسيانه قوة الله في سيده أليشع وهي القادرة على كشف خفايا قلب جيحزى.
† كن مدققًا في حياة التوبة، حتى لو كنت خادمًا، أو مكرسًا، لئلا تسقط في الخطية وتبرر نفسك، فيأتى عليك عقابها.
← تفاسير أصحاحات الملوك ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير ملوك الثاني 6 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير ملوك الثاني 4 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/kings2/chapter-05.html
تقصير الرابط:
tak.la/5r4tdf3