← اللغة الإنجليزية: Animal - اللغة اللاتينية: animalis - اللغة العبرية: בעלי חיים - اللغة اليونانية: Ζώο - اللغة القبطية: zwon - اللغة الأمهرية: እንስሳ - اللغة الجعزية: አርዌ - اللغة الأرامية: ܚܝܘܬܐ.
انظر تحت الأسماء المتعددة, قصة خلقها في (تكوين 24:1). أعطى لها الله الأسماء التي أطلقها عليها آدم (تكوين 20:2) . سلّط الله الإنسان عليها (تكوين 24:1-26؛ 2:9؛ مزمور 6:8-8؛ قارن مرقس 13:1) . حفظت في فلك نوح (تكوين 19:6-22) , قصاص الضرر الذي يقع منها (خروج 28:21-36؛ 5:22) , قصاص الأذى الذي يلحقه الإنسان بها (خروج 33:21) العناية بها (خروج 30:22؛ 5:23، 19؛ 26:34؛ لاويين 27:22، 28؛ تثنية 21:14؛ 4:22، 6، 7؛ 4:25؛ أمثال 10:12؛ 1 كورنثوس 9:9؛ 1تيموثاوس 18:5) , عناية الله بها (مزمور 6:36؛ 10:104-18) عاداتها (ايوب : 6؛ 39:38-41؛ 39؛ 15:40-24؛ 41؛ مزمور 20:104-22؛ اشعياء 3:1؛ 13:38، 14؛ ارميا 24:2؛ 7:4؛ 8:5؛ 7:8؛ 5:14، 6؛ 38:25؛ عاموس 4:3، 12) تسبح الله (مزمور 10:148؛ اشعياء 20:43) . طاهرة تؤكل (لاويين14) , ونجسة لا تؤكل (لاويين11) .
يعتمد هذا البحث في الحيوانات المذكورة في الكتاب المقدس على ثلاثة مصادر، هي:
1- المادة العلمية التاريخية القديمة التي يقدمها الأثريون والمكتشفون والأدلة المستقاة من النصوص بما فيها الأدلة اللغوية.
2- دراسة المجموع الحيواني والنباتي لهذه المناطق اليوم في ضوء التاريخ لاستكشاف الاحتمالات الممكنة لكل منطقة على حدة.
3- تأثير تعرض المنطقة لأنشطة الإنسان المختلفة التي أثرت على البيئة ومحت كل أثر للنباتات الأصلية .
و سنناقش هذه المصادر الثلاثة بالتفصيل، وكذلك الرأي القائل بأن تغير "المجموع النباتي" هذا التغير الواسع قد يعود أساسًا إلى سوء الأحوال الجوية منذ أزمنة الكتاب المقدس .
أولًا - مصادر المعرفة عن المجموع الحيواني القديم :
أ - مقدمة : يجب أن ينبني وصف المجموع الحيواني في فلسطين في أزمنة الكتاب المقدس, على ما نستطيع استخلاصه من مختلف المصادر، وسنتناول في هذا الصدد المصادر الأدبية والمعلومات المسجلة.
ب - المعلومات القديمة: تشير المعلومات التي يقدمها علماء الحفريات الأثرية إلى أن مجموعات حيوانية عاشت في فلسطين تحت ظروف مناخية مختلفة تمامًا عن الظروف الراهنة، مما يجعل أهميتها قاصرة على الدراسة الأكاديمية البحتة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس الكتاب المقدس والأقسام الأخرى). وتزداد الآن قيمة الحفريات الأثرية، باستخدام طرق الفحص الحديثة لبقايا الحيوانات، ولذلك كانت الأبحاث التي أجراها العالم الراحل ف.أ. زوينر" (Zeuner) بالغة القيمة، لمعالجة عظام الحيوانات التي وجدها في أماكن معيشة الإنسان، وبخاصة أنه حاول أن يفرق في دراسته بين الحيوانات البرية وبين الأنواع المستأنسة منها، ومن حسن الحظ أن جزءًا كبيرًا من أبحاثه شمل منطقة فلسطين والبلدان المجاورة لها.
و تقتصر هذه المادة العلمية بطبيعتها على ثلاث مجموعات:
1- الحيوانات الأليفة .
2- الحيوانات البرية وبخاصة حيوانات الصيد التي كان لحمها يؤكل، كما استخدم الإنسان عظامها وقرونها في صنع أسلحته وأدواته.
3- الحيوانات الأخرى التي كان لها علاقة بمعتقداته أو بخرافاته .
وتمدنا التنقيبات الأثرية بكم هائل من المعلومات، سواء عن طريق الرسومات أو الكتابة، مع تحديد زمان ومكان ذلك المجموع الحيواني. وتعتبر الرسوم الموجودة على جدران كهوف ما قبل التاريخ، أقل أهمية في هذا الصدد .
جـ- البرهان الكتابي: والكتاب المقدس لا يمدنا فقط بأسماء العديد من الحيوانات التي نعرف اشتقاقاتها، بل ويقدم لنا أيضًا المعلومات الوافرة عنها، سواء صراحة أو ضمنًا. ومن غير المقول أن نبحث في الأسفار المقدسة عن المجموع الحيواني، وكأنه "قائمة بالحيوانات" التي كانت موجودة قديمًا في فلسطين .
وبصفة عامة فإن الحيوانات تذكر كجزء مكمل لحياة الناس العاديين، ولذلك فإن تكرار ذكر الحيوان - بمختلف أسمائه - لدليل قوي على أهميته سواء من الناحية الاقتصادية أو الدينية . فمثلًا يرد ذكر "الضأن" نحو أربعمائة مرة، و"البقرة" نحو أربعمائة وخمسين مرة في العهدين القديم والجديد، وهو ما يفوق بكثير مرات ذكر أي حيوان آخر سواء كان سواء كان "بريًا أو أليفًا" .
و تندرج الحيوانات المذكورة في الكتاب المقدس تحت الأنواع الآتية:
1- الماشية والحيوانات البرية الطاهرة التي كان مسموحًا بأكلها .
2- الحيوانات التي تشكل خطرًا أو إزعاجًا لحياة الإنسان وممتلكاته وماشيته وحيواناته ونباتاته بدءًا بالأسد حتى عث الثياب .
3- الحيوانات المألوفة التي اعتاد الناس رؤيتها حول المنازل أو على جانبي الطريق وتشمل العصافير والغربان وسائر الطيور .
4- مجموعة خاصة من الحيوانات غير الطاهرة التي كان يحرم أكلها. ولم يكن هذا التحريم تعسفيا بل كان في أكثر الأحوال لأسباب صحية، لم تعرف تمامًا الا بعد نحو ثلاثة آلاف سنة .
ويمكننا -بقليل من الجهد- أن نحدد نوع حيوانات المجموعتين الأولى والثانية، لأن العديد منها قد ذكر مرارًا، أو ورد في نصوص بها الكثير من المعلومات عنها،أما المجموعة الثالثة فتضم عددًا كبيرًا من الحيوانات الصغيرة -في غالبيتها- وليس من السهل تحديد أنواعها بدقة. أما المجموعة الرابعة-فأغلب أسمائها غامضة، ويذكر الكتاب أكثرها في قائمتين (الأصحاح الحادي عشر من اللاويين، والأصحاح الرابع عشر من التثنية) دون ذكر بيانات كافية عنها، مع بعض الاستثناءات، فقائمة الطيور غير الطاهرة تضم "النسر" ومن الواضح أنه من الطيور الجارحة (لا 13:11) . وتصف كلمة "كاسر" أي كاسر للعظام (أيوب 7:28) النسر الأسود و"الأنوق"، إلا أن هذه التسمية السهلة الواضحة أمر استثنائي، فهناك بعض أسماء لا يعرف أصل اشتقاقها، ولا نعلم على وجه الدقة مسمياتها، كما أنها لا تذكر إلا في هاتين القائمتين، كما لا يمكن الاعتماد تمامًا على اللغة العبرية الحديثة فقد تغير فيها مدلول الأسماء عما كان قديمًا .
والحيوانات المذكورة في الصور المجازية، في الأسفار الشعرية والنبوية وأسفار الحكمة، يصعب تحديدها إلا في بعض الحالات القليلة.
بالرغم من أن فلسطين لم تعد كما كانت، إلا أنها ما زالت تطلق على المنطقة التي جرى فيها الكثير من الأحداث الكتابية، وهي المنطقة الواقعة غربي وادي الأخدود، ونهر الأردن. ويمكن التعرف بسهولة على طبوغرافية المنطقة .وهو ما يحدد بدوره -إلى حد ما- الحيوانات التي تعيش فيها، إلا أن الإنسان كان له تأثير بالغ على توزيع النباتات والحيوانات حتى اختفت -في كثير من الأحيان- هذه الحدود الطبيعية.
أما هدف دراستنا فهو أن نوضح العلاقة بين الحيوانات والنباتات الأصلية القديمة والموجودة منها في الوقت الحاضر .
تكاد الصحراء تغطى معظم جنوبي وشرقي فلسطين، ويختلف السطح، فبعضه تغطيه طبقة عميقة من الرمال وبعضه يغطيه الحصى، والبعض الآخر مناطق صخرية قاحلة . كما تتفاوت الطبوغرافية من جروف شديد الانحدار إلى سهول منبسطة مستوية، كما يختلف الارتفاع من مناطق تحت مستوى سطح البحر، إلى مرتفعات تعلو نحو ألفى قدم فوق مستوى سطح البحر .
وتهطل الأمطار -التي يتراوح متوسطها السنوي ما بين بوصتين إلى ثماني بوصات- في القليل من العواصف الشتوية، لكنها كانت كافية لإحداث فيضانات محلية وبخاصة في التربة الطفلية، حيث يتكون سطح التربية من حبيبات دقيقة غير منفذة للماء.
وقد لا تسقط الأمطار لمدة عام كامل في بعض المناطق. وليس هناك غطاء نباتي كامل، بل توجد بعض مناطق شاسعة جرداء ليس فيها أشجار أو شجيرات البتة. وتكثر الأشجار الخشبية في معظم الأودية، وتوجد بعض مناطق خصبة في الصحراء وبخاصة على حافتها حيث التربة الطفلية، والتي سرعان ما تكتسي بالحشائش والنباتات عقب سقوط الأمطار. والحشائش هي الغذاء الوحيد المتاح للماشية على حافة الصحراء ومعرفة البدو بذلك، تجعلهم يحسنون استغلالها. بل أننا لنرى في التلال المحيطة بالبحر الميت -طوال العام- آثار رعى الأغنام والماعز والماشية بالرغم من أنها قد لا ترعاها سوى فترة قصيرة من العام.
وتتعرض الصحراء لتغيرات كبيرة في معدلات الحرارة سواء اليومية أو السنوية، ففي الصيف تكون حرارة سطح الأرض قاتلة للحيوانات الصغيرة مما يجعلها تقصر نشاطها على الليل. أما ليالي الشتاء، فقارصة البرد، لذلك تنشط الحيوانات فقط في فترتي المساء والصباح الباكر.
وتوجد في الصحراء مساحات لا يقدر أن يعيش فيها أي حيوان. ومعدل كثافة الحيوانات ضئيل على مستوى الصحراء كلها.
تعتبر الغزلان والبقر الوحشي الحيوانات البرية الوحيدة التي يمكنها المعيشة في مثل تلك البيئة، فحجمها كبير وعدوها سريع مما يسهل لها الترحال إلى مسافات بعيدة بحثًا عن الغذاء، كما أنها ترتفع بقامتها بعيدًا عن حرارة الأرض الشديدة. أما لونها الباهت فيخلع عليها نوعًا من التمويه، كما يقلل من امتصاص جسمها لحرارة الشمس. وهي لا تحتاج إلى شرب المياه كثيرًا بسبب فسيولوجيتها الخاصة التي تجعلها تأخذ احتياجاتها من الماء من طعامها. وعددها قليل جدًا إذ لا توجد إلا بمعدل رأس واحد في كل بضعة أميال مربعة. ويقطن التيس النوبي (الوعل) -أحد أنواع الماعز الجبلي- في بعض مرتفعات الصحراء، بما فيها التلال غربي البحر الميت، التي تحيط بمنطقة عين جدي حيث يمنع القانون صيدها.
أما الجمل فهو حيوان الحمل الوحيد الذي يمكنه احتمال ظروف الحياة في الصحراء، كما يمكنه التغذي على النباتات الشوكية. ويحتاج الجمل إلى الماء بين حين وآخر، وإذ كان عليه أن يسير رحلة طويلة بأحمال ثقيلة، فيجب أن يتغذى جيدًا قبل القيام بها.
وهي عديدة ومتنوعة، فالحيوان المسمى "بالجربوع المصري" والذي عرف في الحرب العالمية الثانية باسم "فأر الصحراء" يعيش مكتفيًا مع ظروف الصحراء، فيقضى يومه في جحره في ظروف ملائمة حيث الحرارة أقل والرطوبة النسبية أعلى، ويخرج ليلًا بحثًا عن طعامه من الحبوب والفواكه والجذور العصيرية للنباتات. كما تعيش في البيئة الجافة بعض القوارض الصغيرة "الجرذ" وفأر الرمال، لكنها تكثر عند حافة الصحراء حيث تزيد كمية المطر عن ثماني بوصات في العام.
إن فرصة وجود حيوانات مفترسة -من آكلة اللحوم- نادرة جدًا، لعدم توفر الفرائس اللازمة لحياتها. والحيوان المفترس الوحيد - من آكلة اللحوم- بالمنطقة هو "قط الكار كال" أو"وشق الصحراء" وهو نوع صغير الحجم من الفهود يعيش على مقربة من الصحراء وليس في قلبها. أما ثعلب "الفنك" بأذنيه الكبيرتين، فهو حيوان صحراوي تمامًا، وجسمه أصغر من حجم الثعلب العادي، لكنه مثله يتغذى على اللحوم والنباتات.
كما يوجد فيها القنفذ العربي، بطئ الحركة، وهو يتغذى على الحيوانات اللافقرية والزواحف الصغيرة.
ينتشر النسر الأسود والعقاب والنسر الملتحي والأنوق إلى حد ما، ويستطيع عدد قليل منها تنظيف مساحة واسعة من الصحراء حيث تتفحصها بعين ثاقبة، وهي تحلق على ارتفاع آلاف الأقدام. ولا يمكن تحديد أنواع تلك الطيور بدقة، لكن لا بُد أن منظرها كان مألوفًا لدى الإسرائيليين وبخاصة في فترات ارتحالهم في البرية . فقد كانوا يرون النسور والعقبان والصقور والشواهين تحوم في الجو في موسم هجرة الطيور، أما في سائر الفصول فكانوا يرون العقبان.
وكانت الطيور المهاجرة هي أكثر ما تراه العين في الصحراء. وكانت الطيور الكبيرة الحجم منها تطير على ارتفاع كبير، أما صغار الطير فكانت تقطع في طيرانها مسافات قصيرة نسبيًا متخذه لها محطات حيث يوجد الطعام والماء.
وكانت هذه الطيور المهاجرة - مثل السمان (أو السلوى) التي مازالت تطير في أعداد كبيرة نحو الشمال- ترحل عبر الصحراء ولا تقيم فيها. أما "حمامة الصخر" - التي جاءت منها حمامة المنازل - فتبنى أعشاشها على الجرف الصخري في الصحراء وتطير مسافات بعيدة كل يوم بحثًا عن الغذاء والماء.
رغم أن أعداد الزواحف قليلة، وتوزيعها عشوائي غير منتظم، إلا أن الصحراء تضم مجموعة مذهلة من الزواحف، معظمها صغير الحجم، ومن أكلة اللحوم. كما تضم نوعًا واحدًا من الزواحف آكلة الأعشاب هي السحلية المسماة "يوروماستيكس" (Uromastyx)، وهي سحلية ذات ذيل شوكي.
ولأن الزواحف ليس لغالبيتها جهاز ينظم حرارة أجسامها، فهي محدودة النشاط. إذ تقضى النهار القائظ، وأطراف الليل قارصة البرد، في أماكن تحت الأرض حيث يكون الفارق في درجات الحرارة في هذه الجحور - بين النهار والليل- بسيطًا ومحتملًا.
ولا تحتاج بعض ثعابين الصحراء إلى شرب المياه لأنها تستخلص احتياجاتها من الماء من فرائسها . وتعيش "أصلة الرمال العاصرة " (البواء الصحراوية) في الصحراء الرملية، ولها طريقة خاصة في الزحف على الرمال تشبة "السباحة" تستطيع بها أن تدفن نفسها في الرمال عند الحاجة .
وهناك أربعة أنواع على الأقل من الأفاعي السامة واسعة الانتشار، وتضم نوعين من الأفاعي شديدة السمية والقاتلة. وجميع الثعابين قادرة على التكيف مع الحياة في الصحراء، وهي تتحرك في خطوط ثعبانية ملتوية فوق الرمال الناعمة. وتعيش معظم الثعابين على أنواع مختلفة من الفرائس، ولكن يبدو أنها تعتمد إلى حد كبير على افتراس الجريح والمستضعف من صغار الطيور المهاجرة المتجهة شمالًا بين شهري فبراير ومايو، أو المتجهة جنوبًا في أواخر الصيف والخريف.
وتخلط بعض زواحف الصحراء إلى فترة "كمون" أو "بيات صيفي"، وذلك في أشد الفترات حرارة. ويمكن للعديد من أنواع الثعابين أن يحيى بدون طعام لعدة أشهر.
نظرًا لاحتواء مياهه على نسبة عالية جدًا من الأملاح المعدنية، تصل إلى نحو 25%، فهي من وجهة النظر الفسيولوجية غير صالحة للشرب، ولذلك لا يوجد أي شكل من أشكال الحياة في البحر الميت.
(8) الواحات الكبيرة:
توجد في الصحراء واحات كبيرة حيث تتوفر المياه الجوفية، أو حيث توجد عيون المياه مثل واحة "عين جدي".
وتشك الحقول المروية والبساتين بيئة صناعية لمعيشة الحيوان، ولذلك تجذب نوعيات من الحيوانات لا تعيش أصلًا في الصحراء المحيطة.
وهي من مظاهر السهل الساحلي على البحر المتوسط من "غزة" إلى ما وراء "حيفا" حيث يوجد حزام غير متصل من كثبان الرمال المتحركة، قد يصل عرضها إلي بضعة أميال، وارتفاعها إلى مائة وخمسين قدمًا، ويجب عدم الخلط بين هذه الكثبان وكثبان الصحراء الحقيقية والتي قلما تضم نباتًا أخضر.
وتستقبل هذه الكثبان الرملية الساحلية كمية لا بأس بها من الأمطار، إلا أنها تشكل بيئة شبه صحراوية إذ لا يمكنها احتجاز المياه إلا متى تكونت طبقة من التربة على سطح الكثبان، ولذلك لا تنمو هناك إلا نوعية خاصة من النباتات.
أما الحيوانات التي تعيش هناك فهي حيوانات منطقة الرمال الصحراوية وبخاصة القوارض الصغيرة التي تبدو مسالكها وفتحات جحورها واسعة لأنها ذات كثافة سكانية عالية. كما توجد القنافذ بنوعيها الشرقي والغربي. وكما هو الحال في السواحل المشابهة في سائر أنحاء العالم، نجد أن هذه الكثبان تكونت - إلى حد كبير- نتيجة أنشطة الإنسان الذي يجتث الأشجار ويعرى التربة من غطائها النباتي، فيسهل زحف الرمال عليها. ويحاول الإنسان أن يقوم بعكس هذه العملية، وذلك بتثبيت هذه الكثبان لخلق بيئة أنسب لكل من الزراعة ومعيشة الحيوان بشكل عام.
وتمتاز غالبية أرض هذه السهول بالخصوبة، وقد قامت فيها الزراعة منذ فجر التاريخ. وقد سكن الناس -في السنين الأخيرة- كل المناطق الصالحة للسكنى، وذلك بكثافة عالية حتى لم يعد هناك أثر للغطاء النباتي الأصلي.
وتسقط الأمطار بمعدل مناسب عادة، وقد ساعد ذلك على تغطية هذه المنطقة -في يوم ما- بغطاء من الغابات الشجيرات والمستنقعات. وهي الآن مزيج معقد من المستوطنات والبساتين والحقول المروية.
وقد كانت هذه الغابات موطنًا للغزلان وبخاصة "الإبل الأسمر" و"اليحمور"، وربما "الغزال الأحمر" أيضًا، إلا أنها جميعها اضطرت -منذ زمن بعيد- إلى هجرة أوطانها، وأصبح أقرب مكان تعيش فيه اليوم هو إيران وتركيا.
وكانت الأسود تصاد هنا أيضًا، ولكن ليس بكثرة ما يوجد منها في منطقة التلال وما وراءها.
أما بالنسبة للطيور، فالأرجح أنها اليوم أكثر عددًا، مما كانت عليه من قبل، لأن المزارع والبساتين أكثر ملائمة للطيور وأغنى بها عن الغابات البكر.
ويقيم العديد من الطيور هناك بصفة دائمة، وهي صغيرة الحجم، وكثيرًا ما تعبر أجواءها الطيور المهاجرة في أسراب كبيرة ولكنها لا تقيم بها.
وكثيرًا ما تغطي الأشجار الشوكية ذات العصارة اللبنية، جوانب الطرق والأركان الضحلة، وتمد الكثير من الطيور بالغذاء، كما تعتبر ملجأ للطيور الصغيرة. ويحتمل أن غالبية الحيوانات المألوفة لدى رعاة المناطق الجبلية قد انحدرت إلى السهول في بعض الأزمنة.
إن المنطقة الممتدة من "الحولة" إلى "أريحا" منطقة شبه مدارية ينمو فيها العديد من نباتات وادي النيل بما فيها "البردي"، ويعد "البلطي" أكثر الأسماك انتشارًا وأشهرها في تلك البحيرة، وهو من عائلة الأسماك "شوكية الزعانف" المنتشرة في وسط أفريقيا، والتي تعتبر أحد مصادر الغذاء الرئيسية لسكان منطقة البحيرات العظمى.
وتغطي بعض جوانب الوادي شديدة الانحدار، أدغال وأحراش كثيفة يصعب اختراقها، يعيش فيها الخنزير البري، والقطط صائدة الأسماك، وربما حيوانات أخرى كبيرة، إذ لا يعرف إلا القليل عن تلك الأحراش لأنها تشرف على حافة وعرة يخشى علماء الطبيعة الاقتراب منها.
(1) وصف المنطقة الجبلية:
لقد دارت أحداث العديد من القصص الكتابية في المنطقة الجبلية الممتدة من "الجليل" شمالًا عبر "السامرة" حتى إلى ما بعد "بيت لحم". ويزيد معدل سقوط الأمطار -بوجه عام- عن أربعة وعشرين بوصة سنويًا، ولكنها تقل كثيرًا في الشرق. ويمكن لأشجار البلوط الضخمة أن تنمو في الشمال، إلا أنها حاليًا نادرة، ويتكون الغطاء النباتي في غالبية المنطقة من الشجيرات، بينما تنمو الأشجار الضخمة العالية في شكل جيوب في التربة الأعمق. وتعتبر شجرة الزيتون أكثر الأشجار شيوعًا هناك.
(2) الثدييات:
كان هذا الإقليم يأوي أنواعًا كثيرة من الماشية لأنه كان صالحا للرعي، بينما وفرت التكوينات الصخرية المأوى للثدييات المتنوعة مثل الدب الأسمر والوبر البرى السوري. وكانت الأيائل والغزلان أهم الحيوانات البرية من ذوات الحافر. أما الأيائل فقد اختفت منذ زمن بعيد، بينما أمكن للغزال الفلسطيني أن يحيا في ظروف الجفاف وتحت حماية الإنسان وذلك في تلال اليهودية في الجنوب، بل وفي سهل إسدرالون، غير عابيْ بالجرارات التي تعمل في الحقول.
وقد انقرضت الأسود والدببة من هذه المناطق، أما الضباع المخططة والذئاب، فما زالت توجد بأعداد قليلة. كما أن الفهد كان يعيش قديمًا في هذه التلال، وما زَال بعض أفراده تعيش في وادي الأردن. أما الحيوانات المفترسة الصغيرة مثل الثعلب وابن آوي والنمس فما زالت منتشرة، كما يعيش حيوان "الخلد" في باطن الأرض ولا يظهر على سطحها مطلقًا.
يعمل تنوع الغطاء النباتي في التلال على استيطان العديد من الطيور التي لا تطير، كما يساعد على إخفاء الطيور الصغيرة المهاجرة. وكثيرًا ما يسمع صوت طائر "الحجل الصخري" دون أن يُرى إلا نادرًا، وهو يفضل الجري على الطيران. كما يمكن أن يسمع طائر "أبو الزريق الفلسطيني" الذي يستوطن هذه المناطق، وكذلك "الغراب ذو القلنسوة" الذي يعيش على التهام جثث الحيوانات المقتولة في الطريق. أما الجوارح الكبيرة فهي حاليًا نادرة، وأكثر ما يرى منها هو العقاب المصري الأسود، والأبيض الذي يعيش على أكوام القمامة خارج المدن.
وينشغل "نمل الحصاد" طوال فصل الربيع بجمع الطعام من حبوب وغيره ليخزنه تحت الأرض. وتتميز مداخل جحوره بوجود أكوام من قشر الحبوب والبذور حولها .
(4) الثعابين:
تنتشر الأفاعي الفلسطينية السامة - أكبر الثعابين السامة - في التلال كما توجد في معظم المناطق المسكونة، ما عدا الصحراء الجرداء. وقد يصل طولها إلى أكثر من أربعة أقدام، وسمكها إلى بوصة واحدة. ويجب التعامل معها بحذر شديد، لأنها أكثر الثعابين مسئولية عن حالات الوفيات، فهي تفضل دائمًا العيش في المناطق المأهولة بالسكان.
(5) الماشية والحيوانات الأليفة:
الخراف والماعز هي أهم حيوانات الرعي في منطقة التلال. وتسبب الماعز خسائر فادحة للنباتات لشغفها بالتهام كل ما هو أخضر، بل قد تتسلق الأشجار لتلتهم أوراقها الخضراء التي لا تصل إليها وهي على الأرض.
و التلال المتدرجة في الجليل الأعلى تلائم تربية الماشية، لكنها لا تلائم الجمال رغم وجودها بأعداد صغيرة لاستخدامها كدواب للحمل وللخدمة في المزارع في بعض المناطق وبخاصة حول السامرة والناصرة وفي جبل الدروز.
(ز) المنطقة الجبلية شرقي الأردن:
تقع بلاد عمون وأدوم وموآب في شرقي الأردن، كسلسلة ممتدة من التلال مع هضبة متسعة، وهي أقل أمطارًا من التلال الغربية التي تجعل الرياح تسقط الكثير من أمطارها هناك، إلا أن مرتفعات شرقي الأردن أكثر ارتفاعًا عن مثيلتها في غربي الأردن، حيث يصل ارتفاعها إلى خمسة آلاف قدم فوق سطح البحر، وهي بشكل عام أشد وعورة لأنها تجاور الصحراء.
وكانت الأسود والفهود معروفة تمامًا في الأزمنة القديمة في تلك المناطق رغم قلة الفرائس فيها. ولعل المنطقة كانت تلاءم السلالة الفارسية من الأيائل السمراء التي كانت تعيش في الأراضي الجافة قليلة الشجيرات. أما "الحمار الوحشي" فكان كثير الانتشار، بل كان ما زال منتشرًا في بعض الأماكن منذ قرن مضى، ولكنه انقرض الآن تمامًا، ولعله كان يعيش على حافة التلال حيث كان من السهل على الأسود افتراسه، فمن المعروف أن "حمار الزرد" Zebra (وهو من نفس الفصيلة) هو الفريسة المفضلة عند الأسود في أفريقيا.
وكانت الخراف تعيش بأعداد ضخمة في عمون وموآب، فقد كان "ميشع ملك موآب صاحب مواشي فأدى لملك إسرائيل مائة ألف خروف ومائة ألف كبش بصوفها" (2مل 4:3، 5). وهذا معناه وجود الكثير من الحيوانات ذوات الحافر التي تصلح فرائس للحيوانات المفترسة.
وتعيش الجمال في المناطق المحيطة بهذه التلال، وكانت تمثل الوسيلة الرئيسية لنقل المتاجر عبر هذه البلاد.
(1) حدودها قديمًا:
لقد كانت هناك قديمًا مساحات شاسعة تغطيها المستنقعات التي تنشأ بعضها -وربما جميعها- نتيجة لعمل الإنسان، فيما حول بحيرة "الحولة" التي كانت مياهها كثيرًا ما تنساب خارجًا، أو في سهول شارون وإسدرالون، أو بالقرب من الساحل شمالي "حيفا" .
وقد ظلت المستنقعات قي المنطقة المحيطة ببحيرة "الحولة" مليئة بالمياه المنسابة إليها من البحيرة التي يمر بها نهر الأردن.
أما سهول شارون وإسدرالون وساحل حيفا الشمالي، فقد كانت تجف جزئيًا في فصل الصيف ، وقد تم الآن تجفيفها جميعها واستصلاح أرضها للزراعة، إلا أنها كانت في القديم تمثل حائلًا كبيرًا أمام الجيوش الغازية، كما كانت تشكل خطرًا داهمًا على صحة السكان حيث كانت تعيش فيها بعوضة "الأنوفليليس" ناقلة الملاريا.
(2) الثدييات:
كانت المستنقعات بيئة ملائمة لمعيشة القط صياد السمك والضفادع من مختلفة الأنواع مع السلاحف المائية (الترسة) وحينما طورد الخنزير البرى في المناطق الأخرى وجد في المستنقعات ملجأ آمنًا له، وأهم أماكن وجوده اليوم هي "وادي الحولة"، والأحراش الكثيفة التي تغطي الأردن الأسفل.
(3) الطيور:
تعتبر منطقة المستنقعات مكانًا ممتازًا لمعيشة العديد من الطيور المحبة للماء وبخاصة من عائلة "البلشون" Herons أو "مالك الحزين" Snowy egret. كما أن المستنقعات ملاذ حصين لأعداد هائلة من الطيور المغرمة بالغوص في الماء وطيور الشاطئ مثل البط والنورس ومالك الحزين في هجرتها شمالًا وجنوبًا. كما أنها ملجأ شتوي لأعداد ضخمة من البط والطيور المائية.
وقد تم استصلاح العديد من البرك الراكدة على الساحل بين حيفا وتل أبيب، وأصبحت تمتلئ في فترة الربيع بالطيور المهاجرة إلي مناطق تكاثرها في كل أجزاء أوروبا.
(أ) مقدمة:
تعرضت مساحات كبيرة من فلسطين والبلاد المجاورة لها إلى التدهور عبر أزمنة طويلة من الإهمال والتعرض لعوامل التعرية، فافتقرت النباتات وانقرض منها الكثير من الحيوانات. كما أن الإنسان استغل الأرض تمامًا في بعض المناطق - سواء في الحضر أو الريف- حتى لم يعد هناك أثر للغطاء النباتي الأصلي، ونتيجة مباشرة لذلك، تغيرت أوضاع العديد من الحيوانات تغيرًا جذريًا، بل نعرف من الدلائل التاريخية -أن بعضها قد انقرض من تلك المناطق- أو من بعض أجزائها - تمامًا، وهو تغير كمّي، ولكنه في بعض المناطق تغير نوعي أيضًا. وواضح أن ذلك نتج عن أنشطة الإنسان في المناطق المأهولة. ولكن ما مدى تأثير الإنسان في سائر المناطق؟
(ب) التغيرات المناخية أم أثر الإنسان؟:
هناك عامل آخر يجب أخذه في الاعتبار وهو المناخ، فهل صار المناخ أقل ملاءمة عنه في الأزمنة الكتابية؟ ولا شك أن تقدير الظروف منذ أربعة آلاف عام مضت، أمر شديد التعقيد، فالأوضاع قديمًا تختلف اختلافًا كبيرًا عنها حاليًا. فلعل البيئة ضمت حينئذ أنواعًا من الحيوانات لم تعد موجودة الآن وهي الأنواع التي يمكنها أن تعيش في ظروف الرطوبة العالية، ولعلها لم تتضمن الأنواع التي تلائمها ظروف الجفاف.
وترى إحدى المدارس العلمية أن قطع الأشجار له أثر ضار على المناخ، وبخاصة على الأمطار، بينما تؤدي زراعة الأشجار إلى تحسن تلك الظروف، فالأرض ذات الغطاء الشجري الكثيف تتيح استغلال الماء بطريقة أفضل - كما أن الغابة الواقعة على قمة تل أو جبل تساعد على هطول المطر من السحب، ولكنه تأثير هامشي يمكن التغاضي عنه.
ويقول من يؤمنون بأن فلسطين لم تعد الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا -كما كانت في القديم- إن هناك تحولًا مستمرًا نحو مناخ أكثر جفافًا. ومما يزيد الأمر غموضًا أن شمالي صحراء النقب كان مأهولًا قي فترتين - على الأقل - طويلتين ومتباعدتين. ولكن تكاد الأدلة المتاحة أن تجمع على عدم حدوث تغيرات ذات قيمة في الأحوال المناخية، وإن الغطاء النباتي في مختلف المناطق ما زَال كما كان عندما وقعت أعين الآباء الأوائل على أرض كنعان. أما التقلص الشديد في مساحة ونوعية الغطاء النباتي، فما هو إلا نتيجة مباشرة أو غير مباشرة للأنشطة البشرية.
وبالنسبة لصحراء النقب، فقد أعاد علماء النبات والزراعة بناء السدود الترابية التي كانت في عهد النبطيين في "أودات"، واستخدموا نفس نظامهم في الري لإقامة المزارع والبساتين مما يدل على أن المطر الآن لا يقل عما كان عليه وقتئذ.
وثبات المناخ يفترض ثبات الغطاء النباتي، وبالتالي ثبات المجموع الحيواني، مما ييسر تفسير الأمور، مهما كان تأثير الإنسان معقدًا ومدمرًا عبر الأزمان.
(ج) الأثر العام للنشاط البشري:
يعتبر تقدم الحضارة مع الزيادة السريعة في السكان، العامل الفعال القوي - الذي يفوق كل العوامل الأخرى- في جميع أنحاء العالم تقريبًا وبمعدلات متزايدة. وقد بدأت الحضارة وتزايد السكان مبكرًا جدًا وبخاصة في البلاد المحيطة بفلسطين. ويؤثر الإنسان بأنشطته المختلفة على الحياة الحيوانية، من خلال طريقين، أولهما احتلال الأراضي وسكناها، فيحول الغابات والأحراش إلى مزارع مغَّيرًا بذلك أيضًا البيئة الطبيعية، مما يدفع العديد من الحيوانات إلى الهجرة، لعدم توافر المأوي أو لتدخل الإنسان في حياتها الطبيعية. ولقد كان التأثير أبعد ضررًا على الأنواع الكبيرة من الحيوانات، أما الأنواع الصغيرة منها، فلعل نشاط الإنسان قد أدى -أحيانًا- إلى تكاثرها حتى أصبح آفة يجب مقاومتها.
أما الطريق الثاني لتأثير الإنسان على حياة الحيوان، فهو أن الإنسان قد اتخذ إجراءات مباشرة ضد الكثير منها، إما بقتلها أو بمطاردتها. وقد أثرت هذه الإجراءات على الحيوانات من مختلف الأنواع:
(1) الحيوانات آكلة العشب مثل الظباء والجياد البرية التي كانت تنافس الأنواع الأليفة التي يربيها الإنسان، وكان الكثير منها مطلوبًا للإنسان كغذاء أو كرمز مقدس أو "طوطم"، لذلك كان الإنسان يصطادها أو يقتنصها.
(2) الوحوش المفترسة مثل الذئاب والدببة والأسود وغيرها. والتي تعادى - بطبيعتها - الإنسان ذاته، وتعادى مواشيه أيضًا.
(3) الحيوانات غير المفترسة ولكنها تشكل خطرًا على حياته مثل الثعابين السامة ومجموعة ضخمة من الحشرات الضارة .
والمحصلة النهائية هي حدوث تقلص شديد في عدد كبير من الحيوانات التي كانت واسعة الانتشار، فعلى سبيل المثال كان الأسد في العصور التاريخية القديمة يعيش في الكثير من مناطق جنوبي غرب أسيا، الا أن أعداده الآن قد تقلصت إلى ما لا يتجاوز المائتين في شبه القارة الهندية. كما انقرض الثور البرى - وهو الجد الأكبر للماشية - ولم يوجد له أثر منذ أوائل القرن السابع عشر الميلادي. كما اختفت الجمال البرية التي جاءت منها الجمال الحالية.
(د) الهلال الخصيب:
منذ فجر الحضارة والإنسان عاكف على استغلال البيئة وتدميرها، لكن تأثيره فيها يختلف من بلد إلى بلد ومن عصر إلي عصر. ففي بلاد بين النهرين -على سبيل المثال- سمحت فترات الهدوء والسلام النسبيين بظهور المدن الكبرى والحضارات التي قامت على أساس الزراعة الناجحة، فاختفى الكثير من النباتات والحيوانات البرية، وقد أحدث انتشار الجفاف -في وقت ما- تدميرًا للبيئة لا رجعة فيه. ولكن هذا الجفاف لم يصب مصر لأن نهر النيل كان يجدد كل سنة خصوبة الأرض ويرويها بمياهه الوفيرة.
وقد أمكن للغالبية من الحيوانات، العيش في بعض المناطق مثل الجبال والصحاري حيث توافرت لها الحماية الطبيعية، كما عاشت في المناطق التي يحرم فيها الصيد، التي حددها الملوك وحافظوا عليها لمتعتهم الشخصية.
(هـ) فلسطين:
لم تستمتع هذه البلاد بفترات طويلة من السلام، وكانت أطول تلك الفترات هي عصور حكم داود وسليمان، وانتهت بموت سليمان. وقد عانت البلاد بعد ذلك -خلال قرون عديدة- من الاضطرابات وعدم الاستقرار والغزوات المتكررة، ولم تزدحم بالسكان سوى أجزاء قليلة -باستثناء وادي إسدرالون- وطوال ذلك العصر كانت الحيوانات البرية في فلسطين - على الأرجح - أقل تأثرًا منها في البلاد المجاورة.
وبتوالى فترات التشريد والشتات، وتساقط أعداد كبيرة من الضحايا، ظل عدد السكان محدودًا، واستمرت معاناة فلسطين تحت حكم اليونان ثم الرومان حتى العصر المسيحي. ويبدو أن غالبية النباتات الطبيعية لم تتأثر خلال تلك العصور، كما ظلت البلاد ملاذًا للحيوانات البرية، مع حدوث تغير طفيف نسبيًا في الحياة الحيوانية منذ أيام القضاة حتى العصور الوسطى، وإن صح هذا الافتراض، فان الحيوانات البرية التي جاء ذكرها في الأسفار المقدسة منذ عصر موسى، كانت أكثر عددًا وأوسع انتشارًا مما هي عليه الآن، كما كانت أقرب التصاقًا بالحياة اليومية لعامة الناس.
كان الناس يزرعون مساحات محدودة من الأرض، وكانت قطعان الماشية ترعى في مساحات شاسعة بحثًا عن الحشائش مع توفير الحماية لها من الحيوانات المفترسة ومن الطامعين فيها من القبائل الأخرى. وظلت تربة سفوح الجبال -تحت هذه الظروف- ثابتة دون تأثر ملموس بعوامل التعرية. أما التبديد الكبير للتربة فقد حدث بين نهاية العصر الروماني ونهاية القرن التاسع عشر، بدرجة تفوق كل ما سبق، وإن كان من العسير تحديد متى بدأت تلك المرحلة على وجه الدقة.
وكان وراء ذلك ثلاث أسباب رئيسية:
(1) لقد دمرت ماشية الرعي وبخاصة المعز -الذي كان يترك ليرعى حيث يشاء- مساحات شاسعة من النباتات من كل الأنواع تاركة سفوح الجبال معرضة لقسوة أمطار الشتاء وعواصفه، التي سرعان ما أزالت الطبقة الرقيقة من التربة التي تكونت عبر العديد من القرون. وما زال هذا الرعي العشوائي يجرى حتى اليوم في الكثير من المناطق، حيث نلاحظ -في فصل الربيع- وجود نباتات خضراء في مناطق الرعي السليم، كما نجد التربة وقد تعرت من كل خضرة في مناطق الرعي العشوائي.
(2) كانت تقطع الأشجار -داخل المساحات المزروعة وخارجها- للحصول على الأخشاب والوقود، مما كان له نفس الأثر كما فرض الحكم التركي -في وقت من الأوقات- ضريبة على الأشجار، مما دفع الأهالي لقطع أشجارهم للتخلص من تلك الضريبة.
(3) ولما فسدت التربة انخفض معدل إنتاجها بشدة، فكان من الضروري استخدام مساحات جديدة للزراعة بما في ذلك السفوح شديدة الانحدار، دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على التربة، وكانت النتيجة الطبيعية والحتمية هي المزيد من التعرية. وكانت زراعة سفوح التلال في الجليل الأعلى، عاملًا في إضافة المزيد من الطمي إلى بحيرة "الحولة"، فنشأت المستنقعات التي جففت أخيرًا (في منتصف القرن العشرين). وفي تلك البلاد الحارة نسبيًا. حيث تهطل الأمطار بدرجات متفاوتة في صورة عواصف شديدة في الشتاء والربيع، حين لا يكون على التربة غطاء نباتي كافٍ، يصبح من الصعب معالجة تلك التغيرات، ولا يمكن استعادة الوضع إلا بجهود شاقة متواصلة، باهظة التكاليف، لأنه عمل لا يصلح فيه استخدام الآلات.
(و) التطورات الحديثة:
جاء القرن العشرين بالعديد من العوامل الحديثة التي أدت إلى تعقيد الموقف. وهذه العوامل خمسة في جملتها، والعاملان الأولان لهما تأثير مباشر، أما العوامل الثلاثة الأخرى فتأثيرهما غير مباشر:
(1) لقد شكلت البنادق الآلية سريعة الطلقات خطرًا كبيرًا على حيوانات الصحراء الضخمة التي كان يصعب الاقتراب منها. كما أن وسائل النقل السريعة وازدياد الثروات من البترول، جعلا الأمر أكثر سوءًا. ومنذ سنوات قليلة اعتبر "البقر الوحشي" الصحراوي من الحيوانات المهددة بالانقراض، كما تقلص بالفعل عدد الغزلان إلى حد بعيد.
(2) جذبت المنطقة في منتصف القرن العشرين علماء الحيوان وعلماء المحافظة على البيئة الطبيعية وعلى الحياة الحيوانية البرية.
ومع إنشاء المحميات الطبيعية وازدياد الاتجاه الإنساني في المحافظة على البيئة، أصبحت المنطقة غربي الأردن مكانًا ملائمًا لمعيشة الحيوانات من كل الأنواع، فالغزلان تعيش الآن في أمان. إلا أن هذا العامل لم يكن له تأثير على وجود البقر الوحشي، فأقرب مكان يوجد فيه الآن هو جنوبي الجزيرة العربية على بُعْد أكثر من ألف ميل.
(3) إن البرامج المكثفة لزراعة الأشجار في شكل غابات أو في شكل حزام أمان أخضر حول الطرق أو في البساتين، علاوة على إدخال نظام الزراعة المروية إلى مساحات شاسعة، كل هذا خلق بيئات جديدة وظروفًا مواتية أتاحت العديد من أنواع الحيوانات بخاصة الطيور، أن يعيش في ظروف أفضل تمامًا، فحمامة النخيل - مثلًا - وهي طائر أفريقي أصلًا، قد انتشرت الآن انتشارًا واسعًا حتى لقد أصبحت "آفة محلية"، ويبدو أنها السبب في اختفاء اليمام. ووصل البلبل الأفريقي من الجنوب وانتشر في الحدائق والبساتين، ومع أنه نافع للإنسان لأنه يتغذى على الحشرات إلا أنه يتغذى أيضًا على الفاكهة الناضجة.
(4) بدأت برامج استصلاح الأراضي بمعونات دولية، وتهدف إلى إعادة الغطاء الشجري لسفوح التلال، ويتم تشجيرها -غالبًا- بأنواع يمكن الإفادة من محاصيلها أكثر من الأنواع الأصلية، وبذلك تكون المحصلة النهائية مختلفة عن المجموع النباتي الأصلي، إلا أنها أصلح لمعظم أنواع الحياة الحيوانية من الأراضي العارية أو شبه العارية.
ويعتبر تجفيف مياه بحيرة "الحولة" نموذجًا مختلفًا لاستصلاح الأراضي، نتج عنه تغيير كبير في استخدام الأرض، فقد أصبحت مكانًا ملائمًا لإيواء الطيور المهاجرة، إلا أنها لم تعد بيئة مناسبة للحيوانات البرية الضخمة أو لأسراب الطيور المائية التي كانت تعيش فيها من قبل.
(5) كان من جراء تكثيف زراعة الأرض الصالحة للزراعة أن أصيبت بأوبئة خطيرة من القوارض وبخاصة "فأر الحقول". وكانت مقاومة هذه القوارض تتم بالمبيدات السامة القوية (مثل مركبات الثاليوم)، وتقوم الطيور والوحوش المفترسة بالتهام هذه القوارض المتسممة، فتموت بدورها من السموم، ثم تلتهمها حيوانات أخرى مثل ابن آوي والضبع والعقبان وغيرها فتموت بدورها. وقبل استدراك هذا الأمر، تناقصت أعداد بعض الحيوانات إلى عشر عددها الأصلي، مما يستلزم عشرات السنين من الحماية لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. وقد نشأت سلسلة مماثلة من الأضرار نتيجة لاستخدام مبيدات حشرية ثابتة لا تتحلل.
وقد اتحدت كل هذه العوامل، حتى أصبحت البيئة فقيرة في المجموع النباتي والحيواني. وأقل الحيوانات تأثرًا هي الطيور المهاجرة وبخاصة الأنواع الصغيرة منها. أما الثدييات الكبيرة فقد تقلصت أعدادها بدرجة كبيرة، فلم تعد توجد إلا حيث تتوفر لها الحماية. وما زالت الماشية هي أكثر الحيوانات عددًا. ورغم ذلك حدث فيها تغير كبير، فتربى الآن الماشية والخراف والكتاكيت في حظائر ومزارع -وبخاصة في المستوطنات الصحراوية- بينما حلت الجرارات الآلية الآن محل الحمير والجياد والجمال في أعمال الزراعة. كما تستخدم الآن الدراجات والسيارات في الانتقال والترحال.
* انظر أيضًا: الطيور في الكتاب المقدس، الوحوش، لوياثان، الكلب، الأحصنة، مقال عن أماكن اللهو للأنبا ساويرس البطريرك الأنطاكي (عن الرفق بالحيوان ومشاكل سباق الخيول في الماضي)، التبن (علف الحيوان)، العلف، القش، الإسفنج، العلوقة، البهائم، المهاة، الوعل، الرجاسات، الخفاش، جدي | جداء، قرن/قرون، جلد | جلود، داجن، الفحل | الفحول.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9f2stwm