St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   04-Enjeel-Youhanna
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

يوحنا 3 - تفسير إنجيل يوحنا

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب يوحنا:
تفسير إنجيل يوحنا: مقدمة إنجيل يوحنا | يوحنا 1 | يوحنا 2 | يوحنا 3 | يوحنا 4 | يوحنا 5 | يوحنا 6 | يوحنا 7 | يوحنا 8 | يوحنا 9 | يوحنا 10 | يوحنا 11 | يوحنا 12 | يوحنا 13 | يوحنا 14 | يوحنا 15 | يوحنا 16 | يوحنا 17 | يوحنا 18 | يوحنا 19 | يوحنا 20 | يوحنا 21 | تسلسل الأحداث في إنجيل القديس يوحنا

نص إنجيل يوحنا: يوحنا 1 | يوحنا 2 | يوحنا 3 | يوحنا 4 | يوحنا 5 | يوحنا 6 | يوحنا 7 | يوحنا 8 | يوحنا 9 | يوحنا 10 | يوحنا 11 | يوحنا 12 | يوحنا 13 | يوحنا 14 | يوحنا 15 | يوحنا 16 | يوحنا 17 | يوحنا 18 | يوحنا 19 | يوحنا 20 | يوحنا 21 | يوحنا كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

مقدمة الإصحاح الثالث

رأينا فيما سبق أن المسيح كلمة الله تجسد ليعطينا الفرح، بشرط أن نجاهد لنطهر أنفسنا، ولكن هل جهادنا يكفي؟ هنا نرى معلم يهودي من الفريسيين وهؤلاء مشهور عنهم جهادهم وتدقيقهم والتزامهم بالناموس. نجده يأتي للمسيح، ومن المؤكد أنه يبحث عن أعمال أخرى يرضي بها الله. وبدأ حديثه مع المسيح بالتحيات التي اعتاد اليهود استعمالها مع بعضهم البعض لذلك وبخهم المسيح قائلا "كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعض والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه" (يو44:5). كما نادى الشاب السيد قائلًا "أيها المعلم الصالح""، وراجع (رو2: 19-20) لترى الألقاب التي يطلقها كل واحد على نفسه.

ونجد المسيح هو فاحص القلوب والكلى، لم يَرُد على تحية نيقوديموس بالتحيات، ولا أجابه عن إرشاده لمزيد من الأعمال ليعملها، بل فتح معه موضوعًا لم يفهمه نيقوديموس. وجدنا المسيح يتكلم عن لزوم الولادة الجديدة من الماء والروح، حتى يتجدد الإنسان تجديدًا شاملًا ويصبح خليقة جديدة. فالمسيح لا يبحث عن وضع رُقعة جديدة في ثوب عتيق، بل هو يريد أن يكون الكل جديدًا (2كو17:5). فلأن الخليقة الأولى أفسدتها الخطية، فالحل هو الخليقة الجديدة وهذا معنى (أر 18، 19). والمعمودية هي المدخل للحياة الجديدة بعد أن سمعنا عن خمر جديدة وهيكل جديد نسمع هنا عن ولادة جديدة. ومن أين تكتسب المعمودية قوتها؟ نجد المسيح يشرح هذا بفكرة أنه كما رفع موسى الحية النحاسية هكذا سيرفع ابن الإنسان على الصليب ويموت. والمعمودية هي موت مع المسيح وقيامة مع المسيح متحدين به (رو3:6-5). المعمودية هي نعمة من الله، ولكن كل نعمة نحصل عليها هي شيء قابل لأن يزداد بجهادنا أو يضمحل وينقص بتكاسلنا.

مثال: سر الميرون نحصل به على نعمة حلول الروح القدس فينا. ولكن نجد الرسول بولس يقول "إمتلئوا بالروح" (أف18:5). ويقول "إضرم موهبة الله التي فيك بوضع يدي" (2تي6:1). ولكنه يقول أيضًا "لا تطفئوا الروح" (1 تس 5: 19).

 وهكذا في المعمودية: نحن نحصل على المقدرة على التغيير. ومن يجاهد تموت طبيعته القديمة تمامًا ويحصل على طبيعة جديدة، إنسان داخلي جديد يشبه المسيح (غل19:4).

والمعمودية وجهادنا لا ينفعان شيئًا بدون إيمان، لذلك يضيف القديس يوحنا المعمدان الآيات الأخيرة في الإصحاح ليشير لأهمية الإيمان. فالإيمان هو المدخل ثم المعمودية ثم جهادنا وتوبتنا لنثبت على ما حصلنا عليه ويستمر التغيير والتجديد. ومن يجاهد يعمل فيه الروح ليجدده (رو13:8) "بالروح تميتون أعمال الجسد"

والمسيح لم يكلم السامرية ولا الزانية عن المعمودية، فالخطية ظاهرة في حياتهم. إنما يكلم نيقوديموس ويدعوه للمعمودية والتجديد، فهو مملوء من البر الذاتي. لذلك على كل من يشعر فينا بأنه بار، عليه أن يقدم توبة سريعة ليتجدد ويتغير فهو مخدوع، فليس بار ليس ولا واحد. فلنقل أننا عبيد بطالون محتاجون للتغيير. ولاحظ أن المعمدان علم بأن المسيح سيأتي بمعمودية بالروح القدس ونار. ومن يولد من الروح سيكون له طبيعة جديدة (في محبته ووداعته..) تظهر فيه، إذ أن نتائج عمل الروح تكون واضحة دون أن يرى أحد الروح.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح الثالث

 (مع نيقوديموس ليلًا)

St-Takla.org         Image: Jesus with Nikodemos صورة: المسيح مع نيقو ديموس

St-Takla.org Image: Jesus with Nikodemos, Nicodemus

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد يسوع المسيح مع نيقوديموس

 يقرأ هذا الجزء يوم الجمعة السادسة من الصوم الكبير التي تسبق أحد التناصير مباشرة لما جاء فيه عن الميلاد من الماء والروح، وأهمية التجديد في حياتنا والتغيير لنصل إلى صورة المسيح (غل19:4).

 رأينا في الإصحاح السابق الهدم والبناء للهيكل القديم أي موت الإنسان وقيامته، وهنا نرى سر التجديد والبناء للكنيسة كأفراد، فالهدم هو هدم الإنسان العتيق ثم قيامة الإنسان الجديد بالمعمودية من الماء والروح. فبالمعمودية نولد من جديد لندخل هيكل الله الجديد أي ملكوت الله. فللإنسان المسيحي ميلادين، أولهما جسدي به يكون ابنًا لآدم وثانيهما من الماء والروح يصير به ابنًا لله وللكنيسة. الميلاد الأول أرضي من رجل وامرأة والميلاد الثاني سماوي من الله والكنيسة. [ونرى الخلقتين في (اف 10:2)]. والخليقة الجديدة بها نكون في المسيح (2كو5:17) والتوبة هي صون للنعمة التي أخذناها بالمعمودية، التوبة تجدد عمل المعمودية في حياتنا لذلك يسمونها معمودية ثانية. المعمودية هي موت وقيامة مع المسيح. والتوبة هي قرار بالموت عن الخطية فتكون لي قيامة ثانية مع المسيح لذلك هي معمودية ثانية.

 ونيقوديموس هو من رجال إسرائيل الكبار، عضو في السنهدريم ودارس كبير للناموس وهو آمن بالمسيح إذ رأى الآيات التي صنعها يسوع في أورشليم (يو 2:3). وبحسب العقلية اليهودية، فهذا الفريسي الكبير الذي يؤمن بالبر الذاتي، كان ينتظر أن يسمع من المسيح عن ممارسات جديدة يزداد بها بره الشخصي (مر17:10). ولكن المسيح لم يكلمه عن تعديل في سلوك بل عن تغيير الطبيعة البشرية كلها. فما فائدة الأعمال والخليقة قد فسدت وصارت غير مقبولة. [المسيح كان يتكلم عن عمل الروح ونيقوديموس مُصِرّ على عمل الجسد (الولادة من بطن)] وبعد هذا الحديث نجد نيقوديموس يدافع عن المسيح أمام المجمع (يو 50:7-51) ثم جاهر بإيمانه بعد موت المسيح (يو 39:19).

 

آية (1): "كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ."

رئيسًا لليهود= أي عضو من السنهدريم. وفي (10) معلم إسرائيل= دكتوراه في الناموس اليهودي. وقد جاء في التلمود أن شخصًا اسمه نيقوديموس أحد أربعة من الأغنياء وأنه من أتباع المسيح.

 

آية (2): "هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلًا وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ»."

جاء ليلًا= ويوحنا الإنجيلي يذكر هذه العبارة 3 مرات (يو 50:7+39:19). فمجيئه ليلًا يكشف عن حذره وخوفه وأنه لا يريد أن يعرض مركزه للخطر، ويكشف عن كبريائه، فكيف يأتي هذا المعلم الكبير لنجار ليتعلم منه. ماذا يقال عنه لو عرف الفريسيون ما عمله. وهذا يعني أن الإيمان لم ينمو ليصبح إيمان حي بابن الله كمخلص حقيقي، ودواء الخوف هو المسيح، والإيمان به. ومجيئه ليلًا يشير إلى أنه لم يعثر بعد على الإيمان والنور الإلهي (قارن مع يو30:13) في مفهوم القديس يوحنا كلمة ليلًا يشير للخطية والكبرياء والظلام في القلب. نعلم أنك أتيت من الله معلِّمًا= هذه قد جاءت من معلم عظيم كنيقوديموس، لذلك ففي نظره أن المسيح له قيمة عظيمة.

نعلم= ليس المهم أن تعلم فقط بل أن تتغير. وقوله نعلم يشير إلى أن غيره من الفريسيين أعجبوا بأعمال المسيح وتعاليمه. رابي= هي إحدى درجات ثلاث وترتيبها راب/ رابي/ رابون. وتأتي من كلمة جذرها في العبرية يعني كبير أو عظيم. ومع كل هذا كانت معرفة نيقوديموس بالمسيح ناقصة، كان ينقصه إيمانه بأن المسيح هو ابن الله. إن لم يكن الله معه= (تك24:26+ قض12:6). فنفهم من هذا أن رأي نيقوديموس أن الله يعين المسيح، وبهذه المعونة يعمل أعماله الإعجازية.

 

St-Takla.org Image: The right, word in Arabic صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة الحق

St-Takla.org Image: The right, word in Arabic

صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة الحق

آية (3): "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ»."

هنا المسيح لا يرد على كلام نيقوديموس بل على أفكاره (يو24:2) فنيقوديموس كان يسعى وراء معرفة يزدادها من المسيح. والمسيح كلمه عن إيمان يحتاجه، نيقوديموس يريد أن يبني على معلوماته القديمة معلومات جديدة يتباهى بها، والمسيح يقول بل هناك شيء جديد ينبغي أن يولد، هناك ولادة جديدة وليس مجرد إضافة. حتى ولا يكفي إعجابك بالمعجزات التي رأيتها.

الحق الحق= تفيد التوكيد، وأن ما سيقال هو شيء جديد أو غريب على أسماعهم، وهو شيء هام. وتفيد أن المتكلم هو الله، فالأنبياء يقولون هكذا.. يقول الرب. يولد من فوق= أي من السماء (وتترجم يولد ثانية). وهذا حادث يتم للإنسان بقوة إلهية تفوق فهم الإنسان، لذلك تسمى المعمودية سر. وهي تعني أننا صرنا أولادًا لله، وذلك بإتحادنا بالمسيح الابن. فنصلي "أبانا الذي في السموات". يرى ملكوت الله= بهذه الولادة يتصل الإنسان بالوجود الفوقاني أي ملكوت الله، لأننا بخطية آدم فقدناها.

لا يقدر= حتى على التأمل في السماويات بسبب العجز الروحي الراجع للخطية. ملكوت الله= قالها يوحنا هنا وفي آية (5) ثم أصبح يطلق عليها الحياة الأبدية وهو يعني أن الله يملك على كنيسته بقوة منذ الآن ويتمم إرادته ومشيئته في أولاده الذين يملكونه على قلوبهم. ولكن ملكوته هذا سيستعلن بشكل جديد في الزمن الآتي حين يتلاشى الشر تمامًا ونحيا في ميراث المجد العتيد. (هذا الفهم لملكوت الله لن يفهمه سوى المولود من فوق، أما اليهود فيطلبون ملكًا أرضيًا).

الولادة الجديدة:- تعبير الولادة الجديدة إستخدمه اليهود في عدة مناسبات كتشبيه. أمثلة لذلك : دخول أممي لليهودية، هذا تم تشبيهه عند اليهود بأنه كطفل وُلد جديدا بتوبته وقد بدأ علاقة جديدة بالله. وهكذا قالوا عن العريس الجديد بل إستخدموا هذا التشبيه حين يتم ترقية أحد ليصير رئيسا للأكاديمية أو جلوس ملك على عرشه. ويسمى الداخل للإيمان مولودا جديدا فهو قد دخل إلى علاقة جديدة مع الله وغفرت خطاياه وهو قد قطع وترك كل علاقة قديمة بينه وبين العالم القديم حتى أهله وأصدقاءه. ولكن كلام المسيح مع نيقوديموس لم يعطه أن يفهم كلامه في ضوء هذه التشبيهات اليهودية، أو أن المسيح يطلب منه التوبة عن أعمال سابقة. بل هو فهم أن المسيح يتكلم عن ولادة جديدة حقيقية وليست كتشبيه. ثانيا اليهود يتكلمون عن هذه الولادة الجديدة كنتيجة لأن هذا الشخص قد تقبل تحمل مسئولية جديدة، فالملك يتحمل مسئولية المملكة الجديدة. أما كلام المسيح فهو عكس هذا إذ يقول أن شرط دخول هذا الملكوت الجديد أن يولد الشخص من جديد. كما أن المسيح يقول أن هذه الولادة هي من فوق. واليهود يفهمون التوبة والغفران والعلاقة الجديدة بين الله والإنسان، وأن هذا مسئولية الشخص. ولكنهم لا يفهمون تجديد الداخل بخليقة جديدة وولادة روحية وأن هذا شرط لكي يرى الإنسان ملكوت الله. ولا يفهمون كيف أن اليهودية ليست هي ملكوت الله، أو أن هناك ملكوت آخر لله غير اليهودية. لكل هذا كانت هناك صعوبة شديدة لنيقوديموس ليفهم شيء جديد عن شرط الملكوت والولادة الجديدة ضد ما تأصل في عقله وقلبه.

St-Takla.org Image: "There was a man of the Pharisees named Nicodemus, a ruler of the Jews. This man came to Jesus by night and said to Him, “Rabbi, we know that You are a teacher come from God; for no one can do these signs that You do unless God is with him.” Jesus answered and said to him, “Most assuredly, I say to you, unless one is born again, he cannot see the kingdom of God.” Nicodemus said to Him, “How can a man be born when he is old? Can he enter a second time into his mother’s womb and be born?”" (John 3: 1-4) - John, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: «يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلما، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه». أجاب يسوع وقال له: «الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله». قال له نيقوديموس: «كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟»" (يوحنا 3: 1-4) - صور إنجيل يوحنا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: "There was a man of the Pharisees named Nicodemus, a ruler of the Jews. This man came to Jesus by night and said to Him, “Rabbi, we know that You are a teacher come from God; for no one can do these signs that You do unless God is with him.” Jesus answered and said to him, “Most assuredly, I say to you, unless one is born again, he cannot see the kingdom of God.” Nicodemus said to Him, “How can a man be born when he is old? Can he enter a second time into his mother’s womb and be born?”" (John 3: 1-4) - John, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: «يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلما، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه». أجاب يسوع وقال له: «الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله». قال له نيقوديموس: «كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟»" (يوحنا 3: 1-4) - صور إنجيل يوحنا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

بحسب فهم نيقوديموس هو قادر أن يفهم كيف أن إنسان ربما يصبح آخر (وهذا يحتاج إلى توبة وإلى جهاده ليتغير إلى شخصية جديدة) ويصبح في النهاية له شخصية جديدة. وكان هذا معنى معمودية المعمدان، القرار الإنساني وجهاده ليبدأ بداية جديدة.

ولكن كان لا يمكن أن يفهم أن الإنسان يجب أولًا أن يصبح إنسانا آخر حتى يمكنه أن يصبح آخر في النهاية، وأن هذا يلزمه أن يولد من فوق أولًا. هذا سر يصعب فهمه على اللاهوت اليهودي. وهذه هي معمودية المسيح بالروح القدس ونار، من فوق وليس بالإنسان. وهنا أراد نيقوديموس أن يفهم كيف يحدث هذا قبل أن يؤمن، ولكن كيف يفهم وهذه الأمور سماوية، فهو سيولد من فوق وليس على الأرض، والسماء لا يقدر أحد أن يصعد إليها. لذلك كان عليه أن يصدق المسيح الذي أتى من السماء وهو في السماء.

 

آية (4): "قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟»"

لم يفهم نيقوديموس ما قاله المسيح وأعلن عن عجزه على الفهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكما أنه من الصعب أن يدخل الشيخ العجوز لبطن أمه، كان صعبًا على نيقوديموس أن يتقبل فكرة الميلاد الثاني أي يتقبل عمل إلهي يجعله إنسانا جديدا، بعد أن قضى عمره لا يفهم سوى البر الذاتي، وأن الإنسان هو المسئول بنفسه عن تغيير نفسه. [المسيح يتكلم عن ملكوت الله كخليقة جديدة ونيقوديموس يصر على تكرار القديم (الولادة الجسدية)] المسيح لا يغير الظروف الخارجية بل هو يعيد تغيير الداخل ويخلقه جديدًا.

 

آية (5): "أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ."

المسيح يشرح له أن الميلاد المقصود هو من الروح، ميلاد روحاني للنفس هو ميلاد غير منظور. يولد من= وترجمتها من داخل، أي يدخل الإنسان للماء ليخرج مولودًا جديدًا من الروح. (والمقصود بالولادة من فوق هو الروح). والروح يقدس الماء في المعمودية ليكون لها قوة على الميلاد الثاني الروحاني. كما يقول القديس كيرلس الكبير.. الميلاد من الماء والروح هو موت عن حياة جسدية سالفة وتقديس ثم قبول حياة جديدة مخلوقة بالروح القدس لتؤهل النفس للحياة مع الله في ملكوته. لذلك يسبق المعمودية توبة واعتراف فهي بداية جديدة. والمعمودية هي موت مع المسيح عن حياتنا السالفة لقبول حياة جديدة من عمل الروح القدس هي من حياة المسيح. والميلاد من الروح ومن الماء كان في ذلك الوقت ليس غريبًا عن نيقوديموس، فكان المعمدان يقول هذا عن المسيح الذي سيعمد بالروح القدس ونار.

المسيح يقول المعمودية هي من الماء والروح.

والمعمدان يقول المسيح سيعمد بالروح القدس ونار.

وبمقارنة النصين نفهم أن ماء المعمودية له فعل ناري في غسل قذر وخطايا المعمد كما قال إشعياء النبي "وَيَكُونُ أَنَّ ٱلَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَٱلَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ (أي أن من يعتمد يتنقى ويصبح عضوًا في جسد المسيح أي الكنيسة التي يملك الله عليها = ملكوت الله – وهذا معنى كلام الرب من يعتمد من الماء والروح يقدر أن يدخل ملكوت الله)، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ. إِذَا غَسَلَ ٱلسَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ ٱلْقَضَاءِ وَبِرُوحِ ٱلْإِحْرَاقِ" (إش4: 3-4).

يدخل ملكوت الله= كما كان الختان شرط أن يكون الشخص من شعب الله في العهد القديم، هكذا في العهد الجديد فالمعمودية شرط لدخول ملكوت الله.

 

آية (6): "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ."

اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ = المولود من جسد فاسد يكون جسد فاسد مثله تقوده شهوات الجسد، يقال عنه إنسان جسداني شهواني. لذلك لا يصلح أن يولد نيقوديموس من بطن أمه ثانية، فحتى لو حدث فهو سيولد ثانية بجسد شهواني فاسد. لأن كل البشر ورثوا هذا الفساد من أبينا آدم. والمولود من الروح يقوده الروح القدس ويقال عنه إنسان روحي. ولذلك يقول لهم الرب يسوع هنا أنا جئت لتجديد الخليقة. أنا النور الذي يرشدكم لطريق الحياة لتولدوا من الروح.

St-Takla.org Image: "Jesus answered, “Most assuredly, I say to you, unless one is born of water and the Spirit, he cannot enter the kingdom of God. That which is born of the flesh is flesh, and that which is born of the Spirit is spirit. Do not marvel that I said to you, ‘You must be born again.’ The wind blows where it wishes, and you hear the sound of it, but cannot tell where it comes from and where it goes. So is everyone who is born of the Spirit.”" (John 3: 5-8) - John, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "أجاب يسوع: «الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح»" (يوحنا 3: 5-8) - صور إنجيل يوحنا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: "Jesus answered, “Most assuredly, I say to you, unless one is born of water and the Spirit, he cannot enter the kingdom of God. That which is born of the flesh is flesh, and that which is born of the Spirit is spirit. Do not marvel that I said to you, ‘You must be born again.’ The wind blows where it wishes, and you hear the sound of it, but cannot tell where it comes from and where it goes. So is everyone who is born of the Spirit.”" (John 3: 5-8) - John, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "أجاب يسوع: «الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح»" (يوحنا 3: 5-8) - صور إنجيل يوحنا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

بالمعمودية يتحول الإنسان من حياة قديمة حسب الجسد إلى حياة حسب الروح. وما لا يستطيعه الجسد تستطيعه الروح. فأنت الآن يا نيقوديموس تتصور أنك لا يمكنك ترك شهواتك، هذا لأنك مولود من جسد. وبهذه الآية يشرح السيد لنيقوديموس أن الولادة الثانية ليست ولادة جسدية أي لا داعي لأن يدخل بطن أمه ثانية. ومن يولد من الجسد يموت، أما من يولد من الروح ويقوده الروح فله حياة أبدية فالمولود من الروح يقوده الروح حتى يصل به للسماء. من يولد من الجسد يشتهي العالم ومن يولد من الروح يشتهي الالتصاق بالله، ويتخلى عن شهواته الجسدية.

وهنا على الأرض بعد ميلادنا من الماء والروح نجد أن شهوات الجسد لا تموت بالكامل، وستظل مشاغبات الجسد موجودة داخلنا. وسيظل الصراع القائم بين الجسد والروح كما يقول القديس بولس الرسول "أَنَّ ٱلْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ ٱلرُّوحِ وَٱلرُّوحُ ضِدَّ ٱلْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا ٱلْآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لَا تُرِيدُونَ" (غل5: 17). والسبب أن الله لم يُرِدْ أن يحرمنا من حريتنا بل ترك لنا حرية الاختيار، لكنه يسندنا بنعمته وهي قوة تعيننا على مقاومة شهوات الجسد والتي يثيرها فينا الشيطان. وهذه النعمة أعظم أي أقوى (يع4: 6). يقال عن هذا اننا supported but not fastened [وراجع تفسير (حز41: 6-7)]. أما في السماء فستموت داخلنا هذه الشهوات الجسدية بموت هذا الإنسان العتيق بالكامل، فلن توجد إلاَّ شخصية الإنسان الروحي فقط الذي ينقاد بالكامل للروح القدس "لِأَنَّ ٱلْخَرُوفَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ" (رؤ7: 17). والينابيع هذه إشارة للامتلاء من الروح القدس. وحينها يكون الإنقياد بالروح سهلا فلا توجد أي مقاومة. وهذا قيل عنه "مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ ٱلْمَنِّ ٱلْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى ٱلْحَصَاةِ ٱسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ ٱلَّذِي يَأْخُذُ" (رؤ2: 17). والإسم الجديد في الفكر العبراني هو شخصية جديدة."لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ ٱلَّذِي يَأْخُذُ" أي أن هذا التغيير داخل الشخص لن يدركه أحدٌ غيره.

 

آية (7): "لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ."

فإذا كنت تريد أن تكون رجلًا روحيًا ينبغي أن تولد من فوق. فإذا كنت قد جئت لي لتتعلم كيف ينبغي أن تحيا في ملكوت الله فلن ينفعك الأعمال الجسدية كلها فهي من الجسد. أولًا تولد من فوق ثم تعمل أعمالًا يعينك فيها الروح بعد ذلك لتستمر كميت أمام الخطية، وحيًا للبر في المسيح (رو6)، لتتجدد يومًا فيومًا.

 

آية (8): "اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ»."

السيد يشرح له أن الولادة من الروح لها قوة غير منظورة للتغيير، ويتغير الإنسان ويصير إنسانًا جديدًا. كمن ولد من جديد. في العبرية واليونانية كلمتي روح وريح هي كلمة واحدة، وكلمة تهب من نفس أصل كلمة ريح والمعنى أنه كما تتحرك أوراق الشجرة فنعرف أنها تعرضت لريح، هكذا المولود من الروح تظهر عليه علامات عمل الروح القدس بغاية الوضوح والقوة في كلامه وتصرفاته وفهمه ومحبته وحكمته.. إلخ. هذا هو التغيير بالروح (رو13:8) ولكن ذلك لكل من يجاهد فيعين الروح ضعفاته (رو26:8). وهذا أيضًا ما أسماه بولس الرسول ختان القلب بالروح (رو29:2) أي إزالة الشهوات الخاطئة من داخل القلب كمن يقطعها بمشرط الختان. إذًا يولد الإنسان من الروح فيوجد داخله إنسان جديد روحي يقوده الروح، فالروح القدس يقود الروح الإنسانية، والروح الإنسانية تقود الإنسان كله. ويُقال عن هذا الإنسان أنه روحاني أي منقاد بالروح، كما يحرك الريح أوراق الشجر دون أن نرى الريح لكننا ندرك وجودها. ويقودنا الروح القدس (الذي نحصل عليه في سر الميرون بعد المعمودية) لتتجدد طبيعتنا ونصير خليقة جديدة.

 

آية (9): "أَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذَا؟»"

يقصد نيقوديموس أنه كيف يتم هذا؟! وكان لا معنى لسؤاله فالمسيح أوضح له أنه ليس من عمل إنسان بل هو عمل فائق من الروح القدس.

 

St-Takla.org Image: "Nicodemus answered and said to Him, “How can these things be?” Jesus answered and said to him, “Are you the teacher of Israel, and do not know these things? Most assuredly, I say to you, We speak what We know and testify what We have seen, and you do not receive Our witness. If I have told you earthly things and you do not believe, how will you believe if I tell you heavenly things? No one has ascended to heaven but He who came down from heaven, that is, the Son of Man who is in heaven. And as Moses lifted up the serpent in the wilderness, even so must the Son of Man be lifted up, that whoever believes in Him should not perish but have eternal life. For God so loved the world that He gave His only begotten Son, that whoever believes in Him should not perish but have everlasting life. For God did not send His Son into the world to condemn the world, but that the world through Him might be saved. “He who believes in Him is not condemned; but he who does not believe is condemned already, because he has not believed in the name of the only begotten Son of God. And this is the condemnation, that the light has come into the world, and men loved darkness rather than light, because their deeds were evil. For everyone practicing evil hates the light and does not come to the light, lest his deeds should be exposed. But he who does the truth comes to the light, that his deeds may be clearly seen, that they have been done in God.”" (John 3: 9-21) - John, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "أجاب نيقوديموس وقال له: «كيف يمكن أن يكون هذا؟» أجاب يسوع وقال له: «أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا! الحق الحق أقول لك: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء. «وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة: إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيآت يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة»" (يوحنا 3: 9-21) - صور إنجيل يوحنا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: "Nicodemus answered and said to Him, “How can these things be?” Jesus answered and said to him, “Are you the teacher of Israel, and do not know these things? Most assuredly, I say to you, We speak what We know and testify what We have seen, and you do not receive Our witness. If I have told you earthly things and you do not believe, how will you believe if I tell you heavenly things? No one has ascended to heaven but He who came down from heaven, that is, the Son of Man who is in heaven. And as Moses lifted up the serpent in the wilderness, even so must the Son of Man be lifted up, that whoever believes in Him should not perish but have eternal life. For God so loved the world that He gave His only begotten Son, that whoever believes in Him should not perish but have everlasting life. For God did not send His Son into the world to condemn the world, but that the world through Him might be saved. “He who believes in Him is not condemned; but he who does not believe is condemned already, because he has not believed in the name of the only begotten Son of God. And this is the condemnation, that the light has come into the world, and men loved darkness rather than light, because their deeds were evil. For everyone practicing evil hates the light and does not come to the light, lest his deeds should be exposed. But he who does the truth comes to the light, that his deeds may be clearly seen, that they have been done in God.”" (John 3: 9-21) - John, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "أجاب نيقوديموس وقال له: «كيف يمكن أن يكون هذا؟» أجاب يسوع وقال له: «أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا! الحق الحق أقول لك: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء. «وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة: إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيآت يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة»" (يوحنا 3: 9-21) - صور إنجيل يوحنا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

آية (10): "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هذَا!"

هذا عتاب لكل معلمي اليهود في شخص نيقوديموس، الذين سمعوا بالتأكيد عن عمل الروح القدس وكيف أنه يجعل الشخص جديدًا. وهذا حدث حتى مع شاول الملك. وكذلك نجد هذا في عدة أماكن (راجع 1صم1:10، 6، 9-10+ 13:16).. وهذا ألا يعتبر كميلاد ثان للإنسان. وراجع (مز10:51) "قلبا نقيا إخلقه فيَّ يا الله وروحا مستقيمًا جدده في أحشائي". وألا يعتبر هذا خلقًا جديدًا. وراجع أيضًا "وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ" (حز19:11+ 31:18) بل أن حزقيال جمع عمل الماء والروح في الخلق الجديد (حز25:36+26-28+ 9:37-14) وراجع أيضًا (أش18:65-19+ 8:66-9). وعن عمل الروح القدس "وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلَامًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. وَعَلَى ٱلْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى ٱلْإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ" (يؤ28:2-29).

1) ولادة شعب بأكمله:- "من سمع مثل هذا. من رأى مثل هذا، هل تمخض بلاد في يوم واحد. أو تولد أمة دفعة واحدة. فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها" (إش66: 8) + "... بل إفرحوا وإبتهجوا إلى الأبد في ما أنا خالق لأني هأنذا خالق أورشليم بهجة وشعبها فرحا" (إش65: 18) .

2) الولادة من الروح:- " فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصب على رأسه (هذا عن شاول الملك)....وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلبا آخر " (1صم10: 1 ، 9 ، 10) + (1صم16: 13) + (مز51: 10) + (حز11: 19) + " فقال لي تنبأ للروح (أي صلي).. وقل...هب على هؤلاء القتلى ليحيوا... فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم .... (حز37: 9 – 14) + (يؤ2: 28) .

3) الولادة من الماء والروح:- " وأرش عليكم ماء طاهرا فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم.... وأعطيكم قلبا جديدا وأجعل روحا جديدا في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم...(حز36:25 – 28) . وألا يعتبر هذا التغيير الجوهري في قلوب الشعب أنه ولادة جديدة من الماء والروح.

 

آية (11): "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا."

المسيح يوبخ نيقوديموس أنه لا يفهم، أمّا المسيح فيعلم. والمسيح يتكلم هنا بصيغة الجمع وقد يقصد الثالوث فالآب يريد الإعلان والابن والروح ينفذان والابن لا يعمل شيئًا بدون الآب، أو هو وتلاميذه، أو هو والأنبياء الذين تنبأوا عن هذه الأيام. (ولاحظ أن التلاميذ سمعوا عن هذا من المعمدان). وبحسب الناموس فالشهادة تكون على فم اثنين. الرب يقول له إن هذا موضوع ليس للنقاش بل ستلاحظون وتدركون عمل الروح، ولكني أنا أخبرك به من الآن.

 

آية (12): "إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟"

الأرضيات= أي الأمور السماوية مشروحة بطريقة أرضية ليفهمها الناس. فالمسيح شبه لنيقوديموس عمل الروح كمثل الريح وهذه هي الأرضيات. والمعمودية هي موت وقيامة مع المسيح، وبهذا نتحد بالمسيح وتكون لنا حياة المسيح، وكيف يحدث هذا؟ نقول عنه سر المعمودية = أي نعمة غير منظورة تحت أعراض منظورة، ولكن ما يحدث حقيقة هو ما قال عنه الرب = السمويات= أي لو استعلنها المسيح على مستوى جوهرها السمائي والإلهي. وقول الرب يشير إلى أنه إذا لم تفهم يا نيقوديموس الولادة من الماء والروح بهذا الشرح البسيط، فكيف تفهم حقيقة السر، سر المعمودية. أو هل ستفهم الأكل من جسد المسيح ودمه، أو قول المسيح أنه والآب واحد أو سر الثالوث القدوس. وقد تكون الأرضيات هي مفاعيل المعمودية في المؤمن على الأرض أو أي أمور روحية تخص الحياة على الأرض والسمائيات هي الحياة في العالم الآخر والنصيب المعد لنا هناك.

 

آية (13): "وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ."

سبق في آية (2) أن قال نيقوديموس "أنك أتيت من الله معلمًا" والمسيح هنا يقول لا بل أنا أتيت من السماء، وأنا دائما في السماء، وسأصعد للسماء. فليس أحد يعرف حقيقة السماويات ولا الأرضيات ولا ما في السماء إلا أنا، ولست معلمًا كمعلمي اليهود.

هنا المسيح بدأ يشرح السمويات لنيقوديموس بحسب ما يمكنه فهمه. وهو جاء ليعطي حياة أفضل للإنسان فيها يولد من فوق. ومع أن المسيح نزل من فوق إلا أنه سيصعد إلى فوق ومع هذا فهو بلاهوته لم يغادر السماء. هو السماوي نزل ليحملنا فيه للسماء، ولذلك قال "اثبتوا فيَّ" وهذه الآية تثبت لاهوته. صعد إلى السماء= أي يرى أسرار السماء وحده فلا أحد من البشر صعد للسماء ليعرف أسرارها. ولأنه من السماء فهو وحده الذي يعلم السمائيات وهو نزل من السماء ليعلن الأسرار لنا. ولذلك ينبغي أن تقبل شهادته. نزل من السماء= هذه تساوي "الكلمة صار جسدًا" والآية تبدأ بحرف الواو. إذًا هي راجعة لما سبقها، أي لا أحد يعلم السماويات إلا من هو قادر أن يصعد ليرى وينزل ليخبر، أنا السماوي. وأيضًا موضوع الولادة من فوق التي كلمتك عنها يا نيقوديموس من الماء والروح، لم يتم إلاّ بنزولي من السماء. آية (12) أشار فيها السيد للسماويات. وهنا في هذه الآية يبدأ بقوله صعد إلى السماء قبل قوله نزل من السماء (ويبدو أن هذا عكس ما حدث فهو نزل وتجسد ثم صعد) لكنه بدأ بقوله صعد فنيقوديموس عجز عن فهم ما قاله السيد. نيقوديموس يفكر بطريقة جسدية أرضية كأن الحل في الولادة الجديدة بأن يولد من بطن أمه ثانية. لذلك نجد السيد يحاول أن يجذب فكر نيقوديموس للسماء، وأن الولادة الجديدة هي من السماء. ويشرح له أنه هو -أي المسيح وحده- الذي يقدر أن يتكلم عن السماء، لأنه لا يوجد في البشر من صعد للسماء ليشرح ما في السماء. المسيح وحده يقدر فهو من السماء وهو في السماء، وهو نزل من السماء ليستعلن لنا السماويات، بل هو طأطأ السماوات ونزل (مز18: 9) ليعطينا أن نحيا في السماويات، ونحن ما زلنا على الأرض. وهو يقدر أن يرفعنا للسماء لأنه سيصعد للسماء كسابق ليعد لنا مكانا. وبهذا يجذب فكر نيقوديموس للارتقاء للسماويات، ولهذه الحياة الجديدة التي يعرضها ويشرحها له، إذًا هو القادر وحده أن يخبرنا عما في السماويات لذلك بدأ الآية بحرف العطف (و) لأنها عائدة على آية (12).

 

St-Takla.org         Image: Jesus talking to Nicodemus صورة: السيد المسيح يتحدث مع نيقوديموس

St-Takla.org Image: Jesus talking to Nicodemus

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يتحدث مع نيقوديموس

الآيات (14-15): "«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ."

كلم الرب يسوع نيقوديموس عن الولادة الجديدة التي هي موت مع المسيح وقيامة معه. فكيف يتم الموت مع المسيح؟ كان لا بد أن يموت المسيح أولًا ثم يقوم. وكان موته هذا بالصليب ورمزه الحية النحاسية. يموت ليحمل خطايانا، ويقوم ليعطينا حياته الأبدية. ويوحدنا الروح القدس به في المعمودية كما يقول بولس الرسول "مدفونين معه في المعمودية" (كو 2: 12) ويوحدنا به في قيامته ونصبح خليقة جديدة (رو6: 1-9). هنا المسيح ينتقل مع نيقوديموس إلى الصليب الذي أعطى للمعمودية قوتها النارية. وهنا نرى لماذا نزل ابن الإنسان من السماء وكيف يصعدنا إلى السماء.

هنا نرى لماذا نزل ابن الإنسان من السماء وكيف يصعدنا إلى السماء.

رأينا في آية (13) التجسد وهنا نرى الفداء (وهنا المسيح يشرح السمويات برموز من العهد القديم). فالإنسان سقط بواسطة الحية التي استطاعت أن تُسَرِّبْ الخطية القاتلة للإنسان. فالخطية مرتبطة بالحية. وجاءت الحيات المحرقة تفتك بالشعب (عد7:21) لتْصّوِّر عمل الخطية التي تفتك بالإنسان الخاطئ. أما الحية النحاسية فهي حيَّة ميتة سمها مقتول وهي رمز للمسيح الذي تجسد في شبه جسد الخطية بل صار خطية لأجلنا لكنه بلا خطية بل حاملا لخطايانا (2كو5: 21 + يو8: 46). وحمل خطايانا في جسده ومات وهو حامل لها فقتل الخطية بالجسد. لهذا يقال أن المسيح أمات الموت ودان الخطية بالجسد أي حكم عليها حكمًا مؤبدًا بالعدم حينما مات بها ثم قام. . وهكذا نعمل في سر الإفخارستيا، فنحن نستخدم خبزًا مختمرًا، والخمير دخل إلى نيران الفرن فمات الخمير. وبهذا فالمسيح يميت الخطايا لكل من يثبت فيه، لذلك يقول لنا "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). والنظر للحية النحاسية هو رمز لمن يؤمن بالمسيح المصلوب الذي قام من الأموات ليقيم من يؤمن به من موت الخطية (1بط24:2). يرفع ابن الإنسان= أولًا على خشبة ثم صعوده. حياة أبدية= وذلك كما يقول بولس الرسول "عَالِمِينَ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ لَا يَمُوتُ أَيْضًا. لَا يَسُودُ عَلَيْهِ ٱلْمَوْتُ بَعْدُ" (رو6: 9). فهي حياة الله نفسه الذي لا يموت، الأبدي، أعطاها لنا في المعمودية. "لي الحياة هي المسيح" (في21:1) أعطاها لنا بصليبه وقيامته.

 

آية (16): "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ."

هنا المسيح يكرر لكي لا يهلك كل من يؤمن به= لكي يشرح لنيقوديموس أن الذي يعطي الحياة الأبدية ليس هو العمل بالناموس بل الإيمان. وما الذي دفع المسيح أن يتجسد ويصلب.. الإجابة هنا هي الحب. كل العالم= يهودًا وأمم. ابنه الوحيد= هذه تذكرنا بتقديم إبراهيم ابنه الوحيد محرقة. فإسحق كان رمزًا للمسيح. في آية (14) المسيح يقول عن نفسه "ابن الإنسان" وفي هذه الآية يقول "ابن الله" فهو ابن الله الذي صار ابنًا للإنسان ليفدينا. أحب الله العالم = كانت آلام إبراهيم حين قدَّم إسحق ذبيحة تساوي تمامًا آلام إسحق. فالله بهذه القصة شرح كيف أن آلام الآب كانت مساوية لآلام الابن، وأن درجة بذل الآب هي نفس درجة بذل الابن. ولم يكن الله ليبذل ابنه الوحيد إلاّ لو كان الثمن الذي سيحصل عليه مساويًا لهذا. وكان ما حصل عليه الله الآب هو بنوة الإنسان لله بفداء المسيح، وهذه هي محبة الآب، الذي فرح بعودة أبنائه إليه. المسيح هنا يعلن محبة الآب لنا. أحب حتى بذل= محبة الله قوية إلى هذه الدرجة (رو32:8) أحب = (أغابي) `agapy وهي المحبة التي تعطي دون أن تطلب شيئًا. بذل= أعطى نفسه عطاء كاملًا لكي لا يهلك بسم الحية كل من يؤمن به. الحياة الأبدية= هي حياة المسيح وهي أبدية.

 

آية (17): "لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ."

يا نيقوديموس الخلاص الذي جئت لأقدمه يختلف عن الناموس، فالناموس الذي أنت متمسك به يدينك، بل يحكم عليك بالموت. وكانت تعاليم الربيين اليهود أن المسيا حين يأتي سيبيد الأمم ويسحقها. لكن المسيح هنا يقول أن هدفه هو خلاص الأمم بل العالم كله وليس دينونة العالم (إش10:52). فالمسيح في مجيئه الأول أتى ليخلص ولكنه في مجيئه الثاني سيأتي ليدين. فالشمس التي تضيء للناس هي نفسها تميت البعض من ضربة الشمس والماء الذي يحيي الناس، هناك من يغرق فيه ويموت.

 

آية (18): "اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ."

بعد المسيح صار هناك دائرتان: *دائرة الحب و *دائرة الدينونة.

من يؤمن ويعتمد يخرج من دائرة الدينونة "من آمن وإعتمد خلص" (مر16: 16). لأنه إعتمد فهو ثبت في المسيح وصار عضوًا في جسم المسيح من لحمه ومن عظامه (أف5: 30) فصارت له حياة أبدية. أما من يدان فهو يدان لأنه خرج من *دائرة الحب ولم يثبت في المسيح لأنه إما:- 1) رفض الإيمان والمعمودية وبالتالي لم يثبت في المسيح أي لم يثبت في الحياة. أو 2) إرتد للخطية فانفصل عن المسيح رافضًا التوبة و"لا شركة للنور مع الظلمة" فانفصل عن الحياة.

*دائرة الحب = تعني محبة المسيح الذي بصليبه جمعنا كأعضاء في جسده "نحن أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أف5: 30). أصبحت الكنيسة جسده وهو رأسها. وكل من هو ثابت في جسد المسيح يخلص فالجسد لن ينفصل عن رأسه.

وهذا تفسير التناقض الظاهري بين "لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم" (يو39:9)، مع "الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم" (يو17:3). فالمسيح أتى حقًا ليخلص ويجمع كل شعبه في جسد واحد بالمحبة، فمن يؤمن يدخل لهذا الجسد ويتمتع بالحب والنور والفرح وغفران الخطايا، التي حملها في جسده فلا يدان. ومن يرفض فهو الذي حكم على نفسه أن يظل خارج الجسد رافضًا المسيح وبالتالي حكم على نفسه بالدينونة، وأن يبقى في الظلمة الخارجية. وأن يحيا بضمير معذب من الخطايا فلا غفران سوى بدم المسيح. وهذا تم التعبير عنه في قول سمعان الشيخ "ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل" (لو34:2).

يؤمن= يؤمن + يعتمد + يحيا كما يحق لإنجيل المسيح. ومن رفض المسيح تبدأ دينونته على الأرض ليس بسبب خطاياه القديمة بل لرفضه المسيح الذي يغفر خطاياه.

(ولاحظ أن يوحنا يكتب سنة 100 م. بعد خراب الهيكل بثلاثين سنة وبهذا نفهم أن سبب خراب الأمة اليهودية عدم إيمانها). ولكن يوحنا يضع أملًا ورجاءً لكل إنسان أنه حين يؤمن إيمان حي عامل بالمحبة يقبله الله (يو36:12). ويحذر من عدم الإيمان (يو 24:8). الإيمان هنا هو يناظر النظر إلى الحية النحاسية ليُشفَي الملدوغ. وأيضًا تركيز النظر على المسيح يُشفِي. كما ركز بطرس نظره على المسيح فسار فوق الأمواج.

باسم ابن لله= أي بقوة الفداء فكلمة الاسم تعني القدرة. فالذي يؤمن بأن الدم له قوة الغفران يستريح ضميره.

 

St-Takla.org         Image: Jesus talking to Nicodemus صورة: السيد المسيح يتحدث مع نيقوديموس

St-Takla.org Image: Jesus talking to Nicodemus

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يتحدث مع نيقوديموس

آية (19): "وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً."

الدينونة هي القضاء. ولا يمكن أن ينعقد إلاّ بوجود أداة التمييز بين الخطأ والصواب للحكم بالعقاب أو البراءة. والقضاء أداته الوحيدة هي النور الإلهي الذي يفرق بين أعمال الظلمة وأعمال النور. فالمسيح جاء للعالم نورًا للعالم وهو الحق الإلهي. حياة المسيح وأقواله في الكتاب المقدس هي نور ومَنْ يقبله فقد أحب النور.

حينما وُجِدَ النور كشف للعيون الطريق المؤدي للحياة والطريق المؤدي للموت. والطريق المؤدي للحياة هو طريق وصايا الكتاب وهذا يصاحبه سلام وضمير شاعرًا بالراحة، أما الطريق المؤدي للموت فتجد فيه لذات حسية لكن يصاحبه غم وتعب للضمير. ومن يختار طريق الشهوات الخاطئة قابلًا وراضيًا بعذاب ضميره فهو قد أحب الظلمة أكثر من النور. كما قال بولس الرسول عن تلميذه ديماس "ديماس تركني إذ أحب العالم الحاضر" (2تى4: 10) وهكذا يهوذا الخائن فقد ترك المسيح إذ أحب الفضة. وكل من ينحاز للنور فهذا يوضح أنه أحب النور ومن يرفضه يعلن أنه اختار الظلمة. فهل ما هو في الإنجيل من حياة المسيح وأقواله يمكن أن يسخر منه أحد إلاّ الذي أحب الظلمة (المادية والشهوانية). والنور بهذا يصير هو أداة التفريق والتمييز وهو القاضي. لأن الذين يرفضون النور ينحازون إلى رئيس هذا العالم فيقعون تحت الدينونة والرفض (يو31:12). ربما كان لنا عذر في خطايانا لو لم يأت المسيح، لكنه أتى وظهر النور، وعرفنا الحق. فكل من ينحاز للشر يُدان. والدينونة تبدأ من هنا على الأرض في الضمير المتألم، أما من يؤمن بالمسيح يكون له سلام مع الله (رو1:5). أما غير المؤمن فهو لم يحصل على الحياة الأبدية ولا الشفاء الروحي ولا الخلاص ولا السلام، هو سبب لنفسه هذه الدينونة برفضه المسيح.

أحب الناس الظلمة= أي تمسكوا بها (شهوات وضلالات فكرية..). هؤلاء فضلوا الخطية والشيطان على المسيح.فماذا يفعل هؤلاء سوى السخرية من المسيح ليسكنوا ضمائرهم. يوحنا هنا يتكلم عن الغارقين في الشر، وليس عمن يخطئ عن ضعف. فالاستغراق في الشر يؤثر على قابلية الإنسان للتوبة وقبول النور. لأن أعمالهم كانت شريرة= أعماق نفوسهم صارت مصبوغة بالشر، الشيطان أصبح يسود على ضمائرهم. الاستمرار في الأعمال الشريرة يُوَلِّدْ عادات وإرتباطات تؤثر على حرية الإنسان فلا يستطيع أن يقترب من النور. ولكننا نرى نيقوديموس الذي أتى للمسيح ليلًا. وقد نما إيمانه وأتى للمسيح في النور ساعة الصلب (يو39:19). ونسمع عن فيلسوف فرنسي ظل في حالة عداء للمسيح حتى لحظة موته فقال (أخيرًا انتصرت أيها الناصري المصلوب). جاء المسيح نورًا للعالم ليضع حدًا فاصلًا بين النور والظلمة، وكل واحد بحريته عليه أن يختار وهذا ما قاله موسى للشعب قبل دخول كنعان "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْمَوْتَ. ٱلْبَرَكَةَ وَٱللَّعْنَةَ. فَٱخْتَرِ ٱلْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تث30: 19).

 

آية (20): "لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ."

السيئات= هنا هي الأعمال البطالة الحقيرة (العادات الخاطئة والأفعال الخاطئة أي السلوك الأخلاقي) هذه تؤثر على الضمير فيبغض النور. وهذه خطورتها في أنها تجعل الإنسان يهرب من النور ويبغض الدعوة إليه خشية أن توبخ أعماله من أحبائه أو أصدقائه المخلصين إليه (رؤ19:3+ أف12:5-14). هذا مثل العين المريضة تبغض النور وتهرب منه.

 

آية (21): "وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ»."

يفعل الحق= أي يمارسه، فالحق فعل وليس مجرد كلام، بل هو حياة ومن يحيا في الحق يحيا في النور. ومن له فكر روحي وبصيرة مفتوحة يرى الحق فينفذه. وعرض أعمال البر خطر أو الكلام عنها أمام الناس فهذا يؤدي للوقوع في خطية البر الذاتي والإعتداد بالنفس. ونلاحظ أن المسيح يقول هنا عن الأعمال الصالحة أنها بالله معمولة= فالله هو صاحب العمل الصالح حقيقة. هو الذي يعطي قوة لهذا العمل والهدف تمجيد اسم الله. ومن يفهم هذا لن يقع في البر الذاتي، بل لن يتكلم عن نفسه (1كو7:4+ يع17:1). بل "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في13:4). يفعل الحق= أي غير منغمس في الشهوات. مثل هذا حين ظهر المسيح آمن به= يقبل إلى النور. هذا مثل من تابوا على يد المعمدان اكتشفوا المسيح. وقيل عن غاندي رجل المبادئ أنه قال (كيف ينام المسيحيين ولهم إله صنع لهم كل هذا) وقيل عن طاغور شاعر الهند أنه قال (أحب المسيح) فمن يعمل الحق ويحبه يكتشف المسيح بسهولة. فغاندي وطاغور رجلي المبادئ سهل عليهم اكتشاف شخص المسيح فأحبوه. مثال آخر: نيقوديموس أحب النور فاقترب من المسيح ليلًا ثم بدأ يحبه ويكتشف شخص المسيح وينمو إيمانه يومًا فيومًا إلى أن أعلن صراحة علاقته بالمسيح بعد صلبه.

 

الآيات (22-36): (المعمدان يكمل شهادته)

"وَبَعْدَ هذَا جَاءَ يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى أَرْضِ الْيَهُودِيَّةِ، وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَكَانَ يُعَمِّدُ. وَكَانَ يُوحَنَّا أَيْضًا يُعَمِّدُ فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ، لأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانُوا يَأْتُونَ وَيَعْتَمِدُونَ. لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوحَنَّا قَدْ أُلْقِيَ بَعْدُ فِي السِّجْنِ. وَحَدَثَتْ مُبَاحَثَةٌ مِنْ تَلاَمِيذِ يُوحَنَّا مَعَ يَهُودٍ مِنْ جِهَةِ التَّطْهِيرِ. فَجَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ، هُوَ يُعَمِّدُ، وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ» أجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: «لاَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ السَّمَاءِ. أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا. وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ، لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ. اَلآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ»."

(آية 22): كان حديث المسيح مع نيقوديموس في أورشليم. وأتى المسيح بعد ذلك مع تلاميذه إلى أرض اليهودية= أي ريف وأرض خلاء باليهودية شرق جبال أورشليم على ضفاف نهر الأردن حيث مكث المسيح مدَّة مع تلاميذه. وكان يُعَمِّدْ (مر4:1). وأيضًا في هذه الآية نراه يُعَمِّدْ. بينما في (يو1:4-3) نجد أن المسيح لم يكن يعمد بل تلاميذه!! وأن المسيح كان يكرز بالتوبة. والقديس أغسطينوس يقول إن المسيح عمَّد تلاميذه أولًا ثم كلفهم بأن يعمدوا الناس، بدليل قوله لبطرس عندما أراد المسيح أن يغسل قدميّ بطرس، ورفض بطرس أن يغسل الرب قدميه، فقال له الرب "ٱلَّذِي قَدِ ٱغْتَسَلَ (يقصد الرب أنه إعتمد من قبل) لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَّا إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ" (يو13: 10). واكتفى المسيح بالتعليم .

"وَبَعْدَمَا أُسْلِمَ يُوحَنَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى ٱلْجَلِيلِ يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ ٱللهِ، وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ ٱلزَّمَانُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِٱلْإِنْجِيلِ" (مر15:1). ويكمل أغسطينوس وذهبي الفم أن معمودية التلاميذ في ذلك الحين لم تكن معمودية سرائرية حسب ما يُصنع الآن فالروح القدس لم يكن قد حلَّ عليهم بعد.

نجد أن المسيح إهتم بالتعليم وترك المعموديات لتلاميذه، ونرى أن هذا كان منهج القديس بولس الرسول "أَشْكُرُ ٱللهَ أَنِّي لَمْ أُعَمِّدْ أَحَدًا مِنْكُمْ إِلَّا كِرِيسْبُسَ وَغَايُسَ، حَتَّى لَا يَقُولَ أَحَدٌ إِنِّي عَمَّدْتُ بِٱسْمِي. وَعَمَّدْتُ أَيْضًا بَيْتَ ٱسْتِفَانُوسَ. عَدَا ذَلِكَ لَسْتُ أَعْلَمُ هَلْ عَمَّدْتُ أَحَدًا آخَرَ، لِأَنَّ ٱلْمَسِيحَ لَمْ يُرْسِلْنِي لِأُعَمِّدَ بَلْ لِأُبَشِّرَ، لَا بِحِكْمَةِ كَلَامٍ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ صَلِيبُ ٱلْمَسِيحِ" (1كو1: 14-17). (راجع التفسير في مكانه).

وهناك ثلاث معموديات قد مورِسَت:

 أ- معمودية يوحنا: كانت اغتسالًا للجسد كله بالماء. وكان هذا عند اليهود يعني التطهير "انضح عليَّ بزوفاك فأطهر. اغسلني فأبيض.." + (حز25:36+ لا16:15+4:16). وكان هناك في خيمة الاجتماع مرحضة للاغتسال. وكان يوحنا يعمدهم إعلانًا وعلامة على توبتهم ورمزًا لنعمة الخلاص الآتي (مت11:3).

 ب- معمودية التلاميذ للجموع قبل حلول الروح القدس على التلاميذ. هذه في شكلها شبيهة بمعمودية يوحنا وكانت للتطهير وينقصها حلول الروح القدس.

 وكلا المعموديتين (أ، ب) هدفهما التوبة، والمعمودية رمز وإعلان لذلك. وهدف ذلك أن التائب تنفتح عيناه فيعرف المسيح.

ج-  أما المسيح نفسه فقد عمد تلاميذه معمودية حقيقية ولذلك عند غسله لقدمي بطرس قال له الذي اغتسل ليس له حاجة إلا لغسل رجليه بل هو طاهر كله. إذًا معمودية المسيح لهم كانت حقيقية ولكن فعلها مؤجلًا لحين حلول الروح القدس عليهم. هذا يشبه شيك حصلت عليه ولكن مكتوب على ظهره يصرف يوم كذا، فأنا حصلت على حقي لكن لن أحصل على المال إلاّ في اليوم المحدد. والتلاميذ حين عمدهم المسيح حصلوا على حقهم في مفاعيل المعمودية، لكن هذا تم يوم حلول الروح القدس.

 المعمودية الثالثة هي ما يصنع الآن في الكنيسة ومارسه التلاميذ بعد حلول الروح القدس عليهم. وهي معمودية للتطهير وكاملة الفعل وتتم بالروح القدس (راجع أع5:19).

ولإيضاح الفارق بين المعموديات الثلاث نسوق المثل التالي: (وهو للمتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف المتنيح):-

دخل إنسان إلى بيت فوجد 3 آلات تليفونية.

 الآلة الأولى لها شكل التليفون ولكنها لعبة أطفال (المعمودية الأولى ليوحنا).

 الآلة الثانية هي تليفون حقيقي ولكن لم تصل له حرارة (معمودية المسيح للتلاميذ قبل حلول الروح القدس).

 الآلة الثالثة هي تليفون حقيقي به حرارة (هي المعمودية الحالية).

إذًا قوله وكان يُعمِّد:- أنه هو عمد تلاميذه، وتلاميذه عمدوا الجموع، مثلما صنع هو معجزة الخمس خبزات وأعطى لتلاميذه ليوزعوا.

وهذه الآية هنا هي مقدمة للحديث عن حديث المعمدان الأخير لتكميل شهادته عن المسيح. وبعد هذا= في الزمان أو بعد أن انتقلوا إلى مكان آخر.

 

(آية 23): مياه كثيرة= فالمعمودية تتم بالتغطيس ولذلك تحتاج لمياه كثيرة. ونرى هنا المعمدان ما زال يمارس وظيفته في الإعداد بالتوبة لملكوت الله كسابق للمسيح. وربما ترك المعمدان مكانه الذي كان يعمد فيه أولًا ليبعد عن هيرودس أنتيباس بسبب العداوة التي نشأت بسبب هجومه عليه وتوبيخه علنًا. عين نون= غرب نهر الأردن في البراري الواقعة على ضفافه على الحدود بين اليهودية والسامرة. ولكن بدأ العدد الذي يذهب للمعمدان يتناقص، إذ بدأ كثيرون يذهبون للمسيح (آية 26) لذلك قال المعمدان ينبغي أن هذا يزيد وأنا أنقص (يو 30:3).

 

(آية 24): في (مر14:1-15) نرى أن المسيح بدا خدمته في الجليل بعد أن أُسْلِمْ يوحنا. ومن هذه الآية نرى أن المسيح بدأ خدمته قبل أن يُسْلَمْ المعمدان. وقد بدأ المسيح خدمته أولًا في اليهودية.

 

(الآيات 25-26): وجود المسيح يعمد مع وجود يوحنا أنشأ نوعًا من المنافسة والمباحثات بين تلاميذ المعمدان واليهود المعمدين أو بين تلاميذ المسيح. فالمسيح يعلم أن الخلاص يكون بالميلاد من فوق بواسطة الروح القدس لنكون خليقة جديدة. والمعمدان يعلم أن المعمودية هي توبة فقط، وحين احتدمت المناقشة أتى تلاميذ المعمدان له ليسألوه، فهم تصوروا أن المعمدان هو المسيا ومعموديته هي الخلاص، وهكذا كانوا يشرحون لليهود. وفي هذا نرى أن تلاميذ المعمدان لم يفهموا شهادة معلمهم بأن الذي يأتي بعده هو أقوى منه. هوذا الذي كان معك= هذه تشير لأنهم يفهمون أن هناك تساوي بين المسيح ويوحنا. بل هم يقولون للمعمدان يا معلم. وفي استخفاف لا يذكرون اسم المسيح. الذي أنت قد شهدت له= بهذا كان تلاميذ يوحنا يريدون أن يثيروه ضد المسيح ولكنه لم يستجب لهم. فهم يذكرونه بأنه صنع معه إحسانًا إذ شهد له وربما تصوروا أنه كأحد تلاميذه أي مساو لهم في تلمذته للمعمدان. ومعنى كلامهم أن المسيح بدأ يظهر كمنافس للمعمدان، أو كمتعدٍ على وظيفة معلمهم. وتلاميذ يوحنا المعمدان الذين لم يتبعوا المسيح كونوا جماعة تشيعت له وظنت أنه المسيح وظلوا لقرون طويلة يقاومون المسيحية. وللآن يظن بعض الخدام أن خادمًا آخر صار منافسًا له. هذا يطلب مجده هو لا مجد المسيح. الجميع يأتون إليه= بالعامية هذه تساوي "إنت راحت عليك". هو يعمد= أخذ عملك.

 

(آية 27): يضع المعمدان هنا مبادئ هامة. فيقرر أن كل معلم لا يأخذ إلاّ ما أعطته له السماء. وعلى كل واحد أن يؤدي رسالته في حدودها المعينة له من السماء. وهذا الرد ينهي روح المنافسة بينه وبين المسيح في نظر تلاميذه، بل أنه هو فرح إذ أن الناس بدأت تتبع المسيح. لا يأخذ أحد شيئًا..= هذا مبدأ عام (سواء لي أو للمسيح).

 

(آية 28): المعمدان يذكرهم بأقواله السابقة وشهادته السابقة عن المسيح للفريسيين (يو19:1-28). ومن المؤكد هو قال هذا لتلاميذه.

 

(آية 29): تصوير المسيح أنه العريس، هذا جاء في الأنبياء (هو19:2-21+ إش1:54-10). والمعمدان كنبي تنبأ عن المسيح بفرح إذ أن نبوته قد تحققت ورأى تحقيقها بعينيه. وعند اليهود كان صديق العريس يعد كل شيء للعريس وللفرح، وحينما ينتهي الفرح بنجاح وبدون مشاكل يفرح الصديق إذ أن مهمته قد نجحت (راجع عُرْس قانا الجليل (يو 2) فكان رئيس المتكأ هو صديق العريس). وكان هذا عمل المعمدان، إعداد الناس كعروس للمسيح العريس الحقيقي. أما لو أخذ صديق العريس العروس لصار مغتصبًا.

 

(آية 30): انتهى دور الأنبياء بظهور الذين تنبأوا عنه، فإذا ظهرت الشمس (المسيح) ينتهي عمل المصابيح (المعمدان). لقد برهن المعمدان أنه بروحانيته هو أعظم من الإثارة. وعليَّ أن أقول ينبغي أن يتمجد المسيح ويزداد وأن ذاتي تنقص. ويزداد المسيح فيًّ وأنقص أنا واتضع.

 

(آية 31): المعمدان هو قائل هذا الكلام وحتى نهاية الإصحاح. حسب رأي الآباء ومنهم ذهبي الفم وأغسطينوس. الذي من فوق= فهو رأى الروح نازلًا ومستقرًا عليه، وهو شهد أنه ابن الله، فهو يعلم من أين أتى المسيح، وبالتالي فهو فوق الجميع علمًا وتأثيرًا وكرامة ومجدًا. الذي من الأرض= هنا المعمدان يقارن نفسه بالمسيح.

 

(آية 32): وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا.

هنا المعمدان يتكلم بالروح عن المسيح وشهادة المسيح لنفسه ولرسالته. ولأن رسالة المسيح سماوية لم يفهمها كثير من الناس ولم يقبلوها. هذه نبوة عن رفض اليهود للمسيح. ورسالة المسيح سماوية فهو يشهد بما رآه وسمعه (قارن مع يو 11:3).

وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا = لقد رفض الكهنة ورؤساء الكهنة والفريسيين … المسيح. وحقًا ما قيل عنه "مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لَا صُورَةَ لَهُ وَلَا جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلَا مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ" (إش53: 1-3).

رآه وسمعه= تعبير بشري عن تطابق فكر الآب والابن فهو غير منفصل عن الآب، الابن هو الحق ذاته. فليس أحد يعرف فكر الآب إلا الابن والروح القدس. والابن والروح القدس يحولان فكر الآب إلى أعمال، فهم أقنومي التنفيذ. وقوله رآه تعبيرًا عن الأعمال التي يعملها المسيح. وقوله سمعه هذه تعبيرًا عن الأقوال التي يتكلم بها (راجع المقدمة). وعجيب أن يستعمل يوحنا المعمدان نفس تصوير المسيح ليشرح أن هناك تطابق بين فكر الآب وفكر الابن: بأن المسيح يعمل ما يراه عند الآب، ويشهد ويقول ما سمعه عند الآب (يو5: 19 ، 20 ، 30 + يو16: 13 + 1كو2: 10 ، 11). هذا يدل على إمتلاء هذا النبي من الروح القدس لذلك هو أعظم مواليد النساء.

 

(آية 33): وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ،

جرت العادة عند اليهود أن الشاهد يضع ختمه تصديقًا على الشهادة التي نطق بها.

والمسيح جاء ليشهد للآب *وليعلن لنا الآب، ويعلن لنا محبة الآب للبشر وإرادته من نحو البشر. والله وعد بأنبيائه ونبوات العهد القديم ورموزه، أنه سيرسل المسيح المخلص ليعطينا الخلاص ويقيمنا من الموت. بل حينما يقيم المسيح موتى فهو يعلن إرادة الآب في أن يحيا الإنسان ولا يموت. وحينما يفتح أعين عميان فهو يعلن أن الآب يريد لنا العين المفتوحة التي ترى مجده ... وهكذا. فمن قبل شهادة المسيح وصَدَقَّهُ فكأنه ختم على أن شهادة المسيح عن الآب هي حق، وأن الله كان صادقًا وأمينًا في كل وعوده في أنه سيرسل المسيح، ويتمم الفداء ويخلص البشر، ويعيد الحياة للبشر الذين ماتوا بسبب الخطية = خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ.

والآية تعني أن الذي يقبل المسيح يجد فيه ختمًا لكل نبوات الأنبياء والمواعيد التي قالها الله على فم أنبيائه، والتي كانت تشهد بالخلاص الآتي. وأن الله كان صادقا وأمينا في كل ما قيل عن المسيح. وأن كل الرموز التي كانت عن المسيح تحققت في المسيح.

*وليعلن لنا الآب = الله بلاهوته لا يمكن للإنسان أن يراه ويعيش (خر33: 20). لذلك كان هذا وعد الآب أنه سيرسل المسيح (تث18: 15-19) ليشهد لله. فهو صورة الآب. ومن يراه فقد رأى الآب. لذلك لما أتى المسيح خَبَرَّنا عن الآب "ٱللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلْآبِ هُوَ خَبَّر" (يو1: 18). بل أن المسيح هو صورة الآب، فمن قَبِلَ المسيح فهو من كان يعرف الآب حقًا. فهو صورة الله غير المنظور (كو1: 15)، وهو رسم جوهره (عب1: 3). لذلك قال الرب يسوع لليهود "لستم تعرفونني أنا ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا" (يو8: 19). فمن عاش في العهد القديم مطيعًا لوصية الله وفي اتضاع وبساطة مثل تلاميذ المسيح الصيادين البسطاء غير المنتفخين، نجد هؤلاء بطاعتهم للوصية أخذوا فكرة واضحة عن الله (راجع تفسير مت7: 24-27). ومن عرف الله حقيقة عرف المسيح. والعكس صحيح فمن يعرف المسيح الآن سيعرف الآب. فالمسيح هو صورة الآب. لذلك يقول الرب لفيلبس "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9).

ومَنْ عرف المسيح ورآه في بره سيعرف الآب وأنه بار = صادق في كل ما وعد به فكلمة بار تعني صادق. ولاحظ أن المسيح يدعو الآب بقوله "أيها الآب البار" (يو17: 25).

ويصبح معنى الآية:

1. مَنْ رأى المسيح وسمع تعاليمه ورأى أعماله، ثم أدرك معنى فدائه، عرف أن الله كان أمينا في كل ما وعد به من إرسال ابنه ليقدم الفداء للبشر.

2. مَنْ عرف المسيح حقيقة عرف أن فيه تحقيقا للنبوات والرموز التي في الكتاب المقدس.

3. مَنْ رأى المسيح في بره وفهم أن المسيح أتى ليشهد للآب، وفهم أن المسيح صورة الآب، أدرك أن الآب بار = صادق، في العبرية كلمتيّ عادل وبار هما كلمة واحدة. قال أن عقوبة الخطية هي الموت، وفعلا مات آدم ونسله، وهو بار وعد بأن يُرسل فادي للبشر ونفذ وعده في المسيح على الصليب.

4. ومَنْ فهم كل هذا فكأنه ختم على أمانة وصدق الله = خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ.

 

(آية 34): الله أرسل المسيح الذي تعترضون أنتم عليه، محملًا بآيات وكلام الحياة، كلام الله نفسه. وكان هذا وعد الله "أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ" (تث18: 18). والله كان يعطي الأنبياء الروح بمقياس ومكيال أي بقدر معين. وعلى قدر ما يحتمل كل نبي وبقدر ما يحتمل السامعين، أما للمسيح فبلا كيل وبلا مقياس فهو له ملء الروح، ونحن نأخذ من ملئه (يو16:1). والناس تذهب إلى المسيح لأن كلامه هو كلام الله. وكلام المسيح هو روح وحياة (يو6: 63). ولا أحد يستطيع أن يتكلم في الإلهيات إلاّ بالروح القدس. نسمع أن المسيح بعدما غلب الشيطان في التجربة على الجبل "رَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ" (لو4: 14). هو كان مملوءًا من الروح بعد أن حلًّ عليه الروح القدس على هيئة حمامة (لو4: 1). وقال عنه القديس يوحنا الإنجيلي أنه كان مملوءًا نعمة وحقًا (يو1: 14). الروح القدس ملأ الإنسانية التي في المسيح من كل قوة. هنا يقارن المعمدان بينه وبين المسيح. فالمعمدان كان له قوة في تعليمه ودعوته كنبي، أما المسيح المملوء وبلا كيل فكان له قوة أعظم. وبنفس الفكر قال المعمدان أن معمودية المسيح ستكون بالروح القدس ونار، بينما أن معموديته هو التي يمارسها مع تلاميذه هي بالماء فقط. وأن المسيح من السماء بينما هو من الأرض (آية 31).

لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ = البعض يطبق خطأً هذه الآية على البشر أو على الخدام، وهذا خطأ، بدليل أن القديس بولس الرسول يطلب من الجميع قائلا "إمتلئوا بالروح" (أف5: 18). فالله يعطي البشر بقدر معين وبجهادهم يحصلون على الأكثر ويزدادون في النعمة ويمتلئون بجهادهم يوما بعد يوم. ولاحظ أن الروح حلَّ على التلاميذ على هيئة ألسنة نار منقسمة، كلٌ بحسب احتماله وبحسب الخدمة المطلوبة منه. أما على المسيح فلقد حلَّ عليه الروح القدس على هيئة حمامة كاملة وليس شيئًا منقسمًا.

 

العلاقة بين الابن والروح القدس

تقدمة الدقيق

"وَإِذَا قَرَّبْتَ قُرْبَانَ تَقْدِمَةٍ مَخْبُوزَةٍ فِي تَنُّورٍ، تَكُونُ أَقْرَاصًا مِنْ دَقِيقٍ، فَطِيرًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقًا فَطِيرًا مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ" (لا2: 4).

تقدمة الدقيق أخذت أشكالًا متعددة لتشير للمسيح خبز الحياة الذي أعطانا نفسه خبزًا حيًا من يأكله يحيا إلى الأبد بحياة المسيح. وهذه الصورة المشروحة هنا تشير للعلاقة بين الابن والروح القدس. ولاحظ أن الدقيق يرمز للمسيح. فلون الدقيق الأبيض يشير إلى طهارته وبره ونقاوته وأنه انسحق بالأحزان كما يُطحن القمح (إش53: 10). والزيت يشير للروح القدس. وبهذا يكون:-

فَطِيرًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ = يشير للإتحاد الأقنومي بين الابن والروح القدس = هذا من الناحية اللاهوتية. وهو إتحاد لا ينفصم، فالآب والابن والروح القدس إله واحد.

وَرِقَاقًا فَطِيرًا مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ = يشير لمسح جسد المسيح الإنساني بالروح القدس يوم المعمودية من يوحنا المعمدان. لذلك يُسَمَّى المسيح من المسح أو الدَهْنْ. وكان الذين يُمسحون بالدهن المقدس هم رؤساء الكهنة والملوك والأنبياء. وهذا ليقومون بالعمل المخصص لهم من قبل الله. لذلك قال المسيح عن نفسه "هذا الذي قَدَسَّهُ الله الآب" (يو10: 36) والتقديس يعني التخصيص. أما المسيح فلا يُمسح بيد إنسان بل يُرسِل الآب الروح القدس ليمسحه ويقدسه أي يخصصه ليكون ملكًا يملك على كنيسته، ورئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه، ونبيًا. والروح القدس الذي حلَّ على جسد المسيح ملأ الإنسانية التي فيه، ولما غلب الشيطان ملأ الروح القدس الإنسانية التي في المسيح قوة.

فما معنى هذا؟ كان هذا لحسابنا. فمن يقبل أن يرتبط بالمسيح بنير الوصية يجد القوة التي إمتلأ بها المسيح تسانده. وهذا من بركات سر التجسد إذ إتحد جسد المسيح بجسدنا. وهذا ما عَلَّم به القديس بولس الرسول "وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ ٱلْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ. ٱلَّذِي عَمِلَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ" (أف1: 19-20). والمعنى أن نفس القوة التي أقامت المسيح هي متجهة نحونا لتقيمنا من موت الخطية، ثم لتقيمنا من الموت بأجسا ممجدة في نهاية الأيام.

 

(آية 35): اَلآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ.

المعمدان كان هو أول من أعلن حقيقة أن المسيح هو ابن الله (يو34:1) بعد ما رآه يوم المعمودية.

دفع كل شيء في يده= هذه لا تُفْهَم أن الابن لم يكن له شيء في يديه ثم أعطاه الآب كل شيء. ولكن لكي نفهم المعنى ضع بجانب هذه الآية قول الرب "وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي" (يو17: 10). وأيضا راجع تفسير (يو5: 26). فنفهم أن الابن مولود من الآب هكذا، بهذا السلطان وبهذا التساوي مع الآب.

إذًا سلطان الآب = سلطان الابن.

الآب يحب الإبن= "هذا هو ابني الحبيب" هذا ما سمعه يوحنا المعمدان. والحب هو لغة الثالوث فالله محبة (1يو4: 16). والإبن هو المحبوب (أف1: 6)، الآب ينبوع محبة وهذه المحبة تصب في الابن بالروح القدس، وحينما إتحدنا بالابن صارت هذه المحبة تنسكب فينا بالروح القدس (رو5: 5) إذًا قوله الآب يحب الابن = تعني الوحدة بين الآب والإبن، وتعني أن الآب في الابن والابن في الآب. وهذا سر آخر كشف للمعمدان.

"ٱللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي ٱللهِ وَٱللهُ فِيهِ" (1يو4: 16). كيف نثبت في الله؟ يكون هذا بأن نمتلئ محبة، وذلك لأن الله محبة (يو15: 9).

طبيعة الله هي المحبة، الآب يحب الابن (يو5: 20). والابن يحب الآب (يو14: 31). لذلك الآب واحد مع الابن بالمحبة. محبة تتحد بمحبة.

 

(آية 36): الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ»."

هذه تتطابق مع شهادة موسى عن المسيا النبي المنتظر (تث19:18+ أع22:3-23). ونلاحظ أن شهادة المعمدان هنا تتطابق مع ما قاله المسيح لنيقوديموس. فالروح هو الذي أوحى للمعمدان بما قاله، والمسيح أشاد بشهادة المعمدان عنه (يو33:5-36). لن يرى حياة= *حياة أبدية طبعًا، وهي حياة المسيح المقام من الأموات.

يمكث عليه غضب الله= يخيم عليه غضب الله، أي يقاسي من غضب الله. فلماذا يمكث عليه غضب الله؟ لأنه يستمر في خطيته، فلا غفران للخطية سوى بدم المسيح.

وهذه الآية تشير لأن من يحجب الله وجهه عنه بسبب عدم إيمانه بالمسيح يصير بلا بركة. هذه الآية في هذا الإصحاح تشير لطريق الخلاص [1] الصليب [2] الإيمان [3] المعمودية. المعمودية هنا تعني المفهوم الصحيح للمعمودية أنها موت مع المسيح، مع قرار حر بحياة الإماتة أي موت عن الخطية (رو6: 11) وقيامة مع المسيح.

*حياة أبدية طبعًا = نحن نحصل على الحياة الأبدية بالمعمودية التي بها نتحد بالمسيح. وهنا على الأرض من له الحياة الأبدية فهو يتذوق فيها عربون ما سنراه في الأبدية من فرح وسلام .. وما نحصل عليه هنا هو مجرد عربون ما سنحصل عليه هناك. أما من قيل عنهم لن يرى حياة فهؤلاء لا يتذوقون هذا العربون.

الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ = من يؤمن بالمسيح يؤمن وينفذ وصاياه، والمسيح أوصى تلاميذه أن يذهبوا ويعمدوا "فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ" (مت28: 19). ويقول القديس مرقس "من آمن واعتمد خلص" (مر16: 16). الإيمان بالمسيح هو خطوة أولى، لكن لا بد من المعمودية (كما عمل التلاميذ يوم الخمسين، وعمل بولس الرسول مع عائلة سجان فيلبي، وفيلبس مع الخصي الحبشي وبطرس مع كرنيليوس. فبالمعمودية نتحد بالمسيح، والمسيح هو الحياة الأبدية (يو11: 25) فمن يتحد به يحيا أبديًا.

وفي آية (يو 3:4) نجد المسيح يذهب للجليل ليبعد تلاميذه عن هذه المباحثات مع تلاميذ المعمدان وليبعدهم عن روح المنافسة. ولاحظ فهناك مجالات كثيرة للخدمة. ويوحنا المعمدان استمر يعمد حتى لا يثار تلاميذه من المسيح. وأيضًا فكل من يقدم توبة حقيقية من تلاميذه ستنفتح عينه ويعرف المسيح فيتبعه. وهذا كان عمل ودور المعمدان. لذلك ظل المعمدان يعمد ويشهد لعظمة المسيح ليحول تلاميذه للمسيح. بل وهو في السجن أرسل تلاميذه للمسيح ليحولهم إليه إذ يروا معجزاته ويسمعوا تعاليمه فيؤمنوا به (مت11: 2-6).

بهذه الكلمات والتعاليم كان يوحنا المعمدان يحول تلاميذه للمسيح لتكون لهم حياة أبدية.

فالإيمان بالمسيح هو فقط طريق الحياة الأبدية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/04-Enjeel-Youhanna/Tafseer-Engeel-Yohanna__01-Chapter-03.html

تقصير الرابط:
tak.la/twqgaf6