محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
انظر أيضًا: تفسير متى 3
ميلاد المسيح الأزلي من الآب (يو1:1-18)
يوحنا 1: 11-18 في قسم ميلاد المسيح
(يو19:1-37).
آية (19): "وَهذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا، حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ: «مَنْ أَنْتَ؟»"
وهذه هي شهادة يوحنا= ركز الإنجيلي يوحنا على شهادة المعمدان للمسيح لأن المعمدان رأى الروح القدس يستقر عليه وسمع صوت الآب شاهدًا للمسيح أنه ابنه الحبيب. ولأن يوحنا الإنجيلي كان يتكلم عن لاهوت المسيح فهو اهتم بأن يكون هناك شهود، لأن المسيح لم يكشف لاهوته بصورة علنية. والمسيح أشار لشهادة المعمدان عنه (يو32:5-33). اليهود= هم رؤساء اليهود أي السنهدريم (وكانت هذه مهمة السنهدريم بحسب الناموس أن يتحققوا من أي إنسان يدّعي النبوة (تث1:13-2) ويحققوا معه. وهؤلاء إذ وجدوا أفواجًا من البشر بالآلاف تذهب للمعمدان، تعترف وتتوب عن خطاياهم وتعتمد، وسمعوا أنه يوبخ بعنف، وبالذات كان اهتمام السنهدريم بأنه وبخ الفريسيين وهم أئمة الأمة علمًا وتعليمًا، والصدوقيين وهم طبقة الكهنوت شكلوا لجنة من الكهنة واللاويين لتقصي الحقائق ودراسة الأمر رسميًا. وهم أرسلوا كهنة ولاويين لأن يوحنا يقوم بعمل طقسي فيه تعميد واعتراف بالخطايا، وأعمال التطهير هي عمل الكهنة واللاويين، ويوحنا كان كاهنًا فهو ابن كاهن ولكن طريقة يوحنا في التعميد في الأردن كانت جديدة عليهم. فهم كانوا يعمدون الأمم الداخلين لليهودية لكن كون يوحنا يعمد يهودًا بل وفريسيين (المعتبرين أنقياء وبلا لوم) فهذا كان غريبًا وغير مقبول بالنسبة لهم. ولاحظ أن النبوة متوقفة من 400سنة. وكانت أسئلة لجنة السنهدريم ليوحنا.. هل أنت المسيا؟! فاليهود كانوا يقدرون ويحترمون يوحنا المعمدان فهو ابن كاهن عظيم وله هيئة الأنبياء في إعراضه عن الدنيا وفي ملبسه. ومن أعجابهم به ظنوه المسيح. وهو كان شخصية جبارة قال عنها السيد المسيح "ماذا خرجتم لتنظروا. هل قصبة تحركها الريح" ولكنه كان متواضعًا جدًا. اليهود= يعني بهم يوحنا الشعب المعارض والمقاوم للمسيح.
ملحوظة:- القديس يوحنا الإنجيلي كان يقول لفظ اليهود على كل من هم في تضاد مع المسيح من فريسيين وكهنة ...إلخ. وأعيادهم يقول عنها عيد لليهود (ولكنه في بعض الأحيان كان يذكر اسم العيد لو كان هناك معنى لذلك يقصده.
آية (20): "فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَأَقَرَّ: «إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ»."
نَفَى يوحنا أنه المسيح، وكان نفيه قاطعًا إذ أن كثيرون ظنوا أنه المسيح (لو15:3). اعترف ولم ينكر وأقر= كل هذا التأكيد لأن جماعة من تلاميذ يوحنا ظلت تؤمن بالمعمدان وترفض المسيح.
وهذه الجماعة الذين ظنوا أن المعمدان هو المسيح، هؤلاء رفضوا المسيح وتحزبوا للمعمدان وكانوا يثيرونه ضد المسيح (يو3: 25-28). ولم تكن هذه الجماعة قليلة، بل كانوا كثيرين وكونوا جماعة قوية. لذلك نجد تأكيد يوحنا المعمدان الثلاثي هنا أنه ليس هو المسيح فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ ، وأقر.
وما زالت هذه الجماعة أو الطائفة موجودة حتى الآن ولها اسم الصابئة المندائيون Sabaeanism/Mandaeism: Mandaeanism. هؤلاء يعتبرون يوحنا المعمدان نبيهم، وأهم عقائدهم هي المعمودية.
ولقد تابعت عقائد هذه الجماعة على النت فوجدت أحدهم قد تعمد 160 مرة. ومعموديتهم هي بالتغطيس الكامل.
رأينا فاعلية المعمودية:-
1. بها نولد ولادة جديدة من الماء والروح وبهذا نقدر أن ندخل ملكوت الله كما يقول الرب يسوع (يو3: 5).
2. يقول يوحنا المعمدان أن الرب يسوع سيعمدنا بالروح القدس ونار (مت3: 11) والسيد الرب يقول أن المعمودية بالماء والروح. ومن هذا نفهم أن ماء المعمودية له فاعلية النار التي بها تحرق خطايانا وبهذا تغفر خطايانا. وهذا ما تنبأ به إشعياء النبي "كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيم. إِذَا غَسَلَ ٱلسَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ ٱلْقَضَاءِ وَبِرُوحِ ٱلْإِحْرَاقِ" (إش4: 3-4).
3. بها نتحد بالمسيح فتكون لنا حياة المسيح فنسلك في البر (نتبرر) (رو6: 3-9). أي تكون أعضائنا آلات بر، تستخدمها حياة المسيح التي فينا. وهذا ما قال عنه بولس الرسول بر الله في المسيح "لِأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللهِ فِيهِ" (2كو5: 21). أي أن أعمال البر التي نعملها ليست من أنفسنا (هذا خطأ اليهود الذي نقول عنه البر الذاتي) بل أعمال برنا سببها أن الله أعطانا أن نكون في المسيح. وبحياة المسيح فينا نسلك في البر. وكان هذا قصد الرب حين قال ليوحنا المعمدان "ٱسْمَحِ ٱلْآنَ، لِأَنَّهُ هَكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ" (مت3: 15).
4. بإتحادنا مع المسيح نصير أبناء لله.
وهذا سبب فرح الآب يوم معمودية المسيح وقوله "هذا هو ابني الحبيب الذي به
سُررت". فرحة الآب كانت بسبب رجوعنا كأبناء له في المسيح.
رأينا بذلك أهمية المعمودية ولذلك نجد الشيطان يجاهد ليخدع الناس ويبعدهم
عنها، وبهذا يفصلهم عن المسيح. وطرق الخداع من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب:-
1. الطوائف البروتستانتية لا تعترف بأن المعمودية لها أي فاعلية بل هي مجرد علامة. وتسألهم علامة لمن ولا تجد إجابة.
2. أما هذه الطائفة المندائية نجد أن المعمودية تحولت معهم إلى لعبة مسلية كما رأينا هذا الذي يقول أن المعمودية هامة لنا جدًا فقبل أي قرار أو شيء هام في حياتنا نذهب لنعتمد، وهو قد تعمد 160 مرة.
ولاحظ أن خداع الشياطين فيه كثيرٌ من إعمال العقل وقليلٌ من الإيمان فتجدهم يقولون:-
1. وما لزوم الماء فالروح القدس يكفي للمعمودية، والرد.. المسيح هو الذي قال من الماء والروح، والمسيح نفسه إعتمد بالماء.
2. وهل يعقل أن نقدم جسد المسيح ودمه على المذبح لنأكلهما. والرد ..... المسيح هو من قال هذا.
لذلك نصلي التحليل الأول في صلوات الكنيسة ونقول "إبعد يا رب عنا الشيطان ومعقولاته الشريرة المقاومة لنا.
آية (21): "فَسَأَلُوهُ: «إِذًا مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟» فَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا». «أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟» فَأَجَابَ: «لاَ»."
إيليا أنت= هم يعلمون بحسب نبوة ملاخي أن إيليا يسبق مجيء المسيح. والمعمدان أخذ روح وقوة إيليا وكان هو السابق للمسيح في مجيئه الأول. وإيليا سيكون السابق في مجيئه الثاني. وحينما ظهر إيليا مع المسيح يوم التجلي تصور التلاميذ أن إيليا سيبقى حتى يظهر المسيح في قوته وملكه (مت10:17) فلما اختفى إيليا تحيَّر التلاميذ وسألوا المسيح "أليس ينبغي أن يأتي إيليا أولًا" والمسيح لم يكن يريد في هذا الوقت أن يشير لأن هناك مجيء أول (ملا1:3) يسبقه فيه المعمدان، ومجيء ثانٍ (ملا5:4) يسبقه فيه إيليا، فأشار لمجيء المعمدان كسابق له ولكن بروح وقوة إيليا واكتفى بذلك. وهناك تفسير آخر لسؤال التلاميذ: فبعد ما رأوه من تجلي المسيح تأكدوا أنه المسيا المنتظر، فسألوا الرب: لقد فهمنا وتأكدنا أنك أنت هو المسيح، ولكن النبوات تقول أن النبي إيليا ينبغي أن يسبق ظهورك، ولكن إيليا لم يأتي ليمهد الطريق أمامك فأين إيليا، ولماذا لم يأتي؟ وهذا التفسير أدق.
النبي أنت= هم لم يسألوه هل أنت نبي، فهو كان عند الشعب في نظرهم كنبي ولكنهم يشيروا لنبوة موسى (تث18:18) والتي يتكلم فيها عن مجيء المسيح ولكن الصورة لم تكن واضحة في أذهانهم عن هذه النبوة. وقولهم نبي معرفة بالـ يقصدون به النبي الذي تنبأ عنه موسى (يو14:6). وهذه النبوة استخدمها بطرس واسطفانوس (أع22:4+ 37:7)
الآيات (22-23): "فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أَنْتَ، لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ»."
(راجع إش3:40) فيوحنا كان صوت إنذار للشعب حتى يقبلوا المسيح الكلمة. وهو صارخ فهو مملوء بقوة الروح القدس الذي يملأه.
قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ = حينما يذهب الملك إلى مكان وعر (جبال ووديان) يعبدون له الطريق. برفع الأماكن الواطئة وإزالة المرتفعة. وروحيًا فالأماكن الواطئة تشير للدونية وصغر النفس والتواضع الكاذب. والأماكن العالية تشير للكبرياء والتعلق بعظمة العالم واشتهاؤه. وبدون هذا وذاك نعد الطريق للرب ليسكن في حياتنا.
الآيات (24-25): "وَكَانَ الْمُرْسَلُونَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، فَسَأَلُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «فَمَا بَالُكَ تُعَمِّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ الْمَسِيحَ، وَلاَ إِيلِيَّا، وَلاَ النَّبِيَّ؟»"
هذا سؤال خبيث ليصطاوا المعمدان ويدينوه:-
1- التهمة الأولى: أنه يعمد بدون إذن السنهدريم، فكأنه سحب منهم سلطانهم.
2- التهمة الثانية: هم كانوا يعمدون الأمم في حالة انضمامهم لليهودية، فكيف يعمد المعمدان الشعب المقدس وهو ليس المسيا. هم يريدون إلصاق تهمة إهانة الأمة اليهودية له لكنهم لم يتخذوا قرارًا ضده بسبب محبة الشعب له بالرغم من رفضهم له، لذلك أحرجهم سؤال المسيح لهم "معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس (مر30:11)
الآيات (26-27): "أَجَابَهُمْ يُوحَنَّا قِائِلًا: «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ»."
نرى هنا تواضع المعمدان بالرغم من سمو مركزه فالمسيح شهد له بأنه أعظم مواليد النساء. وإجابة المعمدان هنا حيَّرت لجنة السنهدريم. ولا نعرف بقية قصة هذه اللجنة التي غالبًا ما انسحبت ورجالها في حيرة. وجواب المعمدان هنا كأنه يقول "تسألونني عن المعمودية ولماذا أعمد هل أنا المسيح، والحقيقة فإن المسيح الذي تبحثون عنه هو في وسطكم الآن ولكنكم لا تعرفونه= وهنا نقف لكي نتأمل.. كم من مرة كان المسيح وسطنا، ولم ندرك أنه بيننا، بسبب خطية فينا. في وسطكم قائم= هذه تساوي لهم عيون ولكنهم لا يبصرون. أحل سيور حذائه= جاء في التلمود أن التلميذ يجب أن يقوم لمعلمه بكل الخدمات التي يقوم بها الخادم لسيده ما عدا حل سيور حذائه، ويوحنا بقوله هذا كأنه يقول أنا لست مستحقًا أن أكون تلميذًا للمسيح بل خادمًا له. إذًا لا تنشغلوا بي ولا بمعموديتي بل بمن هو أعظم مني بما لا يقاس.
آية (28): "هذَا كَانَ فِي بَيْتِ عَبْرَةَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ حَيْثُ كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ."
بيت عبرة= هي عبر الأردن جنوب بحر الجليل على بعد 14 ميلًا. والمكان ضحل يمكن عبوره لقلة عمق مياهه لذلك سميت بيت عبرة (ويُقال أنه كان هناك عبارة لنقل الناس والبضائع في ذلك المكان، ويقال في هذا المكان عبر بنو إسرائيل مع يشوع). والمعمدان بدأ كرازته في اليهودية على الشاطئ الغربي (مت1:3). ولكنه يبدو وأنه بدأ العماد عبر الأردن في هذا المكان. وشهادة المعمدان عن المسيح أثارت أذهان تلاميذه عمن هو المسيح الذي شهد له معلمهم.
آية (29): "وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!"
هوذا= تقال للفت الأنظار لشخص عجيب أو ضالة كان ينشدها أحدهم فوجدها. ونفهم أن المسيح سبق وأتى للمعمدان ليعمده، وهذا ما ذكره متى ومرقس ولوقا ربما في اليوم السابق لهذه الآية. وفي خلال المعمودية رأى المعمدان ما رآه من انفتاح السماء للمسيح. والآن يرى المعمدان المسيح فيعرفه ويشير له أنه حمل الله. وترتيب الحوادث في هذا الأسبوع الذي بدأ فيه المسيح خدمته:-
1- أتى المسيح للمعمدان ليعمده.
2- ذهب للبرية ليجرب من إبليس.
3- أتى للمعمدان في هذا اليوم ليشهد له.
4- بدأ في اختيار تلاميذه.
ونلاحظ تكرار كلمة في الغد هنا 3 مرات (آيات 29 ، 35 ، 43)، فيوحنا الإنجيلي يتابع المسيح يومًا بيوم في أول أسبوع لخدمته.
في الغد الأولى (آية29):- يوحنا المعمدان يشهد للمسيح.
في الغد الثانية (آية35):- يوحنا المعمدان يحول تلاميذه للمسيح بعد أن أعدهم.
في الغد الثالثة (آية43):- المسيح يبدأ في اختيار تلاميذه.
وكما أن (تك1) يتابع الخليقة القديمة يومًا بيوم. هكذا في بداية الخليقة الجديدة يتابع يوحنا أعمال الخالق يومًا بيوم في تكوين كنيسته خليقته الجديدة. وفي الغد هنا تعني غد يوم أرسل اليهود البعثة لتسأله. نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا = أتى يسوع بعد أن انتصر على إبليس ولكن لماذا أتى؟! المسيح في بدء خدمته يحتاج شهادة وإعلان حتى يعرفه الناس فهذه اللحظة هي لحظة تسليم وتسلم، المسيح أتى للمعمدان ليعطيه فرصة أن يشهد له ويستلم المسيح تلاميذه الذين أعدهم له المعمدان مثل يعقوب ويوحنا ابنا زبدي وبطرس وأندراوس. هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ ...= قالها المعمدان بروح النبوة، إذ رأى مجمل الفداء في لحظة. هذه أوضح شهادة عن المسيح قدمها إنسان، لكنه إنسان مملوء بالروح الذي فتح عيني قلبه. وقوله حمل الله أي المعين من الله والمقدم كذبيحة مقبولة من الله. وربما كانت عين المعمدان وهو يقول هذا على خروف الفصح أو الحمل الذي يقدم كذبيحة صباحية وذبيحة مسائية. واسم الحمل يدل على غفران المسيح ووداعته ولطفه وحنانه وتسليمه [فالحمل صامت وديع. لا يفتح فاه أمام من يجزه (إش7:53)] .
خطية العالم= قالها بالمفرد لتشير للمعنى الكلي للخطايا، ولأصل الخطايا ومبدأها ونبعها. والمسيح قدم الخلاص لكل العالم ولكن من يخلص هو من يؤمن ويعتمد (مر16:16). يرفع= جاءت في المضارع بمعنى يرفع ويظل يرفع خطايا العالم (1يو5:3) ويوحنا شعر بأن معموديته لا ترفع خطايا الناس بل هذا الحمل سيرفعها، بل هو سينهي سطوتها (رو14:6+ رو3:8).
آية (30): "هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي."
هو يأتي كسابق للمسيح (ملا1:3). ولكن المسيح الأزلي كان قبله. صار قدامي= في البهاء والعظمة والمجد.
آية (31): "وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ»."
أنا لم أكن أعرفه= لقد عاش يوحنا المعمدان في البراري، ولم يرى أحد إلى يوم ظهوره لإسرائيل (لو80:1). ويقول التقليد أن زكريا أبو المعمدان حينما جاء عساكر هيرودس ليقتلوا الأطفال أن زكريا قال للجند سأسلمه إليكم من المكان الذي أخذته منه، وجرى إلى الهيكل يحمل ابنه بين ذراعيه والجند يجرون وراءه فلما بلغ الهيكل أمسك بقرون المذبح وصرخ لله فخطفه ملاك الرب من بين ذراعيه وطار به إلى البرية، فلما لم يجده الجند قتلوا أباه زكريا بالسيف، وأما يوحنا فقد ظل في البرية حتى كبر وصار يافعًا، فهو لم يرى المسيح بالرغم من أن له قرابة جسدية معه. والمعمدان يقول هذا حتى لا يظن أحد أنه يشهد للمسيح بسبب هذه القرابة. وهو يؤكد أنه يشهد له بسبب ما رآه من انفتاح السموات له حين جاء ليعتمد منه، فعرف من هذه العلامة أنه ابن الله. وربما هو عرفه بالجسد ولكن الروح أعلن له من هو. ونحن حتى نعرف المسيح علينا أن نتوب فيعلن لنا الروح عن المسيح.
الآيات (32-33): "وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلًا: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلًا وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ."
هنا نجد شهادة يوحنا الإنجيلي بأنه سمع من المعمدان شهادته عن المسيح. رأيت الروح= هو رأى رؤيا غير عادية، رأى حمامة وعرف أنها هي الروح القدس وقد استقر على المسيح. وكانت هذه علامة معطاة له ليعرف أن هذا هو المسيح ابن الله. ونلاحظ أن الله حين ظهر في العهد القديم لبني إسرائيل حدثت بروق ورعود وزلازل، ولكن العهد الجديد عهد السلام، يحل فيه الروح القدس على هيئة حمامة رمزًا للسلام. فالمسيح أتى وهو ملك السلام. مستقرًا= ثابتًا لأنه أرتاح وصار حلوله في الكنيسة ثابتًا فالكنيسة هي جسد المسيح. وراجع (تك3:6) فلقد حُرم البشر من سكنى الروح القدس بسبب خطاياهم.
أرسلني لأعمد بالماء= الله أرسل يوحنا المعمدان ليعمد التائبين كعلامة على توبتهم، والماء للتنظيف، والتوبة تنقي وتغسل، وكل من يتنقى قلبه سيعرف المسيح، وهذا هو الهدف الأول من إرسالية يوحنا. أما الهدف الثاني والأهم فكان ليعمد المسيح، فيؤسس المسيح سر المعمودية الذي هو دفن مع المسيح (بالنزول في الماء)، وقيامة معه (بالخروج من الماء) راجع رو6. فالإنسان لا يمكن أن يحيا في الماء، وبالتالي فالنزول في الماء يعني بالضرورة موت الإنسان.
آية (34): "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ»."
هنا نجد شهادة علنية من المعمدان، أن المسيح هو ابن الله المسيا المنتظر، ولأن المعمدان عرف أنه ابن الله، قال "أنا لست أهلًا أن أحل سيور حذائه" وهذه لا تقال عن إنسان مهما كان مركزه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وقال عنه سيعمد بالروح القدس، ومن الذي له هذا السلطان سوى ابن الله، وكانت العلامة التي بها يعرف أنه المسيح هي حلول الروح القدس كحمامة عليه. وكثيرون أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا بأن المسيح هو ابن الله [بطرس (مت17:16)، نثنائيل (يو49:1)، مرثا (يو26:11-27)، الأعمى أول مدافع عن المسيح آمن بهذا (يو38:9)]. ومن يرى ويعرف يشهد.
الآيات (35-37): "وَفِي الْغَدِ أَيْضًا كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ وَاثْنَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِيًا، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ!». فَسَمِعَهُ التِّلْمِيذَانِ يَتَكَلَّمُ، فَتَبِعَا يَسُوعَ."
هنا نجد أن يوحنا يحُوِّل تلاميذه للمسيح بعد أن عرف أنه ابن الله. هوذا حمل الله= لقد سبق المعمدان وقالها (آية 29) فلماذا يكررها؟ المعنى هنا، أنه يقول لتلاميذه لماذا لا تتبعاه، لقد انتهت مهمتي معكم.
والدارسين يقولون أن هذه الأحداث جرت قبل الفصح الأول للمسيح.
ونحن الآن في نهاية خدمة المعمدان وبدء خدمة المسيح. وهذه الأحداث هنا جرت في اليهودية قبل أن ينطلق الرب إلى الجليل.
ولقد التصق يوحنا الإنجيلي بالسيد المسيح منذ أول يوم لخدمته، فهو كان تلميذًا للمعمدان. وهو أحد التلميذين المذكورين في آية (35) والتلميذ الآخر هو أندراوس آية (40). وكعادة يوحنا فهو لا يذكر اسمه تواضعًا منه. ولكن من المؤكد أن التلميذ الآخر هو يوحنا الإنجيلي كاتب الإنجيل الذي يروي القصة بدقة شديدة حتى أنه يذكر الساعة (آية 39)
وهو في آية (35) يذكر أنهم تلميذين فالشهادة تكون باثنين (يو17:8) وأندراوس هو أخو سمعان بطرس.
والتلميذان سارا وراء يسوع دون أن تكون لهما الجرأة على الحديث معه.
آية (38): "فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟» فَقَالاَ: «رَبِّي، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تَمْكُثُ؟»"
فيما سبق رأينا المعمدان كسابق للمسيح وشاهد له بأنه ابن الله. ورأيناه يحول تلميذين له وهما يوحنا الإنجيلي نفسه وأندراوس للمسيح قائلًا هذا هو حمل الله ورأينا التلميذين يسيران وراء المسيح في خجل دون أن يسألاه شيئًا، ولكنهما في أعماقهما كانا قد إتخذا قرارًا بأن يتبعاه. والمسيح الذي يختار تلاميذه بدأ هو وبادرهما بالسؤال ماذا تطلبان= هذه تشبه بالعامية "عاوزين إيه" حتى يسهل مهمتهما فيتكلمان ويعلنا أنهما يريدان أن يكونا تلاميذًا له. هو يشجعهما ليتكلما. والآن السيد يطلب من كل منا أن يحدد موقفه، ماذا نريد منه؟ هل نريد ماديات أو نريده هو لشخصه. هنا نجد أن المسيح هو الذي يبدأ ويسعى وراء كل نفس. بل نجده يبحث عن آدم بل وعن قايين حينما أخطأ كلاهما.
رابي أو
ربي= لقب يطلق على أعظم علماء اليهود ومعلميهم. ولقب مُعَلِّم درجات (راب/ رابي/ رابوني).
آية (39): "فَقَالَ لَهُمَا: «تَعَالَيَا وَانْظُرَا». فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ، وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذلِكَ الْيَوْمَ. وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ."
تعاليا وأنظرا= فالمسيح أراد أن يعرف كلاهما أنه إنسان متواضع يقيم في مكان متواضع حتى لا يظنا أنه يقيم في قصر، يعرفاه على حقيقته. إنسانًا فقيرًا لا يملك شيئًا، وحتى لا يتوهما أنهما سيملكان معه ويكون لهما جاه أرضي. ولكن.. تعاليا وأنظرا= هي دعوة للخبرة الشخصية مع يسوع هذه تشبه قول داود "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" فمن يريد أن يعرف المسيح يأتي لينظر ويتذوق فيفرح ويقرر الالتصاق به فكلام الحياة الأبدية هو عنده. حقًا هو لم يَعِدْ بالجاه الأرضي بل بالحياة الأبدية والفرح السماوي الذي يملأ القلب هنا على الأرض وفي السماء. وهذه دعوة الروح القدس والكنيسة لكل واحد "تعال" (رؤ17:22). وقد قضى يوحنا وأندراوس اليوم مع المسيح (ما أحلى أن نقضي يومًا مع يسوع) حتى الساعة العاشرة بالتوقيت اليهودي أي الرابعة بعد الظهر، وكانوا منبهرين بتعليمه وكلامه وأقواله، ويوحنا بعد 60سنة ما زال يذكر الساعة التي ترك فيها بيت يسوع مساءً والتي قرر فيها أن لا يتركه العمر كله إذ عنده الحياة. الساعة التي أدرك فيها أنه يحب المسيح لأن المسيح أحبه أولًا. عمومًا في بداية معرفة الإنسان بالمسيح يعطيه المسيح كثيرًا من الفرح الروحي يظل يذكره الإنسان العمر كله ويشجعه على الاستمرار وسط التجارب.
الآيات (40-42): "كَانَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَاحِدًا مِنَ الاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعَا يُوحَنَّا وَتَبِعَاهُ. هذَا وَجَدَ أَوَّلًا أَخَاهُ سِمْعَانَ، فَقَالَ لَهُ: «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ. فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ."
أندراوس بعد زيارته للمسيح عرف وآمن أنه المسيح فدعا أخوه سمعان قد وجدنا= أي أنا ويوحنا، وقد يعني أن الأمة اليهودية وجدت المسيا، فهم كانوا يفتشون الكتب وينتظرون المسيا. وهذه لا بُد أن تكون كرازة كل خادم، علينا أن نتذوق حلاوة المسيح، ونقول قد وجدنا مسيا. ولكن من لم يجد المسيح أولًا لن يستطيع أن يأتي بأحد للمسيح. أندراوس أخو سمعان= فسمعان بطرس صار الأشهر. هذا وجد أولًا= هذه تعني واحدة من اثنين:-
إن كل من أندراوس ويوحنا ذهب ليدعو أخاه فأندراوس ذهب ليدعو سمعان ويوحنا ذهب ليدعو يعقوب ليتتلمذا على المسيح، وأندراوس وَجَدَ سمعان أولًا وأتى به للمسيح قبل أن يأتي يوحنا بيعقوب للمسيح.
ربما ذهب أندراوس ويوحنا ليبحثا عن سمعان أخو أندراوس ووجده أندراوس أولًا قبل أن يجده يوحنا. ولاحظ أن أندراوس لم يحسد أخوه بطرس إذ صار أحد الأعمدة، وأندراوس هو الذي دعاه. ولاحظ أن من يعرف يسوع يسعى لأن يعرفه الآخرون (مز14:45-15+ نش4:1).
صفا= كيفا بالآرامية وتعني حجر. وباليونانية بتروس Πέτρος أي بطرس ونلاحظ أن في (مت18:16) المسيح يعيد التأكيد على هذا الاسم بعد أن اعترف بطرس أن المسيح هو ابن الله. ونلاحظ أن المسيح هنا عرف اسم سمعان بن يونا من نفسه ولم يخبره أحد. وأن المسيح غَيَّر اسم سمعان إلى بطرس كما غَيَّر اسم إبرام إلى إبراهيم وساراي إلى سارة.. إشارة لبدء حياة جديدة. وغير المسيح اسم يوحنا ويعقوب أخيه فصارا بوانرجس أي ابني الرعد. وهكذا تغير الكنيسة اسم الكاهن بعد سيامته أو الراهب أو الأسقف أو البطريرك إشارة لحياته وخدمته الجديدة تاركًا حياته القديمة.
ونلاحظ أن بعد هذا التعارف عاد التلاميذ إلى حياتهم القديمة ومهنتهم السابقة في صيد السمك، إلى أن دعاهم المسيح ليتركوا مهنتهم القديمة ويتبعوه (مت18:4-22). وما جاء هنا في هذه الآيات من إنجيل يوحنا من التعارف الذي حدث بين المسيح وبين بطرس وأنداروس ويوحنا ويعقوب يفسر ما جاء في (مت18:4-22) من حيث الاستجابة الفورية لدعوة المسيح وتركهم الشباك، إذ هم كانوا قد سبق وأعجبوا بالمسيح وقرروا أن يتتلمذوا له. (وبعد هذا ثبت المسيح إيمانهم بمعجزة صيد السمك الكثير (لو3:5-11). فالمسيح لا يجبر أحدًا أن يتبعه، ولا هو عنده عصا سحرية يشير بها لأحد أن يتبعه فيتبعه. بل أقنع هؤلاء التلاميذ فتبعوه (أر7:20). أنت سمعان= إذًا هذا إعلان بأنه يعرف اسمه. تدعى صفا= إعلان بأن المسيح كشف مستقبله ومجاهرته بالإيمان. مسيا الذي تفسيره المسيح= مسيا هي الصيغة اليونانية للكلمة الآرامية مشيحا والعبرية مشيح والعربية مسيح، ولأن يوحنا كان يكتب للأمم فسر كلمة مسيا. والمسيح أي الممسوح بالروح القدس ليقوم بعمل الفداء.
ولاحظ أن يوحنا لا يذكر أنهما وجدا يعقوب فهو لا يذكر أخوه.
الآيات (43-44): "فِي الْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجَلِيلِ، فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: «اتْبَعْنِي». وَكَانَ فِيلُبُّسُ مِنْ بَيْتِ صَيْدَا، مِنْ مَدِينَةِ أَنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ."
في الغد= هذه ثالث مرة يقال فيها في الغد. فهنا يوحنا الإنجيلي يتابع أحداث الأسبوع الأول لخدمة المسيح يومًا بيوم. ومن هذه الآية انتقل المسيح من خدمة اليهودية إلى خدمة الجليل. وفي خلال هذه المدة للمسيح في اليهودية لم يصنع شيء سوى اختيار تلاميذه والتعرف عليهم.
وفيلبس كان قد سمع من بطرس وأندراوس عن يسوع فهو من مدينتهما فتبع يسوع إذ دعاه. ويسوع دعاه هو أيضًا قبل ذهابه إلى الجليل. وكان فيلبس أول من دعاه يسوع.
من بيت صيدا |
من مدينة أندراوس وبطرس |
|||
↓ |
↓ |
|||
من: هنا تفيد مدينة المعيشة والإقامة | من: هنا في اللغة اليونانية تفيد مدينة الميلاد وهي كفرناحوم. |
إذن فيلبس كان من بيت صيدا (في الجليل وتعني بيت الصيد فأغلب سكانها صيادي سمك وهؤلاء تحولوا صيادين للناس). وهي مدينة أندراوس وبطرس وكان أول صيد لأندراوس هو بطرس وأول صيد لفيلبس هو نثنائيل، وهو من مواليد كفرناحوم مثل بطرس وأندراوس فكان صديقًا لهما منذ فترة الطفولة. ويقول التقليد أن فيلبس هو الذي إذ دعاه المسيح اعتذر قائلًا أنه يطلب أن يدفن أباه أولًا فقال له المسيح دع الموتى يدفنون موتاهم واتبعني (مت22:8).
آية (45): "فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ»."
وجدنا= إذًا كان هناك نفوس كثيرة تدرس وتفتش وتنتظر المسيح بأمانة. وهؤلاء وجدوه. ويبدو أن كل من أتته الدعوة وإستقبلها بفرح تحول إلى كارز. كل من تذوق لذة اللقاء مع يسوع يدعو الآخرين. ونثنائيل من قانا الجليل (يو2:21). وغالبًا وجد فيلبس نثنائيل في قانا نفسها. ونثنائيل هو برثولماس وندرك هذا من مقارنة (مت3:10 مع مر16:3-19) فكلاهما ألصق اسم برثولماس بفيلبس فمن يذكر نثنائيل لا يذكر برثولماس. وبمقارنة (يو2:21 مع أع13:1) نجد أن يوحنا يضع اسم نثنائيل بعد توما ويضعه لوقا في سفر أعمال الرسل على أنه برثولماس بعد توما أيضًا. كتب عنه موسى= (تث15:18+ يو46:5) إذاً فيلبس كان دارسًا للكتاب المقدس. يسوع ابن يوسف= هذا هو الاسم الذي عرف به المسيح في الناصرة التي قضى فيها أغلب فترات حياته على الأرض.
آية (46): "فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «تَعَالَ وَانْظُرْ»."
هم كيهود كانوا يتصورون أن المسيح يكون عظيمًا ويخرج من مدينة عظيمة (يو52:7) (أو بحسب النبوات يخرج من بيت لحم). وكان اليهود حتى الجليليين يحتقرون سكان الناصرة ربما لأنها صغيرة وربما لاختلاط أهلها بالوثنيين وتجارتهم معهم. فهل يخرج المسيح من مدينة صغيرة كالناصرة؟! وكان رد فيلبس العملي تعال وأنظر، ليختبر المسيح كما اختبره فيلبس وآمن به.. "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" هذه طريق كل من تذوق الرب.
آية (47): "وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ عَنْهُ: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقًّا لاَ غِشَّ فِيهِ»."
لا غش فيه= أي مستقيمًا لا يلتوي ولا يكذب ولا يعرف الغش والرياء. يطلب بصدق أن يعرف الله، ويطلب وجه الله كما ينبغي أن يكون الإسرائيلي (رو28:2-29). وإسرائيل هو الاسم الذي أخذه يعقوب لأنه جاهد مع الله والناس وغلب (تك28:32). ولا يقصد جنسيته أو قوميته.
آية (48): "قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ، رَأَيْتُكَ»."
من أين تعرفني= يبدو أن وصف السيد المسيح عن نثنائيل كان له معنى عند نثنائيل جعله يشعر أن يسوع يعرفه وتفسير وأنت تحت التينة رأيتك= حسب ما جاء في تقليد قديم.. أن جنود هيرودس إذ جاءوا ليقتلوا أطفال بيت لحم، أخفت أم نثنائيل ابنها في سفط وضعته تحت التينة وخبأته فيها فلم يجده جنود هيرودس، وهذه القصة لا يعرفها سوى نثنائيل وأمه فقط، لذلك ذُهِلَ نثنائيل إذ أخبره بها المسيح، إذ شعر أن لا شيء مخفي عن عينيه. تحت= لغويًا تشير لاختفاء شيء تحت شيء. وقد يشير المعنى عمومًا لأن التينة لها معنى في حياة نثنائيل كأن يكون له ذكريات روحية وهو يصلي تحتها. إذًا بهذا فهم نثنائيل أن المسيح مطلع على المشاعر الروحية أيضًا. إذًا هو فاحص القلوب.
آية (49): "أَجَابَ نَثَنَائِيلُ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!»"
آمن به إذ رآه قادرًا مقتدرًا يعرف كل شيء فآمن أنه المسيا المنتظر. واليهود يفهمون أن الله هو ملك إسرائيل الحقيقي. وكان اختيارهم لشاول ملكًا رفضًا لله كملك لهم. وكان نثنائيل هو أول من اعترف من التلاميذ بأن المسيح هو ابن الله (المعمدان قالها قبله). المسيح لم يقل له طوباك.. لحمًا ودمًا لم يعلنا لك.. بل أبي. لأن بطرس كان يعنيها كما أعلنها له الله كحقيقة لاهوتية. أما نثنائيل فهو يقصد أن المسيح هو ملك سيعيد الملك لإسرائيل. نثنائيل قصدها بمعنى يهودي بحت.
آية (50): "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هذَا!»"
المسيح يقصد أنه سوف يرى أعمال ومعجزات عجيبة يفعلها المسيح بسلطان بل هو في المستقبل سيدرك أن المسيح بلاهوته مختفي وراء هذا الجسد المتواضع.
آية (51): "وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلاَئِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ»."
من بدء تجسد المسيح صار هو الصلة بين السماء والأرض، فالصلح قد تم وصار الابن هو طريقنا للسماء [لقد صار جسد المسيح طريقًا حيًا حديثًا ندخل به للأقداس (عب19:10-20)] وهذه الآية فيها إشارة لرؤيا يعقوب إذ رأى سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها (تك12:28). والسلم هو رمز للمسيح فبه نصعد للسماء وهو الذي نزل ليصعدنا. وبه صار الصلح فصعدت الملائكة ونزلت على البشر، والمسيح بلاهوته يسمو إلى أعلى السموات وبناسوته نزل للأرض ليصعد به وبنا للسماء لنكون في المجد. ولقد رأى إسطفانوس فعلًا السماء مفتوحة، ثم رآها بولس الرسول في الرؤيا في طريقه إلى دمشق، ورآها بعد ذلك يوحنا في رؤياه. ولكن المقصود أن السماء انفتحت لتنسكب مراحم الله على البشر. وانفتحت السماء علامة على الصلح بين السماء والأرض، فالملائكة صارت تأتي وتعود، وتأتي لتأخذ أرواح البشر للسماء. والملائكة فعلًا ظهرت في ميلاد المسيح وجاءت ملائكة تخدمه بعد تجربته (مت11:4) وجاء ملاك يقويه في يوم خميس العهد وهو يصلي، وظهرت الملائكة بعد قيامته وكل هذا أعظم من ذكر قصة التينة، فالملائكة هم خدام له. وكما حدث مع المسيح سيحدث مع الكنيسة جسده والملائكة تصعد وتنزل لتخدم العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب14:1) والكنيسة تؤمن أن الملائكة موجودة معنا دائمًا وفي شركة معنا وهذا معنى ما نقوله في القداس الغريغوري "الذي ثبت قيام صفوف غير المتجسدين في البشر". وفي نهاية كل قداس يصرف الكاهن ملاك الذبيحة. لقد وحَّدَ المسيح بصليبه السمائيين والأرضيين وجعلهما واحدًا. وهم يفرحون بكل خاطئ يتوب. ونحن وهم نقف أمام عرش الله مسبحين. والمسيح قال يصعدون قبل أن يقول ينزلون. فهو أتى بهم عند تجسده أولًا ثم صاروا يصعدون وينزلون.
ولاحظ أن نثنائيل قال ابن الله، والمسيح يقول عن نفسه أنه ابن الإنسان. فهو ابن الله الذي صار ابن إنسان ليحملنا فيه إلى السماء، فصار السلم الذي به نصعد للسماء. فحلم يعقوب تحقق في تجسد المسيح وصارت السماء مفتوحة للإنسان. هناك كثيرين شهدوا بأن المسيح هو ابن الله، لكن المسيح أطلق على نفسه ابن الإنسان.
هذه الصورة التي رسمها الرب يسوع هنا في هذه الآية هي نفسها التي قيلت في المزمور "طأطأ السموات ونزل" (مز9:18). المسيح بوجوده وسطنا دائمًا أتى بالسماء على الأرض، وكان هذا بتجسده الذي يرمز له سلم يعقوب. هو سلم نصعد به نحن للسماء بعد أن نغادر هذا الجسد، بل نصعد محمولين بالملائكة (قصة لعازر والغني). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهو سلم تنزل به الملائكة لتوجد وسطنا وتؤدي لنا خدمات (عب14:1) ثم تصعد للسماء. صارت السماء مفتوحة. والسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب. وحين يصعد التائب للسماء يدخل لأحضان القديسين إبراهيم وإسحق ويعقوب (مت11:8 + لو23:16)
نرى هنا في هذه الآيات شهادات مختلفة عن المسيح:
1- شهادة يوحنا المعمدان..... هوذا حمل الله (آية 29، 36)
2- شهادة يوحنا المعمدان..... هذا هو ابن الله (آية 34)
3- شهادة إندراوس......... قد وجدنا مسيا (آية 41)
4- شهادة فيلبس.......... من كتب عنه موسى (آية 45)
5- شهادة نثنائيل.......... أنت ابن الله أنت ملك (آية 49)
والشهادة تقوم على فم اثنان بحسب الناموس.
ونلاحظ أن هناك تدرج في شهادات التلاميذ.
ونرى طرق مختلفة يجذب بها المسيح تلاميذه والمؤمنين.
للمسيح طرق مختلفة يجذب بها تلاميذه ويجذب بها المؤمنين لكي يؤمنوا، كل بحسب حاجته، فهو يعرف الطريقة التي يجذب بها خاصته.
يوحنا وأندراوس أتيا نتيجة شهادة معلمهما المعمدان، ثم توطد إيمانهما بعد محادثة مع المسيح في البيت، وحوار في الطريق دعاهما المسيح إليه.
سمعان جاء نتيجة شهادة أخيه أندراوس، وتوطد إيمانه بعد أن كلمه المسيح وغيَّر اسمه كاشفًا له مستقبله، ومعجزة صيد السمك (لو5).
فيلبس أتى بدعوة مباشرة من المسيح، إستأسرته فيها شخصية المسيح القوية فلم يتردد. لقد ذهب المسيح إلى فيلبس ليدعوه. فهناك من أتى للمسيح وهناك من ذهب إليه المسيح.
نثنائيل جذبه المسيح بكشف أسرار لا يعرفها سواه.
وحتى الآن فهناك من ينجذب بعظة، أو بدعوة من أب اعترافه، أو بمعجزة شفاء، أو بضربة تأديب، الله له وسائله المتنوعة.
يمكن تلخيص الإصحاح الأول فيما يلي:
ابن الله هو الكلمة خالق كل شيء "به كان كل شيء" |
آيات (1+3) |
|||
هو الحياة وهو النور |
آيات (4+5) |
|||
جاء حتى كل من يقبله يصير ابنًا لله |
(آية 12) |
|||
هذه هي الخليقة الجديدة، وابن الله كمسئول عن الخلقة فبه كان كل شيء ها هو يأتي ليخلقنا من جديد. وفيه نصير خليقة جديدة |
(2كو17:5) |
|||
والكلمة صار جسدًا. |
آية (14) |
|||
من ملئه نأخذ نعمة فوق نعمة |
آية (16) |
|||
هو يعرفنا الآب، يستعلنه لنا |
آية (18) |
|||
المعمدان يشهد له أنه حمل الله الذي يحمل خطية العالم |
آية (29) |
|||
والعجيب أن المعمدان هنا يلخص موضوع الفداء. |
|
|||
المعمدان يحول تلاميذه له. |
آية (37) |
|||
الصلح بين السماء والأرض بواسطة ابن الإنسان |
آية (51) |
بهذا يتم تلخيص الإصحاح في هذا (الكلمة صار جسدًا ليحول لنا الأرض إلى سماء) والسماء هي مكان الفرح، وهذا موضوع الإصحاح القادم.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 2 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة إنجيل يوحنا |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fwqdcp6