محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41
بعد حوادث الإصحاحات (9 ، 10) وفي (يو10: 22) يقول القديس يوحنا "وكان عيد التجديد". وبهذا نفهم أن أحداث ص9، ص10 جرت في وقت عيد التجديد. بينما أن أحداث ص7 ، 8 جرت في عيد المظال. وعيد المظال يأتي في شهر تشري תִּשְׁרֵי (شهر7 العبري) وهو يوافق سبتمبر/ أكتوبر. أمّا عيد التجديد فيأتي بعده بشهرين في شهر كسلو (شهر9) العبري وهذا يأتي خلال شهر ديسمبر أي في الشتاء. ومدة عيد التجديد 7أيام ونسمع عنه في (2مك9:1) وفيه احتفل المكابيين بتجديد وتطهير الهيكل بعد أن خربه ونجسه أنطيوخس إبيفانيوس الملك اليوناني. ولم نسمع أن المسيح غادر أورشليم بعد أحداث ص8 أي بعد عيد المظال. إذًا هو غالبًا بقى فيها حتى عيد التجديد.
علاقة إصحاحيّ 8 ، 9
وضع القديس يوحنا هذه المعجزة هنا، ففي إصحاح (8) سمعنا أن المسيح نور العالم، وهنا التطبيق العملي، فهو يعطي إستنارة جسدية وروحية للمولود أعمى. وانتهى الإصحاح بقول السيد المسيح "إبراهيم رأى يومي وفرح" وهذا المولود أعمى رأى المسيح وإستنارت عيناه وفرح، وهكذا كل من يرى المسيح يفرح. لذلك وضع القديس يوحنا هذه المعجزة هنا.
عيد التجديد
كان اليهود يسمون عيد التجديد بعيد الأنوار ويحتفلون فيه بعودة الله للحلول في وسطهم. وكان هذا رمزًا لحلول المسيح في وسطهم فهذا معنى اسم عمانوئيل. وعلاقة تعاليم الرب في هذه المناسبة مرتبطة بالمناسبة وهي عيد التجديد، فهو يربط المفهوم اليهودي الذي تثيره انتصارات المكابيين بمفهوم الخلاص الحقيقي الذي أتى من أجله، أتى لهم كراعٍ صالح (يو10: 11) ليدشن هيكله الجديد بدمه. ومع أنوار عيد الأنوار أو عيد التجديد قال المسيح أنا نور العالم (يو 5:9). وعندما فُتِحَ باب الخراف في الهيكل لتدخل خراف العيد للذبائح اليومية وقف المسيح وقال "أنا هو باب الخراف" (يو10: 7) للهيكل الجديد (رو36:8).
فصل المولود أعمى والقراءات الكنسية (القطمارس)
فصل المولود أعمى يقرأ في الأحد السادس من الصوم الكبير يوم أحد التناصير لارتباطه بالمعمودية. ويقرأ الأحد الرابع من شهر طوبة بعد عيد الغطاس لارتباطه أيضًا بالمعمودية. والمعمودية تعطي إستنارة لأن بها مغفرة الخطايا فتزيل الغشاوة من العيون. لذلك في طقس المعمودية في الكنيسة يلبس المعمد ثياب بيضاء (تبرير) وزنار أحمر (رمز لدم المسيح) ويمسك الشمامسة شموعًا مضاءة (رمز الإستنارة).
بسبب الخطية دخل الموت ودخل المرض والألم إلى العالم بعد أن فقد وضعه الطبيعي مع الله، فصارت أي جرثومة قادرة أن تهلك الإنسان. وربما يكون هذا عن إهمال من الإنسان أو لشيء خارج عن إرادته مثل هذا الأعمى فهو قد ولد هكذا. ولكن نلاحظ أن الله في محبته يعوض الذي ينقصه حاسة بقدرات زائدة في باقي حواسه، بل يحنو الله نفسه عليه. ويكون السؤال أيهما الأفضل أن يولد الإنسان بكامل قدرات جسمه أو بنقص معين في جسمه مع حنو زائد من الله. ولقد قال الأنبا أنطونيوس للقديس ديديموس الضرير (طوباك يا ديديموس إذ خسرت عينين ترى بهما التراب ولكن لك عينين ترى بهما السماء). فالمسيح لا يعطي عطاء ناقصًا، بل كل ما يسمح به لي هو لخلاص نفسي (1كو22:3). عمومًا فهذا الأعمى ليس له ذنب فيما هو فيه لذلك أتى له المسيح من نفسه دون أن يسأله، ليشفيه
ولتظهر أعمال الله فيه.ولكن ما معنى أن تظهر أعمال الله فيه
؟![1]
أن يتمجد المسيح وتظهر أعماله إذ يشفي هذا المولود أعمى فيؤمن الناس. لكن هل ليتمجد المسيح وتظهر قدراته الفائقة كان لا بُد أن يتعذب هذا الأعمى طوال عمره؟! هنا لا بُد أن نفهم ما معنى أن تظهر أعمال الله فيه...[2]
فما حدث أن شفاء هذا الأعمى صار لخلاص نفسه. فهو تعرف على المسيح وآمن به كابن الله، بينما فشل اليهود المبصرين في هذا. هذه هي أعمال الله التي ظهرت.. ليست شفاءه من العمي الجسدي بل شفاءه من العمي الروحي (وهذه هي الخليقة الجديدة). فآمن وخلص. وكما كان عمي هذا الأعمى سببًا في خلاصه، هكذا كان قصر زكا سببًا في خلاصه هو وأهل بيته. إذًا نرى أن العاهات سبب بركة لصاحبها، وهذا هو حنو الله الزائد على أصحاب العاهات، أضف لذلك أن الله لا يخلق شيئا به عيب. الله قادر أن يحول العيوب التي فينا إلى خير لنا، لذلك علينا أن لا نقول عن العاهات عيب خِلقي بل علينا أن نطلق عليها بركة خلقية، فالله "يخرج من الجافي حلاوة" حقًا كما نقول في القداس الغريغوري (حولت لي العقوبة خلاصًا) راجع (1كو22:3). وكانت هذه الحالة لشفاء الأعمى رمزًا لما عمله المسيح، فالأعمى كان رمزًا لهذا العالم الذي يحيا في ظلام لا يعرف الله. فآدم أخطأ ولكننا كلنا حوكمنا بذنبه وصرنا نولد بالخطية مشوهين روحيًا كما ولد هذا الأعمى مشوها.[3]
ولذلك أتى المسيح إلينا ليظهر فينا أعمال محبته ويفتح بصائرنا فنخلص. هو صار نموذج لإرادة الله في فتح أبصار البشر، بل تجديد الخليقة كلها. وكما فتحت أعين هذا الأعمى في مياه بركة سلوام تنفتح أعيننا في مياه المعمودية. وبعد هذا لا يصير آدم هو المسئول عن خطيتي بل أنا المسئول عنها. فبعد أن تنفتح أعيننا في المعمودية ثم نترك المسيح نكون نحن المسئولين عن خطيتنا. لقد شفانا المسيح من أثار خطية آدم بفدائه وفتح أعيننا لنرى الله. إذًا لتظهر أعمال الله فيه تعني:-أن يتمجد الله حين تظهر هذه المعجزة.
أن يظهر المسيح أنه أتى ليصحح ما أفسدته الخطية، وأن هذه هي رغبة الآب.
أن يشفي هذا المولود أعمى جسديًا وروحيًا فيخلص.
فعمل الله في كماله لا حدود له، وهو يخرج من النقص كمال ومن الشر خير.
الآيات (1-5): "وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟». أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ. يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ»."
من أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلِدَ أعمى= فاليهود يرجعون كل مرض وكل عاهة تصيب الإنسان إلى خطية قد ارتكبها وبسببها يعاقب، أو خطية لأبواه وينال هو جزاؤها، أو خطية إقترفها هو ذاته في حياة أخرى عاشها قبل ولادته في هذه الحياة بمقتضى عقيدة تناسخ الأرواح، أي عودة الروح إلى جسد آخر لتحيا فيه من جديد، التي كانت شائعة في ذلك الوقت في بلدان الشرق الأوسط ولا سيما في مصر وفلسطين والهند. ولذلك قال الفريسيين للأعمى بعد أن شفي "في الخطيئة ولدت أنت بجملتك" (يو 34:9). فالفلسفات نشرت فكرة تناسخ الأرواح. وأيضًا فهم اليهود الخاطئ للآية "أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ" (خر20: 5) جعلهم يتصورون أن الله قد يعاقب مولود نتيجة أخطاء أبويه. ومع أن الله صحح هذا المفهوم (حز4:18) إلاّ أن الفكرة ظلت مستمرة. ومعنى أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء، أن الله يبحث في الأبناء.. هل خطايا آبائهم ما زالت موجودة وما زالوا يبغضون الله.. حينئذ يعاقب. وهو قال الجيل الثالث والرابع حين تكون الخطية قد صارت شائعة فتكون العقوبة عامة. ولاحظ أنه لم يقل أعاقب الأبناء بل أفتقد أي أبحث هل الخطية ما زالت موجودة. ولكن في بعض الأحيان ينشأ طفل بمرض ناتج عن خطية أبواه، وذلك مثلًا من مرض كأمراض النجاسة، أن أب ينهك صحته فيخرج ابنه ضعيفًا (خر 5:20 + 7:34 + تث9:5). والمسيح لم يجب عن هذا السؤال ليتركنا نفكر ليس عن سبب الألم الذي نحن فيه، ولكن كيف نحول الألم لعمل إلهي. والمسيح لم يلغي أن هناك علاقة بين الخطية والمرض، فمن المؤكد أن هناك علاقة ولكن من العسير أن ندركها نحن بعيوننا . فلا يصح أن نقول على كل متألم أنه متألم نتيجة خطيته. علينا أن لا نفكر فيمن أخطأ بل نصلي للمتألم ولكن من السهل أن نؤمن أن كل شيء يؤول إلى مجد الله فكل الأمور تعمل معًا للخير للذين يحبون الله. وكون أن هناك علاقة بين المرض وبين الخطية يتضح من قول المسيح لمقعد بيت حسدا "لا تخطئ فيكون لك أشر" .
أنا نور العالم= المسيح هو المرسل (سلوام تعني المرسل). فهذه البِركة تشير لشخص المسيح الإلهي فهو المرسل من الآب لخلاص البشر. وهذه البركة كانت ترمز في النبوات إلى عرش ومملكة بيت داود (إش6:8+ نح15:3+ لو4:13) فالنبوات كانت تقول عن المسيح أنه مرسل من الله. والمسيح هو نور العالم وما زال موجودًا في العالم ولن يفارقه، ويعطي نورًا وإنفتاحًا لكل إنسان يؤمن. هو جاء ليكمل عمل الخليقة بإعطائها عيون روحية بدلًا عما فقدته بالخطية ورافعًا حجاب الظلمة الذي كان يحجز رؤية الإنسان لله. هو يعطي نورًا للعالم وبصيرة في قلب الإنسان. وبين هذا عمليًا بشفاء الأعمى. راجع تفسير الآية (يو8: 12) .
أعمل أعمال الذي أرسلني= في كل عمل أو معجزة يقوم به المسيح فهو يستعلن محبة الله لنا وإرادته من نحونا، فهو يفتح عيني الأعمى ليعلن أن إرادة الله الآب هي أن نبصر، ويقيم لعازر ليعلن أنه يريد لنا القيامة والحياة.
ما دام نهار= ما قبل المسيح شمس البر (ملا4: 2) كان ليل اليوم السابع للخليقة، إذ كان ليل يغطي الإنسان ، إذ فقد الإنسان رؤيته لله ، وحين جاء المسيح نور العالم صار نهار. والمسيح صنع معجزات شفاء كثيرة وعلَّم تعاليم محيية طوال فترة وجوده بالجسد على الأرض. وقد يكون المعنى المباشر الذي يقصده السيد، أنه طالما أنا في الجسد فلأعمل أعمال شفاء لتؤمنوا. ولكننا ما زلنا نستمتع بنهار المسيح فهو ما زال معنا "ها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر" (مت20:28) فهو لا يكف عن العمل. وهو يعمل مع كل واحد ليفتح بصيرته قبل أن يأتي ليله، وليل الشخص قد يعني يوم موته أو خطاياه التي ينغمس فيها بلا توبة. وهناك ليل عام وهو يوم الدينونة حين تنتهي فرصة كل إنسان خاطئ أعمى من أن يستنير بنور المسيح. (فلننتهز الفرصة ما دام نهار قبل أن نموت). ما دمت في العالم فأنا نور العالم فالمسيح لنا هو نور الحياة، هو يضيء ظلمة حياتنا. ينبغي أن أعمل= المسيح مشتاق أن يعمل، ويغير طبيعتنا إلى الخليقة الجديدة. فلنسلم له حياتنا طالما نحن أحياء = مادام هناك نهار = المقصود به وقت العمل. أما الليل فهو التوقف عن العمل. إذًا النهار في قصة هذا المولود أعمى قد يقصد بها الرب أنه طالما أنه موجود على الأرض بالجسد سيظل يعمل ويشفي، هنا النهار هو حياة المسيح على الأرض بالجسد قبل صلبه. وبالنسبة لنا فالمسيح بحسب وعده أنه معنا إلى إنقضاء الدهر (مت28: 20 + مت18: 20) ، وهو لن يكف عن العمل معنا طالما نحن أحياء ليضمن خلاصنا ، فالنهار لنا هو مدة حياتنا على الأرض. هو يريد أن يعمل معنا فهل نسلم له حياتنا ونعمل معه.
النهار يشير إذًا لإرادة المسيح أن يعمل فينا وبنا ولأجلنا ليعطينا حياة أبدية. والمسيح نور ليس عنده ليل ولا ظلام. فالمسيح نهاره مستمر يريد أن يشفي دائمًا "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو5: 17) . بل لو كف المسيح عن العمل لانتهى هذا العالم بالدمار، فهو الذي يحفظ الكون "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3) .
لكن الليل والظلام يشيران للخطية. وعند القديس يوحنا نجد أن الليل يشير للإنسان الذي يسلم نفسه للشيطان مُصِّرا على خطاياه. كما خرج يهوذا من العلية بإصرار على أن يسلم المسيح، فنجد القديس يوحنا يقول "وكان ليلًا" (يو13: 30) هنا نرى أن المسيح ظل يحاول مع يهوذا حتى آخر لحظة، وأمام إصراره سقط في يد الشيطان فلم يقدر المسيح أن يعمل معه شيء، لقد دخل في ظلمة الليل، والشيطان هو سلطان الظلمة (لو22: 53). وراجع أيضًا (يو7: 50 + يو19: 39)) فالليل هنا إشارة لضعف إيمان نيقوديموس. وراجع أيضًا (يو11: 10 + يو12: 35) .
كان اليهود عميانًا روحيًا فلم يعرفوا المسيح = هؤلاء كانوا في الليل فلم يتقبلوا عمل المسيح. كان ذلك بسبب خطاياهم. هم لم يحبوا الله فلم يعرفوا المسيح وكان هذا هو حال كل العالم. والمسيح أتى ليعلن الآب للناس فيحب الناس الله وتنفتح عيونهم، وهذه هي الخليقة الجديدة، وهي متاحة لكل العالم. وكان هذا هو العمل الذي يعمله المسيح طالما هناك نهار أن يعلن الآب ويشفي طبيعتنا. وكان هذا الأعمى نموذج لها فقد شفاه المسيح جسديا وروحيا. أما اليهود فكانوا في الليل، كانوا عميانًا بالقلب بسبب خطاياهم فلم يعرفوا المسيح فلم يشفوا، بل صلبوه، بينما كانت عيونهم الخارجية سليمة. وهذا ينطبق عليه "كم مرة أردت...ولم تريدوا" (مت23: 37) . فالمسيح نهاره مستمر يريد أن يشفي دائمًا. ولكن من هو في ظلمة الخطية رافضًا الخروج منها لا يستجيب لعمل المسيح. وهكذا قيل عن أهل وطنه وأقرباءه وفي بيته "لم يقدر ان يصنع هناك ولا قوة واحدة غير انه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم وتعجب من عدم إيمانهم" (لو6: 4 - 6) . إذا عدم قدرة المسيح عن العمل هنا راجع لعدم إيمانهم. بينما كان هذا المولود أعمى مفتوح البصيرة فعرف المسيح وآمن وخلص إذ قال "أومن يا سيد" آية 38 . وهكذا كان إبراهيم الذي رأى يوم المسيح وفرح، وهكذا نحن نحب المسيح دون أن نراه بالجسد.
الآن يمكننا أن نقول أن النهار أيضا هو إشارة لمن هو على استعداد أن يتقبل عمل المسيح معه، ولذلك كان المولود أعمى في النهار. بينما اليهود كانوا في الليل إذ هم رافضين لعمل المسيح فيهم.
الآيات (6-7): "قَالَ هذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى. وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: مُرْسَلٌ، فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيرًا."
هذه عملية خلق أو هي خلقة تصحيحية. فالمسيح هنا يخلق عينين (تك7:2+ أش8:64) كأن عجنة الطين التي خُلِقَ منها الأعمى عادت ليد خالقها الأول يشكل لها من ذات الطين
عينين، راجع (إر18). ولعاب المسيح يصنع شفاء فهو ينقل من المسيح سر الحياة الجسدية والسليمة والكاملة، فهو حي ومحيي وكل جزء من جسده فيه حياة وشفاء فجسده متحد بلاهوته المحيي. اذهب اغتسل في بركة سلوام= وكان على الأعمى أن يؤمن ويطيع ويغتسل ولو فكر لإمتنع فلو اغتسل لسقط الطين. وبركة سلوام هي بركة تستمد مياهها من نبع عالٍ اسمه حاليًا "نبع مريم" وقد حُفِرتْ البركة بقصد توصيل المياه داخل أسوار أورشليم خلال قناة تحت الأرض ليكون هناك مياه في أورشليم أثناء حصارها. وربما حفرت من أيام سليمان. ومعنى كلمة سلوام= المرسل لأن مياهها مرسلة من مكان آخر، وليست نابعة من مكانها، بل منحدرة ومرسلة إليها من نبع آخر أعلى كأن المسيح يقول أن من يشفي الأعمى أي المسيح نفسه هو مرسل من الله. والاغتسال فيه معنى المعمودية، والمعمودية هي موت وقيامة مع المسيح المرسل من الله= سلوام (رو3:6-5) وهذا هو الخلق الجديد. وسماها إشعياء "شيلوه" (أش 6:8) بمعنى مرسلة. وقد ردمت مع الزمن وأعيد اكتشافها. وهي لها اتصال وثيق بخدمة الهيكل لذلك إعتبرت مياهها مقدسة وكانت مياهها تستخدم في طقوس عيد المظال. والرب أرسل الأعمى ليغتسل فيها، والاغتسال في مياه مقدسة هو المعمودية. فالماء له دور في الخلقة الجديدة لذلك أرسله المسيح إلى الماء. وكانت المياه مياه جارية لإنحدار القناة من البركة العليا للبركة السفلى. والمعمودية تسمى الإستنارة في العهد الجديد فمن ناحية هي غفران للخطية فيتنقى القلب فنبصر، وهي اتحاد بالمسيح النور الحقيقي الذي يسكن فينا فيعطي إستنارة. وهذه البِرْكة ترمز للمسيح (إش6:8) . وبالذات لخلاص المسيح الهادئ، وفي (إش6:8) نجد مقارنة بين خلاص الله الهادئ وبين مياه دجلة والفرات حيث جيوش أشور القوية والكثيرة (رمز للقوى الإنسانية) التي يريدها اليهود لخلاصهم، فذهبوا يحتمون بأشور في أيام إشعياء رافضين وعود الله لهم بالحماية من أعدائهم. وهم أرادوا مسيحًا يقود جيوش. فنجد أن حتى تلاميذ المسيح لم يفهموا فداء المسيح على الصليب، لذلك قال تلميذيّ عمواس عن المسيح "ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل" (لو24: 21) . وهذه النبوة تشير لأن اليهود رفضوا المسيح الهادئ ملك السلام الذي يخلص بالحب وليس بالحرب "رذلوا مياه شيلوه الجارية بسكوت". ولاحظ أن المسيح ذهب للأعمى دون أن يسأله أحد، كما ذهب ليقيم ابن أرملة نايين دون أن يسأله أحد، رمزًا لأنه أتى لتجديد خلقة البشر وليعطهم حياة دون أن يسأله أحد (أش1:65) .تأمل:-
نلاحظ أن الطين يفسد العين السليمة، أي الطين يزيد حجم المشكلة. وهكذا في بعض الأحيان نتصور أن الله يعقد المشكلة. كما حدث للشعب عند خروجهم من مصر، فالبحر أمامهم وفرعون وراءهم. بل العجيب أن المسيح طلب من المولود أعمى أن يذهب ويغتسل، فلو أعمل هذا الشخص عقله لقال أن الماء سيغسل الطين فما لزوم الطين. علينا أن نفهم أن عقولنا البشرية عاجزة عن فهم حكمة الله وتدبيراته.
الآيات (8-12): "فَالْجِيرَانُ وَالَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَهُ قَبْلًا أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى، قَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟» آخَرُونَ قَالُوا: «هذَا هُوَ». وَآخَرُونَ: «إِنَّهُ يُشْبِهُهُ». وَأَمَّا هُوَ فَقَالَ: «إِنِّي أَنَا هُوَ». فَقَالُوا لَهُ: «كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟» أَجَابَ ذَاكَ وقَالَ: «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِينًا وَطَلَى عَيْنَيَّ، وَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ». فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» قَالَ: «لاَ أَعْلَمُ»."
إنسان يقال له يسوع= في أصلها اليوناني الإنسان الذي يقال له يسوع. فالأعمى رأى المسيح أنه في وضع يفوق كل الناس. أليس هذا هو= فشكله قد تغير. وهكذا كل من عرف المسيح وإستنارت عيناه. ولاحظ أن المولود أعمى لم يرى المسيح حتى ذلك الوقت.
الآيات (13-15): "فَأَتَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ بِالَّذِي كَانَ قَبْلًا أَعْمَى. وَكَانَ سَبْتٌ حِينَ صَنَعَ يَسُوعُ الطِّينَ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. فَسَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضًا كَيْفَ أَبْصَرَ، فَقَالَ لَهُمْ: «وَضَعَ طِينًا عَلَى عَيْنَيَّ وَاغْتَسَلْتُ، فَأَنَا أُبْصِرُ»."
السنهدريم مكون من الفريسيين ورؤساء الكهنة. لذلك فالفريسيين هم فرع من السنهدريم. وهؤلاء رأوا أن المسيح كسر السبت في عدة نواحٍ فهو 1* تفل على الأرض وصنع طينًا وهذا عمل، 2* وعالج الأعمى وهذا
عمل، 3* والأعمى سار حتى بركة سلوام. والربيين قالوا من يضع دواء في العين يوم سبت فهو حرام، ولكنهم لم يروا المعجزة في روعتها فصاروا هم عميانًا وأبصر الأعمى. هنا نرى أعمى بالجسد وقد صار مبصرًا ونرى عميان بالبصيرة يرون الماديات ولا يرون الحقيقة.وكان من المتعارف عليه عند الرابيين اليهود أن اللعاب يشفي أمراض العين لكن لم يقل أحد أنه يخلق عينين. ولما حدثت المعجزة هاج الفريسيين. ومن محاولاتهم للهجوم على المسيح وإنكار المعجزة *أنه عمل المعجزة يوم سبت وبالتالي فهو شرير لا يمكن له أن يعمل معجزة. فكان من الممنوع التداوي والعلاج يوم السبت، إلا لو كانت الحياة مهددة وهذه ليس حالة المولود أعمى.
*كان اليهودي المتزوج يتخذ سراري خارج زواجه، وكان الأبكار لهم نصيب الضعف في الميراث. وكان عند موت اليهودي تظهر السراري ويدَّعوا أن أولادهم هم الأبكار ويطالبوا بضعف النصيب من الميراث لأولادهم. ولما لم يكن هناك نظام لتسجيل المواليد، وضعوا قاعدة يعرفون بها البكر الحقيقي – فَمَنْ كان لعابه يشفي الأمراض يكون هو البِكْر لأبيه. وتطور هذا لأنهم صاروا يتداوون باللعاب لشفاء العيون. ولهذا كان المسيح يُشفي بلعابه، فهو يكلم اليهود وهذه هي معتقداتهم. وهذا في مفهوم اليهود أنه الابن البكر لأبيه. ولكن من هو أبيه؟ لو فكَّر اليهود بعقل غير منحاز لفهموا أن ما عمله المسيح في هذه المعجزة لهو إثبات واضح أنه ابن الله. فهذه المعجزة معجزة خلق وبلعابه. وحيث أن الابن يعمل أعمال أبيه، وأن هذه المعجزة هي معجزة خلق، يكون المسيح هو ابن الله البكر، فالله وحده هو الذي يخلق، وهاهو المسيح يخلق. ولكن هؤلاء كانوا عميان البصيرة.
*ولكن كان من الممنوع إستخدام اللعاب لشفاء العين يوم السبت، وهذه هي العقلية اليهودية العجيبة. بل ممنوع التداوي يوم السبت إلا في حالة إنقاذ الحياة. وأمراض العيون وشفائها ليست مهمة ولا يوجد فيها إنقاذ حياة فهي ممنوعة يوم السبت.
*الخطوة التالية لإنكار عمل المسيح قولهم للمولود أعمى "أَعْطِ مَجْدًا للهِ" أي أن يعترف بأن الذي عمل المعجزة هو الله وليس المسيح، ففي نظرهم أن المسيح شرير ولا يعمل معجزات. أو يتخذ ضدك إجراء قاسي.
آية (16): "فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: «هذَا الإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ اللهِ، لأَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ السَّبْتَ». آخَرُونَ قَالُوا: «كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هذِهِ الآيَاتِ؟» وَكَانَ بَيْنَهُمُ انْشِقَاقٌ."
هنا بدأ انشقاق بين الفريسيين. وهذا طبيعي فهناك من هو أعمى القلب وهناك من هو مفتوح البصيرة.
الآيات (17-23): "قَالُوا أَيْضًا لِلأَعْمَى: «مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ!». فَلَمْ يُصَدِّقِ الْيَهُودُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ حَتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذِي أَبْصَرَ. فَسَأَلُوهُمَا قَائِلِينَ: «أَهذَا ابْنُكُمَا الَّذِي تَقُولاَنِ إِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى؟ فَكَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ؟» أَجَابَهُمْ أَبَوَاهُ وَقَالاَ: «نَعْلَمُ أَنَّ هذَا ابْنُنَا، وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى. وَأَمَّا كَيْفَ يُبْصِرُ الآنَ فَلاَ نَعْلَمُ. أَوْ مَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَلاَ نَعْلَمُ. هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ». قَالَ أَبَوَاهُ هذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ. لِذلِكَ قَالَ أَبَوَاهُ: «إِنَّهُ كَامِلُ السِّنِّ، اسْأَلُوهُ»."
إنه نبيٌ= بعد أن كان المسيح في نظره مجرد "إنسان اسمه يسوع". (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فبعد أن انفتحت عيناه صار يسوع نبي. كان يخبئ الكلمة في قلبه، ولم يستطع كتمانها أكثر من ذلك، وشهادته هذه تأكيد للنور الذي دخل قلبه، ولاحظ عدم خوفه من الفريسيين= السنهدريم= اليهود. لم يصدق اليهود= هم ظنوها مؤامرة بين المولود الأعمى والمسيح فطلبوا سؤال أبويه وهم خافا حتى لا يخرجوا من المجمع.
الآيات (24-25): "فَدَعَوْا ثَانِيَةً الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى، وَقَالُوا لَهُ: «أَعْطِ مَجْدًا للهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هذَا الإِنْسَانَ خَاطِئٌ». فَأَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ»."
إعط مجدًا لله
= عبارة تشير إلى أن هناك إجراء خطير سَيُتَّخَذ ضدكـ وهذا الإجراء له شقين:[1] شق ديني= يحرم المتهم من الله والحياة الأخرى. [2] شق مدني= يُعْزَل عن المجتمع ولا يتعامل معه أحد (بيع أو شراء
). وهم يخيفونه بهذه العبارة (يش19:7) والمعنى إعترف لعل الله يرحمك في الحياة الأخرى، فهم يطالبون المتهم بالاعتراف بالحق خوفًا من الله. وأن قرارًا سيصدر بقطع المتهم أو إعدامه، فعليه قبل هذا أن يعترف بخطيته ويعطي بهذا مجدًا لله ليحتفظ بحق الرحمة في الدهر الآتي بعد أن يكون قد حُرِم من كل حقوق الحياة كواحد من شعب الله في الحاضر (قتل أو قطع). وهم هنا يريدون أن يرعبوا هذا الأعمى البصير حتى يسحب اعترافه بأن المسيح نبي، وهم يوصوا للأعمى بما يقوله إذ يقررون أمامه بأن المسيح خاطئ، وأن هذا حكمهم وهم السنهدريم أي الهيئة الرسمية، حتى يلتزم بتغيير شهادته. أنا أعمى والآن أبصر= إن أقوى رد على محاولات التشكيك في المسيح هي إختباراتنا الشخصية.الآيات (26-28): "فَقَالُوا لَهُ أَيْضًا: «مَاذَا صَنَعَ بِكَ؟ كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» أَجَابَهُمْ: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضًا؟ أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تَلاَمِيذَ؟» فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: «أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تَلاَمِيذُ مُوسَى."
هم يريدون أن يستنطقوه بأن المسيح صنع سحرًا أو استخدم شياطين ليشفيه أو يقول كلامًا مناقضًا لما قاله من قبل فيمسكونه عليه. وبدأ الأعمى البصير يهاجمهم ويسخر منهم فشتموه واتهموه بأنه تلميذ المسيح وليس تلميذًا لموسى. (هذا الأعمى الشحات وبخهم= أعلنها للأطفال الصغار وأخفاها عن الحكماء).
تلاميذ موسى= كانوا يقولون أنهم تلاميذ موسى ويقولون هذا بصلف وكبرياء وإستعلاء. فإن كانوا يتباهون بأن الله كلَّم موسى فإنه من المؤكد أنهم سمعوا شهادة المعمدان بأن السماء انفتحت للمسيح، والآب تكلم يوم عماده. تلميذ ذاك= بهذا هم فصلوه من المجمع.
الآيات (29-34): "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللهُ، وَأَمَّا هذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ». أَجَابَ الرَّجُلُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ فِي هذَا عَجَبًا! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ، فَلِهذَا يَسْمَعُ. مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. لَوْ لَمْ يَكُنْ هذَا مِنَ اللهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا». أجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «فِي الْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ، وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا!» فَأَخْرَجُوهُ خَارِجًا."
الله لا يسمع للخطاة
= (أي8:27-9+ مز15:34-16+ أم27:1-29، 29:15+ أر11:11) نرى الفريسيين متشككين ويحاولون تشكيك ذلك الأعمى المستنير وما يثير هؤلاء الفريسيين أن المسيح لم يحصل منهم على تصريح بما يفعله، لا منهم ولا من مدارسهم. وهم سلطانهم من موسى، وموسى من الله، وهم يتكلمون بفم موسى أي بفم الله، ولكن المسيح بأعماله يهدم كل ذلك، والأعمى رأى وفهم أما هم فتحجروا. وما منعهم من الفهم هو إحساسهم بضياع سلطانهم. وكان منطق الأعمى المستنير، وإن لم تعرفوا من أين هو فيكفي هذه المعجزة لأن تعلموا من هو ومن أين هو، فهو لا بُد من الله فلا يمكن أن يسمع الله للخطاة (مز18:66). وكالعادة إذ لم يجدوا ردًا بدأوا يشتمونه. في الخطايا ولدت أنت= أي أنت ولدت أعمى بسبب خطاياك وخطايا أبوك وأمك، وهذا هو الرأي اليهودي ولكن ما قولهم إذ فتح المسيح عينيه الآن. ثم طردوه من جماعة اليهود. وكان الحكم بالطرد إمّا لفترة 30يومًا أو لمدة طويلة. والطرد كان يحرمه من مزاياه الدينية والاجتماعية. لاحظ تخبط اليهود "أما هذا فما نعلم من أين هو" (يو 29:9) "هذا نعلم من أين هو" (يو 27:7) "المسيح متى جاء لا يعرف أحد من أين هو" (يو 27:7).الآيات (يو9: 35–38):- "فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجًا، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ:«أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟» أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ!». فَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ!». وَسَجَدَ لَهُ. "
فوجده= أي فتش عليه حتى وجده، فالمسيح يبحث عن كل من خسر شيئًا لأجله ليعطيه إختبارًا أعمق، وهنا يعطيه فوق الشفاء الجسدي الإيمان به ليخلص أبديًا. لذلك هو "أب اليتامى وقاضي الأرامل" (مز68: 5) ومعين من لا معين له. والمسيح فتح له باب الحياة الأبدية بأن دعاه للإيمان، وهو إذ طردوه شابه المسيح المرفوض وحمل معه صليبه، ولقد ظنه الأعمى من قبل أنه نبي، وها هو يؤمن أنه ابن الله. الذي يتكلم معك هو هو= هو الثانية تعني الكينونة (أنا الكائن = أنا هو = يهوه).
الآيات (يو9: 39–41):- "فَقَالَ يَسُوعُ: «لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». فَسَمِعَ هذَا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ: «أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيَانٌ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ. "
أتى المسيح للعالم كنور ليفضح الظلام. حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ = مثل الأعمى وكل الذين آمنوا وتابوا، فالأعمى شُفيت عينيه الجسديتين وصار له أيضًا بصيرة فآمن وسجد. وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ= أي الذين يدَّعون لأنفسهم البصر والبصيرة والعلم والمعرفة، ويدَّعون أنهم العارفين للحق وحدهم كالفريسيين، هؤلاء كان لهم بعض المعرفة كما كان شاول الطرسوسي، ولكنها معرفة غير كاملة. فلما عرف المسيح إكتملت معرفته وصارت له البصيرة الروحية وصار بولس الرسول. ولكن هؤلاء قاوموا ورفضوا الإيمان لأن غلظة قلوبهم أعمت بصائرهم. هؤلاء هم من أسماهم المسيح من قبل الحكماء (حكماء في أعين أنفسهم) والفهماء (لو21:10+ مت25:11+ رؤ17:3).
ولكن لماذا ظهر المسيح لشاول الطرسوسي كنور أبرق له في الطريق، ولم يظهر لهؤلاء في ظهور مبهر كما حدث مع شاول؟ الإجابة ببساطة أن شاول كان يبحث عن مجد الله ولكن بطريقة خاطئة، كان مفهومه بحسب ما تعلم من الربيين أي المعلمين اليهود. لكن هؤلاء كانوا يبحثون عن مجد أنفسهم "كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَٱلْمَجْدُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلْإِلَهِ ٱلْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ" (يو5: 44).
وقولهم ألعلنا نحن أيضًا= فيها كبرياء وترفع على الآخرين فهم يشعرون أنهم العلماء العارفين، وهذا يزيد عماهم. ونرى هنا أن الأعمى قَبِل نورين، نور الجسد ونور الله فأبصر وإستنار معًا. هذا ما يريده المسيح لكل واحد، هو أتى لأجل ذلك، ولكن هذا لمن يقبل أن يسمع ويتعلم. ولكن هؤلاء الفريسيين المتكبرين نجد أنهم بإرادتهم ورفضهم للمسيح انحجب عنهم النور (يو19:3+ مت14:15+ لو51:1-53). فالنور هو بهجة العيون السليمة وأذى للعيون الكليلة المريضة. والمسيح نور ومن يقبله وترحب به عينيه يتزايد نورها، وكل عين لا تقبله يرفع عنها النور. لدينونة أتيت= لإظهار ما في القلوب، وتمييز الأبرار من الأشرار. المسيح هو نور، والنور حين يظهر يكشف كل شيء، الجيد والرديء = "وضع لسقوط وقيام كثيرين" (لو34:2). المسيح لم يأتي في مجيئه الأول ليدين، لكن من يرفض الإيمان به يدان= لدينونة أتيت ومن يؤمن به ينجو من الدينونة. المسيح أتى لينير قلوب العميان لجهلهم فيبصرون، ويفضح المتكبرون الرافضون. المسيح أتى في حب عجيب وكنور ليجذب بمحبته الجميع، فهو يريد أن الجميع يخلصون (1تى2: 4) فمن يقبل المسيح يكون نورا وينجذب لدائرة الحب، والمسيح هو الطريق وينير الطريق ومن يثبت فيه يثبت في الحياة والنور. أما من أصر على محبة الظلمة وأصر على خطاياه يبقى منفصلا عن المسيح، يبقى في ظلمته. والدينونة هي الانفصال عن المسيح، والمسيح هو النور والحياة والفرح والسلام والمجد. المسيح أنار الطريق فصرنا بلا عذر "أنت بلا عذر أيها الإنسان" (رو1: 20 + رو2: 1).
لو كنتم عميانًا لما كانت لكم خطية= حالة هؤلاء الفريسيين تماثل ملاك كنيسة لاودكية (رؤ3: 15-17) الذي قال له الرب "ليتك كنت حارًا أو باردًا". فالبارد هو الجاهل غير المدرك للأمور كما كان موسى الأسود وشاول الطرسوسي قبل أن يؤمنوا. والله قبل أن يدين هذا البارد أي الجاهل الأعمى يحاول معه "فلا أحد يستطيع أن يقول المسيح رب إلا بالروح القدس" (1كو12: 3). لذلك ظهر المسيح لشاول الطرسوسي، وأرسل الله لموسى الأسود من يشرح له، وأرسل الله فيلبس للخصي الحبشي ليشرح له ما لا يفهمه. وها هو المسيح بنفسه أمام هؤلاء المتكبرين ويشرح لهم، لكنهم في كبريائهم يظنون أنهم لا يحتاجون لأن يسمعوا منه. لو تنازل أحد هؤلاء المتكبرين وقبل النقاش مع المسيح لفتح الله عينيه وإكتشف أن الذي أمامه هو المسيح يهوه المتجسد بنفسه.
كان هؤلاء المتكبرين مشابهين لملاك كنيسة لاودكية الذي قال له الرب "أنت فاتر أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" وماذا يعني قوله فاتر؟ يشرحها المسيح ويقول - لأنك تقول "أنا لا حاجة لي إلى شيء". فَمَنْ لا يشعر بالإحتياج لله هو فاتر. ولكن من يشعر بالإحتياج فيأتي للمسيح، تنفتح عيناه كما حدث مع بولس الرسول. وما الذي يمنع هؤلاء أن يأتوا للمسيح؟ كبرياءهم وحقدهم وحسدهم للمسيح. هم يظنون أنهم يعرفون كل شيء ولا يحتاجوا لأحد = وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ.
لو كنتم عميانًا لما كانت لكم خطية= أي لو كان عماكم ناشئ عن جهل بالكتاب المقدس لما أدنتكم، ولكنكم تعاندون [قارن مع (رو19:2)]. والمسيح وصفهم من قبل بأنهم يبصرون (لهم بعض المعرفة) ولكنهم في سبيلهم لأن يكونوا غير مبصرين. وما الذي يجعل المبصر لا يرى = سوى أعماله الشريرة وكبرياءه وخطاياه، وهذا ما قاله رب المجد "طوبى لأنقياء القلب أنهم يعاينون الله". ومع هذا فهم يقولون نحن نبصر. بل أطلقوا على أنفسهم أسماء وألقاب مثل نور للذين في الظلمة وغيرها من الأسماء الرنانة (رو2: 17-20). كما فعل هؤلاء الفريسيين لكنهم في الحقيقة هم عميان والخطية أعمت عيونهم.
فخطيتكم باقية= طالما أنتم مصرين على خطيتكم ولا تريدون أن تأتوا لتبصروا. ولكن لو شعرتم بأنكم عميان وأتيتم لتشفوا فسيضيء لكم النور وتغفر لكم خطاياكم. ولكنهم ينكرون المسيح ليس جهلًا ولكن تجاهلًا للحقيقة.
وماذا يقصد المسيح بقوله خطيتكم باقية؟ الخطية هي عدم الإيمان بالمسيح. وهذا ما قاله الرب يسوع "وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ، أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِي" (يو16: 8-11) فلا غفران لأي خطية مهما كانت بسيطة سوى الإيمان بالمسيح وبكفارة دم المسيح.
ألعلنا نحن أيضًا عميان= هذا القول هو قمة الكبرياء. هم يشعرون أنهم فوق مستوى باقي الناس. ومثل هذا الإنسان الذي يشعر بالاكتفاء وعدم الاحتياج للمسيح يتقيأه المسيح (رؤ16:3-17).
تقولون أننا نبصر= تدعون المعرفة وبعنادكم ستظلون كما أنتم.
ملحوظة: نرى الأعمى وإيمانه يتدرج فأولًا هو قص ما حدث بأمانة وقال عن يسوع أنه الإنسان مفضلًا إياه على باقي البشر ثم أعلن أنه نبي، ثم أنه من الله فلو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا. ثم يؤمن به كابن لله ويسجد له وهذه هي الاستنارة. هكذا فالله يقود النفس في طريق طاعته والاعتراف به والشهادة له في اتزان وهدوء ونمو روحي عجيب. ولاحظ القول "أليس هذا هو المولود أعمى" فهكذا في حالة توبة أي إنسان ، يستغرب الناس التغيير الذي حدث فيه ، ويقولون أليس هذا هو فلان . ولكن ما غَيَّرَهُ أنه قابل الرب فشفاه.
هؤلاء الرعاة أهملوا الأعمى حين كان منهم ولما شفاه المسيح طردوه فهم رعاة غير أمناء. والمسيح الراعي الصالح أتى لهذه النفوس التي كسروها . لذلك فالإصحاح التالي يُكَلِّمنا عن الراعي الصالح في مقابل هؤلاء السُّرَّاق واللصوص، الرعاة غير الأمناء.
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 10 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا 8 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/cr8kfsg