محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
يوحنا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
في الإصحاح الأول رأينا كلمة الله اللوغوس (آية 1) وهو ابن الله (يو 1: 14، 34، 49). صار جسدًا أي تجسد وصار ابن الإنسان (آية 51). فلماذا فعل ذلك؟ الإجابة نجدها في الإصحاحات2-4 وتُسَمَّى إنجيل التجديد.
إصحاح (2): السيد يحول الماء إلى خمر. ثم يطهر الهيكل. ونفهم أن الهيكل هو جسده أي الكنيسة.
إصحاح (3): نرى هنا الولادة الجديدة من الماء والروح، ونسمع عن أن الحية النحاسية هي رمز للصليب. فالمعمودية تكتسب قوتها من الصليب. وشهادة يوحنا المعمدان عن المسيح، وأن الإيمان به شرط للحياة الأبدية. فالمسيح مات لأجل كل العالم. لكن من يولد من الماء والروح (معمودية) ويؤمن، فهذا يخلص. "من آمن واعتمد خلص" (مر16:16).
إصحاح (4): *نرى نموذج لعمل المسيح. فها هي السامرية الخاطئة تتحول إلى مؤمنة بل كارزة وهذا هو التجديد. ومن يتجدد ويمتلئ سيقدم عبادة لله بالروح والحق (رو9:1). والعبادة تكون في كل مكان وأي مكان. *ثم نرى معجزة للمسيح هي شفاء ابن خادم الملك، هذا في الظاهر. لكن المهم في هذه المعجزة أنها شفاء الإيمان. فالإيمان شرط للحياة الأبدية. والمسيح مستعد لشفاء الإيمان ونمو الإيمان داخلنا، ولكن هذا لمن يأتي إليه كما أتى خادم الملك هذا. راجع موضوع شفاء الإيمان في نهاية تفسير (يو21) وفى مقدمة سفر الخروج. فآمن هو وبيته كله (يو53:4). وهذا هو التجديد، شفاء لأرواحنا، لنصبح في المسيح خليقة جديدة (2كو17:5).
*ومن إصحاح (2) نرى عرس، فالمسيح هو عريس نفوسنا، وهو أتى ليحول حياتنا إلى فرح، الله خلق الإنسان في جنة عدن (أي فرح)، وهو يعيدنا للحالة الفردوسية الأولى أي لحالة الفرح، بعد أن فقدنا هذا الفرح بسبب الخطية. ولكن كيف؟ هو حول ماء التطهير الذي كان اليهود يستخدمونه في تطهير أجسامهم وكل ما يأتي من خارج البيت إلى داخل البيت. والمعنى أن كل من يحاول أن يطهر نفسه يحول له المسيح حياته إلى فرح.
*وَمَنْ يهمل، فالمسيح الذي يحب شعبه سيطهره ببعض التجارب، وهذا هو مفهوم تطهير الهيكل بسوط من الحبال، فمن يحبه الرب يؤدبه (عب5:12-6).
*ولكن التجارب والتطهير لا فائدة منهم بدون الصليب والمعمودية
والإيمان وهذا ما سمعنا عنه في
إصحاح (3). ثم نرى نموذج لمن يتم تجديده
وشفاءه في إصحاح (4). وبهذا ففي إصحاحات
(2-3-4) نرى إجابة السؤال.. لماذا
تجسد ابن الله، الكلمة الإلهي. ولكن لاحظ في
إصحاح (4) أن المسيح
يسعى وراء السامرية لتعرفه، تتعرف عليه كشخص، وتكتشفه وإذ تعرفه
ليس في المسيحية طعام أو شراب يقال عليه أنه نجس. فليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم. ولكن أن يكون الإنسان في حالة سُكْر فهذا هو المحرم، بل يمنع من دخول الملكوت. وكان الكتاب المقدس يمنع السُّكر عند اليهود. ولكن كان اليهود يعتبرون الخمر غير محرمة بل عطية من الله "وَأَنْفِقِ ٱلْفِضَّةَ فِي كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ فِي ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ وَٱلْخَمْرِ وَٱلْمُسْكِرِ وَكُلِّ مَا تَطْلُبُ مِنْكَ نَفْسُكَ، وَكُلْ هُنَاكَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ وَٱفْرَحْ أَنْتَ وَبَيْتُكَ" (تث14: 26). ولاحظ أنه لم يكن لليهود إمكانية الفرح الروحي، فالروح القدس لم يكن يسكن فيهم، والروح القدس كان يحل فقط على الملوك والأنبياء ورؤساء الكهنة . لذلك كانوا يفهمون أن طريق الفرح هو في الأكل والشرب (نح8: 9-12). لكنهم أيضًا يعتبرون أن السُكْر محرم (أم20: 1 + أم23: 20-21 + أم23: 29-32 + إش28: 1-8). ويلخص يشوع بن سيراخ الموقف من الخمر في "الخمر من البدء خلقت للانبساط لا للسكر. الخمر ابتهاج القلب وسرور النفس لمن شرب منها في وقتها ما كفى" وراجع (سى31: 30-42).
وأما في العهد الجديد فالروح القدس هو الذي يعطينا الفرح وما عدنا في حاجة للأفراح العالمية "لَا تَسْكَرُوا بِٱلْخَمْرِ ٱلَّذِي فِيهِ ٱلْخَلَاعَةُ، بَلِ ٱمْتَلِئُوا بِٱلرُّوحِ" (أف5: 18).
ونحن نستعمل في الأسرار المقدسة خمر غير مسكرة ومخلوطة بالماء، لكن بها نسبة بسيطة من الكحول، وأهمية وجود الكحول أنها مادة متطايرة وتمثل الروح التي تصعد للسماء. والروح هي حياة الإنسان. وهذا الخمر يحوله الروح القدس إلى دم المسيح الحي والذي عادت له الروح لتتحد به بعد القيامة. وبالتناول من دم المسيح تكون لنا حياته الأبدية المقامة من الأموات. وكلمة كحول بالإيطالية سبرتو وهي بالإنجليزية spirit وهي نفس كلمة روح في العربية، ومن هنا جاءت تسمية الخمور بالمشروبات الروحية أي المشروبات الكحولية.
*وما يحكم الإنسان المسيحي الآن بخصوص قضية الخمر هو أن كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق أو تبني، وعلى أن يكون غير مستعبد لشيء "كُلُّ ٱلْأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لَكِنْ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيء" (1كو6: 12).
والعهد الجديد يشير لقضية هامة وهي إن كان أكل طعام يعثر أخي فلن آكل لحمًا إلى الأبد.. أي إن كانت قضية شرب الخمر حتى وإن كانت ليست بدافع السُكْرْ ستكون سبب عثرة لآخرين فلا داعي لشرب الخمر مطلقًا. وراجع الشواهد التالية (تك25:27+28+37)+ تك18:14+ إش17:36+ 8:62-9+ 8:65+ مز15:104+ يؤ24:2+ أر9:6+ 30:25+ أم1:20+ أش12:56+ هو11:4+ (أش11:5-12+22)+ (إش1:28-7)+ رو13:13+ غل19:5-21+ لو34:21+ 1كو11:5+ 1كو10:6+ 1تي23:5) + (تث 14: 26).
الآيات (1-11): "وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا، دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلًا، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!». هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ."
يقرأ هذا الفصل يوم (13طوبة) وهو اليوم الثالث لعيد الظهور الإلهي (عيد الغطاس). كما يقول الإنجيل "وفي اليوم الثالث.." ويعتبر هذا العيد اليوم الأخير من أعياد الظهور الإلهي (الثيئوفانيا) إذ قيل هنا وأظهر مجده فآمن به تلاميذه. وهو أظهر أنه ابن الله الذي حول ماء التطهير إلى خمر العهد الجديد الذي يحمل سر الخلاص. أعياد الظهور الإلهي [1] الميلاد (الملائكة تبشر، والمجوس يعتبرونه ملكًا). [2] الختان= المسيح متمم الناموس [3] الغطاس (هو ابن الله) [4] عُرس قانا الجليل (بداية الآيات التي أظهر فيها مجده). (وهو عيد سيدي صغير).
ونلاحظ هنا أن بدء خدمة المسيح كان في عُرْس، فملكوت السموات يشبه عرس (مت2:22-14+ مت1:25-13 + مر18:2-20) وفي نهاية العالم سنجد عشاء عرس الخروف (رؤ7:19-9). فالمسيح هو عريسنا. هو عريس الخليقة الجديدة التي أتى ليؤسسها. ولأن يوحنا لم يستطع تصوير المسيح كعريس لجأ لهذه البداية أن يُصوِّر المسيح في عرس. وفي هذا العرس يحول المسيح الماء إلى خمر فالخمر يشير للفرح. والشعب اليهودي بسبب خطاياه ما عاد لهم فرح (يؤ5:1). وهذا ما نراه هنا في أن الخمر نفذت والمسيح حين حوّل الماء إلى خمر فهذا يشير إلى أنه أتى ليعيد بهجة الخلاص والفرح لمن فقدها. ونلاحظ أن الماء كان للتطهير. والمسيح قال إملأوا الأجران إلى نهايتها وهذا يشير أنه لكي نفرح ببهجة الخلاص التي يعطيها المسيح، علينا أن نبذل كل الجهد في جهادنا لنتطهر فيسكب المسيح نعمته فينا ونفرح. ونرى أن العذراء هي التي شعرت بأنه ليس لديهم خمر.. وهي ما زالت تشعر بكل من هو ليس فرحًا وتتشفع له حتى يدخل المسيح حياته فيفرح. والخمر تعبير عن سر الشركة مع المسيح. فالمسيح حَوَّل الخمر إلى دمه وبدون شركة مع المسيح أو بغياب المسيح عن حياتنا فلا فرح. وقول العذراء ليس لديهم خمر كأنها تقول للمسيح أعلن عن وجودك. ولها معنى آخر رمزي، فالعذراء الأم تهتم بأولادها الذين هم نحن وتقول لابنها "ليس لهم فرح".
وهذه المعجزة تشير للاهوت المسيح فهو حَوَّل مادة إلى مادة أخرى (الماء = أكسجين + هيدروجين. أما الكحول = أكسوجين + هيدروجين + كربون) فهنا حدثت عملية خلق لعنصر جديد هو الكربون. ورأى تلاميذه ما فعل فآمنوا به إذ رأوا مجده. وكما عرف تلميذي عمواس المسيح وقت كسر الخبز، عرفه التلاميذ هنا حينما حَوَّل الماء إلى خمر. ونلاحظ أن المسيح في إنجيل يوحنا يُحوِّل 5 خبزات ليشبع الجموع ويُحوِّل الماء إلى خمر ليفرح الناس. وفي هذا إشارة إلى الخبز والخمر اللذان كانا سبب بركة لكل العالم حين حَوَّلهما إلى جسده ودمه ليكونا للعالم كله سبب
حياة وشبع وفرح. فالخبز والخمر هما مادتا سر الإفخارستيا. ونلاحظ أنه كما يفرح المؤمنين بالمسيح يفرح المسيح بهم. وفرح الكنيسة بالعريس عَبَّرَ عنه النبي (يؤ24:2). وفرح المسيح بكنيسته (إش5:62). وبنو الملكوت حين يشربون من خمر بهجة الخلاص سيدركون أنه خمر جيد وأنه غير خمر أفراح العالم التي شربوها من قبل، فهم سيدركون سر الحياة التي أخذوها في التناول من خمر سر الافخارستيا. وسيدركون أن أفراح العالم كم هي خمر رديئة ودون (أف5: 18).هذه المعجزة تشير لأن إرادة الله أن نفرح "أراكم فتفرح قلوبكم" (يو22:16). والله خلقنا ووضعنا في جنة عدن (عدن بالعبرية = فرح) وهذا ما قاله بولس الرسول "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا" (في4:4). والمسيح أتى لأجل هذا، ليعيد لنا الفرح الذي فقدناه.
الآيات (1-2):- "وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ."
المسيح ترك اليهودية ومعه 6 تلاميذ أتى بهم إلى هذا العرس وهم أندراوس/ يوحنا/ بطرس/ يعقوب/ فيلبس/ نثنائيل. منهم 4 أسماء يهودية واسمان باليونانية، فالمسيح جعل الاثنين واحدًا، وهو أتى ليعطي الفرح للجميع. وقانا الجليل واضح أنها في الجليل (هناك قانا أخرى في لبنان جنوب شرق صور).
والمسيح قَدَّس الزواج بحضوره عرس قانا الجليل، وصنع المعجزة حتى لا يحدث حرج للعريس وعائلته. فالمسيح يعيش وسط أفراحنا وحياتنا وآلامنا، يقدس حياتنا ويعزينا في آلامنا. ولكن لنرى وننظر من يحضر أفراحنا، فهذا الفرح كان يحضره يسوع وأمه وتلاميذه. والمسيح يشاركنا أفراحنا على أن تكون أفراح مقدسة. والمسيحية هي انفتاح على العالم، نشارك الناس أفراحهم وضيقاتهم بقلب محب رقيق. والمسيح بالرغم من زهده حَوَّل الماء إلى خمر حتى لا يُحرج العريس. لذلك علينا أن نثق أنه يدبر كل أمورنا. وقارن مع فرح آخر، هو يوم سكر هيرودس فتحول الفرح إلى مأتم إذ قتل المعمدان، وهذا إسكات لصوت الحق. إذًا علينا أن نسأل أنفسنا هل المسيح في أفراحنا أم لا، وكيف نفرح. بل نحن حينما نحاول أن نفرح بطريقة العالم دون أن يكون المسيح وسطنا تتحول أفراحنا إلى غم.
اليوم الثالث= غالبًا محسوب من (يو 43:1) فهو اليوم الذي بعد الغد، فهو اليوم السادس للأيام التي حوت الحوادث الأولى، ونلاحظ أن رقم (3) هو رقم القيامة، وذكر القديس يوحنا عبارة اليوم الثالث مقصود، فالمسيح إستعلن ذاته كعريس يُفرح عروسه الكنيسة بقيامته. القيامة هي سر فرحنا. والقيامة الآن لنا هي قيامة من موت الخطية بقوة المسيح. ورقم 3 يشير أيضًا للأقنوم الثالث أي الروح القدس الذي سكن في الكنيسة، وهو الذي يجدد المؤمنين (تى3: 5) ومن ثمار عمله الفرح (غل5: 22). ولكن من الذي يفرح؟ هو من يتجاوب مع عمل الروح القدس ويتوب ويقوم من موت الخطية "لِذَلِكَ يَقُولُ: «ٱسْتَيْقِظْ أَيُّهَا ٱلنَّائِمُ وَقُمْ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ ٱلْمَسِيحُ" (أف5: 14).
شهادة يوحنا عن المسيح حينما جاء إليه اليهود ليسألوه (يو1: 19-28). |
|
اليوم الثاني |
"وفى الغد" شهادة يوحنا عن المسيح، حين جاء إليه المسيح (يو1: 29-34). كان المسيح قد إعتمد من يوحنا من 40 يومًا ثم ذهب للبرية ليُجَرَّب من إبليس. وأتى ليوحنا المعمدان في هذا اليوم ليشهد له. |
اليوم الثالث |
"وفى الغد" يوحنا يحول تلاميذه يوحنا وأندراوس ليتبعوا المسيح (يو1: 35-39). ودعا أندراوس أخيه بطرس، ودعا يوحنا أخيه يعقوب (يو1: 40-42). |
اليوم الرابع |
"وفى الغد" هنا المسيح يبدأ في إختيار تلاميذه بنفسه، فيختار فيلبس، وفيلبس يدعو نثنائيل (يو1: 43-51). |
اليوم الخامس |
اليوم التالي (الثاني) لإختيار فيلبس. |
اليوم السادس |
"وفى اليوم الثالث من (يو 1: 43) كان عرس .." عرس قانا الجليل (يو2: 1). وهو اليوم السادس لشهادة يوحنا المعمدان عن المسيح. |
ملاحظة: العرس يستمر عند اليهود 7 أيام (تك22:29-27+ قض11:14-12).
أم يسوع= يوحنا لا يذكر اسمه ولا اسم أمه ولا العذراء فهي خالته. ويبدو أنه كانت هناك قرابة بين العذراء وأهل العريس، فذهبت وذهب معها يسوع، والمسيح أخذ تلاميذه فهو كان يعرف أنه سيظهر مجده هناك فيؤمنوا به.
(آية3): "وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ»."
ليس لهم خمر= هي مشكلة كبيرة لأصحاب الفرح قطعًا (والخمر رمز للفرح وكأن العذراء تشكو للمسيح حال البشرية الحزين) هنا لم تحدد العذراء للمسيح كيف يتصرف، هي وضعت أمامه المشكلة وتركته يتصرف كما يريد فهي تؤمن بأن عنده حل لكل مشكلة، وهكذا صنعت أختا لعازر، إذ أرسلتا ليسوع قائلتين هوذا لعازر الذي تحبه مريض، ولم يطلبا شيئًا وهكذا ينبغي أن نصلي. وهنا نرى دور العذراء الشفاعي، فهي تطلب المستحيل من ابنها فيعطيها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكان لا بُد للخمر أن تنفذ، ففي وجود المسيح لا يجب أن توجد خمر رديئة، والعذراء تدعو ابنها ليصحح الوضع ويعلن عن حضوره.
فرغت الخمر= لا فرح= الله غير موجود في حياة الناس.. لذلك أتى المسيح.
(آية4): "قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ»."
يا امرأة= أي يا سيدة (LADY) وهي كلمة تدل على الاحترام والوقار في ذلك الوقت. والسيد قالها ثانية وهو على الصليب. ولنلاحظ:-
1. ما لي ولكِ= لقد بدأ عملي الخلاصي وإنتهى زمن خضوعي للمشورات البشرية. وبدأ تنفيذ إرادة الآب فقط.
2. ليس فيها احتقار للعذراء فمن أوصى بإكرام الوالدين لن يحتقر أمه. بل قال الكتاب أنه "كان خاضعا لهما" (لو2: 51) .
3. آدم أطلق لقب امرأة على حواء وهي ما زالت عذراء. وأطلق الله على العذراء مريم لقب امرأة حينما قال أن نسل المرأة أي المسيح سيسحق رأس الحية (تك 3 : 15) . وكما صارت حواء أمًا لكل حي صارت العذراء أمًا للكنيسة جسد المسيح. وكما صار المسيح آدم الأخير (1كو15: 45) صارت العذراء مريم حواء الأخيرة، أو الامرأة الجديدة أم كل جسد حي بحياة المسيح. حواء كانت أمًا للخليقة القديمة التي هي نسل آدم وحواء. وهذه الخليقة محكوم عليها بالموت. والعذراء صارت أمًا للخليقة الجديدة جسد المسيح وهي الكنيسة. والكنيسة خليقة حية بحياة المسيح. ونرى بداية أمومة العذراء للكنيسة في شخص يوحنا الذي قال له المسيح وهو على الصليب "هذه أمك" ، وقال للعذراء مريم أمه "يا امرأة هوذا ابنك" (يو19: 26 ، 27).
4. وإستخدام الرب يسوع لكلمة يا امرأة هنا وعلى الصليب فقط له معنى. فعلى الصليب يشير لأن العذراء صارت أمًا للمؤمنين جسم المسيح (أف5: 30) ومثال لذلك صارت أما ليوحنا. والأم تهتم بأن يكون أولادها فرحين فتطلب عنهم كما حدث هنا.
5. العذراء كأم الكنيسة تبدأ مع ابنها طريق الصليب ويجوز في نفسها سيف وتنتهي معه وهي بجانبه على الصليب، فهي شريكة أحزانه.
لم تأت ساعتي بعد= هناك تفسيران: [1] المسيح يريد أن يبدأ بالتعليم ثم يصنع معجزات، والسيد بهذا الرد كان يُظْهِر أن التعليم أهم من المعجزات .
[2] إذا بدأ المسيح معجزاته وظهر مجده سيهيج إبليس، وكأن هذه المعجزة إشارة لبدء الهجوم الذي سينتهي بالصليب، أو بها يبدأ العد التنازلي للصليب. ومع هذا، وأن ساعته لم تأتِ بعد إلاّ أنه لم يرفض لأمه طلبها وصنع المعجزة.
(آية5): "قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ»."
بالرغم من صورة الرد التي تبدو جافة إلاّ أن العذراء تعرف دالتها عند ابنها، وهنا تظهر قوة شفاعتها، فهي تعرف إرادة ابنها أكثر منا. وصلواتنا تكون مقبولة بشفاعتها.
للخدام= يوحنا الإنجيلي استخدم باليونانية لفظ دياكونيين. وفي هذا إشارة للخدام الكنسيين (كهنة وشمامسة) الذين يخدمون الأسرار. فهنا سر عظيم يحدث. (كلمة خدام بمعنى خدام عاديين تختلف عن دياكونيين في اليونانية διακόνοις).
مهما قال لكم فإفعلوه
= هذه وصية العذراء لنا دائمًا. وهذه هي العظة الوحيدة التي قالتها العذراء. فتنفيذ وصية المسيح هو سر الفرح مهما كانت الوصية صعبة. وهذه هي وصية الآب لنا من السماء يوم التجلي "له إسمعوا"، فَمَنْ يسمع له يحيا. والعذراء نفذت هذا (حبلت وفي هذا خطورة/ هربت لمصر/ شهدت الهجوم على ابنها بل صلبه).
(آية6): "وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً."
كان اليهود يطهرون كل شيء (مر3:7-4) ولا يأكلون إن لم يغسلوا أياديهم وهم دائمًا يغسلون أيديهم وأرجلهم. المطر= البث= الإيفة= 22.991لترًا. سعة الجرن تتراوح بين 46-69 لتر. إذًا فحجم الأجران كبير، وكان على الخدام أن يحملوا الأواني التي يملأونها بالماء من أقرب بركة إلى المنزل، وهذا ما يشير لجهاد الإنسان في تطهير نفسه، ولأنهم 6 أجران ماء، ورقم 6 يشير للإنسان الناقص الذي خلق في اليوم السادس. فمهما صنع الإنسان لن يتطهر وبالتالي لن يفرح. ولكن على الإنسان أن يفعل كل ما بوسعه، حينئذ تتدخل النعمة الإلهية وتطهر الإنسان وتملأه فرح. ولذلك فالأجران الفارغة تشير لعدم إمكانية الناموس أن يطهر أو يعطي فرحًا حقيقيًا. وحينما يجاهد الإنسان حتى الدم في العهد الجديد تنسكب النعمة داخله. ولنلاحظ أن المسيح لا يتدخل بمعجزة إلاّ إذا انتهت الوسائل الطبيعية.
ونلاحظ تكرار رقم 6:-
• 6 أجران ماء = مهما حاول الإنسان أن يتطهر فلن يحصل على الفرح الحقيقي.
• 6 هم تلاميذ المسيح = الكمال الإنساني ناقص مهما حاول الإنسان، ولن نكمل إلا بالمسيح، لذلك فرقم 7 هو رقم الكمال = 6+1. هذا ما قال عنه السيد المسيح "لِأَنَّكُمْ بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو15: 5).
• العرس في اليوم السادس = (راجع الجدول عاليه). فرحنا في العالم ناقص ولن يكمل إلا في السماء.
من حجارة= إشارة لقساوة القلب بالخطية وهذه حين يحولها الله بالتطهير لقلب لحم ستمتلئ حبًا فتفرح (حز19:11). والله يحول القلب الحجر إلى قلب لحم بأنه يسكب محبته في قلوبنا بالروح القدس (رو5: 5) ومن يحب الله سيحفظ وصاياه (يو14: 21-23). وبالحب تكتب الوصايا على القلب (إر31: 33).
تطهير اليهود= كان بالماء، أما المسيحيين فتطهيرهم بدم المسيح في المعمودية والإفخارستيا.
(آية7): "قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ."
الجهد المطلوب لملء الأجران ماء، ليس جهد قليل فهم سيملأون ما يقرب من 20 صفيحة ماء من أقرب بِركة مياه،، هذا إشارة للجهاد. والله يريدنا أن نجاهد لنطهر أنفسنا، وإلا لماذا لم يحول المسيح الهواء إلى خمر ويريح الخدام. وهذه المعجزة تشبه تمامًا معجزة الخمس خبزات والسمكتين، فالخمس خبزات هم الجهاد الإنساني والنعمة أشبعت بهم 5000شخص. وتشبه معجزة صيد السمك الوفير. وإذا فهمنا أن الخدام هم خدام طقوس الأسرار، فالكاهن والشمامسة يخدمون ويملأون المعمودية ماء، والروح القدس يعطي للماء قوته. والكاهن يصلي على الخبز والخمر
والروح القدس يحوله إلى جسد ودم المسيح. ونلاحظ هنا طاعة الخدام في ملأ الأجران ثم تقديم خمر كان أصله ماء منذ ثوان لرئيس المتكأ. وهذه هي عطية المسيح بوفرة وبفيض وهي عطايا جيدة، أما أفراح العالم فسريعًا ما تزول. إملأوا الأجران= علينا أن نبذل كل ما بوسعنا حتى نتطهر، ونجاهد حتى الدم حينئذ يملأ الرب حياتنا فرحًا.
(آية8): "ثُمَّ قَالَ لَهُمُ:«اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا."
رئيس المتكأ= هي عادة شرقية أن يدير الاحتفال رجل مرموق الكرامة من أهل العريس، يتشرفون به ويقدمون له الأكل والشراب أولًا، وهو يتبرع بتنظيم وضبط حفل العرس ولذلك فهو يظل بدون أن يسكر حتى يضبط الحفل، فشهادته لها قيمتها. وقد يكون رجل الدين الذي يجري مراسم الاحتفال. وكان بحسب طقس العشاء يتذوق هو أولًا الطعام والشراب. وكون المسيح هو الذي يطلب أن يشرب رئيس المتكأ فهذا يشير لأن المسيح هو العريس الحقيقي والكل مدعويه. والمسيح أيضًا أراد أن يعترف رئيس المتكأ بنوعية الخمر التي تحمل قوة إلهية قادرة أن تعطي فرحًا حقيقيًا لوجود الله.
(الآيات9-10"): فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا، دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ:«كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلًا، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!»."
إستقوا الآن= الماء تحوَّل فوريًا. من أين هي= هو يعلم أن المنزل ليس به هذه النوعية. لكن هذه تشير لجهل الناس كيف يتغير أولاد الله ويتجددون.
توجد الأجران خارج المنزل، لذلك لم يعرف رئيس المتكأ ما حدث، لكن الخدام عَرِفوا فهم الذين ملأوا الأجران وهم الذين رأوا ما حدث. وتفسير هذا روحيًا: لم يعلم= رئيس المتكأ يشير لشعب العهد القديم الذين هم تحت الناموس، هؤلاء لا يدركون عمل المسيح الخفي. فأسرار نعمة الله خفية لا يعرفها إلاّ من يقترب من الله. والخدام علموا= يشير الخدام هنا لخدام العهد الجديد الذين عرفوا شخص المسيح وهم يعلمون عمله في تجديد الطبيعة.
ولنلاحظ أن الخمر التي صنعها المسيح ليست خمرًا مسكرًا، بل هي إعلان عن حبه، كانت مادة حلوة المذاق ولكنها بالتأكيد غير مسكرة مع أن لها طعم الخمر، فواضع الشريعة لن يناقض نفسه. ولا نستغرب أن تكون الخمر لها طعم الخمر وهي غير مسكرة فنحن نتناول دم المسيح ونتذوقه كخمر وهو دم، وننزل لماء المعمودية ونخرج دون تغيير ظاهر وبالميرون يحل فينا الروح القدس دون أن نراه.
هنا المسيح يحول القديم إلى جديد، ماء التطهير إلى خمر حقيقي فيه فرح حقيقي. ومتى سكروا= هذا لا يشير أن الحاضرين كانوا سكارى، بل رئيس المتكأ يقول عن مثل مشهور. ولكن هذا القول المشهور كان مُعَبِّرًا عن حال اليهود (إش7:28-9). فواقع حال اليهود رديء وهو الموصوف بالخمر الدون، أمّا المسيح فأتى ليعطي الفرح الحقيقي أي الخمر الجيدة. ونلاحظ أن هذا هو حال العالم وحال الخطية فهي تقدم للناس لذة مؤقتة، خمرًا رديئة، هي لذيذة في بدايتها ولكن يعقبها مرًا وإفسنتينًا. جيدة= هي نفس الكلمة المترجمة صالح في "أنا هو الراعي الصالح" فالخمر الجيدة لها علاقة بالمسيح الذي هو الكرمة الحقيقية. وعمومًا فهناك صنفان من الناس الأول= لا يعلم، والثاني= يعلم.
الأول هو مَنْ لا يعلم= هذا لا يعلم كيف يحدث التغيير من الحزن إلى الفرح، يعني أنه لم يفهم أن الخمر الجيدة أي الفرح الداخلي يعطيه الرب لمن يحاول أن يطهر نفسه. وأن هذا يحتاج لجهاد وتغصب (مت11: 12). هذا شرب الخمر وأعجبته وتوقف عند هذا. مثل هذا يشير لمن رأوا معجزات المسيح وأعجبهم كلامه ولكنهم لم يتغيروا ولم يؤمنوا. وأيضًا مثل من أكل مما صنعه المسيح في معجزة الخمس خبزات فتبعوه إذ هم يطلبوا المزيد من الطعام البائد (يو26:6) ولم يفهموا أن الشبع هو بشخص المسيح. وهؤلاء أيضًا هم من إنخدع بملذات العالم الشهية للنظر ولم يعلموا النهاية المرة للشهوات العالمية.
الثاني هو مَنْ يعلم = هم من عرفوا المسيح لشخصه وعرفوا قوته ونعمته، وفهموا سر الفرح الداخلي والشبع بشخصه، أي الجهاد والتغصب في تطهير النفس. وعلموا أن المسيح هو ابن الله فدخلوا في شركة معه (مت29:26). هؤلاء إختبروا قوة التجديد ولذة الفرح.
وعطايا المسيح عكس عطايا العالم فقد تبدأ بمرارة الجهاد والتوبة ولكنها تنتهي بالفرح.. "حزنكم يتحول إلى فرح" (يو20:16) .
(آية11): "هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ."
تُسَمَّى آيات لأنها برهان على صِدْق رسالة المسيح. وأظهر مجده= (قال يوحنا في (يو 1) رأينا مجده. وهنا نرى كيف رأى يوحنا مجده) لذلك تعيد الكنيسة بعيد عرس قانا الجليل مع أعياد الظهور الإلهي الذي فيه استعلن الثالوث. هنا التلاميذ اكتشفوا يسوع، فهذه المعجزة هي معجزة خلق، واكتشفوا حنانه فهو لم يقبل أن يحرج العريس، لكن يسوع يريد من يطلب منه بثقة ولأن إيماننا ضعيف فنحن نتشفع بأم النور وهي تطلب منه بثقة. كلمة آية في اليونانية σημάδι تشير لطبيعة صانع العمل، أي هي عمل يكشف عن طبيعة من عمله. فهذه المعجزة تعلن ألوهية المسيح ففيها خلق لمادة جديدة.
ونلاحظ أن أول معجزة صنعها المسيح تحويل الماء إلى خمر وآخر آية صنعها هي تحويل الخمر إلى دمه.
ماء ← خمر ← دم.
والمعنى أن الحياة الطاهرة بجهادنا (ماء) تتلامس مع المسيح في (الخمر) حبه وفرحه. جهادنا في تطهير أنفسنا وبمعونة النعمة يجعنا نتلامس مع المسيح فنتذوق الفرح. فيؤهل الإنسان إلى شركة جسده و(دمه) الأقدسين.
ولنلاحظ أن المسيح حول الماء إلى خمر حتى لا يحرج العريس ولكنه رفض تحويل الحجارة إلى خبز بالرغم من جوعه، بهذا نفهم اهتمامه بتدبير كل حاجاتنا. فآمن به تلاميذه= هم قبلًا أعجبوا به وتبعوه، لكنهم هنا عرفوا مجده فآمنوا به.
آية (12): "وَبَعْدَ هذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّامًا لَيْسَتْ كَثِيرَةً."
+هذه الآية لا تذكر يوسف فغالبًا كان قد مات. ولا تذكر أخوات المسيح ربما لأنهن قد تزوجن. وأخواته كانوا من زواج سابق ليوسف النجار. والمسيح بعد عودته مع يوسف والعذراء من مصر عاشوا في الناصرة (مت22:2-23) وعاش فيها كنجار (مر3:6) حتى سن الثلاثين، إلى أن نزل ليعتمد من المعمدان (مر9:1). ثم بعد صوم الأربعين يوما في البرية وتجربة إبليس، ذهب ليوحنا المعمدان ليشهد له. وبدأ في إختيار تلاميذه. ثم ذهب مع تلاميذه إلى الجليل وحضر عرس قانا الجليل مع تلاميذه الستة. ثم إنحدر مع أمه وإخوته وتلاميذه إلى كفرناحوم (مت13:4). وكان هذا لأيام قليلة عادوا بعدها إلى الناصرة.
إخوته = كان اليهود يُطلقون على الأقرباء إخوة وأمثلة على ذلك:-
• إبرام يقول للوط نحن أخوان، بينما أن لوط هو ابن هاران أخو إبراهيم (تك13: 7 + تك12: 5 + تك11: 27).
• وَقَالَ: "مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي لَمْ يَمْنَعْ لُطْفَهُ وَحَقَّهُ عَنْ سَيِّدِي. إِذْ كُنْتُ أَنَا فِي ٱلطَّرِيقِ، هَدَانِي ٱلرَّبُّ إِلَى بَيْتِ إِخْوَةِ سَيِّدِي" (تك24: 27) هذا ما قاله خادم إبراهيم للابان وعائلة رفقة.
• وهذا نفس ما قيل من يعقوب لراحيل "وَأَخْبَرَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ أَنَّهُ أَخُو أَبِيهَا، وَأَنَّهُ ٱبْنُ رِفْقَةَ" (تك29: 12). مع أن لابان هو خال يعقوب، لأن يعقوب هو ابن رفقة أخت لابان.
• قيل عن تلاميذ السيد المسيح أنهم إخوة "ذَاعَ هَذَا ٱلْقَوْلُ بَيْنَ ٱلْإِخْوَةِ: إِنَّ ذَلِكَ ٱلتِّلْمِيذَ لَا يَمُوتُ" (يو21: 23).
• بل قال السيد المسيح الذي له كل المجد عن المحتاجين أنهم إخوته ""فَيُجِيبُ ٱلْمَلِكُ وَيَقُولُ لَهُمُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلَاءِ ٱلْأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (مت25: 40).
• وبهذا المفهوم يصبح إخوة المسيح إما أبناء إخوة يوسف أو أبناء ليوسف من زواج سابق. ويوسف كان كبيراٍ في السن، وبالتالي كان أولاده كبارا في السن أيضًا.
والمسيح جعل من كفرناحوم مركزًا لدعوته حتى أن كفرناحوم دعيت مدينته (مت1:9). ولماذا ترك الناصرة؟ فهذا لأنها رفضته (مر1:6-6) ولم تكن كفرناحوم أفضل حالًا من الناصرة (مت20:11-24).
والأناجيل الثلاثة (متى ومرقس ولوقا) ركزت على خدمة المسيح في الناصرة.
أمّا يوحنا فركز على خدمة المسيح في اليهودية، وتحدث قليلًا عن خدمته في الجليل (يو 1:2-22+ 43:4-54+ 1:6-9:7+ 1:21-25) بينما كان في 17 إصحاح تقريبًا يتكلم عن خدمة المسيح في اليهودية، حيث ركز معظم تعاليمه اللاهوتية الخطيرة فلماذا:- 1*أورشليم يوجد بها دارسو الناموس واللاهوتيين، أما الجليليين فهم بسطاء ومنهم تلاميذه البسطاء. 2*أيضًا "الشريعة تخرج من صهيون ومن أورشليم كلمة الرب" (إش3:2) . 3*وأيضا "الرب يدخل في المحاكمة مع رؤساء وشيوخ إسرائيل شعبه" (إش14:3).
الآيات (13-25): "وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا. فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ:«ارْفَعُوا هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!». فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي». فَأَجَابَ الْيَهُودُ وَقَالوُا لَهُ:«أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ الْيَهُودُ:«فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هذَا، فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكَلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ. وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ، إِذْ رَأَوْا الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَ. لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ. وَلأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ."
المسيح طهر الهيكل مرتين، الأولى هنا في بداية خدمته، والثانية يوم الاثنين من أسبوع الآلام قبل الفصح الأخير [وذلك إظهارًا لسلطته وإعلانًا عن عمله، إذ هو أتى ليطهر ما قد فسد (جسدنا= هيكلنا)]. وهنا نجد مقارنة بين هيكل أورشليم القديم الذي سيهدم لتقوم الكنيسة هيكل جسد المسيح الجديد.
(الآيات13-14):- "وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا."
في (ملا1:3-4) يتنبأ ملاخي عن مجيء المسيح للهيكل ليطهره،لقد حلّ الآن السيد بغتة في هيكله ليطهره. وزكريا يتنبأ عن بناء الهيكل الجديد (زك 12:6-13)
فصح اليهود
= لماذا يقول فصح اليهود وهل هناك فصح لأحد غير اليهود؟1) هذا إشارة لأن المسيح هو الفصح الجديد، كما يقول القديس بولس الرسول "لِأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لِأَجْلِنَا" (1كو5: 7). ويوحنا يكتب إنجيله سنة 100 م. بعد أن إستقر الفصح المسيحي الجديد.
2) وبعد المسيح انتهى الفصح اليهودي ولم يصبح له معنى وما عاد فصحًا للرب. كان خروف الفصح رمزًا للرب يسوع، فلما أتى المرموز إليه انتهى دور الرمز. والمسيح أتى لأورشليم يفتقدها ويصنع فيها آيات (آية 23) وبدأ خدمته بتطهير هيكلها فرسالته تطهير البشر وإصلاحهم. (المسيح أتى في الفصح لأورشليم تنفيذًا للناموس.)
فصعد إلى أورشليم
= لأن أورشليم على جبل.ووجد في الهيكل
= أي الرواق الخارجي.لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة
=وكان الذين يبيعون ويشترون الأغنام والأبقار، والصيارف الذين يغيرون العملة الأجنبية وعليها صورة قيصر بالشاقل اليهودي الذي بدون أي رسومات ليدفع اليهودي النصف الشاقل المفروضة عليه بالناموس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أمّا الأغنام والأبقار فكانت ليقدموا منها ذبائح في الهيكل، ولقد سمح قيافا وحنان بهذه التجارة في الهيكل فكانت أرباحهم منها أرباح ضخمة إذ كانوا يتلاعبون ويغشون الناس، فمن يريد أن يقدم ذبيحة يشتري الخروف الذي سبق وفحصه الكهنة وختموه دليل أنهم وجدوه بلا عيب وصالح لتقديمه ذبيحة. وحين يأتي الرجل بهذا الخروف للكهنة في الهيكل يفحصونه ويقولون به عيب، فيقول الرجل وماذا أفعل بهذا الخروف الآن، يقولون له نشتريه منك ونبيع لك آخر، ثم يشترونه بثمن بخس ويبيعون له آخر بثمن كبير. فحققوا من هذا الغش أرباحا ضخمة. بل كان التجار من الكنعانيين وكانوا مشهورين بالغش (هو7:12) وهؤلاء طردهم المسيح (زك21:14) (راجع أش7:56+ أر11:7). وكان يجب أن تكون هناك حيوانات لتقديم ذبائح. ويجب أن يكون هناك صيارف. لكن الموضوع تحول لتجارة ونهب وغش وخداع للشعب في البيع والشراء لحساب رؤساء الكهنة ، وكان هذا عثرة للشعب. ولذلك قال لهم الرب أنهم جعلوا بيت الله مغارة لصوص (لو19: 46 + مر11: 17).حنان وعائلته:-
من كتاب حياة المسيح والزمان الذي عاش فيه (لإدرشيم الكاتب اليهودي المتنصر):
"شَرَّعَ الصيارفة لأنفسهم نسبة أرباح لهم من تغيير العملات، وكان ما يحصلون عليه مبالغ ضخمة. بل كان هؤلاء الصيارفة يدخلون في صفقات وحوارات مع كل من يأتي إليهم للحصول على أكبر كم من الربح. وكان هناك غش كثير في الموازين. كل هذا سبب أرباحًا ضخمة لهؤلاء الصيارفة. ويقال أن "كراسوس" القائد الروماني قد استولى من هؤلاء الصيارفة في الهيكل ذات مرة على مليونين ونصف إسترليني (هذا الرقم مُقَدَّر من أيام تأليف هذا الكتاب لإدرشيم في منتصف القرن التاسع عشر) [وهذا الكتاب مترجم وموجود بعد الأناجيل في كتب العهد الجديد]. "يضاف لهذا تجارة المواشي والطيور التي تقدم كذبائح في الهيكل. وحتى في هذه التجارة انتشر الغش بسبب الشرط أن يكون الحيوان الذي يقدم بلا عيب. وكان التلاعب في هذا الموضوع سببا في أرباح عالية بالإضافة للمغالاة في أسعار الذبائح. وتصور الحال في هيكل العبادة لله، مع كل هذا الكم من الطمع والغش والخداع والتجارة والمشاحنات بين الصيارفة وبائعي الحيوانات والطيور (والفصال في الأثمان) والمشاحنات بين الناس ومن يقوموا على الكشف على الحيوان ليتأكدوا من خلوه من العيوب. وكان هناك أيضًا تجارة السكائب وكل ما يقدم كتقدمات في الهيكل. وفي أيام المسيح كان من يقومون بهذه التجارة هم أولاد حنان رئيس الكهنة. وكانت المحال التي يتم فيها هذه التجارة تسمى "بازار أولاد حنان". "وحقا كان التجار والصيارفة يكسبون مكاسب ضخمة من هذه التجارة. ولكن كان المكسب الأكبر للكهنة الذين يحصلون على جزء من الأرباح. والمعروف وقتها أن عائلة رئيس الكهنة تربح من كل هذه التجارة أرباحًا خيالية. بل صارت عائلة رئيس الكهنة مشهورة بالشراهة والجشع والفساد. وبعد كل هذا ... هل يصح أن يكون هذا بيت صلاة؟! بل صار مغارة للصوص كما قال الرب. ولقد صوَّر فساد هذه العائلة يوسيفوس المؤرخ وكثير من الربيين الذين أعطوا صورة مرعبة عما كان يحدث. وقال يوسيفوس عن حنان الابن وهو ابن حنان رئيس الكهنة أنه كان خزينة للنقود، وإغتنى غناء فاحشا. بل كان يغتصب بالعنف حقوق الكهنة الشرعية. وسجل التلمود اللعنة التي نطق بها (آبا شاول) أحد الربيين المشهورين في أورشليم على عائلة حنان رئيس الكهنة وعائلات رؤساء الكهنة الموجودين، والذين صار أولادهم وأصهارهم مساعدين لهم في جباية الأموال، وصار خدامهم يضربون الشعب بالعصي. وهم يعيشون في رفاهية ونهم وشراهة وفساد وسفه في صرف أموالهم. وقال التلمود عنهم "لقد كان الهيكل يصرخ في وجوههم .. أخرجوا من هنا يا أولاد عالي الكاهن لقد دنستم هيكل الله". وهذا كله يساعد على فهم ما عمله يسوع، وسبب عداء رؤساء الكهنة له. وهذا أيضًا يعطي تفسير لماذا لم يعترض الجمهور الموجود على ما عمله يسوع. وخاف المسئولون عن مواجهته أو القبض عليه من هياج الجماهير والحامية الرومانية على بعد خطوات في قلعة أنطونيا. [أضف لذلك هيبة المسيح التي أخافت الجميع كما حدث ليلة القبض عليه، فالمسيح حين يريد تظهر هيبته وإذا استسلم لهم يكون هذا بإرادته]. ولكنهم خزنوا حقدهم ضد المسيح ليوم الصليب". -نهاية أقوال إدرشيم- |
وكان اليهود (الكهنة) موقفهم ضعيفًا إذ هم يعلمون الفساد المتفشي في الهيكل. وطلبوا من الرب أن يريهم آية (أي علامة تثبت أحقيته لفعل هذا).
وكانت العلامة التي رد بها الرب "
أنقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه" وكان يتكلم عن صلبه وقيامته التي بها سيطهر الهيكل. ولكنهم لم يفهموا معنى كلامه بل اتخذوه ضده في محاكمته. وكان أيضًا يشير لأنهم مهما عملوا وخططوا ضده حتى الصليب فهو سينتصر ويقوم، ليقيم كنيسة طاهرة هي جسده ويتمم مشيئة أبيه السماوي. بل كانت هذه هي العلامة الوحيدة التي أعطاها المسيح لأعدائه... قوموا وهيجوا ضدي أو ضد الكنيسة هيكل جسدي، وستسلمونني للصلب، وسأموت فعلًا ولكن بإرادتي، ولكني وسأنتصر وتنتصر كنيستي ولن يقوى عليها عدو حتى الموت. وهذا ما أثبتته الأيام فالمسيح قام بعد ثلاثة أيام والكنيسة باقية للآن بالرغم من كل الاضطهاد التي عانت منه عبر العصور ولكنها ما زالت صامدة وباقية وللأبد. قال المسيح ""ينبغي أن أكون فيما لأبي" (لو2: 49) ولذلك بدأ المسيح ظهوره العلني بتطهير الهيكل، فتطهير الهيكل بيت أبيه كان هو الهدف الذي أتى من أجله، وهو بهذا يعلنه. وأنهى خدمته بتطهير الهيكل ثانية قبل صلبه بأيام، سواء الهيكل بمعنى الكنيسة أو الإنسان هيكل الله. وتطهير الهيكل للمرة الثانية كان قبل صلبه ليشير لطريقة التطهير وأنها بدمه.
(الآيات15-16):- "فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ:«ارْفَعُوا هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!»."
راجع (إش10:1-17+ 1بط17:4). والمسيح يبدأ حركة التطهير. ونلاحظ أن الفصح كان قريبًا والفطير كان قد اقترب والمعنى واضح فالمسيح يريد تطهير شعبه من خمير الخطية. والمسيح استخدم سوطًا من حبال= والحبال كانت في يد تجار الماشية مع ماشيتهم والحبال لها شكل وليس لها فعل، هو رمز للسلطان وليس للتأديب، طرد بها السيد تجار الماشية، الصيغة المستخدمة في الإنجيل تشير أن المسيح لم يضرب أحدًا بالسوط. أما الحمام الوديع الهادئ قال عنه المسيح ارفعوا هذه.. ومن المؤكد فلقد ظهر على المسيح هيبة عجيبة جعلتهم يسرعون هاربين منه دون اعتراض وطرد الذبائح إشارة لانتهاء عهد الذبائح الدموية، والآن سيقرب الذبيحة الحقيقية. والمسيح استعاض عن الذبائح الإجبارية على اليهود بالصلاة حين قال "بيتي بيت الصلاة يُدعى".،وهذا قاله داود "لتستقم صلاتي كالبخور قدامك، ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية" (مز 141: 2). وكان عمل المسيح هذا سببًا في أن يتربص به اليهود ليقتلوه، فرؤساء الكهنة شعروا أن تجارتهم في خطر. إرفعوا هذه من ههنا= نحن هيكل الله وينبغي أن نرفع كل فكر رديء أو شهوة رديئة أو نظرة رديئة، داخل الكنيسة أو خارجها.
ملحوظة: يوحنا هو الوحيد بين الأربعة الإنجيليين الذي أشار للسوط في يد المسيح. وذلك لأنه يهدف لأن يقول أن السوط يرمز للتجارب والتأديبات التي يسمح بها الله لشعبه المتراخي عن الجهاد في تطهير نفسه، وهدف الله منها أن يؤدب شعبه، فيتطهر، فيفرح.
وكما قلنا فيوحنا هو الوحيد الذي ذكر موضوع السوط فهو رمز للتجارب التي يسمح بها الله ليطهر أولاده الغير قادرين على تطهير أنفسهم (فيوحنا يذكر موضوع السوط عقب موضوع أجران التطهير في عرس قانا الجليل).
(الآية17):- "فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي»."
كان التلاميذ يفرحون بما يعمله المسيح إذ يقابلوه بالنبوات فيزداد إيمانهم (مز9:69) وهو مزمور مليء بالنبوات عن آلام المسيح.
ولاحظ أن ما فعله السيد المسيح كان عملًا صعبًا جدًا ففي عيد الفصح يوجد ملايين في أورشليم وتصور الزحام في الهيكل، وفي وسط كل هذا الزحام يعمل المسيح ما عمله.
ولو لم ترهبهم هيبته لكانوا قد قتلوه في الهيكل.ولاحظ أن المسيح أتى ليطهر الهيكل ولما رفضوا التطهير تركه لهم خرابًا (مت38:23) وهكذا فالله يعمل على تطهير أجسادنا وحياتنا وإذا رفضنا نفسد، فمن يفسد هيكل الله يفسده الله (1كو17:3). إذًا لنصرخ لله ليطهرنا ونقبل عمله المطهر والسوط الذي يؤدبنا به.
(الآية18):- "فَأَجَابَ الْيَهُودُ وَقَالوُا لَهُ:«أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟»"
هو سؤال للسيد أن يثبت أنه مرسل من الله بأن يصنع معجزة كما حدث مع موسى فالذي له سلطان على الهيكل هو المسيا (ملا1:3) وهذه محاولة من اليهود يظهروا بها أنفسهم أنهم أصحاب السلطة، وهي دفاع عن عدم إيمانهم.
(الآية19):- "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ»."
انقضوا.. أُقيمهُ= هما كلمتان تصلحان أن يقالا عن المباني المبنية بالحجارة وعن الإنسان (2كو1:5+ رو25:4). فانقضوا λύσατε تعني في اليونانية هدم، قتل/ حل/ فك. وأقيم يمكن أن تقال عن قيامة الجسد وعن قيام أو إقامة مبنى والمسيح هنا يخبرهم عما سيفعلونه به كنبوءة. وأنه سيقوم بعد أن يصلبوه. ولكن كلام المسيح ينطوي على تهديد لهم. فساعة أن يسلموه للموت سيحكمون على هيكلهم وأمتهم بالخراب، أما هو فسيقوم وهذا ما حدث. ثلاثة أيام= مثل يونان النبي (مت4:16). وهم فهموا كلام المسيح هنا أنه سيقوم بعد أن يموت بثلاثة أيام (مت62:27-64). ولاحظ أن المسيح قال أقيمه وليس أبنيه. هم طلبوا دليل على أنه المسيا الذي أتى ليطهر هيكل أبيه، فقال لهم هذا الدليل أنكم ستصلبونني وأموت وسأقوم بعد 3 أيام لأنني ابن الله الحي الذي لا أموت. المسيح لا سلطان لأحد أن يقتله، فهو الحياة نفسها (يو11: 25) وهو الذي له سلطان أن يضع نفسه وأيضًا له السلطان أن يقيم نفسه "لِأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا" (يو10: 17-18). أقيمه= سلطانه أن يقيم نفسه فهو ابن الله. وقوله أنقضوا.. أقيمه فيه إشارة لأن الجسد الذي يقوم له علاقة بالجسد الذي نقضوه أي حلوا أجزاءه، فهو سيعيد تجميعه.
تأمل: هم طلبوا آية أمّا نحن فلا نطلب معجزات، بل بالإيمان نثق أن الله موجود ويعمل.
(الآية20):- "فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟»"
ست وأربعين سنة = بدأ البناء في الهيكل سنة 20 ق.م. على يد هيرودس الكبير (لم يكن هذا بناء لهيكل جديد ، فالهيكل تم بناؤه على يد زربابل سنة 515 ق.م. وهذا لأن نبوخذ نصر الملك البابلي هدم الهيكل الذي بناه سليمان سنة 586 ق.م. وجدده يهوذا المكابي حوالي سنة 176 ق.م. والآن يقوم هيرودس بتجديده وتوسيعه). والآن نحن في سنة 26 م. أو سنة 27 م. فالمسيح ولد سنة 4 ق.م. والهيكل انتهى العمل فيه سنة 63 م. على يد هيرودس أغريباس الثاني. وتم تدميره سنة 70 م. بيد الرومان بقيادة تيطس.
(الآية21):- "وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ."
هذه الشهادة فهمها التلاميذ بعد قيامة المسيح (آية 21). وهيكل جسده هو الحجارة الحية التي هي نحن (أي كنيسته) (1بط5:2) وهو حياتنا (في 21:1) .
(الأية22):- "فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هذَا، فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكَلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ."
القيامة شددت إيمان التلاميذ إذ إستعلنت حقيقة ابن الله. فآمنوا بالكتاب= نبوات العهد القديم عن موت المسيح وقيامته.
(الأية23):- "وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ، إِذْ رَأَوْا الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَ."
كان هذا أول عيد للفصح يحضره المسيح في أورشليم. ولكن إيمان الكثيرين هنا كان كالزارع الذي رمى بذرته فجاءت على أرض محجرة (مت20:13-21). هو إيمان غير صحيح وغير ثابت بدليل أن يسوع لم يأتمنهم على نفسه (آية24) .
الآية24):- "لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ."
من آمنوا أرادوا أن يجعلوا المسيح ملكًا، فهم لا يبحثون عن المسيح لشخصه بل لأنفسهم على حسابه، لذلك اختفى عنهم وللآن فهناك من لا يريد أن يعرف المسيح إلاّ لمنافع مادية، فإذا خسر ماديًا ينقلب على المسيح.
لم يأتمنهم على نفسه= أي أنه كان لا يثق فيهم، فهم كان يمكن أن ينقلبوا عليه في أي لحظة، وهذا ما قد حدث، فهم صرخوا بعد ذلك قائلين "إصلبه". ولقد حاول اليهود أن يقتلوا المسيح عدة مرات ولكن الله كان يحميه فلم يتمكنوا من قتله، إذ كان يختفي ويمر في وسطهم ولا يستطيعوا أن يمسوه بسوء (لو4: 28-30 + يو5: 18 + يو7: 1 ، 25 ، 29 + يو8: 59 + يو10: 31). وقال لهم المسيح عدة مرات "أنتم تريدون أن تقتلوني" (يو7: 19 + يو8: 40). وكون أن الله يحميه فلا يستطيع أحد أن يمسه بسوء تنبأ عنها داود النبي "الرب عن يمينك" (مز110: 5) وقارن مع (يو10: 17-18) السابق ذكرها عاليه. لذلك كنا نجد أن المسيح يذهب إلى خارج أورشليم "فَمِنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضًا يَمْشِي بَيْنَ ٱلْيَهُودِ عَلَانِيَةً، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ، إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تَلَامِيذِهِ" (يو11: 53-54). وقول المزمور "الرب عن يمينك" يعني أن اللاهوت كان يحمي جسد المسيح ابن الإنسان من الموت حتى تأتي الساعة المحددة، كما قال الكتاب "لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد" (يو7: 30 + يو8: 20).
وما هي الساعة التي حددها الله لموت المسيح بالجسد على الصليب؟
1. حين ينهي المسيح تعاليمه، ويُنْهي إعداد تلاميذه الذين سيكرزون للعالم كله.
2. المسيح يريد موت الصليب وليس بأي وسيلة أخرى. (راجع مقالة "الصليب لعنة تتحول إلى بركة" في نهاية تفسير الإصحاح الثالث من رسالة غلاطية" لترى لماذا أراد المسيح موت الصليب بالذات).
لكن المسيح جاء من أجل هذه الساعة، بل كان يشتهيها:-
• "وَلَكِنْ لِأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ ٱلسَّاعَةِ" (يو12: 27).
• "لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ ٱلشَّوْكَ وَٱلْحَسَكَ فِي ٱلْقِتَالِ فَأَهْجُمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعًا. أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي" (إش27: 4-5).
• "وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ ٱلْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ ٱلْآبَ، وَكَمَا أَوْصَانِي ٱلْآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ هَهُنَا" (يو14: 31).
(الآية25):- "وَلأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ."
هو عرف تقلبهم، وما في نفوسهم، فهم معه اليوم لانبهارهم بمعجزاته ولكنهم سينقلبون عليه إذا اكتشفوا أن إرادتهم لا تتوافق مع إرادته، وأفكارهم ليست كأفكاره. وهو فَاحِصَ الْقُلُوبِ وَالْكُلَى: "الْفَاحِصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبِ" (رؤ2: 23). وهذا ما حدث مع يهوذا الذي كان تابعًا للمسيح طامعًا في أمجاد عالمية ومراكز دنيوية، حين يملك المسيح ملكًا زمنيًا. وإنقلب على المسيح إذ إكتشف أن مملكة المسيح ليست من هذا العالم، وأن المسيح يرفض هذا النوع من الملك. ويتضح فكر يهوذا المادي إذ كان يسرق ما يوضع في الصندوق (يو12: 6).
ولاحظ أن المسيح مستعد أن يعطي نفسه لمن يطلبه لشخصه وليس لهدف مادي. ولاحظ كم الخسارة الرهيبة إذ نترك المسيح بسبب خسارة مادية، فنحن نخسر الله اللامحدود في شخصه وفي بركاته وغناه ومجده.
ملخص الإصحاح: المسيح يريد أن يملأ حياة أولاده فرحًا ويجعل حياتهم عرسًا دائمًا، ولكن هذا لمن يجاهد في تطهير نفسه. ومن محبة المسيح لنا أن من يهمل في تطهير نفسه، يؤدبه ببعض التجارب (السوط) ليتطهر فيفرح. "لذلك لا نفشل، بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيوم" (2كو16:4-17).
← تفاسير أصحاحات إنجيل يوحنا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يوحنا 3 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pxhnaz4