إدَّعى كثير من النُقَّاد أن يوحنا الرسول لم يأتِ بجديد في إنجيله، بل أخذ مصطلح "اللوغوس" من الفلسفة اليونانية القديمة، والتي كانت سائدة حينذاك، فأول من استخدم هذا المصطلح هو الفيلسوف الإغريقي "هيراقليطس" (535 - 470 ق.م) فأخذه يوحنا وبنى عليه إنجيله بقصد أن يجتذب العالم اليوناني الأممي للمسيحية، وما زال البعض يتساءل:
هل فعلًا أخذ يوحنا من الإغريق مصطلح "اللوغوس" بكامل مبناه ومعناه؟! أم أنه أخذ المبنى وغيَّر معناه وفحواه؟!، وهل الروح القدس وافقه في هذا؟!...
هل الروح القدس سبق وأرشد الفلاسفة اليونانيين مثلما أرشد الأنبياء المُرسلين؟!. وهل عبارة: "إن الفلاسفة الوثنيين هم أنبياء الأمم" هيَ عبارة صحيحة؟!...
هل حاول بعض الآباء مثل يوستين وأثيناغوراس وبانتينوس وأكليمنضس أن يصلحوا بين الدين والفلسفة؟!... أمور عديدة وأسئلة لا تنتهي نحتاج أن نبسطها ونتعرف عليها في هذا الباب، فعقيدة "اللوغوس" بين الفلسفة اليونانية القديمة وإنجيل يوحنا هيَ صرة ومحور هذا الكتاب.
لقد بدأت الفلسفة اليونانية القديمة في "مقاطعة أيونيا" في آسيا الصغرى حيث ظهر أولًا فلاسفة "المدرسة الطبيعية" الذين اهتموا بدراسة الطبيعة، ومن هؤلاء العظماء "طاليس" (624- 546 ق. م)، و"أنكسمندريس" (610- 547 ق. م) و"أنكسيمانس" (588- 524 ق.م)، وبعد المدرسة الطبيعية لمع في سماء أفسس الفيلسوف الباكي فساد شعبه "هيراقليطس" الناسك الزاهد، الغامض الملغَّز. ثم نشأت "المدرسة الفيثاغورية" التي أسَّسها "فيثاغورث" (570 - 495 ق.م) أول من استخدم مصطلح "فلسفة" وكوَّن جماعة من العلماء المتعبدين، اهتموا بدراسة الطبيعة مع الدين والأخلاق، وعاشوا حياة النسك والتصُّوف. وعندما اجتاح الفرس منطقة أيونيا سنة 548 ق.م انتقل الفلاسفة وجهابزة العلم إلى جنوب إيطاليا، فازدهرت المدرسة الفيثاغورية، ونشأت "المدرسة الإيلية" أو الإيليائية نسبة إلى مدينة "إيليا" جنوب إيطاليا، المدرسة التي أسَّسها "أكسانوفان" (570 - 480 ق.م) واهتمت بالمبادئ العقلية. ثم انتقل مركز الفلسفة إلى "أثينا" في اليونان بنشأة "المدرسة السفسطائية" التي بدأت حسنًا تبحث في الحكمة، ثم انحرفت نحو السعي لإقناع الآخرين برأي معين حتى لو كان هذا الرأي كذبًا وبعيد عن الحقيقة، وانصب اهتمام هذه المدرسة نحو الخطابة والبلاغة والجدل والإقناع، وأشهر فلاسفتها "بروتاغوراس" (487 - 420 ق.م) زعيم السفسطائيين، و"جورجياس" (480 - 375 ق.م) الذي برع في فن الخطابة والجدل. ثم ظهر على مسرح الفلسفة، الفلاسفة الثلاثة المشهورين وهم: "سقراط" (470 - 399 ق.م) العظيم في الفلاسفة، حتى أنه شطر تاريخ الفلسفة نصفين: الفلسفة قبل سقراط، والفلسفة بعد سقراط، ذاك الشجاع الذي قبل الموت بسرور ودفع حياته ثمنًا لشجاعته وتصديه لفساد عصره، وتلميذه "أفلاطون" (427 - 347 ق.م) الذي حاول أن يربط العالمين، عالمنا المنظور الفاني والعالم غير المنظور الباقي، من خلال "نظرية المُثل"، فعاش المسيحية قبل أن تكون هناك مسيحية، والثالث "أرسطو" (384 - 322 ق.م) تلميذ أفلاطون.
ونستطيع أن نقول أن الفلسفة اليونانية وُلِدت في "مقاطعة إيونيا" بآسيا الصغرى، وأمضت شبابها في مدينة "إيليا" جنوب إيطاليا، ونضجت في "أثينا"، ثم خبأت في "روما" و"الإسكندرية" حيث قضت كهولتها وإنطفأت... والآن دعنا يا صديقي أن نبحر في بحور تلك الفلسفات القديمة، نتعرَّف عليها وندرسها لندرك مدى الفارق بين تلك الفلسفات، رغم عظمتها وبين الحق الإنجيلي، نرسو عند كل تل أو جبل، نستوضح معالمه، ونسير في دروبه، وننظر كهوفه، في رحلة سريعة رائعة نتعرَّف على تلك الفلسفة العريقة، وكيف عاش معظم عمالقتها حياة الفضيلة والتعفف، وهل من إنسان يقدر أن يتنكر لعِظم شخصية سقراط ومبادئه السامية واحترامه للقانون وتمسكه بالفضيلة وصبره على زوجته؟!!... في رحلتنا هذه نركز على مفهوم اللوغوس لدى هيراقليطس، وفيثاغورث، وسقراط، وأفلاطون، والرواقيين، والفيلسوف اليهودي السكندري فيلون الذي حاول مزج الفلسفة اليونانية مع الديانة اليهودية... نتعرَّف على مفهوم اللوغوس في الفكر اليوناني، وفي الفكر العبراني، والفكر الإسلامي، والفكر الإنجيلي المسيحي.
إذا كنت تعرف رقم السؤال المطلوب فاكتبه مباشرة هنا:
عهد قديم | عهد جديد | |||
655 | |
656 | |
657 | |
658 | |
659 | |
660 | |
661 | |
662 | |
663 | |
664 | |
665 | |
666 | |
667 |
ما هو مفهوم "اللوغوس" لغويًا؟ ولماذا دُعي الأقنوم الثاني في الثالوث القدوس أقنوم الكلمة "اللوغوس"؟ |
668 |
ما هو "مفهوم اللوغوس" في الفكر العبراني (الأرامي) من خلال الأسفار المقدَّسة للعهد القديم؟ |
669 | |
670 | |
671 | |
672 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/index8c.html
تقصير الرابط:
tak.la/drd6bz3