St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

660- فيثاغورث (570 - 495 ق.م) رجل العلم والفضيلة، وأول من استخدم لفظة "الفلسفة"... كيف ربط بين الفلسفة والعلم والدين والأخلاق؟ وكيف كوَّن مع تلاميذه مجموعة متميزة تعيش حياة الشركة والتقوى والتسبيح والتصوف والطاعة مع الدراسات العلمية الجادة؟ وما سر ربط الكون بالأعداد؟ وما هيَ فلسفة فيثاغورس في "اللوغوس"؟

 

ج: أولًا: فيثاغورث رجل العلم والفضيلة: وُلِدَ "فيثاغورث" Pythagoras في جزيرة "ساموس" بمقاطعة أيونيا بآسيا الصغرى، الجزيرة التي أُشتهرت بالنشاط التجاري، ومع هذا فإن فيثاغورث مال إلى حياة العزلة والهدوء والتأمل، وكان مُحبًا للحكمة والمعرفة، فدرس الموسيقى والرياضيات وعلوم الهندسة، وتميَّز بالذكاء الحاد. وإن كان في مقاطعة أيونيا نشأت مدرسة الفلسفة الطبيعية بفلاسفتها الثلاث العظماء، طاليس، وأنكسمندريس، وأنكسيمانس، فإنه في نفس المنطقة نشأت المدرسة الفيثاغورية. وقد تجوَّل "فيثاغورث" في بلاد الشرق فذهب إلى مصر وسوريا وبابل، ومن مصر استمد معارفه الرياضية، ومن الشرق تعلم الحكمة وعلمها للغرب، وبعد اجتياح الفرس منطقة أيونيا انتقلت الفلسفة وازدهرت في جنوب إيطاليا، وفي إيطاليا عندما طلب مجلس الشيوخ من فيثاغورث أن يخاطب الشعب، فخاطبه ونال إعجاب الجميع، توافد إليه مريدوه من مدن إيطاليا وصقلية ليكونوا معه، وتخيَّر منهم (300) شخصًا بعد اختبارات صعبة، حيث كان يركز على حياة الفضيلة والأخلاق والتقوى، وهو أول من استخدم لفظتي "فلسفة" و"فيلسوف" عندما قال: "لستُ حكيمًا فإن الحكمة لا تُضاف لغير الآلهة، وما أنا إلاَّ فيلسوف"(191).

وبينما احتقر "هيراقليطس" هوميروس وهزيود اللذان مثَّلا الفلسفة اليونانية في مهدها، وصبَّ عليهما غضبه بحجة أنهما أغرقا البشرية في الأساطير والخرافات، فإن "فيثاغورث" كان يحترم هوميروس وهزيود، وسار على منواله أتباعه، ويفتخر الماسونيون بأنهم أتباع فيثاغورث، وأنهم أخذوا عنه الحياة المغلَّفة بالسرية وفلسفة اللوغوس. وأخذ "فيثاغورث" من بلاد الهند فكرة "تناسح الأرواح"، ونشر هذا الفكر في بلاد اليونان، فكان هو وأتباعه يحرمون أكل اللحوم والبقول، لأنها ربما تكون تناسُخات لأرواح بشرية، وكانوا يعظمون الحيوانات فربما تكون أرواح بشرية عاشت حياة إنسانية من قبل. واعتقد أتباع فيثاغورس أن فيثاغورس هو ابن الإله أبولون، وبعد موته قالوا أنه لم يمت بل أنه سيُبعث بعد حين. وكما رأينا من قبل كيف سخر "أكسينوفان" من اعتقاد فيثاغورث بتناسخ الأرواح، إذ قال أن فيثاغورث مرَّ برجل يضرب كلبه، فنهاه عن هذا بحجة أنه يسمع في عواء الكلب ونباحه صوت صديق له قد مات (راجع س 657). وأكد "أرسطو" أن تراث فيثاغورث كله شفاهي، فلم يكتب شيئًا، ولذلك أحاطت بقصة حياته بعض الخرافات والأساطير.

وقد أكد "فيثاغورث" على الوحدانية قائلًا: "هل يتجاسر أحد أن يقول انظروا أنا هو الله، سوى الواحد الأبدي غير المحدود"(192). وفي تمسك الفيثاغوريون بالأخلاق ومحاسبة الضمير، قال أحدهم: "لا تدع أبدًا جفنيك يستسلمان للنوم قبل أن تعرض على عقلك أعمال يومك، فتسأل نفسك قائلًا: فيم قصرت؟ ماذا صنعت؟ وماذا نسيت أن أفعله مما أُمرت به؟. فإذا انتهيت من هذه الأسئلة فراجع أعمالك واحدًا بعد واحد، فإذا وجدت نفسك قد اقترفت ذلة فاستحي منها واندم عليها. وإذا كنت قد فعلت خيرًا فاستمتع به"(193). وقد حاول الفيثاغوريون ممارسة السياسة، ولكن المعارضين لهم أحرقوا البيت عليهم فلم ينج منهم سوى رجلين.

 

St-Takla.org Image: Some busts of famous men, of them at the very bottom right: bust of Pythagoras of Samos (570-495 BC), the ancient Ionian Greek philosopher and the eponymous founder of Pythagoreanism - Capitoline Museums (Musei Capitolini), Rome, Italy. It is located in Piazza del Campidoglio, on top of the Capitoline Hill. It was established in 1734. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: بعض تماثيل نصفية لرجال مشاهير، من ضمنهم (أقصى أسفل اليمين): تمثال نصفي للفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس من ساموس (570-495 BC)، مؤسسة الحركة الفيثاغورية - صور متاحف كابيتوليني، روما، إيطاليا. وهو مجموعة متاحف في متحف واحد، موجود في أعلى تل كاپيتوليني، وأنشئ عام 1734 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

St-Takla.org Image: Some busts of famous men, of them at the very bottom right: bust of Pythagoras of Samos (570-495 BC), the ancient Ionian Greek philosopher and the eponymous founder of Pythagoreanism - Capitoline Museums (Musei Capitolini), Rome, Italy. It is located in Piazza del Campidoglio, on top of the Capitoline Hill. It was established in 1734. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بعض تماثيل نصفية لرجال مشاهير، من ضمنهم (أقصى أسفل اليمين): تمثال نصفي للفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس من ساموس (570-495 BC)، مؤسسة الحركة الفيثاغورية - صور متاحف كابيتوليني، روما، إيطاليا. وهو مجموعة متاحف في متحف واحد، موجود في أعلى تل كاپيتوليني، وأنشئ عام 1734 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

ثانيًا: المدرسة الفيثاغورية: دقَّق "فيثاغورس" في اختيار أعضاء جماعته من جهة حياتهم الأخلاقية وسلوكياتهم وجديتهم، فكانت مدة الاختبار تمتد إلى خمس سنوات، ويتم القبول بعد اجتياز اختبارات صعبة، وكانت المدرسة تضم الرجال والسيدات. ولم تكن المدرسة لدراسة الفلسفة فقط بل تهتم بالناحية الدينية والأخلاقية والنسكية، يعيشون حياة الشركة مع بساطة المأكل والملبس وممارسة الزهد والتقشف، وممارسة الصلوات والتراتيل، والعلم والدراسة، مع ممارسة الرياضة البدنية. ومن مبادئ المدرسة الفيثاغورية الالتزام بالطاعة الكاملة، فعبارة "إن المعلم قد قال" عبارة مقدَّسة لا يجوز مخالفتها قط، فما دام المعلم نطق بالقول فلا بد أن قوله يتم كما قصده تمامًا، وتأثر أعضاء المدرسة بمذهب "الأورفية" (المستخدم من تعاليم أورفيوس) من جهة عقيدة التناسخ، والاهتمام بالموسيقى والرياضيات كوسائل روحية، والإيمان بعالم روحاني خفي، وقد مارسوا النُسك والزُهد وعاشوا حياة الطهارة معتقدين أن النفوس تسقط من السماء للأرض بسبب خطاياها، فيصير الجسد سجنًا لها، وبالزهد وحياة الطهارة تنفك من سجن الجسد. كما اهتمت مدرسة الفيثاغوريون بالصداقة والوفاء والتعاون، وشعارهم: "ينبغي أن نساعد الآخرين في حمل أثقالهم، ولكن لا ينبغي أن نحملها عنهم"(194). واعتقد أعضاء هذه المدرسة أن الحياة في هذه الدنيا ما هيَ إلاَّ امتحان للإنسان، فالنفس مدفونة في الجسم مثلما يُدفن الجسم في القبر، وبالموت تنطلق وتنبعث من هذا المدفن لتعيش حياة مجيدة، فكانوا يضعون في القبور مع الموتى لوحات من الذهب رُسم عليها الطريق الذي يجب أن تسلكه الروح وكُتب عليها العبارات التي ينبغي أن تتلوها، وهذا يشبه طقوس واعتقادات قدماء المصريين. واهتمت المدرسة الفيثاغورية بعلوم الفلك، فأرجعت كسوف الشمس وخسوف القمر إلى: "حيلولة الكرة المعارضة للأرض بين النار المركزية وبين الشمس أو القمر. وتلك المقولة العلمية هيَ التي أضاءت السبيل أمام "كوبيرنيك" بعد هذه القرون الطويلة وساعدته في اكتشافاته الفلكية الهائلة التي كان لها على العلم الحديث أكبر فضل فلكي عرفه التاريخ"(195). حقًا لقد برع "فيثاغورث" وتلاميذه في نظريات الرياضيات والهندسة والفلك والطب والموسيقى، فكان لهم أعظم الأثر على الحضارة اليونانية. وكان فيثاغورث وتلاميذه يدركون أن العلم وسيلة فعَّالة لتهذيب الأخلاق وتقديس النفس.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ثالثًا: الأعداد أصل الكون: اعتقد فيثاغورث وأتباعه أن أصل الكون ليس هو الماء، ولا اللامتناهي، ولا الهواء ولا النار ولا العناصر الأربعة كما قال الفلاسفة الآخرون، إنما قال أن أصل الكون هو الأعداد، فمبادئ الأعداد هيَ عناصر الموجودات، والموجودات هيَ أعداد، فأعطى أصحاب هذه المدرسة أهمية كبرى للأعداد حتى قالوا أن الكون كله يسير بموجب الأعداد، وميَّزوا أعدادًا عن الأخرى، وميَّزوا بالذات عدد (10) فقالوا أنه = 1 + 2 + 3 + 4 فهذه الأعداد حوت الفرد (1) والزوج (2)، والمثلث (3)، والمربع (4). وأكدوا على أن العناصر الأولى التي كوَّنت العالم هيَ الأعداد، حتى أنهم قالوا أن العالم عبارة عن عدد ونغم، فمبادئ الرياضيات هيَ مبادئ الموجودات، كما أن الأعداد تعبر عن خصائص الموسيقى وإئتلاف النغم، فالأعداد تمثل الحقائق الأولى أو العناصر الأولى التي يتكون منها العالم، وربط "فيثاغورث" بين الموسيقى والرياضيات، فالنغمات تختلف بتغيُّر طول أوتار الألة الموسيقية بناءً على نسب رياضية دقيقة، فقوة الأصوات الموسيقية تعتمد على طول الموجات الصوتية، واعتقدوا في حركات الأفلاك، فالحركة تؤدي إلى اهتزاز الهواء فيصدر نغمات، واعتقدوا أن السماء تشمل ألحانًا كألحان العود وإن كنا لا نشعر بها، كما اعتقدوا أن "النفس" نوع من النغم. وقال "أرسطو": "لقد عنى الذين عُرفوا بالفيثاغوريين بالرياضيات، وكانوا أول من افترض أن مبادئ الرياضيات هيَ أيضًا مبادئ جميع الأشياء. ولما كانت الأعداد هيَ أول مبادئ الرياضيات فقد تصوَّروا أن بينها وبين سائر الكائنات الموجودة تشابهًا كبيرًا يفوق التشابه القائم بينها وبين النار أو الأرض أو الماء، ولما لاحظوا أيضًا أن الخواص والنسب التي تحدد الأنغام تعتمد على الأعداد، فقد اقتنعوا بأن مبادئ العدد هيَ مبادئ كل شيء وتوصلوا إلى أن السماء كلها ما هيَ إلاَّ إئتلاف وعدد"(196). لذلك قال الفيثاغوريون أن كل الأشياء مصنوعة وفقًا للأعداد، بل نسب إلى فيثاغورس القول بأن الأشياء مصنوعة من الأعداد.

رابعًا: فلسفة "اللوغوس" لدي فيثاغورس: كان فيثاغورس يرى أن العالم يشمل هندسة وإبداع على مستوى عالٍ جدًا، فاللَّه هو المهندس الأكبر الذي ينظم ويهندس العالم، وأن الرياضيات هيَ أصل العالم، و"الأعداد" هيَ الأداة (اللوغوس) التي يستخدمها الله من أجل تنظيم العالم، وكل عدد له سر، ويحكم على الوجود في ناحية من النواحي. يقول "دكتور ياسين حسين الويسي" عن مفهوم "اللوغوس" لدى الفيثاغوريين: "فإن الكلمة واللوغوس الذي هو مبدأ الموجودات هو العدد. وكما أن أصل الأشياء الواحد، فإن الواحد في العدد هو أصل جميع الأعداد، فالعالم يقابل الواحد من حيث الصفة العددية، وهو مبدأ كل الأشياء والموجودات. إذًا الكلمة واللوغوس عند الفيثاغوريين هو العدد.. فالعدد هو اللوغوس المقدَّس أو الكلمة عندهم"(197).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(191) أورده يوسف كرم - تاريخ الفلسفة اليونانية، ص36.

(192) القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد - النصوص المسيحية في العصور الأولى، ص394، 395.

(193) أورده د. محمد غلاَّب - الفلسفة الإغريقية، جـ 1 ص64.

(194) المرجع السابق، ص64.

(195) أورده د. محمد غلاَّب - الفلسفة الإغريقية، جـ 1 ص58.

(196) أوردته د. أميرة حلمي مطر - الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، ص73، 74.

(197) الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني، ص28، 29.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/660.html

تقصير الرابط:
tak.la/ac22sc8