St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

662- هل "أفلاطون" (427 - 347 ق.م) اسم أم صفة؟ وكيف سمت حياة أفلاطون وفلسفته فعاش المسيحية قبل أن تكون هناك مسيحية، فدُعي "أفلاطون الإلهي"؟ وما هيَ عناصر فلسفة أفلاطون؟ وما هيَ "نظرية المثُل" التي وضعها؟ وما هو مفهوم "اللوغوس" لدى أفلاطون؟

 

ج: أولًا: Plato أفلاطون (427 - 347 ق.م) اسمه وسمو حياته: "أفلاطون" صفة وليس اسم، فِاسمه الحقيقي هو "أرسطوقليس بن أرستون"، ودُعي أفلاطون نظرًا لضخامة جسمه وجبهته العريضة. وُلِدَ سنة 427 ق.م في مدينة "أثينا" من أسرة عريقة أرستقراطية من أصل ملكي لها شأن سياسي كبير. تعلّم "أفلاطون" وتثقف ودرس أشعار هوميروس وقرض الشعر، وتتلمذ على يد "أقراطيلوس" من أتباع "هيراقليطس" فأحب الفلسفة. تمتع بذكاء حاد وفكر صافي ثاقب، وكان حلو الحديث، لم يكن زاهدًا متقشفًا ولا مسرفًا، إنما معتدلًا. تتلمذ على يد شيخ الفلاسفة "سقراط" منذ أن بلغ من العمر عشرين عامًا، وظل ملازمًا معلمه سقراط نحو ثمانية أعوام، لا يُفارقه إلاَّ للضرورة القصوى، فقد أحبه وتأثر جدًا بحياته، ولا سيما الأيام الأخيرة من حياة سقراط قبل تنفيذ حكم الإعدام، فيقول "د. ناجي التكريتي": "إن أفلاطون تأثر بسقراط ولازمه مدة من الزمن، وسيطر على تفكيره حتى بعد موته، لا سيما من الناحية الأخلاقية، فنرى أن "المحاورات" التي تعالج الفضائل الأخلاقية (التي كتبها أفلاطون)... يظهر فيها أثر سقراط واضحًا، حتى أن الكتَّاب أطلقوا عليها "المحاورات السقراطية" (الفلسفة الأخلاقية ص31)(206). كما تأثر أفلاطون بفيثاغورث وبارمنيدس وهيراقليطس.

وبعد أن أُعدم سقراط في حضور أفلاطون لم يحتمل البقاء في أثينا، فهجرها إلى "ميجارا" فلحق بمن سبقوه من الأصدقاء، وإلتفوا حول "أقليدس" أكبر تلاميذ سقراط سنًا، فبقى معه لمدة نحو ثلاث سنوات سافر بعدها إلى مصر، فقضى فترة في مدينة "عين شمس" درس فيها علم الفلك والرياضيات وتعرَّف على المدرسة الكهنوتية المصرية، ثم عاد إلى "أثينا" والحرب ما زالت مشتعلة بين أثينا وأسبرطة، عاش فترة الاضطرابات، وفقدان أثينا أسطولها الحربي، وسقوطها في يد جيش أسبرطة، فأمضى في أثينا نحو سبع سنوات، وعندما حطت الحرب رحاها رحل أفلاطون إلى جزيرة صقلية، وأعجب به "ديونيسوس" ملك مدينة "سيراقوصة" (سرقوسة الآن) التي تقع جنوب شرقي جزيرة صقلية، والذي قهر أسطول أثينا، فأكرم وفادته، ولكن بعد أن انتقد أفلاطون ديونيسوس نقدًا لاذعًا بسبب طغيانه قبض عليه ديونيسوس وعرضه في سوق الرقيق ليُباع كعبد، فأفتداه صديقه "أنيكريس" Anikeris وأطلق سراحه، فعادت لأفلاطون حريته، عاد بعدها أفلاطون إلى أثينا، فأسَّس "الأكاديمية" سنة 387 ق.م، وألحق بها معبدًا فظل يعلم فيها نحو أربعين عامًا حتى وفاته، وقد شاركه في التدريس نخبة من العلماء في شتى مناحي العلم من فلك وطب وفلسفة ورياضيات وموسيقى وسياسة وجغرافيا وتاريخ وأخلاق وتنجيم... إلخ. فكانت أكاديمية جامعة، جمعت طالبي العلم الدارسين داخلها، وبعد أن كان الطلبة يلتفون حول المعلم أينما وُجد ليتتلمذوا على يديه، والمعلم يعلم في كل مكان، سواء المسارح أو الأسواق أو الشوارع، صار هناك جامعة للدراسة يفد إليها الطلبة من شتى بقاع الأرض.

وكان "أفلاطون" يحلم بفكرة تأسيس الدولة العادلة، فعندما علم بموت "ديونيسوس" الطاغية ملك سيراقوصة، وتولى ابنه ديونيسوس الثاني، عاد إلى صقلية لعله ينجح في تعليم الأمير الجديد فلسفته السياسية لإقامة الدولة العادلة، ولكنه فشل في مهمته وتعرَّض للسجن، وبمجرد أن أفرج عنه أسرع بالعودة إلى أثينا، ولكنه لم يستكين، بل تحيَّن الظروف المؤاتية فعاد للمرة الثالثة إلى صقلية، يحدوه الأمل في تأسيس الدولة العادلة، ولكن هذه المرة أيضًا فشل وتعرَّض للإعدام، ففرَّ هاربًا وعاد إلى أثينا حتى أمضى بقية حياته في التأليف والدرس، وقد حفظ لنا التاريخ كتابات أفلاطون من مؤلفات وحوارات ورسائل.

 

St-Takla.org Image: Plato (428/427 or 424/423 – 348/347 BC), Athenian philosopher during the Classical period in Ancient Greece, founder of the Platonist school of thought, and the Academy, the first institution of higher learning in the Western world. - from: The True Perceptions and Lives of Illustrious Greek, Latin and Pagan Men, book by André Thevet, 1584. صورة في موقع الأنبا تكلا: أفلاطون (428/427 أو 424/423 – 348/347 قبل الميلاد)، فيلسوف أثيني خلال الفترة الكلاسيكية في اليونان القديمة، ومؤسس المدرسة الفكرية الأفلاطونية، والأكاديمية، أول مؤسسة للتعليم العالي في العالم الغربي. - من صور كتاب ملاحظات حقيقية من سير رجال مشهورين من اليونان واللاتين والوثنيين، لـ:أندريه ثيفيت، 1584 م.

St-Takla.org Image: Plato (428/427 or 424/423 – 348/347 BC), Athenian philosopher during the Classical period in Ancient Greece, founder of the Platonist school of thought, and the Academy, the first institution of higher learning in the Western world. - from: The True Perceptions and Lives of Illustrious Greek, Latin and Pagan Men, book by André Thevet, 1584.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أفلاطون (428/427 أو 424/423 – 348/347 قبل الميلاد)، فيلسوف أثيني خلال الفترة الكلاسيكية في اليونان القديمة، ومؤسس المدرسة الفكرية الأفلاطونية، والأكاديمية، أول مؤسسة للتعليم العالي في العالم الغربي. - من صور كتاب ملاحظات حقيقية من سير رجال مشهورين من اليونان واللاتين والوثنيين، لـ:أندريه ثيفيت، 1584 م.

ثانيًا: سمو الفلسفة الأفلاطونية: "أفلاطون" هو أشهر فلاسفة اليونان قاطبة، وأسماهم اعتقادًا في اللاهوتيات، تكلم بلغة مسيحية قبل أن توجد المسيحية بثلاثة قرون، حتى دُعي "أفلاطون الإلهي" أي أفلاطون اللاهوتي، وتقبل آباء الكنيسة آراءه الصائبة، وتأثر أوريجانوس بأفكاره، فمع نهاية القرن الأول وما بعده أُشتهرت أربعة مذاهب فلسفية، وبحسب قبول آباء الكنيسة لهذه المذاهب نجد أولها المذهب الأفلاطوني ثم الرواقي، ثم الأرسطي، ثم الأبيقوري. فالمذهب الأفلاطوني كان المذهب المفضَّل لدي المفكرين المسيحيين، فالجميع يشهدون أن الأفلاطونية هيَ أسمى وأرقى المذاهب اليونانية وأقرب ما تكون للمسيحية. يقول "يوسف كرم" أن أفلاطون تميَّز: "بسمو روحه وعمق فكره وتنوع أسلوبه. جمع أفلاطون في شخصه كل مزايا العقل اليوناني فأبلغها إلى أقوى وأبهى مظاهرها: الجرأة والتؤدة، الحدس والاستدلال، العاطفة والملاحظة، الفن والرياضة، واستوعب جميع الأفكار فمحصها إلى حد بعيد... نقل الدين إلى الفلسفة... الفلسفة هيَ التي تخلص النفس وتدخلها النعيم"(207). ويقول "العميد أنج" إن القديس أغسطينوس أفصح بأن فلسفة أفلاطون هي أصفى وأشرق ما في الفلسفات جميعها، ولو أن أفلاطون امتد به العمر لغيَّر كلمات وعبارات قليلة من فلسفته فيصير مسيحيًا (راجع د. موريس تاوضروس - اللوغوس مفهوم الكلمة في العهد الجديد)، وبينما يرى البعض أن فلسفة أفلاطون كانت خير تمهيد للمسيحية، فإن البعض الآخر رأى أن أفلاطون "أبو البدع" لأن جميع الغنوسيين المسيحيين استشهدوا بأقواله (راجع يوسف كرم - تاريخ الفلسفة اليونانية ص258).

 

ومن أهم مبادئ فلسفة أفلاطون، ما يلي:

1- نظرية المثُل: قال أفلاطون هناك عالمان:

أ- العالم المادي المحسوس: الذي نعيش فيه، وبالرغم ما فيه من إعجاز في نظمه وظواهره ونواميسه، فإنه عالم ظاهري وهمي غير حقيقي، عالم الخيالات والأشباح وصور الحقيقة، لا قيمة له بجوار العالم الآخر الخالد، الباطني، المعقول، الحقيقي، عالم المُثل، فالعالم المادي المحسوس الذي نتعرَّف عليه من خلال الحواس الخمس ليس هو العالم الحقيقي، إنما هو ظل للعالم الحقيقي الذي تعجز الحواس أن تصل إليه، إنما تبلغه النفس عندما تسلك في الحق، والجمال، والصلاح.

ب- عالم الوجود الحقيقي: وهو العالم غير المنظور الذي يضم المثال الحقيقي الكامل لكل ما في عالمنا، فكل ما في عالمنا المادي من إنسان وحيوان ونبات وجماد هو مجرد أشباح وظلالات باهتة للمثُل الحقيقية الخالدة، كل ما نراه ونلمسه في عالمنا هذا له مثاله الكامل الحقيقي الخالد في عالم المُثل، الباطني، والمعقول.

 فطبقًا لنظرية المُثل أن كل كائن في عالمنا هذا، سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو نباتًا أو جمادًا له مستويان من الوجود.

 أ- مستوى ظاهري مادي مؤقت. ب- مستوى باطني خفي حقيقي.

 فمثلًا الإنسان له وجود ظاهري وهمي غير حقيقي في عالمنا هذا، يستمد وجوده من عالم المُثل، فالعالم الظاهري مجرد مرآة للعالم الحقيقي. يقول "وليم باركلي": "وعلى نفس القياس المُثل المعنوية، والجمال الأرضي، هيَ صور ناقصة مبتورة للخير الأعظم في عالم غير المنظور، والجمال الأسمى فيه. فهناك تتمثل كل المثُل العليا، في أبهى صورها. حتى إذا وصلنا إلى ذات الله، نرى فيه تاج الفكر الأسمى، ومثل المُثل جمعاء، وينبوع كل الصور الخالدة:(208). وفي كتابه "الجمهورية" قال أفلاطون أنه بسبب غياب النور عن الناس لم يستطيعوا أن يدركوا الحقيقة، فاستبدلوا الحقيقية بالظل، وظنوا أن الظل يمثل الحقيقة، فتعاملوا مع الظل على أنه هو الحقيقة.

2- الإيمان بوحدانية الله: أكد "أفلاطون" على وحدانية الله، فهناك إله واحد يمثل الخير، هو شمس العالم الباطني المعقول غير المنظور، وهو صانع العالم المحسوس بكل ما فيه من خير وجمال. يقول "يوسف كرم" عن مفهوم الله لدي أفلاطون: "فاللَّه روح عاقل مُحرّك منظَّم جميل خير عادل كامل بسيط لا تنوع فيه، ثابت لا يتغيَّر، صادق لا يكذب، ولا يتشكل أشكالًا مختلفة كما صوَّره هوميروس... وهو كله في حاضر مستمر فإن أقسام الأمان لا تلائم إلاَّ المحسوس... وهو معني بالعالم بخلاف ما يدعيه السوفسطائيون محتجين بنجاح الأشرار... وعناية الله تشمل الكليات والجزئيات... فوجود الله وكماله وعنايته حقائق لا ريب فيها"(209). كما استنكر "أفلاطون" موقف الملحدين، ورأى مثل معلمه سقراط أنه لا يوجد أي مجال لإنكار الله أو الارتياب في وجوده، وقال: "إن الإله هو المبدأ والوسط والنهاية لجميع الأشياء"(210). فهو يؤكد على أن الله أزلي أبدي كائن في كل زمان ومكان، وبرهن على وجود الله وصفاته عن طريق العلة الفاعلة، والعلة المحركة، والعلة الغائبة، فعن "العلة الفاعلة" يقول "أفلاطون: "إن كل ما يتولَّد يتولَّد، ضرورة بفعل علة، لأنه من المستحيل أن شيئًا أيما كان يتولَّد بدون علة"(211). وعن "العلة المحركة" يقول "أفلاطون" ما معناه أن لكل حركة مُحرّك، والمحرّك الأول هو الله. وعن "العلة الغائبة": يقول "أفلاطون" عن الله أنه: "قد صنع العالم على هيئة دائرة، لأن هذا الشكل هو أجمل الأشكال الهندسية، وخلق لنا البصر، لتلاحظ بوساطته جمال السماء، ومنحنا السمع، لنصغى به إلى أصوات الطبيعة الهاتفة بمعاني الانسجام. وقد جعل رؤوسنا مستديرة للتشبه بالكرة الكونية العامة التي أسلفنا أنها أجمل الأشكال، وذلك طبيعي، لأن الرأس هيَ أشرف الجسم الإنساني، بل هو فيه بيت القصيد وقطب الرحا. أما بقية أجزاء الجسم، فأكبر وظائفها أنها تحمل الرأس كما تحمل العربة الإنسان. وعلى الجملة: قد أوجد المُبدِع العالم على أتم ما يمكن من صور الكمال والجمال وهيأ لكل جزئية فيه وظيفتها التي لا تصلح إلاَّ لها، والتي لو حادت عنها، لانحدرت إلى طريق الضعف أو الفناء"(212).

ويقول "د. محمد غلاَّب" عن البراهين الأخرى التي استخدمها أفلاطون لإثبات وجود الله:" (1) إن إنعطافنا نحو الخير والعظمة والجمال يبرهن على أن هذه المعاني موجودة، وأن وجودها بدون كائن تقوم به مستحيل، وأن هذا الكائن يجب أن يكون أقوى وأعظم وأسبق وأكمل منا...

(2) إن تفكيرنا البصري في الإله يحتم أن يكون الإله موجودًا وجودًا حقيقيًا، لأن أرواحنا الفطرية التي تدرك الإله موجودة، ولا يمكن أن يتصل الموجود باللا موجود.

(3) إنه واحد لا شريك له، لأنه لا يمكن أن يكون غير ذلك، وإلاَّ لحدَّ الشريك سلطته..

يرى أفلاطون أن الإله ليس خيرًا فحسب، وإنما هو الخير ذاته، وهو عنده منزَّه عن الحركة، لأنه يقدر أن يكون الموجود بعيدًا عن الحركة، يكون سالمًا من التغيُّر، وبقدر ما يكون كذلك يكون أكثر كمالًا. وهو أزلي أبدي"(213).

وعندما قيل أن كلمة "الآلهة" بالجمع جاءت في كتابات أفلاطون، جاءت المبررات أن أفلاطون ذكر لفظة "الآلهة" كنوع من السخرية والاستهزاء بآلهة الإغريق، أو أن أفلاطون استخدمها خوفًا على حياته حتى لا يكون مصيره ذات مصير معلمه سقراط الذي أُتهم باحتقار الآلهة وحُكم عليه بالإعدام. وقد يكون أفلاطون استخدم هذه اللفظة "الآلهة" كرمز للإله الجديد الذي لا يعرفه، أو أن أفلاطون أراد أن يبقي على عقيدة الجماهير حتى لا يسقطوا في الإلحاد وتتدهور أخلاقياتهم. وقد غلَّب "الشهيد يوستين" عامل الخوف عند أفلاطون، فيقول: "وعلى الرغم من أن أفلاطون ربما يكون قد وافق على تعليم موسى والأنبياء الآخرين بشأن الله الواحد الوحيد... إلاَّ أنه خاف أن يعلن هذا بعدما حدث لسقراط، لئلا يتهمه أحد... أن أفلاطون... يتسبب في إحداث ضرر كبير لأنه لا يقبل الآلهة التي تعترف بها الدولة... استطاع أفلاطون بمهارة أن يكتب مقالًا مُبهمًا عن الآلهة وأورد فيه اعتراف بالآلهة لم يريدونها، وإنكار لوجودها لمن لا يعترفون بها كآلهة... أكد أن الآلهة من المخلوقات" (نصح لليونانيين - ف 20)(214).

والحقيقة أن ليس أفلاطون وحده من فلاسفة اليونان الذي أقرَّ بوحدانية الله، بل اعترف بهذه الوحدانية أكسونافان، وسقراط، وفيثاغورث، ويورد "الشهيد يوستين" قول "سوفوكليس" عن الوحدانية: "يوجد إله واحد، بالحقيقية لا يوجد إلاَّ واحد.

خالق السماء والأرض الواسعة من تحتها.

ولكن كثيرين منا نحن البشر نخطئ في قلوبنا. ونصنع كعزاء في أحزاننا.

تماثيل لآلهة من حجر وخشب. أو منحوتات من النحاس والعاج..." (215).

كما يذكر الشهيد يوستين أمثلة أخرى مثل سبلة النبية، وأسخيلوس... (راجع النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس، ص350، 394).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

3- الله خالق وضابط كل شيء: هكذا كانت عقيدة أفلاطون، فيقول "الشهيد يوستين": "فإن كنا نتفق مع الشعراء والفلاسفة المكرَّمين عندكم في بعض النقاط ونقدم تعليمًا أكثر كمالًا ولياقة باللَّه في نقاط أخرى... فلماذا تكرهونا ظلمًا أكثر من الجميع؟ وعندما نقول أن الله خلق ودبر كل الأشياء في هذا العالم فنحن نبدو كما لو كنا نكرر تعليم أفلاطون" (الدفاع الأول ف 20)(216).

4- الوجود السابق للأرواح: اعتقد أفلاطون أن الأرواح لها وجود سابق قبل الولادة، فهيَ تهبط من العالم المعقول غير المنظور، وبعد أن يولد الإنسان، تشتاق النفس للعودة إلى عالمها الأول، فالروح البشرية خالدة لا تموت بموت الجسد، ولا تفنى بفنائه، وقد تأثر العلامة أوريجانوس بقول أفلاطون هذا أن الروح لها وجود سابق، وعاد أوريجانوس وعدل عن هذا الرأي، فيقول "الأنبا غريغوريوس" أسقف عام الدراسات القبطية والبحث العلمي: "الخطأ الذي وقع فيه العلامة أوريجانوس في هذا الصدد فهو أنه اتخذ من سؤال التلاميذ: "مَنْ أَخْطَأَ هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى" (يو 9: 2) تكاة للاعتقاد بأن الأرواح البشرية كانت تحيا سابقًا في العالم الآخر، ثم أخطأت، فعاقبها الله بأن طردها من ذلك العالم الروحاني إلى عالم المادة وحبسها في أجساد لتكفّر عن خطاياها في حياتها السابقة، وهو الرأي الذي ذهب إليه أفلاطون، فاعتذر صراحة في بعض كتبه عن هذا الخطأ وعدل عنه"(217).

 فالإنسان عند أفلاطون ذو طبيعة ثنائية، إذ يتكون من نفس خالدة تنتمي للعالم العقلي الباطني الحقيقي غير المنظور الخالد، وجسد ينتمي للعالم الحسي الظاهري الفاني الذي نعيش فيه، وشبه أفلاطون النفس بعربة يجرها جوادان مجنحان، أحدهما جواد أبيض مطيع رمز للحماسة، والجواد الآخر أسود جامح رمز للشهوة. وقال أفلاطون أن النفس تتحكم فيها القوى الشهوانية أو الغضبية أو العقلانية، فالنفس الشهوانية تسعى نحو اللذة الحسية، والنفس الغضبية تسعى نحو اللذة الهوائية، أما النفس العاقلة فأنها تسعى نحو اللذة العقلية الأخلاقية. وبينما قال "أفلاطون" أن "الإنسان" مجرد نفس تستخدم الجسد، فإن "أثيثاغوراس" قال أن الإنسان نفس وجسد في وحدة واحدة، فأي تصرف للإنسان تشارك فيه النفس مع الجسد، وأعضاء الجسد مجرد أدوات تتم من خلالها الأفعال، وهيَ تشترك مع النفس في تحمل المسئولية، لذلك فإن الدينونة لا تكن عادلة إن لم تشمل الاثنين النفس والجسد.

5- تناسخ الأرواح: اعتقد أفلاطون مثل فيثاغورث بتناسخ الأرواح، فقال أن النفس الشهوانية الدنيئة تسكن في جسم حمار أو ما شابه ذلك، والنفس الطاغية المؤذية تسكن في جسم ذئب أو صقر، والنفس التي افتقدت الحكمة توجد في جسم نملة أو نحلة (راجع د. أميرة حلمي مطر - الفلسفة اليونانية تاريخا ومشكلاتها ص192 - 224).

6- تقسيم العلوم: قسَّم أفلاطون العلوم والمعارف إلى ثلاثة أنواع:

أ- سفلي: وهيَ العلوم الطبيعية الحسية التي تعتمد على الحواس، ويضاف إليها المعرفة الظنية، وكلما كان موضوع العلم ماديًا متغيّرًا كلما كان سفليًا.

ب- وسطي: وهيَ علوم الرياضيات، فهيَ تقع بين المعرفة المادية والمعرفة العقلية، فهيَ معرفة استدلالية، مثل معرفة خصائص المثلث والكرة وتلك الأمور الرياضية.

جـ- المبدأ الأول والمثل: وهيَ المعرفة العقلية من حكمة وفلسفة، وهيَ معرفة يقينية.

7- المساواة: نادى أفلاطون بالمساواة بين الرجل والمرأة، وأن يتاح للمرأة الفرصة في تولي الوظائف المختلفة في الدولة مثلها مثل الرجل تمامًا.

8- الأخلاق والفضيلة: نادى أفلاطون بالتمسك بالأخلاق والفضيلة، وتوضح "د. أميرة حلمي مطر" نظرة أفلاطون فتقول: "من يستطيع تذوق الجمال الخالص للعالم المعقول ومن يعلم حقيقة الخير... فلا شك أنه سيحاول تأمل هذا العالم المثالي والتمسك بالحكمة والفضيلة حتى يبلغ السعادة التي هيَ غاية الفيلسوف... وما العدالة إلاَّ حالة النفس التي توفرت لها المعرفة الفلسفية فانتظمت بحيث تحققت فيها الفضائل الثلاث... فالعفة هيَ فضيلة القوة الشهوانية، والشجاعة فضيلة القوة الغضبية، والحكمة فضيلة القوة العاقلة... ويظهر من محاورات النضج أن أفلاطون لم يلغِ الحياة الحسية إطلاقًا وإنما يقول باخضاعها للعقل ويرى في ذلك نوعًا من النظام الطبيعي"(218).

 ورأى "أفلاطون": "إن الخير الأقصى يتحقق بمزيج من حياة اللذة وحياة التأمل العقلي، على أن يكون التأمل العقلي هو الغالب على حياة اللذة"(219).

 ويقول "أفلاطون" في "محاورة جورجياس": "لكي يكون الإنسان سعيدًا، فينبغي عليه التزام الاعتدال وينأى عن الإسراف فتتحقق العدالة في حياته وفي الدولة... بل يؤكد العلماء (يقصد الفيثاغوريون) بأكاليكليس أن السماء والأرض والآلهة والبشر تربطها جميعًا رابطة الحب، وتلتزم جميعًا بمراعاة قوانين التناسب والعدالة من أجل ذلك فقد سُمي الكون بالنظام Cosmos ولم يُسمَ بعدم النظام"(220).

8- الفن الراقي: أشاد أفلاطون بالفن الراقي وانتقد الفن الرخيص المُبتذل، والذين ادعوا أن أفلاطون قد ضحى بالفن على مذبح الفلسفة قد جانبهم الصواب، لأن أفلاطون كان فنانًا يُقدس القيم والأخلاق والمشاعر الإنسانية، وحض على البحث عن الفنانين الموهوبين والموسيقيين الذين يتقصُّون عن الجمال المُطلّق والخير، وتقول "د. أميرة حلمي مطر": "ويذكر أفلاطون في محاورة القوانين ما ينبغي للفن أن يلتزم به من شروط مثالية أساسها التعبير عن التناسب والائتلاف اللذين يؤثران في النفس الإنسانية تأثيرًا حسنًا ويوجهانها إلى الغايات السامية، ويشيد بالفن المصري القديم، ويمتدح ما فيها من محافظة على القواعد والأساليب الكفيلة بتحقيق الاتزان النفسي. أكد (أفلاطون) ما أورده متناثرًا في المحاورات الأخرى من سمات الفن المثالي الذي ينشده وهو الفن الذي يلتزم بالتعبير عن الجمال والخير المثاليين"(221).

9- العدالة والسعادة: انتقد "أفلاطون" الظُلم والطغيان، فعندما ذهب إلى سيراقوصة وهو يحلم بتحقيق إقامة الدولة العادلة، وملكها ديونيسوس أكرم وفادته، ولكن عندما رأى أفلاطون طغيانه لم يجامله ولم يهابه، إنما انتقده نقدًا لاذعًا معرضًا حياته للخطر. وأكد أفلاطون أن العدالة تحقق السعادة، أما الظلم فيقود للتعاسة. تقول "د. أميرة حلمي مطر" على لسان أفلاطون: "يقول (أفلاطون) أن زيادة الحرية تؤدي إلى نقيضها أو إلى العبودية، وذلك حين يتولى الحكم طاغية يطلق العنان لشهواته فيكون على طرف نقيض من الفيلسوف الذي يسعى إلى الحكمة. وفي ظل هذا الحكم يأبى الجميع الخضوع لأي نظام أو قانون حتى الحيوانات تثور على أوضاعها إذ يعتمد الطغيان على أسوأ أنواع الشهوة شهوة الشر والعدوان، فتختفي العدالة من الدولة ويسودها الظُلم والتعاسة، ذلك لأن العدالة يترتب عليها السعادة ويأخذ أفلاطون يقارن بين سعادة الحاكم العادل الفيلسوف وبين شقاء الطاغية"(222).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ثالثًا: مفهوم "اللوغوس" لدى أفلاطون: اللوغوس في نظر أفلاطون هو الكلمة المنطوقة، أو الكلمة غير المنطوقة التي ما زالت كائنة في العقل. اللوغوس هو "الحوار" (الجدل) بغرض الوصول للحقيقة، وليس كما كان يفعل السفسطائيون أي الجدل بغرض الجدل (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 8 - اللوغوس). ومن أقوال أفلاطون التي تُظهِر مدى تقديره للعقل الذي ينتج الكلمة: "علينا أن نساير العقل إلى حيث يذهب بنا". وإن كان البعض مثل "د. يوسف كرم" أكد أن مفهوم اللوغوس لدى أفلاطون هو الجدل، فإن البعض الآخر مثل "د. ياسين حسين الويسي" يرى أن مفهوم اللوغوس لدى أفلاطون هو "المثل"، فيقول: "وقد اختلفنا مع د. يوسف كرم حول مدلول اللوغوس عند أفلاطون فقد أُعتبر الجدل الصاعد والنازل هو اللوغوس، وفي رأينا أن المثل هو اللوغوس والواسطة. فالموجودات موجودة في علم الله قبل وجودها، بل أن علمه هو سر وجودنا" (الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني - المقدمة).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(206) أورده د. ياسين حسين الويسي - الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني، ص42.

(207) تاريخ الفلسفة اليونانية، ص133.

(208) ترجمة د. عزت زكي - تفسير العهد الجديد - بشارة يوحنا، جـ 1 ص18، 19.

(209) تاريخ الفلسفة اليونانية، ص101، 102.

(210) أورده د. محمد غلاَّب - الفلسفة الإغريقية، جـ 1 ص269.

(211) المرجع السابق، ص270.

(212) أورده د. محمد غلاَّب - الفلسفة الإغريقية، جـ 1، ص272.

(213) الفلسفة الإغريقية جـ 1، ص272، 273.

(214) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ص353، 354.

(215) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ص394، 395.

(216) المرجع السابق، ص49.

(217) الإنجيل للقديس يوحنا - ترجمة اللجنة المشكَّلة بمعرفة البابا كيرلس السادس، ص410، 411.

(218) الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، ص208.

(219) المرجع السابق، ص233.

(220) المرجع السابق، ص210.

(221) المرجع السابق، ص218.

(222) الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، ص204.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/662.html

تقصير الرابط:
tak.la/ayp9rad