ج: أولًا: مفهوم "اللوغوس" لغويًا: "اللوغوس" Logos كلمة يونانية تشمل عدة معاني فلسفية ودينية، فمعنى اللوغوس (الكلمة) يتوقف على السياق الذي استخدمت فيه، ومن هذه المعاني:
1- الكلمة المنطوقة أو الملفوظة أو المكتوبة word التي تصدر من العقل البشري، فهي تُعبر عن القول أو الحوار أو الجدل أو اللغة.
2- العقل أو الفكر البشري، أي القدرة على التفكير المنطقي والاستدلال.
3- القانون أو النظام الذي يحكم الكون ويضبطه ويدير شئونه.
4- كلمة الله التي صارت للأنبياء القديسين.
5- أقنوم الكلمة (اللوغوس) في الثالوث القدوس.
ولفظة λόγος "لوغوس" Logos مشتقة من العقل Legw، ويقول كايتلKittel أن فعل Legw يعني "يضع" فالمقصود به "يجمع الكلمات ويضعها معًا" ثم تطوَّر إلى معنى "يقول أو يتكلم". ويقول "دكتور موريس تاوضروس": "فلفظ "الكلمة" أو "اللوغوس" يعني أولًا وقبل كل شيء: تجميع أو جمع كل من الأفكار التي في العقل، وكذلك الكلمات التي تُعبر عن هذه الأفكار، فكلمة "لوغوس" إذًا تتضمن مدلولين:
أ - الصورة الخارجية التي بواسطتها يُعبَر عن الفكر الداخلي.
ب - الفكر الداخلي نفسه.
أو ما يمكن أن يُسمى بالكلام الظاهري والكلام الباطني، أو كلمة اللسان وكلمة العقل، وفيما يقول Kittel: هناك جانبان لمفهوم "اللوغوس" في الفلسفة اليونانية:
أولًا: لدينا استعمال "اللوغوس" في مفهوم الكلام - الحديث - النطق - التلفظ - الإعلان.
ثانيًا: لدينا "اللوغوس" كحقيقية ميتافيزيقية وكمصطلح فلسفي ولاهوتي ارتبط بكينونة العالم والكيان الإلهي" (263).
ويقول "القديس جيروم": "لوغوس" في اليونانية لها معانٍ كثيرة، فهي تعني الكلمة، والعقل، والتقدير، وعلة الأشياء الفردية التي عليها تقوم. لكل هذه جميعًا نحن نُعلن عن المسيح" (264).
وجاء في الموسوعة البريطانية عن اللوغوس "Logos" "اللوغوس" في علم اللاهوت وفي الفلسفة اليونانية يعني المنطق الإلهي الموجود ضمنًا في الكون، ينظمه ويعطيه شكلًا ومعنى" (راجع د. ياسين حسين الويسي - الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني). ومن الطبيعي أن يكون المنطق الإلهي أزليًا بأزلية الله.
وإن كان مصطلح "اللوغوس" يعني "الكلمة" نجد ثلاثة ألفاظ في اللغة اليونانية تُعبر عن الكلمة:
أ - Epos: الكلمة التي يتفوَّه بها الشخص فتؤخذ على أنها كلمته المسئول عنها أو مثله أو وعده الملتزم به، مثلما ننسب نص معين لكاتبه، فإن تراجع عنه أعتبر هذا ضد مصداقيته.
ب - Rhema: الكلمة مجرد لفظ مكوَّن من حروف، فمثلًا كلمة "يوسف" مكتوبة من أربعة حروف (ياء - واو - سين - فاء) وهذا ما ندعوه في الإنجليزية "المنطق" Pronounciation.
جـ - Logos: الكلمة بمعنى المنطق أو الفكر، ومنها جاء كلمة "المنطق" Logic، فاللوغوس في الفكر اليوناني هو العقل المدبر للكون (راجع الأنبا أثناسيوس أسقف بني سويف والبهنسا - تفسير إنجيل يوحنا).
ويقول "عباس محمود العقاد" عن مفهوم اللوغوس في الثقافة اليونانية: "الكلمة" اللوغوس "هو العقل الإلهي، رائد كل نظام والمهيمن على كل ناموس في عالم الطبيعة والأحداث الذي يسير حسب حكمته وتدبيره، وهو الذي يستلهم منه الإنسان كل ما يسمو به، ولا يخرج في شأن من شئونه على إرادة الكلمة وتدبيره، وكذلك سائر المخلوقات. ولا تخرج فلسفة الكلمة عن القول بأنها هيَ العقل الإلهي وأن كل شيء في الوجود دليل على وجود العقل الإلهي المنظم الحكيم" (265).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
![]() |
ثانيًا: لماذا دُعي الأقنوم الثاني في الثالوث القدوس أقنوم الكلمة "اللوغوس"؟... هناك تشابهات بين ولادة الكلمة من الفكر وبين ولادة أقنوم الكلمة من الآب، نذكر منها:
1- تولد الكلمة من العقل بدون ألم، وأقنوم الابن الكلمة مولود من الآب بدون ألم. يقول "العلامة أوريجانوس": "كما تخرج الكلمة من العقل، دون أن تمزقه، أو تُحسب الكلمة منفصلة أو منقسمة عن طبيعة العقل، هكذا وعلى هذا النمط ينبغي أن ندرك علاقة الابن بالآب الذي على صورته" (راجع موقع الأنبا تكلا - قاموس المصطلحات الكنسية - لوغوس). ويقول "ديونسيوس الصليبي": "أن الابن سُمي كلمة لأنه مولود من الآب كما أن كلمتنا العقلية يلدها عقلن (الأمر) الذي هو روحي محض. ثم كما أنه بوجود العقل توجد فينا الكلمة لأن العقل إذ لم يُدرك ويَعقِل لا يكون عقلًا. كذلك منذ وجود الآب (من الأزل) وُجِد الابن (من الأزل أيضًا) أي الكلمة، بحيث لا يمكنك أن تدل على زمن أو تتصوره من دون أن يكون الابن الكلمة (كائنًا)" (266).
2- الكلمة لها وجود سابق في الفكر قبل أن تولد وتُدعى بنت شفاه، فيقول "القمص سيدروس عبد المسيح": "للكلمة وجود قبل أن تصير موجودة. كانت الكلمة موجودة في حضن العقل كفكرة... كم من كلمات ستطاع متكلموها تخبئتها، وكم من كلمات أخرى قبعت حبيسة العقل... إذًا فالكلمة تبدأ رحلتها بعد خروجها من فم المتكلم، لكنها لا تبدأ وجودها بخروجها من فم المتكلم. أن وجودها سابق عن خروجها. في وجود الكلمة السابق عن خروجها كانت كيانًا غير مادي، رغم أنها بعد خروجها صارت كيانًا ماديًا... انتقلت الكلمة من العالم غير المادي كفكرة، لتحيا وسط خيام عالم مادي ككلمة. إلا يحتفظ العقل بأسرار، تظل فيه عشرات من السنين، ولا تخرج إلاَّ في أوانها. لذلك لا يمكن أن نقيس عن الكلمة بدءًا من تواجده" (267). وعندما قال القرآن: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم" (سورة النساء 171)، فقوله " ألقاه" أي أن لها وجود سابق.
3- كلمة الإنسان تعلن عن أفكار الإنسان وأسرار العقل، والكلمة تجسّد الفكر الغير منظور وتُعلن شخصية المتكلم حتى قيل: "تكلم لكي أراك"، فمن كلام المتكلم تستطيع أن تحدد شخصيته وتتعرف على أفكاره، هكذا عندما تجسَّد أقنوم الكلمة أعلن لنا أسرار الله الآب: "الله لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو 1: 18)... " وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (مت 11: 27).
4- كلمة الإنسان تعلن قوة وسلطة المتكلم، كلمة نبوخذ نصر حطمت أورشليم وهدمت الهيكل، وكلمة كورش أعادت المسبيين وبنت الهيكل. كلمة إيليا أغلقت السماء وبكلمة منه فاضت الأمطار. كلمة من بطرس أقامت طابيثا وكلمة من بولس أقامت أفتيخوس... ليست كلمة الطالب مثل كلمة المدرس، وليست كلمة المدرس مثل كلمة المدير، وليست كلمة المدير مثل كلمة الوزير، وليست كلمة الوزير مثل كلمة رئيس الجمهورية، وهكذا أقنوم الكلمة في تجسده أعلن لنا قوة وسلطان الآب، عندما حمل أثقالنا وأمراضنا رأينا فيه حنان الله، وعندما أسكت الرياح وأقام الأموات رأينا فيه قوة الله، وعندما تألم ومات عنا وقام وأقامنا معه رأينا فيه محبة الله غير المحدودة.
5- كما أن الكلمة هيَ أداة الاتصال بين المتكلم والمُخاطب هكذا أقنوم الكلمة المتجسد صار أداة الاتصال بين الله المتكلم والإنسان المُخاطب، " الله، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاء بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ" (عب 1: 1-2). أقنوم الكلمة المتجسد ابن الله هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، بين السماء والأرض، وكما أن الكلمة لها طبيعة المتكلم، هكذا الرب يسوع له طبيعة الله (عب 1: 3). وكما أن الكلمة ترقى بالمخاطب هكذا الرب يسوع جاء إلى عالمنا ليرفع من شأننا فتكون لنا حياة ويكون لنا أفضل (راجع كتابنا: أسئلة حول حتمية التثليث، س 22: لماذا دُعي الأقنوم الثاني بالكلمة؟).
_____
(263) اللوغوس مفهوم الكلمة في العهد الجديد جـ 1، ص51.
(264) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب يوحنا جـ 1، ص88.
(265) حياة المسيح، ص74.
(266) أورده القس منسى يوحنا - شمس البر، ص130.
(267) لاهوت اللوغوس - وكان الكلمة الله جـ 2، ص301، 302.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/667.html
تقصير الرابط:
tak.la/rq786zr