St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

663- كيف كان "أرسطو" (384 - 322 ق.م) تلميذًا مميَّزًا، فأقامه أفلاطون مدرسًا للخطابة في أكاديمية أثينا، إلاَّ أن أفلاطون لم يسلم من نقد أرسطو اللاذع؟ ولماذا عاد أرسطو معلم الإسكندر الأكبر إلى أثينا؟ وهل فلسفة أرسطو كانت نسخة من فلسفة معلمه أفلاطون؟ وما هو مفهوم "اللوغوس" لدى أرسطو؟

 

ج: أولًا: Aristotle أرسطو (384 - 322 ق.م): يقول "د. محمد غلاَّب" عن أرسطو ومعلمه ومعلم معلمه: "ألم يتخذ علماء الدنيا جميعهم منطقة نبراسًا هاديًا يبددون بوساطته نوره ظلمة الباطل وحنادس الشكوك والأوهام؟. ألم يتخذ الساسة في ماضي العصور وحاضرها جمهورية "أفلاطون" وسياسة "أرسطو" مرشدًا فيما يضعون من دساتير ويشرّعون من قوانين؟ ألم يطمئن الأخلاقيون من مشارق الأرض ومغاربها إلى خير "سقراط" وفضيلة "أفلاطون" وسعادة "أرسطو"؟. ألم يجزم كثير من علماء هذا العصر بأن كثيرًا ما وصل إليه "أرسطو" من بحوث في الرياضيات وعلم النفس وعلم الحيوان والنبات لا يزال موضع احترام كل العلماء في هذه العصور الحديثة؟"(223).

وُلِدَ "أرسطو" سنة 384 ق.م في "إستاجيرا" بشبه جزيرة خلقيدونية، وهيَ مدينة يونانية على حدود مقدونية في أسرة عريقة، وكان والده "نيقوماخوس" طبيب الملك المقدوني "آمنتاس الثاني" جد الإسكندر الأكبر، وعندما بلغ أرسطو الثامنة عشر من عمره ذهب إلى أثينا معقل الفلسفة الإغريقية القديمة والتحق بالأكاديمية التي أسَّسها أفلاطون، وتتلمذ على يديه، وكان أفلاطون معجبًا بذكاء أرسطو الخارق، فدعاه "العقل"، كما دعاه "القرَّاء" بسبب شغفه بالقراءة والمعرفة. كما كان أرسطو أنيقًا ووسيمًا، سريع البديهة، لاذع النقد، وبعد أن أنهى أرسطو دراسته أقامه أفلاطون مدرسًا ومعلمًا للخطابة في الأكاديمية، ولم يكن أرسطو نسخة من أستاذه أفلاطون، فبالرغم من حُب أفلاطون له، إلاَّ أنه كان لا يستريح لمقالاته في التمسك بالواقعية، كما كان أرسطو يضايق أستاذه أفلاطون أحيانًا بالأسئلة المُحرجة، ونقده اللاذع الذي يصل إلى حد التجريح، بينما نجد "أرسطو" يبرر موقفه بأن من واجبه كفيلسوف حق النقد، فيقول عن حقه في النقد: "كواجب حقيقي من جانبنا أننا لصالح الحق ننقد حتى آراءنا الخاصة، خصوصًا ما دمت أدَّعي إني فيلسوف. وعلى هذا فبين الصداقة وبين الحق اللذين هما كلاهما عزيز على أنفسنا نرى فرضًا علينا أن نؤثر الحق"(224). كما قال "أرسطو": "أحب أفلاطون وأحب الحق، وأوثر الحق مع أفلاطون"(225).

وظل "أرسطو" يباشر التعليم في أثينا نحو عشرين عامًا، لحين وفاة أستاذه "أفلاطون"، وكان يعد نفسه لرئاسة الأكاديمية خلفًا لأستاذه أفلاطون، ولكن عندما تولى رئاسة الأكاديمية "أسبوزيبوس" هجر أثينا إلى آسيا الصغرى، وحلَّ ضيفًا على زميله "هرمياس" الذي صار حاكمًا لمدينة "أترنوس" الذي أقام فرعًا لأكاديمية أفلاطون في مدينة "أسوس" وتزوج من "بيثتاس" Pythtas ابنة هرمياس بالتبني. ثم استدعى "فيليب" ملك مكدونية "أرسطو" ليُشرف على تثقيف ابنه "الإسكندر" ذو الثلاثة عشر ربيعًا، وظل الإسكندر الأكبر في حداثته يتتلمذ على يد أرسطو نحو أربع سنوات، وعندما بدأ ينتظم في الحملات الحربية وذاق حلاوة النصرة، فارق أرسطو القصر الملكي وعاد إلى أثينا، فأقام مدرسته الشهيرة "لوقيون" (الليسيه) في الملعب الرياضي، وفاقت مدرسة أرسطو في أثينا جميع المدارس الأخرى، وحظت بتشجيع الإسكندر الأكبر ملك مكدونيا لها، كما أغدق عليها من هباته المالية، وقد ألحق أرسطو بالمدرسة متحفًا للتاريخ الطبيعي، ومكتبة ضخمة ضمت مئات المخطوطات القديمة. واعتاد "أرسطو" أن يُلقي محاضراته في الملعب صباحًا ومساءً وهو يتمشى وتلاميذه يلتفون حوله ويسيرون معه، فدعاهم الناس بالمشائيين، وخصص أرسطو دروس الصباح للفلسفة ودروس المساء للخطابة، وكتب عدة مؤلفات للطلبة دُعيت بالكتب المستورة، كما كتب عدة مؤلفات للعامة دُعيت بالكتب المنشورة. وظل أرسطو يعلم في مدرسته بأثينا نحو اثنتي عشرة عامًا، ولكن بعد موت الإسكندر الأكبر هاج عليه الأثينيون، ولأن أفكاره لم ترق لأصحاب المصالح بالإضافة لنقده اللاذع، لذلك تآلبوا عليه، متهمين إياه بالإلحاد والكُفر بالآلهة واحتقارها وعدم تقديم القرابين لها، مثلما فعلوا من قبل مع معلم معلمه "سقراط" العظيم، وإذ وعى أرسطو الدرس وعرف أن نهايته صارت وشيكة، عهد بالمدرسة إلى "تاوفرسطوس" وغادر أثينا متجهًا إلى مدينة "خلسيس"، وعندما عاتبه البعض على هروبه هذا، أجاب بأنه لا يضن بحياته، ولكنه هرب ليمنع الأثينيون أن ينتقموا من الفلسفة مرتين، مرة عندما قتلوا سقراط والثانية عندما سعوا لقتله، والحقيقة أن أرسطو هرب مذعورًا من أثينا لينجو بحياته، حتى أنه ترك كتبه في أثينا، وبعد هروبه بعام سنة 322 ق.م توفي. ومما يُذكر عن أرسطو أنه برع في شتى أنواع العلوم وتعمق فيها، حتى قال عنه "تشارلز داروين" أنه مؤسس علم البيولوجيا، ويقول "يوسف كرم": "وقد أعطانا أرسطو حدودًا وتعاريف لا تُحصى في جميع فروع المعرفة، وهدانا إلى حقائق لا تُقدَّر، صنَّف العلوم واشتغل بها علمًا علمًا، فكان المُعلم الأول في كل علم منها، وخلَّف لنا كُتبًا كانت ولا تزال أصولًا لا غنى عنها ولا تزال مرجع المفكرين"(226).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

St-Takla.org Image: Aristotle, by Peter Scheemakers, bust: Stall E - Library of Trinity College, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April 21, 2017. صورة في موقع الأنبا تكلا: أرسطو، للفنان بيتر شيماكرز، تمثال نصفي - من صور مكتبة كلية الثالوث (ترينيتي كوليدج)، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 إبريل 2017 م.

St-Takla.org Image: Aristotle, by Peter Scheemakers, bust: Stall E - Library of Trinity College, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April 21, 2017.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أرسطو، للفنان بيتر شيماكرز، تمثال نصفي - من صور مكتبة كلية الثالوث (ترينيتي كوليدج)، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 إبريل 2017 م.

ثانيًا: فلسفة أرسطو: من أهم مبادئ فلسفة أرسطو، ما يلي:

1- بين أرسطو وأفلاطون: خالف "أرسطو" أستاذه "أفلاطون" في بعض الأمور، فمثلًا يرى أفلاطون أن الله يوجد في مادة نارية، بينما اعتقد أرسطو أن الله يوجد في مادة أثيرية، فيقول "الشهيد يوستين": "كان أفلاطون يتصرف وكأنه نزل توًا من السماء بعد أن عرف وعاين كل الأمور السمائية مؤكدًا أن الله العلي يوجد في مادة نارية، في حين يناقض أرسطو هذا الرأي شارحًا باسهاب فلسفته الخاصة في كتاب موجه للإسكندر المقدوني ويفند هذا الرأي بوضوح وخبرة مدعيًا أن الله لا يوجد في مادة نارية. وعلى العكس، يقول أرسطو أن الله يوجد في مادة أثيرية غير متغيرة أي من نوع خامس من المادة اخترعه هو، إذ يقول: "من الخطأ القول، كما يدعي البعض عن الألوهة بأن الله موجود في مادة نارية..." (نصح لليونانيين - ف 5)(227). كما يذكر أمثلة أخرى عن تضارب آراء أرسطو مع أفلاطون، فمثلًا:

أ- قال "أفلاطون" أنه توجد ثلاث علل أولية لكل الأشياء وهيَ الله، والمادة، والشكل، فاللَّه خالق كل الأشياء، والمادة موضوع التشكيل الأول للمخلوقات، والشكل أي نوع كل مخلوق من المخلوقات. بينما قال "أرسطو" بالمبدأين الأولين فقط أي الله والمادة، ولم يذكر الشكل على الإطلاق.

ب- قال "أفلاطون" إن الله هو الأول، والأفكار تحتل المركز الأول الثابت لأعلى السموات. بينما قال "أرسطو" إن الله هو الأول، وأنكر وجود الأفكار.

جـ- قال "أفلاطون" إن النفس البشرية تتكون من العقل، والإحساس، والرغبة. بينما قال "أرسطو" إن النفس البشرية لها ملكة العقل فقط لا غير.

د- قال "أفلاطون" إن النفس البشرية خالدة، وأنها في حركة دائمة، بينما قال "أرسطو" إن النفس البشرية ليست خالدة، بل قابلة للموت، وهيَ غير قابلة للحركة (راجع نصح لليونانيين ف6، 7 - النصوص المسيحية في العصور الأولى ص337 - 339).

2- الإيمان باللَّه: اعتقد أرسطو أن العالم قديم أزلي، فلا يوجد خالق للعالم، فقيل عن أرسطو إما أنه كان مُلحدًا أو من أتباع المذهب الطبيعي، فهو من الذين يؤلهون الطبيعة.

3- النفس البشرية: بينما اعتقد أفلاطون أن الأرواح لها وجود سابق قبل ولادة الإنسان، قال أرسطو أن النفس البشرية لا وجود سابق لها بدون الجسد.

4- بين الفلسفة والحواس: في كتابه "الميتافيزيقيا" أوضح "أرسطو" عمل الحواس في رصد الظواهر، كما أوضح أن الفلسفة والعلم يكشفان علل وأسباب هذه الظواهر. فمثلًا الحواس تخبرنا أن النار دائمًا ساخنة وأن الدواء يشفي المريض، ولكن الحواس تعجز عن تعليل ذلك، لماذا النار دائمًا ساخنة؟ ولماذا هذا الدواء يُشفي ذاك المريض؟ أما الفلاسفة والعلماء فهم الذين يتعمقون في المعرفة لمعرفة العلل الأولى للوجود. ويقول "أرسطو": "والعلم المُسمى بالحكمة أو الفلسفة Sophia هو العلم الذي يصل إلى معرفة العلل الأولى للوجود. إنها العلم الذي يصل إلى الإدراك الكلي الذي يُفسر لنا الجزئيات، وهيَ العلم الذي يصل إلى المبادئ الأولى التي تعتمد عليها كل العلوم وهيَ أخيرًا العلم بأكمل الموجودات الذي يدرس الخير الأقصى، فهيَ العلم الإلهي الذي يبحث أيضًا في الألوهية ويليق بالآلهة. ولم تنشأ الفلسفة عن حاجة عملية وإنما نشأت عن حُب المعرفة لذاتها..."(228).

5- السعادة: أوضح "أرسطو" أن الجوهر الإلهي أو العقلاني في الإنسان هو الذي يحقق السعادة، فالسعادة تتحقق بالفكر والتأمل، والإنسان الحكيم يستطيع أن يحصل على السعادة بدون الاحتياج للآخرين، وتقول "د. أميرة حلمي مطر" عن نظرة أرسطو للسعادة: "حياة التأمل والفكر هيَ غاية في حد ذاتها ذلك لأن التأمل ليس نشاطًا يهدف إلى غاية وراءه. ويقول أننا نقوم بالحروب من أجل أن نصل في النهاية إلى السلام حتى لا نتحوَّل إلى قتلة، والحياة الحربية والسياسية رغم ما تنطويان عليه من مجد وعظمة إلاَّ أنهما لا يمكن أن تكونتا غاية في حد ذاتها بل هما يمهدان لغاية أخرى أسمى هيَ السعادة، أما حياة الفكر والتأمل فهيَ غاية للإنسان وهيَ التي توفر له أنواع السعادة"(229).

 

ثالثًا: مفهوم "اللوغوس" لدى أرسطو: يرى البعض مثل "يوسف كرم" أن "اللوغوس" عند أرسطو هو "المنطق"، بينما يرى آخرون مثل "د. ياسين حسين" أن اللوغوس عند أرسطو هو "الحركة"، فيقول: "واختلفنا حول اللوغوس عند أرسطو، فيرى د. كرم أن المنطق عنده هو اللوغوس والواسطة. وفي رأينا أن الحركة هيَ اللوغوس والواسطة. فأرسطو يقول: بمحرك أول يحرك ولا يتحرك، وهو الله، ومحرك آخر يحرك ويتحرك، وهو العالم. إذًا فالواسطة بينهما هو الحركة بين المحركين" (الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني - المقدمة)... الله عند أرسطو هو كامل لا يحتاج إلى شيء ما، لذلك فهو ثابت لا يتحرك، إنما هو في سكون تام، وهو المحرك الأول الذي صدرت منه الحركة فحركت كل شيء، ولكن إن كان ثابت فكيف تصدر منه الحركة؟ هو طاقة جاذبة مثل المغناطيس، فالمغناطيس بالرغم من أنه ثابت لكن يمتلك الطاقة التي تحرك وتجذب الأشياء (الحديدية) إليه. وهذا الفكر الأرسطي هو الذي انعكس لدى المتصوفين المسلمين الذين قالوا أن الحب هو الحركة الأولى التي صدرت من الله الساكن الثابت فأنشأت الوجود (راجع يوسف كرم - تاريخ الفلسفة اليونانية)؟

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(223) الفلسفة الإغريقية، جـ 2 ص5، 6.

(224) الفلسفة الإغريقية، جـ 2 ص7.

(225) أورده يوسف كرم - تاريخ الفلسفة اليونانية، ص137.

(226) تاريخ الفلسفة اليونانية، ص245.

(227) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ص336.

(228) أوردته د. أميرة حلمي مطر - الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، ص261.

(229) المرجع السابق، ص233.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/663.html

تقصير الرابط:
tak.la/94tjgsc