St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

669- ما هو "مفهوم اللوغوس" في الفكر الفلسفي اليوناني القديم من خلال الفلاسفة اليونانيين والفيلسوف اليهودي السكندري فيلون؟

 

ج: ناقشنا من قبل "مفهوم اللوغوس" لدى بعض الفلاسفة اليونانيين مثل هيراقليطس، وفيثاغورث، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو، والرواقيين، وفيلون الفيلسوف اليهودي السكندري، وخلصنا إلى الآتي:

1- "اللوغوس" لدى هيراقليطس (535 - 470 ق.م): هيراقليطس أول من استخدم تعبير "اللوغوس" وعرَّف اللوغوس بأنه العقل الإلهي، والقانون الإلهي، والقانون العام، والقانون الكلي الذي يحكم كل شيء، ويكفي كل شيء، وهو فوق كل شيء، هو قانون العالم، وهو زيوس، هو المبدأ الأول القانوني الذاتي، مبدأ الحياة، كل شيء قد صُنع وخُلق بواسطته، هو القوة العاملة التي تدبر العالم، مصدر كل القوانين الإنسانية، غير مفترق عن الخليقة، كائن في كل مكان وفي كل زمان، وفي أعماق نفوسنا وعقولنا، الروح الذي يسري في الطبيعة بدون انفصال المهيمن والمسيطر على كل أمور الحياة.

 

2- اللوغوس لدى فيثاغورس (570 - 495 ق.م): قال فيثاغورس أن "الله" هو المهندس الأكبر الذي ينظم ويهندس العالم، و"اللوغوس" في نظر فيثاغورث هو "الأعداد" لأن الرياضيات في نظر فيثاغورث هيَ أصل العالم، والأعداد هيَ الأداة التي يستخدمها الله من أجل تنظيم العالم، وكل عدد له سر، ويتحكم في الوجود من ناحية من النواحي.

 

3- اللوغوس لدى سقراط (470 - 399 ق.م): اعتقد سقراط بالوحدانية، أن الله واحد، هو الذي خلق الكون وهو الذي يحكم ويدبر ويسوس الوجود، وأن اللوغوس هو "الوحي"، فاللَّه يوجه البشر للفضيلة عبر اللوغوس (الوحي) والوحي ليس ملاكًا، ولكنه صوت داخلي في الإنسان، وأوعز سقراط انصرافه عن العمل بالسياسة إلى اللوغوس، ذاك الصوت الداخلي الذي نهاه عن أن ينشغل بالسياسة.

 

4- اللوغوس لدى أفلاطون (427 - 347 ق.م): رأى أفلاطون أن "اللوغوس" هو الحوار (الجدل) بغرض الوصول إلى الحقيقية، فاللوغوس هو الكلمة المنطوقة أو غير المنطوقة التي ما زالت كامنة في العقل، ومن تقدير أفلاطون للعقل قال: "علينا أن نساير العقل إلى حيث يذهب بنا".

 

St-Takla.org Image: Philo of Alexandria, Philo Judaeus (c. 20 BCE – c. 50 CE). - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493. صورة في موقع الأنبا تكلا: فيلو السكندري، فيلو جودايوس (حوالي 20 قبل الميلاد - حوالي 50 ميلادية). - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

St-Takla.org Image: Philo of Alexandria, Philo Judaeus (c. 20 BCE – c. 50 CE). - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فيلو السكندري، فيلو جودايوس (حوالي 20 قبل الميلاد - حوالي 50 ميلادية). - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

5- اللوغوس لدى أرسطو (384 - 322 ق.م): رأى البعض أن "اللوغوس" لدى أرسطو هو المنطق، وهو قريب من رأي أفلاطون، بينما رأى آخرون أن للوغوس لدى أرسطو هو الحركة، هو العقل النشط الذي يُحرك العالم ويُضفي عليه النظام والترتيب، فقال أرسطو أن "الله" كامل لا يحتاج إلى شيء، فهو ثابت، في سكون تام، وهو المُحرك الأول الذي صدرت عنه الحركة دون أن يتحرك، مثل المغناطيس الذي رغم ثباته فهو يملك طاقة تحرك وتجذب المواد الحديدية إليه، ورأى أرسطو أن اللوغوس متعدد، فهو يمثل المحركات الأخرى.

 

6- اللوغوس لدى الرواقيين: شغل مفهوم اللوغوس الرواقيون، فقالوا أنه يعادل مفهوم "الله"، فاللوغوس يمثل العناية الإلهية، وهو زيوس، والمبدأ الذي خلق العالم، والروح المتأجج الذي يشيع الحياة في العالم، القوة التي تنشئ وتشكل المادة، وتعطي للنبات النمو، وللحيوان الحركة، وللإنسان المعرفة وقوة العمل الأخلاقي، ويحتوي اللوغوس في ذاته "الأصول البذرية" لجميع الكائنات، وهو يمثل العقل الإلهي الإنساني المشترك.

 

7- اللوغوس لدى فيلون (20 ق.م - 50م): قال فيلون أن "الله" واجب الوجود، لا متناه، أزلي، غير متغيَّر، مفارق للعالم، وأن هناك كائنات متوسطة بين الله والعالم، و"اللوغوس" هو أسمى وأرقى جميع هذه الكائنات المتوسطة، و"اللوغوس" هو الوسيط الذي خلق العالم، وهو الوسيط بين الله والعالم، وأيضًا بين الله والنفس، فهو أول القوى الصادرة من الله، ودعاه فيلون "ابن الله البكر"، و"ملاك الرب (يهوه)"، و"الملاك الأعلى"، و"صورة الله"، و "سفير الله"، و"أداة الله"، و"الإنسان الإلهي"، و"قانون العالم"، و"الوثاق" الذي يربط أجزاء العالم المختلفة، و"العامل والقوة العاملة في الكون"، و"الحكمة الإلهية"، و"الخير الإلهي"، واستخدم فيلون تعبير "اللوغوس" مئات المرات في كتاباته بمعاني مختلفة، حتى أن بعضها يناقض البعض. اللوغوس لدى فيلون ليس هو الله، وليس أزليًا بأزلية الله.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

وتعليقًا على "مفهوم اللوغوس" في الفكر الفلسفي اليوناني القديم، يقول "د. ياسين حسين اليوسي": "وقد خلصت من هذا البحث إلى نتائج مهمة، منها:

1- أن "الكلمة" هو ذلك اللوغوس المقدَّس والواسطة بين الله والموجودات.

2- أن هذا المفهوم لم يغب عند أي فلسفة ظهرت، سواء كانت في فكر اليونان قبل الفلسفة أو في المدارس الفلسفية اليونانية القديمة قبل سقراط أو عند سقراط.

3- لقد تعاملت الفلسفات مع هذا المفهوم في كل وقت بألفاظ خاصة، فنجده حينًا السر الذي يتمخض عنه الوجود، وحينًا آخر ناموسًا، يقوم به الوجود، ونجده حينًا آخر المادة الأولى المكونة للعناصر الطبيعية، ونجده عددًا ووحيًا، أو غير ذلك من الألفاظ.

4- أن أهم لفظ تعامل به فيلسوف مع الكلمة هو لفظ " الوحي " عند سقراط، فقد كان له أثر كبير في الفكر الإسلامي لاحقًا.

5- أن مفهوم "الكلمة" عند أفلاطون تجسَّد في المثال الذي اشتقت عنه نظريته في المثل.

6- أصبحت الحركة تحمل مفهوم "الكلمة" عند أرسطو، باعتبارها هيَ الواسطة بين المُحرِك الأول الذي لا يتحرَّك وبين المحرك الأول.

7- أن مفهوم اللوغوس أخذ مكانة كبيرة في الفكر الفلسفي والديني اليهودي.

8- يعتبر فيلون الإسكندري من أعاظم رجالات اليهود الذين لهم أثر كبير في الفكر اليهودي..." (273).

 

ومما يجب التأكيد عليه أنه بالرغم من أن تعبير "الكلمة" (اللوغوس - الميمرا) هو تعبير واحد سواء في الديانة اليهودية أو الفكر الفلسفي اليوناني القديم أو الفكر المسيحي عبر إنجيل يوحنا، لكن يظل الاختلاف بينًا في مفهوم ومعنى "اللوغوس" بين ما قدمه القديس يوحنا الإنجيلي بإرشاد الروح القدس عن مفهوم اللوغوس، وما تردد صداه في الفلسفات اليونانية القديمة، فبعض الفلاسفة نطق بشيء من الحق وليس كل الحق، ونحن نقبل كل ما يتوافق مع الحق الإنجيلي، ونرفض كل ما يتعارض مع الحق الإلهي، ومن أمثلة هذه الأقوال المرفوضة:

1- قول البعض بأن "اللوغوس" ليس هو الله، بل هو وسيط بين الله والخليقة، وليس أزليًا بأزلية الله، فهذا يخالف تمامًا قول الإنجيل: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ الله، وَكَانَ الْكَلِمَةُ الله" (يو 1: 1).

2- قول البعض بأن "اللوغوس" هو قوة صادرة من الله، أو القانون العام، أو القانون الكلي... وليس هو الله ذاته.

3- قول البعض أن الله يترفع عن المادة، لأن المادة شر وخطية، فهو لم يخلق هذا الكون المادي، وهذا يخالف ما جاء في الإنجيل: "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يو 1: 3)... " كَانَ فِي الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ" (يو 1: 10)... إلخ.

ومما نؤكد عليه أيضًا أن الفكر الفلسفي اليوناني لم يرقى إلى فكره التجسد الإلهي، وأن يتخذ الله طبيعة بشرية كاملة، أي جسد مادي وروح بشرية. أما الإنجيل فيقول صراحة وبلا أي مواربة: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو 1: 14). كذلك ظل الفكر اليوناني بعيدًا عن عقيدة الفداء.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(273) الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني، ص153.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/669.html

تقصير الرابط:
tak.la/y876qmt